رابعاً : البساطة في المهر والصداق :
ليس خافياً على أحد بأنّ الإسلام يسعى لإزالة العوائق التي تحول دون نسج العلائق الشرعية بين الجنسين والتي تتمثل ـ أساساً ـ في الزواج.
والملاحظ أنّه يتخذ موقفاً توفيقياً بين الزوجين ، ففي الوقت الذي يجعل للمرأة المهر ، ويأمر الرجل باعطائه لها على الوجه الأكمل ، وفق قوله تعالى : ( وآتوا النّساء صدُقاتهنَّ نحِلة.. ) (3) ، فإنّه يحث النساء وأولياءهنّ على عدم تجاوز الحدود المعقولة للصداق ، وعلى عدم التعسف عند استيفائه.
____________
1) عقاب الأعمال | الصدوق : 333 باب يجمع عقوبات الاعمال.
2) مكارم الأخلاق : 203.
3) سورة النساء : 4 | 4 ، وفي الآية 20 من هذه السورة المباركة ما يدل على وجوب دفع الصداق كاملاً للمرأة وان كان كبيراً ، وورد في الحديث تحذير من العواقب المترتبة على غصب مهور النساء ، منه ما روي عن الإمام الصادق عليه السلام : إنَّ أقذر الذنوب ثلاثة : قتل البهيمة ، وحبس مهر المرأة ، ومنع الأجير أجره وقوله عليه السلام : من تزوج امرأة ولم ينوِ أن يوفيها صداقها فهو عند الله عزَّ وجلَّ زانٍ مكارم الأخلاق : 207 و 237.
( 41 )
إنَّ الغلو في المهور يشكّل عقبة اقتصادية تحول دون الإقدام على الزواج ، وعليه يمارس الإسلام حواراً إقناعياً مع النساء وأولياء أمورهن ويُرَّغبهم في تيسير المهر ، قال الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم : « إنَّ من يُمن المرأة تيسير خطبتها ، وتيسير صداقها.. » (1) وقال أيضاً : « أفضل نساء أُمتي أحسنهن وجهاً ، وأقلهن مهراً » (2).
وفي مقابل أُسلوب الترغيب اتّبع الإسلام مع المتشدّدين في المهور أُسلوب التوبيخ والتنفير ، وفي هذا الصدد يقول الإمام الصادق عليه السلام : « الشؤم في ثلاثة أشياء : في الدابة ، والمرأة ، والدار. فأمّا المرأة فشؤمها غلاء مهرها... ».
وفي حديث آخر يجمع بين الاُسلوبين ، فيقول : « من بركة المرأة قلّة مؤونتها ، وتيسير ولادتها ، ومن شؤمها شدّة مؤونتها ، وتعسير ولادتها » (3).
ويذهب الإسلام أبعد من ذلك فهو يعد المرأة التي تتصدق بصداقها على زوجها بالثواب الجزيل وينظر إليها بعين الإكبار والاجلال ، فعن الإمام الصادق عليه السلام ، عن آبائه عليهم السلام قال : « قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما من امرأة تصدّقت على زوجها بمهرها قبل أن يدخل بها إلاّ كتب الله لها بكلِّ دينار عتق رقبة » (4).
جدير ذكره أن الإسلام قد حذّر من المعطيات السلبية النفسية فضلاً عن الاقتصادية التي تترتب على المغالات في المهور ، ولعل من أبرزها العداوة
____________
1) كنز العمال 16 : 322 | 44721.
2) مكارم الأخلاق : 198.
3) مكارم الأخلاق : 198.
4) المصدر السابق : 237.
( 42 )
والضغينة التي قد تجد متنفساً لها في إثارة المشاكل لأهل المرأة من طرف الزوج الذي يحس بالاجحاف والتعسف ، فيُبيّنت نية السوء لالحاق الأذى بالمرأة وأهلها فيما بعد ، ومن أجل ذلك قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : « تياسروا في الصداق ، فإن الرّجل ليعطي المرأة حتى يبقى ذلك في نفسه عليها حسيكة » (1).
وقال أمير المؤمنين عليه السلام : « لا تغالوا في مهور النساء فيكون عداوة » (2).
وهنا يبدو من الضرورة بمكان الاشارة إلى أن الإسلام يحثُّ على عدم تجاوز السُنّة المحدّدة للصداق ، وهي خمسمائة درهم ، يقول السيد محسن العاملي : ( إنَّ الروايات مختلفة في قدر مهر الزهراء عليها السلام والصواب أنَّه كان خمسمائة درهم ، اثنتي عشرة أوقية ونصفاً ، وأوقية أربعون درهماً ؛ لأنه مهر السُنّة كما ثبت من طريق أهل البيت عليهم السلام ) (3).
والظاهر أن نبي الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم أراد من تحديده لمهر الزهراء عليها السلام بهذا المقدار ، أن يضع حداً مثالياً يمثل الحل النسبي والوسط الذي ينسجم مع العقل والمنطق لقضية الصداق ، خصوصاً إذا ما علمنا بأن اليد الغيبية كانت من وراء تحديد مهر الزهراء عليها السلام ، فعن جابر الانصاري قال : ( لما زوّج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة عليها السلام من علي عليه السلام أتاه أُناس من قريش فقالوا : إنّك زوَّجت عليّاً بمهر خسيس ، فقال : ما أنا زوّجت عليّاً ، ولكن الله زوّجه ) (4).
وبنظرة فاحصة نجد أن الإسلام عالج هذه القضية بمنتهى المرونة إذ إنّه لم يجعل
____________
1) كنز العمال 16 : 324 | 44731.
2) مكارم الأخلاق : 237.
3) في رحاب أئمة أهل البيت عليهم السلام 1 : 162 ـ 163 دار التعارف ط 1400 هـ.
4) مكارم الأخلاق : 208.
( 43 )
مهر السُنّة الذي هو مهر الزهراء عليها السلام واجباً على الجميع ، بل جعله حداً لا يجوز تعديه وتجاوزه من قبل ذوي الثراء والاغنياء بشكل يجعل الزواج متعسراً سيما على الفقراء وذوي الدخول المحدودة الذين فتح لهم الإسلام الباب على مصراعيه في الحث على تزويجهم ولو بتعليم سورة من القرآن.
خامساً : مراسيم الزّواج :
نظراً لأهمية وقدسية الزوّاج فقد وضعت له مراسيم خاصة تنسجم مع مبادىَ الإسلام ورؤيته السليمة ، وتمتاز بالبساطة والابتعاد عن مظاهر الاسراف والتكلف ، ولا تخرج عن قواعد وحدود الشرع.
وتبدأ هذه المراسيم العبادية ـ الاجتماعية منذ أن يقرر الشاب الزواج بأن يصلي ركعتين ويدعو بعدهما بمأثور الدعاء ، فقد روي أنَّ الإمام الباقر عليه السلام سأل أبا بصير ، قائلاً له : « إذا تزوج أحدكم كيف يصنع ؟ فقال : لا أدري عليه السلام : إذا همَّ بذلك فليصلِ ركعتين وليحمد الله عزَّ وجل وليقل : ( اللهمَّ إني أُريد أن أتزوج ، اللهمَّ فقدّر لي من النساء أحسنهنَّ خَلقاً وخُلقاً ، وأعفّهن فرجاً، وأحفظهنَّ لي في نفسها ومالي ، وأوسعهن رزقاً ، وأعظمهن بركة ، وأقضِ لي منها ولداً طيباً ، تجعله لي خلفاً صالحاً في حياتي وبعد موتي ) » (1).
بعد ذلك ينتخب الزوجة الصالحة ، وفق المواصفات التي ذكرناها آنفاً وتبدأ مراسيم الخطبة قبل العقد وذلك باحضار جماعة من أهل الفضل والمعرفة إلى أهل المرأة ، ويستحب أن يلقي الخطيب أو من ينوب عنه خطبةً يستهلها بآيٍ من
____________
1) مكارم الأخلاق : 205.
( 44 )
القرآن الكريم والحديث الشريف ، ثم يفضى إلى ذكر الغرض ، وهو خطبة المرأة وذكر مواصفاتها الصالحة وإيمانها وما إلى ذلك ، وفي السيرة النبوية وتراث الأئمة المعصومين عليهم السلام كثير من الخُطب المأثورة عنهم عليهم السلام في الزواج ، منها خطبة الإمام الرضا عليه السلام لنفسه في زواجه من أم حبيبة ، وخطبة ولده الإمام الجواد عليه السلام لنفسه في زواجه من أم الفضل ، وغيرهما.
ويستحب الإعلان عن العقد والإشهاد عليه ، وإيقاعه ليلاً الإمام الصادق عليه السلام : « زفّوا عرائسكم ليلاً ، وأطعموا ضُحى » (1).
ويستحب الوليمة عند الزفاف يوماً أو يومين ، وأن يُدعى لها المؤمنون.
واتضح من خلال هذه المراسيم أن السمة الغالبة عليها هي عبادية فضلاً عن كونها اجتماعية ، توجّه الزوجين للارتباط بالله تعالى واستمداد العون والتوفيق منه ، ثم يتخللها أداء الصلاة والأذكار وقراءة القرآن والاطعام الذي يُذكر فيه ـ عادة ـ الجيران ويشمل الفقراء والمساكين.
ثم تأتي مراسيم الزفاف ، ومما يدل على أهميتها أنه ( لما كانت ليلة الزفاف ـ لفاطمة على الإمام عليّ عليهما السلام ـ أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ببغلته الشهباء ، وثنى عليها قطيفة ، وقال لفاطمة : « اركبي » ، وأمر سلمان رضي الله عنه أن يقودها ، والنبي … صلى الله عليه وآله وسلم يسوقها ، وكبّر صلى الله عليه وآله وسلم فوضع التكبير على العرائس من تلك الليلة ) (2). وهكذا تتم هذه المراسيم العالية في أجواء من الطهر والفضيلة ، تتفجر فيها ينابيع المشاعر والأحاسيس الخيّرة ، وتنطلق فيها الدعوات المخلصة إلى الله تعالى لكي يبارك للعروسين حياتهما الجديدة.
____________
1) مكارم الأخلاق : 208.
2) مكارم الأخلاق : 208.
الفصل الثاني
عناية الإسلام بالاُسرة عند نشأتها
عناية الإسلام بالجانب الروحي بين الزوجين
يضع الإسلام في طليعة اهتمامه مسألة توثيق العلاقة الروحية بين الزوجين قبل وبعد عقد قرانهما ، حتى يصمدا في وجه رياح المصاعب والمصائب التي يمكن أن تعصف بعش الزوجية.
فليس خافياً بأن توثيق العلاقة مع الخالق تنعكس آثاره النافعة على المخلوق ، والملاحظ أن الإسلام يتبع خطة ثلاثية الأركان من أجل الارتقاء الروحي بالزوجين ، يمكننا الإشارة إليها بالنقاط التالية :
أولاً : المواظبة على الطاعات :
الطاعة تتحقق ـ واقعاً ـ من خلال تطبيق المنهج الرباني المعد سلفاً من أجل الارتقاء الروحي بالإنسان المسلم ، وتأتي « الصلاة » في طليعة تلك الطاعات ، فهي تربط الإنسان بربّه في أوقات متعاقبة ومنتظمة ، فستمد من خلالها شحنات روحية عالية ، الأمر الذي ينعكس ـ إيجابياً ـ على سلوكه وتعامله مع
( 46 )
عائلته ، لا سيّما وأن الصلاة تقوم بدور الرّدع للإنسان المسلم عن الفحشاء والمنكر ، قال تعالى مخاطباً الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : ( .. وَأقِمِ الصَّلأةَ إنَّ الصَّلأةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللهِ أكْبَرُ.. ) (1).
ولذلك نجد أن الرسل والأنبياء ، أمرون أهلهم بالمحافظة على الصلاة ، ومن أبرز الشواهد على ذلك ما حكاه القرآن عن سلوك إسماعيل عليه السلام السوّي ، وكيف كان يأمر أهله بالطاعات ، قال تعالى : ( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إسْماعِيلَ إنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً * وَكَانَ يَأْمُرُ أهْلَهُ بِالصَّلأةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً ) (2).
كما نجد في القرآن خطاباً موجّهاً للرسول صلى الله عليه وآله وسلم بأن يأمر أهله بالصلاة ويصطبر عليها ، والملفت للنظر هنا أن هذا الخطاب قد ورد بعد النهي عن النظر إلى نساء الآخرين ، الأمر الذي يعني أن الطاعات وخاصة الصلاة ، تُحصن الإنسان وأهله من المفاسد الاجتماعية. تدبّر جيداً في هذا المقطع القرآني الزاخر بالمعاني : ( وَلأ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أزْوَاجاً مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأبْقَى * وَأْمُرْ أهْلَكَ بِالصَّلأةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لأ نَسْألُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ) (3).
فمن الضرورة بمكان أن يحث ويشجع كل من الزوجين أحدهما الآخر على المحافظة على الصلاة التي تقربهما إلى الله تعالى وتبعدهما عن الفحشاء والمنكر ، خصوصاً وأن هذا الحثّ والتشجيع المتبادل يستتبع الثواب الجزيل ، قال
____________
1) سورة العنكبوت : 29 | 45.
2) سورة مريم : 19 | 54 ـ 55.
3) سورة طه : 20 | 131 ـ 132.
( 47 )
النبي صلى الله عليه وآله وسلم : « رحم الله رجلاً قام من الليل فصلّى وأيقظ امرأته فصلّت ، فإن أبت نضح في وجهها الماء ، رحم الله امرأةً قامت من الليل فصلّت وأيقظت زوجها، فإن أبى نضحت في وجهه الماء » (1).
وفي هذا الاطار لابدّ من إلفات النظر إلى أن الإسلام قد ربط بين قبول الصلاة وكمالها ، وبين العلاقة الزوجية وطبيعتها ، ويكفي شاهداً على ذلك ما ورد في وصية النبي صلى الله عليه وآله وسلم للإمام علي عليه السلام : « .. يا علي ثمانية لايقبل منهم الصلاة.. والناشزة وزوجها عليها ساخط.. » (2).
من جانب آخر يعتبر الصيام أحد الطاعات التي تفرز معطيات روحية واجتماعية أبرزها التقوى وابتلاء اخلاص الخلق ، قال تعالى : ( يا أيُّها الَّذينآمنوا كُتب عليكم الصيامُ كما كُتب على الَّذين من قبلكم لعلَّكم تتّقون.. ) (3).
وقال أمير المؤمنين عليه السلام : « فرض الله الإيمان تطهيراً من الشرك ، والصلاة تنزيهاً عن الكبر ، والزكاة تسبيباً للرزق ، والصيام ابتلاءً لاخلاص الخلق.. » (4). ولاشكّ بأن الإخلاص للخالق يستتبع إخلاصاً في التعامل مع المخلوقين وخاصة مع الأهل أو الزوج.
ثم إنَّ الصيام يكتسب قبوله وكماله من الالتزام السلوكي العالي للفرد المسلم مع الآخرين ، عن فاطمة الزهراء عليها السلام أنها قالت : « ما يصنع الصائم بصيامه إذا
____________
1) سنن أبي داود 2 : 70 | 1450 باب الحث على قيام الليل. ط ـ دار الفكر.
2) مكارم الأخلاق | الطبرسي : 500.
3) سورة البقرة : 2 | 183.
4) نهج البلاغة ، ضبط صبحي الصالح : 512 | حكم 252.
( 48 )
لم يغضّ لسانه وسمعه وبصره وجوارحه » (1). فهو يقوم بعملية ضبط واعية لجوارح الفرد ويردعه عن الإساءة للآخرين ، كما يساهم في خلق حالة من السكينة والاطمئنان في نفسه ، قال الإمام الباقر عليه السلام : « والصيام والحجّ تسكين للقلوب » (2).
ثانياً : ممارسة المندوبات :
وتأتي في المرحلة التالية بعد أداء الواجبات ، فتساهم في رفع إيمان الزوجين إلى آفاق عالية ، وتحيط حياتهما الزوجية بهالة من الروحانية ، وقبل كل ذلك تقربهما إلى الله زلفى ، قال الإمام الكاظم عليه السلام : « صلاة النَّوافل قُربان إلى الله لكلِّ مؤمن » (3).
ويأتي ذكر الله تعالى في طليعة المندوبات ، إذ يعمل على زرع الطمأنينة في القلوب ، وقشع غيوم المخاوف التي تزخر بها الحياة ، قال تعالى : ( الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللهِ ألأ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ) (4).
ثم إنَّ ذكر الله لا تقتصر آثاره النافعة على الناحية الروحية ، بل يشتمل الجوانب السلوكية أيضاً ، فلا شكّ أنّها تنعكس على العائلة ، وتحقق الحياة الطيبة والسعيدة لأفرادها ، قال أمير المؤمنين عليه السلام : « من عمّر قلبه بدوام الذكر حسنت أفعاله في السر والجهر » (5) ، وقال أيضاً : « اذكروا الله ذكراً خالصاً ،
____________
1) دعائم الإسلام : 268 ، وبحار الأنوار 96 : 295.
2) أمالي الطوسي 1 : 302 ، وبحار الأنوار 78 : 183.
3) تحف العقول : 403.
4) سورة الرعد : 13 | 28.
5) غرر الحكم ح 8872.
( 49 )
تحيوا به أفضل الحياة ، وتسلكوا به طرق النجاة » (1).
وما يعزز ذلك نجد أن بيوت الأنبياء وأهل البيت عليهم السلام خاصة تخيم عليها السعادة والسكينة والاحترام المتبادل ، وذلك نتيجة لمواظبتهم على الطاعات وكثرة ذكرهم لله سبحانه.
ذكر صاحب مجمع البيان في معرض تفسيره لقوله تعالى : ( فِي بُيُوتٍ أذِنَ اللهُ أن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ ) (2). ( أنّه سُئل النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما قرأ الآية ، أيّ بيوتٍ هذه ؟ فقال : « هي بيوت الأنبياء » فقام أبوبكر فقال : يا رسول الله ، هذا البيت منها ؟ يعني بيت علي وفاطمة عليهما السلام ، قال « نعم ، من أفضلها ». ويعضد هذا القول قوله تعالى : ( إنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (3) وقوله : ( رَحمةُ اللهِ وَبركاتُهُ عَليكُم أهلَ البيتِ ) ) (4).
من جهة ثانية نجد أن البيوت التي تبتعد عن جادّة الإيمان وطاعة الله تعالى وتُعرض عن ذكره ، تكون عرضة للمشاكل والمشاجرات بين الزوجين ، وينفرط فيما بينها عقد المحبة والاُلفة ، كما أخبر تعالى : ( ومَن أعرضَ عن ذِكري فإنَّ لهُ معيشَةً ضنكاً.. ) (5).
وينبغي الاشارة هنا إلى أن صلاة اللّيل هي من المندوبات التي تساهم في
____________
1) تحف العقول : 20 حكم ومواعظ أمير المؤمنين عليه السلام.
2) سورة النور : 24 | 36.
3) سورة الأحزاب : 33 | 33.
4) مجمع البيان | الطبرسي 5 : 50 ـ 51 | 19 منشورات مكتبة الحياة ـ بيروت.
5) سورة طه : 20 | 124.
( 50 )
رفع المؤشر الروحي للزوجين ، وتدخلهما في عداد الذاكرين ؛ لذلك قال الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم : « من استيقظ من الليل وأيقظ امرأته فصلّيا ركعتين جميعاً ، كُتبا من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات » (1).
أضف إلى ذلك أن الصوم المندوب يُطهر القلب والصدر من الوساوس والشكوك والنوايا السيئة التي قد تعكّر صفو الحياة الزوجية ، قال أمير المؤمنين عليه السلام : « .. صوم ثلاثة أيام من كلِّ شهر ، أربعاء بين خميسين وصوم شعبان ، يذهب بوساوس الصدر وبلابل القلب » (2).
ثالثاً : اجتناب المعاصي والآثام :
ذلك لأنّ المعاصي والذنوب تسبب قساوة القلوب ، يقول أمير المؤمنين عليه السلام : « ما جفّت الدموع إلاّ لقسوة القلوب ، وما قست القلوب إلاّ لكثرة الذنوب » (3).
ولاشكّ أنّ صاحب القلب القاسي يكون عديم الاحساس وضعيف العاطفة تجاه العائلة ، ويتعامل معهم في منتهى القسوة ، ثم إن الذنوب تجلب البلاء وتنقص الرزق ، قال الإمام علي عليه السلام محذّراً : « .. توقّوا الذنوب فما من بليّة ولا نقص رزق إلاّ بذنب حتى الخدش والكبوة والمصيبة » (4).
وهناك صنف من الذنوب تنعكس آثارها السلبية مباشرة على الاُسرة
____________
1) سنن أبي داود 2 : 70 | 1451 باب الحث على صلاة الليل.
2) الخصال ، للصدوق 2 : 612 | 400 منشورات جماعة المدرسين ـ قم طبع 1403 هـ.
3) علل الشرائع ، للصدوق : 81 | 74 باب علم جفاف الدموع وقسوة القلوب.
4) الخصال ، للصدوق 2 : 616 | 400.
( 51 )
كشرب الخمر والزنا وقطيعة الرحم وعقوق الوالدين ، وقد جاءت الاشارة إلى الآثار الضارة لكلٍّ منها في الذكر الحكيم والحديث الشريف ، قال الإمام الصادق عليه السلام : « الذنوب التي تغير النِّعم البغي... والتي تهتك الستر شرب الخمر والتي تحبس الرزق الزنا ، والتي تعجل الفناء قطيعة الرحم ، والتي تردُّ الدعاء وتُظلم الهواء عقوق الوالدين » (1).