السؤال: ماذا يجب علينا نحن الشيعة اتجاه ابن القيّم ؟ فهل هو من المعادين لأهل البيت كابن تيمية ؟
الجواب : في القرن السابع للهجرة ظهرت مدرسة عقيدية وفقهية جديدة بين المسلمين ، وهي تنتمي إلى أهل السنّة ، أصلّ لها وطرح مفاهيمها ابن تيمية الحرّاني ، وجاء بعده أبرز تلامذته ابن القيّم الجوزية ، وقد قدّموا رؤية فكرية تختلف في آرائها ومنهجها عن المذاهب الفقهية والفكرية الأُخرى .
وقد مثّلت في حينها خروجاً على أهل السنّة ، وإن اعتبرها البعض فيما بعد حركة تجديدية ، ويمكن تلخيص آراء هذه المدرسة فيما يلي :
1-تبنّت قضايا عقائدية متّصلة بالأسماء والصفات ، وقامت بمراجعة لمدرسة الأشاعرة وغيرها من المدارس الفكرية السنّية ، وقدّمت تصوّراً عقائدياً اصطدم مع آراء كلّ تلك المدارس مفاده : إنّ جميع ما ورد في صفات الله تعالى من الآيات والأحاديث يجب أن تفهم على ظاهرها ، وما يؤدّيه اللفظ من معنىً بلا تأويل .
وأثبتت بذلك أنّ الله تعالى في السماء ، وأنّه ينزل منها إلى السماء الدنيا ، وأنّ له وجهاً ويدين ورجلين وجوارح ، واعتبرت من يخالفها معطّلة وكفّاراً .
2-سمّت نفسها ومن يسير على نهجها بأهل السنّة والجماعة ، واعتبرت منهجها امتداداً لعقيدة السلف من الصحابة والتابعين .
3-قسّمت التوحيد إلى ثلاثة أنواع :
أ توحيد الأُلوهية .
ب توحيد الربوبية .
ج توحيد الأسماء والصفات .
4-وصفت غيرها من المسلمين بأنّهم يؤمنون بالربوبية ولا يؤمنون بالأُلوهية ، كما كان حال كفّار قريش ، ثمّ قامت بالاستدلال بالآيات التي نزلت في كفّار قريش والمجتمع الجاهلي ، وتطبيقها على المجتمعات المسلمة رغم
|
الصفحة 342 |
|
مخالفتها في هذا الاستدلال للمذاهب الفقهية والفكرية والسنّية قبل غيرها .
5-توسّعت في استخدام سلاح التكفير ووصم من خالفها من المسلمين بالشرك والابتداع في الدين ، وتشدّدت في أحكامها على من سمّتهم بالمبتدعة من بقية المسلمين ، وأثارت مشاكل وفتناً داخل المجتمع الإسلامي .
6-انحازت إلى تمجيد معاوية بن أبي سفيان مؤسّس الدولة الأموية وابنه يزيد ، وكتب ابن تيمية كتاباً في فضائلها ، وفي المقابل قامت بالتقليل من مكانة الإمام علي والإمام الحسين وأهل البيت (عليهم السلام) .
وهذه الأفكار والآراء التي أطلقها ابن تيمية في المسلمين وفي أهل البيت تبنّاها تلميذه ابن القيّم الجوزية ، حيث سار على نهج أُستاذه وتبنّى عقائده وأفكاره ، وواصل السير على دربه ، ومن الكلمات القليلة التي تدلّ على تحامل ابن القيّم الجوزية على أهل البيت (عليهم السلام) والمسلمين وشيعة أهل البيت ما نورده هنا ، معرضين عن كثير من الكلمات التي لا تعدّ ولا تحصى .
1-قال في كتابه " المنار المنيف في الصحيح والضعيف " في معرض استعراضه للكلمات التي تبيّن الإمام المهدي (عليه السلام) ومن هو قال : " وفي كونه من ولد الحسن سرّ لطيف ، وهو أنّ الحسن رضي الله تعالى عنه ترك الخلافة لله ، فجعل الله من ولده من يقوم بالخلافة الحقّ المتضمّن للعدل الذي يملأ الأرض ، وهذه سنّة الله في عباده أنّه من ترك لأجله شيئاً أعطاه الله أو أعطى ذرّيته أفضل منه .
وهذا بخلاف الحسين رضي الله عنه ، فإنّه حرص عليها ! وقاتل عليها ! فلم يظفر بها ! والله أعلم " (1) .
فانظر إلى تحامله الشديد على الحسين (عليه السلام) ، فيجعل من قيامه من أجل إقامة العدل ، والحكم بما أنزل الله تعالى ، والرجوع إلى الهدي النبوي الشريف ، بعدما حرّفه الأمويون بعد تسلّم معاوية دفّة الحكم ، ومن ثمّ أدلى بها إلى ابنه يزيد ،
____________
1- المنار المنيف : 151 .
|
الصفحة 343 |
|
فساءت الأحوال ، وتردّت الأوضاع ، وفشى الظلم ، وظهر الفساد في البرّ والبحر ، ونكص المسلمون على أعقابهم ، واستدارت الأُمّة من جديد ، فاحتاجت إلى من يحيها ويقيم أودها ، ويصلح ما انحرف منها ، ويرجع النصاب إلى أهله ، فلم يكن من يقوم بذلك غير الإمام الحسين (عليه السلام) عميد البيت الهاشمي الذي ضحّى بنفسه وبأهله من أجل الإسلام والمسلمين ، لكن ابن القيّم ومن قبله أُستاذه ابن تيمية يجعل ذلك كلّه لأجل الدنيا ، ولأجل الكرسي ، ولأجل المُلك .
ولا يجعله لله تعالى !! ويحكم بعقوبة الله المنزلة ، وهي منع ذرّية الحسين من ظهور المهدي فيها ، لأنّ الحسين طلب الدنيا فحرم منها !!
ويتحامل ابن القيّم على الشيعة فيقول : " وأمّا ما وضعه الرافضة في فضائل علي فأكثر من أن يعدّ .
قال الحافظ أبو يعلى الخليلي في كتاب " الإرشاد " : وضعت الرافضة في فضائل علي رضي الله عنه وأهل البيت نحو ثلاثمائة ألف حديث .
ولا تستبعد هذا فإنّك لو تتبعت ما عندهم من ذلك لوجدت الأمر كما قال " (1) .
وقال : " ومن ذلك حديث : " أكذب الناس الصبّاغون والصواغون " ، والحسّ يردّ هذا الحديث ، فإنّ الكذب في غيرهم أضعافه فيهم كالرافضة فإنّهم أكذب خلق الله " (2) .
وقال : " وأمّا الرافضة الإمامية : فلهم قول رابع وهو : أنّ المهدي هو محمّد بن الحسن العسكري المنتظر ، ومن ولد الحسين بن علي لا من ولد الحسن ، الحاضر في الأمصار ، الغائب عن الأبصار ، الذي يورث العصا ، ويختم الفضا ، دخل سرداب سامراء طفلاً صغيراً من أكثر من خمسمائة سنة ، فلم تره بعد ذلك عين ، ولم يحسّ فيه بخبر ولا أثر ، وهم ينتظرونه كلّ يوم ،
____________
1- المصدر السابق : 166 .
2- المصدر السابق : 52 .
|
الصفحة 344 |
|
يقفون بالخيل على باب السرداب ، ويصيحون به أن يخرج إليهم : أُخرج يا مولانا ، أُخرج يا مولانا ، ثمّ يرجعون بالخيبة والحرمان ، فهذا دأبهم ودأبه .
ولقد أحسن من قال :
ما آن للسرداب أن يلد الذي |
كلّمتموه بجهلكم ما آن |
فعلى عقولكم العفا فإنّكم |
ثلّثتم العنقاء والغيلانا |
ولقد أصبح هؤلاء عاراً على بني آدم وضحكة يسخر منها كلّ عاقل " (1) .
فانظر إلى هذا الكلام وما فيه من التشنيع والتحامل على شيعة أهل البيت (عليهم السلام) .
فابن القيّم الجوزية حاله معلوم بعد معرفة انتمائه المذهبي وتوجّهه الفكري ، فهو المعلّم الثاني في المدرسة السلفية بعد ابن تيمية ، وهو المكمّل لدرب أُستاذه في منهجه المختلف عن مناهج المسلمين ، وكلّ ما عند ابن تيمية من تحامل على المسلمين وعلى أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) وعلى شيعتهم فهو موجود عنده وزيادة ، وقد نقلنا إليك شطراً من كلماته .
وقد ألّف ابن القيّم الجوزية كتباً متعدّدة في الردّ على المسلمين والتحامل عليهم منها :
1-الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطّلة : وقد بيّن فيه عقيدته السلفية ، وهجم بلسان لاذع على عموم المسلمين المخالفين لعقيدته المجسّمة .
2-اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطّلة والجهمية : وهو كسابقه من حيث التعقيد والهجوم .
وبعد هذا يتّضح الحال والموقف الذي يتّخذ تجاهه ، فنفس الموقف المأخوذ نحو ابن تيمية يؤخذ نحو ابن القيّم .
____________
1- المصدر السابق : 152 .
|
الصفحة 345 |
|
( دينا . البحرين . 15 سنة . طالبة ثانوية )