حكمته :
السؤال : لماذا نرى بالمذهب الشيعي الصلاة على التربة ؟
الجواب : إنّ السجود على الأرض ممّا أجمع عليه المسلمون ، لما رواه الكُلّ متواتراً عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) : " جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً " (2) .
والشيعة إنّما تسجد على التربة ، لأنّها قطعة متّخذة من الأرض ، يجوز السجود عليها ، وأمّا غير الأرض ، فلم يثبت جوازه .
ومن جانب آخر ، فإنّ الأرض وإن كانت كُلّها مسجداً ، إلاّ أنّ الدليل كما قد خصّ بعضها بالكراهة ـ كالأرض السبخة ـ خصّ بعضها الآخر بالرجحان والاستحباب ـ كأرض كربلاء ـ لمّا ورد عن أئمّتنا (عليهم السلام) من الفضل الكثير ، والثواب العظيم للسجود عليها .
فالشيعة اتّخذت هذه القطع من الأرض كمسجد لها ، كما كان الأمر في الصدر الأوّل في اتّخاذ الحصباء والخمرة في هذا المجال .
____________
1- جامع أحاديث الشيعة 5 / 463.
2- الخصال : 201 و 292 ، الأمالي للشيخ الصدوق : 285 ، الأمالي للشيخ الطوسي : 57 ، مسند أحمد 1 / 301 و 2 / 250 و 442 و 502 و 5 / 145 ، سنن الدارمي 2 / 224 ، صحيح البخاري 1 / 86 و 113 ، سنن ابن ماجة 1 / 188 ، الجامع الكبير 3 / 56 ، سنن النسائي 1 / 210 و 2 / 56 .
|
الصفحة 21 |
|
ففي الحديث : إنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) كان يسجد على الخمرة ، والخمرة حصيرة أصغر من المصلّى ، وقيل : الخمرة الحصير الصغير الذي يسجد عليه ، سمّيت خمرة لأنّ خيطها مستورة بسعفها (1) .
وأيضاً عن ابن الوليد قال : " سألت ابن عمر عمّا كان بدء هذه الحصباء التي في المسجد ؟ قال : نعم ، مطــرنا من الليل فخرجنا لصــلاة الغداة ، فجعـل الرجل يمر على البطحاء ، فيجعل في ثوبه من الحصباء ، فيصلّي عليه ، فلمّا رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذاك قال : " ما أحسن هذا البساط " ، فكان ذلك أوّل بدئه " (2) .
( عادل عبد الحسين العطّار . البحرين . ... )
السؤال : أُريد منك شرحاً مفصّلاً عن السجود على التربة الحسينية ، هذا لكثرة سؤال زوجتي ، لأنّها على المذهب السني المالكي ، هذا ، ووفّقكم الله إلى ما فيه الخير .
الجواب : إنّ الشيعة لا تجوّز السجود إلاّ على الأرض ، أو ما أنبتته الأرض من غير المأكول والملبوس ، وتستدلّ بما روي عن أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) في ذلك ، وكذلك تستدلّ بما روي في مصادر أهل السنّة ، منها :
قولـه (صلى الله عليه وآله) : " جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً " ، ومعلوم : أنّ لفظ الفرش ليس من الأرض ، ولا يصدق عليه اسم الأرض ، كما أنّ الحديث المروي عن أبي سعيد الخدري قال : " فبصرت عيناي رسول الله (صلى الله عليه وآله) على جبهته أثر الماء والطين " (3) .
____________
1- لسان العرب 4 / 258 .
2- السنن الكبرى للبيهقي 2 / 440 .
3- صحيح البخاري 2 / 256 ، سنن أبي داود 1 / 311 ، سنن النسائي 2 / 208 ، مسند أحمد 3 / 7 ، صحيح ابن حبّان 8 / 431.
|
الصفحة 22 |
|
كما أنّ أحاديث كثيرة وردت : أنّ الصحابة كانوا يأخذون قبضة من حصى في كفّهم لتبرد حتّى يسجدون عليها (1)، وكذلك وردت أحاديث بأنّ النبيّ والصحابة كانوا يسجدون على حصير ، ويتخذّون منه خمرة للصلاة عليها ، ولا نطيل عليكم بذكر بقيّة الأحاديث ، والشيعة عملت بهذه الأحاديث .
وأمّا التربة ، فإنّها من التراب ، وكما يعلم الجميع فإنّ من شرط السجود أن يكون على شيء طاهر ، فاتخاذ التربة أمر يتيقّن المصلّي منه بطهارة موضع سجوده .
وأمّا بخصوص كون هذه اللبنة والتربة من كربلاء ، فإنّه ليس بواجب ـ بل كما قلنا فإنّه يجب السجود على الأرض أو ما أنبتته ـ ولكن هو أمر مستحبّ ، لورود روايات عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) بذلك ، وكذلك ورود روايات عن أهل السنّة تروي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنّ جبرائيل أخبره بمقتل الحسين (عليه السلام) ، وأتى لـه بتربة كربلاء ، وكذلك كانت تربة كربلاء عند أمير المؤمنين (عليه السلام) ، وأمّ سلمة ، وهي التربة التي كان الزوّار يعرفون بشم رائحتها قبر الحسين (عليه السلام) ، لما أخفاه خلفاء الجور عنهم (2) .
____________
1- السنن الكبرى للبيهقي 2 / 105 ، سنن أبي داود 1 / 100 ، المستدرك 1 / 195 ، المصنّف لابن أبي شيبة 1 / 358 ، صحيح ابن حبّان 6 / 53.
2- مجمع الزوائد 9 / 187 و 191 ، مسند أحمد 1 / 85 ، ذخائر العقبى : 148 ، الآحاد والمثاني 1 / 309 ، مسند أبي يعلى 1 / 298 ، كنز العمّال 12 / 127 و 13 / 655 ، تاريخ مدينة دمشق 14 / 188 ، تهذيب الكمال 6 / 407 ، تهذيب التهذيب 2 / 300 ، جواهر المطالب 2 / 290 ، سبل الهدى والنجاة 11 / 74.
|
الصفحة 23 |
|
( محمّد السعيد . البحرين . ... )
السؤال : دخلت بعض المنتديات ، ووجدت بعض هذه الشبهات ، فهل من إجابة وبالدليل ؟
الشيعة تسجد على التربة ، وحجّتهم أنّه لا يجوز السجود على ما يلبس أو يأكل ، لذا لا يسجدون على السجّاد ، فلماذا لا يسجدون على ثمانية ترب بعدد المساجد الثمانية ؟
الجواب : إنّ الأحكام الشرعية توقيفية ، بمعنى أنّ الشارع يحدّدها ، فإذا ثبت حكم ما أنّ الشارع أثبته ، فلا يحقّ لنا أعمال ما تشتهيه أنفسنا .
فالسجود ثابت في الشريعة ، بأنّه لا يجوز إلاّ على الأرض أو ما أنبتته الأرض، من غير المأكول والملبوس ، وأن يكون موضع السجود طاهر ، فيمكن للمصلّي أن يسجد على الأرض ، أو على ورق الأشجار ، وسعيف النخل و ... ، والشيعة اتخذت قطعة من الأرض لتسجد عليها ، ولتطمئن من طهارتها ، فلا يأتي السؤال : لماذا لا يسجدون على ثمان ترب بعدد المساجد الثمانية ؟
( موالي . الكويت . 19 سنة . طالب )
السؤال : عن أنس بن مالك : كنّا إذا صلّينا مع النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، فلم يستطع أحدنا أن يمكّن جبهته من الأرض من شدّة الحرّ ، طرح ثوبه ثمّ سجد عليه (1) ، ألا تدلّ هذه الرواية على جواز السجود على الثوب لعذر ؟ ودمتم سالمين .
الجواب : تدلّ هذه الرواية على جواز السجود على الثوب لعذر كشدّة الحرّ ، لا جوازه مطلقاً .
____________
1- السنن الكبرى للبيهقي 2 / 106.
|
الصفحة 24 |
|
وأمّا الشيعة فعندهم عدم جواز السجود على غير الأرض ، أو ما أنبتته من غير المأكول والملبوس ، إلاّ لعذر شرعي كحال التقية ، وأدلّتهم على ذلك روايات وردت في هذا المضمار عن أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) .
( عماد . البحرين . 26 سنة . طالب ثانوية )
سجود الشيعة على التربة الحسينية :
السؤال : هناك بعض الأشخاص لديهم بعض الاستغراب ، من أنّا نصلّي على التربة الحسينية ، فلماذا نصلّي على التربة ؟ وليس على الأرض مباشرة ؟
الجواب : تختصّ الشيعة الإمامية بالقول باستحباب السجود على تربة قبر الإمام الحسين (عليه السلام) تبعاً لأئمّتهم ، بل اتباعاً لمنهج رسول الله (صلى الله عليه وآله) ـ ومنهج أهل البيت هو منهج الرسول (صلى الله عليه وآله) لا يخالفونه قيد شعرة أبداً ـ في تكريمه للحسين سيّد الشهداء (عليه السلام) ، وتكريم تربة قبره .
فاللازم علينا إذاً ، هو الإتيان ببعض الأحاديث عن أهل البيت (عليهم السلام) أوّلاً ، وبيان منهج الرسول (صلى الله عليه وآله) ثانياً ، فهاك نصوص كلمات أهل البيت (عليهم السلام) :
1ـ قال الإمام الصادق (عليه السلام) : " السجود على طين قبر الحسين (عليه السلام) ينوّر إلى الأرض السابعة ، ومن كان معه سبحة من طين قبر الحسين (عليه السلام) كتب مسبّحاً وإن لم يسبح بها " (1) .
2ـ قال الإمام الكاظم (عليه السلام) : " لا يستغني شيعتنا عن أربع : خمرة يصلّي عليها، وخاتم يتختّم به ، وسواك يستاك به ، وسبحة من طين قبر الحسين (عليه السلام) " (2) .
3ـ عن معاوية بن عمّار قال : كان لأبي عبد الله (عليه السلام) خريطة ديباج صفراء ، فيها من تربة أبي عبد الله (عليه السلام) ، فكان إذا حضرته الصلاة صبّه على سجادته
____________
1- من لا يحضره الفقيه 1 / 268 ، وسائل الشيعة 5 / 365 .
2- وسائل الشيعة 5 / 359 .
|
الصفحة 25 |
|
وسجد عليه ، ثمّ قال (عليه السلام) : " إنّ السجود على تربة أبي عبد الله (عليه السلام) يخرق الحجب السبع " (1) .
4ـ كان الإمام الصادق (عليه السلام) لا يسجد إلاّ على تربة الحسين (عليه السلام) تذلّلاً لله ، واستكانة إليه (2) .
5ـ سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن استعمال التربتين ، من طين قبر حمزة وقبر الحسين (عليهما السلام) ، والتفاضل بينهما ، فقال (عليه السلام) : " السبحة التي من طين قبر الحسين (عليه السلام) تسبّح بيد الرجل من غير أن يسبّح " (3) .
6ـ عن محمّد بن عبد الله بن الحميري قال : كتبت إلى الإمام صاحب الزمان (عليه السلام) أسأله : هل يجوز أن يسبّح الرجل بطين القبر ؟ وهل فيه فضل ؟ فأجاب : " يسبّح الرجل به ، فما من شيء من السبح أفضل منه " (4) .
والظاهر أنّ المراد من القبر قبر الحسين (عليه السلام) ، والألف واللام للعهد ؛ لكون ذلك معهوداً مشهوراً عند أهل البيت (عليهم السلام) وشيعتهم .
7ـ عن محمّد بن عبد الله بن جعفر الحميري قال : كتبت إلى الإمام صاحب الزمان (عليه السلام) أسأله : عن السجدة على لوح من طين القبر ، وهل فيه فضل ؟ فأجاب (عليه السلام) : " يجوز ذلك ، وفيه الفضل " (5) .
ولا غرو أن يجعل الله سبحانه الفضل في السجود على تربة سيّد الشهداء (عليه السلام) ، وهو سيّد شباب أهل الجنّة ، وقرّة عين الرسول (صلى الله عليه وآله) ، ومهجة فاطمة البتول (عليها السلام) ، وابن أمير المؤمنين (عليه السلام) ، وأحد أصحاب الكساء ، وهو وأخوه المراد من الأبناء في الكتاب الكريم في قصّة المباهلة ، وهو شريك أبيه وأُمّه في سورة هل أتى
____________
1- المصدر السابق 5 / 366 .
2- نفس المصدر السابق .
3- المصدر السابق 6 / 455 .
4- الاحتجاج 2 / 312 .
5- نفس المصدر السابق .
|
الصفحة 26 |
|
، وأحد الأئمّة الكرام الهداة ، وأحد الخلفاء الاثني عشر ، وهو مصباح الهدى ، وسفينة النجاة .
فأيّ مانع من تشريف الله تعالى لـه وتكريمه إيّاه بتفضيل السجود على تربته ؟
وقال الشيخ محمّد حسين كاشف الغطاء (قدس سره) في كتابه " الأرض والتربة الحسينية " في بيان حكمة إيجاب السجود على الأرض ، واستحباب السجود على التربة الشريفة :
ولعلّ السرّ في إلزام الشيعة الإمامية السجود على التربة الحسينية ، مضافاً إلى ما ورد في فضلها من الأخبار ، ومضافاً إلى أنّها أسلم من حيث النظافة والنزاهة من السجود على سائر الأراضي ، وما يطرح عليها من الفرش والبوراي ، الحصر الملوّثة والمملوءة غالباً من الغبار والمكروبات الكامنة فيها ، مضافاً إلى كُلّ ذلك ، فلعلّه من جهة الأغراض العالية ، والمقاصد السامية أن يتذكّر المصلّي حين يضع جبهته على تلك التربة ، تضحية ذلك الإمام بنفسه وآل بيته ، والصفوة من أصحابه في سبيل العقيدة والمبدأ ، وتحطيم هياكل الجور والفساد والظلم والاستبداد .
ولمّا كان السجود أعظم أركان الصلاة ، وفي الحديث " أقرب ما يكون العبد إلى الله وهو ساجد " (1) ، مناسب أن يتذكّر بوضع جبهته على تلك التربة الزاكية ، أُولئك الذين جعلوا أجسامهم عليها ضحايا للحقّ ، وارتفعت أرواحهم إلى الملأ الأعلى ، ليخشع ويخضع ويتلازم الوضع والرفع ، ويحتقر هذه الدنيا الزائفة وزخارفها الزائلة .
ولعلّ هذا المقصود من أنّ السجود عليها يخرق الحجب السبعة ـ كما في الخبر الآتي ذكره ـ فيكون حينئذٍ في السجود سر الصعود والعروج من التراب إلى ربّ الأرباب ، إلى غير ذلك من لطائف الحكم ودقائق الأسرار(2) .
____________
1- ثواب الأعمال وعقابها : 34 ، المصنّف لابن أبي شيبة 8 / 211 ، كنز العمّال 7 / 292 .
2- الأرض والتربة الحسينية : 32.
|
الصفحة 27 |
|
( حسين مردان . العراق . 39 سنة . مهندس )