الجواب : ولد المغيرة بن شعبة الثقفي سنة عشرين قبل الهجرة ، ومات في الكوفة ، ودفن فيها سنة خمسين للهجرة ، وله سبعين سنة .
ولهذا عدّه الشيخ الطوسي (قدس سره) في رجاله في أصحاب الرسول (صلى الله عليه وآله) .
كان صاحب غدر ومكر ، ففي كتاب " الغارات " قال : ( ذكر عند علي (عليه السلام) وجدّه مع معاوية ، فقال (عليه السلام) : " وما المغيرة ، إنّما كان إسلامه لفجرة
____________
1- المستدرك على الصحيحين 3 / 109 .
2- الأعلام 2 / 340 ، تذكرة الحفّاظ 3 / 881 .
3- المستدرك على الصحيحين 3 / 109 .
4- تذكرة الحفّاظ 3 / 1039 .
5- آل عمران : 103 .
6- طبقات الشافعية الكبرى 2 / 380 ، سير أعلام النبلاء 17 / 435 .
|
الصفحة 395 |
|
وغدرة لمطمئنين إليه من قومه فتك بهم ، وركبها منهم فهرب ، فأتى النبيّ (صلى الله عليه وآله) كالعائذ بالإسلام ، والله ما أرى أحد عليه منذ ادّعى الإسلام خضوعاً ولا خشوعاً ، ألا وأنّه كان من ثقيف فراعنة قبل يوم القيامة ، يجانبون الحقّ ، ويسعرون نيران الحرب ، ويوازرون الظالمين ... " ) (1) .
وعن الشعبي قال : " سمعت قبيصة بن جابر يقول : صحبت المغيرة بن شعبة ، فلو أنّ مدينة لها ثمانية أبواب لا يخرج من باب منها إلاّ بمكر ، لخرج من أبوابها كلّها " (2) .
كان صاحب فظّة وغلظة ، فقد جعله عمر على البحر والياً ، فكرهه الناس لسوء خلقه وتصرّفاته فعزله ، ثمّ جعله على البصرة والياً ، فبقي عليها ثلاث سنين ، ثمّ غضب عليه فعزله ، ثمّ جعله على الكوفة والياً .
فعن ابن سيرين : " كان الرجل يقول للآخر : غضب الله عليك كما غضب أمير المؤمنين على المغيرة عزله عن البصرة فولاه الكوفة " (3) .
كان صاحب رشوة ، ففي أُسد الغابة : " وأوّل من رشا في الإسلام ، أعطى يرفأ حاجب عمر شيئاً ، حتّى أدخله إلى دار عمر " (4) .
كان زانياً ومطلاقاً ، فعن قتادة : " إنّ أبا بكرة ، ونافع بن الحارث بن كلدة ، وشبل بن معبد ، شهدوا على المغيرة بن شعبة أنّهم رأوه يولجه ويخرجه ، وكان زياد رابعهم ، وهو الذي أفسد عليهم .
فأمّا الثلاثة فشهدوا بذلك ... فقال عمر حين رأى زياداً : إنّي لا أرى غلاماً كيّساً ، لا يقول إلاّ حقّاً ، ولم يكن ليكتمني ، فقال : لم أر ما قالوا ، لكنّي رأيت ريبة ، وسمعت نفساً عالياً ، قال : فجلدهم عمر وخلا عن زياد " (5) .
____________
1- الغارات 2 / 516 .
2- تاريخ مدينة دمشق 60 / 50 ، تهذيب الكمال 28 / 373 ، البداية والنهاية 5 / 359 .
3- سير أعلام النبلاء 3 / 28 ، معجم البلدان 1 / 437 .
4- أُسد الغابة 4 / 407 .
5- تاريخ مدينة دمشق 60 / 33 ، أُسد الغابة 2 / 385 .
|
الصفحة 396 |
|
قال ابن المبارك : " كان تحت المغيرة بن شعبة أربع نسوة ، قال : فصففن بين يديه ، وقال : إنّكن حسنات الأخلاق طويلات الأعناق ، ولكنّي رجل مطلاق ، أنتنّ طلاق " (1) .
عن ابن وهب : " سمعت مالك يقول : كان المغيرة بن شعبة نكّاحاً للنساء،... وكان ينكح أربعاً جميعاً ، ويطلقهن جميعاً " (2) .
وكان المغيرة يسبّ علياً (عليه السلام) ويلعنه ، ففي " تاريخ الطبري " : " وأقام المغيرة على الكوفة عاملاً لمعاوية سبع سنين وأشهراً ، وهو من أحسن شيء سيرة ، وأشدّه حبّاً للعافية ، غير أنّه لا يدع ذمّ علي (عليه السلام) والوقوع فيه ، والعيب لقتلة عثمان ، واللعن لهم ... " (3) .
وعن عبد الله بن ظالم قال : " لما بويع لمعاوية أقام المغيرة بن شعبة خطباء يلعنون علياً (عليه السلام) " (4) .
وأمر هو يومئذ أمير الكوفة من قبل معاوية حجر بن عدي أن يقوم في الناس ، فيلعن علياً (عليه السلام) ، فأبى ذلك ، فتوعّده (5) .
وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : " من سبّ علياً فقد سبّني " ، وهذا الحديث قد صحّحه الهيثمي في " مجمع الزوائد " (6) ، وهكذا صحّحه الذهبي ، ورواه أحمد في مسنده وغيره (7) .
____________
1- تاريخ مدينة دمشق 60 / 54 .
2- تاريخ مدينة دمشق 60 / 55 ، تهذيب الكمال 28 / 373 ، البداية والنهاية 5 / 360 .
3- تاريخ الأُمم والملوك 4 / 188 .
4- شرح نهج البلاغة 13 / 230 ، البداية والنهاية 7 / 393 .
5- شرح نهج البلاغة 4 / 58 .
6- مجمع الزوائد 9 / 130 .
7- مسند أحمد 6 / 323 ، ذخائر العقبى : 66 ، المستدرك على الصحيحين 3 / 121 ، السنن الكبرى للنسائي 5 / 133 ، خصائص أمير المؤمنين : 99 ، نظم درر السمطين : 105 ، الجامع الصغير 2 / 608 ، كنز العمّال 11 / 573 و 602 ، تاريخ مدينة دمشق 14 / 132 و 30 / 179 و 42 / 266 و 533 ، البداية والنهاية 7 / 391 ، سبل الهدى والرشاد 11 / 250 و 294 ، ينابيع المودّة 1 / 152 و 2 / 102 و 156 و 274 و 395 .
|
الصفحة 397 |
|
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) أيضاً : " يا علي لا يحبّك إلاّ مؤمن ، ولا يبغضك إلاّ منافق " (1) وهو أيضاً حديث صحيح السند .
وهناك موارد كثيرة تدلّ على نفاق المغيرة .
منها : قد صرّح بنفاقه عثمان ، وعبد الرحمن بن عوف ، ففي الطبري بعد ذكر إنكار الناس على عثمان توليه ابن عامر فقال عثمان : " وولّيت شبيهاً بمن كان عمر يولّي ، أنشدك الله يا علي ، هل تعلم أنّ المغيرة بن شعبة ليس هناك ؟ قال : " نعم " ، قال : فتعلم أنّ عمر ولاه ؟ قال : " نعم " ، قال : فلم تلومني أن ولّيت ابن عامر " (2) .
وذكر الطبري بعد ذكر بيعة عبد الرحمن لعثمان : " وقال المغيرة بن شعبة لعبد الرحمن : يا أبا محمّد قد أصبت إذ بايعت عثمان ، وقال لعثمان : لو بايع عبد الرحمن غيرك ما رضينا ، فقال عبد الرحمن : كذبت يا أعور لو بايعت غيره لبايعته ، ولقلت هذه المقالة " (3) .
وروى عنه أنّه قال : " وددت والله أنّي لو علمت ذلك ، إنّي والله ما رأيت عثمان مصيباً ، ولا رأيت قتله صواباً " (4) .
وقال فيه الإمام علي (عليه السلام): " فإنّه والله دائباً يلبس الحقّ بالباطل ، ويموّه فيه ، ولن يتعلّق من الدين إلاّ بما يوافق الدنيا ... " (5) .
وهو معدن كلّ شرّ ومنبعه ، فهو الذي أشار على أبي بكر وعمر على
____________
1- مسند أحمد 1 / 95 و 128 ، مجمع الزوائد 9 / 133 ، فتح الباري 1 / 60 و 7 / 58 ، شرح نهج البلاغة 13 / 251 ، تاريخ بغداد 8 / 416 و 14 / 426 ، أُسد الغابة 4 / 26 ، تذكرة الحفّاظ 1 / 10 .
2- تاريخ الأُمم والملوك 3 / 376 .
3- المصدر السابق 3 / 298 .
4- تاريخ مدينة دمشق 60 / 44 .
5- الأمالي للشيخ المفيد : 218 .
|
الصفحة 398 |
|
تصدّي الأمر حتّى يكون لأمثاله حظّ ، كما أنّه أشار عليهما بجعل نصيب للعباس لتضعيف أمر أمير المؤمنين (عليه السلام) ، وأشار على معاوية باستلحاق زياد به حتّى يكمل استيلاؤه ، وأشار عليه باستخلافه ابنه السكّير ، لئلا يعزله معاوية عن الإمارة .
وقال ابن الأثير : ( وكان المغيرة يدّعي أنّه ألقى خاتمه في قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فنزل ليأخذه ، فكان آخرهم عهداً برسول الله (صلى الله عليه وآله) ، ولم يصحّ ذلك ، ولم يحضر دفنه فضلاً عن أن يكون آخرهم عهداً به ، وسئل علي (عليه السلام) عن قول المغيرة ، فقال : " كذب آخرنا عهداً به قثم ... " ) (1) .
( حمد . قطر . 21 سنة . طالب جامعة )