ظهور العلامات البارزة السابقة التي أشرنا إليها قبل قليل، يفيد قطعا بأن المهدي المنتظر قد تلقى الأمر الإلهي بالظهور، وأنه يتأهب للظهور بالفعل، وبالتالي يتوجب على أوليائه وبالتالي يتوجب على أوليائه أن يتوقعوا ظهوره بالعشي والإبكار، لأن تلك العلامات بوجه من وجوهها بشائر بظهور المهدي، وبشائر بالإنقاذ والهدى.
وهنالك نمط آخر من العلامات، حيث يتزامن ظهور تلك العلامات تماما مع الوقت الذي يبدأ فيه المهدي المنتظر بالظهور، وأبرز تلك العلامات ظهور شخصية أموية، حاقدة على آل محمد، تحاول وبكل ما يتيسر لها من قوة أن تحول بين المهدي وبين سعيه لإقامة دولة آل محمد، وقد أطلقت الأحاديث على هذه الشخصية لقب (السفياني).
السفياني، وابن آكلة الأكباد:
السفياني هذا من ولد أبي سفيان، وهو حفيد هند أم معاوية المعروفة بآكلة الأكباد، لأنها حاولت أن تأكل كبد حمزة سيد الشهداء، وأبوه عنبسة. (راجع الحديث رقم 632 ج 3 من المعجم). ويبدو أن هذا الرجل مقيم في الوادي اليابس أو أن قاعدة انطلاقه بهذا الوادي. (راجع الحديث رقم 631 ج 3).
وتصف بعض الأحاديث السفياني بالقول: (بأنه أحمر أشقر أزرق لم يعبد الله قط، ولم ير مكة ولا المدينة). (الحديث رقم 804)، وقد أكدت الأحاديث بأن خروج السفياني من المحتوم الذي لا مفر منه.. (راجع الحديث رقم 811)، الذي رواه الإمام جعفر الصادق ونقل الشيخ علي الكوراني وهو من المتبحرين في (نظرية المهدي) بأن حركة السفياني ستستمر 15 شهرا. (راجع عصر الظهور، للشيخ على الكوراني) يقضي من هذه المدة تسعة شهور في العراق. (راجع الحديث رقم 805 ج 3).
ويبدو واضحا بأن السفياني قد وعى تاريخ أجداده الأمويين وصراعهم الحافل مع النبي وآله، وورث حقدهم الدفين على آل محمد خاصة، والهاشميين عامة، وأنه قد استوعب تجربة جده معاوية وأدرك، بل وتيقن من إمكانية تركيع الأمة بالقوة وحكمها بالتغلب والقهر، ويبدو أيضا بأن السفياني رجل ذكي وخبيث، تيقن من حتمية ظهور المهدي، وأن هذا المهدي هاشمي ومن ذرية محمد وأنه سيكون دولة لآل محمد تحكم العالم كله، فأخذ الحقد يغلي في قلبه كالمرجل، وصمم أن يحاول وبكل قواه صرف شرف المهدية عن المهدي الهاشمي، تماما، كما حاول أجداده أن يصرفوا شرف النبوة عن محمد الهاشمي، وصمم السفياني على بناء ملك خاص بالأمويين تماما، كما فعل جده معاوية، ويلوح لي بأن المهدي سيجمع حوله كل الكارهين لآل محمد والحاقدين عليهم، وآل الدنيا وسفلة المغامرين والمرتزقة، ويبدو أن الرجل سينجح وسيجتاح حوران ودرعا، وسيصل إلى دمشق، ويعلو منبرها. (راجع الحديث 631)، ويبدو أنه سيحتل الأردن، وسيغزو العراق، ويبلغ السفياني أن المهدي المنتظر قد ظهر في مكة، فيجهز السفياني جيشا كبيرا لغزو المدينة والقضاء على حركة المهدي وهي في مهدها، ويسمع المسلمون بهذا الجيش الزاحف خاصة أهل الحجاز، ويسير جيش السفياني بالفعل، وخلال هذه المدة يكتب السفياني للقادة الإيرانيين ليدخلوا في طاعته، وتصل رسل السفياني إلى ايران بالفعل.
ويبدو أن السفياني قد كتب لأمراء العالم الإسلامي، ليدخلوا في طاعته وليس من المستبعد أنه قد يرفع شعارات الوحدة الإسلامية، ومصلحة المسلمين، كما فعل جده معاوية، وفي يوم من الأيام يفاجأ السفياني بأن الجيش الذي قد أرسل للقضاء على حركة المهدي المنتظر قد خسفت به الأرض، ولم ينج منه غير اثنين، أحدهما بشر أهل الحجاز بالخسف، والآخر أحاط السفياني علما بنبأ هلاك الجيش كله، ويدرك المسلمون ساعتها، وبعد انتشار خبر هلاك جيش السفياني، أن المهدي قد ظهر بالفعل. (راجع الحديث رقم 810 ج 3 و 809 و 997 و 803 و 658، راجع الأحاديث النبوية ذوات الأرقام 324 و 325 و 326 ـ 329).
وقد أجمعت الأمة على صحة الأحاديث وتواترها وعلى حتمية حدوث الخسف. والخلاصة أن السفياني يتلازم وجوده مع ظهور المهدي حتى قيل أنه لا مهدي بدون سفياني، فظهور السفياني أمر محتوم. راجع (الحديث رقم 712).
وتتحدث الأحاديث النبوية عن ثلاثة سفيانيين، وما يعنينا هو السفياني الذي يرسل جيشا إلى الحجاز للقضاء على حركة المهدي، فيخسف بذلك الجيش ولا ينجو منه إلا اثنان فقط، ويبدو أن (الثلاثة) على خط واحد، ولهم هدف واحد، وبعضهم يخلف بعضا.
حملة الرايات السود:
ومن العلامات البارزة المتزامنة مع ظهور الإمام المهدي، الرايات السود، أو أصحاب الرايات السود، وقد روى الأحاديث المتعلقة بالرايات السود الأئمة من أهل بيت النبوة، ثم رواها أكابر علماء شيعتهم، مثلما رواها العلماء الأعلام من شيعة الخلفاء (أهل السنة)، وقد صحت هذه الأحاديث عند الطرفين، وتواترت عندهم وشاعت بين المسلمين، حتى تحولت إلى قناعة عامة تقرأ بالضرورة مع نظرية المهدي المنتظر المستقرة أركانها وبناها في النفس الإسلامية.
ويبدو أن أصحاب الرايات السود من إيران، وأن السبب المباشر لخروج أصحاب الرايات السود يكمن بخروج السفياني، فأهل ايران من موالي أهل بيت النبوة المخلصين وشيعتهم الصادقين، والأكثرية الساحقة جدا من الإيرانيين يؤمنون بحتمية ظهور الإمام المهدي، وأنه الإمام محمد بن الحسن العسكري ثاني عشر أئمة أهل بيت النبوة، ومن مدة طويلة، وهم يتوقعون ظهور هذا الإمام، فعندما يخرج السفياني الأموي، ويحاول أن يبني ملكا أمويا جديدا على غرار ملك.
معاوية وذرية الحكم بن العاص هذا الملك الذي مس أهل بيت النبوة ومن والاهم بنصب وعذاب، فإن الإيرانيين الذين وعوا التاريخ السياسي للخلافة التاريخية لن يقبلوا بتكرار مأساة الحكم الأموي، بل سيقاتلون حتى آخر رجل منهم للحيلولة دون ذلك، ثم إنه حسب رصد الخاصة من الإيرانيين، فإن أوان ظهور المهدي قد حان، والعلامات كلها قد ظهرت، ولا بد أن يكون ذلك الأموي الطامع ببناء ملك لبني أمية، وتوحيد المسلمين تحت الراية الأموية، لا بد أن يكون هو السفياني اللعين الذي أشارت إليه الأحاديث النبوية، والذي يتزامن ظهوره مع ظهور الإمام المهدي، وتلك هي الفرصة الذهبية التي ترقبها الإيرانيون ليقفوا إلى جانب المهدي المنتظر المنقذ الذي طال انتظاره، وينالوا شرف موالاته ونصرته، أضف إلى ذلك فإن شيعة أهل بيت النبوة المخلصين قد تعلموا من وقائع التاريخ، وآلوا على أنفسهم بأن لا تتكرر مأساة خذلان الإمام الحسين، فإذا كان المسلمون قد تركوا الإمام الحسين وحيدا في كربلاء، ولم ينصروه، فإن الشيعة الصادقة لن تترك الإمام المهدي وحيدا بل ستقف معه، وقفة رجل واحد، وستقاتل دونه حتى الموت.
هذه الأسباب مجتمعة ومنفردة هي التي ستقف وراء خروج أصحاب الرايات السود للتصدي لذلك المغامر الأموي، ومن والاه، ولنصرة الإمام المهدي المنتظر والمساهمة بإقامة دولة آل محمد، دولة العدل الإلهي التي طال انتظارها.
قال الإمام علي: (إذا خرجت الرايات السود... التي فيها شعيب بن صالح، تمنى الناس المهدي فيطلبونه.. فيخرج المهدي من مكة ومعه راية رسول الله...). (الحديث 620).
وجاء في حديث آخر: (إذا خرجت خيل السفياني إلى الكوفة، بعث في طلب أهل خراسان ويخرج أهل خراسان في طلب المهدي)... ويلتقي الجيش الإيراني مع جيش السفياني في منطقة (اصطخر) وتكون بين الجيشين ملحمة عظيمة، تظهر فيها الرايات السود. (راجع الحديث رقم 621).
وقد شجعت الأحاديث المسلمين على الالتحاق والانضمام لحملة الرايات السود القادمين من إيران مثل قول الإمام علي لأحد محدثيه (يا عامر إذا سمعت الرايات السود مقبلة، فاكسر ذلك القفل وذلك الصندوق حتى تقتل تحتها، فإن لم تستطع، فتدحرج حتى تقتل تحتها). (راجع الحديث رقم 624). ومثل قوله: (إذا رأيت أهل خراسان أصبتم أنتم إثمها، وأصبنا نحن برها). ويبدو أن الإمام بهذا الحديث يخاطب أحدا أو جماعة من أعداء أهل النبوة. (راجع الحديث 625). ويبين الإمام بأن القائم العام لحملة الرايات السود رجل من بني هاشم وعلى مقدمة جيشه رجل من بني تميم يدعى شعيب بن صالح. (راجع الحديث رقم 623)، ويقسم الإمام بأن الليل والنهار لا يذهبان حتى تجئ الرايات السود من قبل خراسان، ويربطوا خيولهم بنخلات بيسان والفرات، (الحديث رقم 626، وراجع الحديث رقم 797). ويبين الإمام جعفر الصادق، بأن الرايات السود تخرج من خراسان وعند ظهور المهدي يبعثون له بالبيعة من العراق. (راجع الحديث رقم 797).
والأحاديث النبوية تتفق تماما مع الأحاديث التي رواها علماء أهل السنة عن النبي ومن ذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا، وإن أهل بيتي سيلقون بعدي بلاء وتطريدا وتشريدا حتى يأتي قوم من نحو المشرق أصحاب رايات سود، يسألون الحق فلا يعطونه، فيقاتلون فينصرون، فيعطون ما سألوا فلا يقبلوها حتى يدفعوها إلى رجل من أهل بيتي، فيملأها عدلا كما ملأوها ظلما فمن أدرك ذلك منكم، فليأتهم ولو حبوا على الثلج فإنه المهدي. (راجع الحديث رقم 245، وراجع المصادر المدونة تحته، منها ابن حماد ص 84، وابن أبي شيبة ج 15 ص 235 ح 1973، وابن ماجة ج 2 ص 366 ح 4082، وأبو داود، والحاكم وقرابة أربعين مرجعا من المراجع المعتمدة عند أهل السنة). وتحدث الرسول عن بلاء يلقاه أهل بيته من بعده، حتى تأتي رايات من المشرق سوداء من نصرها نصره الله، ومن خذلها خذله الله... (راجع الحديث رقم 246). ومثله قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (يخرج ناس من المشرق فيوطئون للمهدي). (الحديث رقم 249)، ووصف رسول الله حملة الرايات السود بقوله: (تجئ الرايات السود من قبل المشرق، كأن قلوبهم زبر الحديد، فمن سمع بهم فليأتهم ولو حبوا على الثلج).
(الحديث رقم 250، والحديث رقم 251 و 253). وبين الرسول مثلما بين أئمة أهل بيت النبوة أن حملة الرايات السود الذين يخرجون لنصرة المهدي هم غير الذين يحملون رايات بني العباس وعلى سبيل المثال قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (تخرج من المشرق رايات سود لبني العباس، ثم يمكثون ما شاء الله، ثم تخرج رايات سود صغار تقاتل رجلا من ولد أبي سفيان وأصحابه من قبل المشرق، يؤدون الطاعة للمهدي). (الحديث رقم 255). ومثل قوله: (تخرج راية سوداء لبني العباس، ثم تخرج من خراسان أخرى سوداء قلانسهم سود وثيابهم بيض على مقدمتهم رجل يقال لهم شعيب بن صالح... توطئ للمهدي). (راجع الحديث رقم 256).
ويتحدث الرسول عن قتال ضار يشتعل بين السفياني ورجاله وبين حملة الرايات السود والخلاصة أن خروج حملة الرايات السود يتزامن مع خروج الإمام المهدي، وأنهم قد جاءوا لنصرته ومحاربة أعدائه، والتوطيد له. (راجع الحديث 250 وما فوق ج 1).
أحداث الحجاز وظهور الإمام المهدي:
بينت الأحاديث النبوية التي رواها أئمة أهل بيت النبوة، والعلماء الأعلام من شيعة الخلفاء (أهل السنة) أنه بالوقت الذي يتأهب فيه المهدي المنتظر للظهور ستحدث أزمة حكم في دولة الحجاز وما حوله، بعد أن يقتل ملك تلك الدولة، وخمس عشرة شخصية من شخصيات تلك الدولة. (راجع الحديث رقم 303 ج 1 والمراجع المدونة تحته). وعلى أثر هذه الحوادث يدب الخلاف والاختلاف بين القبائل التي تدعم ذلك النظام، وتنقسم إلى شيع وأحزاب، ويختل حبل الأمن، حيث ينهب الحجاج، وتكون ملحمة بمنى، يكثر فيها القتلى، وتسفك الدماء، حتى تسيل الدماء على عقبة الجمرة. (راجع الحديث رقم 304 ج 1 والمراجع المدونة تحته).
والخلاصة أنه لن يبقى لنظام الحجاز من الملك إلا الاسم فقط وبعض خلفاء الملك المقتول لن يبقى في الحكم إلا أشهرا وبعضهم أسابيع، وآخر أياما. (راجع أحاديث الإمام الصادق في البحار ج 52 ص 210 و 240، وحديث الإمام الباقر في كمال الدين للصدوق ص 655، وحديث الإمام الرضا في البحار ج 52.
ص 210). ويبدو أن الإمام المهدي وبتوجيه من الله تعالى سيغتنم فرصة ضعف النظام وانهياره، فيظهر، ويبدو أيضا أن علية القوم أيضا سيبايعون المهدي دون أن يطلب منهم ذلك، وأن البيعة ستكون في مكة بين الركن والمقام. (راجع الأحاديث النبوية 303 و 304 و 305 و 306 و 307 ج 1 من المعجم، وراجع المراجع المدونة تحت كل منها).
وما يعنينا هو التأكيد على أن ظهور الإمام المهدي المنتظر سيتزامن مع أحداث نظام حكم الحجاز ومع الفتنة التي تقع بالحجاز، فيظهر المهدي المنتظر وذلك النظام قائم من الناحية الشكلية، ويبايع في مكة التي تخضع اسميا لسلطة ذلك النظام، الذي سيقف عاجزا أمام انفلات الأمور من يده ومبايعة جزء من رعيته للمهدي، وأمام الخطر الناجم عن أنباء زحف جيوش السفياني إلى الحجاز واحتلالها للمدينة المنورة..