عربي
Tuesday 14th of May 2024
0
نفر 0

السؤال : بداية أشكركم على إجابتكم لي على سؤالي السابق ، جزاكم الله خيراً لخدمتكم الإسلام والمسلمين ، والحقيقة أنّي أطمع في المزيد ممّا عندكم .

صبر لوصية من النبيّ :

السؤال : بداية أشكركم على إجابتكم لي على سؤالي السابق ، جزاكم الله خيراً لخدمتكم الإسلام والمسلمين ، والحقيقة أنّي أطمع في المزيد ممّا عندكم .

أرجو منكم التكرّم بتزويدي بوصية النبيّ (صلى الله عليه وآله) للإمام علي (عليه السلام) قبل انتقاله للرفيق الأعلى ، والتي تتعلّق بالبلاء والغدر ، الذي سيحل بأمير المؤمنين (عليه السلام) في بيته وزوجته (عليها السلام) ، وخلافة المسلمين من بعده (صلى الله عليه وآله) , والتي يأمره فيها بالصبر على كلّ هذا البلاء .

وهذا ما يحتجّ به بعض المذاهب الإسلامية ، ألا وهو سكوت الإمام (عليه السلام) عن حقوقه ، ولكم منّي فائق الاحترام والتقدير .

الجواب : وردت الوصية بما ذكرت من النبيّ (صلى الله عليه وآله) لأمير المؤمنين (عليه السلام) نقلاً عن أمر الله تعالى ، وهو جلّ جلاله العليم الحكيم ، واليك الوصية كما رواها الشيخ الكليني (قدس سره) بسنده عن عيسى بن المستفاد أبي موسى الضرير قال : " حدّثني موسى بن جعفر (عليهما السلام) قال : " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : أليس كان أمير المؤمنين (عليه السلام) كاتب الوصية ، ورسول الله (صلى الله عليه وآله) المُملى عليه ، وجبرائيل والملائكة المقرّبون (عليهم السلام) شهود ؟

قال : فاطرق طويلاً ، ثمّ قال : يا أبا الحسن ـ كنية الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) ـ قد كان ما قلت ، ولكن حين نزل برسول الله (صلى الله عليه وآله) الأمر ، نزلت الوصية من عند الله كتاباً مسجّلاً ، نزل به جبرائيل مع أُمناء الله تبارك وتعالى من الملائكة .

فقال جبرائيل : يا محمّد مر بإخراج مَن عندك إلاّ وصيّك ، ليقبضها وتشهدها بدفعكَ إيّاها إليه ضامناً لها ـ يعني عليّاً (عليه السلام) ـ فأمر النبيّ (صلى الله عليه وآله) بإخراج مَن كان في البيت ما خلا عليّاً (عليه السلام) ، وفاطمة فيما بين الستر والباب ، فقال جبرائيل : يا محمّد ربُّك يقرئكَ السلام ويقول : هذا كتابُ ما كنتُ عهدتُ إليك


الصفحة 147


، وشرطتُ عليك ، وشهدتُ به عليك ، وأشهدتُ به عليك ملائكتي ، وكفى بي يا محمّد شهيداً .

قال : فارتعدت مفاصل النبيّ (صلى الله عليه وآله) فقال : يا جبرائيل ربّي هو السلام ومنه السلام وإليه يعودُ السلام ، صَدَق عزّ وجلّ وبرّ ، هات الكتاب ، فدفعه إليه وأمرهُ بدفعه إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال له: اقرأهُ ، فقرأه حرفاً حرفاً .

فقال : يا علي هذا عهد ربّي تبارك وتعالى إليَّ ، شرطهُ عليَّ وأمانتهُ ، وقد بلّغتُ ونصحتُ وأدّيتُ ، فقال علي (عليه السلام) : وأنا أشهدُ لك بأبي وأُمّي أنت بالبلاغ والنصيحة والتصديق على ما قلتَ ، ويشهدُ لكَ به سمعي وبصري ولحمي ودمي ، فقال جبرائيل (عليه السلام) : وأنا لكما على ذلك من الشاهدين .

فقال : رسول الله (صلى الله عليه وآله) : يا علي أخذتَ وصيّتي وعرفتَها ، وضمنتَ لله ولي الوفاء بما فيها ، فقال علي (عليه السلام) : نعم ، بأبي أنت وأُمّي عليَّ ضمانُها ، وعلى الله عوني وتوفيقي على أدائها ، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : يا علي إنّي أُريدُ أن أُشهد عليك بموافاتي بها يوم القيامة .

فقال علي (عليه السلام) : نعم اشهد ، فقال النبيّ (صلى الله عليه وآله) : إنّ جبرائيل وميكائيل فيما بيني وبينك الآن وهما حاضران ، معهما الملائكة المقرّبون لأشهدهم عليك ، فقال : نعم ، ليشهدوا وأنا ـ بأبي أنت وأُمّي ـ أُشهدهم ، فأشهدهم رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وكان فيما اشترط عليه النبيّ (صلى الله عليه وآله) بأمر جبرائيل (عليه السلام) فيما أمر الله عزّ وجلّ أن قال له : يا علي تفي بما فيها من موالاة مَن وإلى الله ورسوله ، والبراءة والعداوة لمن عادى الله ورسوله ، والبراءة منهم ، على الصبر منك ، وعلى كظم الغيظ ، وعلى ذهاب حقّك ، وغصب خمسك ، وانتهاك حرمتك ؟ فقال : نعم ، يا رسول الله ... " (1) .

وأيضاً يؤيّد ما ذكر ، ما جاء في مصادر أهل السنّة ، فقد روى يونس بن

____________

1- الكافي 1 / 281 .


الصفحة 148


حباب عن أنس بن مالك قال : " كنّا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلي بن أبي طالب معنا ، فمررنا بحديقة ، فقال علي : " يا رسول الله ألا ترى ما أحسن هذه الحديقة " ! فقال : " إنّ حديقتك في الجنّة أحسن منها " ، حتّى مررنا بسبع حدائق ، يقول علي ما قال ، ويجيبه رسول الله (صلى الله عليه وآله) بما أجابه .

ثمّ إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقف فوقفنا ، فوضع رأسه على رأس علي وبكى ، فقال علي : " ما يبكيك يا رسول الله " ؟ قال : " ضغائن في صدور قوم لا يبدونها لك حتّى يفقدوني " ، فقال يا رسول الله : " أفلا أضع سيفي على عاتقي فأبيد خضراءهم " ، قال : " بل تصبر " ، قال : " فإن صبرت " ، قال : " تلاقي جهداً " ، قال : " أفي سلامة من ديني " ؟ قال : " نعم " ، قال : " فإذن لا أبالي " (1) .

وقد أخبر الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) ، بأنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) أخبره بأنّ الأُمّة ستغدر به من بعده ، فقد روى عثمان بن سعيد عن عبد الله بن الغنويّ : أنَّ علياً خطب بالرحبة فقال : " أيّها الناس ، إنّكم قد أبيتم إلاّ أن أقولها ! وربّ السماء والأرض ، إنّ من عهد النبيّ الأُميّ إليَّ : إنَّ الأُمّة ستغدرُ بك بعدي " .

قال ابن أبي الحديد بعد روايته لهذا الخبر : " وروى هيثم بن بشر عن إسماعيل بن سالم مثله ، وقد روى أكثر أهل الحديث هذا الخبر بهذا اللفظ أو بقريب منه " (2) .

ولم يكن أمر النبيّ (صلى الله عليه وآله) لأمير المؤمنين (عليه السلام) بالصبر من بعده على ما سيجري عليه من بلاء وغدر ، كما صرّح بذلك الإمام علي (عليه السلام) نفسه ، إلاّ للقراءة الكاملة التي كان يقرأها النبيّ (صلى الله عليه وآله) ـ بما منَّ الله عليه من علم ـ لحال الأُمّة من بعده (صلى الله عليه وآله) .

____________

1- شرح نهج البلاغة 4 / 107 ، كنز العمّال 13 / 166 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 324 ، مجمع الزوائد 9 / 118 ، المعجم الكبير 11 / 61 ، جواهر المطالب 1 / 229 .

2- شرح نهج البلاغة 4 / 107 ، المستدرك 3 / 142 ، كنز العمّال 11 / 297 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 448 ، البداية والنهاية 6 / 244 و 7 / 360 .


الصفحة 149


1ـ تفرّق كلمتها ، ورزية يوم الخميس الواردة في صحاح القوم خير شاهد على ذلك .

2ـ قلّة الناصرين لأمير المؤمنين (عليه السلام) في مطلب الخلافة ، وزعامة الأُمّة بعد النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، وقد كانت أحداث السقيفة ، وتقاعس المسلمين ـ من المهاجرين والأنصار ـ عن نصرة الإمام (عليه السلام) بأعذار وتبريرات مختلفة ، تناولها الباحثون عند حديثهم عن تلك الحقبة ، خير دليل على هذا الواقع .

وقد وردت جملة من الروايات تشير إلى هذه الحقائق المتقدّمة ، حيث جاء في كتاب سليم بن قيس الهلالي ، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنّه قال لأمير المؤمنين (عليه السلام) : " يا علي ، إنّك ستلقي بعدي من قريش شدّة ، من تظاهرهم عليك وظلمهم لك ، فإنّ وجدت أعواناً عليهم فجاهدهم ، وقاتل من خالفك بمن وافقك ، فإنّ لم تجد أعواناً ، فاصبر وكف يدك ، ولا تلق بيدك إلى التهلكة ، فإنّك منّي بمنزلة هارون من موسى ، ولك بهارون أسوة حسنة ، إنّه قال لأخيه موسى : إنّ القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني " (1) .

وفي المصدر ذاته ، أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) كان يأخذ بيدي الحسن والحسين (عليهما السلام) ، ويطوف بالبضعة الزهراء (عليها السلام) على بيوت الأنصار والمهاجرين ، وأهل السابقة في الإسلام ، يدعوهم لنصرته ، فلم يستجب له غير أربعة ، هم : سلمان وأبو ذر والمقداد والزبير ، حتّى قال : " لو وجدت أعواناً أربعين رجلاً من المهاجرين والأنصار من أهل السابقة لناهضت هذا الرجل " (2) .

وفي تاريخ اليعقوبيّ عند ذكره لأحداث السقيفة وما جرى أيامها : " وكان خالد بن سعيد غائباً ، فأتى علياً فقال : هلم أبايعك ، فوالله ما في الناس أحد أولى بمقام محمّد منك ، واجتمع جماعة إلى علي بن أبي طالب يدعونه إلى البيعة له ، فقال لهم : " اغدوا على هذا محلّقين الرؤوس " ، فلم يغدُ عليه إلاّ

____________

1- كتاب سليم بن قيس : 134 .

2- المصدر السابق : 302 .


الصفحة 150


ثلاثة نفر " (1) .

الأمر الذي كان يعني بأنّ على الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) أن يسلك أحد الطريقين : إمّا الخروج بالسيف على من ناواه مع قلّة الناصر ، وهذا يعني احتمال موته وموت اتباعه القليلين ، الذين أطاعوا الله والرسول بالتمسّك بالثقلين ـ الكتاب والعترة ـ وفي ذلك تكون الخسارة كبيرة ، وقد لا تعادلها خسارة للأُمّة ، بل وربما تتعرّض الرسالة الإسلامية برمّتها للخطر فيما لو تمّ ذلك .

هذا بالإضافة إلى وقوع خطر الانقسام الشديد في الأُمّة ، الذي يجعلها لقمة سائغة لأعدائها المتربّصين بها من اليهود والنصارى ، وهي فتية عهدها ، وما زالت في دور نشوئها بعد .

والطريق الثاني : وهو طريق السكوت والصبر ، والعمل على تهيئة الأُمّة تهيئة عقائدية روحية ، تستطيع من خلالها أن تتحمّل المسؤولية في نصرة أئمّة الحقّ ، وأن تعي أبعاد الرسالة الإسلامية وأهدافها الطويلة الأمد ، وهو الطريق الذي رسمه النبيّ (صلى الله عليه وآله) لأمير المؤمنين (عليه السلام) .

وقد سار عليه الإمام (عليه السلام) وهيّأ الأُمّة لهذه المرحلة بصبره وعلمه وتقواه ، حتّى أجمعت الأُمّة على مبايعته والامتثال لأوامره فيما بعد ، فقد كانت بيعته (عليه السلام) هي البيعة الوحيدة من بين الذين سبقوه ، ممّا اجمع عليه المهاجرون والأنصار في مدينة النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، وذلك عندما أحسّت الأُمّة بضرورة قيادته (عليه السلام) لها ، وأنّه الوحيد القادر على إنقاذها في تلك المرحلة الخطرة من تاريخها .

ولا يعني صبره (عليه السلام) وعدم خروجه بالسيف على من ناواه في حقّ الخلافة أنّه سكت عن حقّه، ولم يطالب به، بل كانت مطالبته (عليه السلام) بحقّه دائمة ومستمرّة، إذ لم يترك الإمام (عليه السلام) مجالاً سلميّاً يمكن أن يطالب فيه بحقّه إلاّ وسلكه ، وقد

1-   تاريخ اليعقوبيّ 2 / 126 .

 


الصفحة 151


ذكرت كتب السير والحديث والتراجم تلك المقالات التي كان الإمام (عليه السلام) يجاهر بها بالمطالبة بحقّه ، وأنّ القوم اغتصبوا حقّاً هو له دونهم .

ومحاججته لأبي بكر وبقية الأصحاب الذين أبرموا بيعة السقيفة ، وقوله (عليه السلام) : " لا أبايعكم وأنتم أولى بالبيعة لي ، أخذتم هذا الأمر من الأنصار ، واحتججتم عليهم بالقرابة من النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، وتأخذونه منّا أهل البيت غصباً " ؟! (1) .

وهناك نصوص مختلفة في نهج البلاغة ، يذكر فيها أمير المؤمنين (عليه السلام) مطالبته بحقّه ، منها ما ورد في يوم الشورى : " وقد قال قائل : إنّك على هذا الأمر يا بن أبي طالب لحريص ، فقلت : بل أنتم والله لأحرص وأبعد ، وأنا أخص وأقرب ، وإنّما طلبت حقّاً لي ، وأنتم تحولون بيني وبينه ، وتضربون وجهي دونه ، فلمّا قرعته بالحجّة في الملأ الحاضرين ، هب كأنّه بهت لا يدري ما يجيبني به ... " (2) !

( يحيى زكريا . قطر . سنّي . 39 سنة . مهندس )

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

السؤال: ماذا يجب علينا نحن الشيعة اتجاه ابن ...
السؤال : سؤالي متعلّق بالحديث الوارد عن الإمام ...
السؤال: هل صحيح أنّ جميع الصحابة الذين مدحهم ...
السؤال : هل كانت الشيعة في زمن الرسول ؟ وما رأي ...
السؤال : متى يظهر الإمام المهديّ (عليه السلام) ؟ ...
السؤال : هل توجد رواية في كتب أهل السنّة تبيّن ...
ما كان اسم الخضر عليه السلام عندما ظهر في أيام ...
السؤال : قال تعالى : { مَن يَهْدِ اللهُ فَهُوَ ...
السؤال : ما هو مفهوم الرجعة ؟ وفي أيّ زمن تحصل ؟
من هو مؤلف كتاب المراجعات وكتاب ثم اهتديت ؟

 
user comment