عربي
Sunday 22nd of December 2024
0
نفر 0

بحديث ـ إن صحّ ـ فهو انتقاص لجدّه ؟

بحديث ـ إن صحّ ـ فهو انتقاص لجدّه ؟

وما بال الزهريّ وهو الذي روى عن عدّة من الصحابة ، منهم أنس ، وسهل بن سعد ، وحتّى عن ابن عمر الذي ذكروا في ترجمته أنّه روى عنه ثلاثة أحاديث ، ما باله يروي هذا الحديث عن علي بن الحسين ـ كما يسمّيه ـ وهو من التابعين ، ولا يرويه عن المسور الصحابيّ الذي هو يرويه ، وهو قد أدركه ، وكان أشدّ لصوقاً به من علي بن الحسين نسباً وسبباً فكلاهما زهري ، ولأنّ أباه والمسور كانا معاً من أصحاب ابن الزبير ، وإلى ذلك أشار عبد الملك بن مروان حين اتّصل به الزهريّ فاستنسبه فنسب نفسه ، فقال عن أبيه : " إن كان أبوك لنعاراً في الفتن " (1) .

ولقد كان عمر الزهريّ عند وفاة المسور فوق عمر المسور حين سمع الحديث المزعوم ، فقد مرّ أنّه قال كاذباً : سمع الحديث وهو يومئذ محتلم ! والصحيح أنّه كان ابن ثمان سنين ، بينما كان عمر الزهريّ عند وفاة المسور ثلاث عشرة سنة .

وهكذا سؤال بعد سؤال يوضّح ما في الإسناد من خلل ، مضافاً إلى ما في المتن من علل ، ويبقى بلا جواب .

ولنترك حال الرجال وما فيهم من مقال وإشكال ، ولنعد إلى متن الحديث لنتبيّن فيه مواطن العلل ، ولنقرأه ثانياً حسب وروده في كتاب البخاريّ ـ الذي هو أصحّ كتاب بعد كتاب الله عند المغالين فيه ـ ولا نحاسبه على تقطيع أوصاله إلى خمسة أحاديث ـ ولا على حشر بعضها تحت عناوين لا تمت إليها بصلة ، ولا ... ولا ، فنحن والحديث الأوّل عنده ، فنقرأ فيه :

أوّلاً : قول المسور لعلي بن الحسين ـ كما في الحديث : هل لك إليّ من حاجة تأمرني بها ؟ فقال : " لا " .

____________

1- تاريخ مدينة دمشق 55 / 297 .


الصفحة 118


فهل لنا أن نسأل المسور : أيّ حاجة تلك التي يمكن له أن يقضيها غير ما يتعلّق بالسلطة الأمويّة ، والتي كان بعد لا يزال ظالعاً معها ، لأنّ زمن السؤال قد حدّده علي بن الحسين حين قدموا المدينة من عند يزيد بن معاوية ، بعد مقتل الحسين بن علي (عليهما السلام) ، لقيه المسور بن مخرمة فقال له : هل لك ... .

ونحن إذا نظرنا إلى طبيعة الحال في ذلك الوقت نجد أنّ مقام الإمام زين العابدين أسمى وأرفع ممّا كان عليه المسور ، فإنّ ما أظهره يزيد من التنصل من تلك الجريمة التي لا تغتفر حتّى لعن ابن زياد ، وقال : لعن الله ابن مرجانة ... فأبغضني البرّ والفاجر بما استعظموه من قتلي الحسين ، ما لي ولابن مرجانة لعنه الله وغضب عليه ... .

ودعا علياً ليودّعه وقال له : لعن الله ابن مرجانة ، أما والله لو أنّي صاحبه ما سألني خصلة أبداً إلاّ أعطيته إيّاها ، ولدفعت الحتف عنه بكلّ ما استطعت ، ولو بهلاك بعض ولدي ، ولكن قضى الله ما رأيت ، يا بني كاتبني حاجة تكون لك (1) .

وذكر ابن الأثير أيضاً : إنّ يزيد بن معاوية لمّا وجه مسلم بن عقبة المري ـ وهو الذي سمّي مسرفاً ـ إلى المدينة المنوّرة لمقاتلة أهلها حين خلعوا بيعته ، قال له : فإذا ظهرت عليهم فأنهبها ثلاثاً ، فكلّ ما فيها من مال أو دابة أو سلاح أو طعام فهو للجند ، فإذا مضت الثلاث فأكفف عن الناس ، وانظر علي بن الحسين فاكفف عنه ، واستوص به خيراً ، فإنّه لم يدخل مع الناس ، وإنّه قد أتاني كتابه .

وقد كان مروان بن الحكم كلّم ابن عمر لمّا أخرج أهل المدينة عامل يزيد وبني أُمية في أن يغيّب أهله عنده فلم يفعل ، فكلّم علي بن الحسين ، فقال : إنّ لي حرماً وحرمي يكون مع حرمك ، فقال : " أفعل " ، فبعث بامرأته وهي

____________

1- الكامل في التاريخ 4 / 87 .


الصفحة 119


عائشة ابنة عثمان بن عفّان ، وحرمه إلى علي بن الحسين ، فخرج علي بحرمه وحرم مروان إلى ينبع ، وقيل : بل أرسل حُرم مروان ، وأرسل معهم ابنه عبد الله بن علي إلى الطائف (1) .

وجاء في إرشاد المفيد : " إنّ مسرف بن عقبة لمّا قدم المدينة أرسل إلى علي بن الحسين (عليهما السلام) فأتاه ، فلمّا صار إليه قرّبه وأكرّمه وقال له : وصّاني أمير المؤمنين ببرّك وتمييزك من غيرك ... " (2) .

فممّا تقدّم تبيّن : أنّ الإمام علي بن الحسين (عليهما السلام) كان أرفع مكانة وأجلّ قدراً وأقوى موقعاً لدى الحاكمين من المسور بن مخرمة ، الذي رفسه مروان برجله كما مرّ ، وجلدوه الحدّ كما تقدّم ، فهو أذلّ من أن يتمكّن من قضاء حاجة لأحد عند الأمويّين .

وثانياً : لنقرأ قول المسور لعلي بن الحسين : فهل أنت معطي سيف رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فإنّي أخاف أن يغلبك القوم عليه ، ونحن لا نناقشه في أمر السيف وكيفية وصوله إلى علي بن الحسين ، وهو من مواريث النبوّة ... وهذا عنده ، وقوله ينافي القول بعدم ميراث الأنبياء ، ولكن هل لنا أن نسأل المسور : من هم القوم الذين يخشى أن يغلبوا علي بن الحسين على سيف جدّه غير بني أُمية ؟ وإذا كانوا هم ، فهل كان ذلك قبل واقعة الحرّة أو بعدها ؟

فإن كان قبلها ، فالإمام علي بن الحسين كان أعزّ منه منعة ، وهم كانوا أذلّ وأضعف جنداً ، خصوصاً بعد أن أخرج الأمويّون واتباعهم من المدينة ، حتّى أنّ مروان استودع الإمام عياله كما مرّ .

وإن كان بعدها فالإمام هو الوحيد الذي لم يتعرّض له بسوء ، بوصية من يزيد ، وقد مرّ ذلك أيضاً ، فأيّ حال تلك التي كان المسور يخشاها على الإمام

____________

1- المصدر السابق 4 / 113 .

2- الإرشاد 2 / 152 .


الصفحة 120


0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

وصف اللّه‏ تعالى نبيه ...
السؤال : أنا تصفّحت كتب الشيعة فلم أجد الإجابة ...
السؤال : ما الأدلّة على عصمة أهل البيت (عليهم ...
السؤال : لماذا نتوسّل بأهل البيت (عليهم السلام) ؟ ...
السؤال : لقد فادني موقعكم في أمر ديننا ودنيانا ...
بحديث ـ إن صحّ ـ فهو انتقاص لجدّه ؟
السؤال : ما هي تسبيحة الزهراء ؟ وكيف تكون ؟
السؤال: أرجو إبطال الرواية القائلة بأنّ أبا بكر ...
ما معنى « كلمة اللّه‏ » في قوله تعالى : « ...
السؤال: هل صحيح أنّ جميع الصحابة الذين مدحهم ...

 
user comment