أخرج الحافظ أحمد بن الحسين البيهقي قال: أخبرنا أبوالقاسم الحسن بن محمد المفسر، اخبرنا ابوبكر محمد بن عبد الله الحفيد، حدّثنا أبو القاسم عبد الله بن احمد بن عامر الطائي بالبصرة، حدثني أبي محمد بن علي، حدثني أبي موسى بن جعفر، حدّثتني أسماء بنت عميس، الحديث بطوله إلى قولها: «فلما ولد الحسين (عليه السلام) فجاءني النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: يا أسماء، هاتي ابني، فدفعته إليه في خرقة بيضاء، فأذّن في أذنه اليمنى، وأقام في اليسرى، ثم وضعه في حجره وبكى.
مأتم الميلاد.. أول مأتم أقامه الرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله)
ابنا : قالت أسماء: فقلت: فداك أبي وأمي ممّ بكاؤك؟
قال: على ابني هذا.
قالت أسماء: إنّه ولد الساعة!
قال: يا أسماء، تقتله الفئة الباغية، لا أنالهم الله شفاعتي، ثم قال: يا أسماء، لاتخبري فاطمة بهذا، فإنها قريبة عهد بولادته، الحديث.
و أخرجه الحافظ أبوالمؤيد الخوارزمي خليفة الزمخشري في مقتل الحسين 1/87ـ88، باسناده عن الحافظ البيهقي.
وذكره الحافظ محب الدين الطبري في (ذخائر العقبى: 119) نقلاً عن مسند الإمام أبي الحسن الرضا (عليه السلام) والسيد محمود الشيخاني المدني في (الصراط السوي) عن المحب عن المسند.
قال الاميني(1) : لعل هذا أول حفل تأبين أقيم للحسين الطهر الشهيد في الإسلام المقدّس بدار رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولم تسمع أذن الدنيا قبل هذا أن ينعقد لمولود غير وليد الزهراء الصديقة في بسيط الأرض مأتم حين ولدته أمه بدلاً من حفل السرور والحبور والتباشير.
ولم يقرع قط سمعاً نبأ ولي ينعى به منذ استهلاله، حين قدم مستوى الوجود، بدل نشيد التهاني، ويذكر من أول ساعة حياته حديث قتله ومقتله ومصرعه.
ولم ينبئ التاريخ من لدن آدم إلى الخاتم عن وليد يهدى إلى أبيه عوض هدايا الافراح تربة مذبحه حتى يتمكن منه الحزن في أعماق قلبه، وحبّه فؤاده.
فكأن يوم ولادة الحسين له شأن خاصّ لدى الله العلي العظيم، ذلك تقدير العزيز العليم، لم يقدره يوم سرور لآل الله، أهل البيت الطاهر، وكأن الأسى تاءمه في الولادة، فكدّر عليه صفو العيش، ونغّص طيب حياتهم، واجتثّ من تلكم البيوت التي أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه أصول المسرّة، وبهجة التداعة، وجعلها لأهلها دار الحزن.
وذلك بعدما فاوض رسول الله (صلى الله عليه وآله) جبريل (عليه السلام) حول أمر ولده القتيل، وعلم باليقين التامّ أنه أمر لا مردّ له من الله، كما جاء فيما أخرجه الدارقطني في مسنده(2) أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) حين أخبره جبريل أن أمته ستقتل حسين بن علي، فقال: «يا جبريل أفلا أراجع فيه؟
قال: لا لأنه أمر قد كتبه الله».
وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يحبذ يوم ذاك كتمان هذا النعي من أمّ ريحانته، شفقة وعطفاً عليها، ولحديث عهدها بالولادة.
واخرج الحافظ الحاكم النيسابوري (المستدرك الصحيح / 176)، قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن علي الجوهري ببغداد، ثنا أبو الاحوص محمد بن الهيثم القاضي، ثنا محمد بن مصعب، ثنا الاوزاعي، عن أبي عمار شداد بن عبد الله، عن أم الفضل بنت الحارث، إنها دخلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقالت: يا رسول الله، إني رأيت حلماً منكراً الليلة.
قال: وما هو؟
قالت: إنّه شديد.
قال: وما هو؟
قالت: رأيت كانّ قطعة من جسدك قطعت ووضعت في حجري!
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): رأيت خيراً، تلد فاطمة ـ إن شاء الله ـ غلاماً فيكون في حجرك، فولدت فاطمة الحسين، فكان في حجري كما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) فدخلت يوماً إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فوضعته في حجره، ثم حانت منّي التفاته فإذا عينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) تهريقان من الدموع!
قالت: فقلت: يا نبي الله، بأبي أنت وأمي ما لك؟
قال: أتاني جبرئيل (عليه الصلاة والسلام) فأخبرني أن أمتي ستقتل ابني هذا.
فقلت: هذا؟
فقال: نعم، وأتاني بتربة من تربته حمراء. الحديث.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وأخرجه في ص 179.
وأخرجه الحافظ البيهقي في (دلائل النبوة) لدى ترجمة الحسين (عليه السلام).
وأخرجه الحافظ ابن عساكر في (تاريخ الشام).
وذكر أبوالمؤيد الموفق الخوارزمي الحنفي المتوفى سنة 568 في كتابه (مقتل الإمام السبط الشهيد) ج1، ص 163 من رواية: ولما أتى على الحسين من ولادته سنة كاملة هبط على رسول الله اثنا عشر ملكاً.. محمرة وجوههم قد نشروا أجنحتهم وهم يقولون: يا محمد، سينزل بولدك الحسين مما نزل بهابيل من قابيل، وسيعطى مثل أجر هابيل، ويحمل على قاتله مثل وزر قابيل.
قال: ولم يبق في السماء ملك إلا ونزل على النبي يعزيه بالحسين، ويخبره بثواب ما يعطى، ويعرض عليه تربته، والنبي يقول: اللهم اخذل من خذله، واقتل من قتله، ولا تمتعه بما طلبه.
ولما أتت على الحسين من مولده سنتان كاملتان خرج النبي في سفر، فلما كان في بعض الطريق وقف فاسترجع ودمعت عيناه، فسئل عن ذلك؟ فقال: هذا جبريل يخبرني عن أرض بشاطئ الفرات يقال لها: (كربلاء)، يقتل فيها ولدي الحسين بن فاطمة، فقيل: من يقتله يا رسول الله؟
فقال: رجل يقال له يزيد، لا بارك الله في نفسه، وكأني أنظر إلى منصرفه ومدفنه بها، وقد أُهدي رأسه، والله ما ينظر أحد إلى رأس ولدي الحسين فيفرح إلا خالف الله بين قلبه ولسانه. يعني ليس في قلبه ما يكون بلسانه من الشهادة.
قال: ثمّ رجع النبي من سفره ذلك مغموماً، فصعد المنبر، فخطب ووعظ والحسين بين يديه مع الحسن، فلما فرغ من خطبته وضع يده اليمنى على رأس الحسين، ورفع رأسه إلى السماء وقال: اللّهم إني محمد عبدك ونبيك، وهذان اطائب عترتي، وخيار ذريتي وأرومتي، ومن أخلفهما في أمتي. اللّهم وقد أخبرني جبريل بأن ولدي هذا مقتول مخذول، اللهم فبارك لي في قتله، واجعله من سادات الشهداء، إنّك على كل شيء قدير، اللّهم ولا تبارك في قاتله وخاذله.
قال: فضج الناس في المسجد بالبكاء، فقال النبي: أتبكون ولا تنصرونه؟! اللهم فكن له أنت ولياً وناصراً.
وتكرّرت المآتم التي أقامها رسول الله (صلى الله عليه وآله) في بيوت أمهات المؤمنين وعلى مدى الاعوام والسنين.
ولا يخفى على المتتبع أن جميع تلك المآتم التي أقامها الرسول (صلى الله عليه وآله) على ولده الحسين قد رواها كبار محدّثي المذاهب الإسلامية من الفريقين، مما يدل على عظم مظلومية السبط الشهيد الإمام الحسين (عليه السلام).
وأن ظلمه هو ظلم لرسول الله وأذىً له (صلى الله عليه وآله) و من آذى الرسول فقد آذى الله تعالى وله عذاب أليم ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا﴾(3).
ولا يختص هذا الأذى للرسول (صلى الله عليه وآله) بقاتل الحسين (عليه السلام)؛ بل هو يشمل الخاذل والراضي بهذا الظلم وللجرأة على الله ورسوله، والساكت عن ذلك كالساكت عن نصرة الله ورسوله.
«السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين».
ــــــــــــــــــ
1 . مأتم الإمام الحسين (عليه السلام) في مصادر أهل السنة: 68.
2 . وأخرجه الشيخ الأكبر حافظ دمشق ابن عساكر في تاريخ الشام لدى ترجمة الحسين السبط (عليه السلام).
3 . سورة الأحزاب: 57.
source : www.alimamali.com