معلم وتلميذ :
ذهب جماعة من الطلاّب إلى مدرسة إلحادية ، وفي اليوم الأوّل من الدوام حضروا الصفّ ، وكان في الصفّ منضدة عليها تصوير أحد زعماء الملحدين .
فجاء المعلم ، وقال للطلاّب : هل لكم عين ؟ وأين هي ؟
وهل لكم أذن ؟ وأين هي ؟ وهل لكم أيدٍ وأرجل ؟ وأين هي ؟
قال الطلاّب : نعم ، لنا أعين وأذن وأيد وأرجل ، وهي هذه ، وأشاروا إلى هذه الأعضاء .
قال المعلم : وهل ترون هذه الأعضاء وتحسّون بها ؟
قال الطلاّب : نعم ، نراها ونلمسها .
قال المعلم : وهل ترون هذا التصوير على المنضدة ؟
|
الصفحة 524 |
|
قالوا : نعم ، نراه .
قال المعلم : وهل ترون المنضدة وسائر ما في الغرفة ؟
قالوا : نعم ، نراها .
وهنا انبرى المعلم قائلاً : وهل ترون الله ؟ وهل تحسّون به ؟
قالوا : لا ، لا نرى الله ولا نلمسه .
قال المعلم : فهو إذاً خرافة تقليدية .
إنّ كلّ شيء في الكون نحسّ به ونراه ، أمّا ما لا نراه ولا نحسّ به ، فهو خطأ ، يلزم علينا أن لا نعترف به ، وإلاّ كنّا معتقدين بالخرافة .
وهنا قام أحد التلاميذ ، وقال : اسمح لي أيّها الأُستاذ بكلمة ؟
المعلّم : تفضّل .
التلميذ : أيّها الزملاء أجيبوا على أسئلتي .
الزملاء : سل .
التلميذ : أيّها الزملاء هل ترون المعلّم ؟ هل ترون الصورة الموضوعة على المنضدة ؟ هل ترون المنضدة ؟ هل ترون الرحلات ؟
الزملاء : نعم ، نرى كلّ ذلك .
التلميذ : أيّها الزملاء هل ترون عين المعلّم ؟ هل ترون أذن المعلّم ؟ هل ترون وجهه ؟ هل ترون يده ورجله ؟
الزملاء : نعم نرى كلّ ذلك .
التلميذ : أيّها الزملاء هل ترون عقل المعلم ؟
الزملاء : كلاّ ! لا نرى عقله .
التلميذ : فالمعلّم إذاً لا عقل له ، فهو مجنون حسب مقالته ، لأنّه قال : كلّ ما لا يراه الإنسان فهو خرافة ، يجب على الإنسان أن لا يعترف به ، وأنّا لا نرى عقل المعلم ، فهو إذاً لا عقل له ، ومن لا عقل له يكون مجنوناً .
وهنا ألقم المعلّم حجراً ، واصفرّ وجهه خجلاً ، ولم ينبس ببنت شفة ، وضحك الطلاّب .
|
الصفحة 525 |
|
آينشتاين يعترف :
تحاكم جماعة من المادّيين إلى آينشتاين ليروا رأيه بالنسبة إلى الله تعالى ؟
فأجاز لهم أن يمكثوا عنده (15) دقيقة ، معتذراً بكثرة أشغاله ، فلا يتمكّن أن يسمح لهم بأكثر من هذا الوقت .
فعرضوا عليه سؤالهم ، قائلين : ما رأيك في الله ؟
فأجاب قائلاً : ولو وفّقت أن أكتشف آلة تمكّنني من التكلّم مع الميكروبات ، فتكلّمت مع ميكروب صغير ، واقف على رأس شعرة من شعرات رأس إنسان ، وسألته : أين تجد نفسك ؟ لقال لي : إنّي أرى نفسي على شجرة رأس شاهقة ! أصلها ثابت وفرعها في السماء .
عند ذلك أقول له : إنّ هذه الشعرة التي أنت على رأسها ، إنّما هي شعرة من شعرات رأس إنسان ، وإنّ الرأس عضو من أعضاء هذا الإنسان ، ماذا تنظرون ؟
هل لهذا الميكروب المتناهي في الصغر : أن يتصوّر جسامة الإنسان وكبره ؟ كلاّ !
إنّي بالنسبة إلى الله تعالى لأقلّ وأحطّ من ذلك الميكروب بمقدار لا يتناهى ، فأنّى لي أن أحيط بالله الذي أحاط بكلّ شيء ، بقوى لا تتنامى ، وعظمة لا تحدّ ؟
فقام المتشاجرون من عند آينشتاين ، وأذعنوا للقائلين بوجود الله تعالى .
( أبو الزين. الأردن ... )
السؤال: ما هو حكم القائل بوحدة الوجود ؟
الجواب : ورد في كتاب " التنقيح في شرح العروة الوثقى " حكم القائلين بوحدة الوجود ما نصّه :
|
الصفحة 526 |
|
" القائل بوحدة الوجود ، إن أراد أنّ الوجود حقيقة واحدة ولا تعدّد في حقيقته ، وإنّه كما يطلق على الواجب كذلك يطلق على الممكن ، فهما موجودان ، وحقيقة الوجود فيهما واحدة ، والاختلاف إنّما هو بحسب المرتبة ، لأنّ الوجود الواجبي في أعلى مراتب القوّة والتمام ، والوجود الممكني في أنزل مراتب الضعف والنقصان ، وإن كان كلاهما موجوداً حقيقة ، وأحدهما خالق للآخر وموجد له .
فهذا في الحقيقة قول بكثرة الوجود والموجود معاً ، نعم حقيقة الوجود واحدة ، فهو ممّا لا يستلزم الكفر والنجاسة بوجه ، بل هو مذهب أكثر الفلاسفة ، بل ممّا اعتقده المسلمون وأهل الكتاب ، ومطابق لظواهر الآيات والأدعية ، فترى إنّه (عليه السلام) يقول : " أنت الخالق وأنا المخلوق ، وأنت الربّ وأنا المربوب " ، وغير ذلك من التعابير الدالّة على أنّ هناك موجودين متعدّدين ، أحدهما موجد وخالق للآخر ، ويعبّر عن ذلك في الاصطلاح بالتوحيد العامّي .
وإن أراد من وحدة الوجود ما يقابل الأوّل ، وهو أن يقول بوحدة الوجود والموجود حقيقة ، وأنّه ليس هناك في الحقيقة إلاّ موجود واحد ، ولكن له تطوّرات متكثّرة ، واعتبارات مختلفة ، لأنّه في الخالق خالق ، وفي المخلوق مخلوق ، كما إنّه في السماء سماء ، وفي الأرض أرض ، وهكذا .
وهذا هو الذي يقال له توحيد خاصّ الخاصّ ، وهذا القول نسبه صدر المتألّهين إلى بعض الجهلة من المتصوّفين وحكي عن بعضهم أنّه قال : ليس في جبّتي سوى الله وأنكر نسبته إلى أكابر الصوفية ورؤسائهم ، وإنكاره هذا هو الذي يساعده الاعتبار ، فإنّ العاقل كيف يصدر منه هذا الكلام ، وكيف يلتزم بوحدة الخالق ومخلوقه ، ويدّعي اختلافهما بحسب الاعتبار ؟!
وكيف كان ، فلا إشكال في أنّ الالتزام بذلك كفر صريح ، وزندقة ظاهرة ، لأنّه إنكار للواجب ، والنبيّ (صلى الله عليه وآله) حيث لا امتياز للخالق عن المخلوق حينئذ إلاّ
|
الصفحة 527 |
|
بالاعتبار ، وكذا النبيّ (صلى الله عليه وآله) وأبو جهل مثلاً متّحدان في الحقيقة على هذا الأساس ، وإنّما يختلفان بحسب الاعتبار .
وأمّا إذا أراد القائل بوحدة الوجود أنّ الوجود واحد حقيقة ولا كثرة فيه من جهة ، وإنّما الموجود متعدّد ، ولكنّه فرق بيّن بين موجودية الموجود ، وموجودية غيره من الماهيات الممكنة ، لأنّ إطلاق الموجود على الوجود من جهة أنّه نفس مبدأ الاشتقاق .
وأمّا إطلاقه على الماهيات الممكنة ، فإنّما هو من جهة كونها منتسبة إلى الموجود الحقيقي ، الذي هو الوجود لا من أجل أنّها نفس مبدأ الاشتقاق ، ولا من جهة قيام الوجود بها ، حيث إنّ للمشتقّ اطلاقات : فقد يحمل على الذات من جهة قيام المبدأ به ، كما في زيد عالم أو ضارب ، لأنّه بمعنى من قام به العلم أو الضرب .
وأُخرى : يحمل عليه لأنّه نفس مبدأ الاشتقاق ، كما عرفته في الوجود والموجود .
وثالثة : من جهة إضافته إلى المبدأ نحو إضافة ، وهذا كما في اللابن والتامر ، لضرورة عدم قيام اللبن والتمر ببائعهما ، إلاّ أنّ البائع لمّا كان مسنداً ومضافاً إليهما نحو إضافة وهو كونه بائعاً لهما صحّ إطلاق اللابن والتامر على بائع التمر واللبن ، وإطلاق الموجود على الماهيات الممكنة من هذا القبيل ، لأنّه بمعنى أنّها منتسبة ومضافة إلى الله سبحانه ، بإضافة يعبّر عنها بالإضافة الإشراقية ، فالموجود بالوجود الانتسابي متعدّد ، والموجود الاستقلالي الذي هو الوجود واحد .
وهذا القول منسوب إلى أذواق المتألّهين ، فكأنّ القائل به بلغ أعلى مراتب التألّه ، حيث حصر الوجود بالواجب سبحانه ، ويسمّى هذا توحيداً خاصّياً .
ولقد اختار ذلك الأكابر ممّن عاصرناهم ، وأصرّ عليه غاية الإصرار ، مستشهداً بجملة وافرة من الآيات والأخبار ، حيث إنّه تعالى قد أطلق عليه
|
الصفحة 528 |
|
الموجود في بعض الأدعية .
وهذا المدّعى وإن كان أمراً باطلاً في نفسه ، لابتنائه على أصالة الماهية على ما تحقّق في محلّه وهي فاسدة ، لأنّ الأصيل هو الوجود ، إلاّ أنّه غير مستتبع لشيء من الكفر والنجاسة والفسق .
بقي هناك احتمال آخر وهو : ما إذا أراد القائل بوحدة الوجود ، وحدة الوجود والموجود في عين كثرتهما ، فيلتزم بوحدة الوجود والموجود ، وإنّه الواجب سبحانه ، إلاّ أنّ الكثرات ظهورات نوره ، وشئونات ذاته ، وكُلّ منها نعت من نعوته ، ولمعة من لمعات صفاته ، ويسمّى ذلك عند الاصطلاح بتوحيد أخصّ الخواص .
وهذا هو الذي حقّقه صدر المتألّهين ، ونسبه إلى الأولياء والعرفاء من عظماء أهل الكشف واليقين ، قائلاً : بأنّ الآن حصص الحقّ ، واضمحلت الكثرة الوهمية ، وارتفعت أغاليط الأوهام ، إلاّ أنّه لم يظهر لنا إلى الآن حقيقة ما يريدونه من هذا الكلام .
وكيف كان ، فالقائل بوحدة الوجود بهذا المعنى الأخير أيضاً غير محكوم بكفره ولا بنجاسته مادام لم يلتزم بتوال فاسدة من إنكار الواجب أو الرسالة أو المعاد " (1) .
____________
1- التنقيح في شرح العروة الوثقى 2 / 81 .
|
الصفحة 529 |
|
( طالب نور ... ... )