الإمام علي (عليه السلام) :
( نور الزهراء . إيران . ... )
السؤال : لقد وردت هذه الشبهة في الموسوعة البريطانية تحت عنوان "علي" :
"علي" فتى أسلم على يد ابن عمّه محمّد (صلى الله عليه وآله) ، لكن إسلامه إسلام تبعية طفل لشخص أكبر منه ، كعادة الأطفال ، يأخذون الأشياء بشكل عفويّ ، وليس تعقليّ ، فلا فضل له .
ووردت شبهة للجاحظ في الرسالة العثمانية : أنّ أبا بكر وعمر أفضل من علي ، والدليل : إنّ أبا بكر سنين طويلة يعبد الأصنام ، ويشرب الخمر ، حتّى تأصّلت في نفسه هو وجماعته ، فتركه للأصنام والخمر صعب ، فعندما تركها فَعَلَ أمراً صعباً ، والإمام علي لم يواجه صعوبة ؛ لأنّه لم يعبد صنماً ، ولم يشرب خمراً .
فنريد منكم التفضّل بالإجابة .
الجواب : ينحلّ السؤال إلى سؤالين :
أمّا الأوّل : إنّ إسلام أمير المؤمنين (عليه السلام) كان في صباه ، وهو صرف تعبّد ، وتبعية محضة ليس فيها أيّ نوع تعقّل أو تدبّر .
وثانياً : إنّه لا فضيلة ثمّة في إسلامه ، إذ هو (عليه السلام) لم يعان مصائب الشرك ، وذلّ المعصية و ... .
ولنقدّم مقدّمة مختصرة ثمّ ندخل البحث ، وهي : إنّنا لا نحسب السائل
|
الصفحة 8 |
|
بحاجة لسرد النصوص النبوية والعلوية ، وكلمات الأصحاب والعلماء في كون أمير المؤمنين (عليه السلام) أوّل القوم إسلاماً ، وأقدمهم إيماناً ، وأوّل من استجاب لرسول الله (صلى الله عليه وآله) وصدّقه، ودخل في الإسلام، وأوّل من صلّى وركع وسجد لله سبحانه، بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وأوّل من وحّد الله سبحانه وعبده ، وأوّل السابقين إلى الدين ، و ... .
كلّ هذه أُمور تناقلتها رواة العامّة أكثر من الخاصّة ، وأُلّفت فيها المؤلّفات ، وأثبتها الثقات ، وعلينا إثبات ذاك إن لزم .
ثمّ بعد ذاك ، لماذا كان يأخذ (صلى الله عليه وآله) بيد أمير المؤمنين (عليه السلام) في الملأ الصحابيّ ، ويقول : " إنّ هذا أوّل من آمن بي ، وهذا أوّل من يصافحني يوم القيامة ... " (1) .
أو قوله (صلى الله عليه وآله) : " أوّلكم وارداً على الحوض أوّلكم إسلاماً علي بن أبي طالب ... " (2) ؟! أو غير ذلك .
وكذلك الحديث الصحيح الذي رواه ابن ماجة في سننه عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) إذ يقول : " أنا الصدّيق الأكبر ، صلّيت قبل الناس بسبع سنين ، لا يقولها بعدي إلاّ كذّاب " .
فهو يفتخر بإسلامه وصلاته قبل الناس ، وذاك لوحده دليل على أنّ تلك منقبة وفضيلة ، وإلاّ لو لم تكن كذلك لما كان لاستدلاله بها معنىً .
كلّ هذا مهمّ جدّاً ، إلاّ أنّا نطوي عنه صفحاً فعلاً ، ونضطرّ ـ من باب
____________
1- الأمالي للشيخ الصدوق : 274 ، الإرشاد 1 / 32 ، مجمع الزوائد 9 / 102 ، المعجم الكبير 6 / 269 ، شرح نهج البلاغة 13 / 228 ، نظم درر السمطين : 82 ، كنز العمّال 11 / 616 ، فيض القدير 4 / 472 ، تاريخ بغداد 9 / 460 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 41 ، أُسد الغابة 5 / 287 ، سير أعلام النبلاء 23 / 79 ، الإصابة 7 / 294 ، ينابيع المودّة 1 / 195 و 244 و 387 .
2- المستدرك 3 / 136 ، شرح نهج البلاغة 4 / 117 ، كنز العمّال 11 / 616 .
|
الصفحة 9 |
|
المثال ـ لسرد واقعتين صغيرتين ، أقرّها القرآن الكريم ، وتسالمت عليها السنّة النبوية ، كلّ ذلك بشكل مجمل جدّاً ومختصر ، نطوي تفاصيله ونجمل لفظه وتأويله ، كي نستنتج ما نبغيه منه .
الأُولى : هو حديث العشيرة في بدء الدعوة ، حيث أخرجه غير واحد من الأئمّة الحفّاظ ، ونقلته كتب الصحاح والمسانيد عند العامّة ، وتلقّي بالقبول ، بل أرسل إرسال المسلّمات .
وحاصله : إنّه لمّا نزل قوله سبحانه : { وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ } (1) ، قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : " دعاني رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال لي : يا علي ، إنّ الله أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين ... وقد أمرني الله تعالى أن أدعوكم إليه ، فأيّكم يوازرني على هذا الأمر ؟ على أن يكون أخي ووصيي ، وخليفتي فيكم ؟
قال : فأحجم القوم عنها جميعاً ، وقلت وإنّي لأحدثهم سنّاً ، وأرمصهم عيناً ، وأعظمهم بطناً ، وأحمشهم ساقاً : أنا يا نبيّ الله ، أكون وزيرك عليه ، فأخذ برقبتي ثمّ قال : إنّ هذا أخي ، ووصيي وخليفتي فيكم ، فاسمعوا له وأطيعوا ، قال : فقام القوم يضحكون ، ويقولون لأبي طالب : قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع ... " (2) .
والثانية : حديث ليلة المبيت ، ولبس أمير المؤمنين (عليه السلام) بُرد النبيّ (صلى الله عليه وآله) الحضرمي الأخضر ، ونومه على فراشه ليلة خروج رسول الله (صلى الله عليه وآله) من مكّة بعد أذية المشركين له ، وفداه (عليه السلام) بنفسه ، ونزول قوله عزّ من قائل : { وَمِنَ النَّاسِ
____________
1- الشعراء : 213 .
2- تاريخ الأُمم والملوك 2 / 62 ، كنز العمّال 13 / 114 ، شرح نهج البلاغة 13 / 211 ، جواهر المطالب 1 / 80 ، جامع البيان 19 / 149 ، شواهد التنزيل 1 / 486 ، تفسير القرآن العظيم 3 / 364 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 49 ، السيرة النبوية لابن كثير 1 / 459 .
|
الصفحة 10 |
|
مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللهِ ... } (1) .
ويكفينا قول ابن أبي الحديد نقلاً عن أُستاذه أبي جعفر الإسكافي قال : " لأنّه ثبت بالتواتر حديث الفراش ، فلا فرق بينه وبين ما ذكر في نصّ الكتاب ، ولا يجحده إلاّ مجنون ، أو غير مخالط لأهل الملّة " (2) .
وقد روى المفسّرون كلّهم : أنّ قول الله تعالى : { وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي ... } نزلت في الإمام علي (عليه السلام) ليلة المبيت على الفراش .
ولا نودّ التفصيل فيها أو ذكر مصادرها ، إذ كفانا العلاّمة الأميني (قدس سره) في الغدير (3) ، فقد ذكر لها أكثر من ثلاثين مصدراً ، وأسهب في الحديث عنها مفصّلاً .
والمهمّ عندنا ليس نقل الواقعة ، ولا لفظها ومدلولها ، إذ ـ كما قلنا ـ هناك تواتر إجمالي على معناها ، والمهمّ فيها عندنا أنّنا نتساءل بحقّ جميع المقدّسات ، ليرجع كلّ عاقل منصف إلى ضميره ، ويرى هل يؤتمن على سرّ النبوّة والنواميس الإلهيّة ومقدّسات الأُمّة طفل ابن خمس سنين ، أو سبع سنين ؟ وهو ليس أهل لحمل أعباء أمانة السماء وشؤون الوصاية ؟!
وكيف نفسّر وضع رسول الله (صلى الله عليه وآله) يده في يده ، ويعطيه صفقة يمينه بالأخوّة والوصاية والخلافة ، إلاّ وهو أهل لذلك ؟ وهل أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) ـ لا سمح الله ـ يتجاهل ؟ أو ـ والعياذ بالله ـ يفعل ما لا يرضاه الله سبحانه ؟ أو ينطق عن الهوى ؟! وما بال هذا الطفل لم يأنس بأقرانه ، ولم يلصق بأشكاله ، ولم يلاعب الصبيان ، أو يشكّك أو يتذبذب طوال مسيره الرسالي ؟!
ولماذا قبلت منه السماء هذه المعاملة المقدّسة { يَشْرِي } ؟! وهل تصحّ المعاملة مع ليس هو أهل لذلك ؟! أم هل يكون مثل هذا من صبي ؟! والرسول
____________
1- البقرة 207 .
2- شرح نهج البلاغة 13 / 261 .
3- الغدير 2 / 47 .
|
الصفحة 11 |
|
يعامله معاملة الوزارة والوصاية آنذاك ، بحيث إنّ ذاك أصبح مرتكز الجميع ، وعيّر أبو طالب بذاك ! ألا يفهم من هذا أنّه فوق كلّ الرجال ؟
ثمّ لنا أن نتساءل : لو لم يقبل إسلامه فمتى إذاً أسلم وقُبل إسلامه ؟ هل حدّثنا التاريخ بمثل هذا ؟!
وإذا لم يكن ثمّة فضيلة لإسلام أمير المؤمنين (عليه السلام) فلماذا باهى القوم بذاك ؟ وصرّح الرسول (صلى الله عليه وآله) به ، ولم يخالفه أحد ، ولا ردّ عليه ، وتأتي حثالة حاقدة مريضة بعد قرون كي تنفث سمومها ونصبها بكلمات معسولة ؟! وما أحسن ما قيل : إنّ القول الباطل لا حدّ له ولا أمد .
وبعد كلّ هذا ، فإنّ الكلّ يعلم : إنّ تاريخ النصب والحقد وقف أمام أمير المؤمنين (عليه السلام) طوال ما بعد الرسالة ، حتّى أوصله إلى اللعن سبعين سنة على المنابر ، وقتل كلّ من يتسمّى باسمه ، ولم ينبز أحد بمثل هذا الذي أولده الفكر البريطاني في موسوعته ، و .. .
ويعجبنا هنا ذكر ما وجدناه بعد ذلك عن نصّ ما أورده الحافظ محمّد بن جرير الطبري في كتابه المسترشد ، حيث هو أجمع وأدق ممّا ذكرناه ، قال : " زعمت البكرية أنّ إسلام علي (عليه السلام) إسلام الصبيان ، ليس كإسلام المعتقد العارف المميّز .. !
فقلنا لهم : هل لزم علياً اسم الإسلام وحكمه أم لا ؟ فلابدّ من نعم .
ثمّ قلنا لهم : فما معنى قولكم : إسلام علي ؟! أقلتم على المجاز أم على الحقيقة ؟ فإن قالوا على الحقيقة بطلت دعواهم ، وإن قالوا على المجاز فقد سخفوا قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يكون دعا إلى الإسلام من لا يعقل ، ولا تقوم حجّة الله عليه !
ثمّ يقال لهم : فعلي (عليه السلام) عرف وأقرّ ، أو لم يعرف ولم يقرّ ؟ فإنّ قالوا : عرف وأقرّ ، فقد بطل قولهم ، وإن قالوا : أقرّ ولم يعرف ، قيل لهم : فلِم سمّيتموه مسلماً ولمّا يسلم ؟! فإن اقترف ذنباً هل يقام على من يلزمه هذا الاسم
|
الصفحة 12 |
|
حدّ أو لا يقام عليه ؟! فلابدّ من الجواب !
ثمّ يسألون : هل انتقل عن حالته التي هو عليها مقيم ؟ فإن قالوا : انتقل ، فقد أقرّوا بالإسلام ، وإن قالوا : لم ينتقل ، فمحال أن يسمّوه باسم لم ينتقل إليه ، ولا يجوز أن يسمّى غير المسلم مسلماً .
ويقال لهم : فهل دعاه رسول الله (صلى الله عليه وآله) أو لم يدعه ؟ فإن قالوا : قد دعاه ، قيل لهم : دعا من يجب أن يدعوه ، أو من لم يجب أن يدعوه ؟ فان قالوا : من طريق التأدّب لا من طريق الفرض ، قيل لهم : فهل يجب هذا في غيره من اخوته وبني عمّه ، أو في أحد الناس ؟ ولم يخصّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) علياً (عليه السلام) بالدعوة ، وأفرده من بين العالم إلاّ لعلّة فيه خاصّة ، ليست في غيره ... " .
ثمّ ذكر شواهد لذلك وقال : " أفما وقفت على أنّ هذا الرجل ـ يعني أمير المؤمنين (عليه السلام) ـ مخصوص بأشياء هي محظورة على غيره ، كسدّ أبواب الناس ، وفتح بابه ؟ أو ليس قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) له أن يجنب في هذا المسجد ، وليس ذلك لغيره ، وهذه أسباب لا يدفعها من آمن بالله إلاّ من جرى على العناد !
ويقال لهم : أخبرونا عن علي (عليه السلام) حيث دعي ، لو لم يجب إلى ما دعي إليه أكانت تكون حالته كالإجابة إلى ما دعي إليه ؟ فإن قالوا : الحالتان واحدة ، فقد أحالوا تسميتهم إيّاه مسلماً ، وإن قالوا : حالته خلاف حالته الأُولى ، فقد أقرّوا أيضاً بما أنكروه " .
وختم كلامه بقوله : " ثمّ يسألون عن علي (عليه السلام) فيقال لهم : أليس كان في أمره مصمّماً ، وعلى البلايا صابراً ، ولملازمة رسول الله (صلى الله عليه وآله) والرغبة في خدمته مؤثراً ، ولأبويه مفارقاً ، ولأشكاله من الأحداث مبايناً ، ولرفاهية الدنيا ولذّاتها مهاجراً ، قد لصق برسول الله (صلى الله عليه وآله) يشاركه في المحن العظام ، والنوازل الجسام ، مثل حصار الشعب ، والصبر على الجوع ، والخوف من احتمال الذلّ ، بل هو شبيه يحيى بن زكريا (عليه السلام) في الأشياء كلّها غير النبوّة ، وأنّه باين الأحداث في حال حداثته ، والكهول في حال كهالته .