عربي
Saturday 23rd of November 2024
0
نفر 0

السؤال : أجاز فقهاء الحنابلة للمسلم وللمسلمة الجمع بين الظهر والعصر ، أو بين المغرب والعشاء في بعض الأحيان لعذر من الأعذار ، وهذا تيسير

بحث حول جوازه لعذر وغيره :

السؤال : أجاز فقهاء الحنابلة للمسلم وللمسلمة الجمع بين الظهر والعصر ، أو بين المغرب والعشاء في بعض الأحيان لعذر من الأعذار ، وهذا تيسير

____________

1- من لا يحضره الفقيه 1 / 278 .


الصفحة 260


كبير ، فقد ورد أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) جمع في غير سفر ولا مطر ، فسئل في ذلك ابن عباس فقيل له: ما أراد بذلك ؟ فقال : أراد ألاّ يحرج أُمّته .

فإذا كان هناك حرج في بعض الأحيان من صلاة كلّ فرض في وقته ، فيمكن الجمع ، على ألاّ يتّخذ الإنسان ذلك ديدناً وعادة ، كلّ يومين أو ثلاثة ، وكلّما أراد الخروج إلى مناسبة من المناسبات الكثيرة المتقاربة في الزمن ، إنّما جواز ذلك في حالات الندرة ، وعلى قلّة ، لرفع الحرج والمشقّة التي يواجهها الإنسان .

فمثلاً ، شرطي المرور إذا كانت نوبته قبل المغرب إلى ما بعد العشاء ، فله أن يجمع المغرب مع العشاء جمع تقديم أو تأخير ، على حسب استطاعته ، أو طبيب يجري عملية لمريض ، ولا يستطيع تركها ، يمكنه في هذه الحالة أن يجمع جمع تقديم أو تأخير ، وذلك ممّا شرع تيسيراً من الإسلام لأهله ، ورفعاً للحرج عنهم .

أمّا الذهاب إلى الاحتفال بمناسبة من المناسبات ، فلا أرى ضرورة أو عذراً للجمع ، مادام الإنسان يجد فرصة هناك للصلاة ، وينبغي ألاّ يستحي بإقامته للصلاة ـ سواء كان رجلاً أو امرأة ـ لأنّ هذا الحياء غير جائز فيما يتعلّق بالصلاة وأدائها في أيّ مكان ، بل الواجب فيمن يقيم الصلاة أن يجعل من نفسه قدوة صالحة للآخرين حتّى يتعلّم الناس الصلاة ، لأنّها من شعائر الله التي يجب أن تظهر ، وأن يجاهر المسلمون بها ويعظّموها { وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ } (1) .

وإن ممّا يعاب على كثير من الاحتفالات الرسمية التي تقام في كثير من البلاد الإسلاميّة ، أنّها تبتلع أوقات الصلاة ـ وبخاصّة المغرب ـ دون أن تبالي بحقّ الله تعالى ، وبضمائر المؤمنين الحريصين على أداء الصلوات في مواقيتها .

ولو أنّ المحافظين على الصلاة الذين يحضرون مثل هذه الاحتفالات ،

____________

1- الحجّ : 32 .


الصفحة 261


قاموا إلى الصلاة عند حضور وقتها ، قومة رجل واحد ، لحسّب المسؤولون عن تلك الاحتفالات لوقت الصلاة ألف حساب وحساب .

وعلى كلّ حال ، من وجد حرجاً أو مشقّة في صلاة كلّ صلاة في وقتها ، فله أن يجمع كما ذكرنا ، والله الموفّق للسداد .

الجواب : لقد قرأنا مقالكم الذي نعتزّ به ونقدّره ، ونلفت انتباهكم إلى أنّ الرخصة الواردة في الجمع مطلقة ، غير مخصّصة بالعذر ، بالأخصّ إذا لاحظنا بعين الاعتبار التسهيل على الأُمّة ، فيمكن أن يجمع الناس دائماً ، وإن كان التفريق أفضل .

هذا مع العلم أنّ الروايات المروية عن طريق أهل البيت (عليهم السلام) صريحة وواضحة في جواز الجمع مطلقاً ، وأمّا ما روي عن طريق أهل السنّة ، فيمكن إثبات الرخصة المطلقة أيضاً ، وذلك لما روي عن ابن عباس قال : ( صلّى رسول الله (صلى الله عليه وآله) الظهر والعصر جميعاً ، والمغرب والعشاء جميعاً ، في غير خوف ولا سفر ) (1) .

وفي حديث وكيع قال : ( قلت لابن عباس : لم فعل ذلك ؟ قال : كي لا يحرج أُمّته ) (2) .

وفي حديث أبي معاوية قيل لابن عباس : ( ما أراد إلى ذلك ؟ قال : أراد أن لا يحرج أُمّته ) (3) .

وعن جابر بن يزيد عن ابن عباس : ( أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) صلّى بالمدينة سبعاً

____________

1- صحيح مسلم 2 / 151 ، سنن النسائيّ 1 / 290 ، سنن أبي داود 1 / 271 ، السنن الكبرى للبيهقيّ 3 / 166 ، السنن الكبرى للنسائيّ 1 / 491 ، صحيح ابن خزيمة 2 / 85 ، صحيح ابن حبّان 4 / 471 ، المعجم الكبير 12 / 58 ، سير أعلام النبلاء 10 / 453 ، سبل الهدى والرشاد 8 / 236 .

2- مسند أحمد 1 / 354 ، السنن الكبرى للبيهقيّ 3 / 167 ، شرح صحيح مسلم 5 / 217 .

3- صحيح مسلم 2 / 152 ، الجامع الكبير 1 / 121 ، السنن الكبرى للبيهقيّ 3 / 167 .


الصفحة 262


وثمانياً ، الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء ) (1) .

وعن عبد الله بن شقيق قال : ( خطبنا ابن عباس يوماً بعد العصر حتّى غربت الشمس وبدت النجوم ، وجعل الناس يقولون : الصلاة الصلاة ، قال : فجاءه رجل من بني تميم لا يفتر ولا ينثني ، الصلاة الصلاة .

فقال ابن عباس : أتعلّمني بالسنّة لا أُمّ لك ؟! ثمّ قال : رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) جمع بين الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء .

قال عبد الله بن شقيق : فحاك في صدري من ذلك شيء ، فأتيت أبا هريرة فسألته ، فصدّق مقالته ) (2) .

قال النوويّ : ( وأمّا حديث ابن عباس ، فلم يجمعوا على ترك العمل به ، بل لهم أقوال : منهم من تأوّله على أنّه جمع بعذر المطر ، هذا مشهور عن جماعة من الكبار المتقدّمين ، وهو ضعيف بالرواية الأُخرى : من غير خوف ولا مطر .

ومنهم من تأوّله على أنّه كان في غيم ، فصلّى الظهر ثمّ انكشف الغيم وبان أنّ وقت العصر دخل فصلاّها ، وهذا أيضاً باطل ، لأنّه وإن كان فيه أدنى احتمال في الظهر والعصر ، لا احتمال فيه في المغرب والعشاء .

ومنهم من تأوّله على تأخير الأُولى إلى آخر وقتها ، فصلاّها فيه ، فلمّا فرغ منها دخلت الثانية فصلاّها ، فصارت صلاته صورة جمع ، وهذا أيضاً ضعيف أو باطل ، لأنّه مخالف للظاهر مخالفة لا تحتمل ، وفعل ابن عباس الذي ذكرناه حين خطب ، واستدلاله بالحديث لتصويب فعله ، وتصديق أبي

____________

1- صحيح البخاريّ 1 / 137 ، صحيح مسلم 2 / 152 ، السنن الكبرى للبيهقيّ 3 / 167 ، مسند ابن الجعد : 246 ، السنن الكبرى للنسائيّ 1 / 157 ، صحيح ابن حبّان 4 / 474 ، المعجم الكبير 12 / 137 .

2- صحيح مسلم 2 / 153 ، مسند أحمد 1 / 251 ، السنن الكبرى للبيهقيّ 3 / 168 ، تحفة الأحوذيّ 1 / 475 ، مسند أبي داود : 355 ، المعجم الكبير 12 / 162 ، تهذيب الكمال 9 / 303 .


الصفحة 263


هريرة له وعدم إنكاره ، صريح في ردّ التأويل .

ومنهم من قال : هو محمول على الجمع بعذر المرض أو نحوه ، ممّا هو في معناه من الأعذار ، وهذا قول أحمد بن حنبل ، والقاضي حسين من أصحابنا ، واختاره الخطّابيّ ، والمتولّي والروياني من أصحابنا ، وهو المختار في تأويله لظاهر الحديث ، ولفعل ابن عباس ، وموافقة أبي هريرة ، ولأنّ المشقّة فيه أشدّ من المطر ) (1) .

ولكن الوجه الذي اختاره النوويّ ، ومن سبقه غير صحيح ، لأنّ فعل ابن عباس لا يوحي بالمرض ، إذ كيف يتسنّى لمريض أن يخطب منذ العصر ، وحتّى ظهور النجوم ، فإذا كان النبيّ (صلى الله عليه وآله) قد جمع بسبب المرض ، فما عذر ابن عباس في الجمع ، ولا أدري ما وجه موافقة أبي هريرة في الدلالة على المرض ؟!

وقد ردّ القسطلانيّ هذا العذر بقوله : ( وحمله بعضهم على الجمع للمرض ، وقوّاه النوويّ لأنّ المشقّة فيه أشدّ من المطر ، وتعقّب بأنّه مخالف لظاهر الحديث ، وتقييده به ترجيح بلا مرجّح ، وتخصيص بلا مخصّص .

وقد أخذ آخرون بظاهر الحديث ، فجوّزوا الجمع في الحضر للحاجة ، لمن لا يتّخذه عادة ، وبه قال أشهب والقفال الشاشي ، وحكاه الخطّابيّ عن جماعة من أصحاب الحديث ، وتأوّله آخرون على الجمع الصوريّ بأن يكون آخر الظهر إلى آخر وقتها ، وعجّل العصر في أوّل وقتها ، وضعّف لمخالفته الظاهر ) (2) .

أمّا الترمذيّ ، فقد أورد هذه الروايات في جامعه ، وادّعى في كتاب العلل أنّ هذا الحديث غير معمول به ، ولكن المباركفوري قال : ( قال الترمذيّ في كتابه العلل ما لفظه : جميع ما في هذا الكتاب من الحديث هو معمول به ، وبه

____________

1- شرح صحيح مسلم 5 / 218 .

2- إرشاد الساري 2 / 222 .


الصفحة 264


أخذ بعض أهل العلم ما خلا حديثين : حديث ابن عباس (رضي الله عنه) أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) جمع بين الظهر والعصر بالمدينة ، والمغرب والعشاء من غير خوف ولا مطر ولا سفر ، وحديث النبيّ (صلى الله عليه وآله) أنّه قال : ( من شرب الخمرة فاجلدوه ، فإن عاد في الرابعة فاقتلوه ) ... (1) قال : وقد بيّنا علّة الحديثين جميعاً في الكتاب .

قلت : وقد تعصّب المُلاّ معين في كتابه دراسات اللبيب على كلام الترمذيّ هذا ، وقد أثبت أنّ هذين الحديثين كليهما معمول بهما ، والحقّ مع المُلاّ معين عندي والله تعالى أعلم .

أمّا رواية حنش عن عكرمة عن ابن عباس عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) : ( من جمع بين صلاتين بغير عذر ، فقد أتى باباً من أبواب الكبائر ) (2) ، فإنّ الترمذيّ بعد أن أخرج هذا الحديث ، قال : حنش هذا أبو علي الرحبي متروك ) (3) .

وقال ابن حجر في ترجمة حنش : ( قال البخاريّ : أحاديثه منكرة جدّاً ، ولا يكتب حديثه ... ، وقال العقيليّ : له غير حديث لا يتابع عليه ولا يعرف إلاّ به ولا أصل له ، وقد صح عن ابن عباس أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) جمع بين الظهر والعصر ... ) (4) .

____________

1- تحفة الأحوذيّ 1 / 478 .

2- مسند أبي يعلى 5 / 136 ، المعجم الكبير 11 / 172 ، سنن الدارقطنيّ 1 / 380 .

3- سنن الدارقطنيّ 1 / 380 .

4- تهذيب التهذيب 2 / 314 .


الصفحة 265


الحجاب :

( محمّد . أمريكا . ... )

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

هل منزلة الأئمة الأطهار أرفع منزلة من الأنبياء ...
السؤال : من المؤكّد أنّ العصمة الموعودة من الله ...
الخطبة الشقشقية
لماذا صار يوم عاشوراء اعظم الايام مصيبة
السؤال : هذه شبهة وردت في إحدى مواقع الوهّابية في ...
السؤال : هل توجد رواية في كتب أهل السنّة تبيّن ...
ما هو سرّ الخليقة وفلسفة الحياة؟!
السؤال : قال الإمام علي أمير المؤمنين : " أنا الذي ...
ان زيارة عاشورا المشهورة ( التي نقرأها جميعا ) هي ...
السؤال: إنّه ليحزّ في نفسي أن أجد مثل هذه الإجابة ...

 
user comment