عربي
Thursday 14th of November 2024
0
نفر 0

فدك والحسنان عليهما السلام

لقد توفي الرسول الإعظم، محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وحدث بعده ماحدث، من استئثار أبي بكر بالأمر، وإقصاء أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام عن محله الطبيعي، الذي أهَّله الله سبحانه وتعالى
فدك والحسنان عليهما السلام

قد توفي الرسول الإعظم، محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وحدث بعده ماحدث، من استئثار أبي بكر بالأمر، وإقصاء أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام عن محله الطبيعي، الذي أهَّله الله سبحانه وتعالى له..
ثم تعرضت فاطمة الزهراء، بنت النبي الأقدس (صلى الله عليه وآله وسلم)، لسلب إرثها من أبيها، ومصادرة حتى ما كان النبي صلى عليه وآله وسلم قد ملكها إياها في حال حياته.. ومنه: «فدك».. وجرت بينها وبين أبي بكر مساجلات، واحتجاجات حول هذا الموضوع. وطلبوا منها: أن تأتي بالشهود لإثبات ما تدعيه..
فجاءت بأمير المؤمنين (عليه السلام)، وبالحسنين الزكيين (عليهما السلام)، وبأم أيمن.
ولكن أبا بكر رد الشهود، ورفض إرجاع حقها إليها.. كما هو معروف.
قال شريف مكة:
ثم قالت: فنحلة لي من وا لدي المصطفى، فلم ينحلاها
فأقامت بها شهوداً، فقالوا بعلها شاهد لها وابنها (1)
وهكذا.. فإن الزهراء البتول صلوات الله وسلامه عليها، وهي المرأة المعصومة بحكم آية التطهير وغيرها، والتي لم تكن لِتُصدر، ولا لِتوردَ إلاَّ وفق الشرع الإسلامي الحنيف، قد استشهدت بالحسنين الزكيين(عليهما السلام) بمرأى، وبمسمع، وبتأييد ورضى من سيد الوصيين، أمير المؤمنين علي (عليه السلام).. فلقد رأيا فيهما الأهلية لأداء الشهادة في مناسبة كهذه، مع أنهما كانا آنئذٍ لا يتجاوز عمرهما السبع سنوات، فإعطاؤهما دوراً بارزاً في قضية مصيرية وخطيرة كهذه، لم يكن أمراً عفوياً، ولا منفصلاً عن الضوابط التي تنظم مواقف أهل البيت عليهم الصلاة والسلام... وإنما كان امتداداً لمواقف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) منهما، في مجال إعدادهما، ووضعهما في مكانهما الطبيعي على المستوى القيادي للأمة.
هذا.. ولا يجب أن نقلل من أهمية هذه القضية.. على اعتبار أنها ترتبط بحق مالي، وليست ـ كالبيعة ـ عقداً يشترط فيه البلوغ، مع ملاحظة: أن سنهما حين الشهادة كان يفوق ما كان لهما من السن حين البيعة (2)..
لا.. يجب أن نتخيل ذلك.. فإن الشهادة يعتبر فيها البلوغ أيضاً، والعقل.. كما أن سنهما حينئذٍ كان ـ كما قلنا ـ لا يصل إلى الثمان سنوات.. أضف إلى ذلك: أن الاستشهاد بالحسنين، وبعلي، وبأم أيمن التي شهد لها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بأنها من أهل الجنة، إنما كان، كما يقول السيد هاشم معروف الحسني رضوان الله تعالى عليه:
وإنما ذكرنا هنا خصوص المصادر التي ذكرت الحسنين (عليهما السلام) في القضية. وإلا.. فإن مصادر أصل النزاع فيما بين الزهراء وبين أبي بكر والهيئة الحاكمة كثيرة جداً، لا مجال لتتبعها..
«لكي تسجل على القوم رداً صريحاً لنصوص الرسول فيه، وفي ولديه. على أنها لو أحضرت عشرين شاهداً من خيرة الصحابة لم يكن مستعداً للقضاء لها بما تطلب.. بل كان على ما يبدو من سير الأحداث مستعداً لأن يعارض شهادتهم بعشرات الشهود، كما عاض شهادة علي وأم أيمن، بشهادة عمر، وعبد الرحمن بن عوف، كما نصت على ذلك رواية شرح النهج السابقة الخ...» (3).
ولقد صدق الحسني رحمه الله تعالى فيما قال، ويؤيد ذلك، بل يدل عليه، ما ورد:
«عن عمر: لما قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جئت أنا وأبو بكر إلى علي، فقلنا: ما تقول فيما ترك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟
قال: نحن أحق الناس برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
قال: فقلت: والذي بخيبر..
قال: والذي بخيبر.
قلت: والذي بفدك؟
قال: والذي بفدك.
قلت: أما والله، حتى تحزوا رقابنا بالمناشير، فلا» (4).
*الخطبة العجيبة:
إنه بعد أن أقصِيَ علي أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام عن مركزه الذي جعله الله تعالى له.. وكان ما كان مما هو معروف ومشهور.. فإن سياسة الحكم المتغلب الجديد ثم من جاء بعدهم. كانت تستهدف قضية الإمامة من ناحيتين:
الناحية الأولى:
بعث اليأس في نفوس خصوم الحكم، وبالأخص في نفس شخص أمير المؤمنين (عليه السلام)، الذي يعتبرونه أقوى منافس، بل المنافس الوحيد لهم، وبالتالي في نفوس الهاشميين جميعاً، والقضاء على كل أثر من آثار الطموح والتطلع إلى هذا الأمر لديهم.. حيث إنهم كانوا يرون ـ حسب فهمهم وتقديراتهم الخاطئة: أن المسألة لا تعدو عن أن تكون مسألة شخصية، ترتبط بشخص علي (عليه السلام)، ورغبة نفسية جامحة لديه، أذكاها النبي الأكرم، محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، تصريحاته ومواقفه المتكررة، التي كانت تهدف لتكريس الأمر لصالح أمير المؤمنين علي عليه الصلاة والسلام..
صحيح.. أنه قد كان للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فيه ذرو من قول ـ على حد تعبير عمر ـ وتصريحات كثيرة، ولكن ما الذي يمنع من مخالفته، ما دام أنه لم يكن أكثر من زميل لهم وقرين، على حد تعبيرهم (5)...
كما أن شريحاً النميري الذي كان عامل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وعامل أبي بكر، قد جاء إلى عمر بكتاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فأخذه عمر، ووضعه تحت قدمه، وقال: لا، ما هو إلا ملك انصرف.
نعم.. وإن تلك الرغبة يمكن سلوها، وصرف النظر عنها، ثم اليأس منها مع مرور الأيام، ومع رؤية تمكن الآخرين، وإحكام أمرهم، قوة سلطانهم..
ومما يشهد لما ذكرناه: سؤال عمر لابن عباس: كيف خلفت ابن عمك؟ فظننته يعني عبد الله بن جعفر.
قلت: خلفته يلعب مع أترابه.
قال: لم أعن ذلك، إنما عنيت عظيمكم أهل البيت.
قلت: خلفته يمتح بالغرب ، على نخيلات فلان، وهو يقرأ القرآن.
قال: يا عبد الله عليك دماء البدن إن كتمتنيها: هل بقي في نفسه شيء من أمر الخلافة؟
قلت: نعم.
قال: أيزعم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نص عليه؟
قلت: نعم.. وأزيدك: سألت أبي عما يدعيه، فقال: صدق.
فقال عمر: لقد كان من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في أمره ذرو من قول ، لا يثبت حجة، ولا يقطع عذراً ولقد كان يربع في أمره وقتاً ما. ولقد أراد في مرضه: أن يصرِّح باسمه، فمنعت من ذلك، إشفاقاً، وحيطة على الإسلام لا، ورب هذه البنية، لا تجتمع عليه قريش أبداً الخ...» (6).
وفي هذه القضية مواضع هامة، ينبغي التوقف عندها ملياً، ومحاكمتها محاكمة موضوعية وعميقة، ولا سيما قول عمر أخيراً: «لقد كان من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في أمره ذرو من قول، لا يثبت حجة الخ..» فإن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد استعمل مختلف الأساليب البيانية لتأكيد هذا الأمر وتثبيته: من التصريح، والتلميح، والكناية، والمجاز، والحقيقة، والقول والفعل، وحتى لقد أخذ البيعة له منهم في مناسبة «الغدير».. ولو أردنا جمع ما وصل إلينا من كلماته (صلى الله عليه وآله وسلم) ومواقفه في هذا السبيل لا حتجنا إلى مجلدات كثيرة وكبيرة، ولتعذر استيعابه في مدة طويلة.. ولكنه (صلى الله عليه وآله وسلم) أراد في مرضه الأخير: أن يسجل ذلك في كتاب لا يمكن المراء فيه، وليقطع دابر الخلاف من بعده..
ولكن اتهامه بالهجر والهذيان، من قبل الخليفة الثاني عمر بن الخطاب بالذات، قد جعل ذلك بلا جدوى، ولا فائدة، بل جعله سبباً في المزيد من الاختلاف والتشاجر، والتمزق والتدابر، فكان لا بد من تركه، والانصراف عنه (7)..
وقد صرح عمر نفسه لابن عباس: بأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أراد أن يصرِّح باسم علي (عليه السلام) في ذلك الكتاب، وأراد الله غيره، فنفذ مراد الله تعالى، ولم ينفذ مراد رسوله. أو كل ما أراد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان ؟!
وقد ادعى عمر: أنه إنما منع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من كتابة الكتاب حيطة على الإسلام (8)..
وذلك عجيب حقاً؟! وأي عجيب!!.. فهل صحيح: إنه قد فعل ذلك من أجل ذلك؟ أم أنه قد كان وراء الأكمة ما وراءها؟!
وكيف يمكن أن نوفق بين دعواه هذه، وبين نسبته ذلك آنفاً لإرادة الله سبحانه، وقوله: «أو كلما أراد رسول الله صلى عليه وآله وسلم كان»؟!.
وهل يمكن أن نصدق: أن غيرته على الإسلام أكثر من غيرة نبيِّ الإسلام نفسه عليه؟!
أم أنه قد أدرك بنظره الثاقب، وفكره الوقاد ما لم يستطع إدراكه سيد ولد آدم، وإمام الكل، وعقل الكل، ومدبر الكل؟!.
وهل غيرته على الإسلام تبرر له اتهام النبي الأكرم صلى عليه وآله وسلم بالهجر والهذيان؟! إلى غير ذلك من الأسئلة التي لا مجال لها هنا..
ومما يدل على على أن السياسة كانت تتجه نحو إبعاد علي (عليه السلام) عن الساحة، بحيث كان الناس يعرفون ذلك، ويدركونه وكانوا مطمئنين إلى استبعاده من هذا الأمر وكانوا لا يرون حتى دخوله في جملة المرشحين له.. ما رواه عبد الرزاق، من أن عمر قال لأحد الأنصار: «من ترى الناس يقولون يكون الخليفة بعدي؟ قال: فعدد رجالاً من المهاجرين، ولم يسمِّ علياً، فقال عمر: فما لهم من أبي الحسن؟ فوالله، إنه لأحراهم إن كان عليهم أن يقيمهم على طريقة من الحق» (9).
وبعد ذلك كله.. فإنه يحتج لعمله ذاك ـ أعني تنظيم قضية الشورى ـ بأنه لا تجتمع عليه ـ أي على علي (عليه السلام) ـ قريش، أو أن قومه أبوه، أو غير ذلك (10).
لكن.. لماذا لا تجتمع قريش وقومه عليه؟. ولماذا وكيف اجتمعوا على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) نفسه، مع أنه هو السبب الأول والأخير في كل ما أتاه إليه؟!.
وإذا كانوا مؤمنين ومسلمين، فلماذا لا يقبلون بحكم الإسلام، ولا ينقادون إليه؟!.
وإذا لم يكونوا كذلك، فما الذي يضر لو خالفوا؟ وما المانع من جهادهم والوقوف في وجههم جينئذٍ، كما جاهدهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من قبل، وجاهدهم أمير المؤمنين (عليه السلام) نفسه بعد ذلك؟!..
أما الذي نريد الاستشهاد به , والإلفات إليه هنا، فهو سؤال عمر لابن عباس: إن كان قد بقي شيء من أمر الخلافة في نفس علي (عليه السلام).. فإن ذلك يؤكد ما أشرنا إليه سابقاً، من أن الهيئة الحاكمة كانت تهتم في أن ينسى وييأس عليَّ (عليه السلام) من أمر الخلافة نهائياً..
ولكنهم غفلوا عن أن تصدي علي والأئمة من ولده (عليهم السلام) لهذا الأمر، لم يكن إلا من أجل أنه مسؤولية شرعية، وتكليف إلهي، لا يمكن التسامح فيه، ولا التخلي عنه.. وليس لهم اي خيار فيه.. تماماً كسائر التكاليف الشرعية الأخرى، وإن كان هو يزيد عليها من حيث خطورته، وأهميته القصوى..
الناحية الثانية:
تهيئة الأجواء لتمكين الحكم وتكريسه في غير أهل البيت (عليهم السلام)، وخلق العوامل والظروف التي لا تسمح بوصول أمير المؤمنين، ولا أي من أهل البيت عليهم الصلاة والسلام إلى الخلافة في المستقبل القريب والبعيد على حد سواء. وتكريس الحكم فيمن يرغبون بتكريسه فيهم.. وقد تمثل ذلك في تدبيرات سياسية عدة، من شأنها أن تجعلهم يطمئنون إلى نجاحهم فيما يرمون إليه..
ونذكر من ذلك على سبيل المثال:
ألف: على صعيد العمل السياسي، نجد أنهم:
عدا عن أنهم قد أبعدوا كل من له هوى في علي (عليه السلام) عن مراكز النفوذ (11) كما جرى لخالد بن سعيد بن العاص.. وكحرمانهم الأنصار، الذين كان لهم هوى في أمير المؤمنين، وأهل البيت عليهم الصلاة والسلام من المراكز الحساسة، بل وحرمانهم من أبسط أنواع الرعاية (12).
وعدا عن أنهم قد استخدموا المال في محاولة منهم لإسكات المعترضين. كما هو الحال في قضيتهم مع أبي سفيان الذي كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد أرسله ساعياً، فقدم بعد وفاته (صلى الله عليه وآله وسلم)، فأجلب عليهم، فقال عمر لأبي بكر:
«إن أبا سفيان قد قدم، وإنا لا نأمن شره، فدع له ما في يده، فتركه؛ فرضي» (13).
كما أنه.. حينما كان أبو سفيان في أوج غضبه وثورته عليهم، أخبروه: بأن أبا بكر قد ولى ابنه، فانقلب في الحال رأساً على عقب، وقال: «وصلته رحم» (14).
و «لما اجتمع الناس على أبي بكر، قسم بين الناس قسماً، فبعث إلى عجوز من بني عدي بن النجار قسمها مع زيد بن ثابت، فقالت: ما هذا؟ قال: قسم قسمه أبو بكر للنساء، قالت: أتراشوني عن ديني؟ قالوا: «لا»! ثم تذكر الرواية رفضها لذلك المال (15).
ثم حاول عثمان بعد ذلك أن يرشو ابن أبي حذيفة بالمال، كما ذكره المؤرخون (16).
وعن علي (عليه السلام) في إشارة صريحة منه إلى ذلك: «خذوا العطاء ما كان طعمة، فإذا كان عن دينكم، فارفضوه أشد الرفض» (17).
نعم ـ إنه عدا عن ذلك كله ـ فإننا نجدهم يُحْكمون أمورهم بعد حوادث السقيفة، ولا يفسحون المجال لأية مناورة أو مبادرة، من أي كان، ومن أي نوع كانت..
فنجد أبا بكر يوصي بالأمر إلى عمر بن الخطاب بعده، ثم هو يبدأ خطة التمهيد للأمويين، حيث إنه وهو في مرض الموت، وقد جاء بعثمان ليكتب له وصيته ـ فأغمى على أبي بكر، فكتب عثمان اسم عمر في حال غشية وغيبوبة أبي بكر (18)، فلما أفاق وعلم بذلك قال: «لو تركته ما عدوتك» أو ما هو بمعناه (19). أو قال له: «والله، إن كنت لها لأهلاً» وبتعبير مصعب الزبيري: «أصبت يرحمك الله، ولو كتبت اسمك لكنت لها أهلاً..» (20).
ولم نجد أحداً يعترض على صحة خلافة عمر بأن اسمه قد كتب حال إغماء ابي بكر، في مرض موته، ولم يصر على ذلك سبباً للفتنة، مع أنهم يقولون: إن نسبة الهجر للنبي (صلى الله عليه وآله) في مرض موته، لمنعه عن كتابة الكتاب الذي لن يضلوا بعده كانت في محلها، لأن ذلك كان سوف يثير فتنة!! فسبحان الله، كيف صارت باؤهم تجر، وباء الله ورسوله لاتجر.
ونستطيع أن نلمح في هذه الحادثة قدراً من التفاهم فيما بين أبي بكر وعثمان.. وإن كنا نجد هذا التفاهم أكثر وضوحاً وعمقاً فيما بين أبي بكر وعمر. والشواهد على ذلك كثيرة جداً، بل لقد صرح أبو بكر نفسه بذلك لعبد الرحمن بن عوف حينما شاوره في استخلاف عمر، فذكر له غلظته، فقال أبو بكر: «ذلك لأنه يراني رقيقاً ولو قد أفضى الأمر إليه ترك كثيراً مما هو عليه، وقد رمقته إذا ما غضبت على رجل أراني الرضا عنه، وإذا لنت له أراني الشدة عليه» (21).
وحينما تولى عمر بن الخطاب الأمر نجده يسير على نفس هذا الخط أيضاً، ويعتمد نفس ذلك النهج، وهو التمهيد المدروس لبني أمية..
ونذكر على سبيل المثال.. ذلك التدبير الذكي والدقيق لقصة الشورى. وذلك بحيث يطمئن وفقاً لمحاسبات دقيقة إلى أن الذي سيفوز بالأمرهو عثمان، وعثمان فقط.. ولو فرض جدلاً إخفاقه في ذلك، فإن علياً (عليه السلام) لن يكون هو الفائز قطعاً.. وقد كان أمير المؤمنين يعلم بذلك بلا ريب، كما صرح به هو نفسه لابن عباس، فور خروجه من الجلسة (22).
ومما يدل على أن عمر كان يهتم في تكريس الأمر في بني أمية: أنه كان يُفرَش لعمر فراش في بيته في وقت خلافته، فلا يجلس عليه أحد، إلا العباس بن عبد المطلب (لعله يريد أن يخلق شخصيات أخرى من بني هاشم لا خطر منهم على الحكم ـ وذلك في مقابل علي عليه السلام). وأبو سفيان بن حرب.. وزاد المبرد قوله: «ويقول: هذا عم رسول الله. وهذا شيخ قريش» (23).
وأعطى عمر بن الخطاب لسعيد بن العاص أرضاً في المدينة، فاستزاده، فقال له عمر: «حسبك. واختبىء عندك: أن سيلي الأمر بعدي من يصل رحمك، ويقضي حاجتك.
قال: فمكث خلافة عمر بن الخطاب حتى استخلف عثمان، وأخذها عن شورى ورضى، فوصلني، وأحسن، وقضى حاجتي» (24).
وحينما أعتق عمر سبي العرب اشترط عليهم خدمة الخليفة بعده ثلاث سنين (25).
وعن أبي ظبيان الأزدي قال: قال لي عمر بن الخطاب: ما مالك يا أبا الظبيان؟ قال: قلت: أنا في ألفين: قال فاتخذ سائماً، فإنه يوشك أن يجيء اغيلمة من قريش يمنعون هذا العطاء» (26).
وحتى بالنسبة لعمرو بن العاص، نجد عمر بن الخطاب يقول: «ما ينبغي لعمرو أن يمشي على الأرض إلا أميراً» (27).
وبعد ذلك كله.. فقد قال معاوية لابن حصين: «إنه لم يشتت بين المسلمين، ولا فرق أهواءهم، ولا خالف بينهم إلا الشورى، التي جعلها عمر إلى ستة نفر.. إلى أن قال: فلم يكن رجل منهم إلا رجاها لنفسه، ورجاها له قومه. وتطلعت إلى ذلك نفسه» (28).
وأخيراً.. فإننا نجد عمر يستشير كعب الأحبار فيمن يوليه الأمر بعده! حسبما يجدونه في كتبهم ! فينفي كعب أن يصل إليها عل ووُلْدُه، ويؤكد على انتقالها بعد الشيخين إلى بني أمية، فيصدق عمر ذلك، ويستشهد له بما ورد عن النبي في شأن بني أمية (29).
المصادر :
1- المسترشد في إمامة علي بن أبي (عليه السلام) ص 105 و 106 و 108 ومروج الذهب ج 3 ص 237 والصواعق المحرقة ص 35، وتاريخ اليعقوبي ج 2 ص 469 وسيرة الأئمة الاثني عشر ج 1 ص 129 و130 عن الصواعق المحرقة، وعن شرح المواقف ودلائل الصدق ج 3 قسم 1 ص 38 عن المواقف، وفدك للقزويني ص 16 و 17 ومكاتيب الرسول ج 2 ص 579 عن المسعودي، والحلبي، وابن أبي الحديد وجامع أحاديث الشيعة ج 8 ص 606 والتهذيب، والبحار ج 8 ص 108 .
2- فدك للقزويني ص 16 و17.
3- سيرة الأئمة الاثني عشر ج 1 ص 130.
4- مجمع الزوائد ج 9 ص 40.
5- تاريخ الطبري ج 3 ص 291 ط الاستقامة. وراجع: الفائق ج 2 ص 11..
6- تاريخ المدينة، لابن شبّة ج 1ص 596. /شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج 12 ص 20/21 عن كتاب أحمد بن أبي طاهر في كتابه تاريخ بغداد، مسنداً. وراجع ج 12 ص 79 وكشف الغمة للأربلي ج 2 ص 49، وقاموس الرجال ج 6 ص 398 و ج 7 ص 188 وبهج الصباغة ج 6 ص 244 وج 4 381، والبحار ط كمباني ج 6 ص 213 و 266 و 292، وناسخ التواريخ، المجلد المتعلق بالخلفاء ص 72/80 ومكاتيب الرسول ج 2 ص 620.
7- مكاتيب الرسول ج 2 ص 618 ـ 626 وكتاب دلائل الصدق ج 3 قسم 1 ص 63 ـ 70 والنص والإجتهاد ص 155 ـ 165 والمراجعات ص 241 ـ 245.
8- شرح النهج للمعتزلي ج 12 ص 78/79. نفس المصدر ج 12 ص 79.
9- المصنف لعبد الرزاق ج 5 ص 446.
10- شرح النهج للمعتزلي ج 12 ص 80 و 82 و 84 و 85 و 86.
11- تهذيب تاريخ دمشق ج 5 ص 51، وتاريخ اليعقوبي ج 2 ص 133 والمصنف لعبد الرزاق ج 5 ص 454 وحياة الصحابة ج 2 ص 20/21 وطبقات ابن سعد ج 4 ص 70.
12- الصحيح من سيرة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) ج 3 ص 150 حتى ص 155 و 217/218. وراجع أيضاً: تاريخ الأمم والملوك ط أورباج 1 /6 /3026.
13- شرح النهج للمعتزلي ج 2 ص 44 ودلائل الصدق ج 2 ص 39 وقاموس الرجال ج 5 ص 117 والغدير ج 9 ص 254 عن العقد الفريد ج 2 ص 249.
14- تاريخ الطبري ط الاستقامة ج 2 ص 449 ودلائل الصدق ج 2 ص 39.
15- حياة الصحابة ج 1 ص 420 عن كنز العمال ج 3 ص 130.
16- أنساب الأشراف (بتحقيق المحمودي) ج 3 ص 388.
17- كنز العمال ج 4 ص 382.
18- المراجعات ودلائل الصدق، والنص والاجتهاد، وغير ذلك.
19- تاريخ الطبري ج 2 ص 618 والكامل لابن الأثير ج 2ص 425 وشرح النهج للمعتزلي ج 2 ص 164، وسيرة الأئمة الإثني عشر ج 1 ص 356 وحياة الصحابة ج 2 ص 25 عن طبقات ابن سعد، وعن كنز العمال ج 3 ص 145.
20- نسب قريش ص 104 وكنز العمال ج 5 ص 398 و 399 عن اللالكائي، وابن سعد، والحسن بن سفيان في جزئه، وابن كثير، وصححه.
21- شرح النهج للمعتزلي ج 1 ص 164 وتاريخ الطبري ج 2 ص 613.
22- البحار ط قديم ج 8 ص 330. وليراجع كلام المعتزلي في شرح النهج ج 1.
23- العقد الفريد ج 2 ص 289. والكامل للمبرد ج 1 ص 319.
24- طبقات ابن سعد ج 5 ص 31 ومنتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج 4 ص 389/390.
25- المصنف لعبد الرزاق ج 8 ص 380 و 381 و ج 9 ص 168 وراجع المسترشد في إمامة علي بن أبي طالب ص 115.
26- جامع بيان العلم ج 2 ص 18.
27- فتوح مصر وأخبارها ص 180 والإصابة ج 3 ص 2 وسير أعلام النبلاء ج 3 ص 70 وفي هامشه عن ابن عساكر ج 13 ص 257: ب.
28- العقد الفريد ج 2 ص 281.
29- شرح النهج للمعتزلي ج 12 ص 81، فإنها قضية هامة. وليراجع أيضاً الفتوح لابن أعثم ج 3 ص 87 و 88 فإنها قضية هامة أيضاً.


source : rasekhoon
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

رؤيا هند زوجة يزيد بن معاوية
الأوضاع قبل البعثة النبوية
مناظرة هشام بن‌الحكم مع عالم شامي بمحضر الامام ...
الاستيلاء على مقاليد الدولة الإسلامية
السيده رقيه بنت الحسين عليها السلام
خروج الإمام الحسين(عليه السلام) من مكة إلى العراق
التبليغ بين صلاح المجتمع وفساده
فدك والحسنان عليهما السلام
المتعة ؛ سنة في زمن الرسول(ص) و أبي بکر ـ (الحلقة ...
عشر في تقدم الشيعة في فنون الشعر في الإسلام

 
user comment