عبارة بلا كيف لغز وإبهام :
السؤال: المرجو من سماحتكم تفسير ما يلي : هل عبارة " بلا كيف " في صفات الله تعطي تفسيراً ؟
وما معنى المشيئتين في قوله تعالى : { لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ وَمَا تَشَاؤُونَ إِلاَّ أَن يَشَاء اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ } (1) .
الجواب : إنّ ما جاء به الأشاعرة في هذه النظرية ، وقولهم : بأنَّ لله يداً حقيقة بلا كيف ، لا يرجع إلى معنى صحيح مفهوم ، وذلك أنّ العقيدة الإسلامية تتّسم بالدقّة والحصانة ، وفي نفس الوقت بالسلامة من التعقيد والإبهام ، وتبدو جلية مطابقة للفطرة والعقل السليم ، فإبرازها بصورة الإبهام والألغاز كما في هذه النظرية لا يجتمع مع موقف الإسلام والقرآن في عرض العقائد على المجتمع الإسلامي .
فالقول بأنّ له يداً لا كأيدينا ، أو وجهاً لا كوجوهنا ، وهكذا سائر الصفات الخبرية أشبه بالألغاز ، إذ لو كان امرارها على الله تعالى بنفس معانيها الحقيقية ، لوجب أن تكون الكيفية محفوظة حتّى يكون الاستعمال حقيقيّاً ، لأنّ الواضع إنّما وضع هذه الألفاظ على تلك المعاني التي قوامها بنفس كيفيّتها ، فاستعمالها في المعاني الحقيقية وإثبات معانيها على الله سبحانه بلا كيفية ، أشبه بكون حيوان أسداً حقيقة ، ولكن بلا ذنب ولا مخلب ولا ناب ولا ... .
وباختصار : قولهم : إنّ لله يداً حقيقة لكن لا كالأيدي ، كلام يناقض ذيله صدره ، فاليد الحقيقية عبارة عن العضو الذي له تلك الكيفية المعلومة ، وحذف الكيفية حذف لحقيقتها ولا يجتمعان .
أضف إلى ذلك أنّه ليس في النصوص من الكتاب والسنّة من هذه البلكفة أي بلا كيف عين ولا أثر ، وإنّما هو شيء اخترعته الأفكار للتذرّع به في
____________
1- التكوير : 28 ــ 29 .
|
الصفحة 562 |
|
مقام ردّ الخصوم على تهجّمهم عليهم بتهمة التجسيم ، ولذلك يقول العلاّمة الزمخشري :
قـد شـبّـهـوهُ بخـلـقـهِ فتـخـوَّ فُـوا |
شَنْعَ الورى فتستّروا بالبلكفة (1) |
وأمّا معنى الآية : إن مشيئة العبد تتفرّع على مشيئة الله تعالى ، وإعمال سلطنته ، والاستثناء من النفي يفيد أنّ مشيئة العبد متوقّفة في وجودها على مشيته تعالى ، ومشيته تعالى لم تتعلّق بأفعال العباد ، وإنّما تتعلّق بمبادئها ، كالحياة والقدرة وما شاكلهما .
وبطبيعة الحال أنّ المشيئة للعبد إنّما تتصوّر في فرض وجود تلك المبادئ بمشيئة الله سبحانه ، وأمّا في فرض عدمها بعدم مشيئة الباري فلا تتصوّر ، لأنّها لا يمكن أن توجد من دون وجود ما تتفرّع عليه ، والآية الكريمة إنّما تشير إلى هذا المعنى .