عربي
Sunday 24th of November 2024
0
نفر 0

الامام‌ الحسين‌(ع) في‌ مواجهة‌ الانحراف‌

الامام‌ الحسين‌(ع) في‌ مواجهة‌ الانحراف‌

المقدّمة‌:

لا شك‌ أن‌ رسالة‌ الاءسلام‌ اعظم‌ واكمل‌ الرسالات‌ الاءلهية‌ التي‌ بعث‌ اللهبها خير خلقه‌ علي‌ الاءطلاق‌، وكانت‌ أحد أهدافها الرئيسية‌ اءقامة‌ العدل‌ومواجهة‌ الظلم‌ بكل‌ّ انواعه‌ واتجاهاته‌. ليهنأ الاءنسان‌ ويعيش‌ بكرامة‌،وتتوفر له‌ فرصة‌ التحرك‌ في‌ مدارج‌ الكمال‌.

ولم‌ تكن‌ هذه‌ المسألة‌ خطابا او شعاراً استهلاكياً للحصول‌ علي‌ اكثرأنصار، واءنّما هي‌ استراتيجية‌ الاءسلام‌ في‌ حركته‌ نحو سعادة‌ الاءنسانية‌واءدارة‌ الحياة‌ وتنظيم‌ الحقوق‌، وقد كان‌ كتاب‌ الله صريحاً في‌ هذا المجال‌والحديث‌ والسلوك‌ النبوي‌ نموذجاً تطبيقياً لما جاء به‌ الوحي‌.
والاءمامة‌ بعد رسول‌ الله (ص) كانت‌ المنهج‌ الذي‌ يحفظ‌ الاءسلام‌ في‌حركته‌ الفكرية‌ والتطبيقية‌ باتجاه‌ أهداف‌ الاءسلام‌ ليمتد الي‌ كل‌ّ الاجيال‌وكل‌ّ الناس‌.
اءلاّ أن‌ التحرك‌ غير المسؤول‌ الذي‌ تلي‌ رحلة‌ الرسول‌ (ص) من‌ بعض‌الصحابة‌ أدي‌ الي‌ تغيير الواقع‌ الاءسلامي‌، واتجاه‌ حركة‌ الاُمة‌ الاءسلامية‌ونفوذ أعداء الدين‌، وهذه‌ نقطة‌ بداية‌ المأساة‌ وحلول‌ الكارثة‌؛ حيث‌ لم‌تكتف‌ بالسيطرة‌ علي‌ الحكم‌ فحسب‌ واءنّما قامت‌ باحتلال‌ موقع‌ النبوة‌والاءمامة‌، وبدأت‌ تتخبط‌ بشكل‌ أضرّ بالاءسلام‌ فكرياً وعملياً، لالتزام‌الاجيال‌ التي‌ تكترث‌ باقوالهم‌ وافعالهم‌ باعتبارها تمثل‌ الدين‌ وجزءً من‌نصوصه‌ المقدسة‌، ولم‌ تنته‌ِ المسألة‌ الي‌ هذا الحد، واءنّما قاموا بعمليات‌اءقصاء للاسس‌ التي‌ يمكن‌ الرجوع‌ اليها لتقويم‌ المسيرة‌ فشملت‌:
1 - اءقصاء القرآن‌ من‌ الحياة‌، بتفسيره‌ وفق‌ هوي‌ الحاكم‌.
2 - اءقصاء السنّة‌ النبوية‌ الشريفة‌.بمنع‌ تدوينها ومنع‌ المخلصين‌ من‌الصحابة‌ بنشر الحديث‌ النبوي‌، واءعطاء المجال‌ واسعاً للدخلاء علي‌الاءسلام‌ لنشر اباطيلهم‌ وأكاذيبهم‌ .
3 - اءقصاء الاءمام‌ الشرعي‌ الذي‌ اختاره‌ الله تعالي‌ للاُمة‌ بعدالرسول‌(ص) .
وفي‌ هذه‌ الاجواء الخانقة‌ فقدت‌ الاُمة‌:
1 - الكتاب‌ والسنة‌ باعتبارهما المصدرين‌ اللذين‌ تأخذ منهمااحكامها الشرعية‌.
2 - الاءمام‌ المعصوم‌ الذي‌ يمثّل‌ الرسالة‌ الاءسلامية‌ وعياً وتطبيقاً.
واختفاء الكتاب‌ والسنة‌ والقيادة‌ المعصومة‌ بأي‌ مستوي‌ وشكل‌،يساهم‌ بأضرار وخسارات‌ عظيمة‌ علي‌ الاُمة‌ يصعب‌ جبرانها منها:
اـ ضياع‌ التفسير الصحيح‌ للاءسلام‌ في‌ أجواء الضجيج‌ وكثرة‌الاجتهادات‌.
ب‌ ـ فقدان‌ الاُمة‌ للقدوة‌ الصالحة‌، لماكان‌ الرسول‌ مع‌ الاُمة‌ فهو القدوة‌والاُسوة‌، ولما اختاره‌ الله الي‌ الرفيق‌ الاعلي‌ فحاجة‌ الاُمة‌ الي‌ القدوة‌ ـبأجيالها المتعاقبة‌ - لم‌ تنته‌ِ.
ج‌ ـ الانقسام‌ الي‌ اتجاهات‌ ومذاهب‌ كثيرة‌ تختلف‌ في‌ قراءتهاللاءسلام‌.
د ـ اءيجاد فرصة‌ لنفوذ اعداء الاءسلام‌ التقليديين‌ للانتقام‌ من‌ الاءسلام‌والمسلمين‌.
ه ـ خسارة‌ الاءنسانية‌ للمشروع‌ الاءلهي‌ للاءنقاذ علي‌ جميع‌ المستويات‌.وفي‌ هذه‌ الاجواء والظروف‌ التي‌ حذفت‌ فيها المصادر الفكرية‌والتطبيقية‌ استحدثت‌ وتوّلدت‌ معطيات‌ غريبة‌ لا تنسجم‌ مع‌ روح‌الاءسلام‌، ساهمت‌ في‌ تغيير الحقائق‌ والمعايير، وألبس‌ الاءسلام‌ ثوب‌الجاهلية‌ بعد ما أفرغ‌ من‌ محتواه‌ اءلاّ بالمقدار الذي‌ يقوّم‌ السلطة‌ الحاكمة‌ويمكنها من‌ رقاب‌ المحتمع‌.
وانتهي‌ الامر الي‌ اجتهادات‌ فردية‌ ارتجالية‌ حلّت‌ مكان‌ الاحكام‌الاءسلامية‌، والتي‌ كوّنت‌ فيما بعد المدارس‌ الفقهية‌ التي‌ خلطت‌ جزءً من‌السنّة‌ مع‌ تلك‌ الا´راء فأنتجت‌ فقه‌ الاحكام‌ الذي‌ لا يبتغي‌ اءلاّ استقرارعرروشهم‌، وكانت‌ من‌ اءفرازاته‌ قانون‌ الغلبة‌ والسيف‌ والكثرة‌، واءقرارحكام‌ الجور والظلمة‌ والطلقاء وابناء الطلقاء، ورفعوا بذلك‌ جميع‌الالتزامات‌ المفروضة‌ علي‌ الحاكم‌ وذهب‌ ضحية‌ ذلك‌ خيرة‌ ابناء الاُمة‌ورجالاتها المخلصين‌. واستولي‌ علي‌ الحكم‌ الاءسلامي‌ أصحاب‌ المواقف‌المخزية‌ من‌ الاءسلام‌ ورسول‌ الكريم‌(ص) أمثال‌ بني‌ اُمية‌، وهؤلاء جعلوامن‌ أنفسهم‌ الممثلين‌ لتفسيرالاءسلام‌ وطرح‌ نظرته‌، وأعلنوا العداءوالحرب‌ لا´ل‌ بيت‌ النبي‌(ص)، وللصحابة‌ الذين‌ لايرتضون‌ سلوكهم‌المنحرف‌، مع‌ كل‌ّ ذلك‌ اعتبروا الخروج‌ عليهم‌ خروجاً علي‌ الاءسلام‌والجماعة‌ وشق‌ عصا الطاعة‌، وأحياناً يتهم‌ المخالف‌ لهم‌ بالزندقة‌ والكفر.
فالمسألة‌ لم‌ تنته‌ بالسيطرة‌ علي‌ السلطة‌، واءنما تهدر وجود الاءسلام‌كدين‌ للاءنسانية‌ يريد انقاذها، فاءذا استمرّ الحال‌ علي‌ هذا المنوال‌ فلم‌ يبق‌منه‌ بنو اُميّة‌ شيئاً يذكر.
ففي‌ هذه‌ الاجواء وهذه‌ النشاطات‌ الجادة‌ لمحو الاءسلام‌ كانت‌ حركة‌الاءمام‌ الحسين‌ (ع) باتجاه‌ الفكر لتحريك‌ الوعي‌ العام‌، وباتجاه‌ الدين‌ ونحوالاءمامة‌ والخلافة‌ ليحمّل‌ الاُمة‌ مسؤوليتها فيما يحدث‌، لان‌ّ الاُسلوب‌الاُموي‌ في‌ السياسة‌ والحكم‌، استطاع‌ ان‌ يجعل‌ دور الاُمة‌ هامشياً وتابعاًلاءرادتهم‌، وألفت‌ ذلك‌ الجماهير المسلمة‌ التي‌ عاشت‌ تحت‌ ظل‌ السلطة‌الاُموية‌ وسيفها القاهر.
ونتيجة‌ للاءرهاب‌ الذي‌ تعرّضت‌ له‌ الاُمة‌ من‌ الاُمويين‌ أخذت‌بالانصراف‌ تدريجيا عن‌ مراقبة‌ الحكام‌ والاخذ علي‌ أيديهم‌ حين‌يخطئون‌.
وبهذا تم‌ اءقصاء الاُمة‌ عن‌ دورها الاساسي‌ في‌ المراقبة‌ والتوجيه‌وممارسة‌ دورها في‌ الامر بالمعروف‌ والنهي‌ عن‌ المنكر، الاداة‌ العمليّة‌لتقويم‌ الانحراف‌ علي‌ جميع‌ المستويات‌، والا´ليّة‌ السلميّة‌ في‌ مراحلهاالاوليّة‌ لاسترجاع‌ الحقوق‌ واءيقاف‌ الظالم‌ عند حدوده‌؛ ومن‌ اجل‌ ذلك‌جعل‌ الله اللعنة‌ علي‌ بني‌ اسرائيل‌ لتركهم‌ هذه‌ الوظيفة‌ بقوله‌ تعالي‌: لعن‌الذين‌ كفروا من‌ بني‌ اسرائيل‌ علي‌ لسان‌ داود وعيسي‌ بن‌ مريم‌ ذلك‌ بماعصوا وكانوا يعتدون‌، كانوا لا يتناهون‌ عن‌ منكر فعلوه‌ لبئس‌ ما كانوايفعلون‌.
ولسعة‌ مفهوم‌ الامر بالمعروف‌ والنهي‌ عن‌ المنكر الذي‌ يشمل‌جميع‌ انواع‌ الاءصلاح‌ الفكري‌ والسياسي‌ والاجتماعي‌ كان‌ بيان‌ الاءمام‌الحسين‌ (ع): «اءني‌ لم‌ أخرج‌ أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً واءنّما خرجت‌ لطلب‌الاءصلاح‌ في‌ أمّة‌ جدي‌ أريد ان‌ آمر بالمعروف‌ وأنهي‌ عن‌ المنكر».
فكانت‌ ثورته‌ (ع) لبناء اُمة‌ قادرة‌ علي‌ أداء وظيفة‌ الامر بالمعروف‌والنهي‌ عن‌ المنكر والحفاظ‌ علي‌ جميع‌ المستويات‌، سائرة‌ علي‌ خطي‌الحسين‌(ع) في‌ أداء هذه‌ الوظيفة‌ متفاعلة‌ مع‌ منهجه‌ وأهدافه‌ تعيش‌ هموم‌الاءسلام‌، تستمد وتستلهم‌ من‌ حركته‌ روح‌ المقاومة‌، تفكر بالعطاء،وتحسب‌ الربح‌ والخسارة‌ التي‌ تحصل‌ عليها المبادي‌ والقيم‌ الاءسلامية‌الرفيعة‌ .
الحسين‌ في‌ مواجهة‌ الواقع‌ المنحرف‌
اءقصاء اهل‌ البيت‌: وأزمات‌ المستقبل‌:
لقد ساهم‌ التسامح‌ في‌ مسألة‌ الاءمامة‌ علي‌ رسم‌ نقطة‌ البداية‌ باتجاه‌ لايلتقي‌ مع‌ الغايات‌ الرساليّة‌، والرسالات‌ السماويّة‌، فكانت‌ بداية‌ الافتراق‌ونقطة‌ الانطلاق‌ التي‌ رسمها الجهل‌ بعواقب‌ الافعال‌ ونتائجها باب‌ فتنة‌،فُتحت‌ ولم‌ تُغلق‌، ولم‌ تكن‌ هذه‌ النهاية‌ خافية‌ علي‌ الواعين‌ من‌ الاُمة‌ واءنماكانت‌ واضحة‌ النتائج‌ لكثير منهم‌، ولكن‌ قصر النظر وتفسير الخلافة‌ علي‌أنها سلطان‌ ومكسب‌ أدي‌ الي‌ أن‌ يدخل‌ البعض‌ في‌ صراع‌ ومنافسة‌ مع‌الائمة‌ الشرعيّين‌ من‌ جهة‌، ومع‌ المنافسين‌ لهم‌ من‌ امثالهم‌، وكانت‌حجّتهم‌ علي‌ امثالهم‌: (من‌ ينازعنا سلطان‌ محمّد وميراثه‌، نحن‌ اولياؤه‌وعشيرته‌. اءلاّ مدل‌ بباطل‌ أومتجانف‌ لاءثم‌ ، أومتورط‌ في‌ هلكة‌).
فلم‌ ينظر الي‌ الخلافة‌ ألاّ من‌ جهة‌ كونها سلطة‌ ومقاماً دنيوياً، وهي‌رؤية‌ هابطة‌ ومتدنية‌ لا تحمل‌ أي‌ بعد حضاري‌ وديني‌ ورسالي‌؛ ولهذاكانت‌ ضريبتها علي‌ الاُمة‌ باهضة‌ جداً، وجبرانها عسير وماساتها عامّة‌وفسادها واسع‌ وجرحها عميق‌. وكلّفت‌ الاخطاء التي‌ اُرتكبت‌ عمداً من‌البعض‌ بعد وفاة‌ الرسول‌(ص) جهوداً ودماء وتضحيات‌، كان‌ موقعهاالطبيعي‌ ان‌ توظّف‌ في‌ طريق‌ البناء الحضاري‌ وخدمة‌ المجتمع‌ الاءنساني‌،والي‌ يومنا هذا شغل‌ المسلمون‌ بتلك‌ السيرة‌ لاءصرار البعض‌ علي‌ اتخاذهامبداً، وفرضها علي‌ وعي‌ المسلم‌ والتزاماته‌ باعتبارها المشروع‌ الاءسلامي‌.وقد رأت‌ الاُمة‌ الاءسلامية‌ الامتدادات‌ او التفاعلات‌ العمليّة‌ عبر القرون‌الماضية‌ وتأثيراتها السلبية‌ في‌ وعي‌ المسلم‌ وعناصر القوة‌ للاءسلام‌،والمشروع‌ الاءسلامي‌ في‌ اءقامة‌ العدل‌ والقسط‌ ومحاربة‌ الجور والظلم‌.
ومنذ اللحظة‌ الاُولي‌ كان‌ موقف‌ أهل‌ البيت‌ (ع) واضحاً من‌ هذه‌المسألة‌، وذلك‌ لاءدراكهم‌ خطورة‌ المصير الذي‌ ستنتهي‌ اءليه‌ الاُمة‌، ولذلك‌كانت‌ تقترن‌ مطالبتهم‌ بحقّهم‌ في‌ الخلافة‌، مواقفهم‌ من‌ المنهج‌ الانحرافي‌والتهديد الذي‌ تختلقه‌ التفاعلات‌ والتعقيدات‌ المستقبلية‌ لهذا الامر،والنهاية‌ المأساوية‌ التي‌ ستتعرض‌ لها الاُمة‌. نتيجة‌ تعاطيها وتسامحها مع‌تلك‌ المواقف‌ غير المبدئية‌ التي‌ كانت‌ تمثل‌ اءسقاطات‌ الذات‌ علي‌ الواقع‌الخارجي‌ فصبغت‌ بممارساتها الحياة‌ بصبغتها، فأفرزت‌ اُطروحات‌اءنسانية‌ ناقصة‌ تحمل‌ في‌ ثناياها ازمات‌ ومشاكل‌، ولدت‌ لحظة‌
ولادة‌ الا´راء الجديدة‌ الغربية‌ عن‌ روح‌ الاءسلام‌، وتفاقمت‌ الي‌ الحد
الذي‌ وضع‌ المجتمع‌ الاءسلامي‌ في‌ موقف‌ يقتل‌ ذرية‌ رسوله‌(ص)ويعرّضهم‌ للسبي‌.
اءمامة‌ أهل‌ البيت‌: ضمان‌ من‌ الاءنحراف‌:
الاءمامة‌ في‌ مدرسة‌ أهل‌ البيت‌: عهد الهي‌ يضعه‌ الله حيث‌ يشاءوهو استمرار لخط‌ النبوة‌ ووظائفها ولا يليق‌ اءلاّ لشخصيات‌ معينة‌، اطلع‌الله علي‌ كمالاتهم‌ واستعداداتهم‌ فانتخبهم‌ لذلك‌، فالخلافة‌ للنبي‌ والاءمامة‌للاُمة‌ لم‌ تكن‌ سلطة‌ وامتيازات‌ واءنّما مسؤولية‌ ومهمات‌ عظيمة‌ لا يؤديهااءلاّ من‌ عرف‌ الله قدرتهم‌ علي‌ ذلك‌.
جاء في‌ الروايات‌ ان‌ الاءمامة‌ وسياسة‌ المجتمعات‌ كانت‌ من‌ وظائف‌الانبياء، وتجربة‌ بني‌ اسرائيل‌ النموذج‌ الاكثر وضوحا في‌ هذا المجال‌، قال‌رسول‌ الله (ص) :
«كانت‌ بنو اسرائيل‌ تسوسهم‌ الانبياء كلّما ملك‌ نبي‌ خلفه‌ نبي‌»
فالاءمامة‌ مسؤولية‌ عظمي‌ تتحقق‌ بها غايات‌ الرسالة‌ واهدافها،ويعيش‌ الاءمام‌ للاهداف‌ والمبادي‌ء، ويتجرد من‌ المسائل‌ التي‌ تؤثر علي‌أداء مسؤوليته‌ ولهذا قال‌ الاءمام‌ علي‌ (ع) :
«لا يقيم‌ أمرالله اءلاّ من‌ لا يصانع‌ ولا يضارع‌ ولا يتبع‌ المطامع‌».
وقد أوضح‌ الاءمام‌ علي‌ بن‌ موسي‌ الرضا (ع) وصف‌ الاءمام‌ بقوله‌:
«للاءمام‌ علامات‌: يكون‌ أعلم‌ الناس‌، وأحكم‌ الناس‌، واتقي‌ الناس‌، وأحلم‌الناس‌ واشجع‌ الناس‌، وأسخي‌ الناس‌، وأعبد الناس‌...»
قال‌(ع): «اءن‌ّ الاءمامة‌ اُس‌ الاءسلام‌ النامي‌ وفرعه‌ السامي‌، بالاءمام‌ تمام‌الصلاة‌ والزكاة‌ والصيام‌ والحج‌ والجهاد، وتوفير الفي‌ء والصدقات‌ واءمضاء الحدودوالاحكام‌ ومنع‌ الثغور والاطراف‌.
والاءمام‌ يحلّل‌ حلال‌ الله ويحرّم‌ حرام‌ الله، ويقيم‌ حدود الله ويذب‌ّ عن‌ دين‌ اللهويدعو الي‌ سبيل‌ ربّه‌ بالحكمة‌ والموعظة‌ الحسنة‌ والحجّة‌ البالغة‌.
الاءمام‌ كالشمس‌ الطالعة‌ للعالم‌، وهي‌ بالاُفق‌؛ بحيث‌ لا تنالها الايدي‌ والابصار،الاءمام‌ البدر المنير والسراج‌ الزاهر والنور الساطع‌ والنجم‌ الهادي‌ في‌ غياهب‌ الدجي‌،والبيد القفار ولجج‌ البحار.
الاءمام‌ الماء العذب‌ علي‌ الظمأ، والدال‌ علي‌ الهدي‌ والمنجي‌ من‌ الردي‌.
والاءمام‌ النار اليفاع‌ الحار لمن‌ اصطلي‌ به‌، والدليل‌ في‌ المهالك‌ من‌ فارقه‌فهالك‌...
الاءمام‌ الامين‌ الرفيق‌ والوالد الرقيق‌ والاخ‌ الشفيق‌ ومفزع‌ العباد في‌ الداهية‌.
الاءمام‌ أمين‌ الله في‌ أرضه‌ وحجّته‌ علي‌ عباده‌ وخليفته‌ في‌ بلاده‌ الداعي‌ الي‌ اللهوالذاب‌ّ عن‌ حُرم‌ الله.
الاءمام‌ المطهر من‌ الذنوب‌ المبرّأ من‌ العيوب‌، مخصوص‌ بالعلم‌ موسوم‌ بالحلم‌،نظام‌ الدين‌ وعز المسلمين‌، وغيظ‌ المنافقين‌ وبوار الكافرين‌.
الاءمام‌ واحد دهره‌، لا يدانيه‌ أحد ولا يعادله‌ عالم‌ ولا يوجد منه‌ بدل‌ ولا له‌ مثل‌ولا نظير، مخصوص‌ بالفعل‌ كله‌ من‌ غير طلب‌ منه‌ له‌ ولا اكتساب‌، بل‌ اختصاص‌ من‌المفضل‌ الوهاب‌..
فمن‌ ذا الذي‌ يبلغ‌ معرفة‌ الاءمام‌ ويمكنه‌ اختياره‌؟
فكيف‌ لهم‌ باختيار الاءمام‌؟ والاءمام‌ عالم‌ لا يجهل‌ راع‌ لا ينكل‌.معدن‌ القدس‌ والطهارة‌ والنسك‌ والزهادة‌ والعلم‌ والعبادة‌، مخصوص‌بدعوة‌ الرسول‌ وهو نسل‌ المطهرة‌ البتول‌ لا مغمز فيه‌ في‌ نسب‌ ولا يدانيه‌ذو حسب‌.
فالاءمام‌ يمثل‌ اعلي‌ درجات‌ الكمال‌ الاءنساني‌ ودرجات‌ القرب‌الاءلهي‌.
والاءخلاص‌ لربه‌ والتقييد بشرائعه‌ والعالم‌ الذي‌ لا يشتبه‌ ولا تلتبس‌عليه‌ الاُمور المعصوم‌ من‌ الزلل‌.
ولاجل‌ الاوصاف‌ التي‌ ذكرها الحديث‌ الرضوي‌ وغيره‌ من‌الاحاديث‌ اصبح‌ اهل‌ البيت‌ كما قال‌ النبي‌(ص):
«النجوم‌ أمان‌ لاهل‌ السماء، واهل‌ بيتي‌ امان‌ لاهل‌ الارض‌، فاءذا ذهبت‌ النجوم‌اتي‌ اهل‌ السماء ما يكرهون‌، واءذا ذهب‌ أهل‌ بيتي‌ أتي‌ اهل‌ الارض‌ ما يكرهون‌»فاءبعاد أهل‌ البيت‌: عن‌ مواقعهم‌ التي‌ رتّبهم‌ الله بها واءبعاد منهجهم‌ عن‌واقع‌ الحياة‌ الاءسلامية‌ يساوق‌ اءبعاد الاءسلام‌ وعزله‌ عن‌ الحياة‌؛ لانهم‌الممثل‌ الحقيقي‌ للاءسلام‌، ولذلك‌ يفقد المجتمع‌ بفقدهم‌:
1 - الموجه‌ للمسيرة‌ الاءنسانية‌ باتجاه‌ الكمال‌.
2 - الرؤية‌ الكاملة‌ والنقية‌ للاءسلام‌ في‌ المجالات‌ علي‌ المستوي‌النظري‌.
3 - المثال‌ الاعلي‌ للتعامل‌ علي‌ اساس‌ الاءسلام‌ في‌ جميع‌ نواحي‌الحياة‌.
الحركة‌ اءلاصلاحية‌ في‌ حياة‌ الائمة‌:
نريد بالائمة‌ خصوص‌ الاءمام‌ علي‌(ع) والاءمام‌ الحسن‌(ع)؛ لان‌الحديث‌ عنهما يرتبط‌ بالاءمام‌ الحسين‌ (ع)، حيث‌ كانت‌ هذه‌ الفترة‌ فيهاعناصر مشتركة‌، ومعاصرتهم‌ (ع) لها جعلت‌ الاحداث‌ التي‌ جرت‌ معهم‌والمواقف‌ منهاذات‌ صلة‌ وثيقة‌ بهم‌.
فعندما أخطأ أهل‌ السقيفة‌ الصواب‌ وانتهي‌ الامر الي‌ اءقصاء الاءمام‌علي‌(ع) والائمة‌ من‌ بعده‌، وأقصيت‌ معهم‌ مناهج‌ بناء المجتمع‌ العلمية‌والمعنوية‌ والعدل‌ والحق‌ بين‌ افراده‌ وتفعيل‌ التنمية‌ الاقتصادية‌، والقضاءعلي‌ الفوارق‌ الطبقية‌ وتوفير العيش‌ الحر الكريم‌، وتقوية‌ البناء الداخلي‌للمجتمع‌، وتهذيب‌ العادات‌ والتقاليد من‌ الزوائد التي‌ لا تتفق‌ مع‌ الاءسلام‌،ورفع‌ المستوي‌ الاخلاقي‌ وغيرها من‌ المسائل‌ المهمة‌ كانت‌ من‌ ضمن‌وظائف‌ الاءمام‌ وأهداف‌ الاءسلام‌.
ومن‌ جانب‌ آخر عمل‌ الحكام‌ علي‌ غير هدي‌ ولا كتاب‌، فكانت‌الا´راء الارتجالية‌ الفردية‌ أحد مصادر التشريع‌؛ ومن‌ هنا بدأت‌ المخالفات‌تزداد كلما تقدموا في‌ الزمان‌ وابتعدوا عن‌ زمان‌ الرسالة‌، وكلما استحدثت‌مسائل‌ جديدة‌، واختلطوا مع‌ مجتمعات‌ غريبة‌ عنهم‌ بتاريخها الثقافي‌؛وهذه‌ المسائل‌ وتراكماتها وآثارها أدت‌ الي‌ نقل‌ المجتمع‌ الي‌ ثقافة‌جديدة‌ تتضاعف‌ فيها مسؤولية‌ المصلح‌ الديني‌؛ ولذلك‌ عندما جاء الاءمام‌علي‌(ع) الي‌ الخلاقة‌ واجهته‌ عقبات‌ كثيرة‌ مانعة‌ من‌ تحقق‌ أداء رسالته‌ في‌الاءصلاح‌ في‌ مجالاته‌ المختلفة‌، لكنّه‌ (ع) استمر بمنهجه‌ الاءصلاحي‌، وكان‌في‌ المجالات‌ التالية‌:
1 - المجال‌ الحقوقي‌
الغي‌ الامتيازات‌ الحقوقية‌ التي‌ جاءت‌ نتيجة‌ للتركيب‌ الطبقي‌ في‌المجتمع‌، وأقر المساواة‌ في‌ الحقوق‌ والفرص‌ والواجبات‌ فكان‌ يقول‌(ع):
«الذليل‌ عندي‌عزيز حتي‌ آخذ الحق‌ّ له‌، والقوي‌ عندي‌ ضعيف‌ حتي‌ آخذ الحق‌منه‌».
وقال‌: «أيها الناس‌، اعينوني‌ علي‌ أنفسكم‌، وأيم‌ الله لانصفن‌ المظلوم‌ من‌ ظالمه‌،ولاقودن‌ الظالم‌ بخزامته‌ حتي‌ اورده‌ منهل‌ الحق‌، وان‌ كان‌ كارها».
2 - المجال‌ الاقتصادي‌
كان‌ العطاء علي‌ اساس‌ الطبقة‌ التي‌ ينتمي‌ اليها المواطن‌، امّا في‌ دولة‌علي‌ (ع) فهو يقول‌: «وايّما رجل‌ استجاب‌ للّه‌ وللرسول‌ فصدّق‌ ملتنا ودخل‌ في‌ديننا،واستقبل‌ قبلتنا، فقد استوجب‌ حقوق‌ الاءسلام‌ وحدوده‌ فأنتم‌ عباد الله، والمال‌مال‌ الله، يقسم‌ بينكم‌ بالسوية‌ لا فضل‌ لاحد علي‌ أحد، وللمتقين‌ عند الله غدا أحسن‌الجزاء».
3 - المجال‌ الاءداري‌
اتّخذ منهجاً يختلف‌ عمّا سبقه‌ في‌ اختيار الولاة‌ والعمّال‌ ووضع‌شروطاً لذلك‌:
اـ الكفاءة‌ علي‌ أداء المسؤولية‌
«أيها الناس‌، اءن‌ أحق‌ّ الناس‌ بهذا الامر اقواهم‌ عليه‌، وأعملهم‌ بأمر الله فيه‌».
ب‌ ـ حسن‌ السابقة‌ والصلاح‌
«ثم‌ الصق‌ بذوي‌ المروءات‌ والاحساب‌، وأهل‌ البيوت‌ الصالحة‌ والقدم‌ في‌الاءسلام‌ فاءنهم‌ اكرم‌ اخلاقاً وأصح‌ اعراضاً».
ج‌) العدالة‌ والتقوي‌
«فاخفض‌ لهم‌ جناحك‌ وألن‌ لهم‌ جانبك‌، وابسط‌ لهم‌ وجهك‌ وآس‌ بينهم‌ في‌اللحظة‌ والنظرة‌؛ حتي‌ لا يطمع‌ العظماء في‌ حيفك‌ لهم‌ ولا ييأس‌ الضعفاء من‌عدلك‌عليهم‌».
د) حب‌ المجتمع‌
«واشعر قلبك‌ الرحمة‌ للرعية‌ والمحبة‌ لهم‌ واللطف‌ بهم‌».
وقد شكّلت‌ خطب‌ ورسائل‌ الاءمام‌ علي‌ (ع) أروع‌ تجسيد لتعاليم‌القرآن‌ ومنهجه‌ في‌ بناء الفرد والمجتمع‌ الصالح‌، وهو بذلك‌ قد وضع‌اسس‌ الدولة‌ الاءسلامية‌ المبدئية‌ والمجتمع‌ الاءسلامي‌ النموذجي‌ بكل‌تشكيلاته‌، وأوضح‌ الحقوق‌ المتبادلة‌ بين‌ الاُمة‌، وقادها بطريقة‌ تختلف‌عما سبقه‌ ولحقه‌، وتتفق‌ مع‌ سيرة‌ الرسول‌ (ص) والقرآن‌ الكريم‌.
واستمرّ الاءمام‌ الحسن‌ (ع) خلال‌ فترة‌ خلافته‌ علي‌ نفس‌ المنهج‌ الذي‌كان‌ عليه‌ الاءمام‌ علي‌ (ع)، ولكن‌ جهل‌ المجتمع‌ وتفاعل‌ الفتنة‌ فرضاالصلح‌ علي‌ الاءمام‌ الحسن‌ (ع) حفظاً لطائفة‌ مؤمنة‌، تتبّني‌ المنهج‌ الحق‌،ولاءيقاف‌ المجتمع‌ علي‌ حقيقة‌ بني‌ اُمية‌ عامة‌ ومعاوية‌ خاصة‌، وتحقق‌ذلك‌.
الاءمام‌ الحسين‌ محمدي‌ وعلوي‌ المنهج‌:
كان‌ الاءمام‌ الحسين‌ (ع) يؤكّد نفس‌ المنهج‌ الذي‌ كان‌ عليه‌ الاءمام‌علي‌(ع)، والذي‌ كان‌ يمثل‌ اصدق‌ صورة‌ للقرآن‌ والسيرة‌ النبوية‌، فالاءمام‌الحسين‌ (ع) كان‌ مشروعه‌ الاءصلاحي‌ صورة‌ للقران‌ والسيرة‌ النبوية‌،فالاءمام‌ الحسين‌ (ع) كان‌ مشروعه‌ الاءصلاحي‌ هو العمل‌ بسيرة‌ الرسول‌(ص)والاءمام‌ علي‌(ع)؛ ولهذا قال‌ في‌ وصيته‌ لاخيه‌ محمدبن‌ الحنفية‌:
«واءني‌ لم‌ أخرج‌ أشراً ولا بطراً، ولا مفسداً، ولا ظالماً، واءنما خرجت‌ لطلب‌الاءصلاح‌ في‌ اُمة‌ جدي‌(ص) أريد أن‌ آمر بالمعروف‌ وانهي‌ عن‌ المنكر، وأسير بسيرة‌جدي‌ وأبي‌ علي‌ بن‌ ابي‌ طالب‌، فمن‌ قبلني‌ بقبول‌ الحق‌ّ، فاللّه‌ أولي‌ بالحق‌ّ، ومن‌ ردّعلي‌َّ هذا أصبر حتي‌ يقضي‌ الله بيني‌ وبين‌ القوم‌ وهو خير الحاكمين‌».
فالاءمام‌ الحسين‌ (ع) سار علي‌ نفس‌ منهج‌ الاءصلاح‌ وباتجاه‌ نفس‌الهدف‌ واءن‌ اختلف‌ الموقف‌ بشكل‌ يتناسب‌ مع‌ الظروف‌ الموضوعية‌،والدور الخطير الذي‌ لعبه‌ الاُمويون‌ في‌ تهديد الدين‌ وحاجة‌ الاُمة‌ الي‌مواقف‌ تهز وجدانها الديني‌ والاءنساني‌، ويوقف‌ هذا التدهور، ويعالج‌الانحراف‌ ويرجع‌ الاُمة‌ الي‌ موقعها الذي‌ ينبغي‌ ان‌ تكون‌ فيه‌، ويهزقواعد الحكم‌ الاُموي‌ ويكشف‌ واقعه‌ الحقيقي‌.
الانحدار الخطير:
نتيجة‌ لتراكم‌ الاخطاء السابقة‌ والابتعاد عن‌ الدين‌ والاهتمام‌الحكومي‌ بقضية‌ الحكم‌ والترف‌، والتعامل‌ مع‌ ممتلكات‌ الاُمة‌ باعتبارهاملكاً لقريش‌ والاُمة‌ تعمل‌ لبني‌ أُميّة‌، وكل‌ّ ما تتملك‌ الاُمة‌ فهو ملك‌ لهم‌،واضاف‌ يزيد الي‌ ذلك‌ ان‌ اشراف‌ الاُمة‌ عبيد له‌، وطلب‌ البيعة‌ علي‌ ذلك‌وقتل‌ من‌ أبي‌'.
وكان‌ الجهاز الحاكم‌ يدير الاُمة‌ بهذه‌ الطريقة‌، ويتعامل‌ معها بكل‌ مالديه‌ من‌ انحراف‌ فكري‌ وسلوكي‌.
وهذا المستوي‌ المتدني‌ والانحراف‌ الظاهري‌ يهدّد اصل‌ الدين‌ ولهذالايمكن‌ السكوت‌ عليه‌ حتي‌ أذا ادي‌ الي‌ التضحيات‌ الجسام‌. فلاينظر في‌هذه‌ المواقع‌ الي‌ المصلحة‌ الشخصية‌ وما يترتب‌ علي‌ التصدي‌ لهذا الواقع‌المنحرف‌. لان‌ّ الدين‌ ضرب‌ من‌ جميع‌ الجهات‌ وهوجم‌ علي‌ جميع‌الاتجاهات‌ ولم‌ يقف‌ الاُمويون‌ عند حدٍّ معين‌. وانما كانوا في‌ حركة‌ دائمة‌بالاتجاه‌ المعاكس‌ للدين‌، ولو قدّر لهذه‌ النشاطات‌ المعادية‌ للاءسلام‌ ان‌تستمر لايبقي‌ رجاء بسلامة‌ الدين‌.ولنقضت‌ حلقاته‌ الواحدة‌ بعدالاُخري‌، ولسيطرت‌ مجموعة‌ متهتكه‌ علي‌ مقدرات‌ المجمتع‌ ومقدساته‌بلا مخالفة‌.
وقد أثار سلوك‌ يزيد أشراف‌ أهل‌ المدينة‌ المنوّرة‌ عندما وفدوا عليه‌،حيث‌ رجعوا يقولون‌: قدمنا من‌ رجل‌ ليس‌ له‌ دين‌ يشرب‌ الخمر،ويضرب‌ بالطنابير، ويعزف‌ عنده‌ القيان‌، ويلعب‌ بالكلاب‌، ويسمر عنده‌الخراب‌ - وهم‌ اللصوص‌ ـ واءنانشهدكم‌ انا قد خلعناه‌». وقام‌ عبد الله بن‌حنظلة‌ الغسيل‌ فقال‌:جئتكم‌ من‌ عند رجل‌ لو لم‌ أجد اءلاّ بني‌ هؤلاءلجاهدته‌ بهم‌. وقد أعطاني‌ واكرمني‌ وما قبلت‌ منه‌ عطاءه‌ اءلاّ لاتقوّي‌' به‌،فخلعه‌ الناس‌، وبايعوا عبدالله بن‌ حنظلة‌ الغسيل‌ علي‌ خلع‌ يزيد وولوه‌عليهم‌.
وكان‌ عمّال‌ يزيد علي‌ طريقته‌ بالانحراف‌ عن‌ الدين‌ والتظاهربمخالفة‌ الشريعة‌ وارتكاب‌ المحرمات‌، وقد ذكر ابن‌ عبد ربّه‌ ذلك‌ بقوله‌:
«(يزيد بن‌ معاوية‌) صاحب‌ طرب‌ وجوارح‌ وكلاب‌ وقرود وفهود ومنادمة‌ علي‌الشراب‌، وغلب‌ علي‌ اصحاب‌ يزيد وعمّاله‌ ما كان‌ يفعله‌ من‌ الفسوق‌، وفي‌ أيامه‌ ظهرالغناء بمكة‌ والمدينة‌، واستعملت‌ الملاهي‌ وأظهر الناس‌ شرب‌ الشراب‌».
فاشتركت‌ تركيبة‌ حكومية‌ كاملة‌ بالفسق‌ والاستهتار بقيم‌ السماءوالعمل‌ علي‌ عزل‌ احكام‌ الاءسلام‌ عن‌ مسرح‌ الحياة‌، ونشر ثقافة‌ التهتك‌والتحلل‌ من‌ الالتزامات‌ الاءسلامية‌ الظاهرية‌ العامة‌ فضلاً عن‌ الالتزامات‌الخاصة‌ علي‌ الولاة‌ والخليفة‌؛ لانهم‌ القائمون‌ علي‌ اءقامة‌ الاءسلام‌ واءجراءأحكامه‌.
اتفاق‌ هذه‌ التشكيلة‌ الحكومية‌ أدت‌ الي‌ السقوط‌ والوصول‌ الي‌ أدني‌مستوي‌ من‌ الاءنحطاط‌، وشكّلت‌ اكبر خطراً علي‌ الاءسلام‌ والاُمة‌ الاءسلامية‌،وأعظم‌ حاجر عن‌ تحقق‌ غايات‌ الشريعة‌، وأوسع‌ ضوضاء في‌ أجواءالعقيدة‌.
الحسين‌(ع) يحطّم‌ الصمت‌:
عند ما هلك‌ معاوية‌ وخلّف‌ يزيد علي‌ الاُمة‌ بما يتصف‌ به‌ من‌ مجون‌وفسوق‌ وجرأة‌ علي‌ ارتكاب‌ المحرمات‌، عاشت‌ الاُمة‌ حالة‌ قلق‌
ووجل‌ من‌ مستقبل‌ هذه‌ السلطة‌ وخطرها علي‌ الاءسلام‌ عقيدة‌ شريعة‌
واُمة‌.
وفي‌ هذه‌ الاجواء المملوءة‌ بالارهاب‌ والانحرافات‌ الواسعة‌ عن‌الاءسلام‌، والمخاطر المحدقة‌ بالصالحين‌ من‌ ابناء الاُمة‌، كان‌ الاءمام‌الحسين‌(ع) محط‌ الانظار، والبقية‌ الباقية‌ من‌ آل‌ البيت‌: وهو اءمام‌المسلمين‌ وقدوتهم‌، والهادي‌ لهم‌ علي‌ المستوي‌ الفكري‌ والعقائدي‌والسلوكي‌.
طلبت‌ الحكومة‌ الاُموية‌ من‌ الاءمام‌ البيعة‌، وفعلها هذا خلاف‌ لمعاهدة‌الصلح‌ التي‌ عقدت‌ مع‌ معاوية‌؛ حيث‌ اشترط‌ ان‌ يكون‌ الامر للاءمام‌ الحسن‌اءذا هلك‌ معاوية‌ واءذا حدث‌ امر للاءمام‌ الحسن‌(ع) فالاءمام‌ الحسين‌(ع). ثم‌ اءن‌ولاية‌ العهد بدعة‌ لم‌ يألفها المسلمون‌ ولا تتفق‌ مع‌ ثقافتهم‌، واءضافة‌ الي‌ذلك‌ لم‌ يكن‌ يزيد من‌ الشخصيات‌ المجهولة‌ عند الاُمة‌ واءنّما كان‌ واضحاًومعروفاً جداً لسلوكه‌ الشاذ عن‌ المستوي‌ الطبيعي‌، ولعدم‌ تحفّظه‌ من‌ عمل‌المنكر والمجاهرة‌ به‌.
في‌ مثل‌ هذه‌ الظروف‌ المتشنجة‌ طلب‌ الحكم‌ الاُموي‌ من‌ الاءمام‌ (ع)البيعة‌ ليزيد، وكانت‌ بطلب‌ من‌ يزيد مباشرة‌؛ اذ كتب‌ الي‌ الوليد بن‌ عتبة‌ابن‌ ابي‌ سفيان‌ :
(امّا بعد فخذ حسيناً وعبد الله بن‌ عمر وابن‌ الزبير بالبيعة‌ أخذا شديداليس‌ فيه‌ رخصة‌ حتي‌ يبايعوا والسلام‌).
في‌ هذا الوقت‌ أعلن‌ الاءمام‌ الحسين‌ (ع) عن‌ موقفه‌ من‌ حكومة‌ يزيدومن‌ شخصية‌ يزيد بقوله‌ وهو يخاطب‌ والي‌ المدينة‌:
«...اءنّا اهل‌ بيت‌ النبوة‌ ومعدن‌ الرسالة‌، ومختلف‌ الملائكة‌، ومهبط‌ الرحمة‌، بنافتح‌ الله، وبنا يختم‌، ويزيد شارب‌ الخمر، وقاتل‌ النفس‌ المحترمة‌، معلن‌ بالفسق‌،ومثلي‌ لا يُبايع‌ مثله‌، ولكن‌ نصبح‌ وتصبحون‌، وننظر وتنظرون‌، أينا أحق‌ بالخلافة‌والبيعة‌».
وقال‌ لمروان‌ بن‌ الحكم‌: «علي‌ الاءسلام‌ السلام‌ اءذا ابتليت‌ الاُمة‌ براع‌ مثل‌يزيد، ولقد سمعت‌ جدي‌ رسول‌ الله(ص) يقول‌: الخلاقة‌ محرّمة‌ علي‌ آل‌ ابي‌ سفيان‌؛فاءذا رأيتم‌ معاوية‌ علي‌ منبري‌ فابقروا بطنه‌، وقد رآه‌ أهل‌ المدينة‌ علي‌ المنبر فلم‌ يبقروافابتلاهم‌ الله بيزيد الفاسق‌».
بهذه‌ المواقف‌ الصريحة‌ والمبدئية‌ بدأ الاءمام‌ الحسين‌ (ع) حركته‌،وعيّن‌ الموقف‌ من‌ حكومة‌ يزيد؛ فتحطم‌ الصمت‌ وبدأ الكلام‌ عن‌ شرعية‌وكفاءة‌ يزيد لهذا المقام‌، فبدأ ولم‌ ينته‌، وأسس‌ مدرسته‌ مواجهة‌ مع‌ يزيدالماضي‌ وكل‌ّ يزيدي‌ السلوك‌ علي‌ طول‌ التاريخ‌.
الاءمام‌ الحسين‌ (ع) يعلم‌ بشهادته‌:
البيانات‌ الاُولي‌ للاءمام‌ الحسين‌ (ع) كانت‌ واضحة‌ وممتلئة‌ بعلم‌ الاءمام‌بالنتيجة‌ النهاية‌ التي‌ ستنتهي‌ اليها حركته‌(ع)، والشخصيات‌ المعاصرة‌كانت‌ تحذّر من‌ النتائج‌ المرشحة‌ للظهور، واستمرت‌ التحذيرات‌ للاءمام‌من‌ جميع‌ الاطراف‌ التي‌ لها خبرة‌ بتركيبة‌ المجتمع‌ الكوفي‌ وطريقة‌تعامل‌ الحكومة‌ الاُموية‌ مع‌ معارضيها.
ولم‌ تكن‌ هذه‌ المسائل‌ خفية‌ علي‌ الاءمام‌ (ع) واءنما كان‌ عالماً بالذي‌سيحدث‌؛ وأخبر بذلك‌ كما في‌ قوله‌: «خط‌ّ الموت‌ علي‌ ولد آدم‌ مخط‌ القلادة‌علي‌ جيد الفتاة‌، وما اولهني‌ الي‌ اسلافي‌ اشتياق‌ يعقوب‌ الي‌ يوسف‌! وخير لي‌ مصرع‌أنا لاقيه‌، كأنّي‌ بأوصالي‌ تقطّعها عسلان‌ الفلاة‌ بين‌ النواويس‌ وكربلاء فيملان‌ّ مني‌اكراشاً جوفا وأجربة‌ سغبا، لا محيص‌ عن‌ يوم‌ خط‌ بالقلم‌ رضا الله رضانا أهل‌ البيت‌».
وهذا المستوي‌ من‌ العلم‌ اشترك‌ غير الاءمام‌ مع‌ الاءمام‌ به‌ لقراءة‌الاحداث‌ واستعداد الشخصيات‌ الرسمية‌ علي‌ ارتكاب‌ ابشع‌ الجرائم‌ من‌غير حدود وقيود والتزامات‌، ولكن‌ الامر الذي‌ يفترق‌ به‌ الاءمام‌ عن‌ غيره‌هو معرفة‌ النتائج‌ التي‌ سيؤدي‌ اءليها موقفه‌ وشهادته‌ وانتهاك‌ حرمته‌،والتأثير الذي‌ ستخلّفه‌ الفاجعة‌.
اءقصاء الاءسلام‌ عن‌ الحياة‌:
اراد الله تعالي‌ لدينه‌ عقيدة‌ وشريعة‌ ان‌ يكونا ظابطة‌ لفكر وسلوك‌الاءنسان‌، وجعل‌ من‌ أنبيائه‌ واوليائه‌ أئمة‌ ليكونوا قادة‌ العباد وساسة‌ الاُمة‌،وجاء في‌ الحديث‌ النبوي‌: «كان‌ بنوا اءسرائيل‌ تسوسهم‌ الانبياء كلما ملك‌ نبي‌خلفه‌ نبي‌».
السياسة‌ الدينيّة‌ تعتقد أن‌ الاُمة‌ أمانة‌، والاءمام‌ أمين‌ عليها، ويتولّي‌قيادتها علي‌ خط‌ الهدي‌ باتجاه‌ رضا الله ورضوانه‌، ويتم‌ هذا بولاية‌ امرهاوتعليمها الكتاب‌ والحكمة‌ وهدايتها الي‌ العمل‌ الصالح‌، ومنعها عن‌الاعمال‌ المانعة‌ من‌ الوصول‌ الي‌ الله. وتجنّبها الفتن‌ والشكوك‌ بنشرالمعرفة‌، والحكم‌ في‌ المجتمع‌ واءرادته‌ وفق‌ الشريعة‌ الاءلهية‌ (فاحكم‌ بينهم‌بما أنزل‌ الله ولا تتبع‌ اهواءهم‌ عمّا جاءك‌ من‌ الحق‌ّ).
ولكن‌ يمكن‌ ان‌ يتعرض‌ الانبياء أو الائمة‌ (ع) لحالات‌ اضطهادواستضعاف‌ في‌ غفلة‌ من‌ الاُمة‌ أو جهل‌ لما يؤدي‌ اءليه‌ هذا الامر من‌ ضرّرعلي‌ المجتمع‌ فردا وجماعة‌، وعلي‌ الدين‌ من‌ أهداف‌ وغايات‌ كبري‌.
فعزل‌ الائمة‌ (ع) امر ممكن‌، وقد عزل‌ عن‌ تنفيذ مقام‌ الاءمامة‌ بعض‌الانبياء وكذلك‌ منع‌ الانبياء: اوالائمة‌: عن‌ ممارسة‌ دورهم‌ في‌ قيادة‌المجتمع‌ علي‌ المستويات‌ المذكورة‌، واءلقاؤهم‌ في‌ السجون‌ او قتلهم‌ومحاولة‌ اءلغاء دورهم‌ وقدرة‌ تأثيرهم‌.
والتاريخ‌ يشهد علي‌ الذين‌ شغلوا مقام‌ الائمة‌ (ع) بالغوا في‌ اءزوائهم‌واءبعادهم‌ عن‌ مسرح‌ الحياة‌، وأحيانا يحاولون‌ ان‌ يضيّعوا اسماءهم‌ فضلاًعن‌ مبدئهم‌ ورسالتهم‌، وهذا الامر لوقدّر له‌ الانفراد في‌ الساحة‌ الفكرية‌كما هو الحال‌ في‌ السلطة‌ فسينتهي‌ الامر الي‌ سيادة‌ ثقافة‌ الحكّام‌ واختفاءالرسالة‌ الاءلهية‌ الاصيلة‌،وهذه‌ أحد وسائل‌ تحريف‌ الاديان‌ وتفريغها من‌محتواها وتغيير اتجاهها.
وأراد الاُمويون‌ للرسالة‌ الاءسلامية‌ هذا المصير وهذه‌ النهاية‌.
ففي‌ عصر الاءمام‌ الحسين‌ (ع) كان‌ الاءسلام‌ مستهدفاً، والمواقف‌الاُموية‌ من‌ القرآن‌ والنبي‌(ص) وعترته‌ واصحابه‌ ومدينته‌ وبيت‌ اللهالحرام‌. كلها تشير علي‌ الاتجاه‌ والاهداف‌ العدائية‌ التي‌ يقصدونها في‌حركتهم‌، وخلقوا اجواءً اءرهابية‌ لدعم‌ مخططهم‌ العدائي‌ تدعمه‌ مجموعة‌وعاظ‌ السلطة‌ واصحاب‌ الاطماع‌ والمتخاذلون‌ الذين‌ لا يبالون‌ ولايهتمون‌ بأمر الدين‌، وما يتعرض‌ له‌ من‌ تهديد اءذا ضمنت‌ مصالحهم‌.
ففي‌ هذه‌ الاجواء المملوءة‌ بالاءرهاب‌ وهذه‌ الانحرافات‌ الكبيرة‌ عن‌الاءسلام‌، والمخاطر المحيطة‌ بالاُمة‌ ورجالاتها المخلصين‌، والهجمة‌الشرسة‌ علي‌ الاءسلام‌ عقيدة‌ وشريعة‌ كان‌ اءمام‌ المسلمين‌ الحسين‌ (ع) وهوالمسؤول‌ عن‌ صيانة‌ الدين‌ من‌ التحريف‌ والاُمة‌ من‌ الانحراف‌، وقد دُعي‌لبيعة‌ يزيد بن‌ معاوية‌ الذي‌ عرفته‌ الاُمة‌ بالفجور وشرب‌ الخمر، وقد ذكره‌الحاجز في‌ كتاب‌ التاج‌ بقوله‌:
«وكان‌ ملوك‌ الاءسلام‌ من‌ يدمن‌ علي‌ شربه‌ الخمر، يزيد بن‌ معاوية‌، وكان‌ لايمسي‌ اءلاّ سكران‌ ولايصبح‌ اءلاّ مخموراً».
خيارات‌ ومواقف‌:
في‌ اليوم‌ الاول‌ من‌ طلب‌ البيعة‌ ليزيد من‌ الاءمام‌ الحسين‌(ع) نظرالاءمام‌ الي‌ الامر فرأي‌ امامه‌ خيارين‌ وقد ذكرهما عندما اشتكي‌ لجدّه‌رسول‌ الله (ص) وهو يريد الخروج‌ من‌ المدينة‌ ومن‌ جوار جدّه‌ اءذ قال‌:«بأبي‌ أنت‌ وأُمي‌ يا رسول‌ الله، لقد خرجت‌ من‌ جوارك‌ كرهاً، وفرّق‌ بيني‌ وبينك‌وأخذت‌ قهراً، أن‌ أبايع‌ يزيد شارب‌ الخمر وراكب‌ الفجور، واءن‌ فعلت‌ كفرت‌ واءن‌أبيت‌ قتلت‌، فها أنا خارج‌ من‌ جوارك‌ كرها فعليك‌ مني‌ السلام‌ يارسول‌ الله».
وقد أضاف‌ لهذين‌ الخيارين‌ خياراً ثالثاً في‌ الجملة‌ الاخيرة‌ وهوالخروج‌ من‌ المدينة‌ للتهيؤ للقيام‌ والثورة‌.
وقدم‌ بعض‌ المعترضين‌ علي‌ خروج‌ الاءمام‌ الحسين‌(ع) الي‌ الكوفة‌خياراً رابعاً، وهم‌ لا يرون‌ بيعة‌ ليزيد ولا وفاء لاهل‌ الكوفة‌؛ ولذلك‌ اقترح‌عليه‌ محمد بن‌ الحنفية‌ بالذهاب‌ الي‌ اليمن‌ أو بعض‌ نواحي‌ البر، وقال‌ ابن‌عباس‌: ياابن‌ العم‌، اءني‌ أتصبّر وما أصبر وأتخوّف‌ عليك‌ هذا الوجه‌ الهلاك‌والاستئصال‌، اءن‌ أهل‌ العراق‌ قوم‌ غدر فلاتقربنّهم‌، فأن‌ أبيت‌ اءلاّ ان‌ تخرج‌فسر الي‌ اليمن‌ فاءن‌ بها حصوناً وشعاباً وهي‌ ارض‌ عريضة‌ طويلة‌، ولابيك‌بها شيعة‌، وانت‌ عن‌ الناس‌ في‌ عزلة‌ فتكتب‌ الي‌ الناس‌ وترسل‌ وتبث‌دعاتك‌ فاءني‌ أرجوا أن‌ يأتيك‌ عند ذلك‌ الذي‌ تحب‌ّ في‌ عافية‌).
فالاءمام‌ الحسين‌،(ع) أمامه‌مجموعة‌ من‌ الخيارات‌ أحلاها مرّ.وسنتعرض‌ الي‌ ذكرها وموقف‌ الاءمام‌(ع) منها وهي‌ كالتالي‌:
الخيار الاول‌: أن‌ يبايع‌ يزيد:
وهذا الموقف‌ لا ينسجم‌ مع‌ هذه‌ المرحلة‌، ولانه‌ يعتبر نوعاً من‌اشكال‌ الموافقة‌، فهو يعطي‌ قوة‌ لحكومة‌ يزيد المعادية‌ للاءسلام‌، ومن‌ ثم‌يؤدي‌ الي‌ زيادة‌ نشاط‌ الفعاليات‌ الاُموية‌ ضد الاءسلام‌ وعزل‌ اكثر لاهل‌البيت‌: وقد عبر الاءمام‌ عن‌ هذا الموقف‌ بالكفر بقوله‌ :
(وان‌ فعلت‌ كفرت‌) وعبّر عنه‌ بالذلّة‌ كما في‌ قوله‌: «ألا ان‌ الدّعي‌ وابن‌الدّعي‌ ركز بين‌ اثنتين‌ بين‌ السلّة‌ والذلّة‌، وهيهات‌ منا الذلة‌».
الخيار الثاني‌: لا يبايع‌ ولا يترك‌ المدينة‌ اومكة‌:
اءذا بقي‌ الاءمام‌ الحسين‌ (ع) في‌ المدينة‌ ولم‌ يبايع‌ فاءنه‌ يقتل‌، وقد ذكرذلك‌ بقوله‌:
(وان‌ أبيت‌ قتلت‌). وكان‌ كتاب‌ يزيد الي‌ الوليد بن‌ عتبة‌ يأمر بذلك‌.وقدكان‌ نص‌ الكتاب‌ يقول‌: اءذا أتاك‌ كتابي‌ هذا فأحضر الحسين‌ بن‌ علي‌وعبدالله بن‌ الزبير والسلام‌.
واءذا قام‌ الاءمام‌ الحسين‌ في‌ مكة‌ ولم‌ يبايع‌ فاءن‌ بني‌ أُمية‌ لايعرفون‌حرمة‌ لكعبة‌ او نبي‌ او ابن‌ نبي‌، فاءذا لجأ الاءمام‌ الحسين‌ الي‌ الكعبة‌ فاءنّهم‌اضافة‌ الي‌ اغتياله‌ ينتهكون‌ بيت‌ الله الحرام‌، وقد قال‌ لابن‌ الزبير: «أن‌ أبي‌حدّثني‌ أن‌ لها كبشاً به‌ تستحل‌ّ حرمتها فما أحب‌ ان‌ اكون‌ أنا ذلك‌ الكبش‌».
وقال‌: «والله لان‌ّ اُقتل‌ خارجاً منها بشبر أحب‌ّ الّي‌ من‌ أن‌ أقتل‌ فيها».
ولم‌ يكن‌ هذا الامر مجرد حذر واءنما (د س‌ عمروبن‌ سعيد بأمر بن‌يزيد مع‌ الحاج‌ ثلاثين‌ رجلاً من‌ شياطين‌ بني‌ اُمية‌، وأمرهم‌ باغتيال‌الحسين‌(ع) ولو كان‌ متعلّقاً باستار الكعبة‌.
فالنتيجة‌ هي‌ القتل‌ اغتيالاً أوصبراً وكلاهما لا يخدم‌ رسالة‌ الاءمام‌الحسين‌(ع).
الخيار الثالث‌ : يذهب‌ الي‌ اليمن‌:
وقدّم‌ هذا الاقتراح‌ ابن‌ الحنفيّة‌ وابن‌ عباس‌، وقد اجاب‌ الاءمام‌الحسين‌(ع) ابن‌ عباس‌: «يابن‌ عم‌ اءني‌ أعلم‌ أنك‌ ناصح‌ مشفق‌». وقال‌ (ع): «واللهلا يدعوني‌ حتي‌ يستخرجوا هذه‌ العلقة‌ من‌ جوفي‌؛ فاءذا فعلوا سلط‌ الله عليهم‌ من‌ يذلّهم‌حتي‌ يكونوا أذل‌ّ من‌ فرام‌ المرأة‌».
واليمن‌ حتي‌ اءذا وجد فيها شيعة‌ للاءمام‌ الحسين‌ (ع) اءلاّ أنهم‌ لايقاسون‌بالكوفة‌ من‌ ناحية‌ العدة‌ والعدد والولاء والمنعة‌ وهم‌ مع‌ كل‌ّ هذا لم‌ يخرج‌منهم‌ اءلاّ اليسير لنصرة‌ الحسين‌ (ع) فكيف‌ باليمن‌؟ ثم‌ اءذا حدثت‌ مواجهة‌وانتهت‌ الي‌ ما انتهت‌ اءليه‌ واقعة‌ الطف‌ فأنها لا تخلق‌ أثراً، لانها في‌ موقع‌بعيد عن‌ المراكز المهمة‌ للبلاد الاءسلامية‌.
وعلي‌ فرض‌ ذهاب‌ الاءمام‌ الحسين‌ الي‌ اليمن‌ وبايعه‌ أهل‌ اليمن‌وخلعوا يزيد فهم‌ لايمتلكون‌ القدرة‌ علي‌ نشر دعوتهم‌ لعوامل‌ متعددة‌،منها: موقعهم‌ الجغرافي‌ وقلة‌ الارتباطات‌ وصعوبتها، وعدم‌ وجود الكثافة‌السكانية‌، واءمكان‌ القضاء عليهم‌ بسهولة‌؛ لانهم‌ لم‌ يمتلكوا القدرة‌ علي‌مواجهة‌ غارات‌ كان‌ يوجّهها اليهم‌ معاوية‌، وأهل‌ اليمن‌ لم‌ يدعوا الاءمام‌اليهم‌ ولم‌ يبايعوه‌؛ فذهابه‌ اليهم‌ من‌ غير دعوة‌ لا يجعل‌ موقعه‌ في‌مقام‌القوة‌.
والمحصلة‌ النهاية‌ أن‌ بني‌ اُمية‌ لا يتركون‌ الاءمام‌ الحسين‌(ع) اءذا لم‌يدخل‌ في‌ بيعة‌ يزيد بقول‌ الاءمام‌ الحسين‌ (ع):
«لو دخلت‌ جحر هامة‌ من‌ هذه‌ الهوام‌ لاستخرجوني‌ حتي‌ يقتلوني‌».
الخيار الرابع‌: يرفض‌ البيعة‌ ويدعو لنفسه‌:
فقال‌ (ع): «مثلي‌ لا يُبايع‌ مثله‌»، وقد سبق‌ أن‌ وثيقة‌ الصلح‌ التي‌ كتبت‌بين‌ الاءمام‌ الحسن‌ (ع) ومعاوية‌ اشترط‌ بها ان‌ تكون‌ الخلافة‌ للاءمام‌الحسن‌(ع) بعد هلاك‌ معاوية‌، واءذا حدث‌ حادث‌ فللحسين‌(ع). وبيعة‌ يزيدأحد مخالفات‌ معاوية‌ للمعاهدة‌ التي‌ عقدت‌ بينه‌ وبين‌ الحسن‌ (ع) وهذاأوّل‌ المبررات‌، ثم‌ ان‌ يزيد فاسق‌ وفاجر لا تنعقد له‌ بيعة‌ اءضافة‌ الي‌ ذلك‌قول‌ الاءمام‌ الحسين‌ (ع) الذي‌ نقله‌ عن‌ جدّه‌: الخلافة‌ محرّمة‌ علي‌ آل‌ ابي‌سفيان‌). وقد ذكر هذا في‌ الصفحات‌ السابقة‌
وقول‌ الرسول‌ (ص): «من‌ رأي‌ سلطاناً جائراً مستحلاّ لحرام‌ الله ناكثاً عهده‌مخالفاً لسنّة‌ رسول‌ الله يعمل‌ في‌ عباد الله بالاءثم‌ والعدوان‌ فلم‌ يغيّر عليه‌ بفعل‌ ولا قول‌كان‌ حقّاً علي‌ الله أن‌ يدخله‌ مدخله‌، ألا واءن‌ هؤلاء قد لزموا طاعة‌ الشيطان‌ وتركواطاعة‌ الرحم'ن‌، واظهروا الفساد وعطّلوا الحدود، واستاثروا بالفي‌ء، وأحلّوا حرام‌ اللهوحرّموا حلاله‌، وأنا أحق‌ من‌ غيري‌».
فالاءمام‌ الحسين‌ (ع) كما تقدم‌ لايرضي‌ البيعة‌ ليزيد، والاخير لابيعة‌ له‌علي‌ الشرائط‌ المطلوبة‌ في‌ الاءمام‌ أوالخليفة‌، ثم‌ اءذا انعقدت‌ فهي‌ تنفسخ‌لانه‌ لم‌ يلتزم‌ بشي‌ء من‌ لوازمها. وقد تقدم‌ ذكر بعض‌ افعال‌ يزيد.
وقد خطب‌(ع) بأصحابه‌ في‌ كربلاء قائلاً: «ألا ترون‌ الحق‌ّ لا يعمل‌ به‌ والي‌الباطل‌ لا يتناهي‌ عنه‌، ليرغب‌ المؤمن‌ في‌ لقاء الله، اءنّي‌ لا أري‌ الموت‌ اءلاّ سعادة‌ والحياة‌مع‌ الظالمين‌ اءلاّ برما».
فالاءمام‌ المنصوب‌ من‌ الله تعالي‌ اميناً علي‌ رسالته‌ عقيدة‌ وشريعة‌يري‌ ان‌ الاءسلام‌ في‌ خطر، ولايمكن‌ السكوت‌ لان‌ّ الاءسلام‌ مهدد، لذلك‌يقول‌ (ع): «علي‌ الاءسلام‌ السلام‌ اءذا ابتليت‌ الاُمة‌ براع‌ مثل‌ يزيد».
تأسيس‌ خط‌ المقاومة‌:
لو استقام‌ الامر للطغاة‌ من‌ دون‌ مراقب‌ ومعترض‌ وثائر لوحّدوا الاُمة‌علي‌ اتجاه‌ واحد، ولجمعوا كلمتهم‌ علي‌ رأي‌ واحد ولعبّاوهم‌ نحو هدف‌واحد، لم‌ يكن‌ للدين‌ فيها موقع‌ ولم‌ تغب‌ للسلطان‌ فيها منفعة‌، معبأة‌ في‌طاعة‌ السلطان‌، فارغة‌ من‌ طاعة‌ الله، وغالباً ما تكون‌ عمليات‌ التحريف‌التي‌ تمر بها الاديان‌ السماوية‌ علي‌ أيدي‌ الحكّام‌ الذين‌ مسخرة‌ لخدمة‌مقامهم‌، وهذا الفعل‌ يساوق‌ عملية‌ التحريف‌ وهو الغاء للدين‌ واضلال‌للاُمة‌ ثم‌ استعبادها.
أما تحقيق‌ الاهداف‌ الاءلهية‌ للدين‌ لا تتم‌ اءلاّ باجتباء المولي‌ من‌يعرف‌ عبوديته‌ واءخلاصهم‌ ومؤهلاتهم‌ الاُخري‌ لمقام‌ الاءمامة‌، وقد كان‌ذلك‌ في‌ الاديان‌ السابقة‌، وفي‌ الاءسلام‌ كانت‌ الاءمامة‌ للائمة‌ من‌ العترة‌الطاهرة‌، والحسين‌(ع) أحد الائمة‌ الذين‌ أذهب‌ الله عنهم‌ الرجس‌وطهّرهم‌ تطهيراً، ولكنه‌ منع‌ من‌ ممارسة‌ دوره‌، ومنعت‌ الاُمة‌ من‌ انتخابه‌،فهل‌ يترك‌ الاُمة‌ طعمة‌ لبني‌ اُمية‌ وهي‌ تسير بها باتجاه‌ خطير ومقلق‌ وهواءمام‌ المسلمين‌، يري‌ ان‌ عليه‌ ان‌ يقف‌ بوجه‌ هذا الانحراف‌ الذي‌يستهدف‌ وجود الاءسلام‌ ؟
لم‌ يكتف‌ الاءمام‌ الحسين‌ (ع) بالقيام‌ والتضحية‌ بنفسه‌ وأهل‌ بيته‌ في‌مشروعه‌ للدفاع‌ عن‌ الاءسلام‌ وصيانته‌ للفترة‌ الزمنيّة‌ التي‌ عاشها، واءنّماقام‌ برسم‌ خارطة‌ لبناء اُمة‌ أمينة‌، تلتزم‌ الحق‌ّ قادرة‌ علي‌ حفظ‌ الخط‌ّالاصيل‌ للاءسلام‌ تكون‌ العلامة‌ والدليل‌ علي‌ طول‌ التاريخ‌ الاءسلامي‌ لبيان‌الدين‌ الحق‌ّ الذي‌ جاء به‌ النبي‌ (ص) واراده‌ الله لعباده‌ وفرزه‌ عن‌ الدين‌المزيّف‌ الذي‌ اوجده‌ الاُمويون‌.
اُمة‌ تتحرك‌ بهدي‌ القرآن‌ والسنّة‌ النبوية‌، تأمر بالمعروف‌ وتنهي‌ عن‌المنكر كما في‌ قوله‌ تعالي‌:
(ولتكن‌ منكم‌ اُمة‌ يدعون‌ الي‌ الخير ويأمرون‌ بالمعروف‌ وينهون‌ عن‌ المنكرواُولئك‌ هم‌ المفلحون‌* ولا تكونوا كالذين‌ تفرّقوا واختلفوا من‌ بعد ما جاءهم‌ البينات‌واُولئك‌ لهم‌ عذاب‌ عظيم‌).
ونتيجة‌ لثورة‌ الاءمام‌ الحسين‌ (ع) وما أفرزته‌ من‌ فكر اءصلاحي‌ومقاومة‌ واتجاه‌ مقاوم‌؛ حدث‌ توازن‌ للقوي‌ الاجتماعية‌ التي‌ كادت‌ ان‌تكون‌ طرفاً واحداً يضيع‌ معه‌ الاءسلام‌.
وتحققت‌ اهداف‌ الثورة‌ بقيام‌ طائفة‌، أخذت‌ علي‌ عاتقها مواجهة‌الجائرين‌ للدفاع‌ عن‌ الاءسلام‌. والاُمة‌ بشكل‌ منظّم‌ ومعبّأ، تتحرك‌ علي‌منهج‌ واضح‌ وشعارات‌ اصيلة‌ واهداف‌ مقدّسة‌.
فالاءمام‌ الحسين‌ (ع) أوجد اُمة‌ صالحة‌ وكتلة‌ مؤمنة‌، علمها طريق‌المواجهة‌ والمقاومة‌، وعيّن‌ لها الاتجاه‌، وترك‌ الحكم‌ الاُموي‌ لا يعرف‌الاستقرار والهدوء، فالاُمّة‌ منفصلة‌ عنهم‌ انفصال‌ رفض‌ تام‌.

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

غزوة بدر الكبرى أسبابها وأهميتها
خطبة الإمام الحسين ( عليه السلام ) الأولى يوم ...
الامام‌ الحسين‌(ع) في‌ مواجهة‌ الانحراف‌
غرائب الشخصيات
هل كان ابو علي بن سينا شيعي المذهب؟
فضل العلم على طالبيه
قالوا في زيد بن علي
التشيّع في آذربيجان وآسيا الوسطى
حكومة العلويين في طبرستان .
عباءة "ابو متعب" وعباءة "السيد"

 
user comment