عربي
Thursday 14th of November 2024
0
نفر 0

عتق الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) للعبيد

كان الإمام ( عليه السلام ) دائم العتق للعبيد في سبيل الله ، فقد روي أنه ( عليه السلام ) كان بين الآونة والاخرى ، يجمع عبيده ويطلقهم ، ويقول لهم : عفوت عنكم فهل عفوتم عني ؟ فيقولون له : قد عفونا عنك ياسيدي وما أسأت .

فيقول لهم الإمام ( عليه السلام ) : ( قولوا اللهم اعف عن علي بن الحسين كما عفا عنا ، واعتقه من النار كما اعتق رقابنا من الرق ) .

فيقولون : اللهم آمين رب العالمين .

 

فصاحة الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) وبلاغته

قد تجلت فصاحة الإمام ( عليه السلام ) وبلاغته في خطبه التي ألقاها في الكوفة والشام والمدينة المنورة بعد عودته من دمشق ، وحسبنا في هذا المجال الصحيفة الكاملة السجّادية ، وما ورد فيها من بديع المعاني ، وفصيح الألفاظ ، وبليغ التراكيب ، وجميل المحاورات ، ولطيف العبارات ، التي يعجز الفصحاء والبلغاء عن أمثالها ، وهي معروفة بـ ( إنجيل آل محمد ) .

 

كرم الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) وتصدّقه على الفقراء

حول كرمه ( عليه السلام ) نروي القصة التالية :

عن الزمخشري في ( ربيع الأبرار ) : لما أرسل يزيدُ ين معاوية مسلمَ بن عقبة ، لقتال أهل المدينة ، واستباحتها ، كفل زين العابدين ( عليه السلام ) أربعمِائة امرأة ، مع أولادِهن ، وحَشَمَهُنَّ ، وضَمَّهُنَّ إلى عياله ، وقام بِنفقتهن ، وإحكامِهِن ، إلى أن خرج جيش ابن عقبة من المدينة .

فأقسمت واحدة منهن أنها ما رأت في دار أبيها وأمِّها من الراحة ، والعيش الهَنِي ، ما رأته في دار علي بن الحسين ( عليهما السلام ) .

وفي ( تذكرة الخواص ) : عن سفيان الثوري ، قال : لما أراد علي بن الحسين ( عليهما السلام ) الخروج إلى الحج والعمرة ، اتَّخذَتْ له أختُه سُكَينة بنت الحسين سُفرة ، أنفقَتْ عليها ألف درهم ، وأرسلت بها إليه ، فلما كان ( عليه السلام ) بِظهر الحرَّة أمر بها ، فَفُرِّقت في الفقراء والمساكين .

وحول تصدقه ( عليه السلام ) على الفقراء نروي القصة التالية :

كان الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) كثير التصدُّق على فقراء المدينة ، لا سِيَّما التصدُّق في السِّر .

وجاء في كتاب ( الحلية ) : إن الإمام ( عليه السلام ) كان يحمل جراب الخبز على ظهره بالليل ، فيتصدَّق به ، ويقول : ( إنَّ صَدَقة السِّرِّ تُطفِئُ غَضَب الرَّبِّ عَزَّ وَجلَّ ) .

فلما توفي الإمام ( عليه السلام ) تَبيَّن أنه كان يُعيلُ مِائة عائلة من عوائل المدينة ، وكان أهل المدينة يقولون : ما فقدنا صَدقَةَ السر حتى مات علي بن الحسين ( عليهما السلام ) .

 

مدرسة الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) الفكرية

الحالة العلمية في عصر الإمام ( عليه السلام ) :

لقد كانت الحياة العلمية في عصر الإمام ( عليه السلام ) شُبْه معدومة ، حيث اقتَضَت مصلحة الدولة الأموية آنذاك إقصاء الوعي الثقافي في الأمة ، وإركاسها في منحدر سَحيق من الجهل .

لأن بَلْوَرَة الوعي العام ، وإشاعة العلم بين المسلمين ، يُهدِّدَان مصالحها ، وملكها القائم على الجهل .

فقد كان الناس في عصر الإمام ( عليه السلام ) لا يعرفون كيف يُصلُّون ، ولا كيف يَحجُّون .

يقول أنس بن مالك عن ذلك - على ما رواه البخاري والترمذي - : ما أعرف شيئاً مما كان على عهد رسول الله ؟

قيل : الصلاة .

قال : أليس صنعتم ما صنعتم فيها .

وبعد عصر أنَس بقليل نجد الحسن البصري يقول : لو خرج عليكم أصحاب رسول الله ما عرفوا منكم إلا قِبْلتكم .

وعن عبد الله بن عمر بن العاص أنه قال : لو أن رَجُلين من أوائل هذه الأمة خطو بمصحفيهما في بعض الأودية ، لأتَيَا الناس اليوم ولا يعرفان شيئاً مما كانا عليه .

وبعد هذا ، فإن من الطبيعي أن يُعتَبر من حفظ عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بعض الأحاديث أو بعض الأحكام ، أعلم الناس وأعظمهم ، في وقته وعصره .

هذا عرض موجز عن واقع سياسة التجهيل ، التي كانت تَتَعرَّض لها الأمة بأسرها في ذلك الوقت .

تأسيس المدرسة :

رأى الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) مِحْنة الأمة ، وما هي فيه من أخطار مدمِّرة لوجودها وكيانها .

فرفع ( عليه السلام ) مناراً للعلم ، ودعا شباب الأمة إلى التحرر من قيود الجهل ، حيث قام ( عليه السلام ) بتأسيس مدرسته الفكرية الإسلامية ، من أجْلِ هذا الهدف .

فقد كان المسجد النبوي الشريف ، ودار الإمام ( عليه السلام ) يشهدان نشاطاً فكرياً من الطراز الأول .

حيث استقطب الإمام ( عليه السلام ) خلال تلك الفترة طُلاَّب المعرفة الإسلامية في جميع حقولها وأغراضها ، لا في المدينة المنورة ومكة المكرمة وحدهما ، وإنما في الساحة الإسلامية بأكملها .

علوم المدرسة :

لقد فتح الإمام ( عليه السلام ) آفاقاً مشرقة من العلم لم يعرفها الناس من ذي قبل .

حيث عرض لعلوم الشريعة الإسلامية من رواية الأحاديث الشريفة الصحيحة عن جَدِّه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، عبر سلسلة نقيَّة ، لا يرقى إلى رواتها أدنى شك .

وتبدأ بسيدي شباب أهل الجنة ( عليهما السلام ) ، وتمرُّ بالإمام علي ( عليه السلام ) ، وتنتهي برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فالوحي الإلهي المقدس .

وإلى جانب عرضه للحديث فقد قام الإمام ( عليه السلام ) ، وعبر خمس وثلاثين سنة ، وهي مدة إمامته ( عليه السلام ) ، بعرض الفقه ، والتفسير ، وعلم الكلام ، والفلسفة ، وغيرها من العلوم .

الرواة والأصحاب :

استطاع الإمام ( عليه السلام ) أن يخرّج من مدرسته الإسلامية رواة حفّاظاً ، وفقهاء وقادة فكر ، يُعَدُّون من الرعيل الأول ، وكان فيهم الصحابي ، والتابعي ، وسِوَاهم .

يقول بعض المترجمين للإمام زين العابدين ( عليه السلام ) : إن العلماء رَوَوا عنه من العلوم ما لا يُحصى ، نُورد هنا ثبتاً بأسماء بعضهم :

أولاً : مَن رَوَى عنه ( عليه السلام ) :

1 - الزهري .

2 - سُفيان بن عيينه .

3 - نَافِع .

4 - الأوزاعي .

5 - مُقاتل .

6 - الواقِدِي .

7 - محمد بن إِسْحاق .

ثانياً : مَن رَوَى عَمَّن رَوى عنه ( عليه السلام ) :

1 - الطَبَري .

2 - ابْن الربيع .

3 - أحمَد بن حَنبل .

4 - ابن بَطَّة .

5 - أبو دَاوُود .

6 - صاحب ( الأغاني ) .

7 - صاحب ( قُوت القلوب ) .

8 - صاحب ( أسباب النزول ) .

9 - صاحب ( الفائق ) .

10 - صاحب ( الترغيب والترهيب ) .

ثالثاً : مِنَ التابِعِين لَه ( عليه السلام ) :

1 - سَعيد بن جبير .

2 - مُحمَّد بن جبير بن مطعم .

3 - القاسِم بن عَوْف .

4 - إسماعِيل بن عبد الله بن جَعفَر .

5 - إبراهيم بن محمد ابن الحَنَفِيَّة .

6 - الحَسن بن محمد ابن الحَنَفِيَّة .

7 - جبير بن أبي ثَابِت .

8 - أبو أَيْمَن الأسدي .

9 - مُسلِمة بن دِينَار المَدَني .

رابعاً : مِن أصْحَابه ( عليه السلام ) :

1 - أبو حَمْزة الثُّمَالي [ ثَابت بن دِينَار ] .

2 - جَابِر بن محمد بن أبي بَكْر .

3 - أبو أيُّوب بن الحَسن .

4 - عَلي بن رافِع .

5 - أبو محمد القرشي ( السري الكوفي ) .

6 - الضَّحَّاك بن مُزاحِم الخُرَاسَاني .

7 - سعيد بن المُسيَّب المَخْزومي .

8 - أبو خَالد الكابلي .

9 - حَميد بن موسى الكوفي .

وهكذا أصبح تلامذة الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) الذين تخرَّجوا من مدرسته الرائدة فيما بعد ، بُنَاةً للحضارة الإسلامية الشامخة ، ورجالَ فِكرِها ، وتشريعِها ، وأدبِها الإسلامي الأصيل .

ولادة الإمام علي زين العابدين (عليه السلام)

اسمه ونسبه (عليه السلام):

الإمام علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام).

كنيته (عليه السلام):

أبو محمّد، أبو الحسن، أبو الحسين، أبو القاسم، و... .

ألقابه (عليه السلام):

زين العابدين، سيّد العابدين، السجّاد، ذو الثفنات، إمام المؤمنين، الزاهد، الأمين، المُتَهَجِّد، الزكي، و...، وأشهرها زين العابدين.

تاريخ ولادته (عليه السلام) ومكانها:

5 شعبان 38 هـ، المدينة المنوّرة.

أُمّه (عليه السلام) وزوجته:

أُمّه: السيّدة شاه زنان بنت يَزدَ جُرد بن شَهرَيَار بن كِسرى، ويقال أن اسمها: (شَهر بانو)، وزوجته: السيّدة فاطمة بنت الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام).

مدّة عمره (عليه السلام) وإمامته:

عمره: 57 سنة، وإمامته: 35 سنة.

حكَّام عصره (عليه السلام) في سني إمامته:

يزيد بن معاوية، معاوية بن يزيد، مروان بن الحكم، عبد الملك بن مروان، الوليد بن عبد الملك.

أخلاقه وفضائله (عليه السلام):

كان الإمام زين العابدين (عليه السلام) قمّة في الفضائل والأخلاق، وتميّز بها عن بقية أهل زمانه، نذكر منها:

1ـ العلم:

كان (عليه السلام) أعلم أهل زمانه، فقد روى عنه (عليه السلام) الكثير من الفقهاء والعلماء والرواة في مختلف العلوم والمعارف، كما حفظ عنه (عليه السلام) تراث ضخم من الأدعية ـ كالصحيفة السجادية ـ والمواعظ وفضائل القرآن، والأحكام الإسلامية من الحلال والحرام.

2ـ الحلم:

عرف (عليه السلام) بحلمه وعفوه وصفحه، وتجاوزه عن المسيء، فمن القصص التي تنقل عنه (عليه السلام) في هذا المجال: أنّه كانت جارية للإمام (عليه السلام) تسكب الماء له، فسقط من يدها الإبريق على وجهه (عليه السلام) فشجّه، فرفع رأسه إليها، فقالت له: إنّ الله يقول: (والكاظمين الغيظ)، فأجابها (عليه السلام): (قد كظمت غيظي)، قالت: (والعافين عن الناس)، فقال (عليه السلام): (عفا الله عنك)، ثمّ قالت: (والله يحبّ المحسنين)، فقال: (اذهبي أنت حرّة لوجه الله) (1).

3ـ الشجاعة:

قد اتضحت واستبانت شجاعته (عليه السلام) الكامنة في مجلس الطاغية عبيد الله بن زياد، عندما أمر الأخير بقتله، فقال الإمام (عليه السلام) له: (أبالقتل تهدّدني يا بن زياد، أما علمت أنّ القتل لنا عادة، وكرامتنا الشهادة) (2).

وقال للطاغية يزيد في الشام: (يابن معاوية وهند وصخر، لقد كان جدّي علي بن أبي طالب في يوم بدر والخندق في يده راية رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأبوك وجدّك في أيديهما رايات الكفّار) (3).

4ـ التصدّق:

كان (عليه السلام) كثير التصدّق على فقراء المدينة ومساكينها، وخصوصاً سرّاً، وقد روي أنّه كان لا يأكل الطعام حتّى يبدأ فيتصدّق بمثله.

وروي أنّه (عليه السلام) كان يحمل جراب الخبز على ظهره بالليل فيتصدّق به، ويقول: (إنّ صدقة السرّ تطفئ غضب الرب) (4).

ولمّا استشهد (عليه السلام) تبيّن أنّه كان يعيل مائة عائلة من عوائل المدينة المنوّرة، ولقد كان أهل المدينة يقولون: ما فقدنا صدقة السرّ حتّى مات علي بن الحسين (عليهما السلام).

5ـ العتق:

كان (عليه السلام) دائم العتق للعبيد في سبيل الله، فقد روي عنه (عليه السلام) أنّه كان بين الآونة والأُخرى يجمع عبيده ويطلقهم، ويقول لهم: (عفوت عنكم فهل عفوتم عنّي)؟ فيقولون له: قد عفونا عنك يا سيّدي وما أسأت.

فيقول (عليه السلام) لهم: (قولوا: اللهم اعفُ عن علي بن الحسين كما عفا عنّا، فأعتقه من النار كما أعتق رقابنا من الرقّ)، فيقولون ذلك، فيقول: (اللهم آمين ربّ العالمين) (5).

6ـ الفصاحة والبلاغة:

تجلّت فصاحته (عليه السلام) وبلاغته في الخطب العصماء التي خطبها في الكوفة في مجلس الطاغية عبيد الله بن زياد، وفي الشام في مجلس الطاغية يزيد بن معاوية، ثمّ في المدينة المنوّرة بعد عودته من الشام.

هذا ناهيك عن الصحيفة السجّادية الكاملة، وما جاء فيها من عبارات الدعاء الرائعة والمضامين العميقة، وبلاغة اللفظ وفصاحته وعمقه، والحوارات الجميلة والعبارات اللطيفة الجزيلة التي يعجز البلغاء والشعراء عن إيراد مثلها، وقد عرفت الصحيفة بـ (إنجيل آل محمّد).

7ـ المهابة:

للإمام (عليه السلام) مهابة خاصّة في قلوب الناس، روي أنّ الخليفة الأُموي هشام بن عبد الملك جاء إلى مكّة لأداء الحج ـ قبل استخلافه ـ فأراد استلام الحجر الأسود فلم يقدر، فنصب له منبر فجلس عليه وطاف به أهل الشام، فبينما هو كذلك إذ أقبل الإمام زين العابدين (عليه السلام)، وعليه إزار ورداء، من أحسن الناس وجهاً وأطيبهم رائحة، بين عينيه ثفنة السجود، فجعل يطوف، فإذا بلغ إلى موضع الحجر تنحّى الناس حتّى يستلمه هيبة له.

فقال شامي: من هذا يا أمير المؤمنين؟ فقال: لا أعرفه ـ لئلاّ يرغب فيه أهل الشام ـ فقال الفرزدق وكان حاضراً: لكنّي أنا أعرفه، فقال الشامي: من هو يا أبا فراس؟ فأنشأ قصيدته المشهورة:

يا سائلي أين حلّ الجود والكرم ** عندي بيان إذا طلا به قدموا

هذا الذي تعرف البطحاء وطأته ** والبيت يعرفه والحلّ والحرم

هذا ابن خير عباد الله كلّهم ** هذا التقيّ النقيّ الطاهر العلم

هذا الذي أحمد المختار والده ** صلّى عليه إلهي ما جرى القلم

لو يعلم الركن من قد جاء يلثمه ** لخرّ يلثم منه ما وطى القدم

هذا علي رسول الله والده ** أمست بنور هداه تهتدي الأُمم

هذا ابن سيّدة النسوان فاطمة ** وابن الوصي الذي في سيفه نقم

إذا رأته قريش قال قائلها ** إلى مكارم هذا ينتهي الكرم

يكاد يمسكه عرفان راحته ** ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم

وليس قولك من هذا بضائره ** العرب تعرف من أنكرت والعجم

يُنمى إلى ذروة العزّ التي قصرت ** عن نيلها عرب الإسلام والعجم

يُغضي حياءً ويُغضى من مهابته ** فما يكلّم إلاّ حين يبتسم

ينجاب نور الدجى عن نور غرّته ** كالشمس ينجاب عن إشراقها الظلم

بكفّه خيزران ريحه عبق ** من كف أروع في عرنينه شمم

ما قال لا قطّ إلاّ في تشهّده ** لولا التشهّد كانت لاؤه نعم

هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله ** بجدّه أنبياء الله قد ختموا (6).

ــــــــــــ

1ـ أُنظر: الإرشاد 2/146.

2ـ بحار الأنوار 45/118.

3ـ أعيان الشيعة 1/617.

4ـ مناقب آل أبي طالب 3/292.

5ـ الصحيفة السجادية، دعاؤه في آخر ليلة من شهر رمضان.

6ـ روضة الواعظين: 200.

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات


 
user comment