عدم تأثير وشايتها على الرسول :
السؤال : أنا من السنّة ولست شيعياً ، ولكن أُريد أن أعرف بعض الأُمور عن أخواني من هذا المذهب ، من مصادرهم هم ، وليس من غيرهم .
ما تفسير الإخوة الشيعة لقيام الرسول (صلى الله عليه وآله) بتطليق اثنتان من زوجاته ـ بناء على وشاية من السيّدة عائشة ـ وهذا يعترف به السنّة والشيعة ، فأنا أسأل : لماذا يطلّقهم الرسول ؟ فهل هذا خطأ وقع فيه الرسول (صلى الله عليه وآله) ؟ كيف يحدث ذلك وهو معصوم عن الخطأ ؟
الجواب : القول بأنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) تأثّر بوشاية عائشة وطلّق اثنتين من نسائه ورد عن طريق أهل السنّة ، ولم يثبت من طريقنا ، نعم ربّما نقلته كتبنا ، والنقل في الكتب لا يعني بالضرورة القبول فيه والتسليم به .
ونحن نحاشي رسول الله (صلى الله عليه وآله) ونجلّه من أن يقدم على طلاق زوجة واحدة ـ فضلاً عن زوجتين ـ لمجرد وشاية ، وبهذه البساطة ، وهذا لا يكون من الإنسان المؤمن العاقل الموزون العادي ، فكيف بسيّد العقلاء وهو رسول الله (صلى الله عليه وآله) ؟
____________
1- التحريم : 10 .
2- الأحزاب : 30 .
|
الصفحة 237 |
|
إذاً القضية لم تثبت من طريقنا ، وإنّما نقلتها كتبكم ، كما نقلت الكثير ممّا يسيء إلى سمعة رسول الله (صلى الله عليه وآله) .
( أبو يحيى درويش . اليمن . 24 سنة . طالب كُلّية الشريعة )
السؤال : هل ثبت أنّ الإمام علي طلّق عائشة من رسول الله ؟ إذا كان كذلك فما هي الأدلّة ؟
الجواب : ورد في بعض أخبارنا : أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) أوصى علياً (عليه السلام) أن يطلّق أزواجه اللاتي يخرجن عليه بعد وفاته (صلى الله عليه وآله) .
والظاهر أنّ الطلاق الذي قصده النبيّ (صلى الله عليه وآله) ليس هو الطلاق المتعارف ، إذ الطلاق الحقيقي هو : كون الزوجة في حبالة زوجها فيصحّ انقطاع عصمتها عنه بتطليقها ، أمّا وفاة النبيّ (صلى الله عليه وآله) فقد حالت دونه ودون أن تكون أزواجه في حبالته ، فكيف يصحّ انقطاع عصمتهن الزوجية بالطلاق ؟
إلاّ أنّ الذي نستظهره ـ وهو الأوفق إن شاء الله بالمقام ـ أنّ طلاق أزواجه حين خروجهن على إمامهن وقت ذاك ـ الإمام علي (عليه السلام) ـ بمعنى إلغاء خصوصيتها من مقام أزواج النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، وإلغاء كونها من أُمّهات المؤمنين ، وعدم شمولها بخصوصية أن يكون لها أجران من العمل ، كما في قولـه تعالى : { وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ للهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا } (1) .
فهذه الخصوصيات والمنازل التي تتمتّع بها أزواج النبيّ (صلى الله عليه وآله) تلغى ، ومن ثمّ يسقط اعتبار تلك التي تخرج على إمام زمانها ، نعم تبقى خصوصية عدم جواز نكاحها من بعده حتّى لو طلّقت بالمعنى المجازي الذي ذكرناه ، حرمة لرسول الله (صلى الله عليه وآله) وكرامة لـه ، فإنّ مفعول الآية الكريمة لا يزال يبقى سارياً حتّى
____________
1- الأحزاب : 31 .
|
الصفحة 238 |
|
لو طلّقت من النبيّ (صلى الله عليه وآله) بهذا المعنى، وهو قولـه تعالى: { وَلاَ أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا } (1) فهذا التأبيد هو لمراعاة مقامه (صلى الله عليه وآله) في حرمة نكاح أزواجه من بعده .
( ... . ... . ... )
منزّهة عن الفحشاء ومتّهمة بالإفك :
السؤال : هل صحيح أنّ الشيعة يتّهمون عائشة بالزنا والعياذ بالله ؟ وإن كان ذلك صحيحاً فما دليلكم عليه ؟
الجواب : إنّ الشيعة تعتقد ـ وهذه كتبهم في متناول الجميع ـ أنّ نساء النبيّ (صلى الله عليه وآله) ـ بل نساء الأنبياء قاطبة ـ منزّهات عن الفواحش ، التي تمسّ الشرف والعرض ، فإنّ ذلك يخدش بمقام النبوّة ، ولكن لا يعني ذلك أنّ نساء النبيّ معصومات عن سائر الأخطاء ، بل جاء في القرآن ما يدلّ على أنّ امرأتين من نساء بعض الأنبياء كان مصيرهما النار ، وهما امرأة نوح وامرأة لوط (عليهما السلام) كما في قولـه تعالى : { ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلاَ النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ } (2) .
وأمّا نساء النبيّ (صلى الله عليه وآله) فهنّ وإن كنّ لسن كسائر النساء ـ كما تحدّث القرآن عنهن ـ لكن لا يعني ذلك العصمة لهنّ ، وإنّما اختلافهن عن سائر النساء في الثواب والعقاب ، فيضاعف لهن الثواب إذا جئن بالحسنة ، كما يضاعف لهنّ العقاب إذا جئن بالسيّئة ، قال تعالى : { يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرًا ً * وَمَن يَقْنُتْ
____________
1- الأحزاب : 53 .
2- التحريم : 10 .
|
الصفحة 239 |
|
مِنكُنَّ للهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا } (1) .
وذلك لمكان قربهن من رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وجسامة مسؤوليتهنّ عند الله تعالى وعند الرسول (صلى الله عليه وآله) .
ولعلّ اتّهام الشيعة بهذه المسألة يشير إلى قضية الإفك التي تحدّث عنها القرآن الكريم في قولـه تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لاَ تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لـه عَذَابٌ عَظِيمٌ }(2) .
وقد ذكرت القصّة مفصّلة في صحيح البخاري وغيره (3) ، والمراد بالإفك هو الكذب العظيم ، أو البهتان على عائشة أو غيرها من أزواج النبيّ (صلى الله عليه وآله) كما سيأتي بيان ذلك .
وجوابنا عن ذلك :
أوّلاً : إنّ هذه القضية وقعت في زمان النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، وتحدّث عنها القرآن الكريم ، وإذا كان الشيعة لم يوجدوا بعدُ ـ كما يدّعي أهل السنّة ـ فأيّ علاقة بين هذه القضية وبين الشيعة ؟
ثانياً : إنّ بعض الصحابة قد تورّط في هذه القضية ، ومنهم حسّان بن ثابت (4) ، وكان لحسّان في ذلك شعر ، يعرّض فيه بابن المعطّل المتّهم في هذه القضية ، وبمن أسلم من مضر ، فإذا كان الأمر كذلك ، فكيف نحكم على
____________
1- الأحزاب : 30 ـ 31 .
2- النور : 11 .
3- أُنظر : صحيح البخاري 6 / 5 .
4- صحيح البخاري 3 / 155 و 5 / 56 .
|
الصفحة 240 |
|
أنّ جميع الصحابة كانوا على العدالة والاستقامة ؟ الأمر الذي يثبت ويؤكّد أنّ الصحابة حالهم كحال سائر الناس .
ثالثاً : إنّ هذه القضية محلّ خلاف بين المؤرّخين ، فذهب بعض السنّة إلى أنّ عائشة هي المتّهمَة ، كما ذكر ذلك البخاري في صحيحه ، والترمذي ، والبيهقي ، وأحمد بن حنبل ، وغيرهم ، وذهب بعض علماء الشيعة وجمع من علماء السنّة : أنّ المتّهمَة في هذه القضية هي مارية القبطية ـ زوج رسول الله (صلى الله عليه وآله) أُمّ إبراهيم ـ لورود روايات عن أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) في ذلك (1) ، ولورود روايات ذكرها علماء أهل السنّة في ذلك (2) .
ورابعاً : إنّ من العجيب حقّاً والملفت للنظر ، أنّ نجد في الروايات السنّية أنّ ممّن اتّهم مارية القبطية عائشة نفسها ، وأنّها قد أصابتها الغيرة الشديدة ، حتّى أن ابن سعد في طبقاته يروي عن عائشة قولها : " ما غرت على امرأة إلاّ دون ما غرت على مارية " (3) .
وهي التي نفت الشبه بين إبراهيم وبين الرسول (صلى الله عليه وآله) كما ذكر ذلك السيوطي في " الدرّ المنثور " (4) ، ويقول ابن أبي الحديد عن موقف عائشة حين مات إبراهيم : " ثمّ مات إبراهيم فأبطنت شماتة ، وإن أظهرت كآبة ... " (5) .
هذا ما يذكره علماء السنّة حول القضية ، وأنّ لعائشة دوراً كبيراً في إثارة التهمة ضدّ مارية ، فقل بربّك هل يسوغ اتّهام الشيعة بأنّهم يقذفون نساء الرسول (صلى الله عليه وآله)؟
____________
1- تفسير القمّي 2 / 99 .
2- صحيح مسلم 8 / 119 ، المستدرك 4 / 39 ، الإصابة 5 / 517 ، الكامل في التاريخ 2 / 313 ، طبقات ابن سعد 8 / 214 ، المعجم الأوسط 4 / 90 .
3- الطبقات الكبرى 8 / 212 .
4- الدرّ المنثور 6 / 240 .
5- شرح نهج البلاغة 9 / 195 .
|
الصفحة 241 |
|
ألا يقتضي التثبّت والتروّي أن يبحث الإنسان في كتب الروايات والتاريخ عن هذا الأمر ليقف على الحقيقة بنفسه ، بدلاً من بثّ الدعايات المغرضة التي لا طائل من ورائها غير إيقاع الفتنة بين الناس !
( حمد . السعودية . ... )