السرّ الرابع - خواصّ الشيعة زوّار الإمام (عليه السلام)
الشيعة والتشيع بمعنى متابعة أمير المؤمنين وسيّد الوصيين أسد الله الغالب عليّ ابن أبي طالب (عليه السلام) ، والإيمان بإمامته وأ نّه خليفة رسول الله بلا فصل ، وأ نّه أشرف خلق الله بعد رسول الله (عليهما السلام) ، وأ نّه من نفس الرسول (صلى الله عليه وآله) ، له ما له دون النبوّة.
ولقد بشّر النبي شيعة أمير المؤمنين (عليه السلام) بالجنّة من اليوم الأوّل من رسالته السماوية السمحاء ، كما في حديث الدار ، فكان (صلى الله عليه وآله) قد شيّد بمقام شيعته (عليه السلام) ، كما في كتب الفريقين ( السنّة والشيعة )[1].
وقد أخبر النبي ـ كما في كتب الفريقين ـ أنّ اُمّته ستنقلب على أعقابها ، وأ نّها ستفترق ثلاث وسبعين فرقة ، وأنّ فرقة واحدة تكون مع الحقّ والحقّ معها ، والباقية من الهالكين يوم القيامة.
وعلى الرسول الأعظم من باب اللطف أن يعيّن تلك الفرقة الناجية ويعطي مواصفاتها ، حتّى لا تضلّ الاُمّة من بعده ، وقد فعل بما اُمر ، فبلّغ رسالته في مواطن كثيرة ، وأحاديث جمّة ، تعدّ بالمئات كحديث الحق :
الحق ّمع عليّ ، وعليّ مع الحقّ ، أينما دار يدور.
وكحديث الغدير :
من كنت مولاه فعليّ مولاه.
وحديث الثقلين :
إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبداً ، وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض.
وحديث السفينة :
مثل أهل بيتي كسفينة نوح ، من ركبها نجى ، ومن تخلّف عنها غرق وهوى.
وغيرها من الأحاديث الشريفة الصحيحة الثابتة عند الفريقين ، ولله الحجّة البالغة :
(فَمَاذا بَعْدَ الحَقِّ إلاّ الضَّلال)[2].
فالفرقة الناجية أتباع مذهب أهل البيت (عليهم السلام) ، والرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) قد شخّص لنا أهل البيت والخلفاء من بعده ، وأ نّهم اثنى عشر ، كلّهم من قريش ، وذكر أسماءهم ، كما في حديث جابر الأنصاري وغيره كما عند الفريقين ـ أيضاً ـ .
ثمّ الشيعة كالسنّة طوائف ومذاهب ، فالفرقة الناجية منهم ـ كما عليه الأدلّة النقلية والعقلية كما هو ثابت في محلّه ـ من كان يؤمن بالأئمة الاثني عشر (عليهم السلام) ، أوّلهم أمير المؤمنين وسيّد الوصيين علي (عليه السلام) ، وآخرهم قطب عالم الإمكان مولانا وإمامنا صاحب الزمان عجّل الله فرجه الشريف وجعلنا من خلّص شيعته وأنصاره والمستشهدين بين يديه.
وممّـا يستدل على ذلك الحديث الشريف المعروف بالسلسلة الذهبية ، وأنّ الإمام الرضا (عليه السلام) قال في نيشابور عند قدومه من المدينة المنوّرة إلى طوس :
لا إله إلاّ الله حصني ، فمن دخل حصني أمن من عذابي.
ثمّ قال (عليه السلام) :
بشرطها وأنا من شروطها.
يعني الولاية من شروط التوحيد ، بل هي خلاصة النبوّة والتوحيد ، وبها يكمل الدين وتتمّ النعمة ، كما في آية الإكمال ، وأ نّه لا يقبل العمل مهما كان برّاً وصالحاً لو لم يكن مقروناً بالولاية ، كما يدلّ على ذلك النصوص الدينية إلى ما شاء الله[3].
فالزيارة المقبولة التامّة ما كانت فيها ولاية الإمام الرضا (عليه السلام) بالخصوص ، ومعرفته حقّاً ، والتسليم لأمره صدقاً ، فلا يزوره حينئذ إلاّ الخواص من الشيعة يعني الإمامي الاثنى عشري ، وأمّا الإمام الحسين (عليه السلام) فيزوره السنّي على أ نّه سبط رسول الله وريحانته ، كما يزوره الشيعي الزيدي والاسماعيلي وغيرهم من فرق الشيعة قبل الإمام الرضا (عليه السلام) ، فما دام لم يؤمنوا بولاية الإمام الرضا (عليه السلام) وإمامته ، فإنّه لا تقبل زيارتهم وعباداتهم ، بخلاف الشيعي المؤمن بإمامة الأئمة الاثنى عشر ، فانّه يُقبل عمله ، ويعلم ذلك من خلال زيارته للإمام الرضا (عليه السلام) عارفاً بحقّه وأ نّه إمام مفترض الطاعة ، فكأنّ زيارته محك وميزان للحقّ وللقبول ، ومن كان كذلك فهو الأفضل بهذا الاعتبار ، ولو أردنا أن نعرف الأفضلية بين زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) والإمام الرضا (عليه السلام) لمن كان زائراً لهما ، وهو من خواصّ الشيعة ، فإنّ الأفضل زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) لما ورد في الروايات من الثواب الجزيل والأجر العظيم المترتّب على زيارته ، فإنّه أكثر بكثير من الإمام الرضا (عليه السلام)[4] ، وبهذا الاعتبار تكون زيارته (عليه السلام) أفضل ، أمّا بالاعتبار الأوّل فزيارة الإمام الرضا أفضل كما ورد في الأحاديث الشريفة ، هذا ما تبادر إلى ذهني القاصر جمعاً بين الأخبار الشريفة ، وإلاّ فإطلاق الطائفة الاُولى من الروايات يدلّ على عموم الأفضلية ، لا سيّما في رواية : ( أكرم الوفود على الله ) كما في السرّ الرابع عشر ، والله العالم بحقايق الاُمور.
عيون أخبار الرضا بسنده عن ابن مهزيار قال : قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : جعلت فداك ، زيارة الرضا (عليه السلام) أفضل أم زيارة أبي عبد الله (عليه السلام) ؟ فقال :
زيارة أبي (عليه السلام) أفضل ، وذلك أنّ أبا عبد الله (عليه السلام) يزوره كلّ الناس ، وأبي (عليه السلام) لا يزوره إلاّ الخواصّ من الشيعة[5].
عن عبد العظيم الحسني قال : قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : قد تحيّرت بين زيارة قبر أبي عبد الله (عليه السلام) وبين قبر أبيك (عليه السلام) بطوس ، فما ترى ؟ فقال لي : مكانك ، ثمّ دخل وخرج ودموعه تسيل على خدّيه فقال : زوّار قبر أبي عبد الله (عليه السلام) كثيرون ، وزوّار قبر أبي (عليه السلام) بطوس قليل[6].
قال الصادق (عليه السلام) :
يقتل لهذا ـ وأومأ بيده إلى مولانا موسى (عليه السلام) ـ ولد بطوس ، لا يزوره من شيعتنا إلاّ الأندر فالأندر.
قال العلاّمة المجلسي (قدس سره) في بيان الحديث الأوّل :
( لعلّ هذا مختصّ بهذا الزمان ، فإنّ الشيعة كانوا لا يرغبون في زيارته إلاّ الخواصّ منهم الذين يعرفون فضل زيارته ، فعلى هذا التعليل يكون في كلّ زمان يكون إمام من الأئمة أقلّ زائراً يكون ثواب زيارته أكثر ، أو المعنى أنّ المخالفين أيضاً يزورون الحسين (عليه السلام) ولا يزور الرضا إلاّ الخواصّ وهم الشيعة فيكون « من » بيانيّة ، أو المعنى أنّ من فرق الشيعة لا يزوره إلاّ من كان قائلا بإمامة جميع الأئمة ، فإنّ من قال بالرضا (عليه السلام) لا يتوقّف فيمن بعده ، والمذاهب النادرة التي حدثت بعده زالت بأسرع زمان ولم يبق لها أثر )
السرّ الخامس - درك الرحمة الإلهيّة
من أسماء الله الحسنى : الرحمن الرحيم ، وأنّ رحمته الرحمانية عامّة تعمّ المؤمن والكافر في الدنيا ، وبرحمته الرحمانية يخلقهما ويرزقهما ويدبّر أمرهما ويهديهما ... فهي عامّة تشمل الخلايق كلّها.
وأمّا الرحمة الرحيمية فإنّها تختصّ بالمؤمنين في الدارين ، وإنّها قريبة من المحسنين في الدنيا والآخرة ، وأ نّها من اللطف الخاص والعناية الخاصة ، وممّـا يوجب دركها والتوفيق لها زيارة أولياء الله سبحانه ، فإنّها توجب الحسن والإحسان ، وتقرّب العبد إلى ربّه الكريم قاب قوسين أو أدنى ، فيغفر ذنوبه بشفاعتهم ، ويكون من ضيوف الله ومن أكرم الوفود عليه ، فيما لو كان زائراً لمولانا الإمام الرضا (عليه السلام) ، فزيارته توجب درك الرحمة الإلهية العامة
والخاصة.
عن الهروي قال : دخل الرضا (عليه السلام) القبّة التي فيها هارون الرشيد ، ثمّ خطّ بيده إلى جانبه ، ثمّ قال :
هذه تربتي وفيها اُدفن ، وسيجعل الله هذا المكان مختلف شيعتي وأهل محبّتي ، والله ما يزورني منهم زائر ولا يسلّم عليّ منهم مسلّم ، إلاّ وجب له غفران الله ورحمته بشفاعتنا أهل البيت[1].
وكأ نّي بالإمام (عليه السلام) في كثير من هذه الروايات يشير إلى شهادته ، وأ نّه يُقتل بالسمّ حتّى لا يلتبس الأمر على الشيعة من بعده ، لما يفعله المأمون لعنه الله من الخديعة والمكر وإظهار العزاء وتبرئته من دمه الطاهر ، فهذه الروايات إرهاصات لأيام الشهادة ، وتعريف بالقاتل الطاغية مأمون العبّاسي.
فمن يزور الإمام الرضا (عليه السلام) عارفاً بحقّه ، فإنّه ينال الرحمة الإلهيّة ، فإنّ الملائكة تنزل بالرحمة ، وإنّ أجواء الحرم الشريف والأروقة والصحون والشوارع المحيطة بها ، يعطّ منها روائح الرحمة وعطورها ، وكلّما اقترب الزائر من الضريح المقدّس ولثم الأعتاب المقدّسة ، يقبّلها ويتبرّك بها ، ويسجد لله شكراً على ما تفضّل عليه من توفيق الزيارة وحضوره عند إمامه ومولاه وسيّده ووليّ نعمته ، فإنّه يلمس نسيم الرحمات الرحمانيّة والرحيميّة ، ويحوطه عطر الولاية ، وطيب المودّة والرحمة ، وإنّما يدرك ذلك من فتح الله مشامّ قلبه ووجوده ، بشرط أن لا يكون من قبل مبتلى بزكام الذنوب وجراثيم الآثام والمعاصي . وإنّما يقف على ما أقول العرفاء الصلحاء ، جعلنا الله وإيّاكم منهم.