السؤال
نعلم جميعاً أن النبي الكريم (ص) أعلن في يوم الغدير عن خلافة أمير المؤمنين (ع) له، مما أوجب طاعته على المسلمين كافة، وهنا يطرح السؤال التالي:
لما اُعلن عن خلافة أمير المؤمنين (ع) في ذلك اليوم فلماذا لم يستدل على إثبات خلافته وإمامته بهذا الحديث طيلة فترة حياته ؟
الجواب:
خلافاً لمفروض السؤال استدل الامام أمير المؤمنين (ع) بحديث الغدير على أحقيته بالخلافة عدة مرات خلال
فترة حياته،
فكلما شعر بأن الوقت مناسب ذكّر معارضيه بحديث الغدير، وعزز بذلك مكانته في قلوب الناس.
لم يكن ذلك من فعل الامام فحسب، بل استشهد بهذا الحديث كل من زوجته فاطمة (عليها السلام)،
وابنه الامام الحسن (ع)،
وسيد الشهداء الحسين بن علي (ع)، بالاضافة الى عدد من الشخصيات المرموقة في الاسلام نظير: عبد الله بن جعفر،
عمار بن ياسر، الأصبغ بن نباتة، قيس بن سعد، عمر بن عبد العزيز والمأمون الخليفة العباسي، هذا فضلاً عن بعض معارضيه كعمرو بن العاص وغيره.
بناء على هذا، استُدل بحديث الغدير ابتداء من عصر الامام نفسه، وكان أتباعه في كل عصر ومصر يعتبرون الحديث من أدلة الامامة والولاية، وها نحن نشير الى نماذج من هذه الاستدلالات:
1- في يوم الشورى (عُين أعضاء الشورى بأمر من الخليفة الثاني، واختيروا بشكل لا تصل معه الخلافة الى علي
أبداً )
وحينما نوى القوم اختيار عثمان للخلافة نطق الامام لإبطال رأي الشورى فقال: " لأحتجن عليكم بما لا يستطيع
عربيكم ولا عجميكم تغيير ذلك " الى أن قال: " أنشدكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله: من كنت مولاه فهذا
علي مولاه، اللهم وال من والاه، وانصر من نصره، ليبلغ الشاهد الغائب " فأجاب الجميع: كلا، لم ينل هذه الفضيلة
أحد غيرك (1).
لم يقتصر استدلال الامام بهذا الحديث على هذه الواقعة، بل استشهد به في مواطن أخرى نذكرها فيما يلي:
2- ذات يوم كان أمير المؤمنين (ع) يخطب في الكوفة، وفي أثناء الخطبة توجه صوب المخاطبين وقال: " أنشدكم
بالله أن ينهض كل من كان حاضراً في الغدير وسمع حديث النبي ووصيته لي بالخلافة ليشهد بذلك، لكن لينهض
من سمع الحديث بنفسه من النبي، لا من سمعه نقلاً عن الآخرين " فنهض حينئذ ثلاثون رجلاً، وأدلوا بشهاداتهم حول سماع حديث الغدير.
ينبغي الالتفات إلى أنه قد مضى يومذاك أكثر من خمس وعشرين سنة على واقعة الغدير، فضلاً عن أن بعض
أصحاب النبي (ص) لم يكونوا متواجدين في الكوفة، أو توفوا قبل ذلك التاريخ ؛ وربما أحجم بعض عن الشهادة
لأسباب خاصة، وإلا فان عدد الشهود يفوق الثلاثين قطعاً.
ذكر المرحوم العلامة الأميني في كتاب الغدير مصادر متعددة لهذا الحديث، فعلى من يروم الاطلاع عليها مراجعة الكتاب المزبور (2).
3- اجتمع مائتا شخصية كبيرة من المهاجرين والأنصار في عهد عثمان في مسجد النبي (ص) ليتباحثوا ويتحاوروا
حول مواضيع شتى، فانساقوا في الحديث حتى وصلوا الى فضائل قريش وتاريخها وهجرة أفرادها، وبدأت كل قبيلة منها تتفاخر برجالاتها.
عقد هذا الاجتماع منذ الصباح الباكر واستمر حتى الزوال، وتحدث فيه العديد من الشخصيات البارزة، وكان أمير
المؤمنين جالساً يصغي لما يقولون، فأقبل القوم عليه فقالوا: يا أبا الحسن ما يمنعك أن تتكلم ؟ وبعد إصرارههم
تحدث بحديث الى أن قال:" أنشدكم الله عز وجل حيث نزلت (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ
الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) (المائدة:55)، وحيث نزلت (وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلا رَسُولِهِ وَلا الْمُؤْمِنِينَ
وَلِيجَةً) (التوبة: من الآية16)، قال الناس: يا رسول الله، أهذه خاصة في بعض المؤمنين أم عامة لجميعهم ؟ فأمر
الله عز وجل نبيه (ص) أن يعلمهم ولاة أمرهم، وأن يفسر لهم من الولاية ما فسر لهم من صلاتهم وزكاتهم
وصومهم وحجهم فنصبني للناس بغدير خم، ثم خطب فقال: أيها الناس، إن الله عز وجل أرسلني برسالة ضاق
بها صدري وظننت أن الناس مكذبي، فأوعدني لأبلغنها أو ليعذبني، ثم أمر فنودي للصلاة جامعة، ثم خطب الناس
فقال: أيها الناس، أتعلمون أن الله عز وجل مولاي، وأنا مولى المؤمنين، وأنا أولى بهم من أنفسهم ؟ قالوا: بلى،
يا رسول الله، قال: قم يا علي فقمت، فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، فقام
سلمان الفارسي فقال: يا رسول الله، ولاؤه كماذا ؟ فقال النبي (ص): ولاؤه كولائي، من كنت أولى به من نفسه
فعلي أولى به من نفسه " (3).
4- لم يكن علي هو الوحيد الذي استدل بحديث الغدير على أحقيته بالخلافة من غيره، بل إن زوجته الكريمة
كذلك خطبت ذات يوم لتبين حقوقها وحقوق زوجها، فخاطبت أصحاب النبي (ص) وقالت: أنسيتم يوم الغدير حيث
قال أبي لعلي: " من كنت مولاه فهذا علي مولاه ".
5- لما قرر الامام الحسن (ع) الصلح مع معاوية قام خطيباً وقال: " أكرم الله أهل البيت بالاسلام، واصطفانا على
عباده وطهرنا من كل سوء " الى أن قال: " سمع الجميع النبي يقول لعلي: أنت مني بمنزلة هارون من موسى،
كما شاهد كافة الناس النبي يرفع يد علي في غدير خم وهو يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من
والاه وعاد من عاداه " (4).
6- وقال الامام الحسين (ع) في حديث حضره عدد كبير من صحابة النبي (ص) في مكة: " أسألكم بالله هل
سمعتم أن النبي نصب علياً خليفة وولياً للمسلمين في غدير خم وقال: فليبلغ الحاضر الغائب ؟ " فأجاب الجميع: نعم.
بالاضافة الى كل ذلك، فان حشداً من صحابة النبي (ص) كعمار بن ياسر وزيد بن أرقم وعبد الله بن جعفر والأصبغ
بن نباتة وغيرهم استدلوا بهذا الحديث على خلافة الامام (5).
المصدر: موقع مدرسة الإمام علي (ع) / سماحة آية الله الشيخ ناصر مكارم الشيرازي.
1- المناقب للخوارزمي، ص217 وغيره.
2- الغدير، ج1، ص153- 170.
3- فرائد السمطين، الباب 58 ؛ بالاضافة الى هذه الموارد الثلاثة، استشهد الامام أمير المؤمنين (ع) على
إمامته بحديث الغدير في الكوفة في يوم الرحبة، وفي الجمل، وفي حديث الركبان، وفي حرب صفين أيضاً.
4- ينابيع المودة، ص482.
5- للاطلاع على الاحتجاجات الكثيرة في هذا المورد ومصادرها ومستنداتها، ينبغي الرجوع الى كتاب (الغدير)، ج1، ص146-195، فقد نقل فيه اثنان وعشرون احتجاجاً موثقاً.