نقل العديد من كبار العلماء زيارة خاصة من الإمام الرضا (ع) لأخته المعصومة فاطمة بنت الإمام الكاظم (ع) في قم، بعبارات تدل على عظم مقامه وسمو جلالها.
فلنرحل بأرواحنا إليها ونردد مع الرضا (ع) في روضتها، ونستمر بالسلام على آبائها أئمة الحق واحدا تلو الآخر ثم نقول:
(أسأل الله ان يرينا فيكم السرور والفرج وان يجمعنا وإياكم في زمرة جدكم محمد (ص) وان لا يسلبنا معرفتكم انه ولي قدير، اتقرب إلى الله بحبكم والبراءة من أعدائكم والتسليم إلى الله، راضيا به غير منكر ولا مستكبر، وعلى يقين ما أتى به محمد (ص) وبه راض، نطلب بذلك وجهك يا سيدي، اللهم ورضاك والدار الآخرة، يا فاطمة اشفعي لي في الجنة، فإن لك عند الله شانا من الشأن).
فهذه شهادة معصوم على عظمة شأن هذه السيدة الجليلة التي رأت وتحملت مرارة الدنيا وعذابات الحياة ابتغاء ربها وإخلاصا لإمامها الرضا (ع) حيث ارتحلت من مسقط رأسها المدينة المنورة قاصدة خراسان لتلتحق بأخيها الرضا شوقا وتوقا إليه، فقطعت الغيافي والصحارى متحملة قسوة وعنوة الطرق مع ثلة من حواريي بني هاشم والشوق يحدوها لزيارة الإمام الرضا عليه السلام الذي استدعاه الخليفة المأمون العباسي قهرا إلى خراسان ليأمن من انتفاضة العلويين بقيادته على عرشه المارد وحدث ما حدث وما إن وصلت السيدة فاطمة المعصومة إلى مدينة ساوة الإيرانية الم بها المرض فقعدت على فراشه ليال وأيام، وبعد أن أحست بقرب قضاء نحبها وأيقنت بالرحيل عن هذه الحياة سألت عن المسافة إلى مدينة قم، فقالوا: ليس بالكثير، فقالت: أنقلوني إليها، فنقلوها إلى قم وكأنها على علم ويقين ان هذه البقعة من هذا البلد ستحتضن جسدها الطاهر وستكون هذه المدينة من بعد عشا للموالين من شيعة جدها ومرفأ يحطون رحالهم فيها طلبا للأمن وانتهالا للعلم والمعارف الإسلامية.
وفور وصولها إلى قم استقبلها أهل هذه المدينة بمشايخها ورجالها ونسائها فأكرموها أحسن اكرام وضيفوها افضل ضيافة وأجل حفاوة، تكريما لأجدادها من آل الرسول (ص) فمكثت في قم أيام قلائل فلحقتها المنية وفي قلبها شوق الوصول وحلم رؤية أخيها الإمام الرضا (ع)، ولعل إرادة الله شاءت ان تكون مدينة قم بسبب احتضانها لهذه السيدة الجليلة مشهدا من مشاهد العترة الطاهرة التي تهوي إليها قلوب العاشقين من شتى بقاع العالم ولتزيدهم قوة التمسك بالعقيدة الحقة والتضحية في سبيلها والتفاني لأجلها وها هي قم اليوم أصبحت كعبة آمال العاشقين وقبلة أحلام المشتاقين ومهوى أفئدة محبي عترة الرسول، يجذبهم مرقد السيدة معصومة ذات المنارات الساطعات والقباب الشامخات والروضات الوضاءات، فمن علامة محبة هذه الأمة لنبيها هي محبة ذريته وإكرامها لأنها ذرية مباركة، وجب علينا الإتيان بحبها والمودة إليها، إنطلاقا من الآية الشريفة: (قل لا أسئلكم عليه أجرا الا المودة في القربى).
ولا يخفى على القارئ ان لزيارتها فضلا عميما وأجرا جزيلا وكما ورد عن الأئمة الكرام عليهم السلام، فعن الإمام الرضا (ع) قال: (من زارها فله الجنة)، وعن الإمام الجواد (ع): (من زار قبر عمتي بقم فله الجنة)، وعن الصادق (ع) قال: (ان لله حرما وهو مكة وان للرسول صلى الله عليه وآله وسلم حرما وهو المدينة وان لأمير المؤمنين حرما وهو الكوفة وان لنا حرما وهو بلدة قم، وستدفن فيها امرأة من أولادي تسمى فاطمة فمن زارها وجبت له الجنة).
لاشك ان حصول كل هذا الفوز والفضل بسبب زيارتها ومنها الجنة يجب ان يقترن بالعمل الصالح والإيمان بمعرفة مقام آل محمد (ع)، والمعرفة شرطها هي ان يعرف الزائر ان الأئمة المعصومين مفروضو الطاعة، ومن هنا جاء التأكيد المستمر في زيارة قبور العلماء والصلحاء والأولياء والصديقيين وهي من الأعمال المستحبة والمشروعة وخاصة مشاهد المعصومين وذراري الرسول، والتوسل بهم يستوجب الرحمة وقضاء الحوائج ومغفرة الذنوب وغيرها ان شاء الله.