عربي
Wednesday 24th of July 2024
0
نفر 0

المعرفة التاريخية لها عليها السلام

المستوى الأوّل
المعرفة التاريخية لها عليها السلام


وذلك من جهة ولادتها وشهادتها زمانا ومكانا ومارافق ذلك من ملابسات واحداث مهمة وما عاصرته تغيرات في حياة الأمة سياسيا وفكريا واجتماعيا وما يرتبط بذلك من سلاطين الجور واتباع الظالمين وفقهاء الفسق والفجور وغدر لمنافقين والمتملقين واتباع اللقمة والراقصين على رنين الدراهم والدنانير وانصار الوفاء والاخلاص وما سارق ذلك من تفصيلات لها الاهمية في حياتهم عليهم السلام او في حياة اتباعهم واولياؤهم .


ولادة فاطمة عليها السلام


أما ولادة الصديقة فكان في العشرين من جمادي الاخرة كما صرح به المفيد في مساره (1) ونقل عن حدائقه (2) ، وصرح به الشيخ في مصباحه (3) ، ورواه الطبري الامامي (4) عن الصادق عليه السلام ولم نقف على مخالف صريح ، وان سكت تكثير .
واختلف في سنته فالكليني (5) قال : بعد النبوة بخمس سنين وكذلك المسعودي في الاثبات (6) وذهب المفيد والكتابين (7) إلى انه بعده باثنتين .
____________
(1) مسار الشيعة : 21 .
(2) حدائق الرياض : نقلا عن الاقبال : 621 ، عن البحار : 43 | 8 ح 12 .
(3) مصباح المتهجد : 733 ، عن البحار : 43 | 9 ح 15 .
(4) دلائل الإمامة : 10 عن البحار : 43 | 9 ح 16 .
(5) الكافي : 1 | 457 ح 10 ، عن البحار : 43 | 9 ح 13 .
(6) اثبات الوصية : 154 ، وذهب المسعودي في ذكر تاريخ ولادة الإمام الحسن عليه السلام ونسبه له إلاّ ان هذا التاريخ لفاطمة عليها السلام علما بان ولادة الإمام الحسن المشهورة سنة 2 للهجرة .
(7) مسار الشيعة : 31 .

 

 


وفي مصباح الشيخ (1) كان مولدها عليها السلام سنة اثنين من المبعث في بعض الروايات ، وفي رواية اول سنة والعامة تروي قبل المبعث بخمس . والصحيح الأوّل كما رواه ابن خشاب على نقل الكشف (2) عن شيوخه ، مرفوعاً عن الباقر عليه السلام ، والطبري إلامامي (3) مسندا عن الصادق ، والكليني (4) صحيحا عن الباقر عليه السلام وذهب العامة كمحمد بن اسحاق (5) ، وأبي نعيم (6) وأبي الفرج (7) . إلى انها كانت قبل النبوة حين تبني قريش الكعبة ، ورواه الاخير باسناده عن الصادق والتعويل عليه على رواية الخاصة ، ولايبعد انهم قالوا بكون مولدها قبل النبوة انكارا لما ورد ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول اشم من فاطمة رائحة الجنة لأنّ انعقادها كان من فاكهة الجنة ليلة المعراج (8) .
عن أبي عبدالله جعفر بن محمد بن علي عليهم السلام ، عن أبيه ، عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : معاشر الناس ، أتدرون لما خلقت فاطمة ؟ قالوا : الله ورسوله اعلم . قال : خلقت فاطمة حوراء انسية لا انسية ، وقال : خلقت من عرق جبرئيل ومن زغبه . قالوا : يا رسول الله ، استشكل ذلك علينا ، تقول : حوراء انسية لا انسية ، ثم تقول : من عرق جبرئيل عليه السلام ، فضمها إلى صدره فعرق جبرئيل ، وعرقت التفاحة ، فصار عرقهما شيئا واحدا ، ثم قال : السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته ، قلت : وعليك السلام يا جبرئيل فقال : ان الله اهدي اليك تفاحة من الجنة ، فأخذتها وقبلتها ووضعتها على عيني وضممتها إلى صدري . ثم قال يا محمد ، كلها ، قلت : يا حبيبي يا جبرئيل ، هدية ربي تؤكل ؟ قال : نعم ، قد امرت بأكلها ، فأفلقتها فرأيت منها نورا ساطعا ففزعت من ذلك النور ، قال : كل فان ذلك نور المنصورة قلت : يا جبرئيل ، ومن
____________
(1) مصباح المتهجد : 733 ، عن البحار ، 43 | 9 ح 8 .
(2) كشف الغمة : 1 | 449 ،عن البحار : 43 | 7 ح 8 .
(3) دلائل الإمامة : 79 ح 18 .
(4) الكافي : 1 | 457 ح 10 .
(5) لم نعثر عليه في السيرة .
(6) حلية الأولياء .
(7) مقاتل الطالبين : 48 .
(8) تواريخ النبي والال : 25 .

 

 


المنصور ؟ قال : جارية تخرج من صلبك واسمها في السماء منصورة ، وفي الأرض فاطمة ، فقلت : يا جبرئيل ولم سميت في السماء منصورة وفي الأرض فاطمة ؟ قال : سميت « فاطمة » في الأرض لانه فطمت شيعتها من النار ، وفطموا أعداؤها عن حبها ، وذلك قول الله في كتابه : ( ويؤمئذًٍ يفرح المؤمنون بنصر الله ) (1) بنصر فاطمة عليها السلام .
بيان : الزغب : الشعيرات الصغرى على ريش الفرخ ؛ وكونها من زغب جبرئيل إما لكون التفاحة فيها وعرقت من بينها ، أو لانه التصق بها بعض ذلك الزغب فأكله النبي صلى الله عليه وآله وسلم (2) .
وعن المفضل بن عمر قال : قلت لابي عبدالله جعفر بن محمد عليها السلام : كيف كانت ولادة فاطمة عليها السلام ؟ قال : نعم ، إن خديجة عليها رضوان الله لما تزوج بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هجرتها نسوة مكة ، فكن لايدخلن عليها ولا يسلمن عليها ولا يتركن امرأة تدخل عليها ، فاستوحشت خديجة من ذلك ، فلما حملت بفاطمة عليها السلام صارت تحدثها في بطنها وتصبرها ، وكانت خديجة تكتم ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . فدخل يوماً وسمع خديجة تحدث فاطمة ، فقال لها : يا خديجة ، من يحدثك ؟ قالت : الجنين الذي في بطني يحدثني ويؤنسني . فقال : لها : هذا جبرئيل يبشرني أنها أنثى وأنها النسمة الطاهرة الميمونة ، وأن الله تبارك وتعالى سيجعل نسلي منها ، وسيجعل من نسلها أئمة في الأمة يجعلهم خلفاء في أرضه بعد انقضاء وحيه فلم تزل خديجة رضي الله عنها على ذلك إلى ان حضرت ولادتها ، فوجهت إلى نساء قريش ونساء بني هاشم يجئن ويلين منها ماتلي النساء من النساء ، فأرسلن اليها : عصيتينا ولم تقبلي قولنا ، وتزوجت محمداً يتيم أبي طالب فقيراً لا مال له ، فلسنا نجيء ولانلي من أمرك شيئاً فاغتمت خديجة لذلك ، فبينا هي كذلك اذ دخل عليها أربع نسوة طوال كأنهن من من نساء بني هاشم . ففزعت منهن ، فقالت لها احداهن : لا تحزني يا خديجة ، فإنا رسل ربك اليك ، ونحن أخواتك ، أنا سارة وهذه آسية بنت مزاحم وهي رفيقتك في الجنة ، وهذه مريم بنت
____________
(1) الروم : 4 .
(2) « البحار » 43 | 18 .

 

 


عمران ، وهذه صفراء (1) بنت شعيب ، بعثنا الله تعالى اليك لنلي من أمرك ماتلي النساء من النساء .
فجلست واحدة عن يمينها ، والاخرى عن يسارها ، والثالثة من بين يديها ، والرابعة من خلفها ، فوضعت خديجة فاطمة عليها السلام طاهرة مطهرة . فلما سقطت إلى الأرض أشرق منها نور حتى بيوتات مكة ، ولم يبق في شرق الأرض ولا غربها ، موضع إلا أشرق فيه حتى دخل بيوتات مكة ، ولم يبق في شرق الأرض ولا غربها موضع إلا أشرق فيه ذلك النور فتناولتها المرأة التي كانت بين يديها ، فغسلتها بماء الكوثر ، وأخرجت خرقتين بيضاوين أشد بياضاً من اللبن واطيب رائحة من المسك والعنبر ، فلفتها بواحدة ، وقنعتها بالاخر ، ثم استنطقتها فنطقت فاطمة عليها السلام بشهادة « أن لا إله إلا الله ، وأن أبي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سيد الأنبياء وأن بعلي سيد الأوصياء ، وأن ولدي سيد الاسباط » ، ثم سلمت عيلهن ، وسمت كل واحدة منهن باسمها ، وضحكن اليها ، وتباشرت الحور العين ، وبشر أهل الجنة بعضهم بعضاً بولادة فاطمة عليها السلام ، وحدث في السماء نور زاهر لم تره الملائكة قبل ذلك اليوم ، فلذلك سميت « الزهراء » عليها السلام ، وقالت : خذيها عليها السلام فرحة مستبشرة فألقمتها ثديها فشربت ، فدر عليها . وكانت عليها السلام تنمي في كل يوم كما ينمي الصبي في الشهر ، وفي شهر كما ينمي الصبي في سنةٍ صلى الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها (2) .
وقيل : بينما النبي صلى الله عليه وآله وسلم جالس بالأبطح ومعه عمار ابن ياسر والمنذر بن الضحضاح وأبوبكر وعمر وعلي بن أبي طالب والعباس بن عبد المطلب وحمزة بن عبد المطلب ، إذ هبط عليه جبرئيل عليه السلام في صورته العظمى ، قد نشر أجنحته حتى أخذت من المشرق إلى المغرب ، فناداه : يا محمد الاعلى يقريء عليك السلام وهو يأمرك ان تعتزل عن خديخة أربعين صباحاً . فشق ذلك على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكان لها محباً وبها وامقاً (3) . قال : فأقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم أربعين يوماً يصوم النهار ويقوم الليل ، حتى إذا كان
____________
(1) قيل انها صفوراء .
(2) « البحار » 16 | 80 .
(3) الوامق : المحب .

 

 


في آخر أيامه تلك ، بعث إلى خديجة بعمار بن ياسر وقال : قل لها : يا خديجة لا تظني أن انقطاعي عنك ( هجرة ) ولاقلى ، ولكن ربي عزوجل أمرني بذلك لتنفذ امره ، فلا تظني يا خديجة الاّ خيراً ، فان الله عزوجل ليباهي بك كرام ملائكته كل يوم مراراً . فإذا جنك الليل فأجيفي الباب (1) وخذي مضجعك من فراشك فإني في منزل فاطمة بنت أسد . فجعلت خديجة تحزن في كل يوم مراراً لفقد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . فلما كان في كمال الاربعين هبط جبرئيل عليه السلام فقال : يا محمد ، العلي الاعلى يقرئك السلام وهو يأمرك ، ان تتأهب لتحيته وتحفته ، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : يا جبرئيل ، وما تحفه ربّ العالمين ؟ وما تحيته ؟ قال : لاعلم لي . قال : فبينما النبي صلى الله عليه وآله وسلم كذلك اذ هبط ميكائيل ومعه طبق مغطى بمنديل سندس ـ او قال استبرق ـ فوضعه بين يدي البني صلى الله عليه وآله وسلم
حسست بثقل فاطمة في بطني (2) . ولقد علق العلامة الهمداني على هذا الحديث بقوله : يستفاد من هذا الحديث الشريف امور مهمة وفوائد عظيمة هي دالة على سمو جلالة بضعة خير المرسلين ، وعلو منزلة زوجة افضل الوصيين وام الائمة الطاهرين ـ صلوات الله عليهم اجمعين . منها نزول جبرئيل عليه السلام على صورته الاصلية كنزوله في اول البعثة . ففي « البحار » ج 18 | ص 247 : « ان محمدا صلى الله عليه وآله وسلم كان بحراء ، فطلع له جبرئيل عليه السلام من المشرق ، فسد الافق إلى المغرب » . ومعلوم ان مجيئه عليه السلام على هذه الهيئة لأمر عظيم . ومنها اعتكافه صلى الله عليه وآله وسلم اربعين يوما في بيت فاطمة بنت اسد ـ رضي الله عنها ـ قائما ليلة ، صائما نهاره ، واعتزاله عن الناس وعن زوجته الكريمة خديجة الكبرى سلام الله عليها ، كما كان معتكفا ومعتزلا في اول البعثة بحراء ، نعم كان اعتكافه صلى الله عليه وآله وسلم يؤمئذ لاجل ان يكون مهيئا للنبوة والرسالة ، وفي هذا الموقف لكونه متأهبا للتحفة الالهية التي ستكون منشاً الإمامة والولاية ، بل هي عنصر شجرة النبوة كما جاء عن الباقر عليه السلام (3) . ومنه نزول ترك سنته في افطاره ، من ادخال كل من يرد للافطار ، واختصاصه صلى الله عليه وآله وسلم بذلك الطعام . ومنها ترك سنته في التطهر عند وروده
____________
(1) أجفت الباب : رددته .
(2) البحار : 16 | 78 ـ 80 .
(3) انظر « مجمع البحرين » .

 

 


المنزل للصلاة عند النوم . ولا يخفى ان الترك انما يكون للأهم ، فتفطن .


تحقيق وتبيين


الذي يستفاد من الأخبار والاحاديث التي وصلت الينا من طريق أهل البيت عليهم السلام إن فاطمة عليها السلام ولدت على فطرة الإسلام وبعد نزول الوحي على أبيها صلى الله عليه وآله وسلم خلافا لما في بعض كتب العامة ، فاليك بعض نصوصها :
1 ـ قال علي بن الحسين عليهم السلام في حديث طويل : ولم يولد لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من خديجة عليها السلام على فطرة الاسلام إلاّ فاطمة عليها السلام ، وقد كانت خديجة قبل الهجرة بسنة ، ومات أبو طالب بعد موت خديجة بسنة (1) ...
2 ـ عن حبيب السجستاني قال : سمعت ابا جعفر عليه السلام يقول : ولدت فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم بعد مبعوث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بخمس سنين ، وتوفيت ولها ثماني عشرة سنة وخمسة وسبعون يوما (2) .
3 ـ عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : ولدت فاطمة في جمادي الآخرة اليوم العشرين منها سنة خمس وأربعين من مولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فأقامت بمكة ثمان سنين ، وبالمدينة عشر سنين وبعد وفاة ابيها خمساً وسبعين يوماً (3) .
4 ـ قال ابن الخشاب في تاريخ مواليد ووفاة أهل البيت عليهم السلام نقله عن شيوخه يرفعه عن أبي جعفر محمد بن علي عليها السلام قال : ولدت فاطمة بعد ما أظهر الله نبوة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم وانزل عليه الوحي بخمس سنين وقريش تبني البيت ، وتوفيت ولها ثمانية عشر سنة وخمسة وسبعون يوماً (4) .
أقول : قوله « وقريش تبني البيت » لا تنطبق على نزول الوحي ، لأنّ بناء البيت منهم
____________
(1) روضة الكافي : 340 ، الرقم 536 .
(2) البحار : 43 | 9 .
(3) « البحار » ج 43 ، ص 9 .
(4) « كشف الغمة » ج 1 ، ص 339 .

 

 


كان قبل المبعث . ثم هذا الموقف أخبار تؤكد وتؤيد مضامين تلك الأخبار ، وهي روايات تدل على انه صلى الله عليه وآله وسلم اسري به إلى السماء وادخل الجنة فتناول من ثمار الجنة ، فلما رجع واقع خديجة عليها السلام فتكوت نطفة فاطمة الزهراء عليها السلام من تلك الثمار ، ومعلوم ان قضية الاسراء وقعت بعد البعثة بلا خلاف .


شهادة الصديقة فاطمة عليها السلام

إلام التـوانـي صـاحب الطـلعة الغـرا

*

اما آن مــن أعــداك ان تـطلب الوتـرا

فديناك لم أغضيت عــمّا جـرى عـلى

*

بني المصطفى منها وقـد صدع الصــخرا

أتـغضي وتـنسى امك الطـهر فــاطما

*

غداة عليها القـوم قـد هــجموا جــهرا

أتغـضي وشبوا النـار فـي بـاب دارها

*

وقـد اوسعوا في عصـرهم ضلعها كسـرا

أتغضي ومنها أسقطوا الطــهر مـحسنا

*

وقادوا عـلي المــرتضى بـعلها قسـرا

أتـغضي وسـوط العـبد وشـح مـتنها

*

ومن لطمة الطاغي غــدت عينها حـمرا

أتغضي وقـد مــاتت ومـلؤ فـوادهـا

*

شــجىً وعـلي بـعد شـيعّها سـرا (1)


اما كيفية شهادتها بنعل عليها السلام فلقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام سبب وفاتها عليها السلام : أن قنفذ مولى عمر لكزها بنعل السيف بأمره فأسقطت محسناً ، ومرضت من ذلك مرضاً شديداً (2) ، وكان علي عليه السلام يمرضها بنفسه ، وتعينه على ذلك السماء بنت عميس ، وفي يوم دخلت نسوة من المهاجرين والانصار على فاطمة بنت رسول الله يعدنها فقلن : السلام عليك يا بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كيف أصبحت ؟ فقالت : أصبحت والله عائفة لديناكن قالية لرجالكم ، لفظتهم بعد اذ مججتهم وسئمتهم بعد ان سبرتهم ، فقبحاً لافون الرأي وخطل القول وخور القناة ، ولبئس ما قدمت لهم انفسهم ان سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون لا جرم الله لقد قلدتهم ربقتها وشننت عليهم عارها فجدعا ورغما للقوم الظالمين .
____________
(1) القصيدة للمرحوم الخطيب السيد خضر القزويني ، ديوان شعراء الحسين عليه السلام : ص 230 .
(2) دلائل الإمامة 45 ، البحار 43 ص 170 .

 

 


ويحهم أنى زحزحوها عن ابي الحسن ، مانقموا والله منه إلاّ نكير سيفه ونكال وقعه ، وتنمره في ذات الله ، وتالله لو تكافوا عليه عن زمام نبذه إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأتميله ، ثم لسار بهم سيرة سجحا فانه قواعد الرسالة ورواسي النبوة ، ومهبط الروح الامين ، والطبيب بأمر الدين والدنيا والاخرة إلاّ ذلك هو الخسران المبين ، والله لا يلتكم خشاشة ، ولا يتعتع راكبه ، ولا وردهم منهلا رويا فضفاضا تطفح ضفته ، ولا صدرهم بطانا قد خثر بهم الري ، غير متحل بطائل إلاّ تغمر الناهل وردع سورة سغب ، ولو فتحت عليهم بركات من السماء والأرض وسيأخذهم الله بما كانوا يكسبون ، فهلم فاسمع ، فما عشت اراك الدهر عجبا ، وان تعجب بعد الحادث ، فما بالهم باي سند استندوا ، ام بأي عروة تمسكوا ، لبئس العشير ، وبئس للظالمين بدلا ، استبدلوا الذنابى بالقوادم ، والحرون بالقاحم ، والعجز بالكاهل ، فتعسا لقوم يحسبون انهم يحسنون صنعا ، ألا انهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون ، أفمن يهدي إلى الحق احق ان يتبع ام من لا يهدي إلاّ ان يهدي لكم كيف تحكمون . لقحت قنطرة فنظرة ريثما تنتج ، ثم احتبلوا طلاع القعب دما عبيطا ، وذعافا ممضا ، هنالك يخسر المبطلون ، ويعرف التالون غب ما أسس الاولون ، ثم طيبوا بعد ذلك بانفسكم لفتنها ، ثم اطمأنوا للفتنة جأشا وابشروا بسيف صارم ، وهرج دائم شامل ، واستبداد من الظالمين . يدع فيئكم زهيداً ، وجمعكم حصيدا ، فيا حسرة لهم ، ولقد عميت عليهم الانباء أنلزمكموها وانتم كارهون (1) .


الهموم المتراكمة


ليس المرض لوحده سبب الام الزهراء ، عليها السلام ووجدها وحزنها ، وانما كانت الهموم تجتاحها من كل حدب وصوب ، فحينما كانت تمد جسدها النحيل المكدور على جلد الكبش وتتكىء على وسادة الليف ، تنساب الخواطر إلى رأسها الشريف ، وتهجم عليها الهواجس ، وكأنّ لسان حالها الشريف : آه ... تركوا وصية ابي ... وغصبوا الخلافة
____________
(1) الاحتجاج للطبرسي : 1 | 147 ، البحار : 43 | 161 ، شرح ابن ابي الحديد : 16 | 233 ، بلاغات النساء : 19 .

 

 


من زوجي ؟! ولن تنتهي آثارها إلى يوم القيامة ... فبئس عاقبة الخلافة التي توسلت بالحيلة والجور .. بماذا سار المسلمون وانتشرت كلمة الاسلام ؟! بوحدة الكلمة ! والاتحاد بين فصائل المجتمع وصلوا إلى العظمة والرقي ...
آه .. اذهبوا ريحهم .. واوقعوا الخلاف بينهم ، وبدلوا قوة الاسلام الواحدة وطاقة المسلمين المهيبة إلى قوى وطاقات متناثرة ، وجروا العالم الاسلامي إلى العجز والضعف والفرقة والذالة... آه ... انا فاطمة ـ عزيزة رسول الله ـ ارقد الآن على فراش المرض ؟! لم يخف انيني من ضربات هذه الأمة المبرحة .. وأقف على اعتاب الموت ؟ ... أين وصايا أبي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟ .
.. رباه .. أعلي الشجاع القوي أراه ـ اليوم ـ مضطراً إلى السكوت عن حقه المشروع لحفظ مصلحة الاسلام العليا ؟ ...
اقتربت ساعتي .. وحان أجلي .. وها أنذا أودع الحياة في ربيع عمري وأيام شبابي ... وسأنجو من الهموم والغصص ...
ولكن .. ماذا عن أيتامي الذين سيبقون بعدي ؟ .. أولادي .. الحسن .. الحسين .. زينب .. أم كلثوم ..
آه .. ياللمصائب التي تصب عليهم ـ أيتامي الأعزاء على قلبي ـ . فاني سمعت ابي يقول ـ مراراً ـ : يموت ولدك الحسن مسموماً ، والحسين مقتولاً بالسيف شهيداً عطشاناً .. وهذه علامات ذلك وامارته تلوح لي وأراها بعيني ... كان صلى الله عليه وآله وسلم يأخذ صغيري الحسين ـ مرة ـ ويقبل نحره ويبكي لمصيبة ، ويأخذ الحسن ـ اخرى ـ ويلصق صدره بصدره ويقبله في فمه ، ويذكر مصائب زينب ، وأم كلثوم فيبكي ...
نعم .. كانت تمر هذه الخواطر في ذهن فاطمة عليها السلام وتؤلمها ، فتشحب يوما بعد يوم ، وتنحل ساعة بعد ساعة ، وقد ورد في الاثر ان فاطمة لما حضرتها الوفاة بكت ، فقال لها أمير المؤمنين : يا سيدتي ما يبكيك ؟ قالت : أبكي لما تلقى بعدي ، فقال لها : لا تبكي ، فوالله ان ذلك لصغير عندي في ذات الله (1) .
____________
(1) البحار : 43 | 218 .

العيادة المبغوضة


كان الصحابة رجالاً ونساءً يعودون فاطمة عليها السلام بين الحين والحين ، إلاّ عمر وأبابكر لم يعوداها لأنها قاطعتهم ورفضتهم ولم تأذن لهم بعيادتها ، وحينما ثقل عليها المرض وقاربتها الوفاة لم يجدا بداً من عبادتها لئلا تموت بنت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وهي ساخطة عليهما ، وتبقى وصمة العار تلاحق الخليفة وجهازه الحاكم إلى يوم القيامة .
فجاء لعيادتها تحت ضغط الرأي العام ، فسألا عنها ، وقالا لأمير المؤمنين عليه السلام : قد كان بيننا وبينها ما قد علمت فان رأيت ان تأذن لنا لنعتذر اليها من ذنبنا .
قال : ذلك اليكما . فقاما فجلسا الباب .
ودخل علي عليه السلام على فاطمة عليها السلام فقال لها : أيتها الحرة ، فلان وفلان بالباب ، يريدان ان يسلما عليك فما تريدين ؟ قالت : البيت بيتك ، والحرة زوجتك ، افعل ما تشاء !
فقال : شدي قناعك ، فشدت قناعها ، وحولت وجهها إلى الحائط . فدخلا وسلما وقالا : ارضي عنا رضي الله عنك ، فقالت : مادعا إلى هذا ؟ فقالا : اعترفنا بالإساءة ورجونا ان تعفي عنا . فقالت : ان كنتما صادقين فأخبراني عم أسألكم عنه ، فإني لا أسألكما عن أمر إلاّ وانا عارفة ، بانكما تعلمانه ، فان صدقتماني علمت انكما صادقان في مجيئكما . قالا : سلي عما بدالك . قالت : نشدتكما بالله ، هل سمعتما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : « فاطمة بضعة مني من آذاها فقد آذاني » ؟ قالا : نعم .
فرفعت يدها إلى السماء ، فقالت : اللهم انهما قد أذاني ، فأنا اشكوهما اليك وإلى رسولك ، لا والله لا أرضى عنكما أبداً حتى ألقى أبي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وأخبره بما صنعتما فيكون هو الحاكم فيكما .
قال : فعند ذلك دعا أو بكر بالويل والثبور ، فقال عمر : تجزع يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من قول امرأة (1) .
____________
(1) البحار : 43 | 198 .

 
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

أدب الحوار.. عند الإمام الرِّضا عليه السلام
متى يكون حبّ المعصومين (عليهم السلام) قيّما
عيد الغدير الأغر
السيّدة فاطمة بنت الإمام الكاظم عليه السّلام
الوقفة الثانية سند هذا الحديث
على هدى كربلاء:
مآثرُ الشرف.. في حياة خديجة عليها السّلام
مناجاة الامام الصادق عليه السلام
شهادة الإمام علي الرضا(عليه السلام)
استشهاد الإمام الهادي عليه السلام

 
user comment