عربي
Wednesday 18th of December 2024
0
نفر 0

بين يـدي الإمـام الرضا

* نسبه الشريف :

ينتمي الإمام الرضا ( عليه السلام ) إلى الأسرة العلوية المباركة من آل بيت النبي محمّد ( صلّى الله عليه وآله ) ، فهو امتداد لسلسلة الأئمّة الأطهار  ( عليهم السلام )، فأبوه الإمام موسى بن جعفر  ( عليه السلام )، وجدّه الإمام جعفر بن محمّد الصادق ( عليه السلام ) ، ابن الإمام محمّد الباقر بن الإمام علي زين العابدين ، ابن الإمام السبط الشهيد الحسين ابن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليهم السلام ) ، صهر النبي الأكرم ( صلى الله عليه وآله ) وزوج الزهراء البتول ( عليها السلام ) ، فحقّ لنا أن نقول : إنّ الإمام الرضا ( عليه السلام ) هو ابن أمير المؤمنين وابن سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء بنت الرسول الأعظم محمّد ( صلّى الله عليه وآله ) .

وقد علّق الإمام أحمد بن حنبل على إسناد رواية فيها هذه السلسلة الذهبية فقال : ( لو قرأت هذا الإسناد على مجنون لبرئ من جنّته )(1).

وأمّا أُمّه فهي : نجمة ، وقيل : تكتم ، وقيل : غير ذلك(2) ، وقد تحلّت بالصفات الحميدة وفضائل الأخلاق التي تسمو بها المرأة المسلمة ؛ من العفّة ، والطهارة ، وسموِّ الذات ، وقد كانت ( أَمَة ) وهذا لا ينقص من مكانتها ؛ لأنّ الإسلام جعل التقوى والعمل الصالح هو الميزان والمقياس في تفاوت الناس وتفاضلهم حيث قال تعالى : ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ )(3).

وقد ورد في كيفية زواج الإمام الكاظم( عليه السلام )  بهذهِ السيّدة عدّة أقوال ، نذكر منها ما رواه هشام بن أحمد حيث قال : ( قال أبو الحسن الأول ( عليه السلام ) : هل علمت أحداً من أهل المغرب قدِم ؟.

 قلت : لا .

 فقال (عليه السلام ) :  بلى ، قد قدم رجل احمر فانطلق بنا ، فركب وركبنا معه حتّى انتهينا إلى الرجل ، فإذا رجل من أهل المغرب معه رقيق .

 فقال له : اعرض علينا ، فعرض علينا تسع جوار ، كلّ ذلك يقول أبو الحسن ( عليه السلام ) : لا حاجه لي فيها ، ثمّ قال له : اعرض علينا .

 قال: ما عندي شئ .

 فقال له : بلى ، اعرض علينا .

 قال : لا والله ما عندي إلاّ جارية مريضة .

 فقال له : ما عليك أن تعرضها ؟ فأبى عليه ، ثمّ انصرف .

ثمّ إنّه أرسلني من الغد إليه ، فقال لي : قل له كم غايتك فيها ؟ فإذا قال : كذا وكذا . فقل : قد أخذتها .

فأتيته فقال : ما أريد أن أنقصها من كذا .

فقلت : قد أخذتها ، وهو لك .

 فقال : هي لك ، ولكن من الرجل الذي كان معك بالأمس .

 فقلت : رجل من بني هاشم .

 فقال : أيّ بني هاشم ؟.

 فقلت : من نقبائهم .

 فقال : أريد أكثر منه .

 فقلت : ما عندي أكثر من هذا .

 فقال : أُخبرك عن الوصيفة : إنّي اشتريتها من أقصى بلاد المغرب ، فلقيتني امرأة من أهل الكتاب ، فقالت : ما هذه الوصيفة معك ؟

 فقلت : اشتريتها لنفسي .

 فقالت : ما ينبغي أن تكون هذه الوصيفة عند مثلك ! إنّ هذه الجارية ينبغي أن تكون عند خير أهل الأرض ، فلا تلبث عنده إلا قليلا حتّى تلد منه غلاماً يدين له شرق الأرض وغربها .

 قال : فأتيته بها ، فلم تلبث عنده قليلا حتّى ولدت له عليا ـ عليه السلام ـ )(4).

كما ورد أنّ هذه الجارية كانت مِلكا لحميدة المصفّاة ، أمّ الإمام موسى الكاظم  ( عليه السلام )، وقد وهبتها لولدها ، فرزقه الله منها الإمام الرضا ، فسمّاها الإمام بعد ذلك بالطاهرة(5).

وقد كانت هذه السيّدة جارية مولدة ـ أي ولدت بين العرب ، ونشأت مع أولادهم ، وتأدّبت بآدابهم ـ وكانت من أفضل النساء في عقلها ودينها ، وإعظامها لمولاتها حميدة ، حتّى أنّها ما جلست بين يديها مذ ملكتها ، إجلالا لها ، ولذا نرى حميدة تقول في حقها : ( إنّ تكتم جارية ما رأيت جارية قطّ أفضل منها )(6) ، وكانت شديدة التقوى والعبادة حتّى أنّها طلبت مَن تعينها على إرضاع ولدها ، فقيلَ لها : ( أَنقص الدر ) ؟

 قالت : ( ما اكذب ما نقصَ الدر ولكن عليّ ورد من صلاتي وتسبيحي )(7) . فلقد هامت بحبّ الله وانقطعت إليه حتّى طلبت من يعاونها على إرضاع ولدها ؛ لأنّه يشغلها عن أورادها من الصلاة والتسبيح .

 

* ولادته المباركة :

ولد الإمام الرضا ( عليه السلام ) في المدينة المنورة ، سنة مئة وثمان وأربعين للهجرة ، في أكثر الأخبار والروايات(8)  وتحديداً : في الحادي عشر من ذي القعدة(9).

وقد أدخل نبأ ولادته الفرح والسرور على قلب أبيه الإمام الكاظم ( عليه السلام ) ؛ لأنّه الإمام من بعده ، والوصيّ الذي يليه ، والوريث الذي يرث الإمامة ، لذا سارع إلى السيّدة زوجته يُهنيها بوليدها ، قائلاً : ( هنيئاً لك يا نجمة كرامة ربّك … ) وأخذ وليده ، فأذّنَ في أذنه اليمنى ، وأقام في اليسرى ، وحنّكه بماء الفرات ، ثمّ ردّه إلى أمّه قائلاً : ( خذيه فإنّه بقيّة الله في أرضه )(10) .

وسمّى الإمام الكاظم ( عليه السلام ) وليده المبارك باسم جدّه أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ؛ تبرّكاً وتيمناً بهذا الاسم الذي يرمز لأعظم شخصية خلقت في دنيا الإسلام بعد النبي محمد ( صلّّى الله عليه وآله ) ، وكان الأئمّة يحبّون اسم الإمام عليّ ( عليه السلام ) ، ويسمّون أبناءهم دائماً باسمه ، حتّى إنّك تجد أنّ مَن له ابنان يسمّيهما باسم ( عليّ ) ، فهذا الحسين ( عليه السلام ) يسمّي أبناءه بعليّ الأكبر وعلي الأصغر ، ويقول : ( لو ولد لي مئة لأحببت أن لا أسمّي أحداً منهم إلاّ عليّاً )(11) ، وهذا يعكس علاقة أئمّة أهل البيت عليهم السلام بأبيهم عليّ بن أبي طالب عليه السلام وشدّة حبّهم له وتعلقهم به.

* ألقابه وكُناه :

ولقّب الإمام عليّ بن موسى بكوكبة من الألقاب الكريمة ، أشهرها ( الرضا ) ، وقد أضفى عليه الإمام الكاظم ( عليه السلام ) هذا اللقب ، فقد روى سليمان بن حفص ، قال : ( كان موسى بن جعفر سمّى ولده علياً الرضا ، وكان يقول : ادعو لي ولدي الرضا ، وقلت : لولدي الرضا ، وقال لي : ولدي الرضا . وإذا خاطبه قال : يا أبا الحسن )(12) .

وقد روي عن الإمام الكاظم قوله : ( وقد نحلته كنيتي )(13)  ، وكان سلام الله عليه يكنّى بـ ( أبي الحسن ) .

 وقد أعتاد أئمّة أهل البيت ( عليهم السلام ) بتكنية أبنائهم منذ صغرهم ، وهذا من محاسن التربية الإسلامية الهادفة إلى ازدهار الشخصية المسلمة ، وبعث روح الاعتماد فيها ، وجعلها كياناً يعتدّ به .

* نشأته ( عليه السلام ) :

   دخل عبد الله بن مطرف بن ماهان ـ وهو من أعلام الفكر ولأدب في عصره ـ على المأمون يوماً وعنده علي بن موسى الرضا ( عليه السّلام ) ، فقال له المأمون ـ أحد الخلفاء في عصر الإمام ( عليه السّلام ) : ( ما تقول في أهل هذا البيت ؟

فقال عبد الله : ما قولي في طينة عُجنت بماء الرسالة ، وغُرست بماء الوحي ، هل ينفح منها إلاّ مِسك الهُدى ، وعنبر التقى ؟! ) .

   لقد حضيَ أهل البيت بعناية الباري عزّ وجلّ ؛ لعلمه ـ سبحانه وتعالى ـ بأنّ هذه الطينة المباركة سوف تحمل من الفضائل والمكارم ما يفوق بقية البشر ، فوهبهم علمه وحكمته ، وجعلهم أبواباً لرحمته ، وعصمهم من الدَّنس والزلل ، وطهّرهم تطهيراً ، ولذا نراهم ( سلام الله عليهم ) ـ ومنذ طفولتهم ـ يتمتّعون بذكاء منقطع النظير ، ويحملون من العلم ما لا يحمله أحداّ من العالمين .

 وتُحدِثنا الأخبار عن عجائب وغرائب جَرَت منذ طفولتهم ، من قبيل : تكلُّمهم أثناء الولادة، وانبعاث النور في المكان الذي يولدون فيه ، وأشباهها ، فالعناية الإلهية واليد الغيبية كانت العنصر الأوّل المؤثّر في نشأة أفراد هذا البيت الطاهر .

   والإمام الرضا ـ عليه السّلام ـ هو أحد أغصان تلك الشجرة المباركة ، وفرعٌ زاكٍ من فروع بيت الوحي والإمامة ، وقد حضي بعناية المولى والتسديد الغيبي ؛ حتّى إنّ نجمة ( والدته ) لم تشعر بثقل الحمل ، وكانت تسمع في منامها أثناء الحمل تسبيحاً وتمجيداً من بطنها ، فيفزعها ذلك ، وعندما تنتبه لا تسمع شيئاّ ، وتقول إنّها لمّا ولدته : ( وقع على الأرض واضعاً يديه على الأرض ، رافعاً رأسه إلى السماء ، يحرّك شفتيه كأنّه يتكلّم )(14) .

   ثمّ إنّ التربية والمحيط العائلي لهما الأثر الكبير في بناء شخصية الإنسان المسلم وتقويم سلوكه ، والإمام الرضا ـ عليه السّلام ـ نشأ في بيتٍ من أجلّ البيوت وأرفعها في الإسلام ، إنّه بيت النّبوة ، ومهبط الوحي والتنزيل ، فقد عاش الإمام في ذلك البيت الذي لم يسمع فيه إلاّ الذكر الكريم واللسان الصادق ، ولم يرَ إلاّ العمل الطيب ، وكلّ ما يقرّب الإنسان إلى ربّه زلفى . إنّه بيت أَذِن الله له أن يرفع وان يُذكر فيه اسمه .

   لقد عاش الإمام في كنف أبيه الإمام الكاظم ( عليه السّلام ) ، وتلقّى على يديه أرقى وأروع ألوان التربية الإسلامية ، وكان الإمام الكاظم ( عليه السّلام ) كثير الاهتمام والرعاية لولده الرضا ، لأنّه وريثه في الخلافة والإمامة ، وكان يسعى جاهداً ومنذ طفولة ولده أن يهيئ له القاعدة الاجتماعية ، ويعرّف الناس أنّه الإمام من بعده ، فكان يضعه في حجره ويقبِّله ويمصُّ لسانه ، ويضعه على عاتقه ويضمُّه إليه .

يقول المفضل : ( دخلت على أبي الحسن موسى بن جعفر ( عليه السّلام ) وعلي ( عليه السّلام ) ابنه في حجره ، وهو يقبّله ويمصّ لسانه ويضعه على عاتقه ويضمّه إليه ، ويقول : بأبي أنت وأمّي ، ما أطيب ريحك وأطهر خلقك ، وأبين فضلك ! قلت : جُعلت فداك ، وقع في قلبي لهذا الغلام من المودّة ما لم يقع لأحد إلاّ لك ؟!

   فقال لي : يا مفضل ، هو منّي بمنزلتي من أبي ـ عليه السّلام ـ ، ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم .

   فقال المفضل : هو صاحب هذا الأمر من بعدك ؟

   قال: نعم، من أطاعه رشد ... )(15) .

   كما ورد أنّ الإمام الكاظم ( عليه السّلام ) كان يقول ابتداء منه ومن دون سؤال : ( هذا أفقه وُلدي ـ ويشير إلى الرضا عليه السّلام - وقد نحلته كنيتي )(16) .

   وقد جمع بعض أصحابه ذات يوم وأخبرهم بأنّ ولده الرضا خليفته من بعده ، قائلاً : ( أتدرون لما جمعتكم ؟

   قالوا : لا .

   قال : اشهدوا أنّ عليّاً ابني هذا وصيّي ، والقيّم بأمري ، وخليفتي من بعدي ، من كان له عندي دين ، فليأخذه من ابني هذا ، ومن كانت له عندي عدة فليستنجزها منه ، ومن لم يكن له بدّ من لقائي فلا يلقني إلاّ بكتابه )(17) .

   وفي نص آخر عن محمّد بن يزيد الهاشمي ، قال : ( الآن تتّخذ الشيعة عليّ بن موسى ( عليه السّلام ) إماماً !

   قلت : وكيف ذلك ؟

   قال : دعاه أبو الحسن موسى بن جعفر ( عليه السّلام ) فأوصى له)(18) .

   إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة المصرِّحة بتقدّمه ، ونصّ أبيه عليه ( سّلام الله عليهم أجمعين ) .

فالإمام الكاظم كان شديد العناية والاهتمام بولده ، وكان حريصاّ على تهيئة القاعدة الجماهيرية للإيمان بإمامة الرضا من بعده ، رغم الظروف العصبية التي عاشها مع خلفاء العبّاس ...

   وعاش الإمام الرضا ( عليه السلام ) بعد أبيه وهو يحمل بين طيّات نفسه المحن والكروب التي حدثت لأبيه وأهل بيته وشيعته ، ومن ثمّ توالت عليه ضروب المصائب والآلام الفادحة التي ما انفكّ أصحاب السلطة المعاصرة له يصطنعوها له ، ويفتعلوها ضدّه ، لعلمهم بمكانته من الدين ، وإرثه النبوي ، فأخذوا يلجُونه المحن الفادحة ، والمصائب العظمى ... لكنهم وإن قتلوه وواروا جسده الثرى إلاّ أنّ تعاليمه القيّمة لم توارَ ، ومبادئه السامية بقيت سامقة الجذور متناطحة الفروع لا يكاد يرقون إلى غصنٍ منها فضلاً عن بعضها . 

ــــــــــــــــــ

* المصدر : كتاب عن الإمام الرضا ( عليه السلام ) ـ تأليف حكمت الرحمة ( الكتاب تحت الإعداد للطبع ) ـ [ بتصرفٍ يسير ]

1 ـ أورده أبو نعيم الإصبهاني في ( ذكر أخبار أصفهان ) : 1/ 138 ، وعزاه في ( حلية الأولياء ) : 3/ 192 لبعض المحدّثين من السلف ولم يسمّه ، وأورده ابن حجر في ( الصواعق المحرقة ) : 2/ 595 ، واللفظ للأخير .

2 ـ  إعلام الورى للطبرسي : 2/ 40 .

3 ـ  الحجرات : 13 .

4 ـ انظر الرواية في ( عيون أخبار الرضا ) : 1/ 26 ، و أصول الكافي : 1/ 486 ، بتفاوت بسيط في الألفاظ ، وقد ذكر أنّ الراوي المباشر هو هشام بن أحمر وليس أحمد .

5 ـ  وقد ورد أنّ حميدة المصفّاة رأت رسول الله في المنام وهو يقول : ( يا حميدة ، هبي نجمة لابنك موسى ؛ فإنّه سيولد له منها خير أهل الأرض ) ، عيون أخبار الرضا : 1/26 .

6 ـ عيون أخبار الرضا : 1/ 40 ، كشف الغمة للأربلي : 3/ 105 .

7 ـ عيون أخبار الرضا : 1/ 24-25.

8 ـ أصول الكافي للكليني : 1/ 486 ، الإرشاد للمفيد : 2/ 246 ، إعلام الورى للطبرسي : 2 /40 .

9 ـ بحار الأنوار : 49/ 2-3 .

10 ـ عيون أخبار الرضا : 1/ 30 .

11 ـ  عيون أخبار الرضا : 1/ 30 .

12 ـ بحار الأنوار : 49/ 4 ، كشف الغمة : 3/ 89 .

13 ـ  أصول الكافي : 1/311 ، كفاية الأثر : 271 ، بحار الأنوار : 49/ 13 .

14 ـ  عيون أخبار الرضا 2 : 29 .

15 ـ عيون أخبار الرضا 2 : 40 .

16 ـ عيون أخبار الرضا 2 : 32 .

17 ـ عيون أخبار الرضا 2 : 36 .

18 ـ عيون أخبار الرضا 2 : 36 .

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

دخول جيش السفياني الى العراق
الحرية في الإسلام.. مرتكزاتها ومعالمها
أصحاب الجمل
اهمية وجبة السحور
اُسلوب التعامل مع المنافقين
مرقد السيدة زينب الكبرى (س)
هجرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وثورة الحسين ...
الدلالات في القرآن، وفي العهد القديم (قصة يوسف)
بين يـدي الإمـام الرضا
ماهية الصلاة البتراء والأحاديث الناهية عنها عند ...

 
user comment