بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد وآله الطاهرين
أبارك لمقام رسول الله وأهل بيته الطاهرين ولمراجع الأمة وعلمائها وللأمة الإسلامية جمعاء بذكرى ميلاد بقية الله الأعظم (عجل الله تعالى فرجه الشريف)
قال تعالى: ﴿ و لقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون ﴾
أجمع المفسرون على أن هذه الآية نزلت في المهدي الموعود، وإن كانوا قد اختلفوا في حقيقته، فمنهم من يرى أنه سوف يولد في آخر الزمان، ومنهم من يرى بأنه حي غائب عن الأنظار، وهذا ما تذهب إليه الشيعة الإمامية، وبرغم الاختلاف فإن كلا الفريقين يعلّق آماله وتطلعاته على خروجه ليخلص العالم من الظلم والجور وينقذ البشرية من الانحراف والضلال.
ويأتي هذا التطلع وتعليق الآمال لوجود الكثير من الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة التي جاءت لتؤكد أن الأرض ستمتلئ ظلماً وجوراً وأن المهدي المنتظر سيخلص الشعوب من ذلك الظلم والهلاك؛ ولهذا سمي المهدي بأمل الشعوب، كما وإنه الأمل الوحيد والمؤكد الذي بشّر به الأنبياء والرسل كافة حتى جاء آخر الرسل ليؤكد ذلك الوعد الإلهي :﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ﴾.
و لقد أصبح الحديث عن المهدي المنتظر هو الحديث عن الحرية والسلام والأمن والاستقرار والسعادة، وهو الأمل لكافة الشعوب المستضعفة والمظلومة.
وقد احتوت تعاليم أهل البيت وإرشاداتهم لطائفة كبيرة من الأحاديث حول الإمام المهدي وغيبته وظهوره، فمن هذه الأحاديث:
· ورد عن النبي الأعظم أنه قال: ( لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله (عز وجل) ذلك اليوم حتى يخرج رجل من ولدي يملأها عدلاً وقسطاً كما ملأت جوراً وظلماً).
· وقد أشار أمير المؤمنين إلى هذا المعنى في حديث مع ابنه الحسين: التاسع من ولدك يا حسين هو القائم بالحق، المظهر للدين، الباسط للعدل، قال الحسين (عليه السلام): يا أمير المؤمنين وإن ذلك لكائن؟.. فقال: إي والذي بعث محمداُ بالنبوة واصطفاه على جميع البرية، ولكن بعد غيبة وحيرة، لا يثبت فيها على دينه إلا المخلصون المباشرون لروح اليقين، الذين أخذ الله ميثاقهم بولايتنا، وكتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه.
· وقال أيضاً: لا تذهب الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهـل بـيتي يـواطـئ اسمه اسمي.
· وقال أمير المؤمنين عن رسول الله : لو لم يبقى من الدهر إلاّ يوم لبعث الله رجلاً من أهل بيتي يملأها عدلا كما ملئت جوراً.
· وروى سلمان الفارسي أنه دخل يوماً على النبي وإذا بالحسين بن علي على فخذه و هو يقبل عينيه و يلثم فاه و هو يقول أنت سيد ابن سيد أخو سيد أنت إمام ابن إمام أخو إمام أنت حجة ابن حجة أخو حجة و أنت أبو حجج تسعة تاسعهم قائمهم.
· وقال الإمام الصادق : إن قائمنا يخرج من صلب الحسن (العسكري) و الحسن يخرج من صلب علي (الهادي) و علي يخرج من صلب محمد (الجواد) و محمد يخرج من صلب علي (الرضا) و علي يخرج من صلب ابني هذا (يعني الكاظم) - وأشار إلى موسى- وهذا خرج من صلبي ، و نحن اثنا عشر إماما ، كلنا معصومون مطهرون ، والله لو لم يبق إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يخرج قائمنا أهل البيت.
وهناك الكثير من الأحاديث والروايات في هذا السياق بما لا يدع مجالاً للشك أو التشكيك، غير أن الأمر المهم هو كيف يجب أن نتعامل مع زمن الغيبة ونستعد لظهوره عليه السلام ، خاصةً وإننا اليوم بأمسّ الحاجة لظهوره ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد أن ملأت ظلماً وفساداً وجوراً، فمن يتابع وسائل الإعلام المرئية أو المسموعة أو المقروءة فإنه يلاحظ أن الإسلام مهدد من قبل الغرب وأن الإنسان أصبح شيئاً تافهاً لا قيمة له.
ولا يخفى على أي أحد أن الغرب يسعى بكل قوته لهدم الكيان الإسلامي وإضعافه، وتشتيت أفراده، فقد أظهرت وسائل الإعلام تصريحات بعض المتشددين الغربيين تجاه الإسلام ويصفوه بأوصاف غير لائقة، وتحمل في مضمونها كل معاني الحقد والعداء للإسلام، بل إن بعض وسائل الإعلام نقلت تصريحات لغربيين وضّحوا فيها أنهم يرغبون في نسف وتدمير مساجد المسلمين في بريطانيا وقتل المصلين فيها.
كما وأظهر الإعلام كيف تطاول الأمريكيون على القرآن الكريم ودنّسوه وأهانوه، فضلاً عن إهانتهم لعلماء المسلمين وتشويه صورتهم.
ويكفي أنهم ربطوا الإسلام بالإرهاب في وقتنا الراهن.
ومن جهة أخرى فإن الغرب شنّ ويشن حرباً فكرية على الإسلام، وهذه أكبر من الحرب المادية لأن فيها فساد العقل والدين وفي ذهابهما يصبح الإنسان بلا هدف مقدس، وبلا كرامة، وقد نجح الغربيون في مآربهم وانجرّ أبناء المسلمين وراء الشعارات الغربية تحت مسمى الحرية والديمقراطية ومساواة المرأة مع الرجل.
ولم يعد الغربيون فقط من يرفع هذه الشعارات اليوم، وإنما أصبح المسلمون أنفسهم يرفعونها دون علم بالمخطط الغربي، فنزعت المرأة حجابها بحجة أنها حرة في تصرفاتها، ولا قيمومة لأحدٍ عليها، وأن الإيمان الحقيقي في القلب وإنما الحجاب شعار من شعارات الإسلام المرفوعة منذ أربعة عشر قرناً ولا يناسب هذا الزمان!!
وطلاب الجامعات صاروا ينادون بالإختلاط مبررين أن ذلك يتناسب مع الإنفتاح العالمي وليس فيه أي مخالفة شرعية.
والآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أصبح هو المتهم، وانشغلنا عن أنفسنا فضلاً عن أرحامنا.
لقد أوصى النبي الكريم المؤمنين أن يتماسكوا ويكونوا جهة واحدة أمام مخالفيهم، وضرب لذلك مثلاً رائعاً في قوله : ( مثل المؤمنين في توادهم وترابطهم كالجسد الواحد الذي إذا اشتكى منه عضو تداعت له سائر الأعضاء)، لكن هذا المعنى يكاد ينعدم بين صفوف المسلمين، فهاهو العراق الجريح الذي عانى من بطش الطاغية المجرم صدام لأكثر من ثلاثة عقود ولا يزال يعاني من مخلفات النظام السابق ومن التكفيرين الذين يستلذون بدموع الثكالى ودماء الأبرياء كما يستلذ الطفل الرضيع بحليب أمه، والحكام المسلمون متجاهلين ذلك وكأن العراق في معزل عنهم، وليس بينه وبينهم أي رابط، ألم يكونوا بالأمس القريب يتقاسمون خيراته وثرواته عبر برنامجهم النفط مقابل الغذاء؟!
وآخر فجائع الشعب العراقي الحادث الأليم في جسر الأئمة والذي راح ضحيته مئات الشهداء الأبرياء إلاّ أن هذا الحدث الأليم لم يغير ساكناً في صفوف المسلمين.
أبعد كل هذه المعاناة نعلق الأمل على منظمات دولية أو هيئات عالمية ؟؟!!
نحن لا نملك في هذه الظروف الصعبة إلاّ الإنتظار للفرج، فهو خير الأعمال (أفضل جهاد أمتي انتظار الفرج)،
ويقول أمير المؤمنين انتظروا الفرج ولا تيأسوا من روح الله ، فإن أحبَّ الأعمال إلى الله عزَّ وجل انتظار الفرج ).
والإنتظار بمفهومنا هو أن يهيئ الإنسان نفسه لأمر يترقبه، فانتظار الضيف معناه تهيئة المكان المناسب لإكرامه أو الموضوع المترقب، وهكذا.
و المزارع ينتظر المحصول نهاية الموسم بأن يهيئ المكان المناسب لتخزينها وإعدادها للبيع.
والأطفال ينتظرون العيد بشراء الملابس الجديدة و المستلزمات المناسبة.
كيف ينبغي أن ننتظر الظهور؟!!
الإنتظار يشمل الإنتظار القلبي وتجسيده عملياً وذلك بكثرة الدعاء له بتعجيل الفرج، ففي رسالة
لمحمد بن عثمان وقعها الإمام المنتظر عجل الله تعالى فرجه بعبارة : وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج فان ذلك فرجكم
وينبغي أن يكون الإنتظار باعثاً على النشاط والحركة والإجتهاد، وحسن الظن بالله تعالى، وأن لا يتغير ايماننا بالله لقول زين العابدين : من ثبت على موالاتنا في غيبة قائمنا أعطاه الله أجر ألف شهيد مثل شهداء بدر وأحد.
وبما أن المنتظر للفرج يلاقي المشقة والتعب لأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر في زمنٍ أصبح المعروف منكراً والمنكر معروفاً، وأصبح التجاهر بالفسق والمحرمات أمراً مألوفاً لا ينكره إلاّ القليل إماً لا مبالاةً أو خوفاً من ردود الفعل، لذلك ( المنتظر لأمرنا كالمتشحط بدمه في سبيل الله) .
ويشمل الإنتظار أن ندعو له بالنصرة والعون من الله تعالى، كما ورد في الدعاء ( اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن .. ) .
وعلى الصعيد الذاتي فإن الإنتظار يتطلب تزكية للنفس وإبعادها عن المحرمات والشبهات، ومن أهم ما يجب علينا في زمن الإنتظار:
1. أن نلتزم بالإسلام وما فيه من القيم والمبادئ العظيمة.
2. أن نسعى لنشره بالشكل المطلوب واللائق.
3. تربية جيل صالح قادر على تحمّل المسئولية التامة وتبليغ الرسالة على وجهها الصحيح.
4. تربية النفس وتزكيتها عن الإبتعاد عن المحرمات وتحمل الأذى والمشاق في جنب الله تبارك وتعالى.
نسأل الله تعالى أن يمن علينا بحسن العاقبة ، والحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وآله الطاهرين