عربي
Thursday 14th of November 2024
0
نفر 0

في الاعراب لأن الفعل اذا كان صفة مرفوع واذا كان جواباً يتعين جزمه. وقد ورد في قراءته كلا الوجهين.


في الاعراب لأن الفعل اذا كان صفة مرفوع واذا كان جواباً يتعين جزمه. وقد ورد في قراءته كلا الوجهين.
واذا لاحظنا قصة زكريا في موضعها القرآني الآخر وجدنا انه لم يسأل ربه الا ذرية طيبة فقد قال تبارك وتعإلى في سورة آل عمران : هنالك دعا زكريا ربه قال : ( رب هب لي من لدنك ذرية طيبة ) .
وافضل الاساليب في فهم القرآن ما كان منه مركزاً على القرآن نفسه وعلى هذا فنفهم من هذه الآية ان زكريا كان مقتصداً في دعائه ولم يطلب من ربه الا ذرية طيبة وقد جمع القرآن الكريم دعاء زكريا في جملة واحدة تارة وجعل لكل من الذرية ووصفها دعوة مستقلة في موضع آخر فكانت جملة هب لي من لدنك ولياً طلباً للذرية وجملة واجعله ربي رضياً دعوة بأن تكون الذرية طيبة. واذا جمعنا هاتين الجملتين ادت نفس المعنى الذي تفيده عبارة هب لي من لدنك ذرية طيبة. وتخرج كلمة ( يرثني ) بعد عملية المطابقة بين الصيغتين القرآنيتين عن حدود الدعاء ولا بد حينئذ ان تكون جواباً له.
4 ـ وعلى ذلك يتضح ان كلمة الارث في الآية الكريمة قد اعطيت حقها من الاستعمال واريد بها ارث المال لا ارث النبوة لأن الشيء انما يصح ان يقع جواباً للدعاء فيما اذا كان ملازماً للمطلوب ومتحققاً عند وجوده دائماً او في أكثر الاحايين. ووراثة النبوة ليست ملازمة لوجود الذرية اطلاقاً بل قد لا تتفق في مئات الملايين من الاشخاص لما يلزم في هذا المقام من كفاءة فذة وكمال عظيم فلا يجوز ان توضع النبوة بجلالها الفريد جواباً لسؤال الله تعإلى ذرية طيبة لأن النسبة بين الذرية الانسانية وبين الجديرين بتحمل اعباء الرسالة السماوية هي النسبة بين الآحاد والملايين واما وراثة المال فيمكن ان تكون جواباً لدعاء زكريا عليه السلام لأن الولد يبقى بعد أبيه على الأكثر فوراثته للمال مما يترتب على وجوده


 


غالباً واضف إلى ذلك ان زكريا نفسه لم يكن يرى النبوة ملازمة لذريته بل ولا ما دونها من المراتب الروحية ولذا سأل ربه بعد ذلك بأن يجعل ولده رضياً.
5 ـ ولنترك هذا لندرس كلمة الارث في الآية على ضوء تقدير الفعل صفة لا جواب للدعاء. وفي رأيي ان هذا التقدير لا يضطرنا إلى الخروج بنتيجة جديدة بل الارث في كلمة ـ يرثني ـ هو ارث المال في الحالين معاً بلا ريب. والذي يعين هذا المعنى للكلمة على التقدير الجديد أمران : ـ
الاول : ان زكريا عليه السلام لو كان قد طلب من ربه ولداً وارثاً لنبوته لما طلب بعد ذلك ان يكون رضياً لأنه خدل في دعوته الاولى ما هو رافع من الرضا.
الثاني : ان اغفال الارث بالمرة في قصة زكريا الواردة في سورة آل عمران ان لم يدل على ان الارث خارج عن حدود الدعاء فهو في الاقل يوضح ان معنى الارث في الموضع القرآني الآخر للقصة ارث المال لا ارث النبوة لأن زكريا لو كان قد سأل ربه أمرين أحدهما ان يكون ولده طيباً رضياً والآخر ان يرث نبوته لما اقتصر القرآن الكريم على ذكر الوصف الاول الذي طلبه زكريا عليه السلام فانه ليس شيئاً مذكوراً بالاضافة الى النبوة ، ولكي تتفق معي على هذا لاحظ نفسك فيما اذا سألك سائل بستاناً ودرهماً فاعطيته الامرين معاً ثم اردت ان تنقل القصة وتخص الدرهم بالذكر. لا أراك تفعل ذلك الا اذا كنت كثير التواضع ورجحان البستان على الدرهم في حساب القيم المادية دون امتياز النبوة على طيب الذرية في موازين المعنويات الروحية واذن فقصة زكريا التي جاءت في سورة آل عمران. ولم يذكر فيها عن الارث كثير او قليل دليل على ان الارث المذكور في الصورة الاخرى للقصة بمعنى ارث المال لا ارث النبوة


 

والا لكان من أبرز عناصر القصة التي لا يمكن اغفالها.
6 ـ ولاحظ بعض الباحثين في الآية الكريمة نقطتين تفسران الارث فيها بإرث النبوة.
الاولى ـ قول زكريا عاطفاً على كلمة (يرثني) : ـ ويرث من آل يعقوب ـ فان يحيى لا يرث أموال آل يعقوب ، وانما يرث منهم النبوة والحكمة.
الثاني ـ ما قدمه النبي تمهيداً لدعائه من قوله : وأني خفت الموالي من ورائي حيث ان خوفه انما كان بسبب الاشفاق على معالم الدين والرغبة في بقائها باستمرار النبوة لأن هذا هو اللائق بمقام الانبياء دون الحرص على الاموال والخوف من وصولها الى بعض الورثة.
واعترض أصحابنا على النقطة الاولى بان زكريا عليه السلام لم يسأل ربه ان يرث ولده أموال آل يعقوب جميعاً وانما اراد ان يرث منها فلا يكون دليلا على التفسير المزعوم.
وأمّا النقطة الثانية فهي من القرآئن على التفسير الذي اخترناه لأن الخوف على الدين والعلم من ابناء العم لا معنى له لأن اللطف الالهي لا يترك الناس سدى بلا حجة بالغة فمعالم الدين وكلمة السماء محفوظة بالرعاية الالهية والنبوة مخصوصة أبداً بالأقلين من نوابغ البشر لا يخشى عليها من السطو والنهب واذن فماذا كان يحسب زكريا ربه صانعاً لو لم يمن عليه بيحيى ، أكان يحتمل ان يكلف برسالته مواليه أعني بني عمومته مع عدم كفاءتهم للقيام بواجب الرسالة الالهية وعدم جدارتهم بهذا الشرف او كان يرى ان الله تعالى يهمل أمر خلقه ليكون لهم الحجة عليه ليس هذا ولا ذاك مما يجوزه نبي. وانما خاف زكريا من بني اعمامه على امواله فطلب من الله ولداً رضياً يرثها. ولا جناح عليه في ذلك اذ يحتمل ان


 


تكون رغبته في صرف امواله عن بني عمومته بسبب أنها لو آلت اليهم لوضعوها في غير مواضعها وانفقوها في المعاصي والوان الفساد لما كان يلوح عليهم من علامات الشر وامارات السوء حتى قيل انهم شرار بني اسرائيل.
وقد حاول ابن أبي الحديد ان يصور وجهاً لخوف زكريا من الموالي على الدين من ناحيتين : ـ
الاولى : عن طريق اصول الشيعة فذكر ان دعوى امتناع مثل هذا الخوف على النبي غير مستقيم على مذهب الشيعة لأن المكلفين قد حرموا بغيبة الامام عندهم الطافاً كثيرة الوصلة بالشرعيات كالحدود وصلاة الجمعة والاعياد وهم يقولون في ذلك ان اللوم على المكلفين لانهم قد حرموا انفسهم اللطف فهلا جاز ان يخاف زكريا عليه السلام من تبديل الدين وتغييره وافساد الاحكام الشرعية لأنه انما يجب على الله التبليغ بالرسول الى المكلفين فاذا أفسدوا هم الاديان وبدلوها لم يجب عليه ان يحفظها عليهم لاٌهم هم الذين حرموا انفسهم اللطف.
ولأسجل ملاحظتي على هذا الكلام ثم انتقل بك الى الناحية الثانية فأقول : ان الخوف من انقطاع النبوة انما يصح على اصول الشيعة اذا نشأ عن احتمال افساد الناس لدينهم على نحو لا يستحقون معه ذلك كما هو الحال في زمان غيبة الامام المنتظر صلوات الله عليه لا فيما اذا كان سببه الاطلاع على عدم لياقة جماعة خاصة للنبوة مع استحقاق الناس لها فان ارسال الرسول أو نصب من يقوم مقامه واجب في هذه الصورة على الله تعالى لما أوجبه على نفسه من اللطف بعباده واذن فقصور أبناء العمومة عن نيل المنصب الالهي لا يجوز ان ينتهي بزكريا إلى احتمال انقطاع النبوة وانطماس معالم الدين اذا كان الناس مستحقين للالطاف الالهية. واذا لم يكونوا جديرين بها فمن الممكن انقطاع الاتصال بين


 


السماء والارض سواء أكان بنو العمومة صالحين للنبوة أو لا وسواه من الله عليه بذرية أو بقي عقيماً. والآية الكريمة تدل على أن الباعث إلى الخوف في نفس زكريا انما هو فساد الموالي لا فساد الناس.
الناحية الثانية : عن طريق تفسير الموالي بالأمراء بمعنى ان زكريا خاف ان يلي بعد موته امراء ورؤساء يفسدون شيئاً من الدين فطلب من الله ولداً ينعم عليه بالنبوة والعلم ليبقى الدين محفوظاً.
ولنا أن نتساءل عما اذا كان هؤلاء الرؤساء الذين اشفق على الدين منهم هم الانبياء الذين يخلفونه أو أنهم أصحاب السلطان الزمني والحكم المنفصل عن السماء. ولا خوف منهم على التقدير الاول اطلاقاً لأنهم انبياء معصومون. واما اذا كانوا ملوكاً فقد يخشى منهم على الدين ولكن ينبغي ان نلاحظ ان وجود النبي حينئذ هل يمنعهم عن التلاعب في الشريعة والاستخفاف بالدستور الالهي اولا فان كان كافياً لوقاية الشريعة وصون كرامتها فلماذا خاف زكريا من اولئك الامراء ما دامت الالطاف الالهية قد ضمنت للنبوة الامتداد في تاريخ الانسانية الواعية وخلود الاتصال بين الأرض والسماء ما بقيت الارض اهلاً للتثقيف السماوي. وان لم يكن وجود النبي كافياً للحراسة المطلوبة فلا يرتفع الخوف من الحاكمين بوجود ولد لزكريا يرث عنه النبوة ما دام النبي قاصراً عن مقاومة القوة الحاكمة وما دام الامراء من الطراز المغشوش مع ان الآية تدل على أن زكريا كان يرى ان خوفه يرتفع فيما اذا من الله عليه بولد رضي يرثه.
ونتيجة هذا البحث ان الارث في الآية هو ارث المال بلا ريب. واذن فبعض الانبياء يورثون وحديث الخليفة يقضي بأن الجميع لا يورثون
فالآية والرواية متعاكسان وكل ما عارض الكتاب الكريم فهو ساقط.


 


ولا يجوز ان نستثني زكريا خاصة من سائر الانبياء لأن حديث الخليفة لا يقبل هذا الاستثناء وهذا التفريق بين زكريا عليه السلام وغيره والنبوة ان اقتضت عدم التوريث فالأنبياء كلهم لا يورثون ولا نحتمل أن يكون لنبوة زكريا عليه السلام خاصية جعلته يورث دون سائر الانبياء. وما هو ذنب زكريا عليه السلام أو ما هو فضله الذي يسجل له هذا الامتياز. أضف إلى ذلك ان تخصيص كلمة الانبياء الواردة في الحديث والخروج بها عما تستحقه من وضع لا ضرورة له بعد أن كان الحديث قابلاً للتفسير على اسلوب آخر ان لم يكن هو المفهوم الظاهر من الحديث كما اوضحناه سابقاً فهو تفسير على كل حال فلماذا نفسر الحديث بأن تركة النبي لا تورث لنضطر إلى ان نقول بأن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كان يعني بالانبياء غير زكريا عليه السلام بل لنأخذ بالتفسير الآخر ونفهم من الحديث ان الانبياء ليس لهم من نفائس الدنيا ما يورثونه ونحفظ للفظ العام حقيقته(1).
ونعرف مما سبق ان صيغة الحديث لو كانت صريحة في ما اراده الخليفة لها من المعاني لناقضت القرآن الكريم ومصيرها الاهمال حينئذ وليس في المسألة سبيل إلى اعتبار الحديث مدركاً قانونياً في موضوع التوريث ولذا لم يتفطن الصديق إلى جواب يدفع به اعتراض خصمه عليه بالآية الآنفة الذكر ولم يوفق واحد من أصحابه إلى الدفاع عن موقفه. وليس ذلك الا لأنهم احسوا بوضوح ان الحديث يناقض الآية بمعناه الذي يبرر موقف الحاكمين.
____________
(1) والجملة خبرية وليست انشائية لان انشاء حكم على الانبياء بعد وفاتهم وانقراض ورثتهم لا معنى له وحينئذ فالتخصيص يستلزم مجازية الاستعمال وليس شأن صيغة الحديث شأن الجمل الانشائية التي يكشف تخصيصها عن عدم ارادة الخاص بالارادة الجدية ويقدم لذلك على سائر التأويلات والتجوزات بل هي خبرية والجملة الخبرية اذا خالفت الارادة الاستعمالية فيها الجد والحقيقة كانت كذباً فتخصيصها يستلزم صرفها إلى المعنى المجازي وحينئذ فلا يرجع على تجوز آخر اذا دار الأمر بينهما.


 


ولا يمكن ان نعتذر عن الخليفة بأنه يجوز اختيار أحد النصين المتناقضين وتنفيذه كما يرتئيه جماعة من علماء الاسلام وقد اختار ان ينفذ مدلول الحديث وذلك لأن المعارض للقرآن باطل بلا ريب لأنه الحق وهل بعد الحق الا الضلال.

* * *


الناحية الثانية : المناقشة التي قامت بين الخليفة والصديقة حول نحلة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) اياها فدكاً فقد ادعت الصديقة النحلة وشهد بذلك قرينها وأم أيمن فلم يقبل الخليفة دعواها ولم يكتف بشاهديها وطالبها بينة كاملة وهي رجلان او رجل وامرأتان.
1 ـ والنقطة الاولى التي نؤاخذ الصديق عليها هي وقوفه موقف الحاكم في المسألة مع أن خلافته لم تكتسب لوناً شرعياً إلى ذلك الحين على أقل تقدير ولكننا لا نريد الآن ان نضع هذه المؤاخذة قيد الدرس لأن المناقشة على هذا الشكل تبعثنا إلى آفاق واسعة من البحث وتضطرنا إلى نسف الحجر الأساسي لدنيا السياسة في الاسلام وهي عملية لها حساب طويل.
2 ـ والملاحظة الثانية في الموضوع هي ان فدكاً اذا كانت في حيازة الزهراء عليها السلام فلا حاجة لها إلى البينة وفي هذه الملاحظة امران :
أولاً : من هو الذي كانت فدك في حيازته ؟ وهل كانت في يد الزهراء حقاً ؟ قد يمكن ان نفهم ذلك من قول أمير المؤمنين في رسالته الخالدة إلى عثمان بن حنيف : بلى كانت في أيدينا فدك من كل ما أظلته السماء فشحت عليها نفوس قوم وسخت عنها نفوس آخرين. فان المفهوم من كلمة أيدينا ان فدكاً كانت في أيدي أهل البيت وقد نصت على ذلك روايات الشيعة.


 


وحصر ما كان في تلك الأيدي التي عناها الامام بفدك يدل على أنها كانت في حيازة علي وزوجه خاصة ويمنع عن تفسير العبارة بان فدكاً كانت في يد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) باعتبار ان حيازته حيازة أهل البيت لأننا نعلم ان رسول الله (ص) كانت في يده أشياء اخرى غير فدك من مختصاته واملاكه.
وثانياً : هل الحيازة دليل على الملكية ؟ والجواب الايجابي عن هذه المسألة مما أجمع عليه المسلمون ولولا اعتبارها كذلك لاختل النظام الاجتماعي للحياة الانسانية.
وقد يعترض على دعوى ان فدكاً كانت في يد الزهراء بانها لم تحتج بذلك ولو كانت في يدها لكفاها ذلك عن دعوى النحلة والاستدلال بآيات الميراث وفي المستندات الشيعية للقضية جواب عن هذا الاعتراض لأنها تنقل احتجاج أهل البيت بذلك على الخليفة غير أننا لا نريد دراسة المسألة على ضوء شيء منها.
ولكن ينبغي أن نلاحظ أن فدكاً كانت أرضاً مترامية الأطراف وليس شأنها شأن التوافه من الاملاك والمختصات الصغيرة التي تتضح حيازة مالكها لها بأدنى ملاحظة. فاذا افترضنا ان فدكاً كانت في يد فاطمة يتعهدها وكيلها الذي يقوم بزراعتها فمن يجب ان يعرف ذلك من الناس غير الوكيل.
ونحن نعلم ان فدكاً لم تكن قريبة من المدينة ليطلع أهلها على شؤونها ويعرفوا من يتولاها فقد كانت تبعد عنها بأيام كما أنها قرية يهودية وليست في محيط اسلامي لتكون حيازة فاطمة لها معروفة بين جماعة المسلمين.
فماذا كان يمنع الزهراء عن الاعتقاد بأن الخليفة سوف يطالبها بالبينة على أن فدكاً في يدها اذا ادعت ذلك كما طالبها على النحلة ما دام


 


في نظرها ـ مسيراً في الموقف بقوة طاغية من هواه لا تجعله يعترف بشيء.
وكان من السهل في ذلك اليوم ان تبتلع الحوت وكيل فاطمه على فدك أو أي شخص له اطلاع على حقيقة الامر كما ابتلعت أبا سعيد الخدري فلم يرو النحلة وقد حدث بها بعد ذلك كما ورد في طريق الفريقين أو أن تقتله الجن كما قتلت سعد بن عبادة وأراحت الفاروق(1) أو أن يتهم بالردة لأنه امتنع عن تسليم صدقة المسلمين للخليفة كما اتهم مانعوا الزكاة والرافضون لتسليمها له.
3 ـ ولنترك هذه المناقشة لنصل إلى المسألة الأساسية وهي : ان الخليفة هل كان يعتقد بعصمة الزهراء ويؤمن بآية التطهير التي نفت الرجس عن جماعة منهم فاطمة أولاً.
ونحن لا نريد ان نتوسع في الكلام على العصمة واثباتها للصديقة بآية التطهير لأن موسوعات الامامية في فضائل أهل البيت تكفينا هذه المهمة ولا نشك في أن الخليفة كان على علم بذلك لأن السيدة عائشة نفسها كانت تحدث بنزول آية التطهير في فاطمة وقرينها وولديها(2) وقد صرحت بذلك صحاح الشيعة والسنة وكان رسول الله (ص) كلما خرج إلى الفجر بعد نزول الآية يمر ببيت فاطمة ويقول الصلاة يا أهل البيت انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً ، وقد استمر على هذا ستة أشهر(3).
____________
(1) وقد جاءت الرواية مصرحة بان عمر ارسل رسولا إلى سعد ليقتله ان لم يبايع فلما أبى سعد قتله الرسول راجع عقد الفريد ج3 ص63.
(2) راجع صحيح مسلم ج2 ص331.
(3) رواه الامام أحمد في مسنده ج3 ص295 عن أنس وأخرجه الحاكم أيضاً وشهد بصحته.


 


واذن فلماذ طلب الخليفة بينة من فاطمة على دعواها وهل تحتاج الدعوى المعلوم صدقها إلى بينة ؟
قال المعترضون على أبي بكر : ان البينة انما تراد ليغلب في الظن صدق المدعى والعلم اقوى منها فاذا لزم الحكم للمدعى الذي تقوم البينة على دعواه يجب الحكم للمدعى الذي يعلم الحاكم بصدقه.
والاحظ ان في هذا الدليل ضعفاً مادياً لأن المقارنة لم تقم فيه بين البينة وعلم الحاكم بالاضافة إلى صلب الواقع وانما لوحظ مدى تأثير كل منهما في نفس الحاكم وكانت النتيجة حينئذ ان العلم أقوى من البينة لأن اليقين أشد من الظن. وكان من حق المقارنة ان يلاحظ الاقرب منهما إلى الحقيقة المطلوب مبدئياً الأخذ بها في كل مخاصمة. ولا يفضل علم الحاكم في هذا الطور من المقايسة على البينة لأن الحاكم قد يخطأ كما ان البينة قد تخطأ فهما في شرع الواقع سواء كلاهما مظنة للزلل والاشتباه.
ولكن في المسألة أمر غفل عنه الباحثون أيضاً وهو أن ما يعلمه الخليفة من صدق الزهراء يستحيل ان لا يكون حقيقة ، لأن سبب علمه بصدقها ليس من الاسباب التي قد تنتج توهما خاطئاً وجهلاً مركباً وانما هو قرآن كريم دل على عصمة المدعية. وعلى ضوء هذه الخاصية التي يمتاز بها العلم بصدق الزهراء يمكننا ان نقرر أن البينة التي قد تخطأ اذا كانت دليلاً شرعياً مقتضياً للحكم على طبقه فالعلم الذي لا يخطىء وهو ما كان بسبب شهادة الله تعإلى بعصمة المدعي وصدقه أولى بأن يكتسب تلك الصفة في المجالات القضائية .
وعلى اسلوب آخر من البيان نقول : ان القرآن الكريم لو كان قد نص على ملكية الزهراء لفدك وصدقها في دعوى النحلة لم يكن في المسألة متسع للتشكيك لمسلم او مساغ للتردد لمحكمة من محاكم القرآن ومن الواضح أن نصه على عصمة الزهراء في قوة النص على النحلة


 

 
لأن المعصوم لا يكذب فاذا ادعى شيئاً فدعواه صائبة بلا شك ولا فرق بين النص على العصمة والنص على النحلة فيما يتصل بمسألتنا سوى ان ملكية الزهراء لفدك هي المعنى الحرفي للنص الثاني والمعنى المفهوم من النص الاول عن طريق مفهومه الحرفي .
4 ـ ونقول من ناحية أخرى : ان احداً من المسلمين لم يشك في صدق الزهراء ولم يتهمها بالافتراء على أبيها وانما قام النزاع بين المتنازعين في أن العلم بصواب الدعوى هل يكفي مدركاً للحكم على وفقها اولا ؟ فلندع آية التطهير ونفترض ان الخليفة كان كأحد هؤلاء المسلمين وعلمه بصدق الزهراء حينئذ ليس حاوياً على الامتياز الذي أشرنا اليه في النقطة السابقة بل هو علم في مصاف سائر الاعتقادات التي تحصل بأسباب هي عرضه للخطأ والاشتباه ولا يدل حينئذ جعل البينة دليلاً على مشاركته لها في تلك الخاصية لأنه ليس أولى منها بذلك كما عرفنا سابقاً.
ولكن الحاكم يجوز له مع ذلك ـ أن يحكم على وفق علمه كما يجوز له أن يستند في الحكم إلى البينة بدليل ما جاء في الكتاب الكريم مما يقرر ذلك اذ قال الله تعالى في سورة النساء : ( واذا حكمتم بين الناس ان تحكموا بالعدل ) وقال في سورة الاعراف : (ممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون) أي يحكمون.
وللحق والعدل ملاحظتان : ـ
(احداهما) الحق والعدل في نفس الامر والواقع.
(والاخرى) الحق والعدل بحسب الموازين القضائية فالحكم على وفق البينة حق واعتدال في عرف هذه الملاحظة وان اخطأت ويعاكسه الحكم على وفق شهادة الفاسق فانه ليس حقاً ولا عدلاً وان كان الفاسق صادقاً في خبره.


 


والمعنى بالكلمتين في الآيتين الكريمتين ان كان هو المعنى الاول للحق والعدل كانتا دالتين على صحة الحكم بالواقع من دون احتياج إلى البينة فاذا احرز الحاكم ملكية شخص لمال صح له أن يحكم بذلك لأنه يرى انه الحق الثابت في الواقع والحقيقة العادلة فحكمه بملكية ذلك الشخص للمال مصداق في عقيدته للحكم بالحق والعدل الذي أمر به الله تعالى. واما اذا فسرنا الكلمتين في الآيتين بالمعنى الثاني اعني ما يكون حقاً وعدلاً بحسب مقاييس القضاء فلا يستقيم الاستدلال بالنصين القرآنيين على شيء في الموضوع لأنهما لا يثبتان حينئذ ان أي قضاء يكون قضاء بالحق وعلى طبق النظام وأي قضاء لا يكون كذلك.
ومن الواضح ان المفهوم المتبادر من الكلمتين هو المعنى الاول دون الثاني وخاصة كلمة الحق فانها متى وصف بها شي ء فهم ان ذلك الشيء أمر ثابت في الواقع فالحكم بالحق عبارة عن الحكم بالحقيقة الثابتة. ويدل على ذلك الاسلوب الذي صيغت عليه الآية الاولى فانها تضمنت أمراً بالحكم بالعدل وواضح جداً أن تطبيق التنظيمات الاسلامية في موارد الخصومة لا يحتاج إلى أمر شرعي لأن نفس وضعها قانوناً للقضاء معناه لزوم تطبيقها فلا يكون الامر بالتزام القانون الا تكراراً أو تنبيها وليس من حقيقة الامر في شيء واما الأمر بالحكم على طبق الحقائق الواقعية سواء أكان عليها دليل من بينة وشهادة أولا فهو من طبيعة الامر بالصميم لانه تقرير جديد يوضح ان الواقع هو ملاك القضاء الاسلامي والمحور الذي ينبغي ان يدور عليه دون أن يتقيد بالشكليات والادلة الخاصة(1).
____________
(1) واذا أردنا أن نترجم هذا المعنى إلى اللغة العلمية قلنا : ان الامر على التقدير الثاني يكون ارشادياً اذ لا ملاك للامر المولوي في المقام حيث ان المأمور اتباعه هو بنفسه كاف للبعث والتحريك فظهور الامر في المولوية يقضي بصرف لفظة العدل إلى المعنى الاول لجواز الامر مولوياً باتباع الواقع فيما اذا دلت عليه البينة خاصة وامكان الامر باتباعه مطلقاً.

=


 


واذن فالآيتان دليل على اعتبار علم الحاكم في قوانين القضاء الاسلامية(1).
واضف إلى ذلك ان الصديق نفسه كان يكتفي كثيراً بالدعوى المجردة عن البينة فقد جاء عنه في صحيح البخاري(1) ان النبي (ص) لما مات جاء لأبي بكر مال من قبل العلاء بن الحضرمي فقال. من كان له علي دين أو كانت قبله عدة فليأتنا قال جابر : وعدني رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ان يعطيني هكذا وهكذا وهكذا فبسط يده ثلاث مرات فعد في يدي خمسمأة ثم خمسمأة ثم خمسمأة.
وروي في الطبقات(2) عن أبي سعيد الخدري انه قال : سمعت منادي أبي بكر ينادي بالمدينة حين قدم عليه مال البحرين : من كانت له عدة عند رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فليأت ؟ فيأتيه رجال فيعطيهم فجاء أبو بشير المازني فقال : ان رسول الله (ص) قال يا أبا بشير اذا جاءنا شيء فأتنا. فاعطاه أبو بكر حفنتين أو ثلاثاً فوجدوها الفاً وأربعمائة درهم.
____________
=
وأنا اعتذر عن عدم استعمال الاصطلاحات العلمية الدائرة في مباحث المنطق والفلسفة والفقه والاصول ـ الا حين اضطر إلى ذلك اضطراراً ـ لأنني أحاول ان تكون بحوث هذا الفصل مفهومة لغير المتخصصين في تلك العلوم.
(1) ان قيل : ان الحديث الوارد عن أهل البيت فيمن قضى بالحق وهو لا يعلم الحكم باستحقاقه للعقاب يدل على عدم كون القضاء من آثار الواقع فيدور الامر بين صرف هذه الرواية عن ظهورها في عدم نفوذ الحكم وحمل العقاب فيها على التجري وبين صرف الكلمتين إلى المعنى الثاني قلت : لا وجه لكلا التأويلين بل الرواية المذكورة مقيدة للآيات بصورة العلم فيكون موضوع القضاء مركباً من الواقع والعلم به وبتعبير آخر انه من أثار الواقع الواصل.
(2) ج3 ص180.
(3) ج4 ص134.


 


فاذا كان الصديق لا يطلب أحداً من الصحابة بالبينة على الدين أو العدة فكيف طلب من الزهراء بينة على النحلة.
وهل كان النظام القضائي يخص الزهراء وحدها بذلك أو أن الظروف السياسية الخاصة هي التي جعلت لها هذا الاختصاص ؟
ومن الغريب حقاً أن تقبل دعوى صحابي لوعد النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بمبلغ من المال وترد دعوى بضعة رسول الله (ص) لانها لم تجد بينة على ما تدعيه.
واذا كان العلم بصدق المدعي مجوزاً لاعطائه ما يدعيه فلا ريب أن الذي لا يتهم جابراً أو أبا بشير بالكذب يرتفع بالزهراء عن ذلك أيضاً.
واذا لم يكن اعطاء الخليفة لمدعي العدة ما طلبه على أساس الأخذ بدعواه وانما دعاه احتمال صدقه إلى اعطائه ذلك وللامام ان يعطي أي شخص المبلغ الذي يراه فلماذا لم يحتط بمثل هذا الاحتياط في مسألة فدك.
وهكذا انجز الصديق وعود رسول الله (ص) التي لم تقم عليها بينة وأهمل هباته المنجزة التي ادعتها سيدة نساء العالمين وبقي السؤال عن الفارق بين الديون والعدات وبين نحلة بلا جواب مقبول.
5 ـ ولنستانف مناقشتنا على أساس جديد وهو : ان الحاكم لا يجوز له الحكم على طبق الدعوى المصدقة لديه اذا لم يحصل المدعى على بينة تشهد له ونهمل النتيجة التي انتهينا اليها في النقطة السابقة ونسأل على هذا التقدير.
أولا ـ عما منع الصديق من التقدم بالشهادة على النحلة اذا كان عالماً بصدق الحوراء سلام الله عليها اذ يضم بذلك شهادته إلى شهادة علي وتكتمل بهما البينة ويثبت الحق واعتباره لنفسه حاكماً لا يوجب سقوط


 


شهادته لأن شهادة الحاكم معتبرة وليست خارجة عن الدليل الشرعي الذي أقام البينة مرجعاً في موارد الخصومة.
وثانياً ـ عن التفسير المقبول لاغفال الخليفة للواقع المعلوم لديه بحسب الفرض. ولاجل توضيح هذه النقطة يلزمنا أن نفرق بين أمرين اختلطا على جملة الباحثين في المسألة :
( أحدهما ) الحكم للمدعي بما يدعيه.
( والآخر ) تنفيذ آثار الواقع واذا افترضنا ان الاول محدود بالبينة فالآخر واجب على كل تقدير لانه ليس حكماً ليحدد بحدوده فاذا علم شخص بأن بيته للآخر فسلمه لمالكه لم يكن هذا حكماً بملكيته له وانما هو اجراء للاحكام التي نص عليها القانون. كما ان الحاكم نفسه اذا ادعى شخص عنده ملكية بيت وكان في حيازته او دل الاستصحاب على الملكية المدعاة فاللازم عليه وعلى غيره من المسلمين ان يعتبروا هذا البيت كسائر ممتلكات ذلك المدعي وليس معنى هذا ان الحاكم حكم بأن البيت ملك لمدعيه مستنداً إلى قاعدة اليد أو الاستصحاب وان المسلمين اخذوا انفسهم باتباع هذا الحكم بل لو لم يكن بينهم حاكم للزمهم ذلك وليس الاستصحاب أو اليد من موازين الحكم في الشريعة وانما يوجبان تطبيق أحكام الواقع.
والفارق بين حكم الحاكم بملكية شخص لمال أو فسقه ونحوهما من الشؤون التي تتسع لها صلاحيات الحاكم وبين تطبيق آثار تلك الامور هو : امتياز الحكم بفصل الخصومة ونعني بهذا الامتياز ان الحاكم اذا أصدر حكماً حرم نقضه على جميع المسلمين ولزم اتباعه من دون نظر إلى مدرك آخر سوى ذلك الحكم.
وأما تطبيق القاضي لآثار الملكية عملياً بلا حكم فلا يترتب عليه


 


ذلك المعنى ولا يجب على كل مسلم متابعته واجراء تلك الآثار كما يجريها الا اذا حصل له العلم بذلك كما حصل للحاكم.
والنتيجة : ان الخليفة اذا كان يعلم بملكية الزهراء لفدك فالواجب عليه أن لا يتصرف فيها بما تكرهه ولا ينزعها منها اجاز له أن يحكم على وفق علمه أولا. ولم يكن في المسألة منكر ينازع الزهراء ليلزم طلب اليمين منه واستحقاقه للمال اذا اقسم لأن الاموال التي كانت تطالب بها الزهراء اما ان تكون لها أو للمسلمين. وقد افترضنا ان أبا بكر هو الخليفة الشرعي للمسلمين يومئذ واذن فهو وليهم المكلف بحفظ حقوقهم وأموالهم فاذا كانت الزهراء صادقة في رأيه ولم يكن في الناس من ينازعها فليس للخليفة ان ينتزع فدكاً منها وتحديد الحكم بالبينة خاصة انما يحرم الحكم ولا يجيز انتزاع الملك من صحابه.
واذن فعدم جواز حكم الحاكم على وفق علمه لا يخفف من صعوبة الحساب ولا يخرج الخليفة ناجحاً من الامتحان.

( محمّد باقر الصدر )

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

الشيعة في العصر الاموي
الامام السجاد و وقعة الحرة :
في الاعراب لأن الفعل اذا كان صفة مرفوع واذا كان ...
حالة العالم قبل البعثة المحمدية
خروج الإمام الحسين ( عليه السلام ) من المدينة إلى ...
رافضي خبيث
سياسة المامون وحاشيته
خطبة الزهراء(عليها السلام) في مسجد أبيها بعد ...
استشهاد النبي الرسول محمد(ص) اغتيالا بالسم
هل كان الحسين (ع) يطلب الحكم بثورته ؟

 
user comment