على الشيخين :
السؤال : الله يعطيكم العافية على جهودكم الجبّارة .
سمعت في إحدى حلقات مناظرة قناة المستقلّة : أنّ الإمام الصادق (عليه السلام) كان يؤنّب كلّ من يقول بأفضلية الإمام علي (عليه السلام) على أبي بكر وعمر ، وأنّه (عليه السلام) له مناظرات معهم في ذلك ، فما هو تعليقكم على ذلك ؟ وجزاكم الله خيراً .
الجواب : هذه الشبهة والدعوى ليست جديدة أو وليدة الساعة ، وإنّما استغلّت الوسائل الحديثة ، ومنها المحطّات الفضائية ، وقناة المستقلّة بالخصوص في هذا الوقت لنشرها ، وغيرها من الشبهات بصورة واسعة ، محاولة لتشكيك عوام الشيعة في عقائدهم ، ولابأس أن تسأل عمّا يحدث من عقد صفقات مع هذه القناة بالخصوص وراء الكواليس ، وعلى كلّ فهذا ليس موضوعنا الآن !
نعود إلى موضوع الشبهة ، فقد طرحه ابن حجر الهيتميّ في ( الصواعق المحرقة ) ، وقد نقل عدّة روايات عن الدارقطنيّ وغيره من العامّة ، يوحي ظاهرها بما نسب للإمام الصادق (عليه السلام) في أصل الشبهة ، وتبعه غيره منهم إحسان إلهيّ ظهير ، وقد أخذ ذلك منه عثمان الخميس ، ليس هذه الشبهة فحسب ، وإنّما كلّ ما يطرحه سواء على المستقلّة أو في محاضراته ومناظراته الأُخرى .
وعلى كلّ ، فإنّي لم استطع أن أخرج هذه الروايات عن الدارقطنيّ لا من سننه ولا من علله ، فربّما نقلت في كتاب آخر له لم يحضرني ، ولكن مع ذلك فقد روى جلّها المزّي في ( تهذيب الكمال ) ، والذهبيّ في ( سير أعلام النبلاء ) ، وابن حجر العسقلانيّ في ( تهذيب التهذيب ) ، وكذا رويت عن عبد الله بن أحمد بن حنبل .
|
الصفحة 178 |
|
والغرض من إيرادها في الكتب الثلاثة الأُولى للرجال واضح ، وهو تأكيد فحوى الشبهة المطروحة ، فإنّهم لا يستطيعون التخلّي عن الإمام الصادق (عليه السلام) والسكوت عنه ، وكذا لا يستطيعون الترجمة له بما هو مشهور عن مذهب أهل البيت (عليهم السلام) ، وما هو معروف عند الشيعة الإمامية ، فاضطرّوا إلى نقل مثل هذه الروايات عنه للادعاء بأنّه (عليه السلام) على مذهب السنّة ، وهو موضوع الشبهة الأصلي كما تعرف ، حيث كان يكرّر عثمان الخميس أنّ جعفرنا غير جعفركم ، وهو نوع من المغالطة .
على كلّ ، فإنّ ما نقل من الروايات بعضه الأكثر عن سالم بن أبي حفصة وهو ضعيف ، كان زيدياً بترياً ، وقد ضعّفه الألبانيّ عندهم ، ومن الواضح أنّ من مثله يتقيّ منه الإمام (عليه السلام) ، وبعضها الآخر إمّا عن غيره من الضعفاء أو رجال العامّة ، وأمّا ظاهرة واضحة في التقيّة ، أو لا تدلّ على المطلوب أصلاً .
وقد أجاب عن أكثرها القاضي التستري في ( الصوارم المهرقة ) ، الذي هو ردّ على ( الصواعق المحرقة ) لابن حجر الهيتميّ .
ثمّ أنّ ما ذُكر في أصل الشبهة مجمل يراد به خلط الأوراق وإيهام السامع ، إذ يجب أن تطرح الشبهة على عدّة أقسام :
1ـ أنّ الإمام الصادق (عليه السلام) كان ينهى عن سبّ ولعن الشيخين ، أو أن يفاضل أحد بينهما وبين علي (عليه السلام) .
2ـ أنّ الإمام الصادق (عليه السلام) كان يقول بأفضليتهما على جدّه أمير المؤمنين (عليه السلام) .
3ـ أنّه كان يرجو شفاعتهما يوم القيامة .
4ـ أنّه كان يتولاّهما .
5ـ أنّه كان يعتقد بأنّهما تسلّما موضع الخلافة عن حقّ .
6ـ أنّه كان يعتقد أنّهما لم يظلما فاطمة (عليها السلام) ، أو أهل البيت (عليهم السلام) عموماً ، ولم يغتصبا حقّهم .
|
الصفحة 179 |
|
ولعلّ بعض الأقسام داخلة في البعض ، ونحن نحاول أن نجيب على بعضها مختصراً ، ونكتفي به عن الجواب عن الباقي من الأقسام .
وللجواب نقدّم مقدّمة وهي : إنّ كلّ ما روي من طرق الآخرين ليس حجّة علينا ، وإنّما الحجّة أن تكون من طرقنا ، هذا فضلاً عمّا ذكرناه سابقاً من الحمل على التقيّة ، وضعف السند ، وعدم الدلالة على المطلوب ، وعليه بعد التسليم بصحّة طرق هذه الروايات عندهم ، أو أنّ بعضها يدعم البعض ، نقول :
الجواب على الأوّل : في الروايات التي فيها نهي عن السبّ ، فنحن أيضاً نقول به ، إذ ليس من أخلاق أئمّتنا السبّ ، أو أنّهم يرضون لشيعتهم أن يسبّوا أعدائهم ، ونهي أمير المؤمنين (عليه السلام) أصحابه عن سبّ أصحاب معاوية معروف مشهور .
وأمّا النهي عن اللعن والتفضيل ، فالتقيّة لحفظ كيان الطائفة من الأُمور الواجبة ، وسيأتي لعنهما منه (عليه السلام) في غير مورد التقيّة .
وعلى الثاني : بغض النظر عن أدلّة الشيعة في فضل علي (عليه السلام) وأنّه مساوٍ لرسول الله (صلى الله عليه وآله) ونفسه بآية المباهلة ، أُورد لك هنا حديثين عن الإمام الصادق (عليه السلام) من عشرات الأحاديث عنه ، وعن باقي الأئمّة ، وعليك باستخراج الباقي .
روى الشيخ الصدوق بسنده عن التميميّ قال : حدّثني سيّدي علي بن موسى الرضا (عليهما السلام) قال : ( حدّثني أبي موسى بن جعفر قال : حدّثني أبي جعفر بن محمّد قال : حدّثني أبي محمّد بن علي قال : حدّثني أبي علي بن الحسين قال : حدّثني أبي الحسين بن علي قال : حدّثني أخي الحسن بن علي قال : حدّثني أبي علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال : قال لي النبيّ (صلى الله عليه وآله) : أنت خير البشر ، ولا يشكّ فيك إلاّ كافر ) (1) .
وعن سنان بن طريف عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال : ( إنّا أوّل أهل بيت نوّه
1- الأمالي للشيخ الصدوق : 136 .
|
الصفحة 180 |
|
الله بأسمائنا ، إنّه لمّا خلق السماوات والأرض أمر منادياً فنادى : اشهد أن لا اله إلاّ الله ـ ثلاثاً ـ اشهد أنّ محمّداً رسول الله ـ ثلاثاً ـ اشهد أنّ عليّاً أمير المؤمنين حقّاً ـ ثلاثاً ـ ) (1) .
فمن يروي مثل هذه الأحاديث كيف يفضّل على جدّه علي (عليه السلام) غيره كائناً من كان ؟ وأرجو الانتباه أنّه هنا لا يجدي تضعيف مثل هذه الروايات الذي ربما يلجأ إليه الخصم ، وذلك لكثرة الصحيح منها ، ثمّ أنّها تدخل في التواتر مضموناً ـ فلاحظ ـ .
وعلى الثالث : فعن محمّد بن المثنى الأزدي : أنّه سمع أبا عبد الله جعفر بن محمّد (عليهما السلام) يقول : ( نحن السبب بينكم وبين الله عزّ وجلّ ) (2) .
فإذا كان الإمام الصادق (عليه السلام) هو السبب بين الله والناس ، فكيف يجعل بينه وبين الله أبو بكر وعمر سبباً ، وفي باب الشفاعة روايات صريحة لم يسعفني الوقت بتتبعها وإيرادها ، فراجع .
ولكن اسمع هذه الرواية عن حنان بن سدير قال : حدّثني رجل من أصحاب أبي عبد الله (عليه السلام) قال : سمعته يقول : ( إنّ أشدّ الناس عذاباً يوم القيامة لسبعة نفر : أوّلهم ابن آدم الذي قتل أخاه ، ونمرود الذي حاجّ إبراهيم في ربّه ، واثنان في بني إسرائيل هودّا قومهما ونصّراهما ، وفرعون الذي قال : أنا ربّكم الأعلى ، واثنان من هذه الأُمّة ، أحدهما شرّهما في تابوت من قوارير تحت الفلق في بحار من نار ) (3) .
فإذا كانا في تابوت من نار ، فكيف يشفعان له (عليه السلام) !
وعلى الرابع : عن الحسين بن ثوير وأبي سلمة السرّاج قالا : سمعنا أبا عبد الله (عليه السلام) ، وهو يلعن في دبر كلّ مكتوبة أربعة من الرجال ، وأربعاً من
____________
1- الكافي 1 / 441 .
2- الأمالي للشيخ الطوسيّ : 157 .
3- ثواب الأعمال : 214 .
|
الصفحة 181 |
|
النساء : التيمي والعدوي وفعلان ومعاوية ـ ويسميهم ـ وفلانة وفلانة وهند وأُمّ الحكم أخت معاوية (1) ، فهل معنى هذا أنّه يتولاّهما ؟!
وعلى الخامس : عن إسحاق بن موسى ، عن أبيه موسى بن جعفر ، عن أبيه جعفر بن محمّد ، عن آبائه (عليهم السلام) قال : ( خطب أمير المؤمنين (عليه السلام) خطبة بالكوفة ، فلمّا كان في أخر كلامه قال : ألا وإنّي لأولى الناس بالناس ، وما زلت مظلوماً منذ قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، فقام إليه الأشعث بن قيس فقال : يا أمير المؤمنين لم تخطبنا خطبة منذ قدمت العراق إلاّ وقلت : والله أنّي لأولى الناس بالناس ، وما زلت مظلوماً منذ قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، ولمّا ولي تيم وعدي ألا ضربت بسيفك دون ظلامتك ؟
فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : ( يا بن الخمّارة ، قد قلت قولاً فاسمع منّي : والله ما منعني من ذلك إلاّ عهد أخي رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، أخبرني وقال لي : يا أبا الحسن ، إنّ الأُمّة ستغدر بك وتنقض عهدي ... ) (2) .
فهذه صريحة بأنّهما لم يجلسا مجلس الخلافة بحقّ ، وهي عن الإمام الصادق (عليه السلام) .
وعلى السادس : عن أبان بن تغلب عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال : ( لمّا انصرفت فاطمة (عليها السلام) من عند أبي بكر ، أقبلت على أمير المؤمنين (عليه السلام) ، فقالت : يا ابن أبي طالب ، اشتملت مشيمة الجنين ، وقعدت حجرة الظنين ، نقضت قادمة الأجدل ، فخانك ريش الأعزل ، هذا ابن أبي قحافة قد ابتزّني نحلة أبي وبليغة ابني ، والله لقد أجدّ في ظلامتي ، وألدّ في خصامي ... ) (3) ، فهي صريحة في ظلامة فاطمة (عليها السلام) .
____________
1- تهذيب الأحكام 2 / 321 .
2- الاحتجاج 1 / 280 .
3- الأمالي للشيخ الطوسيّ : 683 .
|
الصفحة 182 |
|
وعن الفضيل بن يسار قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): لمن كان الأمر حين قبض رسول الله ؟ قال : ( لنا أهل البيت ) ، فقلت : فكيف صار في تيم وعدي ؟
قال : ( إنّك سألت فافهم الجواب : إنّ الله تعالى لمّا كتب أن يفسد في الأرض ، وتنكح الفروج الحرام ، ويحكم بغير ما أنزل الله ، خلا بين أعدائنا وبين مرادهم من الدنيا حتّى دفعونا عن حقّنا ، وجرى الظلم على أيديهم دوننا ) (1) .
وعن عبد الرحمن بن أبي عبد الرحمن قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : إنّ الله عزّ وجلّ منّ علينا بأن عرّفنا توحيده ، ثمّ منّ علينا بأن أقررنا بمحمّد (صلى الله عليه وآله) بالرسالة ، ثمّ اختصّنا بحبّكم أهل البيت ، نتولاّكم ونتبرّأ من عدوّكم ، وإنّما يريد الله بذلك خلاص أنفسنا من النار ، قال : ورققت وبكيت .
فقال أبو عبد الله (عليه السلام) : ( سلني فو الله لا تسألني عن شيء إلاّ أخبرتك به ) ، قال : فقال له عبد الملك بن أعين : ما سمعته قالها لمخلوق قبلك ، قال : قلت : خبّرني عن الرجلين .
قال : ( ظلمانا حقّنا في كتاب الله عزّ وجلّ ، ومنعا فاطمة (عليها السلام) ميراثها من أبيها ، وجرى ظلمهما إلى اليوم ) ، قال ـ وأشار إلى خلفه ـ : ( ونبذا كتاب الله وراء ظهورهما ) (2) .
وفي ما أوردناه كفاية ، وإنّما أردنا أن نستعرض تفاصيل الجواب على هذه الشبهة وأمثالها ، من نسبة تولّي الأوّلين إلى كلّ الأئمّة (عليهم السلام) ، أو إلى بني هاشم أو أولاد فاطمة ، فإنّ الجواب عليها بالأسلوب الذي سلكناه ، وعليكم التفصيل وإيراد الشواهد، فإنّ في الباب مئات الروايات عن أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) ، وعشرات عن الإمام الصادق (عليه السلام) بالخصوص صالحة للاستشهاد بها هنا ، تفوق حدّ التواتر
____________
1- المصدر السابق : 226 .
2- الكافي 8 / 102 .
|
الصفحة 183 |
|
مضموناً ، ولا مجال للطعن فيها سنداً .
|
الصفحة 184 |
|
( حمدي صالح . الكويت . سنّي )