تفضيل السادة على غيرهم :
السؤال : لماذا تفضّل الشيعة السادة على غيرهم ؟ والله تعالى يقول : { إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ } (1) ؟
الجواب : إنّ الناس في الشريعة الإسلامية لا يتفاضلون إلاّ بالتقوى ، { إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ } ، فمن أخلّ بالتقوى وتعدّى حدود الله لم يفلت من طائلة القانون ، مهما كانت مكانته ، أو منزلته ، أو حسبه ، أو نسبه ، أليس أبو لهب عمّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، ومع ذلك جاء { تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } (2) .
فليس في الإسلام عنصرية يختلّ بها ميزان العدالة ، ولا محسوبية يتذبذب بها القانون ، فالنسب الحقيقيّ عند الله تعالى إنّما هو التقوى ، ويؤيّده الوحي المحفوظ : { يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ } (3) ، فأرجع الباري تعالى البنوّة الحقيقيّة إلى العمل الصالح .
ولكن مع ذلك ، فهناك وجهة نظر أُخرى ، لا تغيّر من هذا المبدأ العام أي شيء ، ولكنّها تدخل الفضل في حسابها ، والفضل لا يمنع الحقّ لمن طلب العدل .
بل إنّ الله تعالى ضرب لنا أمثلة لنسلك سبيل الفضل فيما لا يعطّل حداً من حدود الله ، ولا يؤدّي إلى الإضرار بأحد من خلقه .
قال تعالى : { وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا } (4) ، أراد الله ذلك لا لشيء إلاّ لأنّ أباهما كان صالحاً .
بل إنّ الله تعالى رغّبنا في سلوك طريق الفضل ، قال تعالى : { وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } (5) ، قال أهل البيان : في الآية إطناب ، لأنّ تعفوا وحدها ، أو تصفحوا وحدها ، أو تغفروا وحدها كانت تكفي ، ولكن الله تعالى كرّر هذه الأفعال ترغيبا لنا في الفضل ، وحثا لنا عليه .
وعليه ، فلا غرابة أن تحترم الشيعة الإمامية السادة من ذرّية رسول الله (صلى الله عليه وآله) على غيرهم ، إكراماً لرسول الله (صلى الله عليه وآله) ـ ولأجل عين ألف عين تُكرم ـ وإطاعة لما
____________
1- الحجرات : 13 .
2- المسد : 1 .
3- هود : 46 .
4- الكهف : 82 .
5- التغابن : 14 .
|
الصفحة 389 |
|
جاء في القرآن الكريم من قوله تعالى : { قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى } (1) .
وهذه الآية وإن نزلت في حقّ أهل البيت (عليهم السلام) إلاّ أنّها بعموم اللفظ دلّت على مودّة ذرّية رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، فاحترامهم وتفضيلهم وتقديمهم كما في إمامة صلاة الجماعة مصداق من مصاديق المودّة .
هذا من جهة ، ومن جهة أُخرى وردت روايات عن النبيّ وأهل بيته (عليهم السلام) تحثّنا على احترام ذرّية رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وإكرامهم ، وقضاء حوائجهم ، و .. ، منها مثلاً :
1ـ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : " إنّي شافع يوم القيامة لأربعة أصناف ، ولو جاءوا بذنوب أهل الدنيا : رجل نصر ذرّيتي ، ورجل بذل ماله لذرّيتي عند المضيق ، ورجل أحبّ ذرّيتي بالقلب واللسان ، ورجل سعى في حوائج ذرّيتي إذا طردوا أو شرّدوا " (2) .
2ـ قال الإمام الصادق (عليه السلام) : " إذا كان يوم القيامة نادى مناد : أيّها الخلائق أنصتوا فإنّ محمّداً (صلى الله عليه وآله) يكلّمكم .
فتنصت الخلائق ، فيقوم النبيّ (صلى الله عليه وآله) ويقول : يا معشر الخلائق ، من كان له عندي يد ، أو منّة ، أو معروف ، فليقم حتّى أكافيه .
فيقولون : فأيّ يد وأيّ منّة ؟ وأيّ معروف لنا ؟ بل اليد والمنّة والمعروف لله ولرسوله على جميع الخلائق .
فيقول : من آوى أحداً من أهل بيتي ، أو برّهم ، أو كساهم من عرى ، أو أشبعهم ، فليقم حتّى أكافيه .
ويقوم أناس قد فعلوا ذلك ، فيأتي النداء من عند الله عزّ وجلّ : يا حبيبي يا محمّد ، قد جعلت مكافاتهم إليك ، فأسكنهم حيث شئت من الجنّة ، فيسكنهم في الوسيلة ، حيث لا يحجبون عن محمّد " (3) .
فعلى هذا ، نحن نحترم ونقدّر أولاد رسول الله (صلى الله عليه وآله) " والمرء يحفظ في ولده " مادام سائراً على سيرة النبيّ وأهل بيته الطاهرين وإلاّ فلا .
____________
1- الشورى : 23 .
2- الكافي 4 / 60 ، من لا يحضره الفقيه 2 / 65 .
3- شجرة طوبى 1 / 10 .
|
الصفحة 390 |
|
( ... . سنّي . ... )