روايات يشمّ منها رائحة الغلوّ :
السؤال : قال الإمام علي أمير المؤمنين : " أنا الذي لا يقع عليه اسم ولا صفة " .
وقال (عليه السلام) مخاطباً كميل عندما سأله : يا أمير المؤمنين ما الحقيقة ؟
فقال (عليه السلام) : " ما لك والحقيقة " ؟ فقال : أولست صاحب سرّك يا أمير المؤمنين ؟ فقال : " بلى ، ولكن أخاف أن يطفح عليك ما يرشح منّي " ، فقال : أومثلك يخيب سائلاً ؟
فقال (عليه السلام) : " الحقيقة كشف سبحات الجلال من غير إشارة ... " (2) .
أرجو توضيح معنى الحديثين ، ثبّتنا الله جميعاً على التسليم في مقاماتهم (عليهم السلام) .
الجواب : إنّ البحث حول الأحاديث التي ذكرتموها يكون من وجوه :
أوّلاً : إنّ إسناد بعض هذه الروايات ليس بذلك الحدّ من الصحّة والتوثيق حتّى يرسل إرسال المسلّمات ، فللبحث عن أسانيدها مجال للمتتّبع .
ولكن هذا لا يعني إلغاء المتن بالمرّة ، بل بمعنى عدم حجيّتها ، أي لا نتيّقن بأنّها بأكملها صدرت عن الإمام (عليه السلام) ، فيحتمل أن يكون قد تغيّر بعض ألفاظها
____________
1- كنز العمّال 5 / 724 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 434 .
2- نور البراهين 1 / 221 ، شرح الأسماء الحسنى 1 / 131 .
|
الصفحة 25 |
|
أو عباراتها .
ثانياً : بناءً على ما ذكرنا ، فإنّنا نأخذ بالقدر المتيقّن من المعاني والمفاهيم التي اشتملت عليها هذه الروايات ، والتي تؤيّدها سائر النصوص الدينية من الكتاب والسنّة ، ثمّ نطرح ما لا يستقيم ويتوافق مع هذه المسلّمات القطعية الصدور .
ثالثاً : إنّ أمثال هذه الروايات ـ مثل خطبة البيان والطتنجية ـ وإن كان ظهورهما ربما يشمّ منه رائحة الغلوّ ، ولكن يمكن تفسيرها على ضوء القواعد العقليّة والكلامية ، والنصوص القرآنية والروائية الصحيحة ، والمعتبرة سنداً ومتناً .
وعلى سبيل المثال ، فرواية كميل يمكن تفسيرها : بأنّ الإمام (عليه السلام) يريد أن يوضّح ويبيّن منازل التوحيد ، فيمثّل وينظر ريثما يكون في مستوى السائل ، كما يقال : " المعقول ينظّر بالمحسوس " ، وللبحث فيها مجال واسع .
أو إنّ الرواية الأُولى ، يمكن أن تكون بمعنى أنّ الإمام (عليه السلام) لا بديل ولا نظير له في الوجود ، وهذا مطلب صحيح وواضح ، وموافق لكافّة أدلّة إمامته (عليه السلام) العقليّة والنقليّة .
والمهمّ في هذا المقام أن لا نقع في أخطاء الصوفية والغلاة في تفسير هكذا روايات بمجرّد نظرة ساذجة لظاهرها .
رابعاً : إنّ منازل الأئمّة المعصومين (عليهم السلام) ، لا ينحصر ثبوتها أو إثباتها بروايات وأحاديث معيّنة ، بل إنّ مراتبهم السامية هي أجلّ وأعظم من أن ينالها حتّى المستوى البشري بحسب الأدلّة العقليّة والنقليّة .
فما ذكرناه في هذا المجال ليس إلاّ بحثاً علمياً ، فلا يستنتج منه ـ والعياذ بالله ـ إنكار مقاماتهم المعنوية ، بل صفوة القول : إنّ الاعتدال في تفسير النصوص هو الطريق المستقيم الذي تدعو إليه الأئمّة الهداة (عليهم السلام) .
|
الصفحة 26 |
|
( ... . السعودية . ... )