وإن أمير المؤمنين عليه السلام قرأ قل هو الله أحد فلما فرغ قال: ياهو، يامن لاهو إلا هو، اغفرلي و انصرني على القوم الكافرين، وكان علي عليه السلام يقول ذلك يوم صفين وهو يطارد، فقال له عمار بن ياسر: ياأمير المؤمنين ماهذه الكنايات؟ قال: اسم الله الاعظم وعماد التوحيد لله لا إله إلا هو ثم قرأ شهد الله أنه لا إله إلا هو وآخر الحشر ثم نزل فصلى أربع ركعات قبل الزوال. وقال أمير المؤمنين عليه السلام: الله معناه المعبود الذي يأله فيه الخلق و يؤله إليه، والله هو المستور عن درك الابصار، المحجوب عن الاوهام والخطرات.
(قل) أي أظهر ما أوحينا إليك ونبأناك به بتأليف الحروف التي قرأناها لك ليهتدي بها من ألقى السمع وهو شهيد، وهو اسم مكنى مشار إلى غائب، فالهاء تنبيه على معنى ثابت، والواو إشارة إلى الغائب عن الحواس، كما أن قولك (هذا إشارة إلى الشاهد عند الحواس وذلك أن الكفار نبهوا عن آلهتهم بحرف إشارة الشاهد المدرك فقالوا: هذه آلهتنا المحسوسة المدركة بالابصار، فأشر أنت يامحمد إلى إلهك الذي تدعو إليه حتى نراه وندركه ولا نأله فيه، فأنزل الله تبارك وتعالى قل هو الله احد، فالهاء تثبيت للثابت والواو إشارة إلى الغائب عن درك الابصار ولمس الحواس وأنه تعالى عن ذلك، بل هو مدرك الابصار ومبدع الحواس.
حدثني أبي، عن أبيه، عن أمير المؤمنين عليهم السلام، قال: رأيت الخضر عليه السلام في المنام قبل بدر بليلة، فقلت له: علمني شيئا أنصر به على الاعداء، فقال: قل: ياهو يا من لاهو إلا هو، فلما أصبحت قصصتها على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال لي: ياعلي علمت الاسم الاعظم، فكان على لساني يوم بدر.
قال الباقر عليه السلام: الله معناه المعبود الذي أله الخلق عن درك ماهيته والاحاطة بكيفيته ويقول العرب: أله الرجل إذا تحير في الشئ فلم يحط به علما، ووله إذا فزع إلى شئ مما يحذره ويخافه فالاله هو المستور عن حواس الخلق.
قال الباقر عليه السلام: الاحد الفرد المتفرد، والاحد والواحد بمعنى واحد، وهو المتفرد الذي لانظير له، والتوحيد الاقرار بالوحدة وهو الانفراد، والواحد المتبائن الذي لاينبعث من شئ ولا يتحد بشئ، ومن ثم قالوا: إن بناء العدد من الواحد وليس الواحد من العدد لان العدد لايقع على الواحد بل يقع على الاثنين فمعنى قوله: الله احد: المعبود الذي يأله الخلق عن إدراكه والاحاطة بكيفيته فرد بإلهيته، متعال عن صفات خلقه.
قال الباقر عليه السلام: حدثني أبي زين العابدين، عن أبيه الحسين بن علي عليهم السلام أنه قال: الصمد الذي لاجوف له والصمد الذي قد انتهى سؤدده، والصمد الذي لايأكل ولا يشرب، والصمد الذي لاينام، والصمد الدائم الذي لم يزل ولايزال.
قال الباقر عليه السلام: كان محمد بن الحنفية رضي الله عنه يقول: الصمد القائم بنفسه، الغني عن غيره، وقال غيره: الصمد المتعالي عن الكون والفساد، والصمد الذي لايوصف بالتغاير.
قال الباقر عليه السلام: الصمد السيد المطاع الذي ليس فوقه آمروناه.
قال: وسئل علي بن الحسين زين العابدين عليهما السلام، عن الصمد، فقال: الصمد الذي لاشريك له ولا يؤوده حفظ شئ ولايعزب عنه شئ.
قال وهب بن وهب القرشي: قال زيد بن علي زين العابدين عليه السلام: الصمد هو الذي إذا أراد شيئا قال له: كن فيكون، والصمد الذي أبدع الاشياء فخلقها أضدادا وأشكالا وأزواجا، وتفرد بالوحدة بلا ضد ولا شكل ولا مثل ولاند.
قال وهب بن وهب القرشي: وحدثني الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه الباقر عن أبيه عليهم السلام أن أهل البصرة كتبوا إلى الحسين بن علي عليهما السلام، يسألونه عن الصمد فكتب إليهم: بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد فلا تخوضوا في القرآن، ولا تجادلوا فيه، ولا تتكلموا فيه بغير علم، فقد سمعت جدي رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقول: من قال في القرآن بغير علم فليتبوء مقعده من النار، وإن الله سبحانه قد فسر الصمد فقال: (الله أحد.الله الصمد) ثم فسره فقال: (لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد).
(لم يلد) لم يخرج منه شئ كثيف كالولد وسائر الاشياء الكثيفة التي تخرج من المخلوقين، ولا شئ لطيف كالنفس، ولا يتشعب منه البدوات كالسنة والنوم و الخطرة والهم والحزن والبهجة والضحك والبكاء والخوف والرجاء والرغبة والسأمة والجوع والشبع، تعالى أن يخرج منه شئ، وأن يتولد منه شئ كثيف أو لطيف.
(ولم يولد) لم يتولد من شئ ولم يخرج من شئ كمايخرج الاشياء الكثيفة من عناصرها كالشئ من الشئ والدابة من الدابه والنبات من الارض والماء من الينابيع و الثمار من الاشجار، ولا كما يخرج الاشياء اللطيفة من مراكزها كالبصر من العين والسمع من الاذن والشم من الانف والذوق من الفم(هذه الثلاثة من قبيل خروج القوة وظهورها في محلها لا خروجها إلى خارج المحل كخروج قوة البصر إلى خارج العين على القول بالشعاع، ويمكن أن تكون كذلك ولما يدركها الانسان.) والكلام من اللسان والمعرفة والتميز من القلب(كخروج النور من النير.) وكالنار من الحجر، لابل هو الله الصمد الذي لامن شئ ولا في شئ ولا على شئ، مبدع الاشياء وخالقها ومنشئ الاشياء بقدرته، يتلاشى ما خلق للفناء بمشيته، ويبقى ما خلق للبقاء بعلمه(علق عليه السلام تلاشى الفاني بالمشيئة وبقاء الباقي بالعلم لمناسبة المشيئة المحدثة لما يفنى والعلم القديم لما يبقى لانها في مذهب أهل البيت عليهم السلام محدثة، والا فلا شئ خارج عن تعلق العلم والمشيئة.) فذلكم الله الصمد الذي لم يلد ولم يولد، عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال، ولم يكن له كفوا أحد.
قال وهب بن وهب القرشي: سمعت الصادق عليه السلام يقول: قدم وفد من أهل فلسطين على الباقر عليه السلام فسألوه عن مسائل فأجابهم، ثم سألوه عن الصمد، فقال: تفسيره فيه، الصمد خمسة أحرف: فالالف دليل على إنيته وهو قوله عزوجل: (شهد الله أنه لا إله إلا هو) وذلك تنبيه وإشارة إلى الغائب عن درك الحواس، واللام دليل على إلهيته بأنه هو الله، والالف واللام مدغمان لا يظهران على اللسان ولا يقعان في السمع ويظهران في الكتابة دليلان على أن إلهيته بلطفه خافية لا تدرك بالحواس ولا تقع في لسان واصف، ولا اذن سامع، لان تفسير الا له هو الذي إله الخلق عن درك ماهيته وكيفيته بحس أوبوهم، لابل هو مبدع الاوهام وخالق الحواس، وإنما يظهر ذلك عند الكتابة دليل على أن الله سبحانه أظهر ربوبيته في إبداع الخلق وتركيب أرواحهم اللطيفة في أجسادهم الكثيفة، فإذا نظر عبد إلى نفسه لم ير روحه كما أن لام الصمد لا تتبين ولا تدخل في حاسة من الحواس الخمسة، فإذا نظر إلى الكتابة ظهر له ما خفي ولطف، فمتى تفكر العبد في ماهية البارئ وكيفيته أله فيه وتحير ولم تحط فكرته بشئ يتصور له لانه عزوجل خالق الصور، فإذا نظر إلى خلقه ثبت له أنه عزوجل خالقهم و مركب أرواحهم في أجسادهم.
وأما الصاد فدليل على أنه عزوجل صادق وقوله صدق وكلامه صدق ودعا عباده إلى اتباع الصدق بالصدق ووعد بالصدق دار الصدق وأما الميم فدليل على ملكه وأنه الملك الحق لم يزل ولا يزال ولا يزول ملكه.
وأما الدال فدليل على دوام ملكه وأنه عزوجل دائم تعالى عن الكون والزوال بل هو عزوجل يكون الكائنات، الذي كان بتكوينه كل كائن، ثم قال عليه السلام: لو وجدت لعلمي الذي آتاني الله عزوجل حملة لنشرت التوحيد والاسلام والايمان و الدين والشرائع من الصمد، وكيف لي بذلك ولم يجد جدي أمير المؤمنين عليه السلام حملة لعلمه حتى كان يتنفس الصعداء ويقول على المنبر: (سلوني قبل أن تفقدوني فإن بين الجوانح مني علما جما، هاه هاه إلا لا أجد من يحمله، ألا وإني عليكم من الله الحجة البالغة فلا تتولوا قوماغضب الله عليهم قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور).
ثم قال الباقر عليه السلام: الحمد لله الذي من علينا ووفقنا لعبادته، الاحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، وجنبنا عبادة الاوثان، حمدا سرمدا وشكرا واصبا، وقوله عزوجل: (لم يلد ولم يولد) يقول: لم يلد عزوجل فيكون له ولد يرثه ولم يولد فيكون له والد يشركه في ربوبيته وملكه (ولم يكن له كفوا أحد) فيعاونه في سلطانه.
حدثنا أبي رحمه الله، قال: حدثني سعد بن عبدالله، قال: حدثنا محمد ابن عيسى بن عبيد، عن يونس بن عبدالرحمن، عن الربيع بن مسلم، قال: سمعت أبا الحسن عليه السلام وسئل عن الصمد فقال: الصمد الذي لاجوف له.
حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار، عن محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الاشعري، عن علي بن إسماعيل، عن صفوان بن يحيى، عن أبي أيوب، عن محمد بن مسلم، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: إن اليهود سألوا رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فقالوا: انسب لنا ربك، فلبث ثلاثا لايجيبهم، ثم نزلت هذه السورة إلى آخرها، فقلت له: ما الصمد؟ فقال: الذي ليس بمجوف.
أبي رحمه الله قال: حدثنا سعد بن عبدالله، قال: حدثنا محمد بن عيسى عن يونس بن عبدالرحمن، عن الحسن بن أبي السري، عن جابر بن يزيد، قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن شئ من التوحيد، فقال: أن الله - تباركت أسماؤه التي يدعى بها وتعالى في علو كنهه - واحد، توحد بالتوحيد في علو توحيده، ثم أجراه على خلقه فهو واحد، صمد، قدوس، يعبده كل شئ ويصمد إليه كل شئ، ووسع كل شئ علما.
حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن يعقوب، عن علي بن محمد، عن سهل بن زياد، عن محمد بن الوليد ولقبه شباب الصيرفي، عن داود بن القاسم الجعفري، قال: قلت لابي جعفر عليه السلام: جعلت فداك ما الصمد؟ قال: السيد المصمود إليه في القليل والكثير.
حدثنا أبونصر أحمد بن الحسين المرواني، قال: حدثنا أبوأحمد محمد ابن سليمان بفارس، قال: حدثنا محمد بن يحيى، قال: حدثنا محمد بن عبدالله الرواسي قال: حدثنا جعفر بن سليمان، عن يزيد الرشك عن مطرف بن عبدالله، عن عمران بن حصين، أن النبي صلى الله عليه واله وسلم بعث سرية واستعمل عليها عليا عليه السلام، فلما رجعوا سألهم فقالوا: كل خير غير أنه قرأ بنا في كل صلاة بقل هو الله أحد، فقال: ياعلي لم فعلت هذا؟ فقال: لحبي لقل هو الله أحد، فقال النبي صلى الله عليه واله وسلم ما أحببتها حتى أحبك الله عزوجل.
حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار، قال: حدثنا محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الاشعري، عن أحمد بن هلال، عيسى بن عبدالله، عن أبيه، عن جده، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله من قرأ قل هو الله أحد مائة مرة حين يأخذ مضجعه غفر الله له عزوجل ذنوب خمسين سنة.
حدثنا أبي رحمه الله قال: حدثنا سعد بن عبدالله، عن إبراهيم بن هاشم عن الحسين بن يزيد النوفلي، عن إسماعيل بن أبي زياد السكوني، عن جعفر بن محمد، عن أبيه عليهما السلام أن النبي صلى الله عليه وآله صلى على سعد بن معاذ، فقال: لقد وافى من الملائكة للصلاة عليه سبعون ألف ملك وفيهم جبرئيل يصلون عليه، فقلت: يا جبرئيل بم استحق صلاتكم عليه؟ قال: بقراءة قل هو الله أحد قائما وقاعدا وراكبا وماشيا وذاهبا وجائيا.
حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد الوليد رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن سيف بن عميرة، عن محمد بن عبيد، قال: دخلت علي الرضا عليه السلام، فقال لي: قل للعباسي: يكف عن الكلام في التوحيد وغيره، ويكلم الناس بما يعرفون، ويكف عما ينكرون، وإذا سألوك عن التوحيد فقل كما قال الله عزوجل: (قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد) وإذا سألوك عن الكيفية فقل كما قال الله عزوجل (ليس كمثله شئ) وإذا سألوك عن السمع فقل كما قال الله عزوجل: (هو السميع العليم) فكلم الناس بما يعرفون.
حدثنا الحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المكتب رضي الله عنه، قال: حدثنا محمد بن أبي عبدالله الكوفي، قال: حدثنا موسى بن عمران النخعي، عن عمه الحسين بن يزيد النوفلي، عن علي بن سالم، عن أبي بصير، عن أبي - عبدالله عليه السلام، قال: من قرأ قل هو الله أحد مرة واحدة فكأنما قرأ ثلث القرآن و ثلث التوراة وثلث الانجيل وثلث الزبور.
المصدر :
بتصرف من کتاب التوحيد للشيخ الصدوق المتوفي سنة 381
source : rasekhoon