خروج المعاقين لا يعدّ ظلماً من الله :
السؤال: أُودّ أن أسأل عن الأطفال الذين يولدون مصابين بحالات إعاقة ، فهناك من يعترض على حكم الله جلّ جلاله في هذا الأمر ، والكثير يسأل هل من العدل أن يولد هكذا أطفال لآباء مذنبين ، فيكون عقاب الأهل بأن رزقهم
____________
1- التوحيد : 321 .
|
الصفحة 567 |
|
الله هكذا مولود ؟ وما ذنب الطفل ليعيش هكذا حياة ، وهو ولد بلا ذنب ارتكبه بيده ؟
كيف نستطيع أن نفسّر عدل الله بهذه الحالة لإنسان لا يمكن أن يستوعب البرّ على البلاء والمصيبة ؟
ولكم جزيل الشكر ، ودمتم في كنف الله وحفظه .
الجواب : ينبغي أن يعلم أنّ الأُمور التكوينية التي تجري في العالم ، هي على قسمين :
أحدهما : يكون السبب عمل الناس ، وإليه يشير قوله سبحانه : { ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} (1) .
والعذاب النازل على الأُمم السابقة يندرج في هذا الإطار ، وخروج الأولاد معاقين كثيراً ما يكون لأجل فعل آبائه ، ومعلوم أنّه لا يمكن أن يتحمّل الطفل وزر أبويه ، قال الله سبحانه : { وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى } (2) ، ولكن بعض الأفعال القبيحة تصبح كالنار في إحراقها ، فلو ألقى أحد طفلاً في النار فهو يحترق جزماً ، وليس في ذلك ظلم من الله سبحانه عليه ، بل الظالم من ألقاه في النار ، فلو قطع أحد رقبة أحد ، فمقطوع الرقبة سوف يموت جزماً ، أو دسّ أحد سمّاً قاتلاً في طعام ، فالذي دسّ إليه السمّ سوف يموت حتماً ، وليس في ذلك ظلم من الله سبحانه ، بل الظالم هو قاطع الرقبة ، والذي دسّ إليه السمّ .
وخروج الأطفال معاقين في معظم الأحيان لأجل سوء عمل الأبوين عند المواقعة، أو لشرب بعض الأدوية ، أو غيرها من الأسباب التي أشار إليها الرسول (صلى الله عليه وآله) في النصيحة التي قدّمها إليها بواسطة الإمام علي (عليه السلام) ، وليس في
____________
1- الروم : 41 .
2- الأنعام : 164 .
|
الصفحة 568 |
|
ذلك ظلم من الله سبحانه والعياذ بالله على أحد ، وهذا كلّه في القسم الأوّل .
ثانيهما : الحوادث التي تحدث في العالم قد قدّرت ونظّمت ، ورتّبت طبق اقتضاء الحكمة البالغة ، وتلك الحكمة هي التي تتحكّم ، بأنّ يولد لأحد ولد وللآخر تولد البنت ، والأعمار تقدّر تحت هذه الحكمة الإلهية ، التي تكون ضمن الآجال الحتمية ، ويدخل تحت هذا أن يكون شخص من ذرّية رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، والآخر من ذرّية شخص آخر ، ويدخل في هذا الإطار ، وفي هذا القسم وجود معاقين من صلب أبوين شريفين ملتزمين بجميع نصائح النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، وأوامر الشريعة الغرّاء ، ويكون في هذا البلاء وامتحان للمعاق ولغيره .
إنّ المقادير تجري كما قدّرها الله سبحانه ، ولا راد لقضائه ، ولا مبدّل لحكمه ، ولا تدرك عقولنا مغزى الحكمة ، وليس يدخل ذلك في الظلم ، لأنّ الظلم هو وضع الشيء في غير محلّه ، والله لا يفعل ذلك ، والصابر على قضاء الله مأجور ، والجازع مأزور ، كما ورد في بعض الروايات ، وإلى هذا المعنى يشير الإمام الحسين (عليه السلام) في بعض كلماته : " لا محيص عن يوم خطّ بالقلم ، رضى الله رضانا أهل البيت ، نصبر على بلائه ، ويوفّينا أُجور الصابرين ... " (1) .
وقد روى الشيخ الصدوق بسنده عن جابر بن يزيد الجعفي قال : ( قلت : لأبي جعفر محمّد بن علي الباقر (عليهما السلام) : يا ابن رسول الله ، أنا نرى من الأطفال من يولد ميّتاً ، ومنهم من يسقط غير تامّ ، ومنهم من يولد أعمى ، أو أخرس ، أو أصم ، ومنهم من يموت في ساعته إذا سقط على الأرض ، ومنهم من يبقى إلى الاحتلام ، ومنهم من يعمّر حتّى يصير شيخاً ، فكيف ذلك وما وجهه ؟
فقال (عليه السلام) : " إنّ الله تبارك وتعالى أولى بما يدبّره من أمر خلقه منهم ،
____________
1- مثير الأحزان : 29 .
|
الصفحة 569 |
|
وهو الخالق والمالك لهم ، فمن منعه التعمير فإنّما منعه ما ليس له ، ومن عَمّرَهُ فإنّما أعطاه ما ليس له ، وهو المتفضّل ما أعطاه ، وعادل فيما منع ، ولا يُسأل عمّا يفعل ، وهم يسألون " .
قال جابر : فقلت : يا ابن رسول الله ، وكيف ولا يسأل عمّا يفعل ؟
قال (عليه السلام) : " لأنّه لا يفعل إلاّ ما كان حكمة وصواباً ، وهو المتكبّر الجبّار ، والواحد القهّار ، فمن وجد في نفسه حرجاً في شيء ممّا قضى الله فقد كفر ، ومن أنكر شيئاً من أفعاله جحد " ) (1) .