عربي
Tuesday 23rd of July 2024
0
نفر 0

السؤال : تزعم الوهابيّة : أنّ هشام بن الحكم ، وهشام بن سالم ، قالا بالتجسيم ، وقد وبّخهما الإمام الصادق بقوله : ( دع الهشامين ) الموجودة

الهُشامان لا يقولان بهما :

السؤال : تزعم الوهابيّة : أنّ هشام بن الحكم ، وهشام بن سالم ، قالا بالتجسيم ، وقد وبّخهما الإمام الصادق بقوله : ( دع الهشامين ) الموجودة

____________

1- الرحمن : 27 .

2- الإنسان : 9 .

3- القصص : 88 .


الصفحة 59


في أُصول الكافي ، والتوحيد للصدوق ، وغيرهما .

فهل هذه المقولة لها شيء من الصحّة ؟ نرجو الجواب على هذا ، ويا حبذا تذكروا لنا مؤلّفات هشام بن الحكم ، وشكراً .

الجواب : لقد اتّفق علماؤنا على وثاقة هشام بن الحكم ، وعظم قدره ، ورفعة منزلته عند الأئمّة (عليهم السلام) ، وأنّه كان من أكابر أصحاب الإمامين الصادق والكاظم (عليهما السلام) ، وروى حديثاً كثيراً عنهما ، وبلغ من مرتبته وعلوّه عند الإمام الصادق (عليه السلام) ، أنّه دخل عليه بمنى ـ وهو غلام ـ وفي مجلسه شيوخ الشيعة ، فرفعه على هؤلاء ، وليس في المجلس إلاّ من هو أكبر منه سنّاً . فقال (عليه السلام) له ـ بعد أن سأله عن أسماء الله واشتقاقها ، فأجابه ـ : ( أفهمت يا هشام فهماً تدفع به أعدائنا الملحدين مع الله تعالى ) ، قال هشام : نعم ؛ قال (عليه السلام) : ( نفعك الله به وثبّتك ) ، قال هشام : فو الله ما قهرني أحد في التوحيد (1) .

وقوله (عليه السلام) : ( هذا ناصرنا بقلبه ولسانه ويده ... ) (2) ، وكذا قوله (عليه السلام) : ( هشام بن الحكم رائد حقّنا ، وسائق قولنا ، المؤيّد لصدقنا ، والدامغ لباطل أعدائنا ، من تبعه وتبع أثره تبعنا ، ومن خالفه وألحد فيه عادانا وألحد فينا ) (3) دليل على عظمته وجلالته .

ومع هذا ، فقد طعن فيه العامّة ، وهذا رفعة له ومنزلة ، بل توغّل العامّة في البغض له دليل على جلالة قدره وسموّ مقامه .

وقد وردت فيه أخبار ذمّ من جهة قوله بالتجسيم ، وقد نزّهه الأعلام ، وذبّ عنه العلماء ، كما وردت روايات كثيرة مستفيضة في الترحّم عليه من الأئمّة (عليهم السلام) .

وأمّا هشام بن سالم ، فهو من أصحاب الإمامين الصادق والكاظم (عليهما السلام) ، وكان له أصل وكتاب ، وهو ثقة بلا ريب ، وقد وردت فيه روايات مادحة أوردها

____________

1- الكافي 1 / 87 و 114 ، التوحيد : 221 ، الفصول المختارة : 52 .

2- تحف العقول : 383 ، الفصول المختارة : 52 .

3- معالم العلماء : 163 .


الصفحة 60


الكشّي (قدس سره) (1) ، وحكى عنه غيره .

كما وقد وردت فيه روايات ذامّة هي مقاربة لما أورد على هشام بن الحكم ، والجواب الجواب ، إلاّ أنّ الذي يزيد هنا هو : أنّ الذي نسب القول بالجسمية لهشام هذا ، هو عبد الملك بن هشام الحنّاط ـ المجهول الحال ، ولا يوجد ذكره في الرجال ـ وعليه فكيف يمكن جرح مثل هذا الرجل الجليل المقرّب عند الأئمّة (عليهم السلام) بخبر مجهول عن راوٍ مهمل . وفي الرواية مجاهيل أُخر ، ولا نوّد الخوض في بحثها ، ويرد فيه كلّ ما سنذكره فيما بعد ، إذ هو وصاحبه ثقتان ، والجواب عنهما واحد ، وإن كان ما ورد في ابن الحكم رواية وجرحاً أكثر ، إذ أنّ مقامه ورتبته أرفع ، فتدبّر .

أمّا ما أُتهما به من القول : أنّ الله تعالى جسم لا كالأجسام ـ ولا نعرف لهما مثلبة غير هذه ـ وعمدة من أتهم هو ابن الحكم ، ودفاعنا عنه بإحدى الوجوه التالية :

أوّلاً : إنّا إنّما قبلنا وأخذنا بقوله لما شاع عنه واستفاض من تركه القول بالتجسيم ، ورجوعه عنه ، وإقراره بخطئه فيه ، وذلك بعد أن حجبه الإمام (عليه السلام) في المدينة عن الدخول عليه ، وقوله : وإنّ ما قلت به إلاّ أنّي ظننت أنّه وفاق لقول إمامي ، فأمّا إذا أنكره عليّ فإنّي تائب إلى الله منه ، فأدخله الإمام عليه حينئذ ، ودعا له بالخير (2) .

فهو على هذا ، كان يقول بالتجسيم لله تعالى ـ لا كالأجسام ـ ثمّ عدل عن ذاك بعد علمه بكونه كفر ، لا يرضى به إمامه .

ثانياً : إنّ جلّ الروايات التي نسبت له القول بالجسمية ، ضعيفة سنداً ـ مع كثرة الأخبار في ذلك ـ عدا واحدة منها ، ومع هذا ، فيمكن ردّها على أنّه إنّما قال به من باب إلزام الخصم ـ بمعنى أنّه قال : إذا قلتم أنّه تعالى شيء لا

____________

1- اختيار معرفة الرجال 2 / 565 .

2- نور البراهين 1 / 252 .


الصفحة 61


كالأشياء ، فقولوا : أنّه جسم لا كالأجسام ـ وهذا لا يكشف عن الاعتقاد بهذا القول .

ثالثاً : أنّ يكون نسبة القول بالجسمية إليه لروايته خبراً دالاً على الجسمية ، يراد به غير ما هو ظاهره ، فزعموا أنّه يقول بالجسمية .

رابعاً : أنّ ابن الحكم كان أوّلاً من أصحاب الجهم بن صفوان ، ثمّ انتقل إلى القول بالإمامة ، وليس معنى هذا زوال أفكاره التوحيدية السابقة فوراً ، فلعلّه نقل عنه ما نقل ، قبل أن يهذّب عقائده ، وأوائل استبصاره وهدايته .

والعمدة في المقام أن يقال : إن ترحّم الأئمّة (عليهم السلام) ـ ممّن كان بعد هشام ، كالإمامين الرضا والجواد (عليهما السلام) ـ هو أدّل دليل على أنّه حين ملازمته للصادقين (عليهما السلام) لم يكن معتقداً بالجسمية حتماً ، إذ ثبوت ذلك عنه يكون كفراً بلا شبهة .

وذاك أمّا أنّه لم يكن معتقداً بذاك أصلاً ، أو قال به من باب إلزام الخصم وإفحامه ، أو كان يقول به ، ثمّ رجع عنه بمجرد التفاته إلى أنّه لا يقال به ـ إمّا لوصوله بذلك عن دليل ، أو لعدم رضا إمامه بذلك ـ ولعلّه كان يعتقد أنّ الجسمية ـ كما عند كافّة العامّة ـ تقول بها الإمامية ، ويكفي شاهداً لذلك ما روي عنه عن الإمام الصادق (عليه السلام) من قوله : ( أنّ الله تعالى لا يشبه شيئاً ، ولا يشبهه شيء ، وكلّما وقع في الوهم ، فهو بخلافه ) (1) .

والحاصل : أنّه يمكن الإجابة عن هذه الشبهة ـ كما صدر من البعض ـ بأُمور :

أوّلاً : إنكار أصل قوله بالتجسيم حتّى في أوّل أمره ، وصدور النسبة إنّما كانت من المخالفين معاندة إمّا تسقيطاً له ولأمثاله ، أو عجزاً عن جواب ما احتج به عليهم .

ثانياً : أنّه كان مخطئاً في قوله ، ورجع عنه بمجرد إحرازه عدم رضا

____________

1- كنز الفوائد : 199 ، الإرشاد 2 / 204 ، التوحيد .


الصفحة 62


إمامه بذلك .

ثالثاً : إنّ هذه العبارة : ( جسم لا كالأجسام ) لا يراد منها ما هو ظاهرها ، وأنّه ليس المراد : أنّه تعالى جسم ، إذ ذاك كفر صريح ، بل هو غلط في العبارة ، يرجع في إثباتها ونفيها إلى اللغة .

رابعاً : إنّ كلامه ليس على الحقيقة حتّى يقدح به ، بل أراد منه إثبات أنّه شيء ، وذلك غير ضارّ ، فلا يراد منه أنّه جسم ، فلا يكون كفر بحال .

خامساً : إنّما جاء بذلك على سبيل المعارضة مع المعتزلة ، أي : أنّكم إذا قلتم أنّ الله تعالى شيء لا كالأشياء ، فيلزمكم أن تقولوا هو جسم لا كالأجسام ، وليس كلّ من عارض بشيء ، وسأل عنه يكون معتقداً له ، أو متديّناً به ، ولعلّه نوع من الاستدراج في البحث لإثبات خطئهم ، وسفه قولهم ، والتعرّف على ما عندهم .

هذا ، وقد أفرزت الروايات الواردة في ذمّه على خمسة أصناف ، وكلّها لا تقاوم ما ورد له عنهم (عليهم السلام) من الأخبار المتواترة مدحاً ، وتجليل الأصحاب له طرّاً ، مع توثيقهم له ، وتجليلهم من غير خلاف يعرف منهم ، والأخبار الذامّة بمشهد منهم وبمنظر ، فمع تعارضها يلزم طرح تلك ، خصوصاً مع ملاحظة عدّة أُمور :

أوّلاً : ورود أخبار تقيّة كثيرة عنهم (عليهم السلام) حفظاً لأصحابهم من جور الجائرين، وكيد الحكّام الملحدين ، كما ورد في زرارة ، ومحمّد بن مسلم ، وغيرهما ، ولم يرتّبوا عليه الأثر ، لكون مفادها كالشبهة مقابل البديهة ، بل قد يظهر ذلك من بعض الروايات ، حيث قال ما قال (عليه السلام) حفظاً له ولنفسه ، ولما وجد لذلك مجالاً لبيان الحقّ ، دافع عنه .

ثانياً : ما تعارف به يوم ذاك ـ بل في يومنا هذا ـ أنّ مع العجز عن القضاء على شخص العالم ، تحارب شخصيته بإيكال التهم عليه ، وقذفه بأنواع المفتريات والسباب لإسقاط شخصيته ، بل كانوا ينسبون الأفراد إلى الكفر والإلحاد بأدنى


الصفحة 63


شيء ، ومنشأ ذلك غالباً الحسد من أصحابه ، أو الجهل بمقامه ، أو العجز عن ردّه وإفحامه ، وعليه فالنسبة صدرت من المعاندين المخالفين معاندة .

ثالثاً : أنّ مراتب فهم الأصحاب مختلفة جدّاً ، وكذا درجات إيمانهم ، ولاشكّ أنّ من يستبصر أوّلاً ثمّ يتعرّف على المذهب تدريجاً ، لا يمكن البت على كلّ كلامه في جميع أدوار حياته ، إذ قد تصدر منه كلمات في أوّل استبصاره ، وتبقى عليه ، وتنقل عنه إلى آخر حياته ، وهو لاشكّ منها بريء ، بل قد لا يصل لنا تبريه عنها ، وهذا لا يكشف بحال عن بقائه عليها ، بخلاف ما لو كان الشخص مؤمناً من أبوين شيعيين ، فإنّ الحال يختلف ، ولاشكّ في ذلك .

ومن هذا وغيره توجّه ما صدر من كلمات عن كثير من الأصحاب ، وحتّى قدماء العلماء ، حيث لم تكن بعد الأُصول مجمعة ، والكتب مبوّبة ، والمباني موحّدة ، فلذا قد يصدر القول بالقياس منّا ، أو سهو النبيّ (صلى الله عليه وآله) وغيرها ، وقطعاً لو وصل لهم ما وصل لنا ، لما قالوا بما قالوا قطعاً ، ولأنكروه أشدّ منّا ، وهذا لا يشمل يومنا هذا ، ممّن ينكر بعض الضروريّات الدينية ، أو يناقش بعض المسائل البديهية عند الطائفة ، إذ لنا مع هؤلاء كلام آخر ، والله من وراء القصد .

وأمّا عن مؤلّفات هشام بن الحكم ، فلا شكّ أنّه قد كانت له مباحثات كثيرة مع المخالفين في الأُصول وغيرها ، وصلنا القليل منها ، كما وقد ذكر له الشيخ الطوسيّ (قدس سره) في فهرسته أصل ، ذكر إسناده هناك ، ثمّ عدّد له كتباً فراجع .

وله من المصنّفات كتب كثيرة ، منها : كتاب الإمامة ، كتاب الدلالات على حدوث الأشياء ، كتاب الردّ على الزنادقة ، كتاب الردّ على أصحاب الاثنين ، كتاب التوحيد ، كتاب الردّ على هشام الجواليقي ، كتاب الردّ على أصحاب الطبائع ، كتاب الشيخ والغلام ، كتاب التدبير ، كتاب الميزان ، كتاب الميدان ، كتاب الردّ على من قال بإمامة المفضول ، كتاب اختلاف الناس في الإمامة ،  


الصفحة 64


كتاب في الوصية والردّ على من أنكرها ، كتاب في الجبر والقدر ، كتاب الألطاف ، كتاب المعرفة ، كتاب الاستطاعة ، كتاب الثمانية الأبواب ، كتاب الردّ على شيطان الطاق ، كتاب الأخبار ، كتاب الردّ على أرسطا طاليس في التوحيد ، كتاب الردّ على المعتزلة ، كتاب الألفاظ .

ثمّ قال (قدس سره) : ( وروي عنهما ـ أي الصادق والكاظم (عليهما السلام) ـ فيه مدائح له جليلة ، وكان ممّن فتق الكلام في الإمامة ، وهذّب المذهب بالنظر ، وكان حاذقاً بصناعة الكلام ، حاضر الجواب ... ) (1) .

( عماد . ... . ... )

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

رد شبهة ان الانتظار يساوق الجمود
السؤال : ما رواه زيد النرسيّ في كتابه عن عبد الله ...
أمّا سعد بن أبي وقّاص ـ أحد العشرة المبشّرة ـ ...
المقصود من بعض كلمات الامام السجاد(ع) - خطبته مع ...
السؤال : ما هو المقصود بالتشيّع ؟ ومن هم الشيعة ؟
السؤال: من المعلوم أنّ الشيخ الكليني مؤلّف ...
ما حکم من طلّقها زوجها طلاقاً رجعیّاً و لزمت عدّة ...
السؤال : هل صحيح أنّ سيف ذو الفقار للإمام علي ...
من هو شيخ الأنبياء ومن هو سيد البطحاء وشيخ ...
السؤال : لماذا الشيعة لا يصلّون صلاة التراويح ؟ ...

 
user comment