تعرض الرسول الاکرم صلی الله علیه وآله وسلم فی حیاته وبعدها الی اساءآت متنوعة وباشکال وصیغ مختلفة من الحاسدین والذین یریدون ان یطفؤا نور الله بافواههم التی تنتظرها نار جهنم ...
یقول الله تعالى فی محکم کتابه:
﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِکِینَ* إِنَّا کَفَیْنَاکَ الْمُسْتَهْزِئِینَ * الَّذِینَ یَجْعَلُونَ مَعَ اللّهِ إِلهًا آخَرَ فَسَوْفَ یَعْمَلُونَ * وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّکَ یَضِیقُ صَدْرُکَ بِمَا یَقُولُونَ* فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّکَ وَکُن مِّنَ السَّاجِدِینَ * وَاعْبُدْ رَبَّکَ حَتَّى یَأْتِیَکَ الْیَقِینُ ﴾(1)
الصراع بین الحقّ والباطل أزلیّ, وسیستمرّ حتّى یأذن الله تعالى بإظهار أمره: ﴿هُوَ الَّذِی أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِینِ الْحَقِّ لِیُظْهِرَهُ عَلَى الدِّینِ کُلِّهِ وَلَوْ کَرِهَ الْمُشْرِکُونَ﴾(2), ﴿وَیُرِیدُ اللّهُ أَن یُحِقَّ الحَقَّ بِکَلِمَاتِهِ وَیَقْطَعَ دَابِرَ الْکَافِرِینَ)(3)، فلا بدّ من مجیء الحقّ وزهوق الباطل: ﴿وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ کَانَ زَهُوقًا﴾(4), ﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَیَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَکُمُ الْوَیْلُ مِمَّا تَصِفُونَ﴾(5).
وهذا الصراع المریر اتخذ أشکالاً عدّة على مرّ العصور, واستخدمت شتّى الطرق والوسائل فی مواجهة الحقّ؛ فقد أُسیء إلى الأنبیاء والرسل والأئمّة علیهم السلام, وأستُهزئ بهم وکُذبوا, بل قُتّلوا وشُرّدوا, قال تعالى: ﴿وَمَا یَأْتِیهِم مِّن نَّبِیٍّ إِلَّا کَانُوا بِهِ یَسْتَهْزِؤُون﴾(6) وقال تعالى: ﴿أَفَکُلَّمَا جَاءکُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُکُمُ اسْتَکْبَرْتُمْ فَفَرِیقاً کَذَّبْتُمْ وَفَرِیقاً تَقْتُلُونَ﴾(7) وقال تعالى: ﴿یَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا یَأْتِیهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ کَانُوا بِهِ یَسْتَهْزِؤُون﴾(8).
وأخبر الله تعالى فی کتابه کیف أُسیئ إلى أنبیائه ورسله, ولکنّ الله تعالى ینصر رسله على الکافرین, قال تعالى: ﴿إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِینَ آمَنُوا فِی الْحَیَاةِ الدُّنْیَا وَیَوْمَ یَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾(9) وقال تعالى: ﴿وَنَصَرْنَاهُمْ فَکَانُوا هُمُ الْغَالِبِینَ﴾(10).
ونبیّنا محمّد صلى الله علیه وآله وسلم نال النصیب الأکبر من الإساءة والاستهزاء, سواء من المشرکین والکافرین, أم من أهل الکتاب, أم من المنافقین والمرتدین, بل حتّى من بعض من یدّعی اتباعه صلى الله علیه وآله وسلم والإیمان به, وسواء فی حیاته أم بعد مماته, حتّى قال صلى الله علیه وآله وسلم: "ما أوذی نبیّ مثل ما أوذیت"(11).
قال تعالى: ﴿وَإِذَا رَآکَ الَّذِینَ کَفَرُوا إِن یَتَّخِذُونَکَ إِلَّا هُزُوًا﴾(12)، وقال عزّ وجلّ: ﴿وَإِذَا رَأَوْکَ إِن یَتَّخِذُونَکَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِی بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا﴾(13).
فما زالت الإساءات تصدر بحقّ النبیّ صلى الله علیه وآله وسلم من کلّ حدب وصوب, ولن تنتهی طالما هناک من یُعادی ویحقد على الإسلام ورسوله الأمین صلى الله علیه وآله وسلم وکتابه الکریم، وهذه العداوة قدیمة منذ بعثته صلى الله علیه وآله وسلم ، وقد بیّن الله تعالى فی موارد عدیدة من کتابه أنواع وأشکال الإساءة والأذیّة له صلى الله علیه وآله وسلم, مع بیان عاقبة من استهزأ به صلى الله علیه وآله وسلم ، فإنّ الله تعالى وعد رسله عموماً ونبیّه الأکرم صلى الله علیه وآله وسلم خصوصاً بالانتقام والکفایة ممّن استهزأ به، وهذا غیر محصور بحیاته صلى الله علیه وآله وسلم, بل ماض إلى یوم القیامة، مصداقاً لقوله تعالى: ﴿إِنَّا کَفَیْنَاکَ الْمُسْتَهْزِئِینَ﴾(14), ولقوله تعالى:وَاللّهُ یَعْصِمُکَ مِنَ النَّاسِ﴾(15).
ولا یخفى أنّ الله تعالى لا ینصر نبیّه صلى الله علیه وآله وسلم بالغیب فقط, بل بتوسّط التکلیف بوجوب النصرة, فلا یصحّ التعذّر بالغیب والسلطنة الإلهیّة, لعدم النصرة على قاعدة أنّ للبیت ربّ یحمیه, کما یمکن أن یصدر عن بعض ضعاف النفوس والمتخاذلین عن نصرة دین الله تعالى ونبیّه صلى الله علیه وآله وسلم وکتابه, قال تعالى: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَیِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْکِتَابَ وَالْمِیزَانَ لِیَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِیدَ فِیهِ بَأْسٌ شَدِیدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِیَعْلَمَ اللَّهُ مَن یَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَیْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِیٌّ عَزِیزٌ﴾(16). وقال عزّ وجلّ: ﴿لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُکْرَةً وَأَصِیلًا﴾(17)، وقال تعالى: ﴿إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ﴾(18).
الوسائل الّتی حورب بها النبیّ صلى الله علیه وآله وسلم :
نشیر إلى بعض الإساءات الّتی صدرت من المشرکین والمنافقین فی حیاته صلى الله علیه وآله وسلم, وکیف أنّ الله تعالى دافع عن نبیّه صلى الله علیه وآله وسلم ، ویمکن تقسیم هذه الإساءات إلى إساءات معنویّة وإلى إساءات مادیّة.
الإساءات المعنویة
1- الاتهام بالسحر والشعوذة
فمن تلک الإساءات اتهامه بالسحر، قال الله تعالى فی مقام الاحتجاج: ﴿أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنتُمْ لَا تُبْصِرُونَ﴾(19).
فإنّ المشرکین أمام قوّة المعجزة رموا النبیّ صلى الله علیه وآله وسلم بالسحر، کما فی قصّة نزول سورة القمر، قال تعالى: ﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ * وَإِن یَرَوْا آیَةً یُعْرِضُوا وَیَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ﴾(20).
فعن الإمام أبی عبد الله علیه السلام: "اجتمعوا أربعة عشر رجلاً أصحاب العقبة لیلة أربعة عشر من ذی الحجّة، فقالوا للنبیّ صلى الله علیه وآله وسلم: ما من نبیّ إلّا وله آیة فما آیتک فی لیلتک هذه؟ فقال النبیّ صلى الله علیه وآله وسلم ما الّذی تریدون؟ فقالوا إن یکن لک عند ربّک قدر فآمر القمر أن ینقطع قطعتین، فهبط جبرئیل علیه السلام وقال: یا محمّد إنّ الله یقرؤک السلام ویقول لک: إنّی قد أمرت کلّ شیء بطاعتک، فرفع رأسه فأمر القمر أن ینقطع قطعتین، فانقطع قطعتین فسجد النبیّ صلى الله علیه وآله وسلم شکراً لله وسجد شیعتنا، رفع النبیّ صلى الله علیه وآله وسلم رأسه ورفعوا رؤسهم، ثمّ قالوا یعود کما کان فعاد کما کان، ثمّ قالوا ینشق رأسه فأمره فانشقّ فسجد النبیّ صلى الله علیه وآله وسلم شکراً لله وسجد شیعتنا، فقالوا یا محمّد حین تقدم سفارنا من الشام والیمن فنسألهم ما رأوا فی هذه اللیلة فإنّ یکونوا رأوا مثل ما رأینا علمنا أنّه من ربّک وإن لم یروا مثل ما رأینا علمنا أنّه سحر سحرتنا به، فأنزل الله اقتربت الساعة إلى آخر السورة"(21).
وقال تعالى حکایة عن أحد المشرکین: ﴿فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ یُؤْثَرُ * إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ﴾(22)، وهذه الآیات "نزلت فی الولید بن المغیرة وکان شیخاً کبیراً مجرّباً من دهاة العرب، وکان من المستهزئین برسول الله صلى الله علیه وآله وسلم ، وکان رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم یقعد فی الحجرة ویقرأ القرآن فاجتمعت قریش إلى الولید بن المغیرة، فقالوا: یا أبا عبد شمس ما هذا الّذی یقول محمّد أشعر هو أم کهانة أم خطب؟ ! فقال دعونی أسمع کلامه، فدنا من رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم فقال: یا محمّد أنشدنی من شعرک،
قال: ما هو شعر ولکنّه کلام الله الّذی ارتضاه لملائکته وأنبیائه، فقال: أتل علىّ منه شیئاً، فقرأ رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم حم السجدة فلما بلغ قوله﴿فَإِنْ أَعْرَضُوا﴾(23)- یا محمّد - أعنی قریشاً -﴿فَقُلْ﴾ لهم ﴿أَنذَرْتُکُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ﴾(24)، قال: فاقشعرّ الولید وقامت کلّ شعرة فی رأسه ولحیته ومرّ إلى بیته ولم یرجع إلى قریش من ذلک، فمشوا إلى أبی جهل فقالوا: یا أبا الحکم إنّ أبا عبد شمس صبا إلى دین محمّد أما تراه لم یرجع الینا، فغدا أبو جهل فقال له: یا عم نکّست رؤوسنا وفضحتنا وأشمت بنا عدونا وصبوت إلى دین محمّد، فقال: ما صبوت إلى دینه ولکنّی سمعت منه کلاماً صعباً تقشعرّ منه الجلود، فقال له أبو جهل: أخطب هو؟، قال: لا إنّ الخطب کلام متّصل وهذا کلام منثور ولا یشبه بعضه بعضاً قال: أفشعر هو؟، قال: لا، أما إنّی قد سمعت أشعار العرب بسیطها ومدیدها ورملها ورجزها وما هو بشعر، قال فما هو؟، قال: دعنی أفکّر فیه، فلمّا کان من الغد قالوا یا أبا عبد شمس ما تقول فیما قلناه؟، قال: قولوا هو سحر فإنّه أخذ بقلوب الناس"(25).
2- الاتهام بالجنون والشعر
قال تعالى: ﴿وَیَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِکُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ * بَلْ جَاء بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِینَ﴾(26)، قال فی المیزان: "رموه صلى الله علیه وآله وسلم بالشعر والجنون وفیه رمی لکتاب الله بکونه شعراً ومن هفوات الجنون، فرد علیهم بأنّ ما جاء به حقّ، وفیه تصدیق الرسل السابقین فلیس بباطل من القول کالشعر وهفوة الجنون ولیس ببدع غیر مسبوق فی معناه"(27).
وقال تعالى: ﴿وَمَا صَاحِبُکُم بِمَجْنُونٍ﴾(28)، وفی التعبیر عنه صلى الله علیه وآله وسلم بقوله: "صاحبکم تکذیب لهم فی رمیهم له بالجنون وتنزیه لساحته - کما قیل - ففیه إیماء إلى أنّه صاحبکم لبث بینکم معاشراً لکم طول عمره، وأنتم أعرف به قد وجدتّموه على کمال من العقل ورزانة من الرأی وصدق من القول، ومن هذه صفته لا یُرمى بالجنون"(29).
وقالوا عن کلام الله تعالى: ﴿بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ﴾(30)، وقال تعالى: ﴿أَمْ یَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَیْبَ الْمَنُونِ* قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّی مَعَکُم مِّنَ الْمُتَرَبِّصِینَ ﴾(31)، فأجابهم الله تعالى: ﴿إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ کَرِیمٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِیلًا مَا تُؤْمِنُونَ * وَلَا بِقَوْلِ کَاهِنٍ قَلِیلًا مَا تَذَکَّرُونَ * تَنزِیلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِینَ﴾(32).
3- الاتهام بالضلال والغوایة والنطق عن الهوى
روی عن أبی عبد الله علیه السلام: "لمّا أوقف رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم أمیر المؤمنین علیه السلام یوم الغدیر، افترق الناس ثلاث فرق، فقالت فرقة: ضلّ محمّد، وفرقة قالت: غوى، وفرقة قالت: بهواه یقول فی أهل بیته وابن عمّه، فأنزل الله سبحانه:
﴿وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُکُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا یَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْیٌ یُوحَى﴾(33).
4- التعییر بعدم العقب
وممّا عُیّر نبینا صلى الله علیه وآله وسلم به هو عدم العقب الذکر، ممّا کان یشکّل نقص فی العرف الجاهلیّ، فقد دخل رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم المسجد وفیه عمرو بن العاص والحکم بن أبی العاص قال عمرو: "یا أبا الأبتر! وکان الرجل فی الجاهلیّة إذا لم یکن له ولد سمّی أبتر، ثمّ قال عمرو: إنّی لأشنأ محمّداً أی أبغضه فأنزل الله على رسوله صلى الله علیه وآله وسلم ﴿إِنَّا أَعْطَیْنَاکَ الْکَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّکَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَکَ هُوَ الْأَبْتَرُ﴾(34) أی مبغضک عمرو بن العاص ﴿هُوَ الْأَبْتَرُ﴾(35) یعنی لا دین له ولا نسب"(36).
5- التکذیب بالرسالة والنبوّة
یقول تعالى: ﴿وَیْلٌ یَوْمَئِذٍ لِّلْمُکَذِّبِینَ * الَّذِینَ یُکَذِّبُونَ بِیَوْمِ الدِّینِ * وَمَا یُکَذِّبُ بِهِ إِلَّا کُلُّ مُعْتَدٍ أَثِیمٍ * إِذَا تُتْلَى عَلَیْهِ آیَاتُنَا قَالَ أَسَاطِیرُ الْأَوَّلِینَ * کَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا کَانُوا یَکْسِبُونَ * کَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ یَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ * ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِیمِ * ثُمَّ یُقَالُ هَذَا الَّذِی کُنتُم بِهِ تُکَذِّبُونَ﴾(37)، وذلک أنّهم کذّبوا النبیّ صلى الله علیه وآله وسلم فی رسالته، فتوعّدهم بشتّى ألوان العذاب والخزی.
6- التعییر بالأتباع
فقد عیّر زعماءُ قریش النبیّ صلى الله علیه وآله وسلم بأتباعه، کما عیّر فرعون النبیّ موسى علیه السلام بأتباعه، فقال له: ﴿وَمَا نَرَاکَ اتَّبَعَکَ إِلاَّ الَّذِینَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِیَ الرَّأْیِ﴾(38)، فقال الله تعالى للنبیّ الأکرم صلى الله علیه وآله وسلم: ﴿یَا أَیُّهَا النَّبِیُّ حَسْبُکَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَکَ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ﴾(39).
7- إساءة المنافقین
ولعلّ هذا النوع من الإساءة کانت أشدّ على رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم وعلى أهل بیته والمخلصین من صحابته، لکونها تنخر من داخل البیئة الحاضنة للإسلام، فکانوا یثیرون الفتن وینشرون الشائعات، ویساندون الیهود ویخوّنون النبیّ صلى الله علیه وآله وسلم ، وقد کشف زیفهم ونفاقهم وأخبر الله عنهم فی کتابه فی وقائع متعدّدة:
منها أنّهم کانوا﴿وَإِذَا لَقُواْ الَّذِینَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَیَاطِینِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَکْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُونَ * اللّهُ یَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ وَیَمُدُّهُمْ فِی طُغْیَانِهِمْ یَعْمَهُونَ﴾(40)، وعن الإمام الکاظم علیه السلام: "فأمّا استهزاء الله تعالى بهم فی الدنیا فهو أنّه - مع إجرائه إیّاهم على ظاهر أحکام المسلمین، لإظهارهم ما یظهرونه من السمع والطاعة، والموافقة - یأمر رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم بالتعریض لهم حتّى لا یخفی على المخلصین من المراد بذلک التعریض، ویأمر بلعنهم.
"وأمّا استهزاؤه بهم فی الآخرة فهو أنّ الله عزّ وجلّ إذا أقرّهم فی دار اللعنة والهوان وعذّبهم بتلک الألوان العجیبة من العذاب، وأقرّ هؤلاء المؤمنین فی الجنان بحضرة محمّد صلى الله علیه وآله وسلم صفیّ الملک الدیّان أطلعهم على هؤلاء المستهزئین الّذین کانوا یستهزؤن بهم فی الدنیا، حتّى یروا ما هم فیه من عجائب اللعائن وبدائع النقمات، فتکون لذّتهم وسرورهم بشماتتهم بهم، کما لذّتهم وسرورهم بنعیمهم فی جنّات ربّهم"(41).
وکانوا یستهزؤون بکلّ ما یأمر به النبیّ صلى الله علیه وآله وسلم: ﴿وَإِذَا نَادَیْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِکَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ یَعْقِلُونَ﴾(42).
﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَیَقُولُنَّ إِنَّمَا کُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآیَاتِهِ وَرَسُولِهِ کُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ﴾(43).
وکانوا ﴿یَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِینَةِ لَیُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِینَ وَلَکِنَّ الْمُنَافِقِینَ لَا یَعْلَمُونَ﴾(44)، والقائل هو عبد الله بن أبی بن سلول، وکذا قائل الجملة السابقة: ﴿لَا تُنفِقُوا﴾(45) الخ، وإنّما عبّر بصیغة الجمع تشریکاً لأصحابه الراضین بقوله معه. ومراده بـ ﴿الْأَعَزُّ﴾ نفسه وبـ ﴿الْأَذَلَّ﴾ رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم ، ویرید بهذا القول تهدید النبیّ صلى الله علیه وآله وسلم بإخراجه من المدینة بعد المراجعة إلیها، وقد ردّ الله علیه وعلى من یشارکه فی نفاقه بقوله: ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِینَ وَلَکِنَّ الْمُنَافِقِینَ لَا یَعْلَمُونَ﴾، فقصر العزّة فی نفسه ورسوله والمؤمنین فلا یبقى لغیرهم إلا الذلّة، ونفى عن المنافقین العلم فلم یبق لهم إلّا الذلّة والجهالة(46).
8- التکذیب بالنصّ على الإمام علیّ علیه السلام
عن الإمام الباقر علیه السلام فی قوله تعالى﴿إِنَّا کَفَیْنَاکَ الْمُسْتَهْزِئِینَ﴾(47): "أعداؤه ومن کان یهزأ بأمیر المؤمنین وهم الّذین قالوا هذا صفیّ محمّد من بین أهله، وکانوا یتغامزون بأمیر المؤمنین فأنزل الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّکَ یَضِیقُ صَدْرُکَ بِمَا یَقُولُونَ﴾(48).
تآمر الیهود على النبیّ صلى الله علیه وآله وسلم
عن الأصبغ بن نباتة، عن الإمام علیّ علیه السلام ، قال: "إنّ الیهود أتت امرأة منهم یقال لها عبدة، فقالوا: یا عبدة، قد علمت أنّ محمّداً قد هدّ رکن بنی إسرائیل، وهدم الیهودیّة، وقد غالى الملا من بنی إسرائیل بهذا السمّ له، وهم جاعلون لک جعلاً على أن تسمّیه فی هذه الشاة، فعمدت عبدة إلى الشاة فشوتها، ثمّ جمعت الرؤساء فی بیتها، وأتت رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم ، فقالت: یا محمّد، قد علمت ما توجب لی (من حقّ الجوار)، وقد حضرنی رؤساء الیهود فزیّنی بأصحابک. فقام رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم ومعه الإمام علیّ علیه السلام وأبو دجانة وأبو أیوب وسهل ابن حنیف وجماعة من المهاجرین، فلمّا دخلوا وأخرجت الشاة، سدّت الیهود آنافها بالصوف، وقاموا على أرجلهم وتوکّؤوا على عصیّهم، فقال لهم رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم: اقعدوا، فقالوا: إنّا إذا زارنا نبیّ لم یقعد منّا أحد وکرهنا أن یصل إلیه من أنفاسنا ما یتأذّى به. وکذبت الیهود علیها لعنة الله، إنّما فعلت ذلک مخافة سورة السمّ ودخّانه، فلمّا وضعت الشاة بین یدیه تکلّمت کتفها، فقالت: مه یا محمّد، لا تأکلنی فإنّی مسمومة. فدعا رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم عبدة، فقال لها: ما حملک على ما صنعت ! فقالت: قلت: إن کان نبیّاً لم یضرّه، وإن کان کاذباً أو ساحراً أرحت قومی منه، فهبط جبرئیل علیه السلام فقال: السلام یقرئک السلام، ویقول: قلّ بسم الله الّذی یسمّیه به کلّ مؤمن، وبه عزّ کلّ مؤمن، وبنوره الّذی أضاءت به السماوات والأرض، وبقدرته الّتی خضع لها کلّ جبّار عنید، وانتکس کلّ شیطان مرید من شرّ السمّ والسحر واللمم، باسم العلیّ الملک الفرد الّذی لا إله إلّا هو ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِینَ وَلاَ یَزِیدُ الظَّالِمِینَ إَلاَّ خَسَارًا﴾(49). فقال النبیّ صلى الله علیه وآله وسلم ذلک، وأمر أصحابه فتکلّموا به، ثمّ قال: کلوا، ثمّ أمرهم أن یحتجموا(50).
المصادر :
1- سورة الحجر، الآیات: 94 - 99.
2- سورة التوبة، الآیة: 33.
3- سورة الأنفال، الآیة: 7.
4- سورة الإسراء، الآیة: 81.
5- سورة الأنبیاء، الآیة: 18.
6- سورة الزخرف، الآیة: 7.
7- سورة البقرة، الآیة: 87.
8- سورة یس، الآیة: 30.
9- سورة غافر، الآیة: 51.
10- سورة الصافات، الآیة: 116.
11- بحار الأنوار،, ج39, ص56.
12- سورة الأنبیاء، الآیة: 36.
13- سورة الفرقان، الآیة: 41.
14- سورة الحجر، الآیة: 95.
15- سورة المائدة، الآیة: 67.
16- سورة الحدید، الآیة: 25.
17- سورة الفتح، الآیة: 9.
18- سورة التوبة، الآیة: 40.
19- سورة الطور، الآیة 15.
20- - سورة القمر، الآیتان: 1 و2.
21- تفسیر القمی، ج2، ص341.
22- سورة المدثر، الآیتان: 24 و 25.
23- سورة فصلت، الآیة: 13.
24- سورة فصلت، الآیة: 13.
25- بحار الأنوار، ج2، ص394.
26- سورة الصافات، الآیتان: 36 و37
27- سورة التکویر، الآیة: 22.
28- سورة التکویر، الآیة:22.
29- بحار الأنوار، ج20، ص218.
30- سورة الأنبیاء، الآیة: 5.
31- سورة الطور، الآیتان: 30 و31.
32- سورة الحاقة، الآیات: 40 - 43
33- سورة النجم، الآیات: 1- 4./ - تفسیر البرهان، ج5، ص188.
34- سورة الکوثر، الآیات: 1 3.
35- سورة الکوثر، الآیة: 3.
36- تفسیر القمّی، ج2، ص445.
37- سورة المطففین، الآیات: 10 - 17
38- سورة هود، الآیة: 27.
39- سورة الأنفال، الآیة: 64.
40- سورة البقرة، الآیتان: 14 و15
41- تفسیر البرهان، ج1، ص144.
42- سورة المائدة، الآیة: 58.
43- سورة التوبة، الآیة: 65.
44- سورة المنافقون، الآیة: 8.
45- سورة المنافقون، الآیة: 7.
46- المیزان فی تفسیر القرآن، ج19، ص282.
47- سورة الحجر، الآیة: 95.
48- سورة الحجر، الآیة: 97./ مناقب آل أبی طالب ، ج3، ص8.
49- سورة الإسراء، الآیة: 82.
50- الأمالی، الشیخ الصدوق، ص
source : sibtayn