أحاديث الكافي خاضعة للجرح والتعديل :
السؤال : ما هو رأيكم بكتاب أُصول الكافي ؟ والذي رغم ضخامته والجهد العظيم المبذول من قبل مؤلّفه لإخراجه ، واعتباره كمرجع أساسي لأحاديث أهل البيت (عليهم السلام) ، والإطراء الكثير الذي حظي به من قبل العلماء المتقدّمين ، إلاّ أنّه احتوى على عدد من الأحاديث التي لا أعتقد أنّها ممكن أن تصدر عن الأئمّة (عليهم السلام) ، والتي أصبحت نقاط ضعف يثبتها علينا ويحاججنا بها الإخوان من أهل المذاهب الأُخرى ، فما هو الردّ المناسب لهم ؟
الجواب : إنّ المباني التي عليها الشيعة : أنّه لا يوجد كتاب صحيح من أوّله إلى آخره غير القرآن الكريم ، فكلّ كتاب سوى القرآن تجري عليه قواعد الجرح والتعديل ، فما صحّ سنده عملت به الشيعة ، وما لم يصحّ لا تعمل الشيعة به .
وكتاب الكافي على عظمته عند الشيعة ، فإنّ الطريق الصحيح هو البحث في كلّ حديث وفقاً لقواعد الجرح والتعديل والتعارض .
|
الصفحة 301 |
|
وهذا ، بخلاف مباني أهل السنّة ، حيث اعتبروا صحّة كلّ ما في البخاريّ ومسلم .
وفي هذا المجال أبحاث معمّقة واستدلالات لإثبات هذا المدّعى ليس هنا محلّها .
وفي الختام : ننوّه بأنّ علمائنا الأبرار بذلوا قصارى جهدهم لجمع الأحاديث المروية عن أهل البيت (عليه السلام) ، وذلك بالاعتماد على أصحّ الطرق والأسانيد ، ولكن وكما تعلمون فإنّ باب الاجتهاد مفتوح ، وهذا بخلاف أهل السنّة الذين أغلقوا باب الاجتهاد .
( محمّد الحلّيّ . البحرين . ... )
لا يوجد عندنا كتاب كلّ أحاديثه صحيحة :
السؤال : لماذا لا يكون عند الشيعة كتاب يحتوي على الأحاديث الصحيحة فقط ؟ كما لأهل السنّة صحاح .
الجواب : إنّ ما تفضّلتم به في سؤالكم يتوقّف على فهم المرتكزات الأساسيّة التي ابتنى عليها التشيّع ـ الممثّل للسنّة النبويّة ـ وفهم مرتكزات الأطروحة السنّية ، وبالتالي نفهم الجواب على السؤال ، وإليكم جزء يسير وخلاصة للجواب :
إنّ الشيعة ـ واقتداءً بأئمّتهم (عليهم السلام) الذين أسّسوا علم الدراية وعلم الرجال ـ عندهم باب الاجتهاد مفتوح ، ولم يقف على عالم أو شخص ، والأئمّة (عليهم السلام) بيّنوا الضوابط التي تؤخذ بها الرواية عند توفّرها ، وتردّ عند عدم وجودها ، كقول الإمام الصادق (عليه السلام) : ( وكلّ حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف ) (1) ، وكقوله (عليه السلام) عند تعارض الروايات : ( يؤخذ به ـ أي المجمع عليه ـ من حكمنا ، ويترك الشاذّ الذي ليس بمشهور عند أصحابك ) (2) ، وغير ذلك من
____________
1- المحاسن 1 / 221 ، الكافي 1 / 69 .
2- الكافي 1 / 68 .
|
الصفحة 302 |
|
الروايات التي أوضحت بأنّ هناك من يكذب على الأئمّة ، وأنّ هناك من يدسّ ويزوّر .
فألّف علماء الشيعة ـ في الزمن القديم المتاخم لزمن الأئمّة (عليهم السلام) ، وبعضهم في زمن الأئمّة ـ كتب الرجال لبيان الثقة من غيره ، وبيان الرواة وأحوالهم .
وبما أنّ باب الاجتهاد مفتوح عند علماء الشيعة ، والعالم الشيعيّ له رأيه في كلّ راوي وكلّ رواية ، فكان هناك اختلاف في النظر والتوثيق والتضعيف ، فقد يوثّق أحد العلماء راوٍ معيّن لأدلّة خاصّة عنده ، بينما نرى عالماً آخر لا يوثّق هذا الراوي أو يتوقّف فيه لأدلّته الخاصّة ، ومناقشته أدلّة من وثّقه ، وهكذا إذا كثر العلماء تكثر الآراء وتختلف تبعاً لطبيعة الاجتهاد ، الذي فتحه الأئمّة لعلماء الشيعة ، الذين يتولّون الأُمور بعدهم .
فعلى ذلك ، إذا أراد عالم من العلماء تأليف كتاب صحيح ـ كصحيح الكافي مثلاً ـ فلا يمكنه أن يلزم به علماء الشيعة الآخرين ، لأنّ كلّ عالم له نظره الخاصّ ، واجتهاده المبني على الأُصول والقواعد ، الذي قد يخالف فيه ذلك العالم ، وبالتالي فما يراه ذلك العالم الذي ألّف صحيح الكافي صحيحاً لا يرى العالم الآخر صحّة كلّ ما فيه ، بل يرى فيه بعض الروايات الضعاف ، وترجع المسألة إلى عدم صحّة هذا الكتاب من أوّله إلى آخره عند العلماء ، ولا يمكن إلزام العلماء بمبنى واحد ، لأنّ معنى ذلك غلق باب الاجتهاد الذي فرغنا عن كونه لم يغلق .
أضف إلى ذلك : أنّ هناك روايات كثيرة صحيحة عند علماء الشيعة ، وهي أكثر من روايات أهل السنّة ، فهذا الكافي الذي يحتوي على أكثر من (16) ألف رواية ، يصرّح العلماء بوجود روايات صحيحة فيه أكثر من (4) آلاف رواية ، وهذا الكافي لوحده ، فما بالك بكتب الروائية الأُخرى ـ كالاستبصار والتهذيب ، ومن لا يحضره الفقيه ، وغيرها من كتب الحديث ـ ؟!
وهناك من ألّف من العلماء كتباً لجمع الصحيح والحسن من الروايات ، ككتاب ( منتقى الجمان في الأحاديث الصحاح والحسان ) لابن الشهيد
|
الصفحة 303 |
|
الثاني (قدس سره) ، لكن يبقى أيضاً تحت نظر الفقيه الآخر ، ومدى قبوله للروايات من حيث التصحيح والتضعيف .
وأمّا المنهج السنّي ، فهو يحتاج إلى بيان كيفية بنائه ، والأُسس التي سار عليها ، والتي بعد معرفتها نرى المشاكل التي واجهها علم الحديث عندهم ، بعد منع أبي بكر وعمر تدوين الحديث (1) .
ثمّ مجيء دولة بني أُمية وتدوين الحديث ، إلى أن ظهرت آلاف الكتب التي تحدّثت عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، إلى أن ظهر لنا البخاريّ المولود سنة 194 هـ ، والذي شرع في تأليف صحيحه ، وهو في سنّ السادسة عشر (2) .
ثمّ جاء القوم بعده وقلّدوه فيما قاله : من أنّ هذا الكتاب كلّه صحيح من أوّله إلى آخره ، وكذلك ألّف تلميذه مسلم بن الحجّاج صحيحه ، مدّعياً نفس دعواه ، وجاء من بعدهم معتمداً على كلامهم ـ والسياسة لها دخل أيضاً ـ بأنّ كلّ ما فيهما صحيح ، فلذلك انسدّ باب الاجتهاد في روايات صحيح مسلم والبخاريّ من حيث توثيق الرواة ، ومن حيث الرواية ، فكلّ رواية وردت فيهما فهي صحيحة .
وهذه هي النكتة المائزة ، فإذا ألّف مسلم والبخاريّ كتابيهما ، ومن يأتي بعدهما لا يناقشهما فيهما ، فينتج أنّهما صحيحان ، لا غبار عليهما ، وهذا هو غلق لسنّة النبيّ (صلى الله عليه وآله) الآمرة بالنظر في الحديث ، وتمييز الصحيح من السقيم .
وليس ذلك أمراً إيجابياً للفكر السنّي كما قد يتصوّر ، بل إذا أردنا التعمّق أكثر وأكثر ، ينتج لنا أنّ المدرسة السنّية أضفت العصمة على كتابي مسلم والبخاريّ ، ورفضت سنّة النبيّ (صلى الله عليه وآله) والأئمّة (عليهم السلام) .
وهناك ملحوظة لابدّ من أن نلتفت إليها ، وهي : أنّ القوم وإن قالوا بصحّة روايات البخاريّ ومسلم ، لكنّهم في مقام العمل لا يعملون بكلّ ما في البخاريّ
____________
1- سير أعلام النبلاء 2 / 601 .
2- تاريخ بغداد 2 / 14 .
|
الصفحة 304 |
|
ومسلم، لوجود التعارض والتضارب بين بعض الروايات التي ينقلها البخاريّ نفسه، أو مسلم نفسه ، كروايات الرضعات الخمس الواردة في صحيح مسلم (1)، وكروايات تزوّج النبيّ (صلى الله عليه وآله) ميمونة وهو محرم ، مع أنّها نفسها تنكر ذلك ، ومسلم (2) يأتي برواية يجمع فيها بين أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) تزوّجها وهو محرم ، وبين أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) تزوّجها وهو في حلّ ، وفي نفس الجزء (3) ينقل الرواية عن ميمونة زوجة النبيّ (صلى الله عليه وآله) تقول : تزوّجني وهو حلال .
وبالتالي لابدّ أن تكون إحدى الروايات مخالفة للواقع ، لأنّه لا يمكن أن نصدّقهما معاً ، فأين الصحّة المدّعاة لمسلم والبخاريّ ؟!
وهناك شواهد كثيرة أغمضنا عن نقلها ، تستطيع مراجعتها .
والخلاصة : إنّ دعوى أنّ كلّ ما في البخاريّ ومسلم صحيح ، لا يعمل بها أهل السنّة أنفسهم ، لوضوح وجود التضارب بين بعض الروايات التي في نفس البخاريّ ، وبعض الروايات التي في نفس مسلم .
وهناك تفصيلات أُخرى يطول الوقت بذكرها ، تركناها اختصاراً .
( ... . سنّي . ... )
كلّه خاضع للبحث السنديّ والدلاليّ :
السؤال : عندي ملاحظة : من المعروف أنّكم بدأتم في دراسة مصطلح الحديث بعد أن هاجمكم أهل السنّة ، ألم تلاحظ أنّ القليل من أحاديثكم يصل سندها إلى الرسول (صلى الله عليه وآله) ؟
ألم تلاحظ أنّ معظم الأحاديث التي تروى عن أبي عبد الله ليس لها سند متّصل إلى الرسول (صلى الله عليه وآله) ؟ أهكذا تأخذون دينكم ؟ أم أنّكم ستنتظرون مهديّكم
____________
1- صحيح مسلم 4 / 167 .
2- المصدر السابق 4 / 137 .
3- المصدر السابق 4 / 138 .
|
الصفحة 305 |
|
المنتظر لتأخذوا منه العلم الذي لم يؤتيه الله لأحد حتّى نبيّه (صلى الله عليه وآله) ؟
الجواب : إنّ موضوع دراسة الحديث يصدق بتمامه عند من يعرض كافّة الروايات لقانون البحث السنديّ والدلاليّ ، وهذه هي الطريقة المألوفة عند علمائنا قديماً وحديثاً ، بخلاف أهل السنّة الذين يعتقدون بصحّة كافّة روايات البخاريّ ومسلم وغيرهما ، مع ما فيها من رواة مدلّسين ومجروحين وكذّابين ، ومن أحاديث موضوعة يأباها الكتاب ، والسنّة الصحيحة ، والعقل السليم ، فهل هذا هو الأخذ بسنّة الرسول (صلى الله عليه وآله) عندكم ؟
ولماذا يخشى أهل السنّة من نقد البخاريّ أو مسلم ؟ في حين لا يرى الشيعيّ بأساً في دراسة كافّة المجامع الحديثية نقضاً وإبراماً ؟ فأيّهما المتحرّي للحقيقة ؟ وأيّهما المتعصّب والمتزمّت ؟
وأمّا بالنسبة لأحاديثنا المروية عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، فمبنى الشيعة هو عصمة الإمام (عليه السلام) ـ كما ثبت في محلّه ـ ، وعليه فكلامه (عليه السلام) نفس كلام الرسول (صلى الله عليه وآله) ، فلسنا بحاجة إلى التصريح بسلسلة السند إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله) .
ثمّ حتّى على مبنى أهل السنّة ، من لزوم اتصال السند ، فإنّ الأئمّة (عليه السلام) قد صرّحوا بأنّ حديثهم حديث أبيهم ، وحديث أبيهم حديث أبيه ... ، حتّى يصل إلى الرسول (صلى الله عليه وآله) جدّهم ، وبما أنّ أصحاب الرجال والحديث عند أهل السنّة ، قد صرّحوا بجلالة ووثاقة الأئمّة (عليه السلام) ، فيكون حديثهم متّصل إلى الرسول (صلى الله عليه وآله) من حيث السند .
وأمّا موضوع المهديّ (عليه السلام) ، فهو لا يختصّ بالمذهب ، بل هو متّفق عليه عند الكلّ ، ونوصيك أن تراجع أحاديث المهديّ (عليه السلام) في كتب أهل السنّة ، حتّى تقف قليلاً على الموضوع .
وأمّا ادعاؤك أنّنا نعتقد بأنّ المهدي عنده علم لم يؤت النبيّ (صلى الله عليه وآله) فهو كذب ، فاتق الله يا أخي ولا تكن من الظالمين .
|
الصفحة 306 |
|
( خالد حسين . العراق . 26 سنة . معهد إدارة )