لا يقاس بالتيمّم :
السؤال : إذا كان التيمّم عند عدم وجود الماء يجوز ، حتّى لو مسحت يدك بتراب الجدران ، أو أيّ أثاث في البيت بقصد الصلاة ، فلماذا لا يجوز الصلاة على السجّادة بدون التربة الحسينية ؟ هذا السؤال كثيراً ما يثار معي في النقاش مع أهل السنّة ، أجيبونا أثابكم الله .
الجواب : نجيب على هذا السؤال بعدّة نقاط :
1ـ إنّ هذا الإشكال مبنيّ على القياس ، وهو مردود صغرى وكبرى :
أ ـ أمّا الكبرى : فالقياس باطل عندنا ، فقد نهى أئمّتنا (عليهم السلام) عن اتخاذ القياس دليلاً على الأحكام الشرعية ، فإنّ دين الله لا يقاس بالعقول ، وأوّل من قاس إبليس (لعنه الله) .
ب ـ ثمّ إنّ هذا القياس غير صحيح ، لأنّ الطهارة الترابية بدل اضطراري عن الطهارة المائية ، أي إنّ النوبة تصل إلى التيمّم بعد فقد الماء وعدم التمكّن من الوضوء ، فيتيمّم بغبار الجدران ، أو أثاث البيت إذا عجز عن التيمّم بالأرض ، فالمقاس عليه اضطرار في اضطرار .
فكيف يقاس عليه السجود على السجّادة في حالة الاختيار ، الذي هو مفروض السؤال ، وهو المتبع عند أهل السنّة .
2ـ إنّ حكم السجود عندنا هو : وجوب السجود على ما يصدق عليه أنّه أرض، ومنه التربة الحسينية ، لا ما يتوهّمه الآخرون من وجوب السجود على التربة الحسينية .
نعم ، السجود عليها مستحبّ لورود روايات في استحبابها .
3ـ إنّ طريقة طرح السؤال غير صحيحة من البداية ، إذ لا يجوز أن يعترض على مذهب مخالف من خلال الاعتماد على قواعد يعتمدها المذهب الآخر ، بل يجب أمّا أن يبنى على قواعد متّفق عليها ، أو أن يبنى على قواعد نفس المذهب المعترض عليه .
|
الصفحة 28 |
|
( ناصر . أمريكا . ... )
ثبوت اللعن عقلاً ونقلاً لمن تخلّف عنها :
السؤال : ما هي الكتب التي تقول : لعن الله من تخلّف عن حملة أُسامة بن زيد ، غير كتاب الملل والنحل ، والسقيفة للجوهري ؟
الجواب : إنّ المتتبّع يجد ، أنّ ما يرتبط بالصحابة من القضايا التاريخية ـ سواء ما وقع منها في زمن الرسالة أو بعده ـ لم يصل لنا إلاّ القليل منه ، أمّا أن يخفى ، أو يذكر بشكل مبهم أو محرّف ، ممّا يشمّ منه أنّ أصل تلك القضايا مسلّمة ، ووجود روايات كثيرة في القرن الأوّل ، فضلاً عمّا بعده ممّا لا يقبل الإنكار .
فإنّ مسألة جيش أُسامة من المسلّمات عند جميع المسلمين ، وقد تناقلوه في أكثر كتبهم .
وأمّا ورود الحديث في لعن المتخلّف عن جيش أُسامة ، فهو في المصادر الشيعية كثير ، وأمّا المصادر السنّية ، فإنّها لم ترد بعد تفحّصنا إلاّ فيما ذكرته من وجودها في كتاب الملل والنحل (1) وكتاب السقيفة ، فإنّ المسائل التي فيها طعن على أيّ واحد من الصحابة أو التابعين تحذف من تاريخ الإسلام ، فضلاً من الخلفاء ، وهذا شيء طبيعي .
____________
1- الملل والنحل 1 / 23.
|
الصفحة 29 |
|
فتحصيل شيء من هذا القبيل من الصعوبة جدّاً أن يبقيه التاريخ ، لأنّ الذي ينقل الطعن يتّهم بالرفض والزندقة ، وكُلّ التهم التي تترتّب عليه ، حتّى أنّ الأيادي الأثيمة قد بدّلت عبارة اللعن على المتخلّف عن جيش أُسامة ـ في كتب التاريخ ـ بفقرة أُخرى وهي : اللعن من اتخاذ قبور الأنبياء مساجد ، وهو كما ترى خيانة وتحريف للحقائق ، إذ لا علاقة بين موضوع خطاب النبيّ (صلى الله عليه وآله) عندئذ ، وبين الصلاة عند القبور (1) .
وعلى كُلّ حال ، فإنّ ما ورد في كتاب الملل والنحل وكتاب السقيفة فيهما الكفاية في إثبات ما ورد من الحديث ، في لعن المتخلّف عن جيش أُسامة ، وذلك :
لأنّ الشهرستاني في الملل والنحل ، أرسل الحديث إرسال المسلّمات ، والشهرستاني ـ مع نصبه وعداوته المعروفة لأهل البيت وشيعتهم ـ لمّا يرسل مثل هذا الحديث إرسال المسلّمات ، يكون حجّة وأيّ حجّة ؟
ولأنّ الجوهري في كتابه السقيفة ـ كما نقله عنه ابن الحديد في الشرح (2) ـ أورده بسند متّصل معتبر : عن أحمد بن إسحاق بن صالح ، عن أحمد بن سيّار ، عن سعيد بن كثير الأنصاري ، عن رجاله ، عن عبد الله بن عبد الرحمن .
ثمّ من جانب آخر ، فإنّ طاعة الرسول واجبة ، وعليه فالتخلّف عن جيش أُسامة تخلّف عن طاعة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، والتخلّف عن طاعة رسول الله يوجب أذى رسول الله ، وأذية رسول الله توجب اللعنة بنصّ القرآن الكريم : { إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ الله وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا } (3) .
____________
1- تاريخ الأُمم والملوك 2 / 431 ، تاريخ مدينة دمشق 2 / 47.
2- شرح ابن أبي الحديد 6 / 52.
3- الأحزاب : 57.
|
الصفحة 30 |
|
ومن المجمع والمسلّم عليه بين الكُلّ : أنّ أبا بكر وعمر تخلّفا عن جيش أُسامة ، فسواء ثبت حديث لعن المتخلّف عن جيش أُسامة أو لم يثبت فإنّ اللعنة شاملة لكُلّ من تخلَّف ، باستثناء من خرج بالدليل عن شمول الالتحاق ، وهو أمير المؤمنين (عليه السلام) والفضل بن العباس .
( أُمّ بدر . ... . ... )
السؤال : لماذا لم يخرج الإمام علي (عليه السلام) مع جيش أُسامة ؟ وظلّ بالمدينة حتّى موت الرسول الأعظم ، وحتّى عندما خرج جيش أُسامة بعد موت الرسول ، هل خرج علي بن أبي طالب معهم ؟ وهل أُسامة خرج بعد موت الرسول (صلى الله عليه وآله) ؟
الجواب : ذكر التاريخ أسماء كبار الصحابة ، الذين أمرهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالخروج مع جيش أُسامة ، ومنهم أبو بكر وعمر وآخرون ، ومن المعلوم وممّا لاشكّ فيه : أنّ علياً (عليه السلام) كان من كبارهم ، ولكن التاريخ لم يذكر اسمه في ضمن صحابة النبيّ (صلى الله عليه وآله) الذين أمروا بالخروج ، وهذا دليل على عدم أمر النبيّ لـه بالخروج .
مضافاً إلى أنّه لو كان مأموراً بالخروج ولم يخرج ، لشنّ عليه أعداؤه حملة لا هوادة فيها ، للتقليل من شأنه ، بينما لا نجد ولا أيّ كتاب تاريخي يذكر أنّه تخلّف ، خلافاً لبقية الصحابة الكبار .
كما أنّ عدم خروج الإمام علي بعد وفاة النبيّ (صلى الله عليه وآله) مع جيش أُسامة ، لأنّ الإمام لا يرى الشرعية في بعث جيش أُسامة من قبل أبي بكر ، لأنّه يعتبر نفسه الخليفة الشرعي بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) .
كما أنّ المعروف والمتّفق عليه تاريخياً : أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يؤمّر على علي (عليه السلام) أحداً طيلة حياة النبيّ ، وهذا من ضمن الموارد ، وفي ذلك دلالة
|
الصفحة 31 |
|
واضحة على رسول الله لا يريد أن يجعل شخصاً فوق علي (عليه السلام) وأميراً عليه ، ممّا يدل على أفضلية علي (عليه السلام) على غيره من الصحابة .
( باسم علية . تونس . ... )
الكفاءات لا تحسب بالسنّ والوجاهات :
السؤال : أودّ أن أسألكم عن الأسباب الخفية لتجنيد كبار الصحابة في جيش أُسامة ، ولماذا أصرّ الرسول الأكرم على إرسال أُسامة بالذات قائداً للجيش ؟ مع الشكر والامتنان .
الجواب : إنّ الإسلام دين الحقّيقة والمعاملة مع الواقع العملي ، وعليه فالكفاءات لا تحسب بالسنّ والوجاهات التي كانت عليها قريش في الجاهلية ، فالكفاءة إذا كانت في شاب فهو المقدّم .
وفي هذا درس عظيم لنا ، أن نتعامل مع الواقع ، ولا تغلبنا الاعتبارات الأُخرى التي هي أقرب ما تكون إلى البعد عن الواقع العملي .
وعليه ، فتبطل نظرية أبي بكر عندما سئل بأنّ الخليفة الحقّ هو علي ؟ فأجابهم : بأنّه أكبر منه سناً !!
وفي مسألة جيش أُسامة وتأميره على كبار الصحابة ، واستثناء النبيّ (صلى الله عليه وآله) أمير المؤمنين (عليه السلام) للبقاء معه ، ولعنه من تخلّف عن جيش أُسامة ، في كُلّ هذه دروس وعبر لمن اعتبر ، بالأخصّ في مسألة الإمامة .
وفي هذه الأيّام ، طلب النبيّ (صلى الله عليه وآله) بالدواة والقلم ليكتب لهم وصيّته ، فوقف أمامها عمر بن الخطّاب ـ الذي تخلّف عن جيش أُسامة ـ وحال دون كتابة النبيّ لهذه الوصية .
|
الصفحة 32 |
|
( فاضل السبع . البحرين . 22 سنة . طالب )
السؤال : أشكر القائمين على هذا الموقع المبارك ، وأتمنّى لكم مزيد من التقدّم.
عندي سؤال : هل أنّ أبا ذر ، والمقداد ، وسلمان المحمّدي ، وعمّار ، وجميع صحابة علي (عليه السلام) الخلّص ، كانوا ضمن جيش أُسامة ؟ أم أنّهم بقوا في مدينة الرسول ؟
وهل بالإمكان معرفة أسماء الصحابة المتخلّفين عن جيش أُسامة ؟ مع كتابة المصادر الدالّة على ذلك من كتب أهل السنّة ؟ وشكراً جزيلاً .
الجواب : ذكرت كتب الفريقين أنّ جميع المهاجرين ووجوه الأنصار خرجوا في جيش أُسامة إلاّ الإمام علي (عليه السلام) ، ومن هذا الإطلاق يعلم : أنّ أبا ذر ، والمقداد ، وسلمان المحمّدي ، وعمّار ، وكُلّ صحابة الإمام علي (عليه السلام) ، خرجوا في جيش أُسامة امتثالاً لأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، ولم يتخلّفوا عنه ، وعسكروا في منطقة الجرف قرب المدينة المنوّرة ، وبعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) رجعوا إلى المدينة ، وفوجئوا بقضية السقيفة ، ومبايعة أبي بكر للخلافة .
وأمّا بالنسبة إلى ذكر أسماء من تخلّف عن جيش أُسامة ـ خصوصاً من كتب أهل السنّة ـ فهذا غير ممكن ، لأنّ كُلّ ما يرتبط بالصحابة من القضايا التاريخية ـ سواء ما وقع منها في زمن النبيّ (صلى الله عليه وآله) أو بعده ـ لم يصل لنا منه إلاّ القليل ، إمّا أن يخفى ، أو يذكر بشكل مبهم ، أو محرّف ، ممّا يشمّ منه أنّ أصل تلك القضايا كانت من المسلّمات ، ومن تلك القضايا مسألة تخلّف بعض الصحابة عن جيش أُسامة .
نعم ، ورد في بعضها : أنّ أبا بكر وعمر وعثمان وأبا عبيدة وطلحة والزبير كانوا ممّن نفذ في جيش أُسامة ، ولكن في نفس الوقت نجد هؤلاء كانوا في سقيفة بني ساعدة ، بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، ممّا يدلّل أنّهم تخلّفوا عن الجيش .
|
الصفحة 33 |
|
( علي طاهر . السعودية . 40 سنة )