عربي
Friday 17th of May 2024
0
نفر 0

السؤال: هل هناك دليل واضح على تنحية الرسول (صلى الله عليه وآله) لأبي بكر عن صلاة الجماعة المزعومة من كتب أهل السنّة ؟ وفي حال وجد ما هو الحديث ؟ وشكراً

السؤال: هل هناك دليل واضح على تنحية الرسول (صلى الله عليه وآله) لأبي بكر عن صلاة الجماعة المزعومة من كتب أهل السنّة ؟ وفي حال وجد ما هو الحديث ؟ وشكراً .

____________

1- شرح نهج البلاغة 1 / 221 .


الصفحة 167


الجواب : يمكن أن يقال في ردِّ من يحاول الاستدلال بصلاة أبي بكر بالناس إن ثبت في حياة النبيّ (صلى الله عليه وآله) وفي مسجده للخلافة :

أوّلاً ليست إمامة الجماعة لدى أبناء العامّة منصباً خطيراً ومهمّاً ، أو قيادة شعبية أو دينية في عرف الإسلام ، ولذلك روي في كتبهم القول : صلّوا خلف كلّ برّ وفاجر ، ولو صحّ أنّ أبا بكر أمّ الناس ، فلم يكن ذلك كاشفاً حسب الموازين التي يعترفون بها لإمامة الجماعة أنّ الرجل ذو أهلية ، ويحمل مزية يصلح بها للزعامّة الدينية والسياسية ، بل جملة منهم لا يشترطون البلوغ في إمام الجماعة .

ثانياً إنّ سحب رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأمر من الله آيات من سورة البراءة ، التي كان أبو بكر مكلّفاً منه(صلى الله عليه وآله) بقراءتها على الناس في موسم الحجّ الأكبر شاهد على أنّ الرجل لا يصلح لأية قيادة وأية زعامة ، وكذلك فشله في فتح قلعة خيبر .

ثالثاً إنّ الروايات التي رويت من طرق أبناء العامّة في هذا الشأن مختلفة ، بحيث لا يمكن القول بأنّها تحكي عن معنى واحد ، فإليك بعض منها :

" روى الحارث بن هشام عن أبيه عن عبد الله بن زمعة بن الأسود بن مطلب بن أسد قال : لمّا استعز برسول الله (صلى الله عليه وآله) وأنا عنده في نفر من المسلمين ، قال : دعا بلال للصلاة فقال : " مروا من يصلّي بالناس " ، قال : فخرجت فإذا عمر في الناس ، وكان أبو بكر غائباً ، فقلت : قم يا عمر فصلّي بالناس ! قال : فقام، فلمّا كبّر عمر سمع رسول الله (صلى الله عليه وآله) صوته ، وكان عمر رجلاً مجهراً ، فقال رسول الله : " فأين أبو بكر ؟ يأبى الله ذلك والمسلمون ، يأبى الله ذلك والمسلمون " ، قال : فبعث إلى أبي بكر فجاء بعد أن صلّى عمر تلك الصلاة ، فصلّى بالناس ... " (1) .

هكذا روى ابن زمعة من طريق آخر : " فلمّا سمع النبيّ (صلى الله عليه وآله) صوت عمر ،

____________

1- مسند أحمد 4 / 322 .


الصفحة 168


خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتّى اطلع رأسه من وراء حجرته ، ثمّ قال : " لا لا ليصل بالناس ابن أبي قحافة " ، يقول ذلك مغضباً " (1) .

ورويت قصّة الصلاة بنحو آخر عن عائشة : " قال الأسود : كنّا عند عائشة فذكرنا المواظبة على الصلاة والتعظيم لها .

قالت : لمّا مرض النبيّ(صلى الله عليه وآله) مرضه الذي مات فيه ، فحضرت الصلاة ، فقال : " مروا أبا بكر فليصلِ بالناس " ، فقيل له : أنّا أبا بكر رجل أسيف ، إذا قام مقامك لم يستطع أن يصلّي بالناس ، وأعاد فأعادوا له ، فأعاد الثالثة ، فقال : " إنّكن صواحب يوسف ، مروا أبا بكر فليصلِ بالناس " ، فخرج أبو بكر فصلّى ، فوجد النبيّ (صلى الله عليه وآله) في نفسه خفّة ، فخرج يهادى بين رجُلين ، كأنّي أنظر إلى رجليه يخطّان الأرض من الوجع ، فأراد أبو بكر أن يتأخّر ، فأومئ إليه النبيّ (صلى الله عليه وآله) أن مكانك ، ثمّ أُوتي به حتّى جلس إلى جنبه .

فقيل للأعمش : وكان النبيّ (صلى الله عليه وآله) يصلّي وأبو بكر يصلّي بصلاته ، والناس يصلّون بصلاة أبي بكر ؟ فقال برأسه : نعم " (2) .

وقال ابن كثير : " وقد رواه البخاري في غير موضع من كتابه ، ومسلم والنسائي وابن ماجة ، من طرق متعدّدة عن الأعمش به .

منها : ما رواه البخاري عن قتيبة ، ومسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة ، ويحيى بن يحيى ، عن أبي معاوية به " (3) .

فينبغي أن تلتفت : إنّ هذا الخبر مع هذه التأكيدات في السند إنّما يثبت إمامة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، واقتداء أبو بكر به (صلى الله عليه وآله) .

ودعوى أنّ أبا بكر كان إمام الناس لا يعقل ، إذ يعني ذلك أنّ هناك إمامين في صلاة واحدة شخصية .

____________

1- كتاب السنّة : 540 .

2- صحيح البخاري 1 / 162 .

3- السيرة النبوية لابن كثير 4 / 461 .


الصفحة 169


وقال ابن كثير : " وقال البخاري : ... عن عائشة أنّها قالت : إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال في مرضه : " مروا أبا بكر فليصلِ بالناس " ، قال ابن شهاب : فأخبرني عبيد الله بن عبد الله عن عائشة أنّها قالت : لقد عاودت رسول الله (صلى الله عليه وآله) في ذلك ، وما حملني على معاودته إلاّ أنّي خشيت أن يتشاءم الناس بأبي بكر ، وإلاّ أنّي علمت أنّه لن يقوم مقامه أحد إلاّ تشاءم الناس به ، فأحببت أن يعدل ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن أبي بكر إلى غيره " (1) .

ملاحظة : أترى أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يريد أن يتشاءم به الناس ، وعائشة لا تريد ذلك ؟!

ورويت قصّة الصلاة بطريق آخر مختلف عمّا تقدّم ، مع فيما تقدّم من التباين والاختلاف .

عن عبيد الله بن عبد الله قال : دخلت على عائشة فقلت : ألا تحدّثيني عن مرض رسول الله(صلى الله عليه وآله)؟ فقالت: بلى، ثقل برسول الله(صلى الله عليه وآله) وجعه فقال : " أصلى الناس " ؟

قلنا : لا ، هم ينتظرونك يا رسول الله ، فقال : " صبّوا إليّ ماءً في المخضب " ، ففعلنا ، قالت : فاغتسل ، ثمّ ذهب لينوء فأُغمي عليه ، ثمّ أفاق ، فقال : " أصلى الناس " ؟

قلنا : لا ، هم ينتظرونك يا رسول الله ، قال : " ضعوا لي ماءً في المخضب " ، ففعلنا فأغتسل، ثمّ ذهب لينوء فأُغمي عليه، ثمّ أفاق، فقال : " أصلى الناس "؟

قلنا : لا ، هم ينتظرونك يا رسول الله ، قال : " ضعوا لي ماءً في المخضب " ، ففعلنا ، قالت : فاغتسل ، ثمّ ذهب لينوء فأُغمي عليه ، ثمّ أفاق ، فقال : " أصلى الناس " ؟

____________

1- نفس المصدر السابق .


الصفحة 170


قلنا : لا ، هم ينتظرونك يا رسول الله ، قالت : والناس عكوف في المسجد ينتظرون رسول الله لصلاة العشاء ، فأرسل رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى أبي بكر بأن يصلّي بالناس ، وكان أبو بكر رجلاً رقيقاً ، فقال : يا عمر صلّ بالناس ، فقال : أنت أحقّ بالناس ، فصلّى بهم تلك الأيّام .

ثمّ إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) وجد خفّة ، فخرج بين رجلين ، أحدهما العباس لصلاة الظهر ، فلمّا رآه أبو بكر ذهب ليتأخّر ، فأومئ إليه أن لا يتأخّر ، وأمرهما فأجلساه إلى جنبه ، وجعل أبو بكر يصلّي قائماً ورسول الله يصلّي قاعداً ... ، إلى أن قال ابن كثير : وفي رواية : فجعل أبو بكر يصلّي بصلاة رسول الله وهو قائم ، والناس يصلّون بصلاة أبي بكر ، ورسول الله قاعد ... (1) .

ورواية أُخرى ذكرها ابن كثير عن الأرقم بن شرحبيل عن ابن عباس قال : " لمّا مرض النبيّ (صلى الله عليه وآله) أمر أبا بكر أن يصلّي بالناس ، ثمّ وجد خفّة فخرج ، فلمّا أحسّ به أبو بكر أراد أن ينكص ، فأومأ إليه النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، فجلس إلى جنب أبي بكر عن يساره ، واستفتح من الآية التي انتهى إليها أبو بكر .

ثمّ رواه أيضاً عن وكيع عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن أرقم عن ابن عباس بأطول من هذا ، وقال وكيع مرّة : فكان أبو بكر يأتم بالنبيّ ، والناس يأتمون بأبي بكر " (2) .

ورواية أُخرى تعطي عكس ذلك .

وعن مسروق عن عائشة قالت : صلّى رسول الله (صلى الله عليه وآله) خلف أبي بكر قاعداً في مرضه الذي مات فيه (3) .

وفي رواية أُخرى : " آخر صلاة صلاّها رسول الله (صلى الله عليه وآله) مع القوم في ثوب واحد ملتحفاً به ، خلف أبي بكر " (4) .

____________

1- المصدر السابق 4 / 254 .

2- نفس المصدر السابق .

3- مسند أحمد 6 / 159 .

4- البداية والنهاية 5 / 255 .


الصفحة 171


وهكذا روايات متعدّدة ، لن تجد روايتين منها تتّفق في المعنى ، فضلاً عن اللفظ ، وذلك دليل على اختلاق القصّة ، والذي روي عن طريق الخاصّة :

عن الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) يرويه عيسى الضرير : قال : فسألته وقلت : جعلت فداك ، قد أكثر الناس قولهم في أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) أمر أبا بكر بالصلاة ، ثمّ أمر عمر ، فأطرق عنّي طويلاً ، ثمّ قال : " ليس كما ذكر الناس ، ولكنّك يا عيسى كثير البحث عن الأُمور ، لا ترضى إلاّ بكشفها " .

فقلت : بأبي أنت وأُمّي ، من أسأل عمّا انتفع به في ديني ، وتهتدي به نفسي مخافة أن أضلّ غيرك ، وهل أجد أحداً يكشف لي المشكلات مثلك ؟

فقال : " إنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) لمّا ثقل في مرضه ، دعا علياً (عليه السلام) ، فوضع رأسه في حجره وأُغمي عليه ، وحضرت الصلاة فأذّن بها ، فخرجت عائشة فقالت : يا عمر أخرج فصلّ بالناس ، فقال لها : أبوك أولى بها منّي ، فقالت : صدقت ، ولكنّه رجل لين ، وأكره أن يواثبه القوم ، فصلّ أنت ، فقال لها : بل يصلّي هو وأنا أكفيه إن وثب واثب ، أو تحرّك متحرّك ، مع أنّ رسول الله مغمى عليه لا أراه يفيق منها ، والرجل مشغول به ، لا يقدر أن يفارقه يعني علياً (عليه السلام) فبادروا بالصلاة قبل أن يفيق ، فإنّه إن أفاق خفت أن يأمر علياً بالصلاة ، وقد سمعت مناجاته منذ الليلة ، وفي آخر كلامه يقول لعلي (عليه السلام) : الصلاة ، الصلاة " .

قال : " فخرج أبو بكر يصلّي بالناس ، فظنّوا أنّه بأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، فلم يكبّر حتّى أفاق (صلى الله عليه وآله)، وقال : ادعوا لي عمّي يعني العباس فدعي له فحمله وعلي (عليه السلام) حتّى أخرجاه وصلّى بالناس وإنّه لقاعد ، ثمّ حمل فوضع على المنبر بعد ذلك ، فاجتمع لذلك جميع أهل المدينة من المهاجرين والأنصار حتّى برزت العواتق من خدورها ، فبين باك وصائح ، ومسترجع وواجم ، والنبيّ (صلى الله عليه وآله) يخطب ساعة ، ويسكت ساعة ، فكان فيما ذكر من خطبته أن قال : يا معشر المهاجرين والأنصار ، ومن حضر في يومي هذا ، وفي ساعتي هذه من الإنس والجنّ ليبلغ شاهدكم غائبكم ، ألا أنّي قد خلّفت فيكم كتاب الله فيه النور والهدى والبيان لما فرض الله تبارك وتعالى من شيء ، حجّة الله


الصفحة 172


عليكم وحجّتي وحجّة ولي ، وخلّفت فيكم العلم الأكبر ، علم الدين ، ونور الهدى وضياءه ، وهو علي بن أبي طالب ، ألا هو حبل الله فاعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرّقوا ، واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألّف بين قلوبكم ، فأصبحتم بنعمته إخواناً ، وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها ، كذلك يبيّن الله لكم آياته لعلّكم تهتدون .

أيّها الناس هذا علي من أحبّه وتولاّه اليوم وبعد اليوم فقد أوفى بما عاهد عليه الله ، ومن عاداه وأبغضه اليوم وبعد اليوم جاء يوم القيامة أصم وأعمى ولا حجّة له عند الله ... " (1) .

فقد اتضح لك أيّها الأخ الكريم تضارب روايات القوم في هذه القصّة ، وأنّه دليل على أنّها مختلقة ، وقد قلنا : إنّه إن ثبت لم يكن في ذلك فضل لأبي بكر ، مادام حكم القوم في إمام الجماعة ما قد عرفت .

( محمّد جعفر ... ... )

لم يصل على جنازة فاطمة :

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

السؤال : لا يوجد دليل شرعيّ على زواج المسيار ، بل ...
السؤال: لماذا نقيم العزاء على الإمام الحسين (عليه ...
السؤال : هل صحيح بأنّ الإمام الرضا (عليه السلام) ...
السؤال : ما هي تسبيحة الزهراء ؟ وكيف تكون ؟
ماهي مكانة وحشي قاتل الحمزة عليه السلام في مذهب ...
السؤال : لماذا يعتبر المسلمون بأنّ الكلب نجس حين ...
السؤال : تستدلّون على التوسّل بالنبيّ والأئمّة ...
السؤال : ما الأدلّة على عصمة أهل البيت (عليهم ...
السؤال: من هو أنس بن مالك الأنصاري ، خادم الرسول ...
شبهة المستشرقين حول الوحي

 
user comment