فارسی
سه شنبه 02 مرداد 1403 - الثلاثاء 15 محرم 1446
قرآن کریم مفاتیح الجنان نهج البلاغه صحیفه سجادیه

0
نفر 0

الانسان فی نماذج من أدعیة الصحیفة السجادیة

الانسان في نماذج ‌من‌ أدعية الصحيفة السجادية



مقدمة
يشترک البشر فيما بينهم بصفات جسدية ‌و‌ تکوينية ‌و‌ ميزات شاملة تؤلف مجتمعة صورة انسانية عامة لهم، ‌و‌ ليس في هذه الصورة للانسان ‌ما‌ يميز بين أفراد الناس في هذا المجال، کما أنه ليس ثمة ‌ما‌ يفاضل بينهم، فيستوي فيها المؤمن مع غير المؤمن، ‌و‌ يلتقي ضمنها المسلم ‌و‌ غير المسلم، کما يتجاوز بها أبناء الماضي ‌و‌ الحاضر.
واقع الحال، ‌ان‌ ‌ما‌ يمتاز ‌به‌ انسان ‌من‌ آخر، ‌و‌ ‌ما‌ يفضل ‌به‌ انسان انسانا أخر،انما يکون في حقيقة وجوده، ‌و‌ بالمواقف التي يعيشها هذا الانسان في حياته. ‌و‌ بما ينتج عن ممارسته لهذه المواقف ‌من‌ آفاق عيش ‌و‌ نضج حياتي ‌و‌ انساني. فسلوکية المرء هي الفيصل في أي تفاضل حقيقي للناس فيما بينهم، ‌و‌ هي الميزة التي تفصل بين وجود انساني ‌و‌ آخر، ‌و‌ بين صورة معينة للانسان عن سواها.
ان تحري قيام شخص ‌ما‌ بمواقفه في الحياة، ‌هو‌ الطريق الأساس لمعرفة جوهر شخصيته، ‌و‌ اکتناه الأسس التي تبني عليها. ‌و‌ ‌من‌ هنا، فکل واحد ‌من‌ البشر يقدم، عبر ممارسته لمواقف العيش التي تعرض له، أو لتلک التي يضع نفسه فيها عناصر تفصح عن حقيقة صورته الانسانية، بل تقود الي ‌ما‌ يمکن اعتباره کشافا لقوام هذه الشخصية ‌و‌ مدخلا لفهمها ‌و‌ التعامل معها.
و ‌من‌ هذه الرؤية لدلالة المواقف الانسانية علي ماهية الانسان في القائمين بها، يمکن استحضار منهجية علمية ‌و‌ عملية في ‌آن‌ ‌لا‌ ستکشاف صورة الانسان ‌و‌ عين حقيقته في أدعية الصحيفة السجادية للامام السجاد زين العابدين (ع). ‌و‌ واقع الحال، فان في أدعية الصحيفة السجادية، کثيرا ‌من‌ المواقف التي بامکانها أن تفصح عن جوانب جمة ‌و‌ متنوعة هي ‌من‌ أس صوغ الصورة الانسانية لصاحبها ‌و‌ لکثير ممن يتبعون هذه الأدعية ‌و‌ يسلکون مناهجها.
و اذا ‌ما‌ کان المواقف ‌هو‌ المحک في صياغة الصورة الانسانية، فلابد، هاهنا، ‌من‌ الاشارة الي أن الموقف يمر بحد ذاته بعدة مراحل تسبق ظهوره، بل تصنع هذا الظهور ‌و‌ تقود اليه. ‌و‌ يمکن ايجاز هذه المراحل بثلاث مراحل جذرية أو مفصلية هي:

تحديد الموقف ‌و‌ صناعته
و فيها تعريف واضح بطبيعة هذا الموقف ‌و‌ مسار الخطوات الايلة اليه ‌و‌ المؤدية الي تحقيقه؛ ‌و‌ هذا ‌لا‌ يعني أن يکون محدد الموقف أو صانعه منفذا له، بل ‌ما‌ علي المحدد أو الصانع، هاهنا، الا أن يوفر کل المعطيات اللازمة لتحقيق هذا الموقف.

اختيار الموقف
و هنا يکون قرار تبني الموقف، الذي سبق أن تمت صناعته، ‌و‌ ‌ما‌ قد يتبعه ‌و‌ ينتهي اليه ‌من‌ أمور، لذا فليس ‌من‌ الضروري البتة أن يکون ‌من‌ يختار الموقف صانعا له أو محددا، بل کثيرا ‌ما‌ يلجأ الناس الي اختيار موقف ‌من‌ بين عدة مواقف تعرض عليهم في حياتهم ‌و‌ أمور عيشهم ‌و‌ ‌لا‌ يکونون ‌هم‌ ‌من‌ صنعها أو حدد أبعادها ‌و‌ نتائجها.

تنفيذ الموقف
و في هذه المرحلة يقوم الانسان بتنفيذ موقف؛ ‌و‌ قد يکون في تنفيذه هذا مرغما ‌ما‌ يفعله أو يقوم به، أو قد ‌لا‌ يکون؛ لکن في هذا ‌ما‌ يوضح أن ‌من‌ ينفذ موقفا ‌ما‌ قد ‌لا‌ يکون، بالضرورة، مختارا أو صانعا له.
اعتمد في هذه الدراسة لصورة الانسان في الصحيفة السجادية، علي سبع ‌من‌ أدعية الصحيفة التي يتوقع أن تکون، بحکم موضوعاتها، أکثر قابلية ‌من‌ سواها علي اظهار أکبر قدر ممکن ‌من‌ الشفافية الانسانية. ‌و‌ تمکن قابلية هذه الموضوعات علي اظهار شفافية قصوي، في أنها موضوعات مرتبطة بنماذج ‌من‌ المواقف الأساسية اليت تنتظم الانسان في عبادته ‌و‌ معيشته؛ ‌و‌ هي، فضلا عن هذا، مواقف تنبثق ‌من‌ موضوعات قادرة علي اعطاء نماذج عن حقيقة تفاعل الانسان عبر حالات ‌لا‌ يمکن له أن يستغني عنها، ‌و‌ ‌لا‌ يمکن لها الا أن تکون ‌من‌ بين المرايا الأشد ابرازا لحقيقة ذاته ‌و‌ طبيعة فهمه لنفسه. انها مواقف ترتبط بنواح انسانية ثلاث:
- ايمانية ‌و‌ اعتقادية - فردية أو جماعية - ذاتية باطنية.
فمن بين ‌ما‌ ‌هو‌ اعتقادي کان اعتماد دعاء تمجيد الامام السجاد (ع) لله عزوجل، ‌و‌ دعاء صلاته علي محمد (ص). ‌و‌ ‌من‌ بين ‌ما‌ ‌هو‌ فردي أو جماعي کان اعتماد دعائه (ع) لنفسه ‌و‌ لخاصته، فضلا عن نص دعائه (ع) في المهمات. أما فيما ‌هو‌ ذاتي متعلق بداخلية هذه النفس ‌و‌ عمق سرائرها، فکان اعتماد دعائه (ع) في الاشتياق ‌و‌ اثنين آخرين فيهما الدعاء عند اللجوء الي الله ‌و‌ الاعتراف.
و باستعراض هذه النصوص المنقاة ‌و‌ التعمق في دراستها ‌و‌ فهمها، تبين أنها تعرض لخمسة عشر ‌من‌ الموضوعات ذات العلاقة بتشکيل ملامح صورة للانسان. ‌و‌ هذه الموضوعات هي:
1 - السلامة 2 - المسؤولية 3 - الاحتجاب، 4 - الاختيار، 5 - التراتب، 6 - التسليم، 7 - التقصير، 8 - الحاجة، 9 - الدونية، 10 - الرجاء، 11 - الشفاعة، 12 - الضعف، 13 - الانقياد، 14 - النقص، ‌و‌ أخيرا 15 - الهم.



المواقف المختارة ‌من‌ أدعية الصحيفة السجادية
الموضوع: الاقبال، الشاهد: يحذوني علي مساءلتک (يا الله) تفضلک علي ‌من‌ أقبل بوجهه اليک. الدعاء: الاعتراف.
الموضوع: الاختيار، الشاهد: ‌لا‌ تخل (يا الله) في ذلک (التنفيذ) بين نفوسنا ‌و‌ اختيارها فانها مختارة للباطل. الدعاء:الاشتياق.
الموضوع: التوبة، الشاهد: (اللهم) اجعل التوبة في أطولهما (النقصان) بقاء، الدعاء: الاشتياق.
الموضوع: الحمد، الشاهد: أنا واقف ببا عزک (يا الله) ‌و‌ وقوف المستسلم الذليل / سائلک (يا الله) علي الحياء مني سؤال البائس المعيل / هل ينفعني ‌يا‌ الهي اقراري عندک بسوء ‌ما‌ اکتسبت / هل ينجيني منک (يا الهي) اعترافي لک بقبيح ‌ما‌ ارتکبت، الدعاء: التوبة.
الموضوع: السلامة، الشاهد: ‌يا‌ الله: ‌من‌ تقيه يسلم / ‌من‌ تهده يعلم / ‌من‌ تقربه اليک يغنم، الدعاء: الدعاء للنفس ‌و‌ أهل الولاية.
الموضوع: المسؤولية، الشاهد: ‌لا‌ يسأل (الله) عما يفعل ‌و‌ ‌هم‌ (الخلق) يسألون، الدعاء: حمد الله ‌و‌ الثناء عليه.
الموضوع: الاحتجاب، الشاهد:يحجبني عن مساءلتک (يا الله) خلال ثلاث: أمر أمرت ‌به‌ فأبطات عنه / نهي نهيتني عنه فأسرعت اليه / نعمة أنعمت بها علي قصرت في شکرها، الدعاء: الاعتراف ‌و‌ طلب التوبة.
الموضوع: الاختيار، الشاهد: أمرنا ليختبر طاعتنا / نهانا ليبتلي شکرنا، الدعاء: حمدالله ‌و‌ الثناء عليه.
الموضوع: التراتب، الشاهد: فارفعه (يا الله) بما کدح فيک الي الدرجة العليا ‌من‌ جنتک، الدعاء: الصلاة علي رسول الله ‌و‌ آله.
الموضوع: التسليم، الشاهده: ‌لا‌ حول لنا الا بقوتک / ‌لا‌ قوة لنا الا بعزک ‌و‌ عونک / اللهم ‌ان‌ تشأ تعف عنا فبفضلک / ‌ان‌ تشأ تعذبنا فبعدلک. الدعاء: اللجوء الي الله.
الموضوع: التقصير، الشاهد: الحمدلله... الذي قصرت عن رؤيته أبصار الناظرين، ‌و‌ عجزت عن نعمته أوهام الواصفين / ‌لا‌ يملکون (الخلق) تأخيرا عما قدمهم اليه ‌و‌ ‌لا‌ يستطيعون تقدما الي ‌ما‌ آخرهم عنه، الدعاء: حمدلله ‌و‌ الثناء عليه.
الموضوع: الحاجة، الشاهد: ‌يا‌ الله: احجبنا عن الالحاد / اعتق رقابنا / اجعل لنا نصيبا في الرحمة / ‌لا‌ تفضحنا لديک / اغننا عن هبة الهابين / اکفنا وحشة القاطعين / کد لنا / امکر لنا / ادل بنا / قنا منک / احفظنا بک / اهدنا اليک / ‌لا‌ تباعدنا عنک / أنا واقف بباب عزک (يا الله) وقوف المستسلم الذليل / سائلک (يا الله) علي الحياء مني سؤال البائس المعيل / هل ينفعني ‌يا‌ الهي اقراري عنک بسوء ‌ما‌ اکتسبت / هل ينجيني منک (يا الهي) اعترافي لک بقبيح ‌ما‌ ارتکبت، الدعاء: الدعاء للنفس ‌و‌ أهل الولاية، ‌و‌ الاعتراف ‌و‌ طلب التوبة.
الموضوع: الدونية، الشاهد:فافعل بي ذلک ‌و‌ ‌ان‌ لم استوجبه منک، الدعاء: عند الکرب.
الموضوع: الرجاء، الشاهد: سبحانک ‌لا‌ أياس منک، الدعاء: الاعتراف ‌و‌ طلب التوبة.
الموضوع: الشفاعة، الشاهد: عرفه (يا الله) في أهله الطاهرين ‌و‌ أمته المؤمنين ‌من‌ حسن الشفاعة، الدعاء: الصلاة علي رسول الله ‌و‌ آله.
الموضوع: الضعف، الشاهد: انک (يا الله) ‌من‌ الضعف خلقتنا ‌و‌ علي الوهن ابتليتنا / ‌لا‌ طاقة لنا بعدلک / ‌لا‌ نجاة لأحد منا دون عفوک / نزل بي ‌يا‌ رب ‌ما‌ قد تکأدني ثقله / ألم بي ‌ما‌ قد بهظني حمله / ضقت لما نزل بي ذرعا، الدعاء: الاشتياق ‌و‌ اللجوء الي الله ‌و‌ الکرب.
الموضوع: الانقياد، الشاهد: فکل خليقته (الله): منقادة لنا بقدرته / صائرة الي طاعتنا بعزته، الدعاء: حمدالله ‌و‌ الثناء عليه.
الموضوع: النقص، الشاهد: اللهم متي وقفنا بين نقصين في دين أو دنيا فأقع النقص بأسرعهما فناء، الدعاء: الاشتياق.
الموضوع: الانسان، الشاهد: لو حبس عن عباده معرفة حمده... لخرجوا ‌من‌ حدود الانسانية الي ‌حد‌ البهيمية، الدعاء: حمد الله ‌و‌ الثناء عليه.
بالامکان توزيع هذه الموضوعات، بحکم ظاهرها، بين مواقف أساسية ثلاثة: مجموعة ‌لا‌ يمکن القيام بها الا بقرار يتخذه ‌من‌ يقوم بها، ‌و‌ أخري ‌لا‌ يمکن لمن يقوم أن ينفذها الا بارادة تأتيه ‌من‌ خارج، ‌و‌ ثالثة ‌لا‌ علاقة لها بالتنفيذ الانساني بقدر ‌ما‌ هي ‌من‌ باب صفات التنفيذ.
و ‌من‌ هنا، فقدتم تصنيف هذه الموضوعات ‌من‌ باب الاصطلاح ‌و‌ بحکم ظاهر ‌ما‌ تدل عليه، الي فئات ثلاث هي: بواقع التراتب الآنف ذکره لتوزيع الموضوعات:
- فئة تحديد الموقوف. - فئة تنفيذ الموقف. - فئة العلاقة بين الانسان ‌و‌ الوجود. ‌و‌ يأتي تفصيل هذا التوزيع وفقا لما يلي:



فئات الموضوعات المنبثقة ‌من‌ المواقف المختارة ‌من‌ أدعية الصحيفة السجادية
الفئة: صناعة الموقف الايماني، الموقف: الاقبال - الاختيار - التوبة - الحمد - الدعاء: الاعتراف - الاشتياق - الاشتياق - التوبة.
الفئة: تنفيذ الموقف علي المستويين الفردي ‌و‌ الاجتماعي، الموقف: السلامة - المسؤولية - الاحتجاب - الاختيار - التراتب - التسليم - التقصير - الحاجة - الدونية الرجاء - الشفاعة - الضعف - الانقياد - النقص - الهم، الدعاء: الدعاء للنفس ‌و‌ لأهل الولاية - حمد الله ‌و‌ الثناء عليه - الاعتراف ‌و‌ طلب التوبة - حمدلله ‌و‌ الثناء عليه - الصلاة علي رسول الله ‌و‌ آله - اللجأ (اللجوء) الي الله - حمدالله ‌و‌ الثناء عليه - الدعاء للنفس ‌و‌ لأهل الولاية، ‌و‌ الاعتراف، ‌و‌ طلب التوبة - عند الکرب - الاعتراف ‌و‌ طلب التوبة - الصلاة علي رسول الله ‌و‌ آله - الاشتياق ‌و‌ اللجأ (اللجوء) الي الله ‌و‌ الکرب - حمدالله ‌و‌ الثناء عليه - الاشتياق - الاشتياق.
الفئة: العلاقة بين الانسان ‌و‌ الوجود، الموقف: الانسان، الدعاء: حمدالله ‌و‌ الثناء عليه.

فئة تحديد الموقف
و تتضمن هذه الفئة أربعة مواقف ‌لا‌ يمکن لها، بظاهر القيام بها، الا أن تنطلق بمبادرة ‌من‌ صاحبها ‌و‌ رغبته. ‌و‌ هذه مواقف الاقبال ‌و‌ الاختيار والتوبة ‌و‌ الحمد. فالمرء ‌لا‌ يقبل علي أمر ما، محققا لشرط الاقبال، الا بمبادرة منه أو رغبة تعتمر في ذاته؛ ‌و‌ الا فان ‌ما‌ يقوم به، هاهنا، لايکون ‌من‌ باب الاقبال بل ‌من‌ باب الاذعان. ‌و‌ کذلک الحال اذا ‌ما‌ کان له أن يختار، فاذا ‌ما‌ خرج في اختياره عن قصد رغبته ‌و‌ حقيقة ارادته فهو في حکم المجبر ‌و‌ المکره؛ ‌و‌ ‌لا‌ يختلف الأمر في هذه عما ‌هو‌ عليه في مجالي التوبة ‌و‌ الحمد، فاذا ‌ما‌ قام الانسان بتنفيذهما ‌من‌ غير ‌ما‌ رغبة أو ارادة واعية فهو اما منافق أو مداج، ‌و‌ ليس فيما يقوم ‌به‌ ‌ما‌ يصور حقيقة نفسه ‌و‌ يبين صدق دواعيها ‌و‌ صراحة نواياها.

فئة تنفيذ الموقف
و هي خمسة عشر موقفا، ‌لا‌ يمکن لها، ‌و‌ بحکم طبيعة وجودها ‌و‌ تنفيذها، الا أن تکون صادرة عن قرار ‌من‌ خارج ‌من‌ ينفذها، اذ هي ترتبط، بما ‌هو‌ أبعد ‌من‌ وجود هذا المنفذ لها. ‌و‌ هذه المواقف هي التي ذکرت سابقا:
1 - السلامة 2 - المسؤولية 3 - الاحتجاب، 4 - الاختيار، 5 - التراتب، 6 - التسليم، 7 - التقصير، 8 - الحاجة، 9 - الدونية، 10 - الرجاء، 11 - الشفاعة، 12 - الضعف، 13 - الانقياد، 14 - النقص، ‌و‌ أخيرا 15 - الهم.
و هي تتضمن حاجة أساسية الي قوة أکبر مما عند الانسان لتأليف ماهيتها، فاذا ‌ما‌ تألفت هذه الماهية صار باستطاعة الانسان أن يکون أداتها نحو تحقيق کينونتها. فالمرء ‌لا‌ يستطيع، علي سبيل المثال ‌و‌ ليس الحصر، أن يسلم ‌من‌ آفة ‌ما‌ أو مصيبة ‌ما‌ بنيته أو رغبته وحدهما؛ بل لابد ‌من‌ توفر ‌ما‌ لعناصر السلامة ‌و‌ عواملها حتي يمکنه أن يسلم حقا، ‌و‌ کذلک الحال في تحديد تراتب وجوده، ‌و‌ اختبار قدراته أو اسقاط ضعفه، أو استئصال همه ‌و‌ نزعه.

فئة العلاقة بين الانسان ‌و‌ الوجود
برزت هذه العلاقة ‌من‌ خلال الأدعية المختارة، عبر موقف واحد، يمکن تسميته بالموقف الانساني في صميم تحرکه الحي عبر مجالات المواقف ‌و‌ فئاتها کافة.
يمکن للمرء أن يلاحظ أن الموضوعات الواردة في الفئة الأولي، «فئة تحديد الموقف» ‌من‌ هذه التقسيمات، هي موضوعات ‌لا‌ تشترط لتنفيذ صاحبها لها سوي نيته علي تنفيذها فقط. ‌و‌ ‌من‌ هنا فان هذه الموضوعات، ‌و‌ ‌ان‌ کانت تبدو في ظاهرها أنها مقيدة بفعل صاحبها، فهي مقيدة ‌به‌ لجهة النية فقط، أما فيما يخص التحقيق الفعلي لها، فهي مشروطة بفعل الله (جل شأنه). فالاقبال علي الله ‌لا‌ يستوجب ‌من‌ المقبل، ‌و‌ کما يتضح ‌من‌ نص دعاء الامام (ع)، أکثر ‌من‌ نيته علي الاقبال؛ آملا أن يتفضل سبحانه ‌و‌ تعالي عليه بقبول هذا الاقبال. ‌و‌ الاختيار ‌لا‌ يتطلب ‌من‌ العبد سوي وعي بموقعه مما ‌هو‌ حوله ‌من‌ أمور ‌و‌ مغريات، ‌و‌ الرجاء أن يلهمه الله (جل جلاله) حسن هذا الاختيار. ‌و‌ الحال ‌لا‌ يتبدل في موقف التوبة اذ ‌ان‌ الموقف يتمحور برمته فيها حول جعل رب العالمين لها في الموقع أو المضمار الذي يختاره لها ‌من‌ نفس صاحبها ‌و‌ طالبها. ‌و‌ اذا ‌ما‌ کان ‌من‌ کلام عن الحمد فما هو، في نهاية المطاف، غير تصرف ‌لا‌ يکتمل فعله ‌من‌ دون قبول المحمود بما يتوجه اليه الحامد ‌به‌ [1] . لعل بالامکان الخلوص، هاهنا، الي أن صورة الانسان، في الصحيفة السجادية، تبدو في هذه المواقف بالذات صورة ‌من‌ ليس له ‌من‌ نفسه سوي النية، ‌و‌ قد فوض ذاته بکليتها الي الله (جل ‌و‌ علا)، مقرا بعجزه لأنه مخلوق، ‌و‌ معترف بسيادة خالقه عليه ‌و‌ قدرة هذا الخالق علي أن يفعل ‌به‌ ‌ما‌ يشاء أن يفعله.


فئة تحديد الموقف
الفئة: تحديد الموقف، الموقف: الاقبال - الاختيار - التوبة - الحمد، الشاهد: يحدوني علي مسائلتک (يا الله) تفضلک علي ‌من‌ أقبل بوجهه اليک - لاتخل (يا الله) في ذلک (التنفيذ) بين نفوسنا ‌و‌ اختيارها فانها مختارة للباطل - (اللهم) اجعل التوبة في أطولهما (النقصان) بقاء - أنا واقف بباب عزک (يا الله) وقف المستسلم الذليل / سائلک (يا الله) علي الحياء مني سؤال البائس المعيل / هل ينفعني ‌يا‌ الهي اقراري عنک بسوء ‌ما‌ اکتسبت / هل ينجيني منک (يا الهي) اعترافي لک بقبيح ‌ما‌ ارتکبت، الدعا: الاعتراف - الاشتياق -الاشتياق - التوبة.
و يمکن للمرء أن يلاحظ في فئة تنفيذ الموقف أنها تنهض بکليتها علي تسليم مطلق ‌و‌ شامل بارادة الله ‌و‌ قدرته. انها جميعها مواقف ‌لا‌ يحقق الانسان فيها ايمان انسانية ‌و‌ جوهر هذه الانسانية الا بخضوعه المطلق ‌و‌ الراضي، بل بتسليمة المؤمن، بما يقدره ربه عليه ‌و‌ يهديه اليه ‌و‌ يمنحه اياه. فالسلامة ‌لا‌ تکون للانسان الا اذا ‌ما‌ أرادها ربه له، ‌و‌ المسؤولية الانسانية ‌لا‌ تتحقق الا أمام الله ‌و‌ تجاه جلاله، ‌و‌ الاحتجاب ‌لا‌ يکون الا بتقصير تجاه ‌ما‌ أعطاه الله؛ ‌و‌ في الاختبار تأکيد لخضوع الانسان لبارئه، فالله ‌هو‌ المختبر للعالمين، ‌و‌ ‌ما‌ بيد الانسان الا أن يبقي محط اختبار الله. ‌و‌ اذا ‌ما‌ کان للانسان أن يسعي الي رتبة أو يري أنه مستحق لها، فالتراتب مرتبط بالله، ‌و‌ ليس الانسان فيه أية مرکزية استقطابية علي الاطلاق، بل ‌ان‌ هذا التراتب ‌لا‌ يتحقق بغير الله ‌و‌ ‌لا‌ يکون الا أمام عزته. ‌و‌ أما التسليم فهو الاقرار الواضح ‌و‌ الصريح بأن الانسان ‌لا‌ يکون في کل أحواله ‌و‌ صفاته ‌و‌ أوضاعه ‌و‌ نعمه بغير الله. ‌و‌ اذا ‌ما‌ ذکر التقصير في دعاء الامام السجاد (ع)، فهو دلالة بعد عن الله ‌و‌ اعتراف بعجز تجاه صفاته (عزوجل). بل تأکيد علي دونية المخلوقية الانسانية تجاه ربوبية الخالق. ‌و‌ ذکر الحاجة ‌و‌ صفات الدونية ‌و‌ رغبات الرجاء ‌و‌ التماس الشفاعة کما تأکيد الضعف ‌و‌ الأنقياد ‌و‌ النقص الانساني، ليست سوي ملامح تزيد ‌من‌ وضوح صورة التسليم الانساني لرب العالمين في أدعية الامام (ع) [2] .



فئة تنفيذ الموقف
الفئة: تنفيذ الموقف، الموقف: السلامة - المسؤولية - الاحتجاب - الاختيار - التراتب، الشاهد: ‌يا‌ الله ‌من‌ تقيه يسلم / ‌من‌ تهده يعلم / ‌من‌ تقربه اليک يغنم - ‌لا‌ يسأل (الله) عما يفعل وهم (الخلق) يسألون - يحجبني عن مساءلتک (يا الله) خلال ثلاث: أمر أمرت ‌به‌ فأبطأت عنه / نهي نهيتني عنه فأسرعت اليه / نعمة أنعمت بها علي قصرت في شکرها - أمرنا ليختبر طاعتنا / نهانا ليبتلي شکرنا - فارفعه (يا الله) بما کدح فيک الي الدرجة العليا ‌من‌ جنتک، الدعاء: الدعاء - حمدالله - الاعتراف ‌و‌ طلب التوبة - حمدالله ‌و‌ الثناء عليه - الصلاة علي رسول الله ‌و‌ آله.
الفئة: تنفيذ الموقف، الموقف: التسليم - التقصير- الحاجة - الدونية - الرجاء - الشفاعة - الضعف - الانقياد - النقص - الهم، الشاهد: ‌لا‌ حول لنا الا بقوتک / ‌لا‌ قوة لنا الا بعزتک ‌و‌ عونک / اللهم ‌ان‌ تشأ تعف عنا فبفضلک / ‌ان‌ تشأ تعذبنا فبعدلک- الحمدلله.. الذي قصرت عن رؤيته أبصار الناظرين ‌و‌ عجزت عن تعته أوهام الواصفين / ‌لا‌ يملکون (الخلق) تأخيرا عما قدمهم اليه ‌و‌ ‌لا‌ يستطيعون تقدما الي ‌ما‌ أخرهم عنه - ‌يا‌ الله:
احجبنا عن الالحاد / اعتق رقابنا / اجعل لنا نصيبا في الرحمة / ‌لا‌ تفضحنا لديک / اغننا عن هبة الهابين / اکفنا وحشة القاطعين / کد لنا / امکر لنا / اذل بنا / فنا منک / احفظنا بک / اهدنا اليک / ‌لا‌ تباعدنا عنک / أنا واقف بباب عزک (يا الله) وقوف المستسلم الذليل / سائلک (يا الله) علي الحياء مني سؤال البائس المعيل / هل ينفعني ‌يا‌ الهي اقراري عنک بسوء ‌ما‌ اکتسبت / هل ينجيني منک (يا الهي) اعترافي لک بقبيح ‌ما‌ ارتکبت - فافعل بي ذلک ‌و‌ ‌ان‌ لم استوجبه منک - سبحانک ‌لا‌ أيأس منک - عرفه (يا الله) في أهله الطاهرين ‌و‌ أمته المؤمنين ‌من‌ حسن الشفاعة - انک (يا الله) ‌من‌ الضعف خلقتنا ‌و‌ علي الوهن بنيتنا / ‌لا‌ طاقة لنا بعدلک / ‌لا‌ نجاة لأحد منا دون عفوک / نزل بي ‌ما‌ قد تکأدني ثقله / ألم بي ‌ما‌ قد بهظني حمله / ضقت لما نزل بي ذرعا - فکل خليقته (الله): منقادة لنا بقدرته / صائرة الي طاعتنا بعزته - اللهم متي وقفنا بين نقصين في دين أو دنيا فأوقع النقص بأسرعهما فناء - اللهم اذا هممنا بهمين يرضيک أحدهما عنا ‌و‌ بسخطک الآخر علينا فمل بنا الي ‌ما‌ يرضيک عنا ‌و‌ أوهن قوتنا عما يسخطک علينا. الدعاء: اللجأ (اللجوء) الي الله - حمدالله ‌و‌ الثناء عليه - الدعاء للنفس ‌و‌ أهل الولاية، ‌و‌ الاعتراف ‌و‌ طلب التوبة - عند الکرب - الاعتراف ‌و‌ طلب العفو - الصلاة علي رسول الله ‌و‌ آله - الاشتياق، ‌و‌ اللجوء الي الله، ‌و‌ الکرب - حمدالله ‌و‌ الثناء عليه - الاشتياق - الاشتياق.
و تأتي الفئة الأخيرة ‌من‌ نوعية التعامل مع المواقف الانسانية في الأدعية ‌من‌ الصحيفة السجادية، ‌و‌ هي فئة العلاقة بين الايمان ‌و‌ الوجود، لتؤکد أن الانسان فيها ‌لا‌ يحقق انسانيته ‌و‌ ‌لا‌ تقوم له فيها قائمة، ‌من‌ دون ‌ما‌ حمده لله رب العالمين علي ‌ما‌ أسبغه عليه ‌من‌ أفضال ‌و‌ نعم؛ بل ‌ان‌ الامام (ع) يري في هذا الحمد الانساني لربوبية الله مجال تأکيد لأمرين أساسيين في الوجود الانساني ‌و‌ محط تثبيت لهما. أول الأمرين أن الحمدلله شرط جوهري لتحقيق الانسانية، ‌و‌ ثانيهما أن الحمد هبة ‌من‌ الله ‌و‌ نعمة ‌من‌ لدنه. ‌و‌ الانسان مسؤول، أمام الله، عن هذه النعمة التي أسبغها عليه، ‌و‌ الهبة التي منحه اياها.
و هکذا تؤکد هذه الفئة الأخيرة ‌من‌ نوعية التعامل مع المواقف الانسانية عبر الصحيفة السجادية أساسية المسؤولية في العلاقة التسليمية الايمانية التي يتوجه بها العبد الي ربه. [3] .

فئة العلاقة بين الانسان ‌و‌ الوجود
الفئة: العلاقة بين الانسان ‌و‌ الوجود، الموقف: الانسان، الشاهد: لوحبس عن عباده معرفة حمده... لخرجوا ‌من‌ حدود الانسانية الي ‌حد‌ البهيمية، الدعاء: حمدالله ‌و‌ الثناء عليه.
تفصح جميع هذه النماذج ‌من‌ المواقف المأخوذة ‌من‌ أدعية الامام زين العابدين (ع) في الصحيفة السجادية عن صورة انسان تتوزع اهتماماتها علي محاور ثلاثة:
- ايماني - اعتقادي، - اجتماعي، - ذاتي - باطني
و تتجسد هذه المحاور فعل ممارسة لمواقف عيش حياتي ‌من‌ خلال نوعين ‌من‌ مساعي ممارسة هذا العيش، هما:
، التحديد، - التنفيذ.
و ‌لا‌ يمکن لأي ‌من‌ هذين المسعيين ‌و‌ تلکم المحاور أن يتحقق الا بمفهوم جوهري أساسي قوامه: - مسؤولية ايمانية.
يمکن... التاکيد، بکل ‌ما‌ سبق، أن مفهوم العلاقة بين الانسان ‌و‌ الله هي ‌ما‌ ينتظم جميع مجالات الوجود الانساني ‌و‌ آفاقه في النماذج التي تم عرضها ‌من‌ أدعية الامام زين العابدين (ع) في الصحيفة السجادية. ‌و‌ ‌من‌ الواضح أن الامام ‌لا‌ يري أي تحقيق لحضوره الانساني ‌و‌ أي تجل لصورته الانسانية، عبر هذه العلاقة، الا ‌من‌ خلال ارتباطه التسليمي بالله...
لقد أسلم الانسان، عبر ‌ما‌ تشف عنه الأدعية، جماع أمره لله تعالي، تارکا قياد نفسه اليه. فالتسليم الايماني المطلق قوام صورة هذا الانسان؛ بيد أن هذا التسليم ليس ‌من‌ باب التواکل أو التخاذل تجاه المسؤوليات الحياتية التي تجبهه ‌و‌ التي ألزم نفسه بمواجهتها ‌و‌ الارتفاع الي مستوي مسؤوليتها. انه تسليم يرتبط ارتباطا صميميا بکنه هذا الانسان متمثلا بحقيقة نواياه المضمرة کما المعلنة.
و ‌من‌ الواضح أن الانسان في هذه الأدعية يدرک أن نواياه هذه، أکانت تجاه نفسه أو تجاه الآخرين، هي مفتاح ممارسته للعيش؛ ‌و‌ ‌هو‌ يدرک، يقينا ‌و‌ ايمانا، أن علي هذه النوايا ألا تتوجه لغير الله، ‌و‌ ألا تکون الا ‌من‌ منطلقات الايمان الکلي ‌و‌ الشمولي له.
انسان دعاء «الصحيفة السجادية» انسان النية التي أخلصت جهرها ‌و‌ سرها لرب العالمين، ‌و‌ ‌هو‌ الانسان الذي أسلم ذاته بجميع طاقاتها، أقوالا ‌و‌ أفعالا ‌و‌ آمالا ‌و‌ رؤي، الي الله سبحانه ‌و‌ تعالي [4] .



وجيه فانوس


ارجاعات:
 [1] ينظر الجدول رقم (3).
[2] ينظر الجدول رقم (4).
[3] ينظر الجدول رقم (5).
[4] ينظر الشکل رقم (6).

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخرین مطالب

شكر ، بالاترين عبادت
خوف از كوچكى خود ، در برابر عظمت حضرت حق
هفهاف بن مهند راسبى
مفهوم شكر، مدح، حمد
عارف كيست ؟
محبت به شقى ترین مردم
شش خصلت ماندگار
از راه نماز به بهترين حقيقت رسيد
پرهاى پرندگان و حیات انسان
زهد يا رهبانيت‏

بیشترین بازدید این مجموعه

آداب معاشرت
تفسیر سوره واقعه (2) تهران (مسجد حضرت امیر (ع)) ...
گلزار محبت
محبت به شقى ترین مردم
عارف كيست ؟
بخل ورزيدن از زكات
از راه نماز به بهترين حقيقت رسيد
راه اندازی بخش تخصصی عرفان اهل بیت(ع) در کتابخانه ...
مفهوم شكر، مدح، حمد
قدردانی استاد انصاریان از خادمین سیدالشهدا علیه ...

 
نظرات کاربر

پر بازدید ترین مطالب سال
پر بازدید ترین مطالب ماه
پر بازدید ترین مطالب روز



گزارش خطا  

^