بحث تفصيلي وردّ الشبهات حوله :
السؤال : إلى مركز الأبحاث العقائديّة .
نرجو منكم التفصيل إن أمكن ، حول التحقيق في موضوع تزويج أُمّ كلثوم من عمر ، وردّ ما يثار من شبهات حوله ، الرجاء التفصيل في ذلك .
الجواب : من الأُمور التي كثر الكلام حولها عبر العصور والقرون ، مسألة تزويج الإمام علي (عليه السلام) ابنته أُمّ كلثوم من عمر ، لذا نرى أكثر الكتب الكلامية عند الفريقين تحدّثت عنه بإيجاز ، ولمّا نتصفّح ما كتبه أهل السنّة حول هذا الحدث ، نراهم فرحين به ومستبشرين ، لأنّهم ـ على زعمهم ـ عثروا على دليل وشاهد يقصم ظهر الشيعة ، ولا يبقي لهم باقية ـ كما صرّح به بعضهم ـ .
لذا نحن هنا نورد بعض ما ذُكر حول هذا الحدث ، ونعلّق عليه بإيجاز واختصار :
أمّا بالنسبة إلى أصل تحقّق هذا الزواج فنقول : إنّ علماءنا ذهبوا في هذا
1- صحيح مسلم 5 / 152 .
|
الصفحة 123 |
|
الأمر إلى أربعة أقوال :
أ ـ عدم ثبوته ، فمنهم الشيخ المفيد (قدس سره) حيث ذكر : ( أنّ الخبر الوارد في ذلك غير ثابت لا سنداً ولا دلالة ) (1) .
ب ـ ذهب بعض الإخباريّين إلى أنّها كانت جنّية ، ولم يتزوّج عمر من أُمّ كلثوم حقيقة ، مستندين إلى بعض الروايات ، ولكن هذه الروايات ضعيفة ، مضافاً إلى أنّها أخبار آحاد لا توجب علماً ولا عملاً (2) .
ج ـ هناك من يذهب إلى أنّها كانت أُمّ كلثوم بنت أبي بكر ، أخت محمّد ابن أبي بكر ، وحيث كانت ربيبة أمير المؤمنين (عليه السلام) ، وبمنزلة بنته سرى الوهم إلى أنّها بنته حقيقة (3) .
د ـ القول الأخير ما دلّت عليه بعض الأخبار الصحيحة ـ وهو المشهور عند علمائنا ـ أنّها كانت بنته حقيقة ، ولكنّه (عليه السلام) إنّما زوّجها من عمر بعد مدافعة كثيرة ، وامتناع شديد ، حتّى ألجأته (عليه السلام) الضرورة ـ ورعاية المصلحة العامّة ـ إلى أن ردّ أمرها إلى عمّه العباس بن عبد المطلب ، فزوّجها إيّاه .
هذا ما عندنا ، أمّا عند أهل السنّة ، فلنا معهم وقفة في سند ما رووه ودلالته ، فنقول : ما ورد من هذا الأمر في صحيح البخاريّ مجرد كون أُمّ كلثوم كانت عند عمر من دون أيّ تفصيل ، وهذا ما لا يمكن به إثبات الرضى بالزواج .
ثمّ لو وضعنا الأسانيد التي روت خبر تزويج أُمّ كلثوم عند أهل السنّة في ميزان النقد العلميّ ، لرأيناها ساقطة عن درجة الاعتبار ، لأنّ رواتها بين : مولى لعمر ، وقاضي الزبير ، وقاتل عمّار ، وعلماء الدولة الأُموية ، ولرأينا أنّ رجال أسانيده بين : كذّاب ، ووضّاع ، وضعيف ، ومدلّس ، لا يصحّ
____________
1- المسائل السروية : 86 .
2- الخرائج والجرائح 2 / 826 .
3- الأنوار العلوية : 436 .
|
الصفحة 124 |
|
الاحتجاج بهم ، والركون إلى قولهم .
هذا ما اعترف به علماء أهل السنّة في الجرح والتعديل .
وأمّا من حيث المتن والدلالة ، ففيها ما لا يمكن الالتزام به :
منه : ما رواه الدولابيّ عن ابن إسحاق : من اعتذار علي لعمر بصغر سنّها ... إلى أن قال : ( فرجع علي فدعاها فأعطاها حلّة ، وقال : ( انطلقي بهذه إلى أمير المؤمنين ، فقولي : يقول لك أبي : كيف ترى هذه الحلة ) ؟
فأتته بها ، فقالت له ذلك ، فأخذ عمر بذراعها ، فاجتذبتها منه ، فقالت : أرسل فأرسلها ، وقال : حصان كريم ، انطلقي فقولي : ما أحسنها وأجملها ، وليست والله كما قلت ، فزوّجها إيّاه ) (1) .
كيف يفعل الإمام علي (عليه السلام) هذا العمل ؟ ألم تكن ابنته كريمة عليه حتّى يرسلها بهذه الحالة من دون أن يصحبها بالنساء ؟ ثمّ كيف يأخذ عمر بذراعها ، ولم تكن زوجته ولا تحلّ له ؟
ومنه : ما رواه ابن عساكر : فبعثها إليه ببرد ، وقال لها : ( قولي له : هذا البرد الذي قلت لك ) ، فقالت ذلك لعمر ... ، ووضع يده على ساقها وكشفها ، فقالت له : أتفعل هذا ! لولا أنّك أمير المؤمنين لكسرت أنفك ، ثمّ خرجت حتّى جاءت أباها ، فأخبرته الخبر ، وقالت : بعثتني إلى شيخ سوء ، فقال : ( مهلا يا بنية ، فإنّه زوجك ) (2) .
فكيف يعقل بالإمام علي (عليه السلام) أن يعرض ابنته للنكاح هكذا ؟ وكيف يواجهها عمر بهذا العمل ؟ وهي لا تعلم شيئاً من أمر الخطبة والنكاح ؟ ثمّ ما الداعي لخليفة المسلمين من كشف ساقها في المجلس ؟ ولم يتمّ النكاح بعد بصورة تامّة ؟!
____________
1- الذرّية الطاهرة : 114 .
2- تاريخ مدينة دمشق 19 / 483 .
|
الصفحة 125 |
|
ومنه : ما رواه الدولابي أيضاً من قول علي (عليه السلام) لابنته : ( انطلقي إلى أمير المؤمنين ، فقولي له : إنّ أبي يقريك السلام ، ويقول لك : إنّا قد قضينا حاجتك التي طلبت ) ، فأخذها عمر فضمّها إليه ، وقال : إنّي خطبتها من أبيها فزوجنيها .
فقيل : يا أمير المؤمنين ما كنت تريد ؟ إنّها صبيّة صغيرة .
فقال : إنيّ سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) : ( كلّ سبب منقطع ... ) (1) .
سبحان الله ! علي (عليه السلام) يرضى بزواج ابنته من دون إعلامها ، وبهذه الصورة التي لا يفعلها أقلّ الناس كرامة ، فكيف ببيت النبوّة ؟! وكيف يضمّها عمر إليه أمام الناس ، وهم لا يعلمون أمر الخطبة والنكاح ؟! وهل يفعل غيور بزوجته هكذا أمام الناس ؟! لست أدري .
ومنه : ما في الطبقات لابن سعد ، من قول عمر للمسلمين الحاضرين في المسجد النبويّ الشريف : ( رفئوني ) (2) .
والحال أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) نهى عن هذا النوع من التبريك ، كما في مسند أحمد (3) ، حيث كان من رسوم الجاهلية .
ومنه : الاختلاف في مهرها ، ففي بعض الروايات : أمهرها أربعين ألف درهم (4) ، وفي بعضها : أنّه أمهرها مائة ألف ، وذكر غير ذلك ، فكيف يفعل هذا ، وهو الذي نهى عن المغالاة في المهور ، وقد اعترضت عليه امرأة وأفحمته .
ثمّ إنّ هذا ينافي ما ورد عند القوم من زهد الخليفة وتقشّفه ، حتّى أنّهم رووا عن أبي عثمان النهدي أنّه قال : ( رأيت عمر بن الخطّاب يطوف بالبيت ،
____________
1- الذرّية الطاهرة : 113 .
2- الطبقات الكبرى 8 / 463 .
3- مسند أحمد 3 / 451 .
4- السنن الكبرى للبيهقيّ 7 / 233 ، تاريخ مدينة دمشق 8 / 116 .
|
الصفحة 126 |
|
عليه إزار فيه اثنتا عشرة رقعة ، إحداهن بأديم أحمر ) (1) ، أو أنّه مكث زماناً لا يأكل من بيت المال شيئاً ، حتّى دخلت عليه في ذلك خصاصة ، فاستشار الصحابة في الأخذ من بيت المال ، فقال له عثمان : كلّ وأطعم ، وقال له علي : ( غداء وعشاء ) ، فأخذ به عمر ) (2) .
فهل أمهرها من بيت المال ؟ وهو لا يحلّ له ، أو أمهرها من عنده ؟ والتاريخ لا يذكر لنا هذه الثروة لعمر .
ومنه : قضية زواجها من بعد عمر ، فقد ذكروا أنّها تزوّجت بعده بعدّة أشخاص ، منهم عون بن جعفر ، ولا أدري كيف تزوّجت منه بعد موت عمر ، وقد قتل سنة 17 هـ ، في زمن عمر في وقعة تستر (3) .
هذا هو ما عند الفريقين ، فإن أراد أهل السنّة إلزامنا بما عندنا ، فلم يصحّ عندنا سوى أنّ الأمر تمّ بتهديد ووعيد ، ممّا أدّى إلى توكيل الأمر إلى العباس ، ولا يوجد عندنا ما يدلّ على إنجاز الأمر باختيار ورضى ، وطيب خاطر .
وأمّا لو أرادوا إلزامنا بما عندهم ، فهذا أوّلاً ليس من أدب التناظر ، وإلاّ لأمكننا إلزامهم بما ورد عندنا ، وثانياً لا يمكنهم أيضاً الالتزام بأكثر ما ورد عندهم ، لما فيه من طعن ، إمّا في الإمام علي (عليه السلام) حيث يرسل ابنته هكذا ، وإمّا في عمر حيث يأخذ بذراع من لا تحلّ له ، أو يكشف عن ساقها أمام الناس ـ حتّى ولو كانت زوجته ـ لأنّ هذا ينافي الغيرة والكرامة ، ولا يمكن لشيعيّ وسنّيّ الالتزام به .
وأمّا القول بأنّ الكلمة اتفقت بأنّ عمر أولدها ، ولم ينكر ذلك سوى المسعوديّ ، فنقول :
____________
1- الطبقات الكبرى 3 / 328 .
2- المصدر السابق 3 / 307 .
3- المصدر السابق 8 / 463 ، تاريخ مدينة دمشق 3 / 179 .
|
الصفحة 127 |
|