عربي
Wednesday 17th of July 2024
0
نفر 0

مفهوم‌ البيعة‌

1 ـ مفهوم‌ البيعة‌

ـ البيعة‌ عند اهل‌ اللغة‌.

ـ البيعة‌ في‌ زمن‌ الرسول‌(ص).

ـ البيعة‌ للاءمام‌ علي‌(ع).

2 ـ قميص‌ عثمان‌ وحيلة‌ معاوية‌ بن‌ ابي‌سفيان‌

ـ خطط‌ معاوية‌ للسيطرة‌ علي‌ الخلافة‌ الاءسلامية‌.

ـ ادّعاء معاوية‌ ان‌ زياد بن‌ ابيه‌ اخوه‌ من‌ ابي‌سفيان‌.

3 ـ ولاية‌ العهد

ـ التغيرات‌ التي‌ احدثها في‌ النظام‌ المالي‌.

ـ التمهيد لبيعة‌ يزيد بن‌ معاوية‌.

ـ المعارضة‌ الاءسلامية‌ لهذه‌ البيعة‌.

4 ـ موقف‌ الاءمام‌ الحسين‌(ع) من‌ البيعة‌ ليزيد بن‌ معاوية‌

ـ اشتهار يزيد بالفسق‌ والفجور

ـ محاولة‌ اءجبار الاءمام‌ الحسين‌(ع) علي‌ البيعة‌.

ـ رحلة‌ الحسين‌(ع) من‌ المدينة‌ اءلي‌ كربلاء.

 

 

المقدمة‌:

الحمدلله رب‌ العالمين‌ والصلاة‌ والسلام‌ علي‌ اشرف‌ المرسلين‌وحبيب‌ اءل'ه‌ العالمين‌ ابي‌ القاسم‌ محمّد(ص) وا´له‌ الطيبين‌ الطاهرين‌، واللعن‌الدائم‌ علي‌ اعدائهم‌ اجمعين‌.

البيعة‌ من‌ النظم‌ الاءسلامية‌ التي‌ امرّها الاءسلام‌ في‌ سبيل‌ حفظ‌ الاُمّة‌الاءسلامية‌ وتوحيد كلمتها، ومنع‌ التفرّق‌ والتناحر فيما بينها؛ لذلك‌ امرالرسول‌(ص) بتبليغ‌ البيعة‌ والولاية‌ اءلي‌ الاءمام‌ علي‌(ع) في‌ غدير خم‌ وامرالمسلمين‌ بالبيعة‌ له‌(ع).

ولكن‌ الاُمّة‌ تركت‌ بيعة‌ الاءمام‌ علي‌(ع) وتوجهت‌ اءلي‌ غيره‌ في‌ الواقعة‌المعروفة‌ في‌ السقيفة‌؛ فكانت‌ فلتة‌ وقي‌ الله المسلمين‌ شرّها، ثم‌ نص‌ّابوبكر علي‌ ان‌ الخلافة‌ بعده‌ الي‌ عمر بن‌ الخطاب‌، ثم‌ اءلي‌ عثمان‌بن‌ عفان‌،.والاءمام‌ علي‌(ع) صابر علي‌ غصب‌ حقّه‌ وتجاوز الخلافة‌ عنه‌ حتّي‌اجتمعت‌ الاُمّة‌ من‌ المهاجرين‌ والانصار علي‌ تنصيبه‌ وتعيينه‌ خليفة‌عليهم‌، وقد بايعوه‌ في‌ المدينة‌ بعد هلاك‌ عثمان‌.

ولكن‌ معاوية‌ لم‌ يرض‌ بهذه‌ البيعة‌ ورفض‌ قرار امير المؤمنين‌ بعزله‌عن‌ ولاية‌ الشام‌، وفع‌ السيف‌ لمحاربة‌ اءمامه‌ والخليفة‌ الشرعي‌ المنصّب‌من‌ قبل‌ الله تعالي‌؛ فكان‌ اوّل‌ سيف‌ رفع‌ لتمزيق‌ الاُمّة‌ الاءسلامية‌ واعادة‌التناحر والتعصّب‌ الجاهلي‌،. ثم‌ اكمل‌ معاوية‌ مخططه‌ العدواني‌ بتعيين‌يزيد ابنه‌ وليّاً للعهد من‌ بعد وفاته‌؛ لتكون‌ الخلافة‌ اءرثاً من‌ الاب‌ اءلي‌ الابن‌واءلي‌ يومنا هذا؛ ممّا جرّ الويلات‌ علي‌ المسلمين‌.

وامام‌ هذا التعصب‌ والاءجبار الذي‌ فرضه‌ معاوية‌ وابنه‌ يزيد يقف‌الاءمام‌ الحسين‌(ع) بروحه‌ ودمه‌ ليحيي‌ الاءسلام‌ الاصيل‌، ويرفض‌ بيعة‌يزيد، ويستشهد في‌ سبيل‌ رفع‌ راية‌ الاءسلام‌ المحمّدي‌ الاصيل‌ ويرفض‌اي‌ نوع‌ من‌ الذل‌ّ والخنوع‌.

 

1 ـ مفهوم‌ البيعة‌:

البيعة‌ عند اهل‌ اللغة‌: هي‌ الصفة‌ علي‌ اءيجاب‌ البيع‌، وعلي‌ المبايعة‌والطاعة‌، والبيعة‌ والمبايعة‌ الطاعة‌ نفسها، ولما تقول‌ تبايعوا علي‌ الامركقولك‌: اصفقوا عليه‌، وقولهم‌ بايعه‌ عليه‌ مبايعة‌ اي‌ عاهده‌.

والمبايعة‌: بمعني‌ المعاقدة‌ والمعاهدة‌، كان‌ّ كلاّ منهما باع‌ ما عنده‌ من‌صاحبه‌، واعطاه‌ خالصة‌ نفسه‌ وطاعته‌ ودخيلة‌ امره‌.

والاصل‌ في‌ ذلك‌ انّها كانت‌ من‌ عادة‌ العرب‌ اءذا تبايع‌ اثنان‌ صفق‌احدهما بيده‌ علي‌ يد صاحبه‌.

وعرّف‌ ابن‌ خلدون‌ البيعة‌ في‌ كتابه‌ المعروف‌ ـ مقدمة‌ ابن‌ خلدون‌ ـحيث‌ قال‌: (اعلم‌ ان‌ البيعة‌ هي‌ العهد علي‌ الطاعة‌؛ كان‌ المبايع‌ يعاهداميره‌ علي‌ انّه‌ يسلم‌ له‌ النظر في‌ امر نفسه‌، واُمور المسلمين‌، لا ينازعه‌ في‌شي‌ء من‌ ذلك‌، ويطيعه‌ فيما يكلّفه‌ به‌ من‌ الامر علي‌ المنشي‌ والمكره‌،وكانوا اءذا بايعوا الامير وعقدوا عهده‌ جعلوا ايديهم‌ في‌ يده‌ تاكيداً للعهدباشبه‌ ذلك‌ فعل‌ البايع‌ والمشتري‌، فسمي‌ بيعة‌ مصدر باع‌؛ فصارت‌ البيعة‌مصافحة‌ بالايدي‌، هذا مدلولها في‌ عرف‌ اللغة‌ ومعهود الشرع‌).

وكانت‌ بيعة‌ العقبة‌ الاُولي‌' اوّل‌ بيعة‌ في‌ الاءسلام‌ عندما بايع‌ مجموعة‌من‌ اهل‌ مدينة‌ الرسول‌ الكريم‌(ص)، علي‌ ان‌ لا يشركوا بالله شيئاً، ولايسرقوا، ولا يزنوا، ولا يقتلوا اولادهم‌، ولا ياتوا ببهتان‌ يفترونه‌ من‌ بين‌ايديهم‌ وارجلهم‌، ولا يعصوه‌ في‌ معروف‌ فاءن‌ وفوا فلهم‌ الجنّة‌، واءن‌ غشوامن‌ لك‌ شيئاً فامرهم‌ اءلي‌ الله عزّ وجل‌ اءن‌ شاء عذب‌، واءن‌ شاء غفر).

(ولم‌ تشمل‌ هذه‌ البيعة‌ مبادي‌ الحرب‌؛ لذلك‌ فاءن‌ّ مضمونها قريب‌من‌ مضمون‌ بيعة‌ النساء).

وامّا بيعة‌ العقبة‌ الثانية‌ فقد دعا الرسول‌(ص) الاوس‌ والخزرج‌ اءلي‌مبايعته‌ علي‌ ان‌ يحموه‌ ويذودوا عنه‌ كما يذودون‌ عن‌ اهليهم‌ وانفسهم‌،لذلك‌ فقد شكّلت‌ هذه‌ خطراً علي‌ كفّار مكّة‌، والاخص‌ منهم‌ قبيلة‌ قريش‌(ورجالها الذين‌ اسرعوا عن‌ بكرة‌ ابيهم‌ وقد حملوا السلاح‌ لمحاربة‌رسول‌ الله(ص) وجماعته‌ وردّهم‌ عن‌ هذه‌ البيعة‌، وقد تصدّي‌ حمزة‌(ع)ومعه‌ الاءمام‌ علي‌(ع) فمنعوا كفّار مكّة‌ من‌ الدخول‌ اءلي‌ مكان‌ الاجتماع‌).

وكان‌ لهذه‌ البيعة‌ تاثير كبيرا في‌ حماية‌ الرسول‌ الاعظم‌(ص) واصحابه‌الاوائل‌، وانتشار الدعوة‌ الاءسلامية‌ في‌ المدينة‌؛ فعندما هاجر(ص) من‌ مكّة‌اءلي‌ المدينة‌ بعد ما لحقه‌ من‌ اذي‌ قريش‌ واهل‌ مكّة‌، وقفت‌ قبائل‌ الاوس‌والخزرج‌ له‌ عوناً وناصراً حتي‌ انها اشتركت‌ معه‌ في‌ محاربة‌ كفار مكة‌ومشركيها.

واعلن‌ الرسول‌ الكريم‌(ص) لمّا فتح‌ مكة‌ البيعة‌ علي‌ كل‌ّ من‌ دخل‌الاءسلام‌؛ فكان‌ اهلها يبايعون‌ الرسول‌ الكريم‌(ص) عندما اتم‌ّ الله نعمته‌ علي‌المسلمين‌، واكمل‌ لهم‌ دينهم‌ بولاية‌ امير المؤمنين‌ علي‌(ع)، والائمة‌المعصومين‌ من‌ بعده‌، لمّا ابلغ‌ الامين‌ جبرائيل‌ رسول‌ الله(ص) بذلك‌.

وتنفيذاً للامر جمع‌ رسول‌ الله(ص) الناس‌ في‌ غدير خم‌ ووضعت‌الرحال‌ بعضها فوق‌ بعض‌، ليصعد عليها ودعا علياً(ع) ليقف‌ عند عينيه‌، ثم‌خطب‌ بالناس‌ فحمد الله واثني‌ عليه‌، ووعظ‌، فابلغ‌ في‌ الموعظة‌ ثم‌ امرالمسلمين‌ بالتمسّك‌ بعترته‌ الطاهرة‌ حيث‌ قال‌:

«واءني‌ مخلّف‌ فيكم‌ ما اءن‌ تمسكتم‌ به‌ لن‌ تضلّوا ابداً، كتاب‌ الله وعترتي‌ اهل‌بيتي‌، وانّهما لن‌ يفترقا حتّي‌ يردا علي‌ّ الحوض‌» ثم‌ نادي‌ باعلي‌ صوته‌: «الست‌اولي‌ بكم‌ منكم‌ بانفسكم‌؟، فقالوا: اللهم‌ّ بلي‌، فقال‌ لهم‌ علي‌ النسق‌ وقد اخذبضبعي‌ امير المؤمنين‌(ع) فرفعهما حتّي‌ بان‌ بياض‌ ابطيهما: «فمن‌ كنت‌مولاه‌ فهذا علي‌ّ مولاه‌، اللهم‌ّ وال‌ من‌ والاه‌، وعاد من‌ عاداه‌، وانصر من‌ نصره‌، واخذل‌من‌ خذله‌».

ثم‌ امر(ص) المسلمين‌، ان‌ يهنّئوا الاءمام‌ عليّاً(ع) بالمقام‌، ويسلّموا عليه‌باءمرة‌ المسلمين‌، ففعل‌ ذلك‌ كلّهم‌، ثم‌ امر ازواجه‌ وجمع‌ نساء المؤمنين‌معه‌ ان‌ يدخلن‌ّ عليه‌ ويسلمن‌ّ عليه‌ باءمرة‌ المؤمنين‌ ففعلن‌.

ولم‌ تغب‌ هذه‌ المناسبة‌ عن‌ شعر حسّان‌ بن‌ ثابت‌؛ فطلب‌ الاءذن‌ من‌الرسول‌ الكريم‌(ص) ان‌ يلقي‌ ابياتاً في‌ ولاية‌ الاءمام‌ علي‌(ع)، فاءذن‌ له‌الرسول‌(ص) فانشا يقول‌:

يناديهم‌ يوم‌ الغدير نبيّهم‌بخم‌ واسمع‌ بالرسول‌ مناديا

وقال‌ فمن‌ مولاكم‌ ووليّكم‌فقالوا ولم‌ يبدوا هناك‌ التعاديا

اءل'هك‌ مولانا وانت‌ وليّناولن‌ تجد منّا لك‌ اليوم‌ عاصيا

فقال‌ له‌ قم‌ يا علي‌ّ فاءنني‌رضيتك‌ من‌ بعدي‌ اءماماً وهاديا

فمن‌ كنت‌ مولاه‌ فهذا وليّه‌فكونوا له‌ انصار صدق‌ مواليا

هنالك‌ دعا اللهم‌ّ وال‌ وليّه‌وكن‌ للذي‌ عادي‌ عليّاً معاديا

وكانت‌ بيعتهم‌ علي‌ الطاعة‌ التامّة‌ والتسليم‌ للاءمام‌(ع) في‌ اُمور انفسهم‌واُمور الدولة‌.

ومن‌ هذا التاريخ‌ عرف‌ المسلمون‌ البيعة‌ للخليفة‌ الذي‌ بعدرسول‌الله(ص)، والذي‌ لا يتحقّق‌ لاي‌ اءنسان‌ اءلاّ للائمّة‌ المعصومين‌:؛ لان‌الرسول‌ الكريم‌(ص) نص‌ّ علي‌ البيعة‌ لهم‌، فما قيمة‌ اجتهاد عمر وابي‌بكرامام‌ النص‌ّ منه‌(ص)؟ هذا اوّلاً، وثانياً: ان‌ البيعة‌ لا تتحقق‌ للمبايع‌ له‌ اءلاّ اءذاكان‌ ممّن‌ تجب‌ طاعته‌، وهذا لا يكون‌ اءلاّ في‌ الائمة‌: الذين‌ اوجب‌الله تعالي‌' طاعتهم‌ في‌ كتابه‌ العزيز: ( يَا أَيُّهَا الَّذِين‌َ ا´مَنُوا أَطِيعُوا اللّه‌َ وَأَطِيعُواالرَّسُول‌َ وَاُولِي‌ الاَمْرِ مِنْكُم‌ْ) واولو الامر منهم‌ الائمة‌:.

وثالثاً: ان‌ لا تكون‌ هناك‌ موانع‌ من‌ الالتزام‌ بالبيعة‌، عند مبايعة‌الشخص‌ المطلوب‌، مثل‌ انتهاكه‌ الحرمات‌، وارتكاب‌ المعاصي‌، والتجاهربالفسق‌ فمثل‌ شخص‌ كهذا لا يصح‌ّ البقاء علي‌ بيعته‌ بل‌ يجب‌ عدم‌الالتزام‌بها.

والنتيجة‌:

اءن‌ّ مفهوم‌ البيعة‌ شرع‌ في‌ الاءسلام‌ لتربط‌ البيعة‌ افراد المجتمع‌الاءسلامي‌ فيما بينهم‌ بروابط‌ الاءسلام‌ من‌ حقوق‌ وواجبات‌، وكذلك‌تربطهم‌ باءمامهم‌ وخليفتهم‌ الذي‌ يتولّي‌ اُمور بلادهم‌ في‌ السلم‌ والحرب‌،وهو الذي‌ يتّخذ القرارات‌ اللازمة‌ لمصلحة‌ المسلمين‌، وهي‌ عقد الطاعة‌للاءمام‌ ليمارس‌ دوره‌ كحاكم‌ ومرشد سياسي‌ وديني‌.

ولاشك‌ ان‌ّ البيعة‌ للقائد المعصوم‌ واجبة‌، ولا يمكن‌ التخلف‌ عنهاشرعاً، ولكن‌ّ الاءسلام‌ اصرّ عليها واتّخذها اُسلوباً للتعاقد بين‌ القائدوالاُمة‌؛ لكي‌ يركّز نفسيّاً ونظريّاً مفهوم‌ الخلافة‌ العامّة‌ للاُمّة‌».

فلابدّ للاُمّة‌ الاءسلامية‌ من‌ اءمام‌ تبايعه‌ وتعاهده‌ علي‌ السمع‌ والطاعة‌،ممّا يؤدّي‌ اءلي‌ توحيد كلمتها وجمع‌ شملها، وقد تفرقت‌ الاُمّة‌ الاءسلامية‌،وتمزّقت‌ وحدتها عندما انحرفت‌ عن‌ طريقها المستقيم‌ فخالفت‌ امررسول‌ الله(ص) ونكثت‌ بيعة‌ الاءمام‌(ع).

واكمل‌ معاوية‌ انحراف‌ المسلمين‌، عندما رفع‌ السيف‌ ضد الخليفة‌المُبايَع‌ له‌  من‌ قبل‌ المهاجرين‌ والانصار، بعدما رفض‌ كتاب‌اميرالمؤمنين‌(ع)  الذي‌ يدعوه‌ فيه‌ اءلي‌ البيعة‌ والذي‌ جاء فيه‌:

«امّا بعد، فاءن‌ بيعتي‌ بالمدينة‌ لزمتك‌، وانت‌ بالشام‌؛ لانه‌ بايعني‌ القوم‌ الذين‌بايعوا ابابكر وعمر وعثمان‌ علي‌ ما بايعوهم‌ عليه‌، فلم‌ يكن‌ للشاهد ان‌ يختار ولاالغائب‌ ان‌ يرد، واءنّما الشوري‌ للمهاجرين‌ والانصار، فاءن‌ اجتمعوا علي‌ رجل‌ وسمّوه‌اءماماً كان‌ ذلك‌ لله رضاً، فاءن‌ خرج‌ من‌ امرهم‌ خارج‌ بطعن‌ او بدعة‌ ردّوه‌ اءلي‌ ما خرج‌منه‌، فاءن‌ ابي‌ قاتلوه‌ علي‌ اتباعه‌ غير سبيل‌ المؤمنين‌ وولاه‌ الله ما تولي‌، ويصليه‌ جهنم‌وساءت‌ مصيراً، واءن‌ طلحة‌ والزبير بايعاني‌ ثم‌ نقضا بيعتي‌ وكان‌ نقضهما كردّتهما،فجاهدتهما علي‌ ذلك‌ حتي‌ جاء الحق‌ّ وظهر امر الله وهم‌ كارهون‌.

فادخل‌ يا معاوية‌ فيما دخل‌ فيه‌ المسلمون‌؛ فاءن‌ّ احب‌ الاُمور الي‌ّ فيك‌ العافية‌ اءلاّان‌ تتعرض‌ للبلاء قاتلتك‌ واستعنت‌ بالله عليك‌».

وحاول‌ الاءمام‌ علي‌(ع) في‌ هذا الكتاب‌ اءرشاد معاوية‌ اءلي‌ طريق‌ الحق‌ّالذي‌ يوحّد الاُمّة‌، ومنع‌ الحروب‌ الداخلية‌، والتي‌ لا تفيد اءلاّ اعداءالاءسلام‌، المتربصين‌ به‌.

 

2 ـ قميص‌ عثمان‌ وحيلة‌ معاوية‌ بن‌ ابي‌سفيان‌:

ساهمت‌ المكانة‌ المقرّبة‌ لعثمان‌ بن‌ عفان‌ من‌ الخليفة‌ الثاني‌ علي‌تعيين‌ معاوية‌ بن‌ ابي‌سفيان‌ والياً علي‌ بلاد الشام‌ بعد وفاة‌ اخيه‌ يزيد بن‌ابي‌سفيان‌.

وبقي‌ معاوية‌ والياً حتّي‌ وصول‌ عثمان‌ اءلي‌ السلطة‌، الذي‌ بدا ومنذبداية‌ خلافته‌ بجمع‌ اقربائه‌ حوله‌، وقرّب‌ بني‌ اُمية‌ خاصة‌، حتي‌ انه‌ اعطي‌اُمور الدولة‌ الاءسلامية‌ لمروان‌ بن‌ الحكم‌، وادخل‌ اباه‌ المدينة‌، مع‌ ان‌رسول‌ الله(ص) منعه‌ من‌ الدخول‌ اءليها، ولم‌ يخالف‌ هذا الامر الخليفة‌ الاوّل‌والثاني‌، ولكن‌ّ عثمان‌ ادخله‌ معززاً مكرّماً واعطاه‌ مائة‌ الف‌ درهم‌.

وساعد تسلّط‌ بني‌ اُمية‌ علي‌ بيت‌ المال‌، واءنفاق‌ عثمان‌ بسخاء علي‌اقربائه‌ والموالين‌ له‌ في‌ ازدياد قوّة‌ الاُمويين‌، ونفوذ حزبهم‌ بين‌ الناس‌،وقد رحّب‌ ابوسفيان‌ بهذا التصرف‌ من‌ عثمان‌ ببيت‌ مال‌ المسلمين‌ فقال‌له‌ يوماً عندما دخل‌ عليه‌:

«بابي‌ انت‌ واُمي‌! انفق‌ ولا تكون‌ كابي‌ حجر، وتداولوها يابني‌ اُمية‌تداول‌ الولدان‌ بالكرة‌، فوالذي‌ يحلف‌ به‌ ابوسفيان‌ ما من‌ جنّة‌ ولانار».

وواجهت‌ هذه‌ السياسة‌ المعارضة‌ من‌ اصحاب‌ رسول‌ الله(ص) ؛فعندما ارسل‌ عثما الوليد بن‌ عقبة‌ اءلي‌ الكوفة‌ ليكون‌ عامله‌ عليها، الفي‌ابن‌ مسعود علي‌ بيت‌ المال‌ فاستقرضه‌ مالاً. وقد كانت‌ الولاة‌ تفعل‌ ذلك‌ثم‌ ترد ما تاخذ، فاقرضه‌ عبدالله ما ساله‌، ثم‌ اءنه‌ اقتضاه‌ اءياه‌، فكتب‌ الوليدفي‌ذ لك‌ اءلي‌ عثمان‌ فكتب‌ عثمان‌ اءلي‌ عبدالله بن‌ مسعود: اءنّما انت‌ خازن‌لنا فلا تعرض‌ للوليد فيما اخذ من‌ المال‌، فطرح‌ ابن‌ مسعود المفاتيح‌؛وقال‌: كنت‌ اظن‌ اني‌ خازن‌ للمسلمين‌، فاما اءذا كنت‌ خازناً لكم‌، فلا حاجة‌لي‌ في‌ ذلك‌».

وفي‌ الشام‌ استغل‌ّ معاوية‌ سنوات‌ تعيينه‌ حاكماً عليها من‌ قبل‌ عثمان‌افضل‌ استغلال‌، مستفيداً من‌ الصلاحيات‌ الواسعة‌ التي‌ خوّله‌ اءيّاها الخليفة‌الثالث‌، في‌ اءدارة‌ البلاد، وخاصّة‌ في‌ جمع‌ الاموال‌ والتصرف‌ بها حيث‌لعبت‌ سياسته‌ المالية‌ دوراً كبيراً في‌ التفاف‌ القبائل‌ العربية‌ في‌ الشام‌حوله‌ بعد ان‌ اغري‌ رؤساءها بالاموال‌ التي‌ كان‌ ينفقها عليهم‌، بالاءضافة‌اءلي‌ المنزلة‌ المقرّبة‌ منه‌ والتي‌ تصاحبها تلبية‌ طلباتهم‌ في‌ كل‌ّ مناسبة‌ اوعند الحاجة‌.

واستطاع‌ معاوية‌ ايضاً، ان‌ يجمع‌ حوله‌ مجموعة‌ من‌ الشعراءوالاُدباء، بعد ان‌ بذل‌ لهم‌ الاموال‌ والهدايا، ويرغّبهم‌ بالانتماء لحزبه‌الاُموي‌؛ فقد بعث‌ اءلي‌ ابي‌الاسود الدؤلي‌ الذي‌ كان‌ من‌ اصحاب‌ الاءمام‌علي‌(ع) هدية‌ فيها حلوي‌، محاولة‌ منه‌ لجذبه‌ اءليه‌، فعندما راتها ابنة‌ابي‌الاسود قالت‌: ممّن‌ هذا يا ابه‌؟!

فقال‌: من‌ معاوية‌ بعث‌ بها ليخدعنا عن‌ ديننا، فقالت‌:

ابالشهد المزعفر يابن‌ حرب‌نبيع‌ عليك‌ احساباً ودينا

معاذ الله كيف‌ يكون‌ هذاومولانا امير المؤمنينا

ولج‌ّ معاوية‌ في‌ خداع‌ اهل‌ الشام‌ ليحاربوا الاءمام‌ عليّاً(ع) عندما استغل‌ّمقتل‌ عثمان‌ في‌ تنفيذ مخطّطه‌ للوصول‌ اءلي‌ الملك‌ والسيطرة‌ علي‌ الخلافة‌وجعلها في‌ بني‌اُميّة‌.

وبرع‌ في‌ تنفيذ حيلته‌ عندما استخدم‌ قميص‌ عثمان‌ ـ الذي‌ نقل‌ اءليه‌من‌ المدينة‌ اءلي‌ الشام‌ ـ كوسيلة‌ للوصول‌ اءلي‌ غايته‌؛ فقد كان‌ يصعد المنبرويبكي‌ علي‌ عثمان‌ حزناً لمقتله‌، ويبكي‌ معه‌ اهل‌ الشام‌ ثم‌ يحثّهم‌ علي‌الانتقام‌ من‌ الاءمام‌ علي‌(ع) لانه‌ قتله‌.

وقد نجحت‌ هذه‌ الحيلة‌ حيث‌ جعل‌ اهل‌ الشام‌ يحاربون‌ تحت‌ رايته‌،بالاءضافة‌ اءلي‌ اساليب‌ اُخري‌ من‌ الدهاء والمكر استخدمها معاوية‌ في‌حربه‌ مع‌ الاءمام‌ علي‌(ع) منها:

1 ـ اءن‌ّ معاوية‌ لم‌ يطالب‌ بالخلافة‌ لنفسه‌، او هو طامع‌ بها، او يريد ان‌تكون‌ لبني‌ اُمية‌ خاصّة‌، واءنّما اعلن‌ نصرته‌ للخليفة‌ المظلوم‌ عثمان‌ بن‌عفان‌ الذي‌ قتل‌ ولم‌ ينصره‌ احد، واعلن‌ ايضاً، ليس‌ عنده‌ ايّة‌ عداوة‌ مع‌الاءمام‌ علي‌(ع) ولا يريد منه‌ شيئاً اءلاّ ان‌ يسلمه‌ قتلة‌ عثمان‌ حتي‌ يقتص‌ّمنهم‌، وبعد ذلك‌ تكون‌ الخلافة‌ للمسلمين‌ ليختاروا من‌ يشاءوا، وكان‌معاوية‌ يتّهم‌ خصومه‌ او من‌ يريد تصفيته‌ جسدياً بانهم‌ من‌ قتله‌ عثمان‌،او ممّن‌ لم‌ ينصره‌، والغريب‌ في‌ الامر ان‌ معاوية‌ لم‌ ينصره‌، وتركه‌محاصراً حتي‌ قتل‌، مع‌ ان‌ جيش‌ الشام‌ كان‌ تحت‌ سيطرته‌.

واستنكر المسلمون‌ نصرة‌ معاوية‌ لعثمان‌ بعد مقتله‌، امثال‌:ابي‌الطفيل‌ عامر بن‌ واثلة‌ الكناني‌ الذي‌ قال‌ له‌ معاوية‌ حين‌ دخل‌ عليه‌:

«انت‌ من‌ قتلة‌ عثمان‌؟ فقال‌ ابوالطفيل‌: لا، ولكني‌ ممّن‌ حضره‌ فلم‌ينصره‌، قال‌: وما منعك‌ من‌ نصرته‌؟ قال‌ ابوالطفيل‌: لم‌ ينصره‌المهاجرون‌ والانصار. قال‌ معاوية‌: الحق‌ّ كان‌ حقّه‌ واجباً، وكان‌ يجب‌عليهم‌ ان‌ ينصروه‌. قال‌ ابوالطفيل‌: فما منعك‌ يا امير المؤمنين‌ من‌ نصرته‌ومعك‌ اهل‌ الشام‌؟ قال‌ معاوية‌: اوما طلبني‌ بدمه‌ نصرة‌ له‌؟ فضحك‌ابوالطفيل‌ وقال‌: انت‌ والله وعثمان‌ كقوله‌:

لا اعرفنّك‌ بعد الموت‌ تندبني‌وفي‌ حياتي‌ ما زوّدتني‌ زادي‌

2 ـ نجح‌ معاوية‌ نجاحاً باهراً في‌ جعل‌ الولاء للقومية‌ العربية‌ بدلاً من‌الولاء للدين‌ الاءسلامي‌، ممّا جعل‌ عرب‌ الشام‌ المسيحيين‌ يقاتلون‌ تحت‌اءمرته‌ ضد جيش‌ الاءمام‌ علي‌(ع)، تجمعهم‌ مع‌ معاوية‌ العروبة‌، وخاصّة‌ان‌ معاوية‌ اعطاهم‌ الحرية‌ في‌ ممارسة‌ دينهم‌، وقرب‌ قسماً منهم‌ اءليه‌؛حتي‌ جعل‌ احدهم‌ ويدعي‌ (سرجون‌) من‌ كبار مستشاريه‌.

3 ـ عظّم‌ معاوية‌ امر الخليفة‌ عند اهل‌ الشام‌، وانه‌ منصوب‌ من‌ اللهسبحانه‌ وتعالي‌، والاعتراض‌ علي‌ الخليفة‌ هو اعتراض‌ علي‌ امر اللهسبحانه‌ وتعالي‌، واكد معاوية‌ لاهل‌ الشام‌، ان‌ الاءمام‌ عليّاً(ع) هو الذي‌ قتل‌خليفة‌ الله في‌ ارضه‌ عثمان‌ بدليل‌ انه‌ يحتفظ‌ بقتلته‌.

4 ـ برع‌ معاوية‌ في‌ سياسته‌ باستخدام‌ الحلم‌ عن‌ خصومه‌ ومناوئيه‌كوسيله‌ لتثبيت‌ نفسه‌ في‌ السلطه‌، حتي‌ انه‌ كان‌ يردّ الاءساءة‌ بالاءحسان‌ في‌الوصول‌ اءلي‌ غايته‌، وقد ساهم‌ هذا الاُسلوب‌ في‌ انتماء عدد كبير من‌الشخصيات‌ المهمّة‌ اءلي‌ الحزب‌ الاُموي‌، بعد ان‌ كانوا معادين‌ لهذاالحزب‌.

فعندما بعث‌ معاوية‌ اءلي‌ رجل‌ من‌ الانصار، خمسمائة‌ دينار فاستقلّهاالانصاري‌، وقال‌ لابنه‌: خذها وامض‌ اءلي‌ معاوية‌، واضرب‌ بها وجهه‌وردّها عليه‌، واقسم‌ علي‌ ابنه‌ ان‌ يفعل‌ ذلك‌، فجاء ابنه‌ اءلي‌ معاوية‌، ومعه‌الدراهم‌، فقال‌: يا اميرالمؤمنين‌، ان‌ّ عند ابي‌ حدّة‌ وسرعة‌ وقد امرني‌ كيت‌وكيت‌، وقد اقسم‌ علي‌ّ. فوضع‌ معاوية‌ يده‌ علي‌ وجهه‌ وقال‌: افعل‌ ما امرك‌ابوك‌، وارفق‌ بعمّك‌، وارجع‌ معاوية‌ الدنانير مضاعفة‌ للانصاري‌، واثارت‌هذه‌ الحادثة‌ غضب‌ يزيد الذي‌ اعترض‌ علي‌ هذه‌ السياسة‌ الحليمة‌ لابيه‌عن‌ خصومه‌ تحسّباً منه‌ ان‌ يقال‌ بين‌ الناس‌: اءن‌ّ معاوية‌ ضعيف‌اوجبان‌.

وكانت‌ هذه‌ الحيلة‌ الاخلاقية‌ من‌ اخطر الاساليب‌ التي‌ استخدمهامعاوية‌ في‌ بداية‌ حكمه‌ لتلبّسه‌ بالعفو والرحمة‌ التسامح‌ مع‌ خصومه‌،حتي‌ اءذا استقامت‌ له‌ الاُمور، واستتبت‌ له‌ الاوضاع‌ امر بالسيف‌في‌خصومه‌، حتي‌ قتل‌ الصحابي‌ حجر بن‌ عدي‌ الكندي‌ وجماعة‌ من‌اصحابه‌ لانهم‌ اعترضوا علي‌ ظلمه‌.

5 ـ استمرّ معاوية‌ في‌ حث‌ّ اهل‌ الشام‌ علي‌ طاعته‌ وتعظيمه‌، كما كانوايفعلون‌ مع‌ ملوك‌ الروم‌ من‌ الاحترام‌ والسجود لهم‌؛ لذلك‌ فاءن‌ معاوية‌ كان‌يلبس‌ لباس‌ الملوك‌ بينهم‌.

6 ـ حشد معاوية‌ كافة‌ وسائل‌ الاءعلام‌ في‌ زمانه‌، لتشويه‌ شخصية‌الاءمام‌ علي‌(ع)، حتي‌ كان‌ بعض‌ اهل‌ الشام‌ عندما يسالون‌ عن‌ الاءمام‌علي‌(ع) يقولون‌ ما نحسبه‌ اءلاّ لصّاً او قاطع‌ طريق‌، وقد تعجب‌ بعضهم‌عندما سمعوا ان‌ الاءمام‌(ع) قُتل‌ في‌ المحراب‌، وهو يصلّي‌، اءذ كان‌ معاوية‌واصحابه‌ يبثّون‌ الاءشاعات‌ ان‌ الاءمام‌ عليّاً(ع) لا يصلّي‌.

ولم‌ تثن‌ِ هذه‌ الحيل‌ والاساليب‌ الخبيثة‌ الاءمام‌ عليّاً(ع) عن‌ مواجهة‌معاوية‌، واءعلان‌ الحرب‌ ضده‌؛ حتي‌ يستسلم‌ امام‌ السلطة‌ المركزية‌ويعزل‌ نفسه‌ عن‌ ولاية‌ الشام‌.

ولكن‌ معاوية‌ رفض‌ ان‌ يسلّم‌ الولاية‌ للخليفة‌ المنتخب‌ والذي‌ له‌الحق‌ّ في‌ عزل‌ الولاة‌ وتنصيبهم‌ وكانت‌ حرب‌ صفين‌ نتيجة‌ لعناد معاوية‌وطمعه‌ في‌ كرسي‌ الخلافة‌، وانتصر الاءمام‌ علي‌(ع) في‌ هذه‌ الحرب‌،واستعد معاوية‌ للهرب‌، لولا حيلة‌ عمرو بن‌ العاص‌، عندما اشار علي‌معاوية‌ ان‌ يامر الجيش‌ برفع‌ المصاحف‌ فوق‌ اسنّة‌ الرماح‌، حتي‌ يوقف‌القتال‌، وساعده‌ الاشعث‌ بن‌ قيس‌ الموالي‌ لبني‌ اُمية‌ في‌ اءحداث‌ الفرقة‌والاختلاف‌ في‌ جيش‌ الاءمام‌ علي‌(ع) ممّا ادي‌ اءلي‌ ظهور الخوارج‌، والذي‌قتل‌ احدهم‌ ويدعي‌ عبدالرحمن‌ بن‌ ملجم‌ الاءمام‌ (ع) وهو يصلّي‌ في‌محراب‌ مسجد الكوفة‌ في‌ سنة‌ اربعين‌ للهجرة‌.

ويفرح‌ معاوية‌ عندما يصل‌ اءليه‌ خبر مقتل‌ الاءمام‌ علي‌(ع)، ويمهّدالاُمور للاستيلاء علي‌ الخلافة‌، وتحقّق‌ الحلم‌ الذي‌ راود اباه‌ اباسفيان‌واُمه‌ هند ـ ا´كلة‌ الاكباد ـ ليتسلّط‌ علي‌ رقاب‌ المسلمين‌، ويعيد لهم‌ الخموروالفسق‌ والفجور علي‌ عهد ابنه‌ يزيد الذي‌ وصل‌ الحكم‌ بسبب‌ دهاء ابيه‌وغدره‌.

ادّعي‌ معاوية‌ بعد تمكّنه‌ من‌ محاربة‌ جيش‌ العراق‌، وحصول‌ الصلح‌بينه‌ وبين‌ الاءمام‌ الحسن‌(ع) انه‌ احق‌ّ بالخلافة‌ من‌ غيره‌ لقرابته‌ من‌ عثمان‌،وان‌ بني‌ اُميّة‌ يستحقّون‌ هذا المنصب‌؛ لانهم‌ طالبوا بدمه‌ فهم‌ احق‌ّ بقيادة‌الاُمّة‌ من‌ غيرهم‌.

ولكن‌ ادّعاءه‌ هذا لم‌ يصمد امام‌ النظريات‌ الاءسلامية‌ الاُخري‌، مثل‌النص‌ّ والتعيين‌ عند الشيعة‌ الاءمامية‌، او الشوري‌ عند اهل‌ السنّة‌، فاضطرّاءلي‌ اختراع‌ مذهب‌ الجبر الذي‌ يتلائم‌ مع‌ تعظيمه‌ للخلافة‌، والذي‌ روّج‌ له‌معاوية‌ كثيراً ليثبته‌ في‌ عقول‌ المسلمين‌، واستمر الاُمويون‌ علي‌ هذاالمذهب‌ حتي‌ نهاية‌ حكمهم‌ وسقوط‌ ا´خر خليفة‌ اُموي‌.

واباح‌ لهم‌ هذا المذهب‌ سفك‌ دماء المسلمين‌، وخاصة‌ من‌ يعترض‌علي‌ ظلمهم‌؛ مدّعين‌ ان‌ من‌ يعترض‌ علي‌ الخليفة‌ الاُموي‌ فقد اعترض‌علي‌ اوامر الله سبحانه‌ وتعالي‌ لان‌ّ الخليفة‌ منصّب‌ من‌ الله والمعترض‌عليه‌ كافر ويستحق‌ القتل‌.

ولما استقبل‌ معاوية‌ وفداً من‌ اهل‌ العراق‌ صرّح‌ لهم‌ عن‌ فكرة‌ مذهبه‌في‌ الحكم‌ والصلاحيات‌ المخوّلة‌ له‌ حيث‌ قال‌:

«الارض‌ لله وانا خليفة‌ الله، فما اخذت‌ فلي‌، وما تركته‌ للناس‌،فبالفضل‌ مني‌».

وعندما دخل‌ الكوفة‌ في‌ سنة‌ احدي‌ واربعين‌ هجريه‌، اعلن‌ من‌ علي‌منبر الكوفة‌ وبكل‌ّ صراحة‌ عن‌ مذهب‌ الجبر في‌ سياسته‌ معهم‌، وانه‌ وصل‌للخلافة‌ بقوّة‌ السيف‌ وبالقتال‌ والحروب‌ التي‌ خاضها ضدّهم‌ حتي‌ نصره‌الله عليهم‌ فقال‌:

«قاتلتكم‌ لاتامّر عليكم‌، فقد اعطاني‌ الله ذلك‌، وانتم‌ كارهون‌».

وكانت‌ الرزيّة‌ العظمي‌ التي‌ اصابت‌ المسلمين‌ عندما استخدم‌ معاوية‌مذهب‌ الجبر في‌ تثبيت‌ ولاية‌ العهد لابنه‌ يزيد ؛ فقد اعلن‌ ان‌ الناس‌مجبورون‌ علي‌ مبايعة‌ يزيد للخلافة‌ من‌ بعده‌، معلناً بان‌ّ الله سبحانه‌وتعالي‌ اعطاه‌ ذلك‌، فقال‌ في‌ احدي‌ الخطب‌ لتثبيت‌ ولاية‌ العهد:

«اءن‌ّ لله الملك‌ ويعطي‌ الملك‌ لمن‌ يشاء، وقد اعطاه‌ ليزيد ؛ فعلي‌المسلمين‌ مبايعته‌ والتسليم‌ له‌ لان‌ّ امره‌ قضاء من‌ القضاء، وليس‌ للعبادالخيرة‌ من‌ امرهم‌».

وحاول‌ معاوية‌ ان‌ يدعم‌ مذهبه‌ باخبار الرواة‌ المحدثين‌ في‌ زمانه‌،حتي‌ يتم‌ له‌ خداع‌ الناس‌ بشرعية‌ مذهبه‌، واحقيّته‌ بالخلافة‌ من‌ غيره‌،فبذل‌ اموالاً طائلة‌ كعادته‌ ؛ فجعلهم‌ يختلقون‌ الاحاديث‌ الكاذبة‌ عن‌الرسول‌ الكريم‌(ص) لدعم‌ مذهبه‌، واحقية‌ بني‌ اُمية‌، وبطلان‌ خلافة‌ الاءمام‌علي‌(ع) والائمة‌ الاطهار: من‌ بعده‌.

وقد اغرت‌ دراهم‌ معاوية‌ سمرة‌ بن‌ جندب‌؛ فبذل‌ له‌ معاوية‌ مائة‌الف‌ درهم‌ حتّي‌ يروي‌ ان‌ هذه‌ الا´ية‌: (وَمِن‌َ النَّاس‌ِ مَن‌ يُعْجِبُك‌َ قَوْلُه‌ُ فِي‌ الْحَيَاة‌ِالدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّه‌َ عَلَي‌' مَا فِي‌ قَلْبِه‌ِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَام‌ِ* وَاءِذَا تَوَلَّي‌' سَعَي‌' فِي‌ الاَرْض‌ِلِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِك‌َ الْحَرْث‌َ وَالنَّسْل‌َ وَاللّه‌ُ لاَ يُحِب‌ُّ الْفَسَادَ).

وبذل‌ له‌ معاوية‌ ـ ايضاً ـ مائة‌ الف‌ درهم‌ علي‌ ان‌ يروي‌ هذه‌ الا´ية‌:(وَمِن‌َ النَّاس‌ِ مَن‌ يَشْرِي‌ نَفْسَه‌ُ ابْتِغَاءَ مَرْضَات‌ِ اللّه‌ِ) انّها نزلت‌ في‌عبدالرحمن‌ بن‌ ملجم‌، عندما قتل‌ الاءمام‌ عليّاً(ع) فلم‌ يقبل‌ سمرة‌ بذلك‌،فبذل‌ له‌ مائتي‌ الف‌ درهم‌ فلم‌ يقبل‌، فبذل‌ ثلاثمائة‌ الف‌ درهم‌، فلم‌ يقبل‌فبذل‌ له‌ اربعمائة‌ الف‌ فقبل‌ وروي‌ ذلك‌».

وببذل‌ الاموال‌ والهدايا دعم‌ الرواة‌ والفقهاء الموالون‌ للحزب‌الاُموي‌، حكم‌ معاوية‌ خاصة‌، وحكم‌ بني‌ اُمية‌ عامة‌، واخذوا يندّدون‌ بمن‌يحاول‌ الثورة‌ ضدّ حكومته‌، وينسبون‌ اءليه‌ مخالفة‌ الجماعة‌ وخلع‌ الطاعة‌والكفر بالاُمة‌، ويعطون‌ لمعاوية‌ صلاحية‌ حكم‌ الاءعدام‌بهم‌.

وفئة‌ اُخري‌ من‌ الفقهاء والمحدّثين‌، لم‌ تدعم‌ معاوية‌ وبني‌ اُمية‌باختلاق‌ الاحاديث‌ بل‌ اعترفت‌ بظلم‌ بني‌اُمية‌، ولكنّها منعت‌ الناس‌ من‌الخروج‌ ضدّهم‌، ولم‌ تؤيّد هذه‌ الفرقة‌ اي‌ثورة‌ او عمل‌ عسكري‌ مسلّح‌ضد بني‌اُمية‌، وطلبت‌ من‌ الناس‌ الصبر والسكينة‌، مقابل‌ ظلم‌ بني‌اُمية‌،مثل‌ الحسن‌ البصري‌ الذي‌ كان‌ يقول‌:

«اءنّما الوالي‌ الظالم‌ نقمة‌ فلا تقابل‌ نقمة‌ الله بالسيف‌، وعليكم‌ بالصبروالسكينة‌».

وفئة‌ ثالثة‌تري‌ ان‌ الظالم‌ عندما يتجاهر بالفسوق‌ والعصيان‌،ويرتكب‌ المحرّمات‌ ويقتل‌ النفس‌ المحترمة‌، ويتلاعب‌ بالشريعة‌الاءسلامية‌ لصالح‌ اهوائه‌ ولذّاته‌ النفسية‌، فمثل‌ هذا لاولي‌ لابدّ للاُمة‌ من‌القيام‌ بوجهه‌، واءعلان‌ الجهاد المقدّس‌ ضدّه‌، حتي‌ يتحقّق‌ النصر واءنقاذالاُمة‌ منه‌، والفوز بالشهادة‌ التي‌ وعد الله المؤمنين‌ بها، وقد كان‌ قائد هذاالاتجاه‌ وزعيمه‌ في‌ مواجهة‌ بني‌ اُمية‌ الاءمام‌ الحسين‌(ع) الذي‌ رفض‌مذهب‌ الجبر عند الاُمويين‌، ودعا الاُمة‌ الاءسلامية‌ اءلي‌ الانضمام‌ تحت‌رايته‌ في‌ سبيل‌ الدفاع‌ عن‌ الدين‌ الاءسلامي‌، فلم‌ ينصره‌ اءلاّ ثلّة‌ من‌ اصحاب‌النفوس‌ الحرّة‌ الكريمة‌ الذين‌ رفضوا الظلم‌، وبذلوا انفسهم‌ وارواحهم‌ في‌سبيل‌ نصرة‌ الاءسلام‌، ورفع‌ كلمة‌ الحق‌ّ، وحصلوا علي‌ الشهادة‌ التي‌ فازوابها في‌ الدنيا والا´خرة‌.

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

هل تعلم لمن تدعو في يوم عرفة ؟
بكاء النبي (ص) على الحسين بسند صحيح
مفهوم‌ البيعة‌
من معاجز الإمام الباقر عليه السّلام
السيدة زينب في الكوفة
انتقال الخلافة إلى الأمويين
ويروي البخاري عن ابن عباس قوله: إني لواقف في قوم ...
الحائر الحسيني
لعن وتكفير يزيد من كتب السنه
ما هي حقيقة آيه الرجم ؟

 
user comment