كيفية تقييمهم :
السؤال : ما تقولون في الصدّيق أبي بكر ؟ وفي الفاروق عمر بن الخطّاب ؟ وفي الشهيد عثمان بن عفّان ؟ وماذا تقصدون بالبراءة من الخلفاء الراشدين ؟
الجواب : نلخّص الجواب في نقطتين :
1ـ أنّ تقييم الفرد في المنطق الإسلاميّ يرجع إلى سلوكه وسيرته ـ قولاً وعملاً وتقريراً ـ فنحن لا نقيّم الأشخاص بما هم أشخاص ، بل نقيّمهم بعد عرض أعمالهم على الكتاب والسنّة ؛ لنرى مدى قرب هذا أو ذاك ، أو بعده عن المسار الصحيح ، لأنّ الحقّ لا يعرف بالرجال ، ولكن الرجال يُعرفون بالحقّ .
وعليه ، فقضيّتنا مع الصحابة لم تكن قضية قبلية ، أو عصبية ، أو عشائرية ، بل هي قضية دين وشريعة ، واتّباع نصّ أو مخالفته .
وحيث ثبت أنّ الخلفاء الثلاثة كانوا يجتهدون أمام النصوص ، ويتّبعون المصلحة التي يتصوّرونها مع وجود النصّ القرآنيّ والسنّة النبويّة ، وجب علينا الابتعاد عنهم ، والتمسّك بالمتعبّدين الذين لا يفتونا برأي واجتهاد ، بل كلّ ما قالوه كان عن آثار ورثوها كابر عن كابر .
إذاً ، إنّ اجتهادات هؤلاء الخلفاء ، وتأصيلهم لأُصول بعيدة عن واقع التشريع الإسلاميّ ، هو الذي أوقعهم في كثير من الأخطاء العقائديّة والفقهيّة
|
الصفحة 406 |
|
والاجتماعيّة ، وهو الآخر قد دعا حماة الدين أن يرشدوا الناس إلى الابتعاد عن أُولئك ، لكي لا يتأثّر الآخرون بأخطائهم .
وعليه ، فنحن حين نرشد الآخرين إلى أخطاء أُولئك الخلفاء ، لا نبغي من ورائه إلاّ الوقوف على الحقيقة ، وللحدّ من الانحراف عن جادّة النصوص ، وذلك اتباعاً لقول النبيّ (صلى الله عليه وآله) : ( ما إن أخذتم بهما لن تضلّوا بعدي أبداً ) ؛ لأنّ الاجتهاد مقابل النصّ يؤدّي بالفرد إلى الابتعاد عن سنّة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وما نزل به الوحي ، وقد أطلق عن الشريعة بالإسلام لما يعنيه من التسليم والانقياد ، والأخذ بالنصوص ، والابتعاد عن الرأي .
وعليه ، فلا يمكن للمسلم المتعبّد الركون إلى أهل الاجتهاد والرأي والمصلحة المتوهّمة ، لأنّه سيؤدّي بالفرد إلى الابتعاد عن النصوص ـ قرآناً وسنّة ـ شيئاً فشيئاً ، ثمّ أخذه بما شرع رأياً على أنّه شريعة ودين .
2ـ وبناء على ما تقدّم من اعتبار مقاييس الأعمال ، فعلينا كمسلمين أن نتبرّأ من كلّ من خالف كتاب الله وسنّة الرسول (صلى الله عليه وآله) ، واجتهد مقابل النصّ ، وشرّع أُموراً غير شرعيّة في شريعة المسلمين ، مهما كان نوع المخالفة ، ومهما كانت منزلة الشخص المخالف .
( أُمّ محمّد . ... . سنّية )
عدم قرب الشيخين من رسول الله :
السؤال : إنّ الشيعة تدّعي : أنّ الخليفتين نكثوا العهد بعد الرسول ، فلماذا كانوا أقرب الناس إلى الرسول ؟ وكانوا معاونيه في الدعوة الإسلاميّة ، ألم يكن الرسول يعلم بذلك ؟ وهو الذي يخبر عن كلّ صغيرة وكبيرة ، فلماذا لم يتكلّم الرسول ويخبر بذلك ؟
الجواب : أمّا قولك : لماذا كان الشيخان أقرب الناس إلى الرسول ، فلا ندري ما مقصودك من القرب إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ؟ هل بمعنى القرابة ؟ فهذا ـ كما تعلميّن
|
الصفحة 407 |
|
ـ غير صحيح ، أم أنّك تقصدين أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يعتمد عليهما في كلّ صغيرة وكبيرة ، فهذا ـ كما تعلميّن أيضاً ـ غير ثابت ، وذلك لأنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) لم يخصّهما في شيء كما خصّ غيرهما .
وأهمّ ما نلاحظه أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) لم يؤاخ بينه وبين أحدٍ منهما ، بل لم تذكر جميع كتب السير أنّه (صلى الله عليه وآله) خصّهما في المشورة دون أصحابه ، أو أودعهما سرّه دون غيرهما من المسلمين ، أو ولاّهما على شيء قد اختصّا به ، بل بالعكس من ذلك ، فإنّ الحقيقة هي خلاف ما تذكرينه تماماً ، وذلك لشواهد :
أوّلاً : أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) سدّ الأبواب المشرفة على المسجد ، ومنها باب أبي بكر وعمر ، ولم يميّزهما عن غيرهما ، وأبقى باب علي بن أبي طالب (عليه السلام) مفتوحاً .
فقد روي عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) أنّه قال : ( أمّا بعد ، فإنّي أُمرت بسدّ هذه الأبواب إلاّ باب علي ، فقال فيه قائلكم : والله ما سددت شيئاً ولا فتحته ، ولكن أمرت بشيء فاتّبعته ) (1) .
وروي أيضاً عن الإمام علي (عليه السلام) أنّه قال : ( أخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله) بيدي ، فقال: إنّ موسى سأل ربّه أن يطهّر مسجده بهارون ، وإنّي سألت ربّي أن يطهّر مسجدي بك وبذرّيتك ، ثمّ أرسل إلى أبي بكر أن سدّ بابك ، فاسترجع ثمّ قال : سمعاً وطاعة ، فسدّ بابه ، ثمّ أرسل إلى عمر ، ثمّ أرسل إلى العباس بمثل ذلك ، ثمّ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : ما أنا سددت أبوابكم وفتحت باب علي ، ولكن الله فتح باب علي وسدّ أبوابكم ) (2) .
ثانياً : أنّه (صلى الله عليه وآله) أمّر أُسامة بن زيد على الشيخين ، وعلى جمعٍ من الصحابة ،
____________
1- المستدرك 3 / 125 ، السنن الكبرى للنسائيّ 5 / 118 ، خصائص أمير المؤمنين : 73 ، كنز العمّال 11 / 618 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 138 ، البداية والنهاية 7 / 379 ، المناقب : 327، جواهر المطالب 1 / 186 ، ينابيع المودّة 2 / 169 و 233 و 398 .
2- كنز العمّال 13 / 175 ، النزاع والتخاصم : 117 .
|
الصفحة 408 |
|
وكان فتىً صغيراً ، ولم يقدّم الشيخين في هذا الجيش ؟
فعن عبد الله بن عبد الرحمن : ( أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) في مرض موته ، أمّر أُسامة بن زيد بن حارثة على جيش فيه جلّة المهاجرين والأنصار ، منهم أبو بكر وعمر ، وأبو عبيدة بن الجرّاح ، وعبد الرحمن بن عوف ، وطلحة والزبير ، وأمره أن يغير على مؤتة ، حيث قتل أبوه زيد ... ) (1) .
ثالثاً : أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد آخى بينه وبين علي (عليه السلام) ، في حين لم يؤاخ بينه وبين أحدٍ من الشيخين ، بل آخى بين أبي بكر وبين خارجة بن زيد (2) ، وآخى بين عمر بن الخطّاب وبين عتبان بن مالك (3) .
فلو كان الشيخان أقرب الناس من رسول الله (صلى الله عليه وآله) لآخى بينه وبين أحدهما .
رابعاً : أنّ الشيخين لو كانا قريبين من رسول الله (صلى الله عليه وآله) لبلّغ أحدهما عنه ، في حين أنّه قال : ( علي منّي وأنا منه ، ولا يؤدّي عنّي إلاّ علي ) (4) .
فلو كان الشيخان أقرب الناس لبلّغا عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) وخصصهما بتبليغه .
إلى آخر الصفات والمنازل التي لم يختصّ بهما الشيخان ، فكيف يكونان من أقرب الناس إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ؟
أمّا عدم إخبار الرسول عن خفايا سرائرهم فإنّه كان يخضع لمصالح ومفاسد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يعلم بها ، ويمكن استنتاجها لمن نظر نظرة تأمّل لتاريخ تلك الحقبة وكما أنّ الرسول (صلى الله عليه وآله) لم يخبر عن المنافقين اللذين كانوا
____________
1- شرح نهج البلاغة 6 / 52 .
2- الجامع لأحكام القرآن 14 / 124 ، تفسير القرآن العظيم 3 / 477 ، الدرّ المنثور 3 / 207 ، فتح القدير 2 / 330 .
3- مقدّمة فتح الباري : 321 .
4- سنن ابن ماجة 1 / 44 ، المصنّف لابن أبي شيبة 7 / 495 ، الآحاد والمثاني 3 / 183 ، كتاب السنّة : 584 ، فيض القدير 4 / 470 ، تحفة الأحوذيّ 10 / 152 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 47 .
|
الصفحة 409 |
|
يحيطون به .
( زياد . فلسطين . سنّي )
عدم صلاحية الأوّل والثاني للخلافة :
السؤال : ما تقولون في أميري المؤمنين أبو بكر وعمر ؟ الموصوفان بأنّهما أعدل رجلين في العالم بعد الرسول (صلى الله عليه وآله) ؟
ولماذا تكثرون من تقديس علي (رضي الله عنه) وأبنائه بطريقة غريبة ؟ نحن نحترم عليّاً ، ونكن له كلّ الاحترام ـ كونه صحابي جليل من صحابة رسول الله ـ أمّا أن نزيد آية في القرآن الكريم ( وجعلنا علي صهرك ) ، فهذا لا يمكن قبوله أبداً ، لأنّ القرآن قد وصلنا متواتراً ، وكوننا نزيد هذه الآية ، فهذا انتقاص في حقّ الله ، وكأنّنا نصف الله بالنسيان أو الخطأ .
الجواب : إنّ الشيعة ترى أنّ الأفضلية في كافّة الجهات الإيجابية كانت لأمير المؤمنين علي (عليه السلام) ـ كما هو مذكور في كتب العقائد عندهم ـ وعليه ، فإنّ مؤهّلاته الشخصية كانت هي الوحيدة لاستيعاب أمر الخلافة والوصاية والإمامة بعد الرسول (صلى الله عليه وآله) ، خصوصاً بعد صدور النصوص المتواترة والمستفيضة التي تصرّح بكلّ وضوح : بأنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) استخلفه في أمر الإمامة بعده .
وممّا ذكرنا يظهر : أنّ العدول عن هذا الأمر واضح البطلان ، فنستنج أنّ خلافة الأوّل والثاني كانت خلافاً للعقل والنقل ـ كما أشرنا إليه ـ فهل تسمّى مخالفة العقل عدلاً ؟!
ويكفي في عدم صلاحيتهما للخلافة ، ما صدر منهما تجاه بضعة الرسول (صلى الله عليه وآله) فاطمة الزهراء (عليها السلام) ـ كما ذكر في محلّه ـ والتي قال في شأنها النبيّ (صلى الله عليه وآله) : (
|
الصفحة 410 |
|
فاطمة بضعة منّي ، فمن أغضبها أغضبني ) (1) .
وإمّا كلامك عن تقديس الشيعة لعلي (عليه السلام) ، فهل ترى فيه إشكال بعد ما ورد من نصوص وآثار في هذا المجال لا تعدّ ولا تحصى ، ويكفيك أن تطالع الكتب المختصّة بهذا الموضوع ، وتنظر بعين الأنصاف حتّى ترى ما كان له (عليه السلام) من مناقب وفضائل ملأت الخافقين .
وأمّا ما ذكرته من آية مجعولة ، فلم نر لها أثراً في الأوساط الشيعيّة ، { سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ } (2) .
( ... . الكويت . ... )