الخلاصة :
ان الذي ادعاه صاحب النشرة من (ان الائمة (عليه السلام) لم يكونوا يعلمون بأسماء أوصيائهم من بعدهم إلا قرب وفاتهم) قد بناه على فهم خاطىء لرواية صفوان الذي كان قد سأل الرضا (عليه السلام) عن الامام اللاحق متى يعلم انه قداضطلع بالامامة فعلاً هل منذ اللحظة الاولى لموت الامام السابق أو حين يبلغه خبر موته ؟ كما لو كان الامام السابق فى بلد والامام اللاحق فى بلد آخر بعيد عنه كما في حالة الامامين الكاظم والرضا (عليهما السلام) أو الامامين الرضا والجواد (عليهما السلام) ، ولكن صاحب النشرة حمل الرواية على حالة الوصية والنص ، هذا مضافاً إلى إغفاله الروايات الكثيرة التى رواها الصفار فى بصائر الدرجات والكليني في الكافي التي تنص على ان وصية كل إمام للذي من بعده إنما هي بعهد معهود من النبي (صلى الله عليه وآله) واغفاله أيضاً الروايات الكثيرة التي تنص على ان الامام السابق يشير إلى إمامة الامام اللاحق وينص عليه في سن مبكرة من حياته كما في نص الصادق (عليه السلام) على الكاظم (عليه السلام) فى طفولته ونص الرضا (عليه السلام)على الجواد (عليه السلام) وهو ابن ثلاث سنين .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الكافي ج1 . ص 321 الرواية رقم 10 .
الحلقة الأولى
الفصل الثالث
الشيخ الصدوق والعقيدة الاثني عشرية
قوله : ولم تكن النظرية الاثنا عشرية مستقرة في العقل الإمامي حتى منتصف القرن الرابع الهجري . . حيث أبدى الشيخ محمد بن علي الصدوق شكه بتحديد الأئمة في اثني عشر إماما فقط وقال : (لسنا مستعبدين في ذلك إلا بالإقرار باثني عشر إماما ، واعتقاد كون ما يذكره الثاني عشر بعده) .
أقول : ان قول الشيخ الصدوق هذا لا يدل على ما فهمه صاحب النشرة من عدم استقرار النظرية الإمامية الاثني عشرية حتى منتصف القرن الرابع لان كلام الصدوق هذا كان يتناول فترة ما بعد ظهور الثاني عشر (عليه السلام) ولم يكن نظره الى فترة القرن الرابع الهجري!!
نص الشبهة
قال : «ولم تكن النظرية الاثنا عشرية مستقرة في العقل الامامي حتى منتصف القرن الرابع الهجري . . حيث أبدى الشيخ محمد بن علي الصدوق شكه بتحديد الائمة في اثني عشر إماماً فقط / وقال : (لسنا مستعبدين في ذلك إلا بالاقرار باثني عشر إماماً ، واعتقاد كون ما يذكره الثاني عشر بعده) إكمال الدين» ص 77 (1) .
الرد على الشبهة
اقول :
أولا :
قوله : (ولم تكن النظرية الاثنا عشرية مستقرة في العقل الامامي حتى منتصف القرن الرابع الهجري . .) مر الكلام في بيان خطأ ذلك في الفصل الاول وسيأتي المزيد من البحث في الفصل السابع .
ثانيا :
ان ما اسنده إلى الصدوق من شك في غير محله بل افتراء عليه . .
إذ ان كلامه (رحمه الله) يدل على عكس ما ذكره عنه واليك أيها القارىء الكريم نص كلام الشيخ الصدوق .
قال : «قالت الزيدية لا يجوز ان يكون من قول الانبياء ان الائمة اثنا عشر لان الحجة باقية على هذه الامة إلى يوم القيامة ، والاثنا عشر بعد محمد (صلى الله عليه وآله) قد مضى منهم
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الشورى العدد العاشر ص12 .
أحد عشر ، وقد زعمت الامامية ان الارض لا تخلو من حجة .
فيقال لهم : ان عدد الائمة (عليهم السلام) اثنا عشر والثاني عشر هو الذي يملا الارض قسطاً وعدلاً ، ثم يكون بعده ما يذكره من كون إمام بعده أو قيام القيامة ولسنا مستعبدين في ذلك إلا بالاقرار باثني عشر إماماً واعتقاد كون ما يذكره الثاني عشر (عليه السلام) بعده .
ويقال للزيدية : أفيكذب رسول الله (صلى الله عليه وآله) في قوله (ان الائمة اثنا عشر) ؟
فان قالوا : ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يقل هذا القول . .
قيل لهم : ان جاز لكم دفع هذا الخبر مع شهرته واستفاضته وتلقي طبقات الامامية إياه بالقبول فما أنكرتم ممن يقول : ان قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) (من كنت مولاه) ليس من قول الرسول (صلى الله عليه وآله)؟» (1) .
وقول الصدوق «لسنا مستعبدين في ذلك إلا بالاقرار باثني عشر إماماً واعتقاد كون ما يذكره الثاني عشر بعده يؤكد عقيدته باثني عشر اماماً من أهل البيت أولهم علي (عليه السلام) وثاني عشرهم المهدي (عليه السلام) ثم تكون غيبته على مرحلتين إحداهما صغرى دامت تسعا وستين سنة والاخرى كبرى لا يعلم مداها إلا الله تعالى . ثم يبدي الصدوق تردده عن الحالة بعد ظهور المهدي (عليه السلام)واستتباب أمره هل سيعهد إلى إمام من بعده أو يكون يوم القيامة ثم يجيب عن ذلك : أننا مستعبدون بالاقرار والتسليم لما يذكره الثاني عشر بعد ظهور» .
ومنشأ تردد الصدوق فيما يجري بعد ظهور المهدي (عليه السلام) من أمر الامامة هو الرواية التي أوردها الطوسي في كتابه الغيبة (2) انه سيكون بعد الاثني عشر إماماً اثنا عشر مهدياً وهي رواية وحيدة وضعيفة السند بل إمارات الوضع ظاهرة عليها وهي معارضة من قبل الروايات التي تجعل من عهد ظهور المهدي وظهور عيسى (عليه السلام)آخر شوط من الحياة الدنيا .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) إكمال الدين ص 77-78 . وسيأتي نظير ذلك من كلامه في الفصل الثالث .
(2) ص150 . قال اخبرنا جماعة ، عن أبي عبد الله الحسين بن علي بن سفيان البزوفري عن علي بن سنان الموصلي العدل ، عن علي بن الحسين ، عن أحمد بن محمد بن الخليل عن جعفر بن أحمد المصري ، عن عمه الحسن بن علي ، عن أبيه ، عن أبي عبدالله جعفر بن محمد (عليه السلام) .
وتوجد أيضا روايتان أخريان في المهديين الاثني عشر :
الأولى : رواها الشيخ الصدوق : عن الدقاق ، عن الاسدي ، عن النخعي عن النوفلي ، عن علي بن أبى حمزة ، عن ابي بصير قال : قلت للصادق جعفر بن محمد (عليه السلام)يا ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله) سمعت من ابيك انه قال يكون بعد القائم اثني عشر مهديا ؟ قال : إنما قال : اثنا عشر مهديا ولم يقل اثنا عشر إماما ، ولكنهم قوم من شيعتنا يدعون الناس الى موالاتنا ومعرفة حقنا (1) .
الثانية : رواها الشيخ الطوسي : عن محمد الحميري ، عن أبيه ، عن محمد بن عبد الحميد ومحمد بن عيسى ، عن محمد بن الفضيل ، عن أبي حمزة عن أبي عبد الله (عليه السلام)في حديث طويل انه قال : يا أبا حمزة ان منا بعد القائم احد عشر مهديا من ولد الحسين (عليه السلام) (2) .
وقد أورد الشيخ الحر العاملي صاحب وسائل الشيعة الروايتين الانفتي الذكر إضافة الى ما رواه صاحب المصباح من دعاء الرضا (عليه السلام) هذا مضافا الى الرواية التي أوردناها في صدر البحث فيكون المجموع أربع روايات وقد علق على الرواية الأخيرة بقوله إنها من طرق العامة ، ثم علق عليها جميعا بقوله : وأما أحاديث الاثني عشر (أي بعد المهدي (عليه السلام)) فلا يخفى أنها غير موجبة للقطع أو اليقين لندورها وقلتها وكثرة معارضتها (3) . . . وقد تواترت الأحاديث بان الأئمة الاثنا عشر وان دولتهم ممدودة الى يوم القيامة وان الثاني عشر خاتم الأوصياء والأئمة والخلف وان الأئمة من ولد الحسين الى يوم القيامة ونحو ذلك من العبارات فلو كان يجب علينا الإقرار بإمامة اثني عشر بعدهم لوصلت إلينا نصوص متواترة تقاوم تلك النصوص ينظر في الجمع بينهما (4) (5) .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) إكمال الدين ج2 /27 ، البحار ج53 / 145 .
(2) غيبة الشيخ الطوسي /478 ط مؤسسة المعارف الإسلامية .
(3) يريد رحمه الله الروايات التي تقول ان المهدي (عليه السلام) يموت قبل يوم القيامة بأربعين يوما .
(4) الايقاظ من الهجعة للحر العاملي ص 401 .
(5) وقد ذكر العلامة المجلسي في البحار وجهين في تأويل تلك الروايات كما اورد الحر العاملي في كتابه ستة تأويلات .
الخلاصة :
ان صاحب النشرة قد فهم من كلام الشيخ الصدوق ما لم يُرِده الصدوق ، ولا تساعده على فهمه الخاطىء هذا ولو قرينة ضعيفة فى أي كتاب من كتب الصدوق المطبوعة الكثيرة الميسرة لكل باحث ، هذا مضافاً إلى ان الصدوق كان بصدد رد شبهة الزيدية على حديث الاثني عشر الذين كانوا يشككون في صدوره عن النبي (صلى الله عليه وآله) .