المقصود من (أهل البيت) في آية التطهير
الثالث: إن عبارة (أهل البيت) في آية التطهير يراد بها أحد بيوت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهو ذلك البيت الذي اجتمع فيه أصحاب الكساء ونزلت
____________
(1) أما نحن الشيعة فنقول أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) داخل في هذا الخطاب، لأن مفاد الآية هو الإخبار عن دفع الرجس لا رفعه، وبهذا تكون الزوجات خارجات لا علاقة للآية بهن.
|
|
|
على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فيه الآية الكريمة، ومن ثم جللهم ودعا لهم، وهو بيت السيدة أم المؤمنين أم سلمة رضوان الله تعالى عليها.
قال ابن عساكر في كتابه: (الأربعين في مناقب أمهات المؤمنين) معلقا على قول أم سلمة رضوان الله تعالى عليها الوارد ضمن إحدى الروايات التي ذكرتها في هذا الكتاب وهو قولها: (وأهل البيت رسول الله B وعلي وفاطمة والحسن والحسين) قال: (وقولها وأهل البيت هؤلاء الذين ذكرتهم إشارة إلى الذين وجدوا في البيت في تلك الحالة، وإلا فآل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كلهم أهل البيت، والآية نزلت خاصة في هؤلاء)(1).
يؤيد قولنا هذا ما ورد في بعض الروايات المروية عن السيدة أم سلمة رضوان الله تعالى عليها من أنه لم يكن في البيت إلا هؤلاء، ففي (الدر المنثور) للسيوطي قال:
((وأخرج الترمذي وصححه وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في سننه من طرق عن أم سلمة (رضي الله عنها) قالت: في بيتي نزلت: (إِنَّما يُريدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهيراً) وفي البيت فاطمة وعلي والحسن والحسين فجللهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بكساء كان عليه ثم قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا))(2).
وأخرج أيضا في نفس المصدر المذكور قال:
((وأخرج ابن مردويه عن أم سلمة قالت: نزلت هذه الآية في
____________
(1) الأربعين في مناقب أمهات المؤمنين 106.
(2) الدر المنثور 6/604.
|
|
|
بيتي: (إِنَّما يُريدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهيراً) وفي البيت سبعة جبريل وميكائيل (عليهما السلام) وعلي وفاطمة والحسن والحسين (رضي الله عنهم) وأنا على باب البيت، قلت: يا رسول الله ألست من أهل البيت؟ قال: إنك إلى خير، إنك من أزواج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)))(1).
الألف واللام في لفظة (البيت) هنا عهدية
الرابع: إن الألف واللام في لفظة (البيت) في قوله تعالى:(قالوا أَتَعْجَبينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَميدٌ مَجيدٌ) عهدية، إشارة إلى أحد بيوت النبي إبراهيم (عليه السلام)، والذي كان إبراهيم (عليه السلام) مختليا فيه مع زوجته سارة حيث هبطت الملائكة لتبشيرهما بحمل سارة بمولود عزيز هو إسحاق وبحفيد يأتيهم من إسحاق، فتذهل سارة من هذه البشارة وكيفية تحققها في زوجين بلغا سنّ اليأس، فتجيب الملائكة سارة بالقول::(... أَتَعْجَبينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَميدٌ مَجيدٌ).
الخميس يتشبث بأوهن الأدلة لإثبات اختصاص الآية بزوجات النبي
الخامس: إن الشيخ الخميس يحشر في استدلاله لإثبات اختصاص الآية بزوجات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بعض النصـوص القـرآنية، ومنها قوله تعالى: (فَلَمّا قَضى موسى الأَجَلَ وسارَ بِأَهْلِهِ) ليقول بأن الله سبحانه وتعالى قال عن زوجة موسى بأنها (أهله) وعليه فزوجات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)من أهله أيضا وهذا خلط كبير وقلة فهم، فلا أحد ينكر أن لفظة (أهل) قد تستخدم مع القرينة ويراد بها الزوجة كما في قوله تعالى: (فَلَمّا قَضى موسى
____________
(1) المصدر السابق.
|
|
|
الأَجَلَ وسارَ بِأَهْلِهِ) حيث المراد فيها هنا زوجته لوجود قرينة أنه لم يكن معه في سفره هذا إلا هي، وكما في قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لزوجته أم سلمة - كما في بعض روايات حديث الكساء -: (إنك من أهلي) ولكن كلامنا حول مفهوم (أهل البيت) في آية التطهير لا عن لفظة (أهل) بمفردها فهل يراد به الزوجات وهل هو مختص بهن أو يشملهن أو أنه يراد به فقط أصحاب الكساء؟ كل الأدلة قائمة على أنه يراد به أولئك الذين جللهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالكساء.
السادس: أما حول ادعائه الباطل بأن عليا وفاطمة والحسن والحسين دخلوا في أهل البيت بدعاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عندما جللهم بالكساء لا أن آية التطهير نزلت فيهم فردنا عليه:
أولا: إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لما أن جمعهم تحت الكساء تلا عليهم هذه الآية كما في العديد من نصوص حديث الكساء، ومنها رواية السيدة عائشة والتي أخرجها مسلم بن الحجاج في صحيحه وغيره ففيه قالت عائشة:
((خرج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) غداة وعليه مرط مرحل من شعر أسود فجاء الحسن بن علي فأدخله، ثم جاء الحسين فأدخله، ثم جاءت فاطمة فأدخلها، ثم جاء علي فأدخله ثم قال: (إِنَّما يُريدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهيراً))) (1).
وكما في رواية ابن عباس التي أخرجها النسائي في خصائص
____________
(1) صحيح مسلم 4/1883.
|
|
|
الإمام علي (عليه السلام)، والسنن الكبرى وأحمد في مسنده، وفضائل الصحابة والحاكم في المستدرك على الصحيحين وهي رواية طويلة نقلتها فيما سبق حيث قال: (... وأخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثوبه فوضعه على علي وفاطمة وحسن وحسين فقال: (إِنَّما يُريدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهيراً)...))(1).
فهذا نبي الله سبحانه وتعالى يجمعهم تحت الكساء ثم يخاطبهم بهذه الآية الكريمة كما خاطبهم الله عز وجل من قبل بها، وهو دليل على أنها نزلت فيهم ومختصة بهم، فلو لم تكن خاصة بهم ونازلة فيهم لما خاطبهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بها.
الثاني: أخرج الهيثمي في مجمع الزوائد فقال:
((إن الحسن بن علي حين قتل علي استخلف، فبينا هو يصلي بالناس إذ وثب إليه رجل فطعنه بخنجر في وركه فتمرض منها أشهر، ثم قام فخطب على المنبر فقال: يا أهل العراق اتقوا الله فينا، فأنا أمراؤكم وضيفانكم، ونحن أهل البيت الذي قال الله عز وجل: (إِنَّما يُريدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهيراً) فما زال يومئذ يتكلم حتى ما ترى في المسجد إلا باكيا)).
قال الهيثمي: (رواه الطبراني ورجاله ثقات)(2).
____________
(1) خصائص الإمام علي 44 حديث رقم: 23، السنن الكبرى 5/112 حديث رقم: 8409، مسند أحمد 1/330 حديث رقم: 3062، فضائل الصحابة 2/ 682 حديث رقم: 1168).
(2) مجمع الزوائد 9/172.
|
|
|
فهذا أبو محمد الحسن بن علي بن أبي طالب (عليهما السلام) يستشهد بهذه الآية الكريمة ويذكر بأنهم المعنيون بها.
الثالث: لقد ورد في الأثر أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلى مدى ستة أشهر أو تسعة كان يأت كل صباح ويقف عند باب بيت علي وفاطمة (عليهما السلام) وينادي الصلاة يا أهل البيت ثم يتلو الآية الكريمة: مخاطبا لهما بها، وهذا دليل أيضا على أنهم المعنيون والمخاطبون بهذه الآية المباركة.
ففي المستدرك على الصحيحين قال الحاكم النيسابوري:
((حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الله الحفيد، حدثنا الحسين بن الفضل البجلي، حدثنا عفان بن مسلم، حدثنا حماد بن سلمة، أخبرني حميد وعلي بن زيد عن أنس بن مالك (رضي الله عنه) أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يمر بباب فاطمة (رضي الله عنها) ستة أشهر إذا خرج لصلاة الفجر يقول: الصلاة يا أهل البيت: (إِنَّما يُريدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَـــهِّرَكُمْ تَطْهيراً))).
ثم قال الحاكم: (هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه)(1).
وأخرجه الترمذي في جامعه الصحيح(2)، وأحمد بن حنبل في مسنده (3) وعبد حميد في مسنده(4)، وأبو داود الطيالسي في مسنده(5)
____________
(1) المستدرك على الصحيحين 3/172 حديث رقم: 4748.
(2) الجامع الصحيح (سنن الترمذي) 5/352 حديث رقم: 3206.
(3) مسند أحمد 3/259 حديث رقم: 13754 و 3/285 حديث رقم: 14072.
(4) مسند عبد حميد 1/367 حديث رقم: 1223.
(5) مسند أبي داود 1/274 حديث رقم: 205.
|
|
|
والطبراني في المعجم الكبير(1)وابن أبي شيبة في مصنفه(2)، وأخرجه من طريق أبي الحميراء عبد حميــد في مسنده(3)والطبراني في المعجــــم الكبير(4)، وأخرجه من طريق أبي سعيد الخدري الطبراني في المعجم الأوسط(5).
قال عثمان الخميس: ((ثالثا: إن معنى أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يتعدى زوجات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ويتعدى عليا والحسن والحسين وفاطمة إلى غيرهم كما في حديث زيد بن أرقم، وأنه لما قيل له نساؤه من أهل بيته؟ قال: نساؤه من أهل بيته ولكن أهل بيته الذين حرموا الصدقة وهم آل علي وآل جعفر وآل عقيل وآل العباس، إذا اتسع مفهوم أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى أكثر من ذلك فهم نساؤه بدليل الآية، وعلي وفاطمة والحسن والحسين بدليل حديث الكساء، وبدليل حديث زيد بن أرقم وآل العباس ابن عبد المطلب وآل عقيل بن أبي طالب وآل جعفر بن أبي طالب بدليل حديث زيد بن أرقم وآل الحارث بن المطلب، فكل هؤلاء هم أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بل جميع بني هاشم من آل البيت وهم كل من حرم الصدقة)). (حقبة من التاريخ: 189).
الخميس يخلط بين مفهوم أهل البيت بمعناه الخاص وبينه بمعناه العام
أولا: إن صاحبنا يخلط بين مفهوم أهل البيت في آية التطهير الذي له معنى خاص وبين مفهوم أهل البيت بمعناه العام الذي يندرج تحته
____________
(1) المعجم الكبير 3/56 و 22/402.
(2) مصنف ابن أبي شيبة 6/388 حديث رقم: 32272.
(3) مسند عبد حميد 1/173 حديث رقم: 475.
(4) المعجم الكبير 3/56 و 22/200.
(5) المعجم الأوسط 8/111 حديث رقم: 8127.
|
|
|
أقرباء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ممن حرمت عليهم الصدقة، وإن كان هذا ينبئ عن شيء فإنما ينبئ عن قلة فهم عند هذا الرجل، فمن المعلوم أن لدينا مفهوما باسم (أهل البيت) يندرج تحته كل من حرمت عليه الصدقة من بني هاشم، ولكن كلامنا حول مفهوم أهل البيت في آية التطهير فإنه مفهوم خاص فقط بأولئك الذين جللهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تحت الكساء ودعا لهم بقوله: (اللهم هؤلاء أهل البيت فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا) وخاطبهم بالآية الكريمة، وذلك للنصوص الصريحة والصحيحة التي تثبت تخصيص مفهوم أهل البيت في آية التطهير بهولاء فقط.
وأثبتا أيضا بما لا مزيد عليه هنا أن مفهوم أهل البيت في هذه الآية لا علاقة له بنساء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لأن الآية الوارد بها هذا المفهوم لم تنزل في الزوجات ولا تختص بهن ولا تشملهن أيضا لما سقناه من أدلة فدعــواه أن النساء تدخل في مفهوم أهل البيت للآية الكريمة دعوى باطلة وغير صحيحة بالمرة.
لماذا لم يجلل النبي بكسائه أحدا غير هؤلاء؟
ثانيا: إذا كان مفهوم أهل البيت في آية التطهير - وكما يزعم عثمان الخميس - يشمل كل هؤلاء الذين ذكرهم، فلماذا لم يجلل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) جميع هؤلاء ويقول: (اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا)؟ لماذا خص نفسه (صلى الله عليه وآله وسلم) وعليا وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) بالتجليل فقط؟ لماذا لم يفعل ذلك مع نسائه؟ الأمر الذي يفيدنا قطعا بأنه لا الزوجات ولا بقية بني هاشم يدخلون أو يندرجون تحت مفهوم أهل البيت في الآية.
|
|
|
زيد بن أرقم ينفي أن تكون نساء النبي من أهل بيته
ثالثا: إن هذا القول المنسوب لزيد بن أرقم نسب إليه أنه قاله بعد أن روى حديث الثقلين وليس بعد روايته لحديث الكساء، فهذا تدليس من الشيخ الخميس وتمويه على القارئ وخلط كبير، وقد أثبتنا في ردنا عليه حول حديث الثقلين أن لفظ (عترتي، أهل بيتي) الوارد فيه لا يراد به كل هؤلاء، لأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فيه يأمر بالتمسك بالكتاب والعترة ويجعل التمسك بهما عاصما من الضلالة، وبنو هاشم كما أن فيهم المتقي والورع والملتزم بالشريعة الإسلامية ومن له حظ من العلم بالكتاب والسنة فإن فيهم الجاهل والفاسق ومن لا يصلح أن يتمسك به، فكيف يكون اتباع مثل هؤلاء عاصما من الضلالة؟ الأمر الذي يفيد أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أراد جماعة خاصة وفئة معينة في قوله: (وعرتي أهل بيتي).
إن الذي يستـــفاد من القــول المنسوب لزيد بن أرقم عندما سئل: (نساؤه من أهل بيته؟) هو نفي أن تكون النساء من أهل بيته حتى في حديث الثقلين، وليس إثبات ذلك، وذلك لأن قوله: (نساؤه مـــن أهل بيته) هو استفهام استنكاري بدليل أنه استـــدرك هذه العبارة بقوله: (ولكن أهل بيته...) ولوجود خبر صحيح في صحيح مسلم ينفي فيه أن تكون النساء داخلة في مفهوم أهل البيت في حديث الثقلين، ففي صحيح مسلم: (... وفيه فقلنا من أهل بيته نساؤه؟ قال: لا، وأيم الله إن المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثم يطلقها فترجع إلى أبيها وقومها، أهل بيته أصله وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده)(1).
قال الشيخ عثمان الخميس:
((رابعا: الآية ليس فيها أن الله أذهب عنهم الرجس، لأن هذه
____________
(1) صحيح مسلم 7/123.
|
|
|
الإرادة إرادة شرعية، إرادة محبة، وهي غير الإرادة القدرية، يعني الله يحب أن يذهب عنكم الرجس، ولا شك أن الله أذهب الرجس عن فاطمة والحسن والحسين وعلي وزوجات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس، ولكن الإرادة هنا في هذه الآية هي الإرادة الشرعية، ولذلك في الحديث نفسه أن النبي لما جللهم بالكساء قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي أذهب عنهم الرجس، فإذا كان الله أذهب عنهم الرجس لماذا يدعو لهم بإذهاب الرجس؟!!
ودعاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) دليل أن هذه الإرادة الشرعية، مثل قول الله تبارك وتعالى: (يُريدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتوبَ عَلَيْكُمْ واللَّهُ عَليمٌ حَكيمٌ * واللَّهُ يُريدُ أَنْ يَتوبَ عَلَيْكُمْ وَيُريدُ الَّذينَ يَتَّبِعونَ الشَّهَواتِ أَنْ تَميلوا مَيْلاً عَظيماً * يُريدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعيفاً) (1) كل هذه الإرادات التي ذكرها الله تبارك وتعالى إنما هي الإرادات الشرعية، الله يريد أن يخفف عن الناس جميعا، يريد أن يتوب على الناس جميعا، ولكن هل تاب الله على جميع الناس؟! (هُوَ الَّذي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ)(2) من الناس مؤمن ومن الناس كافر فلم يتب الله على جميع الناس)) ((حقبة من التاريخ: 191)).
أقول: وفي قوله هذا يعطينا الشيخ الخميس دليلا على سوء فهمه وخلطه وتخبطه، فهو يخلط بين الإرادة في آية التطهير والإرادة في بقية الآيات الكريمة التي أوردها، فيدعي أن الإرادة في آية التطهير إرادة تشريعية لا تكوينية وكما يعبر عنها هو بقوله: (إرادة المحبة) ويستدل لذلك بدعاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لأهل الكساء بقوله: (اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا) حيث يقول مستفهما: إذا كان
____________
(1) النساء 26-28.
(2) التغابن: 2.
|
|
|
الله أذهب عنهم الرجس فلماذا يدعو لهم النبي بإذهاب الرجس؟ ثم يأت بمزعومة لم يسبقه إليها أحد، وهي دعواه بأن الله سبحانه وتعالى أذهب الرجس ليس فقط عن أصحاب الكساء وإنما عن زوجات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس، وهو بهذه الدعوى ينقض قوله بأن الإرادة في آية التطهير إرادة تشريعية لأنه إذا كانت الآية تفيد أن الله أذهب عن المخاطبين بها الرجس وطهرهم تطهيرا فقطعا لا تكون الإرادة فيها إرادة تشريعية بل تكوينية، فلينظر كيف يناقض هذا الرجل نفسه بنفسه، وجوابنا عليه هو:
الإرادة في آية التطهير تكوينية لا تشريعية
أولا: إن الإرادة تنقسم إلى قسمين؛ الإرادة التكوينية والإرادة التشريعية، والإرادة التكوينية هي إرادة الشخص صدور الفعل عنه بنفسه من دون تخلل إرادة غيره في صدوره، كما في إرادة الله تعالى خلق العالم وإيجاد الأرض والسماء، وكإرادة الإنسان الأكل والشرب، أما الإرادة التشريعية فهي إرادة الشخص صدور الفعل عن غيره بإرادته واختياره كإرادة الله عز وجل من عباده مثلا الصلاة والصوم بإرادتهم واختيارهم لا مجرد حصولها بدون تخلل إرادة منهم، والإرادة في آية التطهير من القسم الأول (تكوينية) فالآية الكريمة مصدرة بأداة الحصر (إنما) وهي من أقوى أدوات الحصر في اللغة العربية، وتفيد إثبات ما بعدها ونفي ما عداه.
يقول ابن منظور: ((ومعنى إنما إثبات لما يذكر بعدها ونفي ما سواه كقوله: وإنما يدافع عن أحسابهم أنا ومثلي، المعنى ما يدافع عن أحسابهم إلا أنا ومثلي))(1).
وعلى ضوء ذلك فالآية تثبت إذهاب الرجس والتطهير للمخاطبين
____________
(1) لسان العرب: 13/31.
|
|
|
بها (أصحاب الكساء) وتكشف عن تحقق عصمتهم، ولو قلنا بأن الإرادة من القسم الثاني (التشريعية) فيكون معنى الآية، إنما شرعنا لكم - أهل البيت - الأحكام لنذهب عنكم الرجس ونطهركم تطهيرا، وهذا التفسير للإرادة يتنافى مع الحصر المستفاد من لفظة (إنما) فمن المعلوم أن الغاية من تشريع الأحكام إذهاب الرجس عن جميع المكلفين لا عن خصوص أهل البيت، ولا خصوصية لهم في تشريع الأحكام وليست لهم أحكام مستقلة عن أحكام بقية المكلفين لأنها إنشاء وطلبا للتطهير وإذهاب الرجس من المخاطبين بها، وكما أن المراد مطلوب من أهل البيت فهو مطلوب ومراد من غيرهم من بقية المكلفين، فيكون الحصر لغوا وحاشا لله أن يكون في كلامه ما هو لغو، فهذا خير شاهد على أن الآية ليست بصدد الإنشاء والطلب كما يدعي الشيخ الخميس بل هو إخبار عن أمر خارجي متحقق، وهذا لا ينسجم إلا مع الإرادة التكوينية.
ثانيا: وأما حول قوله: (فإذا كان الله أذهب عنهم الرجس لماذا يدعو لهم بإذهاب الرجس؟!!) والذي أراد أن يستدل به لإثبات دعواه بأن الإرادة في الآية الكريمة تشريعية فجوابه: أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أراد من خلال دعائه هذا تحديد وبيان المقصودين من أهل البيت، فهو يخاطب ربه ويحدد في خطابه أن هؤلاء هم أهل بيتي حتى يعرف الناس من هم أهل البيت الذين أراد الله تطهيرهم وإذهاب الرجس عنهم، فهذا هو غرضه صلوات الله وسلامه عليه من هذا الدعاء، وإلا فالنتيجة من حيث التحقق تحصيل حاصل.
كما أن هناك وجها آخر لمثل هذه الأدعية (المضمونة النتيجة) وهو الإقرار بالفقر والحاجة لاستمرار الفيض الإلهي ومواصلته ودوام العطاء الإلهي، فمثلا الداعي يعلم أن الله سبحانه وتعالى أفاض عليه النعم تكوينا ولكنه يسأل الله عز وجل ويدعوه استمرارها ومواصلة الإنعـام
|
|
|
بها وعدم زوالها، بل وينزل الدعاء في مثل هذه المواضع منزلة الشكر والحمد لله على النعمة، فهذا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يقرأ سورة الفاتحة كل يوم خمس مرات في صلاته الواجبة ويقول: (اهْدِنا الصِّراطَ الْمُسْتَقيمَ) فهل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يكن مهتديا عندما يقرأ قوله تعالى هذا ويطلب من الله أن يهديه؟!!.
كما أن الإشكال نفسه يرد على صاحبنا إذا ما افترضنا أن الإرادة في الآية تشريعية، فما معنى أن يدعو النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ربه ويكون معنى دعائه: اللهم اجعل أهل بيتي مشمولين بأمرك ونهيك وأبعدهم عن الآثار السلبية للنواهي بتشريع النهي وفرضه عليهم؟! أو ليس آيات التكليف من أوامر ونواهي متوجهة بالأصل بالخطاب والتكليف لهم ولغيرهم حتى يأت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ويتوجه بالدعاء لله سبحانه وتعالى أن: إلهي أشمل أهل البيت بهذه لتكاليف؟! أليس هذا هو الفرض على القول بالإرادة التشريعية؟ فبماذا سيجيب الشيخ عثمان الخميس على هذا الإشكال؟.
بطلان زعمه بأن الله أذهب الرجس عن زوجات النبي وبني هاشم
ثالثا: وأما بالنسبة لزعمه أن الله سبحانه وتعالى أذهب الرجس عن زوجات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعن بني هاشم فجوابنا عليه هو:
1- إن القول بأن الله سبحانه وتعالى قد أذهب الرجس عن زوجات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعن جميع بني هاشم يعني إثبات العصمة لكل هؤلاء فالرجس في لغة العرب هو (القذر) فيشمل كل أنواع القذرات المعنوية منها والمادية، يقول الشيخ محي الدين بن العربي في الباب 29 من فتوحاته: (... فإن الرجس هو القذر عند العرب) وقال الألوسي في روح المعاني: (والرجس في الأصل القذر... وقيل يقع على الإثم وعلى العذاب وعلى النجاسة وعلى النقائص، والمراد هنا - أي في آية التطهير - ما يعـم
|
|
|
ذلك)(1).
وقال الفيروز آبادي في القاموس المحيط: (الرجس - بكسر -القذر، ويحرك ويفتح بالراء وتكسر الجيم، والمأثم وكل ما استقذر من العمل، والعمل المؤدي إلى العذاب، والشك والعقاب والغضب...)(2).
فالرجس يشمل الذنب، وهو أحد مصاديقه، وعلى قوله هذا تكون زوجات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وجميع بني هاشم معصومين من الذنوب، ولا قائل بذلك من أمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).
2- إن صاحبنا لم يأت بدليل واحد يثبت به زعمه هذا أو يؤيده به وآية التطهير لا تصلح دليلا عنده لذلك لأنه يدعي أن الإرادة فيها إرادة تشريعية (إرادة محبة) وليست إرادة تكوينية، فما هو الدليل يا ترى الذي استند إليه أو اعتمد عليه ليقول زاعما أن الله سبحانه وتعالى أذهب الرجس عن زوجات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس؟!.
قال عثمان الخميس: (خامسا: إن الله تبارك وتعالى يريد إذهاب الرجس عن كل واحد وعن كل مؤمن، ولذلك أمر النبي الإنسان إذا أراد أن يصلي أن يجتنب أماكن الوسخ، وقال الله: (وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ) (3) وأمــــر بالوضـــوء وأمر بالاغتسال عند الجنابة). (حقبة من التاريخ 191 - 192).
أقول: مما لا شك فيه أن الله سبحانه وتعالى أراد لكل مسلم أن يطهر نفسه من جميع الأرجاس المادية منها والمعنوية وليس خصوص ما
____________
(1) تفسير روح المعاني 22/12.
(2) القاموس المحيط 2/318.
(3) المدثر: 4.
|
|
|
ذكره، وذلك من خلال امتثاله التكاليف والتوجيهات الإلهية المتوجه إليه الواردة ضمن الكتاب العزيز وعن طريق النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ومعلوم أن ذلك مراد له سبحانه وتعالى من خلال إرادته التشريعية، أما الإرادة في آية التطهير وكما أسلفنا إرادة تكوينية، لأنه سبحانه وتعالى حصر فيها إذهاب الرجس عن خصوص المخاطبين فيها وهم أهل البيت (عليهم السلام) لمكان أداة الحصر (إنما) فما في آية التطهير إخبار عن تحقق المراد لأن المراد بهذا النوع من الإرادة حتمي الوقوع والتحقق، فما ذكره في هذا الوجه حجة عليه لا له.