زواجه من بنات النبيّ :
السؤال : كيف رسول الله (صلى الله عليه وآله) يزوّج بنتين من بناته لعثمان ؟ وهو اعلم الناس به .
الجواب : للعلماء في هذا المجال أقوال : فمنهم من يرى عدم ثبوت دعوى التزويج المذكور تاريخياً ، ومنهم من يقول : بأنّ هاتين كانتا ربيبتي الرسول (صلى الله عليه وآله) ، وحتّى أنّ بعضهم يصرّح بأنّهما كانتا بنتي هالة أخت خديجة (عليها السلام) ، في حين أنّ البعض الآخر يؤيّد نظرية التزويج المذكور ، وللبحث في مدى صحّة الأقوال مجال آخر .
وبالجملة : فإنّ الزواج من الأحكام الظاهرية في الإسلام ، الذي يدور مدار اعتناق الدين وأداء الشهادتين ، والالتزام بالظواهر الشرعية ، وليس فيه أيّ دلالة على موضوع إيمان الشخص واعتقاداته في داخل نفسه إثباتاً أو نفياً ، فتزويجه (صلى الله عليه وآله) هاتين من عثمان لا يدلّ إلاّ على إسلامه الظاهري ، وهذا ممّا لا ينكر ، وإلاّ فكيف يوصف بالنفاق وهي صفة من يدّعي الإسلام ، وفي الواقع يكون على خلافه .
وعليه حتّى لو افترضنا صحّة القضية ، فلا يضرّ في المقام ، فإنّ المصالح العليا كانت تقتضيه حتماً ، مضافاً إلى أنّ علم النبيّ (صلى الله عليه وآله) بالمستقبل لا يفرض عليه فعلاً الخروج عن الوظيفة الظاهرية ، وكم لـه نظير ، فمثلاً زواجه (صلى الله عليه وآله) من عائشة وحفصة ـ مع ما أوردا من مصائب فيما بعد ـ كان لمصالح ، منها :
|
الصفحة 302 |
|
تكبيت الضغائن التي كانت في صدور القوم ، ومسايرتهم إلى أن يستتبّ أمر الإسلام ، وإخماد الدسائس والفتن والنعرات القبلية ، مع علمه (صلى الله عليه وآله) بالمواقف المعادية لعائشة بالنسبة لأمير المؤمنين (عليه السلام) وهكذا .
فكقاعدة عامّة : إنّ علم الإمامة والنبوّة لا تطبّق على المجتمع مطلقاً ، والنبيّ (صلى الله عليه وآله) إنّما يجب عليه تطبيق الأحكام الظاهرية فحسب ، والإسلام والتناكح من تلك الأحكام .
( ... . السعودية . 22 سنة )
السؤال : نرجو تزويدنا بمخالفات عثمان بن عفّان للنصوص والسنن ، وجزاكم الله خيراً .
الجواب : بدأ عثمان حياته في الخلافة بمخالفات للنصوص والسنن ، نذكر منها :
1ـ مخالفته نصّ القتل في قضية عبيد الله بن عمر الذي تعمّد في قتل ثلاثة من المسلمين ـ وهم : الهرمزان وابنته وشخص ثالث ـ فعفا عنه وأكرمه (1) .
2ـ قصّر الصلاة في منى كما عمل رسول الله (صلى الله عليه وآله) والشيخين ، ولكن بعد ستّة سنوات أتمّها مخالفاً بها النصّ والسنّة ، فعابوا عليه (2) .
____________
1- تاريخ اليعقوبي 2 / 161 ، الطبقات الكبرى 5 / 17 ، الكامل في التاريخ 3 / 75 .
2- مسند أحمد 2 / 16 و 4 / 94 ، صحيح البخاري 2 / 35 ، صحيح مسلم 2 / 146 ، سنن أبي داود 1 / 438 ، السنن الكبرى للبيهقي 3 / 126 و 143 ، المصنّف للصنعاني 2 / 516 ، المصنّف لابن أبي شيبة 4 / 340 .
|
الصفحة 303 |
|
(... . .... . .... )
السؤال : ما هو رأي الصحابة في الخليفة عثمان ؟ مع ذكر المصادر , وشكراً .
الجواب : لا نستطيع أن نعرض لكم نظر ورأي الصحابة فرداً فرداً في عثمان ، ولكن نعرض آراء بعضهم قولاً وعملاً .
1ـ رأي الإمام علي (عليه السلام) : وهو (عليه السلام) غني عن البيان ، وهو الفاروق بين الحقّ والباطل (1) .
كتب (عليه السلام) ـ حينما بويع في الخلافة وأرسل مالك الأشتر لمصر ـ لأهل مصر اللذين قاموا على ظلم عثمان : " من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى القوم الذين غضبوا لله حين عصى في أرضه ، وذهب بحقّه ، فضرب الجور سرادقه على البر والفاجر ، والمقيم والظاعن ، فلا معروف يستراح إليه ولا منكر يتناهى عنه " (2) .
وقال (عليه السلام) في خطبته الشقشقية ـ التي فيها تظلّمه من الثلاثة وقولـه في عثمان ـ : " إلى أن قام ثالث القوم نافجاً حضنيه بين نثيله ومعتلفه ، وقام معه بنو أبيه يخضمون مال الله خضم الإبل نبتة الربيع ، إلى أن انتكث عليه فتله ، وأجهز عليه عمله ، وكبت به بطنته " (3) .
وقال (عليه السلام) أيضاً في عثمان : " لو أمرت به لكنت قاتلاً ، أو نهيت عنه لكنت ناصراً ، غير أنّ من نصره لا يستطيع أن يقول : خذله من أنا خير منه ، ومن خذله لا يستطيع أن يقول : نصره من هو خير منّي ، وأنا جامع لكم أمره : استأثر فأساء الأثرة ، وجزعتم فأسأتم الجزع ، ولله حكم واقع في المستأثر والجازع " (4) .
____________
1- تاريخ مدينة دمشق 42 / 450 ، المناقب : 105 ، ينابيع المودّة 2 / 234 ، 289 .
2- شرح نهج البلاغة 16 / 156 .
3- المصدر السابق 1 / 197 .
4- المصدر السابق 2 / 126 .
|
الصفحة 304 |
|
والإمام علي (عليه السلام) على يقين أنّ ما أنفقه عثمان من بيت المال يجب أن يعود ويقسّم على من وضعه الله لـه ، لذا نراه يقول حينما استلم مقاليد الأُمور : " ألا إنّ كُلّ قطيعة أقطعها عثمان ، وكُلّ مال أعطاه من مال الله ، فهو مردود في بيت المال ، فإنّ الحقّ القديم لا يبطله شيء ، ولو وجدته قد تزوّج بالنساء ، وفرّق في البلدان لرددته إلى حاله ، فإنّ في العدل سعة ، ومن ضاق عنه الحقّ فالجور عنه أضيق " (1) .
2ـ رأي عبد الرحمن بن عوف : وهو الذي قدّم الخلافة لعثمان محاباة وطمعاً عاد اليوم بعد إثرائه من بيت مال المسلمين يطلب من الإمام علي (عليه السلام) إقامة الحرب على عثمان لأنّه نكث العهد ، وأيّ عهد نكث ! نعم خيّب أمل عبد الرحمن بإحالة الأمر إليه .
3ـ رأي طلحة بن عبيد : بدأ بعد نصب عثمان للخلافة الصلة به لابتزاز ما يستطيع من بيت مال المسلمين حتّى وجدنا ثروته بين الصحابة هو والزبير ، غير أنّنا نجد طلحة رغم ما وصلته من عثمان من الثروات الطائلة التي باح بها عثمان نفسه ، كان يريد المزيد ، ويحلم بالخلافة ، أو ولاية يشبع بها نهمه .
ولشدّ ما زاده غيظاً على عثمان لمّا وجد عثمان بدأ يكيل لبني أُمية من الأموال بأضعاف ما يكيل لـه ، ويقرّب من لم يكن في العير ولا النفير ، بل بالعكس من أُولئك المنفورين المطرودين من رسول الله (صلى الله عليه وآله) .
واشتدّ إذ وجده يتّخذ منهم الوزراء والمستشارين ويصاهرهم ، وأشد أنّه يولّيهم أهم ولايات الإمبراطورية الإسلامية ، ويؤهّلهم للخلافة من بعده ، حتّى ثارت ثائرة طلحة ، وتشد أزره أُمّ المؤمنين عائشة ، والزبير صهر أبي بكر ،
____________
1- شرح نهج البلاغة 1 / 269 .
|
الصفحة 305 |
|
وزوج أخت عائشة يشدوا الخناق على الرجل العجوز المسلوب الإرادة ، المنقاد بيد مروان وبنو أبيه وأعمامه ، فأثارا على عثمان الرأي العام ، وكانت في تلك حقائق لو كان رائدهم الحقّ ، لا المطامع الشخصية التي ظهرت من نتيجة أعمالهم وبيعتهم علياً (عليه السلام) بعده ، ونكثهم البيعة ، وإقامته المجازر والفتك بالمسلمين في البصرة .
واعترض الناس على طلحة في البصرة يوم أتى للأخذ بثأر عثمان بقولهم : يا أبا محمّد قد كانت كتبك تأتينا بغير هذا (1) .
وخاطب سعيد بن العاص مروان بن الحكم وأصحابه الذاهبين إلى البصرة بقولـه : أين تذهبون وتتركون ثأركم على أعجاز الإبل ـ يعني عائشة وطلحة والزبير ـ اقتلوهم ثمّ ارجعوا إلى منازلكم (2) .
وخلا سعيد بطلحة والزبير فقال : إن ظفرتما لمن تجعلان الأمر أصدقاني ؟ قالا : لأحدنا ، أيّنا اختاره الناس ، قال : بل اجعلوه لولد عثمان ، فإنّكم خرجتم تطلبون بدمه .
قالا : ندع شيوخ المهاجرين ونجعلها لأبنائهم ، قال : فلا أراني أسعى لأخرجها من بني عبد مناف ، فرجع (3) .
4ـ رأي الزبير بن العوّام : هو شريك طلحة في آرائه في عثمان والتحريض عليه حتّى قتله ، وسار مع طلحة حذو النعل بالنعل في ابتزاز أموال الناس من عثمان ، ثمّ التحريض عليه حتّى القتل ، وثمّ بيعة علي (عليه السلام) ونكث البيعة طلباً للرئاسة باسم الثأر لعثمان .
____________
1- تاريخ الأُمم والملوك 3 / 486 ، الكامل في التاريخ 3 / 216 ، أنساب الأشراف : 229 .
2- الكامل في التاريخ 3 / 209 .
3- نفس المصدر السابق ، تاريخ الأُمم والملوك 3 / 472 ، تاريخ ابن خلدون 2 / 155 .
|
الصفحة 306 |
|
وكان الزبير يحرّض الناس على قتل عثمان بقولـه : اقتلوه فقد بدّل دينكم ، فقالوا لـه : إن ابنك يحامي عنه بالباب ؟ فقال : ما أكره أن يقتل عثمان ولو بدء بابني ، إنّ عثمان لجيفة على الصراط غداً (1) .
وقد شهد ابن عباس على أنّ طلحة والزبير أجلبا عليه ـ على عثمان ـ وضيّقا خناقه ، ثمّ خرجا ينقضان البيعة ، ويطلبان الملك (2) .
5ـ رأي سعد بن أبي وقّاص : يكتب سعد إلى عمرو بن العاص الذي يسأله عن قتل عثمان فيجيب : إنّك سألتني من قتل عثمان ؟ وإنّي أخبرك أنّه قتل بسيف سلّته عائشة ، وصقله طلحة ، وسمّه ابن أبي طالب ، وسكت الزبير وأشار بيده ، وأمسكنا نحن ، ولو شئنا دفعناه عنه ، ولكن عثمان غيّر وتغيّر ، وأحسن وأساء ، فإن كنّا أحسنا ، وإن كنّا أسأنا فنستغفر الله (3) .
6ـ رأي عبد الله بن العباس : هو من الأسرة الهاشمية ، المرموق بعلمه ودرايته ، وقربه لرسول الله (صلى الله عليه وآله) ، ومن ذوي الرأي ، ولم يحظ من الخلفاء رغم ثقتهم برأيه سوى المشورة ، وهو بالوقت الجدّ الأكبر للخلفاء العباسيين .
وكان عثمان كثيراً ما يتّخذه وسيطاً بينه وبين علي (عليه السلام) ، وآخر أيّامه قبيل مقتل عثمان أرسله أميراً للحجّ ، وحينما تأزّم الأمر على عثمان يرسل عثمان نافع ابن طريف يتلو كتاب عثمان على أهل مكّة مستغيثاً بهم ، بيد لم نجد من ابن عباس أيّ بادرة لنصرة الخليفة ، وهو آنذاك ذو الكلمة المسموعة .
كما طلبت عائشة ـ وهي في مكّة ـ من ابن عباس عدم مد عثمان بأيّة مساعدة ، لأنّ ابن عباس من الهاشميين المنكوبين منذ عهد السقيفة والشورى ، ويعرف إجماع الأُمّة على خلع عثمان ، ولم يكن ابن عباس لهذه الدرجة من الغباوة التي يسكت تجاه موبقات عثمان في عبثه بالمال ، وتسليط فجرة الأُمويين على رقاب الناس قهراً .
____________
1- شرح نهج البلاغة 9 / 36 .
2- المصدر السابق 8 / 66 .
3- الإمامة والسياسة 1 / 67 .
|
الصفحة 307 |
|
ويرى ابن عباس كيف أنّ عثمان يتّهم جميع الأُمّة بالكفر والخروج على ولايته المزعومة ، وكم مرّة تاب عثمان ونكث ، وهو يترقّب هذه المرّة الضربة القاضية على أيدي المتظلّمين ، الطالبين اعتزاله ، والجميع يعلمون أنّه مخادع ، والعاقل لا يلدغ من جحر مرّتين .
وهاك وصف ابن عباس لعثمان لمّا سأله سائل عنه فقال : رجل ألهته نومته عن يقظته (1) ، وهو أشدّ الضعف الذي يمكن أن يوصف به الخليفة .
وحقّاً لم ينتبه عثمان من نومته ، ولا وعي من غفلته ، أو كاد حتّى حرّفه مستشاروه الأُمويون ، وحتّى ذلك لا يجوز لخليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله) هذه الصفة التي اتصف بها عثمان بنظر ابن عباس ، ودلّ عليه عمله إذ العمل صفة العامل .
وهل يستطيع النائم أن يحكّم عقله ، وقد حكم علماء النفس إنّ النوم يطلق الغرائز من مكمنها لتعمل ما تشاء بعيدة عن سيطرة العقل ، وهذا ما يعنيه ابن عباس في الخليفة .
7ـ رأي عمرو بن العاص : وهو رجل انتهازي يساير المصالح الدنيوية ، ساير عمر في شدّته ، ومكث مع عثمان ردحاً حتّى جرّده عثمان من الولاية ، وخصّ بها ابن أبي سرح .
ولا يخفى ما لعمرو بن العاص من أيادي في مصر ، وما كان ليسكت عن عثمان ، وكانت لـه اليد الطولى في إثارة مصر عليه ، وعلى الخصوص وأنّ عثمان قام بكلم يستوجب نقمة المسلمين ، من ولاة السوء ، والتصرّف الأسوء بأموال الصدقات وبيت المال ، والنكال بالمتظلّمين والناصحين ، وأخصّ الصحابة المقرّبين .
فتجد عمرو لا يترك حقيقة من ألاعيب عثمان إلاّ شهره بها ، وأثار المسلمين عليه حتّى قتل عثمان ، وعندها تنفّس عمرو مترنحاً فخوراً نكالاً
____________
1- الاستيعاب 3 / 1130 .
|
الصفحة 308 |
|
بعثمان وتشفّياً ، قائلاً : أنا أبو عبد الله قتلته وأنا بوادي السباع ، من يلي هذا الأمر من بعده ! إن يله طلحة فهو فتى العرب سبباً ، وإن يله ابن أبي طالب فلا أراه إلاّ سيستنظف الحقّ وهو أكره من يليه إلي (1) .
قال ابن عبد البر : " فلمّا بلغه قتل عثمان وكان معتزلاً بفلسطين قال : إنّي إذا نكأت قرحة أدميتها " (2) .
وكان يقول عمرو بعد محاجة وقعت لـه مع عثمان الذي طلبوا توبته في المدينة ونكث ، وحاصروه أن خرج عمرو من المدينة إلى قصره بفلسطين وهو يقول : والله إن كنت لألقي الراعي فأحرّضه على عثمان (3) .
وفي لفظ يخاطب به عثمان : إنّك قد ركبت بهذه الأُمّة نهاية من الأمر ، وزغت فزاغوا ، فاعتدل أو اعتزل (4) .
8ـ رأي معاوية بن أبي سفيان : مدّه عثمان بضمّ الولايات لـه ، ومنحه اللعب بأموال المسلمين وإغراؤه عثمان بالمدد ، وإغواؤه بالتمادي ، وأنّه يمدّه بالعدّة والعدد ، حتّى إذا وثق واستمر نكث بوعده حتّى قتلوا عثمان ، وعندها رفع ثوبه الملطّخ بالدماء صارخاً : وا عثماناه .
ومعاوية يعلم حقّ العلم أنّ عثمان رجل ضعيف الإرادة ، وأنّه سوف تقوم عليه الأُمّة ، ويطلبون عزله لما غيّر وبدّل وتمادى ، وإن قبل عثمان بالعزل وانتخب المسلمون بعده من شاءوا فلم يبق لـه عند الخليفة القادم وهو أموي سوى اعتزال مقامه ، وهذا ما لا يريده معاوية ، وقد هيّأ نفسه للملك .
وهو لم يجد في الأمر سوى الكيد ، وما هو هذا الكيد ؟ نعم هو إغراء الخليفة بما سيمدّه لـه من القوّة والعدد والعدّة وحثّه على المقاومة ، وحث مروان وزيره
____________
1- تاريخ الأُمم والملوك 3 / 559 ، الكامل في التاريخ 3 / 275 .
2- الاستيعاب 3 / 919 .
3- تاريخ الأُمم والملوك 3 / 395 ، الكامل في التاريخ 3 / 163 .
4- شرح نهج البلاغة 6 / 323 .
|
الصفحة 309 |
|
المستشار على ذلك ، وبالوقت تأليب المسلمين وتخديرهم بقتل الخليفة الذي لم يرض اعتزال الحكم والتخلّي لغيره ، ولا تعديل نفسه والوفاء بالعهود .
وما أن قتل عثمان حتّى ضمّ المحرّضين على قتله وقاتليه إلى صفّه ، وأرسل بيعته إلى طلحة والزبير اللذان بايعا علياً لنكث العهد ، ولبث التفرقة في الصفوف والكيد للأُمّة ، وقد نجحت خطّته أمام علي (عليه السلام) لما يعرفه فيهم ، وأنّ قيامهم إنّما لأجل المال والمآل لا الدين ، وهذا ما لم يجداه في علي (عليه السلام) .
واتخذ القتل ذريعة ، وأعلن قتل الخليفة مظلوماً ، وهيّأ الشهود المزيّفين لمن وجد فيه النفوذ في العامّة ، وزيّف الشهود وأوهم العامّة في ولاية الشام وأثارهم ، وجمع جيشه ومدّهم بالمال ، وأرسل من أرسل إلى أطراف الولايات للثورة على المتظلّمين ، والإطاحة بخيرة المنتخبين البريئين .
وقد خاطب شبث بن ربعي معاوية : إنّه لا يخفى علينا ما تقرب وما تطلب ، إنّك لم تجد شيئاً تستغوي به الناس ، وتستميل به أهواءهم ، وتستخلص به طاعتهم إلاّ أن قلت لهم : قتل إمامكم مظلوماً ، فهلمّوا نطلب بدمه ، فاستجاب لـه سفهاء طغام رذال ، وقد علمنا أنّك قد أبطأت عنه بالنصر ، وأحببت لـه القتل بهذه المنزلة التي تطلب (1) .
وهذا ابن عباس يجيب معاوية حينما اتّهمه بأنّه من القتلة والمحرّضين على قتل عثمان : فأقسم بالله لأنت المتربّص بقتله ، والمحبّ لهلاكه ، والحابس الناس قبلك عنه على بصيرة من أمره ، ولقد أتاك كتابه وصريخه يستغيث بك ويستصرخ ، فما حفلت به حتّى بعثت إليه معذراً بأجرة ، أنت تعلم أنّهم لن يتركوه حتّى يقتل ، فقتل كما كنت أردت ، ثمّ علمت عند ذلك أنّ الناس لن يعدلوا بيننا وبينك ، فطفقت تنعى عثمان وتلزمنا دمه ، وتقول : قتل مظلوماً ، فإن يك قتل
____________
1- وقعة صفّين : 187 .
|
الصفحة 310 |
|
مظلوماً فأنت أظلم الظالمين ، ثمّ لم تزل مصوباً ومصعداً وجاثماً ورابضاً ، تستغوي الجهّال ، وتنازعنا حقّنا بالسفهاء ، حتّى أدركت ما طلبت (1) .
ومن هذا نعرف كيف أنّ عثمان استأمن كُلّ خائن مستشاراً ، مثل مروان الذي كان ينكث العهود ، ووالياً مثل معاوية الذي خانه طلباً للملك في أحرج الساعات ، وهل يصلح مثل هذا الخليفة لتسيير دفّة الحكم ؟
9ـ رأي عائشة بنت أبي بكر : لقد اتخذت عائشة دورين مهمّين تجاه عثمان ، فقد أيّدته في بدء خلافته حتّى أوردت فيه أحاديث نبوية أبلغته مقام العصمة ، ثمّ انقلبت عليه ، وأقل ما قالت فيه : " اقتلوا نعثلاً ، قتل الله نعثلاً " (2) .
وقد تركت المدينة إلى مكّة وهي واثقة أنّ عثمان يقضي آخر أيّامه ، وسوف يقتل ، ولها الأمل الوطيد بعودة الخلافة إلى تيم بزعامة طلحة ، أو على أقلّ تقدير الزبير زوج أختها .
10ـ رأي قيس بن سعد بن عبادة : هو بدري ورئيس الخزرج ، ولقيس هذا محاورة مع النعمان بن بشير في صفّين جواباً يرويه نعمان ، قولـه : أمّا ذكرك عثمان ، فإن كانت الأخبار تكفيك فخذ منّي واحدة : قتل عثمان من لست خيراً منه ، وخذله من هو خير منك (3) .
وترى من مفهوم هذا إنّما الذي قتل عثمان وأفتى بقتله إنّما مجموع الأُمّة ، وفي مقدّمتهم خيار الصحابة من البدريين .
11ـ رأي أبي أيوب الأنصاري : الصحابي العظيم الذي أوّل من اختار الله منزله لإيواء رسوله ، شهد مع رسوله (صلى الله عليه وآله) كُلّ الحروب أخص بدراً ، وهو من المعينين في عزل عثمان ثمّ قتله ، وصرّح بخطبة خطبها في عهد الإمام علي (عليه السلام) يذكر به عهد عثمان المشؤوم بقولـه : " أليس إنّما عهدكم بالجور والعدوان
____________
1- شرح نهج البلاغة 16 / 155 .
2- شرح نهج البلاغة 6 / 215 و 20 / 17 ، تاريخ الأُمم والملوك 3 / 477 ، الإمامة والسياسة 1 / 72 .
3- شرح نهج البلاغة 8 / 88 ، الإمامة والسياسة 1 / 130 .
|
الصفحة 311 |
|
أمس ، وقد شمل العباد وشاع في الإسلام ، فذو حقّ محروم ، مشتوم عرضه ، ومضروب ظهره ، وملطوم وجهه ، وموطوء بطنه ، وملقى بالعراء ـ يقصد عهد عثمان ـ فلمّا جاءكم أمير المؤمنين ـ يقصد علياً (عليه السلام) ـ صدع بالحقّ ، ونشر بالعدل ، وعمل بالكتاب ، فاشكروا نعمة الله عليكم ، ولا تتولّوا مجرمين " (1) .
____________
1- الإمامة والسياسة 1 / 173 .
|
الصفحة 312 |
|
( مفيد أبو جهاد . السعودية . ... )