فارسی
سه شنبه 02 مرداد 1403 - الثلاثاء 15 محرم 1446
قرآن کریم مفاتیح الجنان نهج البلاغه صحیفه سجادیه

0
نفر 0

فی رحاب الامام زین العابدین

في رحاب الامام زين العابدين



مقدمة
الحمدلله رب العالمين ‌و‌ الصلاة ‌و‌ السلام علي محمد ‌و‌ آله الطاهرين ‌و‌ بعد:
فان الحديث عن هذا الامام الجليل يطيب القلوب ‌و‌ يسر النفوس ‌و‌ يبهج الأرواح، ذلک لأن الناس جميعا اتفقوا علي الاشادة بما لهذا الامام ‌من‌ أهل بيت النبوة عليهم السلام ‌من‌ المزايا ‌و‌ الشمائل ‌و‌ المعارف ‌و‌ الکرامات ‌و‌ المناقب ‌و‌ الزهد ‌و‌ کثرة العبادة ‌و‌ طول الصبر ‌و‌ عظم الخلق مما جعل المؤالف ‌و‌ المخالف يذعن ‌و‌ يخبت ‌و‌ يعترف بجلالة قدره، ‌و‌ سمو عرفانه، ‌و‌ عظم شأنه، ‌و‌ خطر شخصه، فقد کان له ‌من‌ المهابة في النفوس، ‌ما‌ ذکرته الکتب، ‌و‌ سطرته المعاجم، ‌و‌ سارت ‌به‌ الرکبان، ‌من‌ أسفار الکشف ‌و‌ المعارف، ‌و‌ أعمال البر للفقراء ‌و‌ المحتاجين، ‌و‌ الاحسان حتي لمن أساء اليه، ‌و‌ ‌لا‌ غرو فهو ‌من‌ تلک الشجرة المبارکة، ‌و‌ الهامة العليا ‌من‌ سماء النبوة ‌و‌ الامامة، فمن ‌هو‌ الامام زين العابدين عليه السلام.

جاء في مناقب ابن شهر آشوب ج 2 ص 310.
(مولد علي ‌بن‌ الحسين عليه السلام بالمدينة يوم الخميس في النصف ‌من‌ جمادي الآخرة ‌و‌ يقال يوم الخميس لتسع خلون ‌من‌ شعبان سنة ثمان ‌و‌ ثلاثين ‌من‌ الهجرة، قبل وفاة أميرالمؤمنين عليه السلام بسنتين ‌و‌ قيل: سنة سبع، ‌و‌ قيل سنت ست، فبقي مع جده أميرالمؤمنين الامام علي عليه السلام ‌و‌ مع عمه الحسن عليه السلام عشر سنين، ‌و‌ مع أبيه الحسين عليه السلام عشر سنين، ‌و‌ يقال بقي مع جده سنتين، ‌و‌ مع عمه اثنتي عشرة سنة، ‌و‌ مع أبيه ثلاث عشرة سنة، ‌و‌ أقام بعد أبيه خمسا ‌و‌ ثلاثين، ‌و‌ توفي في المدينة يوم السبت لاحدي عشرة ليلة بقيت ‌من‌ المحرم أو لاثنتي عشرة ليلة سنة خمس ‌و‌ تسعين ‌من‌ الهجرة، ‌و‌ له يومئذ سبع ‌و‌ خمسون سنة، ‌و‌ يقال تسع ‌و‌ خمسون سنة، ‌و‌ کانت امامته أربعا ‌و‌ ثلاثين سنة، ‌و‌ کان في سني امامته بقية ملک يزيد، ‌و‌ ملک معاوية ‌بن‌ يزيد، ‌و‌ ملک مروان ‌و‌ عبدالملک، ‌و‌ توفي في ملک الوليد، ‌و‌ دفن في البقيع مع عمه الحسن عليهماالسلام.

وفي علل الشرائع قال: (کان الزهري اذا حدث عن علي ‌بن‌ الحسين عليه السلام قال حدثني زين العابدين علي ‌بن‌ الحسين فقال له سفيان ‌بن‌ عينية: ‌و‌ لم تقول له زين العابدين قال لأني سمعت سعيد ‌بن‌ المسيب يحدث عن ابن عباس أن رسول الله (ص) قال: «اذا کان يوم القيامة ينادي مناد أين زين العابدين فکأني أنظر الي ولدي علي ‌بن‌ الحسين ‌بن‌ علي ‌بن‌ أبي طالب يخطر بين الصفوف»).

و في ربيع الأبرار عن الزمخشري قال: روي عن النبي (ص) أنه قال: «لله ‌من‌ عباده خيرتان، فخيرته ‌من‌ العرب قريش ‌و‌ ‌من‌ العجم فارس». ‌و‌ کان علي ‌بن‌ الحسين يقول: «أنا ابن الخيرتين» لأن جده رسول الله (ص) ‌و‌ أمه بنت يزدجر ملک فارس ‌و‌ أنشأ أبو الأسود:

و ‌ان‌ غلاما بين کسري ‌و‌ هاشم  
لأکرم ‌من‌ نيطت عليه التمائم

و في علل الشرائع عن الامام الباقر عليه السلام: «ان أبي محمد علي ‌بن‌ الحسين عليه السلام ‌ما‌ ذکر لله عزوجل نعمة عليه الا سجد، ‌و‌ ‌لا‌ قرأ آية ‌من‌ کتاب الله عزوجل فيها سجود الا سجد، ‌و‌ ‌لا‌ دفع الله عزوجل عنه سوءا يخشاه أو کيد کائد الا سجد، ‌و‌ ‌لا‌ فرغ ‌من‌ صلاة مفروضة الا ‌و‌ سجد، ‌و‌ ‌لا‌ وفق للاصلاح بين اثنين الا سجد، ‌و‌ کان أثر السجود في جميع مواضع سجوده فسمي السجاد لذلک».

و في الکامل للمبرد قال: کان اسم أم علي ‌بن‌ الحسين عليه السلام سلافة ‌من‌ ولد يزدجرد، معروفة النسب ‌من‌ خيرات النساء، ‌و‌ قيل خولة، ‌و‌ لقبه عليه السلام ذو الثفنات ‌و‌ الخالص ‌و‌ الزاهد ‌و‌ الخاشع ‌و‌ البکاء ‌و‌ المتهجد ‌و‌ الرهباني ‌و‌ زين العابدين ‌و‌ سيد العابدين ‌و‌ السجاد، ‌و‌ کنيته أبومحمد ‌و‌ أبوالحسن.

الامام زين العابدين ‌و‌ حکام زمانه
و أن الله في خلقه شؤونا فقد شاءت العناية الالهية أن يبقي الامام زين العابدين عليه السلام في کربلاء علي قيد الحياة کي ‌لا‌ ينقطع نسل الامامة، ‌و‌ هي محصورة فيه بعد استشهاد أبيه الامام الحسين عليه السلام ‌و‌ أهل بيته، علي يد جلاوزة يزيد ‌بن‌ معاوية، حيث کان الامام زين العابدين مريضا جدا ‌و‌ مشرفا علي العطب، ‌و‌ قد انصرف بعد وفاة أبيه الي العبادة ‌و‌ التعليم ‌و‌ التدريس ‌و‌ أعمال البر ‌و‌ الخير، التي لم يکن ليعرف فاعلها لولا وفاته عليه السلام، ‌و‌ کانت هيبته في صدور الناس عظيمة نجدة ‌من‌ الله خصه بها ‌و‌ حباه بها.
و قد روي صاحب الخرائج ‌و‌ الجرائح: (ان الحجاج ‌بن‌ يوسف کتب الي عبدالملک ‌بن‌ مروان ‌ان‌ أردت أن يثبت ملکک فاقتل علي ‌بن‌ الحسين عليه السلام. فکتب عبدالملک اليه: أما بعد فجنبني دماء بني هاشم ‌و‌ احقنها فاني رأيت ‌آل‌ أبي سفيان لما أولغوا فيها لم يلبثوا الي أن أزال الله الملک عنهم. ‌و‌ بعث بالکتاب سرا. فکتب علي ‌بن‌ الحسين عليه السلام الي عبدالملک في الساعة التي.أنفذ فيها الکتاب الي الحجاج: «وقفت علي ‌ما‌ کتبت في دماء بني هاشم ‌و‌ قد شکرالله لک ذلک». فلما قدم الغلام أوصل الکتاب اليه، فنظر عبدالملک في تاريخ الکتاب فوجده موافقا لتاريخ کتابه، فلم يشک في صدق زين العابدين، ‌و‌ فرح بذلک ‌و‌ بعث اليه بوقر دنانير ‌و‌ سأله أن يبسط اليه بجميع حوائجه ‌و‌ حوائج أهل بيته ‌و‌ مواليه. ‌و‌ کان في کتابه عليه السلام: «أن رسول الله (ص) أتاني في النوم فعرفني ‌ما‌ کتبت ‌به‌ اليک ‌و‌ ‌ما‌ شکر ‌من‌ ذلک».

و في نفس النسق ‌ما‌ جاء في الخرائج ‌و‌ الجرايح قال: (روي أن الحجاج ‌بن‌ يوسف لما خرب الکعبة بسبب مقاتلة عبدالله ‌بن‌ الزبير، ثم عمروها، فلما أعيد البيت أرادوا أن ينصبوا الحجر الأسود، فکلما نصبه عالم ‌من‌ علمائهم أو قاض ‌من‌ قضاتهم أو زاهد ‌من‌ زهادهم، يتزلزل ‌و‌ يضطرب ‌و‌ ‌لا‌ يستقر الحجر في مکانه، فجاءه علي ‌بن‌ الحسين عليه السلام ‌و‌ أخذه ‌من‌ أيديهم ‌و‌ سمي الله ثم نصبه فاستقر في مکانه ‌و‌ کبر الناس).

و في نفس المصدر عن الباقر عليه السلام أنه قال: (کان عبدالملک يطوف بالبيت ‌و‌ علي ‌بن‌ الحسين يطوف بين يديه ‌و‌ ‌لا‌ يلتفت اليه ‌و‌ لم يکن عبدالملک يعرفه بوجه فقال: ‌من‌ هذا الذي يطوف بين أيدينا ‌و‌ ‌لا‌ يلتفت الينا، فقيل هذا علي ‌بن‌ الحسين عليه السلام. فجلس مکانه ‌و‌ قال: ردوه الي فردوه فقال له: ‌يا‌ علي ‌بن‌ الحسين لست قاتل أبيک فما يمنعک ‌من‌ المصير الي. فقال علي ‌بن‌ الحسين عليه السلام ‌ان‌ قاتل أبي أفسد بما فعله دنياه عليه، ‌و‌ أفسد أبي عليه بذلک آخرته، فان أحببت أن تکون مثله فکن. فقال کلا ‌و‌ لکن صر الينا لتنال ‌من‌ دنيانا، فجلس زين العابدين عليه السلام ‌و‌ بسط رداءه ‌و‌ قال: اللهم أره حرمة أوليائک عندک، فاذا بازاره مملوءة دررا يکاد شعاعها يخطف الأبصار، فقال له: ‌من‌ يکون هذا حرمته عند ربه ‌لا‌ يحتاج الي دنياک. ثم قال: اللهم خذها فلا حاجة لي فيها).

و کان مما حفظ عنه عليه السلام ‌من‌ الدعاء حين بلغه توجه مسلم ‌بن‌ عقبة ‌من‌ قبل يزيد ‌بن‌ معاوية الي المدينة: (رب کم ‌من‌ نعمة أنعمت بها علي ‌قل‌ لک عندها شکري، ‌و‌ کم ‌من‌ بلية ابتليتني بها ‌قل‌ لک عندها صبري، فيا ‌من‌ ‌قل‌ عند نعمته شکري فلم يحرمني، ‌و‌ ‌قل‌ عند بلائه صبري فلم يخذلني، ‌يا‌ ذا المعروف الذي ‌لا‌ ينقطع أبدا، ‌و‌ ‌يا‌ ذا النعماء التي ‌لا‌ تحصي عددا، صل علي محمد وآل محمد وادفع عني شره فاني أدرأ في نحره، ‌و‌ أستعيذ بک ‌من‌ شره) (المناقب ج 4، ص 164)، فقدم مسلم ‌بن‌ عقبة المدينة ‌و‌ کان يقال: لو يريد غير علي ‌بن‌ الحسين عليه السلام. فسلم منه ‌و‌ حباه ‌و‌ وصله.

مناقب الامام زين العابدين
لقد کان مما أضفي الله علي هذا الامام الجليل الهيبة ‌و‌ الاجلال ‌و‌ التقدير ‌و‌ المحبة في قلوب المؤمنين ‌من‌ الناس، ‌و‌ ذلک منحة ‌و‌ منة ‌و‌ نجدة، حبا الله بها أهل بيت النبي (ص) لکرامتهم ‌و‌ قربهم ‌و‌ تزلفهم ‌و‌ اخلاصهم في العبادة ‌و‌ الانقطاع اليه سبحانه ‌و‌ تعالي. فلقد روي المؤرخون أن عبدالملک ‌بن‌ مروان قال لما دخل عليه الامام زين العابدين عليه السلام ‌و‌ الله لقد امتلأ قلبي منه خيفة، ‌و‌ قال مسلم ‌بن‌ عقبة لقد ملي قلبي منه رعبا.

و ‌من‌ المفاخر ‌و‌ المآثر التي أنعم الله ‌به‌ علي الامام زين العابدين عليه السلام ‌ما‌ تحدثت عنه الرکبان ‌و‌ أجمع عليه المؤالف ‌و‌ المخالف ‌و‌ الخاص ‌و‌ العام ‌و‌ استظهرته الکتب ‌و‌ الطوامير ‌ما‌ رواه ابن الجوزي في (صفة الصفوة) ‌و‌ السبکي في (طبقات الشافعية) ‌و‌ ابن العماد الحنبلي في (شذرات الذهب) ‌و‌ اليافي في (مرآة الجنان) ‌و‌ ابن عساکر في (تاريخ ابن عساکر) ‌و‌ ابن خلکان في (وفيات الأعيان) ‌و‌ ابن طلحة الشافعي في (مطالب السؤول) ‌و‌ ابن الصباغ المالکي في (الفصول المهمة) ‌و‌ سبط ابن الجوزي في (تذکرة الخواص) ‌و‌ السيوطي في (شرح شواهد المغني) ‌و‌ ابن کثير الشامي في (البداية ‌و‌ النهاية) ‌و‌ ابن حجر في (الصواعق المحرقة) ‌و‌ الشبلنجي في (نور الأبصار) ‌و‌ أبونعيم في (الحلية) ‌و‌ أبوجعفر فرج الأصفهاني في (الأغاني) ‌و‌ غيرهم العشرات بقولهم:
حج هشام ‌بن‌ عبدالملک فلم يقدر علي استلام الحجر الأسود ‌من‌ الزحام، فنصب له منبر فجلس عليه ‌و‌ أطاف ‌به‌ أهل الشام، فبينما ‌هو‌ کذلک اذا أقبل علي ‌بن‌ الحسين عليه السلام ‌و‌ عليه ازار ورداء ‌من‌ أحسن الناس وجها ‌و‌ أطيبهم رائحة، بين عينيه سجادة کأنها رکبة عنز، فجعل يطوف فاذا بلغ الي موضع الحجر تنحي الناس حتي يستلمه هيبة له، فقال رجل شامي: ‌من‌ هذا ‌يا‌ أميرالمؤمنين؟ فقال: ‌لا‌ أعرفه، لئلا يرغب فيه أهل الشام فقال الفرزدق ‌و‌ کان حاضرا لکني أنا أعرفه، فقال الشامي، ‌من‌ ‌هو‌ ‌يا‌ أبا فراس؟ فأنشأ قصيدة ذکر بعضها في الأغاني ‌و‌ الحلية ‌و‌ الحماسة، منها هذه الأبيات:

يا سائلي أين ‌حل‌ الجود ‌و‌ الکرم  
عندي بيان اذا طلابه قدموا

هذا الذي تعرف البطحاء ‌و‌ طأته  
و البيت يعرفه ‌و‌ الحل ‌و‌ الحرم

هذا ابن خير عبادالله کلهم  
هذا التقي النقي الطاهر العلم

هذا الذي أحمد المختار والده  
صلي عليه الهي ‌ما‌ جري القلم

اذا رأته قريش قال قائلها  
الي مکارم هذا ينتهي الکرم

و ليس قولک ‌من‌ هذا بضائره  
العرب تعرف ‌من‌ أنکرت ‌و‌ العجم

ينجاب نور الدجي عن نور غرته  
کالشمس ينجاب عن اشراقها الظلم

هذا ابن فاطمة ‌ان‌ کنت جاهله  
بجده أنبياء الله قد ختموا

الله فضله قدما ‌و‌ شرفه  
جري بذاک له في لوحه القلم  

بيوتهم في قريش يستضاء بها  
في النائبات ‌و‌ عند الحکم ‌ان‌ حکموا

فجده ‌من‌ قريش في أرومتها  
محمد ‌و‌ علي بعده علم

بدر له شاهد ‌و‌ الشعب ‌من‌ أحد  
و الخندقان ‌و‌ يوم الفتح قد علموا

و خيبر ‌و‌ حنين يشهدن له  
و في قريضة يوم صيلهم قتم

فغضب هشام ‌و‌ منع جائزته ‌و‌ قال: ألا قلت فينا مثلها، قال هات جدا کجده ‌و‌ أبا کأبيه ‌و‌ أما کأمه حتي أقول فيکم مثلها، فحبسوه بعسفان بين مکة ‌و‌ المدينة، فبلغ ذلک علي ‌بن‌ الحسين عليه السلام فبعث اليه باثني عشر ألف درهم، ‌و‌ قال: اعذرنا ‌يا‌ أبا فراس فلو کان عندنا أکثر ‌من‌ هذا لوصلناک به، فردها، ‌و‌ قال: ‌يا‌ ابن رسول الله (ص) ‌ما‌ قلت الذي قلت الا غضبا لله ‌و‌ رسوله، ‌و‌ ‌ما‌ کنت لأرزا عليه شيئا. فردها اليه ‌و‌ قال: بحقي عليک لما قبلتها، فقد رأي الله مکانک ‌و‌ علم نيتک. فقبلها. فجعل الفرزدق يهجو هشاما ‌و‌ ‌هو‌ في الحبس.
و في أمالي الطوسي عن الامام أبي عبدالله جعفر الصادق عليه السلام قال: «کان علي ‌بن‌ الحسين عليه السلام يقول: ‌ما‌ تجرعت جرعة غيظ أحب ‌من‌ جرحة غيظ أعقبها صبرا، ‌و‌ ‌ما‌ أحب أن لي بذلک حمر النعم. قال: ‌و‌ کان يقول: الصدقة تطفي غضب الرب. قال: ‌و‌ کان ‌لا‌ تسبق يمينه شماله، ‌و‌ کان يقبل الصدقة قبل أن يعطيها السائل، قيل له: ‌ما‌ يحملک علي هذا؟ قال لست أقبل يد السائل انما أقبل يد ربي، انها تقع في يد ربي قبل أن تقع في يد السائل، قال: ‌و‌ لقد کان يمر علي المدرة في وسط الطريق فينزل عن دابته حتي ينحيها بيده عن الطريق.

و روي صاحب الحلية عن ابن عائشة أنه کان أهل المدينة يقولون: ‌ما‌ فقدنا صدقة السر حتي مات علي ‌بن‌ الحسين عليه السلام، ‌و‌ في خبر عن أبي جعفر أنه کان يخرج في الليلة الظلماء فيحمل الجراب علي ظهره حتي يأتي بابا بابا، فيقرعه ثم يناول ‌من‌ کان بخرج اليه، ‌و‌ کان يغطي وجهه اذا ناول فقيرا لئلا يعرفه، ‌و‌ في خبر انه کان اذا ‌جن‌ الليل، ‌و‌ هدأت العيون، قام الي منزله فجمع ‌ما‌ فيه ‌من‌ قوت، ‌و‌ جعله في جراب، ‌و‌ رمي ‌به‌ علي عاتقه، ‌و‌ خرج الي دور الفقراء ‌و‌ ‌هو‌ ملثم ‌و‌ يفرق عليهم، ‌و‌ کثيرا ‌ما‌ کانوا قياما علي أبوابهم ينتظرونه، فاذا رأوه تباشروا به، ‌و‌ قالوا جاء صاحب الجراب.

و في شرف العروس عن أبي عبدالله الدامغاني أنه، کان علي ‌بن‌ الحسين عليه السلام يتصرف بالسکر ‌و‌ اللوز، فسئل عن ذلک فقرأ قوله تعالي: (لن تنالوا البر حتي تنفقوا مما تحبون) (آل عمران / 92)، ‌و‌ کان عليه السلام يحبه.

عبادة الامام زين العابدين
أجمع أهل الرأي ‌و‌ التاريخ ‌و‌ المحققون ‌من‌ المؤالف ‌و‌ المخالف ‌و‌ الخاص ‌و‌ العام أن الامام علي زين العابدين عليه السلام کان غاية في العبادة بعد رسول الله جده (ص) ‌و‌ أميرالمؤمنين علي ‌بن‌ أبي طالب عليه السلام فقد کان امام عباد ‌و‌ زهاد ‌و‌ أتقياء زمانه، فقد صلي حتي تورمت قدماه، ‌و‌ کانت جبهته ‌من‌ کثرة السجود کثفنة البعير، ‌و‌ ‌لا‌ غرو فقد کان الناس يسمونه ذا الثفنات، ‌و‌ قد کان يصلي في اليوم ‌و‌ الليلة ألف رکعة، ‌و‌ کان باديا عليه الاجتهاد في العبادة حتي أنه کثيرا ‌ما‌ کان يغشي عليه في الصلاة لانقطاعه الي الله ‌و‌ شوقه الي ربه ‌و‌ تفانيه في ذات ربه، أو ‌ان‌ شئت قلت انه ممن کان يذوب شوقا ‌و‌ فرقا، ‌و‌ يتغير لونه في الصلاة ‌و‌ حتي في الوضوء ‌من‌ شدة حبه لله ‌و‌ وجده به، ‌و‌ کان باجماع أهل زمانه ‌من‌ سادة أهل الکشف ‌و‌ العرفان، ‌و‌ قد جاء في کتاب (مناقب ابن شهر آشوب):
عن الزهري قال: قال سعيد ‌بن‌ المسيب: کان الناس ‌لا‌ يخرجون ‌من‌ مکة حتي يخرج علي ‌بن‌ الحسين عليه السلام، فخرج ‌و‌ خرجت معه، فنزل بعض المنازل فصلي رکعتين، سبح في سجوده فلم يبق شجر ‌و‌ ‌لا‌ مدر الا سبحوا معه، ففزعت منه، فرفع رأسه فقال: ‌يا‌ سعيد أفزعت قلت: نعم.

و جاء في کتاب الخصال: عن حمران ‌بن‌ أعين: عن أبي جعفر محمد ‌بن‌ علي الباقر عليه السلام قال: کان علي ‌بن‌ الحسين عليه السلام يصلي في اليوم ‌و‌ الليلة ألف رکعة کما کان يفعل أميرالمؤمنين عليه السلام، ‌و‌ کانت له خمسمائة نخلة فکان يصلي عند کل نخلة رکعتين، ‌و‌ کان ناذا قام في صلاته غشي لونه لون آخر، ‌و‌ کان قيامه في صلاته قيام العبد الذليل بين يدي الملک الجليل کانت أعضاؤه ترتعد ‌من‌ خشية الله عزوجل، ‌و‌ کان يصلي صلاة مودع يري أنه ‌لا‌ يصلي بعدها أبدا، ‌و‌ لقد صلي ذات يوم فسقط الرداء عن أحد منکبيه فلم يسوه حتي فرغ ‌من‌ صلاته، فسأله أحد أصحابه عن ذلک فقال: ‌و‌ يحک أتدري بين يدي ‌من‌ کنت؟ ‌ان‌ العبد ‌لا‌ تقبل ‌من‌ صلاته الا ‌ما‌ أقبل عليه منها بقلبه، فقال الرجل: هلکنا، فقال: کلا ‌ان‌ الله عزوجل متمم ذلک بالنوافل).

و قيل لعلي ‌بن‌ الحسين عليه السلام کيف أصبحت ‌يا‌ ابن رسول الله؟ قال: أصبحت مطلوبا بثمان: الله تعالي يطلبني بالفرائض، ‌و‌ النبي (ص) بالسنة، ‌و‌ العيال بالقوت، ‌و‌ النفس بالشهودة، ‌و‌ الشيطان باتباعه، ‌و‌ الحافظان بصدق العمل، ‌و‌ ملک الموت بالروح، ‌و‌ القبر بالجسد فأنا بين هذه الخصال مطلوب.

و في کتاب الارشاد: عن سعيد ‌بن‌ کلثوم قال: کنت عند الصادق جعفر ‌بن‌ محمد عليه السلام فذکر أميرالمؤمنين علي ‌بن‌ أبي طالب عليه السلام فأطراه ‌و‌ مدحه بما ‌هو‌ أهله، ثم قال: «و الله ‌ما‌ أکل علي ‌بن‌ أبي طالب ‌من‌ الدنيا حراما قط حتي مضي لسبيله، ‌و‌ ‌ما‌ عرض له أمران قط هما لله رضا الا أخذ بأشدهما عليه في دينه، ‌و‌ ‌ما‌ نزلت برسول الله (ص) نازلة قط الا دعاه ثقة به، ‌و‌ ‌ما‌ أطاق عمل رسول الله ‌من‌ هذه الأمة غيره، ‌و‌ ‌ان‌ کان ليعمل عمل رجل کان وجه بين الجنة ‌و‌ النار يرجو ثواب هذه ‌و‌ يخاف عقاب هذه، ‌و‌ لقد أعتق ‌من‌ ماله ألف مملوک في طلب وجه الله ‌و‌ النجاة ‌من‌ النار، مما کد بيديه ‌و‌ رشح ‌من‌ جبينه، ‌و‌ ‌ان‌ کان ليقوت أهله بالزيت ‌و‌ الخل ‌و‌ العجوة، ‌و‌ ‌ما‌ کان لباسه الا الکرابيس اذا فضل شي ء عن يده ‌من‌ کمه دعا بالجلم فقصه، ‌و‌ ‌ما‌ أشبههه ‌من‌ ولده ‌و‌ ‌لا‌ أهل بيته أحد أقرب شبها ‌به‌ في لباسه ‌و‌ فقهه ‌من‌ علي ‌بن‌ الحسين عليه السلام، ‌و‌ لقد دخل أبوجعفر عليه السلام، ابنه عليه فاذا ‌هو‌ قد بلغ ‌من‌ العبادة ‌ما‌ لم يبلغها أحد، فرآه ‌و‌ قد أصفر لونه ‌من‌ السهر، ‌و‌ رمضت عيناه ‌من‌ البکاء، ‌و‌ دبرت جبهته ‌و‌ انخزم أنفه ‌من‌ السجود، ‌و‌ قد ‌و‌ رمت ساقاه ‌و‌ قدماه ‌من‌ القيام في الصلاة، فقال أبوجعفر عليه السلام: فلم أملک حين رأيته بتلک الحال الا البکاء، فبکيت رحمة له، فاذا ‌هو‌ يفکر، فالتفت الي بعد هنيئة ‌من‌ دخولي فقال: ‌يا‌ بني أعطني بعض تلک الصحف التي فيها عبادة علي ‌بن‌ أبي طالب عليه السلام فأعطيته فقرأ فيها شيئا يسيرا ثم ترکها ‌من‌ يده تضجرا، ‌و‌ قال: ‌من‌ يقوي علي عبادة علي ‌بن‌ أبي طالب عليه السلام».

و جاء في مناقب شهر آشوب قال:
و عن الأصمعي قال: کنت أطواف حوال الکعبة ليلة فاذا شاب ظريف الشمائل ‌و‌ عليه ذؤابتان ‌و‌ ‌هو‌ متعلق بأستار الکعبة ‌و‌ ‌هو‌ يقول: «نامت العيون، ‌و‌ علت النجوم، ‌و‌ أنت الملک الحي القيوم، غلقت الملوک أبوابها، ‌و‌ أقامت عليها حراسا، ‌و‌ بابک مفتوح للسائلين، جئتک لتنظر الي برحمتک، ‌يا‌ أرحم الراحمين»، ثم أنشأ يقول:

يا ‌من‌ يجيب دعاء المضطر في الظلم  
يا کاشف الضر ‌و‌ البلوي مع السقم

قد نام ‌و‌ فدک حول البيت قاطبة  
و أنت وحدک ‌يا‌ قيوم لم تنم

أدعوک رب دعاء قد أمرت ‌به‌  
فارحم بکائي بحق البيت ‌و‌ الحرم

ان کان عفوک ‌لا‌ يرجوه ذو سرف  
فمن يجود علي العاصين بالنعم

قال: فاقتفيته فاذا ‌هو‌ زين العابدين عليه السلام

و روي طاوس الفقيه: قال رأيته يطوف ‌من‌ العشاء الي السحر ‌و‌ يتعبد، فلما لم ير أحدا رمق السماء بطرفه ‌و‌ قال: «الهي غارت نجوم سماواتک، ‌و‌ هجعت عيون أنامک، ‌و‌ أبوابک مفتحات للسائلين، جئتک لتغفر لي ‌و‌ ترحمني ‌و‌ تريني وجه جدي محمد (ص) في عرصات القيامة، ثم بکي ‌و‌ قال: ‌و‌ عزتک ‌و‌ جلالک ‌ما‌ أردت بمعصيتي مخالفتک، ‌و‌ ‌ما‌ عصيتک اذ عصيتک ‌و‌ أنا بک شاک، ‌و‌ ‌لا‌ بنکالک جاهل ‌و‌ ‌لا‌ لعقوبتک متعرض، ‌و‌ لکن سولت لي نفسي ‌و‌ أعانني علي ذلک سترک المرخي ‌به‌ علي، فالآن ‌من‌ عذابک ‌من‌ يستنقذني؟ ‌و‌ بمن اعتصم ‌ان‌ قعطت حبلک عني، فوا سوأتاه غدا ‌من‌ الوقوف بين يديک اذا قيل للمخفين جوزوا، ‌و‌ للمثقلين حطوا، أمع المخالفين أجوز؟ أم مع المثقلين أحط ويلي کلما طال عمري کثرت خطاياي ‌و‌ لم أتب، أما ‌ان‌ لي أن أستحي ‌من‌ ربي. ثم بکي ‌و‌ أنشأ يقول:

اتحرقني بالناريا غاية المني  
فأين رجائي ثم أين محبتي

أتيت بأعمال قباح زرية  
و ‌ما‌ في الوري خلق جني کجنايتي

ثم بکي ‌و‌ قال: سبحانک تعصي کأنک ‌لا‌ تري، ‌و‌ تحلم کأنک لم تعص، تتودد الي خلقک بحسن الصنيع کأن بک الحاجة اليهم، ‌و‌ أنت ‌يا‌ سيدي الغني عنهم، ثم خر الي الأرض ساجدا. قال طاووس: فدنوت منه ‌و‌ شلت برأسه ‌و‌ وضعته علي رکبتي ‌و‌ بکيت حتي جرت دموعي علي خده، فاستوي جالسا ‌و‌ قال: ‌من‌ الذي أشلني عن ذکر ربي؟ فقلت أنا طاوس ‌يا‌ ابن رسول الله (ص)، ‌ما‌ هذا الجزع ‌و‌ الفزع؟ ‌و‌ نحن يلزمنا أن نفعل مثل هذا ‌و‌ نحن عاصون جانون، أبوک الحسين ‌بن‌ علي عليه السلام ‌و‌ أمک فاطمة الزهراء عليه السلام ‌و‌ جدک رسول الله (ص)، قال فالتفت الي ‌و‌ قال: هيهات هيهات ‌يا‌ طاوس، دع عني حديث أبي ‌و‌ أمي ‌و‌ جدي، خلق الله الجنة لمن أطاعه ‌و‌ أحسن ‌و‌ لو کان عبدا حبشيا، ‌و‌ خلق النار لمن عصاه ‌و‌ لو کان ولدا قرشيا، أما سمعت قوله تعالي: (فاذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يؤمئذ ‌و‌ ‌لا‌ يتساءلون) (المؤمنون / 101) ‌و‌ الله ‌لا‌ ينفعک الا تقدمة تقدمها في عمل صالح».



علي عزيز الابراهيم

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخرین مطالب

پاسخ‌های تلخ و تاریخی به دعوت سیدالشهدا(ع)
زهد در كلام امام صادق عليه السلام‏
تلویزیون ا ینترنتی روی سایت عرقان افتتاح شد.
اقسام غسل از ديدگاه عارفان
استاد انصاريان:سران برخي كشورهاي اسلامي خادم ...
مقام طمس
بخل ورزيدن از زكات
شرائط منزل تجلیه
جریان غدیر
انسان غربى

بیشترین بازدید این مجموعه

مقام طمس
شرائط منزل تجلیه
توبه ى دو برادر در آخرین ساعات عاشورا
انسان غربى
بخل ورزيدن از زكات
پاسخ‌های تلخ و تاریخی به دعوت سیدالشهدا(ع)
قدردانی استاد انصاریان از خادمین سیدالشهدا علیه ...
زهد در كلام امام صادق عليه السلام‏
زهد در كلام مجلسى رحمه الله‏
جریان غدیر

 
نظرات کاربر

پر بازدید ترین مطالب سال
پر بازدید ترین مطالب ماه
پر بازدید ترین مطالب روز



گزارش خطا  

^