مفهومها ووقوعها :
السؤال : ما هو مفهوم الرجعة ؟ وفي أيّ زمن تحصل ؟
الجواب : إنّ مفهوم الرجعة هو : رجوع جماعة من الأموات إلى الحياة الدنيوية قبل يوم القيامة في صورتهم التي كانوا عليها ، وذلك عند قيام الإمام المهديّ (عليه السلام) وبعده .
ولا يرجع إلاّ من علت درجته في الإيمان ، أو من بلغ الغاية في الفساد ، ثمّ يصيرون بعد ذلك إلى النشور ، وما يستحقّونه من الثواب والعقاب .
وأهمّ ما استدلّت به الشيعة الإمامية على إمكان الرجعة ، هو الأحاديث الكثيرة المتواترة عن النبيّ والأئمّة (عليهم السلام) ـ المروية في الكتب المعتمدة ـ وإجماع الطائفة المحقّة على ثبوتها ، حتّى أصبحت من ضروريات مذهب الإمامية ، كما استدلّوا أيضاً بالآيات القرآنيّة الدالّة على وقوعها في الأُمم السابقة ، أو الدالّة على وقوعها في المستقبل ، إمّا نصّاً صريحاً ، أو بمعونة الأحاديث المعتمدة الواردة في تفسيرها .
ثمّ لا يخفى عليك ، أنّ القول بالرجعة ليس من مختصّات الشيعة ، فإنّ الجميع يؤمنون برجعة السيّد المسيح (عليه السلام) في آخر الزمان .
( السيّد محمّد البحرانيّ . البحرين . 41 سنة . طالب جامعة )
السؤال : ما هي حقيقة الرجعة ؟ مِن العلماء مَن يقر هذا الاعتقاد ومنهم من ينفيه ويدحضه وأدلّته على مدعاه ؟ والحقائق المرتبطة بالرجعة ؟
|
الصفحة 516 |
|
الجواب : إنّ الرجعة بمعناها الاصطلاحيّ ، هي الرجوع إلى الدنيا ، ويدلّ عليها بعض الآيات القرآنيّة والنصوص المستفيضة من أهل البيت (عليهم السلام) ، وأصل هذا الاعتقاد من ضروريات المذهب الجعفريّ ، وإن اختلف في حوزة شموله ، فمنهم من يقول بالرجعة لجميع الناس ، ومنهم من يحصرها في عدد معيّن ؛ ثمّ إنّ هناك اختلافاً بالنسبة إلى هؤلاء المتعينيّن مع الاتفاق في موارد .
وأمّا بدء هذه الحركة ، فهو في زمن الإمام الحجّة (عليه السلام) ، ويمتدّ إلى ما بعد أيّامه ، هذا هو المقدار المتيقّن في المسألة ، وفي هذا المجال أقوال وكلمات للعلماء لا يسعنا ذكر تفاصيلها .
( علي المؤمن . السعودية . ... )
السؤال : لقد أوضحتم جزاكم الله مفهوم الرجعة من خلال بعض الإجابات ، لكن السؤال : كيف أثبت الرجعة من خلال آيات القرآن الكريم والسنّة ؟ شاكراً لكم .
الجواب : قال السيّد المرتضى (قدس سره) : ( اعلم أنّ الذي يقوله الإمامية في الرجعة لا خلاف بين المسلمين ـ بل بين الموحّدين ـ في جوازه ، وأنّه مقدور لله تعالى .
وإنّما الخلاف بينهم : في أنّه يوجد لا محالة ، أو ليس كذلك ، ولا يخالف في صحّة رجعة الأموات إلاّ ملحد وخارج عن أقوال أهل التوحيد ، لأنّ الله تعالى قادر على إيجاد الجواهر بعد إعدامها ، وإذا كان عليها قادراً جاز أن يوجدها متى شاء ) (1) .
وقال الآلوسي : ( وكون الإحياء بعد الإماتة ، والإرجاع إلى الدنيا من الأُمور المقدورة له عزّ وجلّ ، ممّا لا ينتطح فيه كبشان ، إلاّ أنّ الكلام في
____________
1- رسائل المرتضى 3 / 135 .
|
الصفحة 517 |
|
وقوعه ) (1) .
فإذا كان إمكان الرجعة أمراً مسلّماً به عند جميع المسلمين ، فلماذا الشكّ والاستغراب لوقوع الرجعة ؟! ولماذا التشنيع والنبز بمن يعتقد بها ، لورود الأخبار الصحيحة المتواترة عن أئمّة الهدى (عليهم السلام) بوقوعها ؟
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : ( لتركبن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر ، وذراعاً بذراع ، حتّى لو أنّ أحدهم دخل حجر ضب لدخلتم ) (2) .
وقال تعالى : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُواْ ثُمَّ أَحْيَاهُمْ ... } (3) .
فجميع الروايات الواردة في تفسير هذه الآية المباركة ، تدلّ على أنّ هؤلاء ماتوا مدّة طويلة ، ثمّ أحياهم الله تعالى ، فرجعوا إلى الدنيا ، وعاشوا مدّة طويلة .
فإذا كانت الرجعة قد حدثت في الأزمنة الغابرة ، فلم لا يجوز حدوثها في آخر الزمان : { سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً } (4) .
وقال تعالى : { أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىَ يُحْيِـي هَـَذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ ... } (5) .
____________
1- روح المعاني 10 / 237 .
2- مسند أحمد 2 / 511 ، صحيح البخاريّ 8 / 151 ، المستدرك 4 / 455 ، مجمع الزوائد 7 / 261 ، مسند أبي داود : 289 ، كتاب السنّة : 36 ، المعجم الكبير 6 / 186 ، شرح نهج البلاغة 9 / 286 .
3- البقرة : 243 .
4- الأحزاب : 62 .
5- البقرة : 259 .
|
الصفحة 518 |
|
لقد اختلفت الروايات والتفاسير في تحديد هذا الذي مرّ على قرية ، لكنّها متّفقة على أنّه مات مائة عام ، ورجع إلى الدنيا وبقي فيها ، ثمّ مات بأجله ، فهذه رجعة إلى الحياة الدنيا .
وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : ( لتركبن سنن من كان قبلكم ... ) .
هذا ، وروي عن أبي بصير أنّه قال : قال لي أبو جعفر (عليه السلام) : ( ينكر أهل العراق الرجعة ) ؟ قلت : نعم ، قال : أمّا يقرؤون القرآن { وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا } ؟ (1) .
وروي عن حمّاد ، عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال : ما يقول الناس في هذه الآية : { وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا } ؟ قلت : يقولون : إنّها في القيامة .
قال (عليه السلام) : ليس كما يقولون ، إنّ ذلك الرجعة ، أيحشر الله في القيامة من كلّ أُمّة فوجاً ويدع الباقين ؟! إنّما آية القيامة قوله : { وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا } (2) .
ويمكن أن يتجلّى لنا الهدف من هذا الأمر الخارق الذي أخبر عنه أئمّة الهدى (عليهم السلام) ، إذا عرفنا أنّ العدل الإلهيّ واسع سعة الرحمة الإلهيّة ، ومطلق لا يحدّه زمان ولا مكان ، وأنّه أصيل على أحداث الماضي والحاضر والمستقبل ، والرجعة نموذج رائع لتطبيق العدالة الإلهيّة ، ذلك لأنّها تعني أنّ الله تعالى يعيد قوماً من الأموات ممّن محّض الإيمان محضاً ، أو محّض الكفر محضاً ، فيديل المحقّين من المبطلين عند قيام المهديّ (عليه السلام) .
وفي الختام : نشير إلى أنّ الشيخ الحرّ العامليّ (قدس سره) أورد في الباب الثاني من كتابه ( الإيقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة ) اثني عشر دليلاً على صحّة الاعتقاد بالرجعة ، وأهمّ ما استدلّ به الإمامية على ذلك : هو الأحاديث الكثيرة المتواترة علن النبيّ والأئمّة (عليهم السلام) ـ المروية في الكتب المعتمدة ـ وإجماع
____________
1- النمل : 83 ، مختصر بصائر الدرجات : 25 .
2- الكهف : 47 ، مختصر بصائر الدرجات : 41 .
|
الصفحة 519 |
|
الطائفة المحقّة على ثبوت الرجعة ، حتّى أصبحت من ضروريات مذهب الإمامية .
( حسين العلوي . ... . ... )
نسيان الكافر فيها لعالم البرزخ :
السؤال : هل أنّ أُولئك الأفراد الذين محّضوا الكفر محضاً ، هل مرّوا بعالم البرزخ ؟ إذا كانت الإجابة نعم ، هل يتذكّرون ذلك العالم عند بعثهم مرّة أُخرى ؟ وإذا كانت الإجابة نعم ، ألا يؤثّر ذلك فيهم ؟
خالص شكري لكم ، ودمتم للإسلام ولآل البيت مصباحاً تنيرون به طريق الحقّ .
الجواب : من الممكن أن يكون هؤلاء وغيرهم قد مرّوا بعالم البرزخ ، ورأوا ما وعدهم الله من سوء المنقلب ، ومن العذاب وعاقبة كفرهم ، إلاّ أنّ هؤلاء لم يتذكّروا عالم البرزخ ، ولم يبق شيء في ذاكرتهم ممّا رأوه ، لذا فإنّ النشأة السابقة التي مرّ بها الإنسان لا يمكن تذكّرها ، كنشأة عالم الجنين ، وما مرّ به الجنين من أطوارٍ ومراحل ، هذا حال جميع الخلق الذين يمرّون بنشأة قبل خلقهم ، فهم لا يتذكّرون منها شيئاً ، كما أن الكفّار لا يتذكّرون من عوالمهم البرزخية شيئاً ، ودليل ذلك قوله تعالى : { قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ } (1) .
مع أنّهم لبثوا أحقاباً وهم لا يتذكّرون كم لبثوا ، ولو تأمّلنا في حال النائم ، فهو لا يتذكّر كم نامَ ، وفي أيّ نشأةٍ كان ، وبأيّ الأحوال مرّ ، وقس كلّ ذلك حال الكفّار ، وقد مروا بعالم البرزخ .
ومن الممكن أيضاً ـ وهو الأقرب والأصحّ ـ أنّ هؤلاء قد محضوا الكفر والنفاق فلا يرجعون عن غيّهم حتى ولو رأوا العذاب ومرّوا به ، وقد قال
____________
1- الكهف : 19 .
|
الصفحة 520 |
|
تعالى : { وَ لَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقالُوا يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَ لا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَ نَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * بَلْ بَدا لَهُمْ ما كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَ لَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ } (1) .
( ... . ... . ... )
رواياتها تنصّ على رجعة النبيّ وآله :
السؤال : هل رواية أنّ جزاء الحسين الدنيوي ، هو حكمه الطويل في زمن الرجعة ؟ هل تحكم فيه كلّ الأئمّة أم إمام دون آخر ؟ وماذا عن رسول الله ؟
الجواب : الرجعة تعدّ واحدة من أُمور الغيب ، واستدلّ الإمامية على صحّة الاعتقاد بالرجعة بالأحاديث الصحيحة المتواترة عن النبيّ وآله المعصومين (عليهم السلام) ـ المروية في المصادر المعتبرة ـ فضلاً عن إجماع الطائفة المحقّة على ثبوت الرجعة ، حتّى أصبحت من ضروريات المذهب .
كما واستدلّ الشيعة على إمكان الرجعة بالآيات القرآنيّة ، الدالّة على رجوع أقوام من الأُمم السابقة إلى الحياة الدنيا ، رغم خروجهم من عالم الأحياء إلى عالم الموتى ، كالذين خرجوا من ديارهم حذر الموت وهم ألوف ، والذي مرّ على قرية وهي خاوية على عروشها ، والذين أخذتهم الصاعقة ، وأصحاب الكهف ، وذي القرنين ، وغيرهم .
واستدلّ الشيعة على وقوع الرجعة في المستقبل ، بقوله تعالى : { وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا } (2) الدال على الحشر الخاصّ قبل يوم القيامة .
ومن حصيلة مجموع الروايات الواردة في الرجعة نلاحظ : أنّها تنصّ على رجعة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وأمير المؤمنين (عليه السلام) ، والإمام الحسين (عليه السلام) ، وكذلك باقي الأئمّة والأنبياء (عليهم السلام) ، وتنصّ كذلك على رجعة عدد من أنصار الإمام المهديّ (عليه السلام)
____________
1- الأنعام : 27 ـ 28 .
2- النمل : 83 .
|
الصفحة 521 |
|
، وبعض أصحاب الأئمّة ، ومن جانب آخر تنصّ على رجعة الظالمين ، وأعداء الله ورسوله وأهل بيته (عليهم السلام) .
قال السيّد عبد الله شبر : ( يجب الإيمان بأصل الرجعة إجمالاً ، وأن بعض المؤمنين وبعض الكفّار يرجعون إلى الدنيا ، وإيكال تفاصيلها إليهم (عليهم السلام) ، والأحاديث في رجعة أمير المؤمنين والحسين (عليهما السلام) متواترة معنى ، وفي باقي الأئمّة قريبة من التواتر ، وكيفية رجوعهم ، هل هو على الترتيب أو غيره ؟ فكلّ علمه إلى الله سبحانه وإلى أوليائه ) .
( أبو أحمد البحرانيّ . البحرين . 31 سنة . طالب علم )