ورثت ابن عمّك دون عمّك ؟
فقال علي : ( هاؤم ) ـ ثلاث مرّات ـ حتّى اشرأب الناس ، ونشروا آذانهم ، ثمّ قال : ( جمع رسول الله (صلى الله عليه وآله) ـ أو دعا رسول الله ـ بني عبد المطلب ... ثمّ قال رسول الله : فأيّكم يبايعني على أن يكون أخي وصاحبي ووارثي ؟ فلم يقم إليه أحد ، فقمت إليه وكنت أصغر القوم ، فقال : اجلس ) ، قال : ( ثمّ قال ثلاث مرّات ، كلّ ذلك أقوم إليه فيقول لي : اجلس ، حتّى كان في الثالثة ، فضرب بيده على يدي ) ، قال : ( فبذلك ورثت ابن عمّي دون عمّي ) (1) .
وكما في رواية الحاكم : ( حدّثني ابن فنجويه قال : حدّثنا موسى بن محمّد ابن علي بن عبد الله قال : حدّثنا الحسن بن علي بن شبيب المعمّري قال : حدّثنا عباد بن يعقوب قال : حدّثنا علي بن هاشم ، عن صباح بن يحيى المزني ، عن زكريا بن ميسرة ، عن أبي إسحاق ، عن البراء قال : لمّا نزلت { وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ } ... ) (2) .
فهل خفي هذا كلّه ، وغيره عن ابن كثير ؟ كلاّ طبعاً ، إلاّ أنّه لم يجد منفذاً إليها ، إلاّ ما صنعه بعضهم على أبي مريم ، فتناوله وطعن فيه ، وأوهم القارئ أنّ هذه الرواية محصورة في هذا الطريق !
3ـ ثمّ أين تأويله الذي اتكأ عليه ، من قوله تعالى : { وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ } ؟ فهل كان أمر الله تعالى له بإنذار عشيرته أن يقضوا عنه دينه ، ويحفظوا له عياله ؟! وهل يستدعي أمر كهذا كلّ ما فعله رسول الله (صلى الله عليه وآله) من دعوة أربعين رجلاً ثلاث مرّات ، وإبلاغهم ، أمّا كان يكفيه أن يستدعي من يثق به منهم ويطمئن إليه فيوصيه بعياله ، وقضاء دينه ؟
____________
1- تاريخ الأُمم والملوك 2 / 64 .
2- شواهد التنزيل 1 / 542 .
|
الصفحة 358 |
|
( ... . عمان . 40 سنة )
السؤال : لماذا النبيّ في بداية دعوته ينصّب له خليفة من بعده ، والدين بعد لم ينتشر ؟ وهل معنى : أنت خليفتي ، أيّ على المسلمين أم على أهل بيته فقط ؟ ودمتم في بركة الله .
الجواب : من جملة أدلّتنا على إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام) الدالّة على إمامته وولايته بالنصّ هو حديث الدار ، لما في هذا الحديث من خصوصيّات ، قد لا تكون في غيره .
الخصوصية الأُولى : صدور هذا الحديث في أوائل الدعوة النبويّة ، وفي بدء البعثة المحمّدية ، فكأنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) مأمور بأن يبلّغ ثلاثة أُمور في آن واحد وفي عرض واحد : مسألة التوحيد والدعوة إلى الله تعالى ، ومسألة رسالته ، ومسألة خلافته من بعده الثابتة لعلي (عليه السلام) ، وقد أسفر ذلك المجلس ، وتلك الدعوة عن هذه الأُمور الثلاثة .
الخصوصية الثانية : أنّ القوم من أبي لهب وغيره قالوا ـ وهم يضحكون ـ لأبي طالب : قد أمرك أن تسمع وتطيع لابنك علي .
هذا يؤيّد قولنا : في أنّ معنى قوله : وخليفتي من بعدي ، ليس معناه : خليفتي على أهلي فقط ، بل على كلّ المسلمين ، فأُولئك المشركون فهموا من هذا اللفظ ، ومن كلام رسول الله (صلى الله عليه وآله) : إنّه يريد أن ينصّب عليّاً إماماً مطاعاً من بعده لعموم المسلمين .
الخصوصية الثالثة : استدلال الإمام علي (عليه السلام) بحديث الدار في جواب سائل ـ يروي هذا الخبر النسائيّ ـ يقول : إنّ رجلاً قال لعلي : يا أمير المؤمنين ، لم ورثت ابن عمّك دون عمّك ؟ أي ، بأي دليل أصبحت أنت وارثاً لرسول الله ؟ ولم يكن العباس وارثاً لرسول الله (صلى الله عليه وآله) ؟
فذكر الإمام (عليه السلام) حديث الإنذار ، وجاء في هذا الحديث بهذا اللفظ ، وقال (صلى الله عليه وآله) :
|
الصفحة 359 |
|
( أنت أخي وصاحبي ووارثي ووزيري ) .
فذكر أمير المؤمنين في جواب هذا السائل هذا الخبر ، ثمّ قال (عليه السلام) : ( فبذلك ورثت ابن عمّي دون عمّي ) (1) .
إذاً ، يصبح الإمام علي (عليه السلام) بحكم هذا الحديث خليفة لرسول الله ووزيراً له ، ووارثاً ووصياً وقائماً مقامه ، ووليه من بعده ، والناس كلّهم مأمورون لأن يطيعوه ويسمعوه .
أو ليست الخلافة والإمامة هذه ؟ وأيّ شئ يريدون منّا عند إقامتنا الأدلّة على إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام) أوضح وأصرح من مثل هذه الأحاديث الواردة في كتبهم، وبأسانيد معتبرة ، ينصّون هم على صحّتها ؟
وهل ورد مثل هذا في حقّ أحد غير علي (عليه السلام) مع هذه الخصوصيّات من حيث السند والدلالة ، والقرائن الموجودة في لفظه ؟
1- السنن الكبرى للنسائيّ 5 / 126 .
|
الصفحة 360 |
|
( رؤوف . السعودية . 27 سنة . طالب )
عدم تدوينه لا يدلّ على عدم وجوده :
السؤال : إذا كانت رواية ردّ الشمس لعلي صحيحة ، وهي معجزة كونية ، فإنّ من الطبيعي أنّ الكثيرين من أهل الأرض قد شاهدها .
والسؤال : أنّ حادثة مثل هذه لا يمكن أن تمر دون أن تدوّن في كتب أصحاب السير والمؤرّخين من الأُمم الأُخرى ، ولأصبحت مشهورة باعتبارها حدث كوني غير قابل للتفسير ، ومثلها نقيس على معجزة شقّ القمر التي وردت في القرآن الكريم .
فهل ورد ما يشير إلى هاتين الحادثتين من كتب لغير المسلمين ؟ بالإضافة إلى أنّ التأخير الذي حصل في حركة الفلك ـ في تصوّري ـ أنّه من الممكن قياسه ومعرفة قدره ومقداره .
الجواب : أوّلاً : الذي يظهر من سؤالكم هو أنكم تعمّمون إشكال ردّ الشمس مع شقّ القمر ، فإذاً الإشكال ليس خاصّاً بالشيعة بل يُعم .
وثانياً : إنّ المقصود من قولكم ـ كتب أصحاب السير والمؤرّخين من الأُمم الأُخرى ـ هو ما كان أيّام الرسالة لا بعدها ، أي كلّ ما قارنها ، كما أنّكم لا تقصدون بالطبع ، كتب المسلمين ومدوّناتهم ، إذ لنا فيها الكثير ممّا سنوافيك به في فرصة أُخرى بإذن الله تعالى .
وثالثاً : لاشكّ ولا ريب بحدوث حوادث كونية عظيمة على مدّ التاريخ ، بدءاً من طوفان نوح (عليه السلام) ، إلى فلق البحر لموسى (عليه السلام) ، إلى إبراء الأكمة والأبرص لعيسى (عليه السلام) ، وكذا إحياء الموتى ، بل وبناء صرح هامان ، وعجل
|
الصفحة 361 |
|
السامري ، وقصر سليمان ، وكلّ الحوادث الكونية والإعجازية .
ولا ريب أنّ أهل الأرض قد شاهدوها بل لمسوها ، فأين محلّ هذه الحوادث من كتب السير والمؤرّخين ؟
بل هناك أُمور مسلّمة جدّاً قارنت ولادة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، مثل أصحاب الفيل، وكسر طاق كسرى ، وحوادث أُخرى ، كلّ هذه أين دوّنت ؟ ومن أين تُعرف ؟ بل لا نجد أيّ تدوين للجزئيات الكونية في تاريخ البشر آنذاك ، ولا نعرف مدوّنات في هذا الباب ، وكذا كلّ ما كان من زلازل ، أو فيضانات ، أو طوفان ، وخسف وانهدام ، وغيرها لا نعرف لها مصدراً إلى يومنا هذا ، سوى ما حدّثتنا به الكتب السماوية ، علماً بأنّ تلك الحوادث غالباً ما تقترن بأصوات مهيبة ، وصواعق وآثار مهيجة جدّاً ومخيفة ، بخلاف ردّ الشمس ، أو خسوف القمر ، وحتّى شقّه ، حيث يندر من يلتفت له أو يتوجّه إليه .
وبكلمة جامعة : أنّ تاريخ البشرية مملوء بالمجاهيل والمبهمات ، وكثير ممّا ورد فيه من الحدسيات بل التوهّمات ، فما نعرف اليوم شيئاً عن لقمان مثلاً ، أو زردشت ، أو غيرهما ، مولداً ومسكناً ومدفناً ، هذا أوّلاً .
وثانياً : أنّ كلّ حادثة كونية إنّما تعلم لمن كان مترقّباً لها ، ناظراً إليها ، أو يكون ذلك بشكل عفوي وتصادف محض ، وذاك ممّن هو فطن ومتوجّه ، بل قد يحدث كسوف أو خسوف مكرّراً ولا يعلم به أحد ، إلاّ من كان راصداً للحادثة مترقّباً لها .
وثالثاً : أنّ من الواضح أنّ غروب الشمس يكون ممكن الرؤية في نصف الكرة دون النصف الآخر ، وعليه يخرج نصف الناس من الشبهة .
ورابعاً : أنّ من الواضح أنّ تدوين الحوادث والوقائع التاريخيّة ونشرها لم يكن كيومنا هذا ، وذلك لانتشار الأُمّية وعدم وجود وسائل الارتباط .
وخامساً : أنّ حركة ردّ الشمس لم تكن إلاّ من جهة تمديد في الزمن ، بمعنى أنّها من نهار إلى نهار ، ومن شمس إلى شمس ، ومن النادر للإنسان
|
الصفحة 362 |
|
يلحظ مثل هذا أو يحّس به ، بخلاف الكسوف التام الذي يستلزم ظلام مطبق مثلاً ، أو زلزال مهيب ، أو خسف ، أو ما شابه ذلك .
هذا ، ولم يكن يومذاك من يهتمّ بالأُمور الكونية ، والأجرام الفلكية ، بل لم يعرفوا عظمة الكون وعجائبه كيومك هذا ، كما ولا نعرف من مؤرّخ أو غيره ـ لو كان ـ تكذيب للحادثة ونفيها .
سادساً : أنّ حركة التدوين مسألة متأخّرة جدّاً ، لا نعرفها إلاّ من أواخر القرن الثاني الهجريّ ، وما كان قبل ذلك فكان سبر واثبات لتاريخ الملوك والخلفاء ، وما جرى على أيديهم من حروب وبناء ، وغير ذلك .
وبعد ملاحظة ما سلف ، فلا تعجب من عدم ذكر أمثال هذه الحوادث وضبطها في كتبنا ، فضلاً عن غيرنا ، ولا يدلّ ذا ولا ذاك على عدم وقوع الحادثة بحال ، وعدم الوجدان لا يدلّ على عدم الوجود ، بل الوقوع أدلّ دليل على الإمكان .
وبعد كلّ هذا ، نسأل ما هي كتب غير المسلمين التي عاصرت زمن الرسالة ؟ واختصّت بالتدوين وضبط مثل هذه الحوادث ، حتّى نرجع لها ونأخذ منها ؟
أمّا قولكم : ( في تصوّري أنّه يمكن قياس ومعرفة قدره ومقداره ) ، فليس لنا اختصاص في ذلك ، كي نثبت به تصوّركم أو ننفيه ، ولا يعدّ موضوعاً عقائدياً يخصّنا الإجابة عليه .
( أُمّ زينب . الإمارات . ... )