رسول الله نام بينه وبين عائشة :
السؤال : أسيادنا الأعزّة ، الرواية في بحار الأنوار : إنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) قال : " سافرت مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) ليس له خادم غيري ، وكان لحاف ليس له غيره ، ومعه عائشة ، وكان رسول الله ينام بيني وبين عائشة ، ليس علينا ثلاثتنا لحاف غيره ، فإذا قام إلى صلاة الليل ، يحطّ بيده اللحاف من وسطه بيني وبين عائشة ، حتّى يمسّ اللحاف الفراش الذي تحتنا " (2) .
____________
1- مطالب السؤول في مناقب آل الرسول 1 / 117 .
2- بحار الأنوار 40 / 2 .
|
الصفحة 37 |
|
تعليقكم على الرواية المستغلّة للإساءة إلى مصادرنا الحديثية .
الجواب : نلفت نظركم للنقاط التالية :
أ ـ إنّ نظرة الشيعة للمصادر الحديثية تختلف عن نظرة أهل السنّة إليها ، فحيث تعتقد أنّ الكتب الستة صحيحة ، أو يعتقدون بصحّة البخاريّ ومسلم فقط ، فإنّ الشيعة لا تنظر إلى مجاميعها الروائية هذه النظرة ، بل تعتقد بإخضاع كافّة الروايات والأحاديث للبحث السندي والدلالي ، وهذه من مميّزات الفكر الشيعيّ في كافّة الجهات .
وعلى هذا ، فإنّ ورود حديث ما في مجموعة لا تدلّ بالملازمة على قبوله ، بل يجب البحث عن سنده أوّلاً ، ودلالته ثانياً .
ب ـ إنّ العلاّمة المجلسيّ (قدس سره) ـ صاحب بحار الأنوار ـ بنفسه كان لا يلتزم بصحّة كلّ ما ورد في كتابه ـ فضلاً عن الآخرين ـ ويستفاد هذا الموضوع من مقدّمته على بحار الأنوار ، إذ يصرّح أنّه جمع كل ما في وسعه من الأحاديث من دون إبداء رأيه ، لكي تكون هناك موسوعة كبيرة يتمكّن الباحث من المراجعة إليها .
ويشهد لهذا أيضاً ، أنّه وفي مقام البحث السندي لا يرى صحّة مجموعة من أحاديث الكافي ـ الذي هو أمتن الكتب الحديثية عند الشيعة ـ في كتابه مرآة العقول .
ج ـ إنّ الرواية المنقولة عن بحار الأنوار هي في الحقيقة وردت في احتجاج الشيخ الطبرسيّ (1) ، نقلاً عن كتاب سليم بن قيس الهلالي (2) ، وأيضاً نقلها ابن شهر آشوب ـ بصورة مرسلة ـ في مناقبه (3) ، وجاءت عنه
____________
1- الاحتجاج 1 / 231 .
2- كتاب سليم بن قيس : 422 .
3- مناقب آل أبي طالب 2 / 59 .
|
الصفحة 38 |
|
في بحار الأنوار (1) .
فسند الحديث ليس مقطوعاً به ، حتّى يصبح حجّة لنا أو علينا .
د ـ توجد هناك أحاديث كثيرة منقولة في الجوامع الروائية لأهل السنّة مخالفة للعقل والنقل القطعي ، وتمسّ الجوانب الأساسية للعقيدة ، ومع هذا يرتضون بها ، ويؤوّلونها بتأويلات سخيفة ، حفظاً منهم لهذه الكتب ، ولو كان المجال واسعاً لأوردنا بعض الأمثلة لذلك ، ولكن حرصاً على الإجمال في الجواب ، نوكل هذا الموضوع إلى البحوث المستقلّة في هذا المضمار ، والتي تتولّى دراسة أحاديث الصحاح الستّة وغيرها ، حتّى يتبيّن للمنصف المتوخّي للحقيقة مدى قباحة بعض منقولات أهل السنّة وركاكتها .
هـ ـ وأخيراً : كيف يخاف من علي (عليه السلام) وهو مع القرآن ؟! وكيف يخاف منه وهو مع الحقّ ، بل هو راعي الدين والإسلام ؟!
وعلى فرض صحّة الرواية ، فإنّها تدلّ على ثقة الرسول التامّة في علي (عليه السلام) .
ولم ينقل عن الإمام علي (عليه السلام) أنّه نظر إلى امرأة من نساء النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، كما نقل عن عمر أنّه كان يتعرّض لنساء رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهن خارجات للتبرّز قبل الحجاب .
فكان عمر يغار على زوجاته ، ويأمر الرسول بأن يحجّبهن ، والرسول لا يهتمّ بذلك ، ولا يفعل ما يأمره به عمر !! إلى أن وافق الله عمر ، وأمر الرسول بما أمره به عمر !!
ففي صحيح البخاريّ : " حدّثنا يحيى بن بكير قال : حدّثنا الليث قال : حدّثني عقيل ، عن ابن شهاب ، عن عروة ، عن عائشة : إنّ أزواج النبيّ (صلى الله عليه وآله) كن يخرجن بالليل إذا تبرزن إلى المناصع ـ وهو صعيد افيح ـ ، فكان عمر
____________
1- بحار الأنوار 38 / 297 .
|
الصفحة 39 |
|
يقول للنبي (صلى الله عليه وآله) : احجب نساءك ، فلم يكن رسول الله يفعل ، فخرجت سودة بنت زمعة زوج النبيّ ليلة من الليالي عشاء ، وكانت امرأة طويلة ، فناداها عمر : ألا قد عرفناك يا سودة ، حرصاً على أن ينزل الحجاب ، فأنزل الله الحجاب " (1) .
وعلي (عليه السلام) أطهر من أن يشكّ فيه أحد ، وهل من أحد أعرف بعلي من رسول الله ؟! ولكن الإشكال في قول عمر لرسول الله : من أنّ نساءه يدخل عليهنّ في بيته البرّ والفاجر ، وهنّ فيه .
ففي صحيح البخاريّ : حدّثنا مسدّد ، عن يحيى بن سعيد ، عن حميد ، عن أنس قال : قال عمر : وافقت الله في ثلاث ، أو وافقني ربّي في ثلاث ، قلت : يا رسول الله لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلّى ، وقلت : يا رسول لله يدخل عليك البرّ والفاجر ، فلو أمرت أُمّهات المؤمنين بالحجاب ، فأنزل الله آية الحجاب ، قال : وبلغني معاتبة النبيّ (صلى الله عليه وآله) بعض نسائه ، فدخلت عليهن ، قلت : إن انتهيتنّ أو ليبدلنّ الله رسوله خيراً منكن ، حتّى أتيت إحدى نسائه ، قالت : يا عمر أما في رسول الله ما يعظ نساءه حتّى تعظهن أنت ، فأنزل الله : { عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ ... } (2) .
فليس يحتمل في علي (عليه السلام) الرجس ليخاف منه رسول الله .
مع أنّ الرواية في بحار الأنوار وجدت في كتاب سليم ، فقد ذكر أنّ النسخة التي عنده بالوجادة ، ولابدّ من وجودها في نفس كتاب سليم المسند لا المرسل .
وهنا لابأس أن نشير إلى أنّه لا يوجد أمر مريب في مدلول الرواية يبعث القلق ، إذ جاء التصريح فيها بوجود المانع الذي هو اللحاف المنحطّ بين الإمام وعائشة .
____________
1- صحيح البخاريّ 1 / 45 .
2- التحريم : 5 .
|
الصفحة 40 |
|
( ... . سنّي . ... )