الابتهال و الدعاء ما بين القرآن الکريم و الصحيفة السجادية
مقدمة
هناک محوران هامان في حياء الامام زين العابدين و سيد الساجدين عليه السلام، يرتبط، کل منهما بالآخر، و يکشفان کشفا آنيا عن العلاقة التامة بين الکتاب العزيز و العترة الطاهرة عليهم السلام، نتعرض لها بمختصر العبارات.
الابتهال و الدعاء من وجهة القرآن الکريم في حياة أهل البيت
فالابتهال علي ضوء الآيات فهي بمراجعة الواقعة الشهودية التي قادها رسول الله (ص) يتضح سر أصيل يکشف عن کون النزلة أساسه و جوهره دعاء عترته عليهم السلام، باعتبار أن الحق تعالي سجل قرآنه في هذه الظاهرة معظما ابتهال هؤلاء الميامين، و في ابتهالهم نصرة الدين المبين في السماوات و الأرضين. و لتثبيت هذه الحقيقة في قلوب المسلمين کافة ننقل نص ما ذکره الزمخشري في تفسيره الکشاف [1] ، قال:
البهلة بالفتح، و الضم: اللعنة. و بهله الله لعنه و أبعده من رحمته من قولک (أبهله) اذا أهمله. و ناقة باهل: لا صرار عليها، و أصل الابتهال هذا، ثم استعمل في کل دعاء يجتهد فيه و ان لم يکن التعانا.
و روي «أنهم لما دعاهم الي المباهلة قالوا: حتي نرجع و ننظر، فلما تخالوا قالوا للعاقب و کان ذا رأيهم: يا عبدالمسيح، ما تري؟ فقال و الله لقد عرفتم يا معشر النصاري أن محمد نبي مرسل، و قد جاءکم بالفصل من أمر صاحبکم، و الله ما باهل قوم نبيا قط فعاش کبيرهم أو نبت صغيرهم، و لئن فعلتم لتهکن فان أبيتم الا الف دينکم و الاقامة علي ما أنتم عليه، فوادعوا الرجل و انصرفوا الي بلادکم.
فأتي رسول الله (ص) محتضنا الحسين آخذا بيد الحسن و فاطمة تمشي خلفه و علي خلفها و هو يقول: (اذا أنا دعوت فأمنوا، فقلا أسقف نجران: يا معشر النصاري، اني لأري وجوها لو شاء الله أن يزيل جبلا من مکانه لأزاله بها، فلا تباهلوا فتهلکوا و لا يبقي علي وجه الأرض نصراني الي يوم القيامة، فقالوا: يا أباالقاسم رأينا أن لا نباهلک و أن نقرک علي دينک و نثبت علي ديننا، قال: (فاذا أبيتهم المباهلة فأسلموا يکن لکم ما للمسلمين و عليکم ما عليهم) فأبوا، قال: (فاني أنا جزکم) فقالوا: ما لنا بحرب العرب طاقة، و لکن نصالحک علي أن لا تغزونا و لا تخفينا و لا ترددنا عن ديننا علي أن نؤدي اليک کل عام ألفي حلة، ألفا في صفر، و ألفا في رجب، و ثلاثين درعا عادية من حديد. فصالحهم علي ذلک و قال: (و الذي نفسي بيده، ان الهلاک قد تلي علي أهل نجران و لو لاعنوا لمسخوا قردة و خنازير، و لا ضطرم عليه الوادي نارا، و لا ستأصل الله نجران و أهله حتي الطير علي رؤوس الشجر، و لما حال الحول علي النصاري کلهم حتي يهلکوا».
وعن عائشة أن رسول الله (ص) خرج و عليه مرط مرجل من شعر أسود، فجاء الحسن فأدخله، ثم جاء الحسين فأخذ له، ثم فاطمة، ثم علي، ثم قال: (انما يريد الله ليذهب عنکم الرجس أهل البيت و يطهرکم تطهيرا) (الأحزاب / 33) فان قلت. ما کان دعاؤه الي المباهلة الا ليتبين الکاذب منه و من خصمه و ذلک أمر يختص به و بمن يکاذبه، فما معني ضم الأبناء و النساء؟ قلت: ذلک آکد في الدلالة علي ثقته بحاله و استيقانه بصدقه، حيث استجرأ علي تعريض أعزته و أفلاذ کبده و أحب الناس اليه، لذلک و لم يقتصر علي تعريض نفسه له، و علي ثقته بکذب خصمه حتي يهلک خصمه مع أحبته و أعزته هلاک الاستئصال ان تمت المباهلة.
و قد خص الأبناء و النساء لأنهم أعز الأهل و ألصقهم بالقلوب. و ربما فداهم الرجل بنفسه و حارب دونهم حتي يقتل. و من ثمة کانوا يسوقون مع أنفسهم الظغائن في الحروب لتمنعهم من الهرب، و يسمون الذادة عنا بأرواحهم حماة الحقائق. و قدمهم في الذکر علي الأنفس لينبه علي لطف مکانتهم و قرب منزلتهم، و ليؤذن بأنهم مقدمون علي الأنفس مفدون بها. و فيه دليل أنه لا شي ء أقوي منه علي فضل أصحاب الکساء عليهم السلام.
التناسب و التناسق بين الألفاظ، القرآنية و الکلمات المعصومية لأئمة آل البيت
لا شک أن من له تأمل في أدعية الامام في الصحيفة السجادية يعرف مدي تطابقها مع کلام الوحي و يقطع بعدلية کلام آل البيت عليهم السلام لکلام الحق تعالي، و اليک نماذج في بيان الترابط و التناسق في لفظ القرآن الکريم و أدعية الامام السجاد عليه السلام.
النموذج الأول:
قال الحق عز شأنه: (لا تدرکه الأبصار و هو يدرک الأبصار و هو اللطيف الخبير) (الأنعام / 103).
و قال عليه السلام: (الحمدلله الأول بلا أول کان قبله و الآخر بلا آخر يکون بعده الذي قصرت عن رؤيته أبصار الناظرين، و عجزت عن نعته أوهام الواصفين) الصحيفة السجادية دعاء / 1 /.
النموذج الثاني:
قال الحق تعالي في سورة الأعراف: (و لما جاء موسي لميقاتنا و کلمه ربه قال رب أرني أنظر اليک قال لن تراني و لکن انظر الي الجبل فان استقر مکانه فسوف تراني فلما تجلي ربه للجبل جعله دکا و خر موسي صعقا فلما أفاق قال سبحانک تبت اليک و أنا أول المؤمنين) (الأعراف / 143).
قال عليه السلام: (الحمدلله الذي تجلي للقلوب بالعظمة، و احتجب عن الأبصار بالعزة، و اقتدر علي الأشياء بالقدرة، فلا الأبصار تثبت لرؤيته، و لا الأوهام تبلغ کنه عظمته.
لطف الله صافي گلپايگاني
ارجاعات:
[1] 369 - 368.