?الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ?(1).
بداية أود الحديث عن بعض المعطيات والمقدمات التي تمهد لفهم الآية الشريفة والتي اتخذ منها البعض مدخلاً للطعن على الإسلام حيث أعتبرها أجلى دليل على انتقاص الإسلام لواقع المرأة والحط من قيمتها الإنسانية واعتبار إنسانيتها في مرتبة متأخرة عن إنسانية الرجل.
وسيتضح من مطاوي حديثنا أن في ذلك تجنياً على الإسلام وابتزازاً للموضوعية التي ينبغي أن يكون عليها كل باحث.
المقدمة الأولى
أنَّ من غير الإنصاف عزل هذه الآية الشريفة عن مجموع الآيات والروايات التي تصدت لتحديد موقع المرأة في المنظور الإسلامي، إذ أنَّ من أقبح صور التضليل اجتزاء الأفكار والرؤى ومحاكمتها بشكل تقطيعي حتى تبدو وكأنها نشأت على خلفية عقد نفسية متراكمة فرضتها طبيعة الحياة القاسية وغذتها المورثات التربوية الجانحة إلى الظلم والهمجية، وعندها تُفرَّغ الأفكار من معطياتها وخلفياتها الواقعية وتظهر بمظهر بشع قبيح تمجها السلائق القويمة والمعتدلة.
هكذا تبدو الرؤى والمتبنيات عندما تقتطع من منظومة متجاذبة ينتج بعضها بعضاً وتنمو بعضها في أفياء الأخرى وتتغذى الأخرى من معطيات الأولى وتظهر وكأنها لوحة فنية متناغمة الخطوط والألوان.
وعلى أساس ملاحظة الموضوع في إطار منظومته سيكون مسار بحثنا عن الرؤية الإسلامية لموقع المرأة، وهذا يقتضي الإشارة إلى أمور:
المرأة تتساوى مع الرجل في الإنسانية
الأمر الأول: هو أنَّ إنسانية المرأة في المنظور الإسلامي تتساوى مع إنسانية الرجل وذلك يتضح من ملاحظة الآيات الكثيرة والتي عبرت عن الذكر والأنثى بالإنسان.
منها: قوله تعالى: ?أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى / أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى / ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى / فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى?(2).
ومنها قوله تعالى: ?هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا / إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا?(3).
وواضح أن المراد من الإنسان في الآية الشريفة هو كلّ من الذكر والأنثى وذلك بقرينة الآية الثانية التي بينت كيفية الخلق والتي من المعلوم أنها كيفية واحدة.
ومنها: قوله تعالى: ?َلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ / خُلِقَ مِن مَّاء دَافِقٍ / يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ?(4). حيث أطلقت الآية الشريفة عنوان الإنسان على كل من الذكر والأنثى بقرينة الإشارة إلى كيفية الخلق.
ومنها قوله تعالى: ?يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى?(5)، وغير ذلك من الآيات الكثيرة، التي أطلقت عنوان الإنسان على كلٍ من الذكر والأنثى، وبذلك يتضح أن جميع الملكات التي أخبر الله عز وجل عن إيداعها في جبلة الإنسان لا تختص بالرجل دون المرأة، ويتضح أيضاً أنَّ المرأة معنية بكل الخطابات التي خاطب الله بها عباده في القرآن وعلى لسان رسول الله (ص) ما لم تقم قرينه خاصة تعبِّر عن اختصاص هذا الخطاب أو ذاك بالمرأة دون الرجل أو العكس.
تكافؤ المرأة والرجل في ملكة الهداية
الأمر الثاني: ونشير فيه إلى الآيات المعبرة عن أن ملكة الهداية المودعة في جلبة الإنسان ليست مختصة بالرجل دون المرأة بل هي منحة إلهية لمطلق الإنسان.
الآية الأولى: قوله تعالى: " ?إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا? (6) والضمير في هديناه يرجع إلى الإنسان الوارد في الآية السابقة وهي قوله تعالى: "إنا خلقنا الإنسان" والذي هو مطلق الذكر والأنثى بقرينة تذييل الآية ببيان كيفية خلقه والذي هو أمر مشترك بين الذكر والأثنى.
الآية الثانية: قوله تعالى: ?وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا / فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا?(7).
والتعبير بالنفس لا يختص بالذكر دون الأنثى، وذلك بقرينة إطلاق لفظ النفس على كل من الذكر والأنثى في آيات أخرى مثل قوله تعالى: ?الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء?(8)، وقوله تعالى: ?كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ? (9) وواضح أن ذلك لا يختص بالرجل، وقوله تعالى: ?بَلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ? (10)، وقد أتضح مما سبق أنَّ لفظ الإنسان لا يختص بالرجل.
وأصرح مما تقدم قوله تعالى: ?وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ?(11) وقوله تعالى: ?قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي?(12).
أهلية المرأة للتعلُّم
الأمر الثالث: ونشير فيه إلى الآيات التي عبرت عن أنَّ أهلية التعليم الممنوحة من قبل الله عز وجل ليست مختصة بالذكور بل هي لمطلق الإنسان من ذكر وأنثى.
الآية الأولى: ?الرَّحْمَنُ /عَلَّمَ الْقُرْآنَ / خَلَقَ الْإِنسَانَ / عَلَّمَهُ الْبَيَانَ?(13)، وعنوان الإنسان يطلق ويراد منه الذكر والأنثى كما برهنا على ذلك في الأمر الأول.
الآية الثانية: ?اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ / الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ / عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ?(14).
من كتاب مقالات حول حقوق المرأة
لسماحة الشيخ محمد صنقور
---------------------------------------------------------------------
الهوامش:
1- سورة النساء/آية رقم 34.
2- سورة القيامة/آية رقم 39-36.
3- سورة الإنسان/آية رقم 1-2.
4- سورة الطارق/آية رقم 5-7.
5- سورة الحجرات/آية رقم 13.
6- سورة الإنسان/آية رقم 3.
7- سورة الشمس/آية رقم 7-8.
8- سورة النساء/آية رقم 1.
9- سورة الأنبياء/آية رقم 35.
10- سورة القيامة/آية رقم 14.
11- سورة التكوير/آية رقم 7.
12- سورة النمل/آية رقم 44.
13- سورة الرحمن/آية رقم 1-4.
14- سورة العلق/آية رقم 3-5.