ثمّ قالت لها : خذي أيضاً من قول أبي محجن ، عافى الله أبا محجن :
يا أيّها الركب إنّي غير تابعكم |
حتّى تلموا وأنتم بي ملمونا |
فما أرى مثلكم ركباً كشكلكم |
يدعوهم ذو هوى أن لا يعوجونا |
أم خبروني عن داء بعلمكم |
وأعلم الناس بالداء الأطبونا |
قال نصيب : فو الله زهوت بما سمعت زهواً خيّل إليّ أنّي من قريش ، وأنّ الخلافة لي .
ثمّ قالت : حسبكِ يا بنية ، هات الطعام يا غلام ، فوثب الأحوص وكثير ، وقالا : والله لا نطعم لك طعاماً ، ولا نجلس لك في مجلس ، فقد أسأت عشرتنا واستخففت بنا ، وقدّمت شعر هذا على أشعارنا ، وأسمعت الغناء فيه ، وإنّ في أشعارنا لما يفضل شعره ، وفيها من الغناء ما هو أحسن من هذا .
فقالت : على معرفة كلّ ما كان منّي فأيّ شعركما أفضل من شعره ، أقولك يا أحوص :
يقر بعيني ما يقرّ بعينها |
وأحسن شيء ما به العين قرّت |
ثمّ قولك يا كثير في عزة :
وما حسبت ضمرية جدوية |
سوى التيس ذي القرنين إن لها بعلاً |
قال : فخرجا مغضبين واحتبستني ، فتغدّيت عندها ، وأمرت لي بثلاثمائة دينار وحلّتين وطيب ، ثمّ دفعت إليّ مائتي دينار ، قالت : ادفعها إلى صاحبيك فإن قبلاها وإلاّ فهي لك ، فأتيتهما منازلهما فأخبرتهما القصّة ، فأمّا الأحوص
|
الصفحة 372 |
|
فقبلها ، وأمّا كثير فلم يقبلها ، وقال : لعن الله صاحبتكَ وجائزتها ، ولعنكَ معها ، فأخذتها وانصرفت .
فسألت النصيب ممّن المرأة ؟ فقال : من بني أُمية ، ولا أذكر اسمها ما حييت لأحد .
وشيء آخر يجب أن نتنبّه له هو أثر الصنعة واضح على هذا التلفيق ، وهو تجميع لكلمات عدّة من النقّاد والبصراء بالشعر ، وقد مرّ عليك آنفاً نقد المرأة الأموية لبعض الأبيات بالنقد الذي نسبوه للسيّدة سكينة ، كما أنّ بيت نصيب وإصلاحه المنسوب إلى السيّدة سكينة ، رواه ابن قتيبة بلفظ مقارب لعبد الملك ابن مروان ، قال : دخل الأقيشر على عبد الملك بن مروان وعنده قوم ، فتذاكروا الشعر ، وقول نصيب :
اهيم بدعد ما حييت فإن أمت |
فيا ويح دعد من يهيم بها بعدي |
فقال الاقيشر : والله لقد أساء قائل هذا البيت .
فقال عبد الملك : فكيف كنت تقول لو كنت قائله ؟
قال : كنت أقول :
تحبّكم نفسي حياتي فإن أمت |
أُوكل بِدَعد من يهيم بها بعدي |
فقال عبد الملك : والله لأنت أسوأ قولاً منه حين توكل بها .
فقال الاقيشر : فكيف كنت تقول يا أمير المؤمنين ؟
قال : كنت أقول :
تحبّكم نفسي حياتي فإن أمت |
فلا صلحت هند لذي خلّة بعدي |
فقال القوم جميعاً : أنت والله يا أمير المؤمنين أشعر القوم .
الثاني : حديث الصورين :
قال أبو الفرج الأصفهاني : أخبرني علي بن صالح ، قال : حدّثنا أبو هفان ، عن إسحاق ، عن أبي عبد الله الزبيري ، قال : اجتمع نسوة من أهل المدينة
|
الصفحة 373 |
|
من أهل الشرف ، فتذاكرن عمر بن أبي ربيعة ، وشعره وظرفه وحسن حديثه ، فتشوّقن إليه وتمنيّنه ، فقالت سكينة بنت الحسين (عليه السلام) : أنا لكُنّ به ، فأرسلت إليه رسولاً وواعدته الصورين ، وسمّت له الليلة والوقت ، وواعدت صواحباتها ، فوافاهنّ عمر على راحلته ، فحدّثهن حتّى أضاء الفجر وحان انصرافهن ، فقال لهن : والله إنّي لمحتاج إلى زيارة قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، والصلاة في مسجده ، ولكن لا أخلط بزيارتكن شيئاً ، ثمّ انصرف إلى مكّة ، وقال :
قالت سكينة والدموع ذوارف |
منها على الخدين والجلباب |
ليت المغيريّ الذي لم أجزه |
فيما أطال تصيّدي وطلابي |
كانت ترد لنا المنى أيّامنا |
إذ لا نلام على هوى وتصابي |
خبرت ما قالت فبتّ كأنّما |
ترمي الحشا بنوافذ النشاب |
أسكين ما ماء الفرات وطيبه |
منّي على ظمأ وفقد شراب |
بألذّ منك وإن نأيت وقلّما |
ترعى النساء أمانة الغيّاب |