السؤال: بعد الشكر الجزيل على كلّ الجهود التي تبذلوها في خدمة الإسلام ، أرجو الإجابة على سؤالي التالي والذي يقول : لماذا كان مع النبيّ (صلى الله عليه وآله) في الغار أبو بكر ، ولم يكن أحد سواه ؟
الجواب : أوّلاً : يجب أن نشير إلى أنّه لم ينفرد في هجرة رسول الله (صلى الله عليه وآله) أبو بكر فحسب ، كما في مفروض السؤال ، بل كان سواه معهما كما سيأتي .
وثانياً : لابدّ من ملاحظة ظروف الواقعة المفروض فيها التكتّم ، وقلّة المصاحب ، والاحتياج إلى معرفة الطريق وغير ذلك .
وثالثاً : إمكان دراسة الموضوع وملاحظته بأشكال متعدّدة ، فقد يقال : إنّه صاحبه خوفاً منه لا عليه ، أو كان يخشى منه البوح ، ولعلّه يشير إليه قوله تعالى : { لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا } ، أو تؤخذ الواقعة كنوع امتحان وفتنة من الله سبحانه لعباده .
هذا ولم نجد في رواية من الخاصّة أو العامّة أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) طلب من أبي بكر مصاحبته ، أو كان القرار على ذلك ، وهذه نكتة مهمّة ، بل كلّ ما هناك هو أنّه التقى به وهو في حال خروجه من مكّة ، فصاحبه معه ، وهذا قد فسّر بخوفه من أن يفشي عليه ويخبر عنه ، ولاشكّ أنّه (صلى الله عليه وآله) طلب من أبي بكر في الغار أن يسكن وقد أخذته الرعدة ، وأخبره { إِنَّ اللهَ مَعَنَا } ، وهذه نكتة مهمّة .
ثمّ أنّه قد صحبه (صلى الله عليه وآله) في هجرته عامر بن فهر مولى أبي بكر وعبد الله
|
الصفحة 127 |
|
ابن اريقط الليثي (1) ، بل كان معهم دليل باسم رقيد ، وقيل : هو عبد الله بن اريقط الليثي ، وفي أمالي الشيخ الطوسي : " واستتبع رسول الله (صلى الله عليه وآله) أبا بكر ابن أبي قحافة ، وهند بن أبي هالة ، فأمرهما أن يقعدا له بمكان ذكره لهما من طريقه إلى الغار " (2) .
وفي بعض الروايات : " إنّ أبا بكر لحق بالنبيّ (صلى الله عليه وآله) بعد أن أخبره أمير المؤمنين (عليه السلام) بأنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد انطلق إلى بئر ميمون فأدركه " (3) ، ومثله في تفسير العيّاشي (4) ، بل في " الخرائج والجرائح " (5) : إنّه (صلى الله عليه وآله) رأى أبا بكر قد خرج في الليل يتجسّس عن خبره وقد كان وقف على تدبير قريش من جهتهم فأخرجه معه إلى الغار ، ومثله في " شواهد التنزيل " (6) .
وورد في " الصراط المستقيم " قالوا : إنّما أباته أي علياً (عليه السلام) لعلمه أنّ الإسلام لا ينهدم بقتله ، واستصحب أبا بكر لعلمه بخلافته .
قلنا : قد رويتم أنّه قال (صلى الله عليه وآله) : " الخلافة بعدي ثلاثون سنة ... " على أعمار الأربعة ، فكيف يحرص عليه خاصّة دون غيره ، بل قد روي أنّه صحبه خوفاً من أن ينم عليه .
قال ابن طوطي :
ولمّا سرى الهادي النبيّ مهاجراً |
وقد مكر الأعداء والله أمكر |
وصاحب في المسرى عتيقاً مخافة |
لئلا بمسراه لهم كان يخبر |
وله كلام هناك فراجعه (7) .
____________
1- العدد القوية : 120 ، المحبر : 190 .
2- الأمالي للشيخ الطوسي : 466 .
3- الطرائف : 408 .
4- تفسير العيّاشي 1 / 101 .
5- الخرائج والجرائح 1 / 144 .
6- شواهد التنزيل 1 / 129 .
7- الصراط المستقيم 1 / 176 .
|
الصفحة 128 |
|
مضافاً إلى ذلك يلزم عدم وجود أهمّية لعمر بن الخطّاب ، إذ إنّ ذا الخصوصية هو أبو بكر فقط ، مع أنّ هذا ينافي ما تعتقدونه في عمر بن الخطّاب وموقعيته المهمّة في الرسالة من موافقة الله له في آرائه واقتراحاته ، ومن أنّ العدل تمثّل به ، ومات بموته ، فما ذكرتموه من الاستدلال يرد عليكم أيضاً .
( مروة . مصر ... )
تعليق على الجواب السابق وجوابه :
السؤال: ردّ غير مقنع ، أو كان الله بغير قادر أن يعيق أبا بكر لو كانت الفكرة من صحبته خشية أن يخبر عن الرسول ؟
الجواب : إنّ الله تعالى قادر على أن يعيق ، لكنّه لا يعيق ، لأنّ ذلك يستلزم الإلجاء والجبر ، كما لم يعق يوم كسرت رباعية الرسول (صلى الله عليه وآله) ، ويوم ضرب بالحجارة في بداية بعثته ، وغير ذلك كثير .
وهذه هي سنّة الله في الحياة ، ليتميّز من يفعل الخير أو الشر ، وإتمام الحجّة على العباد { مَّا كَانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ... } (1) .
وهناك فرق بين أن يجبر الله أبا بكر على عدم الإخبار ، وبين تصرّف الرسول (صلى الله عليه وآله) بحكمة وتدبير مع ذلك الموقف .
( بو حلوفة العربي . الجزائر . سنّي . 34 سنة . ماجستير في اللغة الفرنسية )
السؤال: هل يعتبر أبو بكر أولى بالخلافة ؟ ونحن نعلم أنّ الرسول أمره
بالصلاة جماعة ، هل معنى ذلك أنّ الرسول أعطى الشرعية لأبي بكر ؟ بأن يكون الخليفة والإمام الأوّل على المسلمين .
____________
1- آل عمران : 179 .
|
الصفحة 129 |
|
الجواب : إنّ رواية صلاة أبي بكر مخدوشة سنداً ودلالةً ، فإنّ رواتها بأجمعهم مجروحون كما نصّ عليه أرباب الجرح والتعديل في الرجال أو أنّ بعض الطرق مرسلة ، فلا حجّية لها مطلقاً .
وأمّا الدلالة فمردودة بوجوه شتّى ، منها : إنّ أبا بكر كان مأموراً كغيره من الصحابة بالخروج مع جيش أُسامة ، والمتخلّف عن أمر الرسول (صلى الله عليه وآله) يعتبر فاسقاً ، وعليه فهل يعقل أن يأمر النبيّ (صلى الله عليه وآله) بإمامة الفاسق ؟!
هذا ومع فرض قبول الحديث ، فإنّ خروجه للصلاة لم يكن بأمر النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، والدليل عليه أنّه (صلى الله عليه وآله) لما سمع بخروج أبي بكر للصلاة ، خرج متّكئاً على علي (عليه السلام) والعباس مع ما كان عليه من شدّة المرض ونحّى أبا بكر .
( أحمد جعفر . البحرين . 19 سنة . طالب جامعة )
الروايتان لا تثبتان له فضيلة :
السؤال: ما هو قولكم في هاتين الروايتين ، الأُولى : عن بعث الإمام علي (عليه السلام) لإبلاغ سورة براءة ، وردّ أبي بكر .
فقال أبو بكر : بأبي أنت وأُمّي يا رسول الله ، أنت أمرت علياً أن أخذ هذه الآيات من يدي ؟
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : " لا ، ولكن العليّ العظيم ، أمرني أن لا ينوب عنّي إلاّ من هو منّي ، وأمّا أنت فقد عوّضك الله بما حمّلك من آياته ، وكلّفك من طاعاته ، الدرجات الرفيعة ، والمراتب الشريفة ، أمّا أنّك إن دمت على موالاتنا ، ووافيتنا في عرصات القيامة وفيّاً بما أخذنا به عليك من العهود والمواثيق ، فأنت من خيار شيعتنا ، وكرام أهل مودّتنا " فسري بذلك عن أبي بكر .
والرواية الثانية : قول النبيّ (صلى الله عليه وآله) لأبي بكر : " أما ترضى يا أبا بكر أنّك صاحبي في الغار " ؟ فما هو القول المبين في هذا الكلام من النبيّ (صلى الله عليه وآله) لأبي بكر؟ هل هي موضوعة أم من الزيادات ؟ ولكم جزيل الشكر .
|
الصفحة 130 |
|
الجواب : إنّ مبنى التحقيق عند علماء الشيعة خلافاً لغيرهم يفرض عليهم أن يعرضوا كافّة أسانيد الروايات للنقد العلمي ، فما ثبتت صحّته فهو مقبول ، وما لم تثبت فهم في حلٍّ منه ، ولا يلزم من هذه القاعدة الحكم بالوضع لتمام أجزاء الرواية ، إذ قد يكون الدسّ والتحريف مسّ جزءً منها ، فكلّ ما في الأمر أنّ الحديث الذي لم يثبت سنده بالطريق الصحيح لا يمكن الاعتماد عليه في الاستدلال .
وفي مورد السؤال نقول : بأنّ الرواية الأُولى منقولة في التفسير المنسوب للإمام الحسن العسكري (عليه السلام) (1) ، ولا يخفى ما في سندها من ضعف .
وأمّا الرواية الثانية : فهي منقولة في تفسير فرات الكوفي (2) ، ولكن لم يرد لها سند صحيح ومعتبر ، فالحكم عليها كالحكم على الرواية الأُولى .
ومع غضّ النظر عن السند فلا تدلّ الرواية الأُولى على فضيلة خاصّة ، لورود شرط فيها كما ذكرتموه " إن دمت … " ،¬ وينتفي المشروط بانتفاء شرطه كما هو واضح ، وهذا نظير ما صدر عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) في مجال تقريضه لشعر حسّان بن ثابت في غديريّته قائلاً : " لا تزال يا حسّان مؤيّداً بروح القدس ما نصرتنا بلسانك " ، علماً منه (صلى الله عليه وآله) بانحراف حسّان عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في أُخريات أيّامه ، فهذا من إعلام النبوّة ، إذ هو تنبيه لأبي بكر حتّى لا يزل ، ولا ينسى العهود والمواثيق التي أخذها (صلى الله عليه وآله) عليه ، وتناساها فيما بعد .
وأمّا الرواية الثانية : فليس فيها أيّة فضيلة ، فإنّ مجرد الصحبة لا تدلّ على ميزة ، خصوصاً بعدما نعلم بأنّ هذه الصحبة لم تكن مدروسة ومقصودة من قبل ، بل بعدما أطّلع أبو بكر على النبيّ (صلى الله عليه وآله) أخذه معه ، حتّى لا يطّلع عليه أحد .
____________
1- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري : 599 .
2- تفسير فرات الكوفي : 161 .
|
الصفحة 131 |
|
( علي طاهر العبد اللطيف . السعودية . 38 سنة . خرّيج متوسطة )