فارسی
چهارشنبه 03 مرداد 1403 - الاربعاء 16 محرم 1446
قرآن کریم مفاتیح الجنان نهج البلاغه صحیفه سجادیه

0
نفر 0

افتتاح نمایشگاه «قرآن در 1400مین سال نزول» در تركیه

نمايشگاه ««قرآن در 1400مين سال نزول» ديروز شنبه، سيزدهم شهريور ماه 89 در موزه آثار تركی ـ اسلامی استانبول افتتاح شد.

به گزارش خبرگزاری قرآنی ايران(ايكنا) به نقل از samanyoluhaber، اين نمايشگاه كه تا دهم آذرماه سال جاری ادامه خواهد داشت با حضور «علی بارداك‌اوغلو» رئيس سازمان ديانت تركيه، «ارطغرل گونای(Ertuğrul Günay)» وزير فرهنگ و گردشگری تركيه، «مصطفی چاغريجی(Mustafa Çağrıcı)» مفتی استانبول، «سوفی ماكاريو(Sophie Makariou)» مسئول بخش هنرهای اسلامی موزه لوور فرانسه، «ونسيا پورتر(Venetia Porter)» معاون بخش اسلامی موزه ملی انگلستان، «فيليز چاكير(Filiz Çakır)» محقق بخش هنرهای اسلامی موزه برلين آلمان و 250 نفر از علما و كارشناسان مسلمان در ميدان «سلطان احمد» استانبول افتتاح شد.

ارائه قطعات نادر و منحصر به فردی از اسناد 250 هزار صفحه‌ای دمشق يكی از مهم‌ترين بخش‌های اين نمايشگاه است؛ اين مجموعه گسترده از صفحات دست‌نويس قرآن است كه معمولاً در فهرست اموال موزه هنرهای تركی و اسلامی قرار داشته و برای نخستين بار به عنوان بخشی از اين نمايشگاه در معرض ديد هنردوستان قرار می‌گيرد.

گفته می‌شود صفحات مربوط به قرآن در اسناد دمشقی قديمی‌ترين دست‌نوشته قرآن است كه تاكنون شناسايی شده است، تاريخ نگارش اين صفحات به قرن نهم باز می‌گردد و برخی از قطعات اين مجموعه برای نخستين بار در اين نمايشگاه ارائه می‌شود.

همچنين در اين نمايشگاه بيش از 1500 اثر خوشنويسی و تابلوهای تذهيب قرآنی در كنار آثار اسلامی به‌جای مانده از دوران عثمانی به نمايش گذاشته شده است؛ قرآن كريم منسوب به حضرت علی(ع) هم جزء آثاری است كه در اين نمايشگاه در معرض ديد عموم گذاشته شده است.

FarazNo    DoaNo    Dsc
001    01    الدعاء الاول من ادعيه الصحيفه السجاديه عليه آلاف الثناء و التحيه \par \par
001    01    بسم الله الرحمن الرحيم \par (دعاء لا يكون قبله تحميد فهو ابتر) \par انما كان عليه السلام يبدا بالتحميد لله عز و جل، و الثناء عليه اقتداء بكتاب الله تعالى و عملا بما اشتهر عن رسول الله صلى الله عليه و آله: كل امر ذى بال لم يبدء فيه بالحمد، و فى روايه بحمد الله، فهو اقطع، اى مقطوع البركه، و لما فى كتاب اميرالمومنين عليه السلام: ان المدحه قبل المسئله. \par و روى عن ابى عبدالله عليه السلام يقول: دعاء لا يكون قبله تحميد فهو ابتر، انما التحميد ثم الدعاء. \par و عن ابى كهمس قال سمعت اباعبدالله يقول: دخل رجل المسجد فابتداء بالدعاء قبل الثناء على الله و الصلوه على النبى صلى الله عليه و آله، فقال رسول الله صلى الله عليه و آله: عاجل العبد ربه، ثم دخل آخر فصلى و اثنى على الله عز و جل و صلى على رسول الله صلى الله عليه و آله فقال رسول الله صلى الله عليه و آله سل تعطه. \par (الدعاء من معظم ابواب العبادات و اعظم ما يستعصم به من الافات و..) \par الدعاء: بالضم و المد لغه: النداء، تقول دعوت فلانا اذا ناديته، و عرفا: الرغبه الى الله تعالى و طلب الرحمه منه على وجه الاستكانه و الخضوع. \par اعلم ان الدعاء من معظم ابواب العبادات، و اعظم ما يستعصم به من الافات، و امتن ما يتوسل به الى استنزال الخيرات، و وجوبه و فضله معلوم من العقل و الشرع لقوله تعالى: ادعونى استجب لكم. \par و روى زراره عن ابى جعفر عليه السلام قال: ان الله عز و جل يقول: ان الذين يستكبرون \par
001    01    عن عبادتى سيدخلون جهنم داخرين قال: هو الدعاء قلت: ان ابراهيم لاواه حليم قال الاواه: الدعاء. \par و الاخبار فى فضله و الترغيب فيه و الحث عليه متواتره من طرق الخاصه و العامه حتى صار شرعه من ضروريات الدين، و هو من شعائر الصالحين، و آداب الانبياء و المرسلين، بل من اجل مقامات الموحدين، و افضل درجات السالكين لكونه مشعرا بالذل و الانكسار، و مظهرا لصفه العجز و الافتقار، و لا ينا فى القضاء و لا يدافع الرضا، \par و روى ميسر بن عبدالعزيز عن ابى عبدالله عليه السلام قال قال لى يا ميسر! ادع و لا تقل ان الامر قد فرغ منه ان عند الله منزله لا تنال الا بمسئلته، و لو ان عبدا سد فاه و لم يسئل لم يعط شيئا فسئل تعط، يا مسير! انه ليس باب يقرع الا يوشك ان يفتح لصاحبه، \par فظهر من كلامه عليه السلام: ان الدعاء سبب من اسباب حصول المطلوب فكون الشى ء متوقفا على سببه لا يدافع كونه مما قضى الله حصوله، اذ كما جرى فى القضاء حصوله فقد جرى ايضا حصول هذا السبب و كونه مسببا عنه. \par (من التوهمات الباطله: انه لا فائده فى الدعاء و جوابها) \par من التوهمات الباطله و الظنون الفاسده: ما قاله بعض الظاهرين من المتكلمين: انه لا فائده فى الدعاء لان المطلوب ان كان معلوم الوقوع عندالله تعالى كان واجب الوقوع و الا فلا يقع، لان الاقدار سابقه، و الا قضيه واقعه و قد جف القلم بما هو كائن فالدعاء لا يزيد و لا ينقص فيها شيئا. \par و لان المقصود ان كان من مصالح العباد فالجواد لا يبخل به و ان لم يكن من مصالحهم لم يجز طلبه، و لان اجل مقامات الصديقين: الرضا و اهمال حظوظ النفس، و الاشتغال بالدعاء ينافى ذلك، \par و هذا ظن فاسد و قول سخيف صادر من جاهل لا يعرف الحقائق عن مواضعها و اصولها، فان الدعاء مما يقاوم القضاء لا من حيث انه فعل العبد فانه من هذه الحيثيه \par
001    01    مما يتحكم فيه القضاء، لانه لو لم يقض عليه ان يدعو لم يكن يدعو، ولكن من حيث ما علمنا الله عز و جل و امرنا به حيث قال: ادعونى استجب لكم، و قال: ادعو ربكم، فالدعاء من هذه الحيثيه انما ينبعث من حيث ينبعث القضاء، فلا تسلط للقضاء عليه، فان كلا منهما من الله تعالى و لسان العبد و الحاله هذه ترجمان الدعاء لانه لم يدع بنفسه و لكن بامر الله عز و جل و كل من فعل شيئا بامر احد فيده يد الامر. \par كما اذا امر الملك بعض خدامه ان يضرب ابنا للملك فان يد الخادم و الحال هذه يد الملك و لو كان اليد يده لم يستطع ان يمدها الى ابن الملك و ليبست دون ذلك يده، فاذا كان الدعاء موصول الاصل بالموضع الذى اتصل به القضاء فالقضاء و الدعاء يتعالجان و الحكم لما غلب و من غلب سلب. \par (كيف تكون الرغبه، و الرهبه، و التضرع،) \par (و التبتل، و الابتهال؟) \par عن جعفر بن محمد الصادق عليهماالسلام انه قال: هكذا الرغبه: و اظهر و ابرز باطن راحته الى السماء، و هكذا الرهبه: و جعل ظاهر كفه الى السماء، و هكذا التضرع: و حرك اصابعه يمينا و شمالا، و هكذا التبتل: و رفع اصابعه مره و وضعها اخرى، و هكذا الابتهال و مد يديه تلقاء وجهه الى القبله. \par
001    01    (اوليته تعالى عباره عن كونه قبل وجود) \par (الممكنات باسرها و انه..) \par قال سيدنا و مولينا.. زين العابدين و سيد الساجدين صلوات الله عليه: (الحمد لله الاول بلا اول كان قبله و الاخر بلا آخر يكون بعده). \par اوليته تعالى عباره: عن كونه قبل وجود الممكنات باسرها، و انه مبدء كل شى ء و منه نشا وجود الاشياء كلها و انه موجود بذاته لم ينشا وجوده عن غيره. \par
001    01    فان قلت: افعل التفضيل يقتضى المشاركه و الزياده، و الله سبحانه لا يشاركه شى ء فى السبق لان سبقه تعالى اعتبار ذهنى و سبق ما عداه زمانى، \par قلت قد يقصد بافعل تجاوز صاحبه و تباعده عن غيره فى الفعل لا بمعنى تفضيله بعد المشاركه فى اصل الفعل فيفيد عدم وجود اصل الفعل فى غيره فيحصل كمال التفضيل و هو المعنى الاوضح فى افعل فى صفاته تعالى و بهذا المعنى ورد قوله تعالى: و هو اهون عليه و قول يوسف عليه السلام: رب السجن احب الى. \par (هو سبحانه مقدم على ما سواه بجميع اقسام التقدمات الخمسه) \par قال النيسابورى و هو سبحانه متقدم على ما سواه بجميع اقسام التقدمات الخمسه التى: هى تقدم التاثير، و الطبع، و الشرف، و المكان، و الزمان. \par اما بالتاثير فظاهر، و اما الطبع فلان ذات الواجب من حيث هو لا يفتقر الى الممكن من حيث هو، و حال الممكن بالخلاف و اما بالشرف فظاهر و اما بالمكان فلانه وراء كل الاماكن و معها كقوله تعالى: فاينما تولوا فثم وجه الله و اما بالزمان فاظهر. \par (ان جميع الموجودات الممكنه اذا منع النظر) \par (عن مبدعها فهى فانيه) \par و آخر بكسر الخاء على فاعل و هو خلاف الاول: اى الذى لا نهايه له و الباقى بعد فناء الممكنات و لو بالنظر الى ذاتها مع قطع النظر عن مبدعها فان جميع الموجودات الممكنه اذا منع النظر عن مبدعها فهى فانيه، او الذى تنتهى اليه الاسباب لانك اذا نظرت الى الشى ء و فتشت عن سببه و ثم عن سبب سببه هكذا انتهت بالاخره اليه تعالى فهو الذى ينحل عنده اجتماع اسباب الشى ء. \par (هو اول من حيث الوجود و آخر من حيث الوصول و الشهود) \par قال بعض العارفين: (هو الاخر) بمعنى انه الغايه القصوى تطلبها الاشياء، او الخير الاعظم الذى يتشوقه الكل و يقصده طبعا و اراده، \par
001    01    و العرفاء المتالهون حكموا بسريان نور المحبه له، و الشوق اليه سبحانه فى جميع المخلوقات على تفاوت طبقاتهم، و ان الكائنات السفليه كالمبدعات العلويه على اغتراف شوق من هذا البحر العظيم و اعتراف شاهد مقر بوحدانيه الحق القديم فهو الاول الذى ابتدا امر العالم حتى انتهى الى ارض الاجسام و الاشباح، و هو الاخر الذى ينساق اليه وجود الاشياء حتى يرتقى الى سماع العقول و الارواح، و هو آخر ايضا الى سير المسافرين فانهم لا يزالون مترقين من رتبه الى رتبه حتى يقع الرجوع الى تلك الحضره بفنائهم عن ذواتهم و اندكاك هو ياتهم فهو اول من حيث الوجود و آخر من حيث الوصول و الشهود. \par (بيان الصادق عليه السلام فى معنى الاول و الاخر) \par روى رئيس المحدثين فى معانى الاخبار باسناده عن ميمون الباز قال سمعت اباعبدالله عليه السلام و قد سئل عن قوله عز و جل: هو الاول و الاخر فقال: الاول لاعن اول قبله، و لا بدى ء سبقه، و الاخر لا عن نهايه كما يعقل من صفات المخلوقين ولكن قديم، اول، آخر لم يزل و لا يزال بلاء بدء و لا نهايه لا يقع عليه الحدوث و لا يحول من حال الى حال، خالق كل شى ء. \par (اوليته تعالى عين آخريته، و آخريته عين اوليته) \par اعلم انه تعالى اول بما هو آخر و آخر بما هو اول من غير اختلاف فى ذاته و صفاته اذ هو برى ء عن لحقوق الامكان و وجوده فى الزمان، فاوليته و آخريته راجعتان الى ما تعتبره الاذهان من حاله تقدمه على وجود الاشياء و تاخره عنها، فهما اعتبار ان ذهنيان له يلحقان بالاضافه الى مخلوقاته و ليس هناك اوليه و آخريه لانها فرع الوقت و الزمان و هو تعالى مقدس عنهما اذ لا وقت و لا زمان فى عالم القدس بل نسبته الى الازال و الاباد نسبه واحده، فظهر ان اوليته عين آخريته، و آخريته عين اوليته. \par (معنى قوله عليه السلام بلا آخر يكون بعده) \par قوله (عليه السلام): بلا آخر يكون بعده، المقصود تاكيد آخريته تعالى بانه آخر الاواخر لانتهاء وجود كل ممكن اليه، و عدم انتهائه فلا يكون بعده آخرا. \par
001    01    (هل يفنى الجنه و اهلها؟ و النار و اهلها) \par ذهب جهم بن صفوان الى انه تعالى يوصل الثواب الى اهل الثواب و العقاب الى اهل العقاب ثم يفنى الجنه و اهلها و النار و اهلها، و العرش و الكرسى و الملك و الفلك و لا يبقى مع الله شى ء اصلا فى ابد الاباد كما لم يكن معه شى ء فى ازل الازال فيتحقق كونه آخرا كما كان اولا. \par فابطله الفخر الرازى بان امكان استمرار هذه الاشياء حاصل الى الابد: بدليل ان هذه الماهيات لو زال امكانها لزم انقلاب الممكن الى الممتنع و لزم ان تقلب قدره الله تعالى من صلاحيه التاثير الى امتناع التاثير، \par ورد: بان هذه مغالطه اذ لا يلزم من الامكان الذاتى للشى ء وقوعه فى الخارج و لا من عدم وقوعه فى الخارج الامتناع الذاتى، \par و التعويل فى ابديه الجنه و النار و اهليهما انما هو الاخبار المخبر الصادق و اجماع المسلمين فيكون معنى كونه آخرا: اى الباقى بعد فناء الموجودات: بقائه بعد فنائها حقيقه بالنسبه الى ما يفنى منها، و حكما بالنسبه الى الموبد منها اى نظرا الى ذاتها مع قطع النظر عن علتها. \par (هل يفنى جميع العالم ليتحقق كونه آخرا؟) \par قيل انه تعالى يفنى جميع العالم ليتحقق كونه آخرا ثم يوجده و يبقيه ابدا، و زيف بان هذا حقيق بان يسمى توسطا لا آخريه، و لهذا فسر بعضهم الاخر بانه الباقى مع ما عداه من الاواخر و بعد ما يفنى منها. \par
002    01    (لم قصرت الابصار عن رويته تعالى؟) \par (الذى قصرت عن رويته ابصار الناظرين) و انما قصرت الابصار عن رويته تعالى لان المرئى بالبصر يجب ان يكون فى جهه و هو تعالى منزه عنها و الا وجب كونه عرضا او جوهرا جسمانيا و هو محال. \par (جواز رويته تعالى و عدمه و تفصيل ذلك) \par ذهب اهل السنه الى جواز رويته تعالى فى الدنيا عقلا، و اختلفوا فى وقوعها، و الى جوازها فى الاخره عقلا و وقوعها فيها اجماعا منهم، \par
002    01    قالوا: ان رويته تعالى جايزه فى الدنيا لانه تعالى علق رويه موسى عليه السلام على استقرار الجبل و هو فى نفسه امر ممكن و المعلق على الممكن ممكن، و لانها لو كانت ممتنعه لم يسئلها بقوله: رب ارنى انظر اليك لان العاقل لا يطلب المحال فدل سواله على انه كان يعتقد جوازها فتكون جائزه و الا لزم جهل النبى المعزز بالتكليم بما لا يجوز عليه سبحانه و يمتنع، \par و اختلف فى وقوعها و فى ان الرسول صلى الله عليه و آله هل راه ليله الاسرى ام لا؟. \par فانكرته عايشه و جماعه من الصحابه و التابعين و المتكلمين، و اثبت ذلك ابن عباس و قال ان الله تعالى اختصه بالرويه و موسى بالكلام، و ابراهيم بالخله. \par و اخذ به جماعه من السلف و الاشعرى فى جماعه من اصحابه و ابن حنبل، و كان الحسن يقسم لقد راه، و توقف فيه جماعه، هذا حال رويته فى الدنيا. \par و اما رويته فى الاخره فجائزه عقلا و اجمع على وقوعها اهل السنه للايات و تواتر الروايات، و احالها المعتزله و المرجئه و الخوارج، \par و الفرق بين الدنيا و الاخره: ان القوى و الادراكات ضعيفه فى الدنيا حتى اذا كانوا فى الاخره و خلقهم للبقاء قوى ادراكهم فاطاقوا رويته سبحانه، هذا ملخص كلامهم. \par و اجاب المانعون عن الشبهه الاولى: بانا لا نسلم ان المعلق عليه هو استقرار الجبل مطلقا فانه كان مشاهدا حال التعليق بل استقراره حال التجلى و امكانه حينئذ ممنوع و دون اثباته القتاده و الخرط، \par و عن الثانيه: بالمعارضه و الحل: اما المعارضه فلان رويته تعالى لو كانت جايزه لما عد طلبها امرا عظيما، و لما سماه ظلما، و لما ارسل عليهم صاعقه، و لما قال: فقد سئلوا موسى اكبر من ذلك فقالوا: ارنا الله جهره فاخذتهم الصاعقه بظلمهم. \par و لما وردت عليهم هذه المعارضه تحيروا فقالوا تاره ان الاستعظام انما كان بطلبهم الرويه تعنتا و عنادا، و تاره ان رويته تعالى جائزه فى الدنيا لا على طريق المقابله و الجهه \par
002    01    كما هو المعروف فى رويه الممكنات فانها ممتنعه على هذه الطريقه فاستعظامها و انكارها بناء على ان طلبها وقع من هذه الطريقه الممتنعه. \par و لا خفاء بما فى هذا الجواب من السخافه لان طلبه للرويه من هذه الطريقه كيف يصلح ان يكون دليلا على جواز الرويه من غير هذه الطريقه؟ على انه يلزم ان يكون النبى المكرم بالتكليم جاهلا بما يجوز عليه و يمتنع، \par و اما الحل: فلان سوال موسى عليه السلام لم يكن محمولا على طلب الرويه لعلمه باستحالتها بل على اظهار شانه تعالى عن الجماعه الحاضرين معه، و الطالبين رويته، القائلين له: ارنا الله جهره فقال ذلك القول ليسمعوا الجواب بلن ترانى فيعلموا ان رويته غير ممكنه و يرجعوا عن اعتقادهم، و الذى يدل على ذلك قوله حين اخذتهم الصاعقه: اتهلكنا بما فعل السفهاء منا؟ \par و الجواب عما نقل عن ابن عباس انه ليس صريحا فى الرويه العينيه لجواز ان يكون المراد بالرويه التى خص بها صلى الله عليه و آله الرويه القلبيه يعنى الادراك العلمى على وجه الكامل، و قد نقل عنه ايضا انه قال: راه بقلبه، \par و عما نقل عن الحسن انه ان كان قول الحسن من عند نفسه فليس حجه و ان كان من ظاهر الايات و الروايات فكذلك، لان فهمه ليس حجه على غيره، و الظاهر قد لا يعمل به \par و الجواب عن وقوع الرويه فى الاخره للايات و الروايات ان كثيرا من الايات و الاخبار ماوله عن ظاهرها كقوله تعالى: و مكر الله الله يستهزى ء بهم و ما وقع فى رواياتكم عن ابى هريره عن رسول الله صلى الله عليه و آله: ان من العبيد يوم القيمه من يدعوا الله حتى يضحك الله فاذا ضحك منه قال: ادخل الجنه، و عن ابن مسعود ان بعض اهل النار اذا خرج و وصل الى باب الجنه يقول اى رب ادخلنيها فيقول يابن آدم! ايرضيك ان اعطيك الدنيا و مثلها؟ فيقول يا رب! اتستهزى ء بى و انت رب العالمين؟ و امثال ذلك كثيره و انتم قد \par
002    01    اولتم المكر و الضحك و الاستهزاء بالجزاء و الرضا و الخذلان فاذا جاز التاويل فكيف تتمسكون بالظواهر فى الامور العقليه و تجزمون بها؟ \par (المراد بعجز الاوهام عن نعته تعالى) \par (و عجزت عن نعته اوهام الواصفين) يحتمل ان يكون المراد بعجز الاوهام عن نعته تعالى: عجزها عن بلوغ تمام نعمته، يعنى ان الواصفين و ان بالغوا فى التوصيف و انتقلوا من نعت الى ما هو اشرف و اعظم عندهم لم يبلغوا مرتبه وصفه و لم ينعتوه بكمال نعته بل كلما بلغوا مرتبه من مراتب النعت و الثناء كان ورائها اطوار من النعوت اشرف و اعلى، كما اشار اليه سيد المرسلين صلى الله عليه و آله بقوله: لا احصى ثناء عليك انت كما اثنيت على نفسك، و اشار اليه سيد الوصيين صلوات الله عليه بقوله: هو فوق ما يصفه الواصفون. \par
003    01    (ليس صنعه تعالى كصنع البشر) \par (ابتدع بقدرته الخلق ابتداء و اخترعهم على مشيته اختراعا) انه تعالى خلق الخلق انشاء و اوجده ابتداء من غير مثال فلم يكن صنعه كصنع البشر، لان الصنائع البشريه انما تحصل بعد ان ترسم فى الخيال صوره المصنوع و تلك الصوره تحصل تاره عن مثال يشاهده الصانع و يحذ و حذوه، و تاره بمحض الالهام فان كثيرا ما تفاض على اذهان الاذكياء صور اشكال لم يسبقهم الى تصورها غيرهم فيتصورونها و يبرزونها فى الخارج، \par و كيفيه صنع الله عز و جل للخلق منزهه عن الوقوع على هذين الوجهين: \par اما الاول- فلانه تعالى كان و لم يكن معه شى ء و لا قبل له فلا يكون خلقه مسبوقا بمثال من صنائع آخر صنع هو مثل صنعه، \par و اما الثانى- فلان الفاعل على وفق ما الهم و ان كان مبتدعا و مخترعا فى الظاهر لكنه فى الحقيقه ليس هو المبتدع و انما المبتدع هو مفيض تلك الصوره و ملهمها فهو مفتقر فى الحقيقه الى الغير الذى الهمه و افاض على ذهنه صوره ما ابتدعه ظاهرا، و الله سبحانه منزه عن الافتقار و الاحتياج فلم يكن صنعه بهذا الوجه. \par (قدرته عين ذاته) \par قوله: بقدرته، اى بنفس قدرته التى هى عين ذاته لا بشى ء آخر، و الا لزم اختلاف \par
003    01    الجهتين من القوه و الفعل فلم يكن واحدا حقا و هو محال. \par و اما سائر الصناع و الفواعل فليسوا كذلك فانهم بشى ء غير ذواتهم يصنعون ما يصنعون: كاله او ملكه نفسانيه او ماده، او معاون و ربما اجتمع عده من هذه الامور فى تتميم الصنعه كالانسان مثلا اذا انشا كتابا فانه يحتاج الى آله: كاليد و القلم و الى ملكه الكتابه و الى ماده كالمداد و القرطاس و الى معاون يتخذ له الاله الخارجه و يصلح له ماده الكتابه. \par (لمشيته تعالى معنيان) \par لمشيته تعالى معنيان: احدهما كون ذاته سبحانه بحيث يختار ما هو الخير و الصلاح فنفس ذاته المقدسه مشيته لما يشاء و يختار كما انها علم بالاشياء و اراده لما يريد و يفعل فالمشيه بهذا المعنى صفه كماليه قديمه هى عين ذاته، \par و الثانى: ايجاده للاشياء بحسب اختياره، و هى صفه حادثه بحدوث المخلوقات لا تتخلف المخلوقات عنها، و ليست صفه زائده على ذاته تعالى و لا على المخلوقات بل هى نسبه بينهما تحدث بحدوث المخلوقات، \par و هذا المعنى ياتى للاراده ايضا فالمشيه و الاراده بهذا المعنى من صفات الفعل و بالمعنى الاول من صفات الذات. \par
004    01    (جميع الخيرات رشح من خيره تعالى) \par (ثم سلك بهم طريق ارادته، و بعثهم فى سبيل محبته) و المعنى انه تعالى جعلهم منقادين لارادته، مذعنين لحكمه كما اراد و احب، و قيل معناه: انه الهمهم و يسرهم لما خلقهم له، و لما كتب فى اللوح المحفوظ عليهم بحسب ارادته و مشيته و مساق حكمته الالهيه، او كنى بالسلوك و البعث عن توجيه الاسباب بحسب القضاء الالهى عليهم بذلك، \par و قيل معنى: سلك بهم طريق ارادته: سيرهم فى كل طريق اراده، او جعلهم مريد بن لارادته كما قال تعالى: و ما تشاون الا ان يشاء الله. \par
004    01    و معنى (بعثهم فى سبيل محبته): انه وهبهم محبته، فالاضافه من باب اضافه المصدر الى المفعول، \par فان قلت: الضمير فى بعثهم راجع الى جميع الخلق و منهم من هو عدو الله فكيف يصح التعميم حينئذ؟ \par قلت: كل نفس بحسب غريزتها و طبيعتها الفطريه التى فطر الناس عليها محبه للخير، و طالبه له، و جميع الخيرات رشح من خيره تعالى كما ان الوجودات كلها رشح من وجوده فى اذن ليست محبه الا الله سبحانه بالحقيقه سواء كان بحسب الظاهر للحسن و الجمال، او للجاه و المال او غير ذلك. \par (ما احب احد غير خالقه و لكن احتجب عنه تعالى تحت...) \par قال صاحب الفتوحات: ما احب احد غير خالقه، ولكن احتجب عنه تعالى تحت زينب و سعاد و هند و ليلى و الدرهم و الدينار و الجاه و كل ما فى العالم، فان الحب احد سببيه الجمال و هو له تعالى لان الجمال محبوب لذاته و الله جميل يحب الجمال فيحب نفسه، و سببه الاخر: الاحسان و ماتم الاحسان الا من الله و لا محسن الا الله، فان احببت الجمال فما احببت الا الله لانه الجميل، و ان احببت الاحسان فما احببت الا الله لانه المحسن فعلى كل وجه، ما متعلق المحبه الا الله، و الى ذلك اشار ابن الفارض حيث قال: \par و كل مليح حسنه من جمالها \par معادله بل حسن كل مليحه \par (معنى الروح و اطلاقه على معنيين) \par (لا يملكون تاخيرا عما قدمهم اليه، و لا يستطيعون تقدما الى ما اخرهم عنه، \par
005    01    و جعل لكل روح منهم قوتا معلوما مقسوما من رزقه) الروح، لغه: ما به الحيوه، و عرفا يطلق على معنيين: \par احدهما: البخار اللطيف النابع من تجويف القلب الجسمانى المنتشر بواسطه العروق الضوارب الى سائر البدن و هو الحامل لقوه الحيوه و الحس، و يشبه بالسراج \par
005    01    الذى يدار فى البيت فانه لا ينتهى الى جزء من اجزاء البيت الا و يستنير به فالحيوه مثل النور الحاصل فى الحيطان، و الروح مثل السراج فى زوايا البيت، \par و الاطباء اذا اطلقوا الروح ارادوا به هذا المعنى، و فيه يتصرفون بتعديل مزاج الاخلاط و هو اول ما يتعلق به الروح بالمعنى الثانى و بواسطته يتعلق بسائر البدن، \par الثانى: ما يشير اليه الانسان بقوله: انا، اعنى النفس الناطقه المستعده للبيان و فهم الخطاب و هو المراد هنا، \par قيل و الذى نطقت به الكتب الالهيه، و دلت عليه الاثار النبويه و اتفق عليه المحققون من الحكماء و اهل الملل: انه جوهر مجرد فى ذاته متعلق بالبدن تعلق التدبير و التصرف، و الحيوه عباره: عن هذا التعلق مع بقاء الروح فى ذاته كما صرح به كثير من الخاصه و العامه. \par (معنى قول اميرالمومنين عليه السلام: من عرف نفسه فقد عرف ربه) \par و قد تحير العقلاء فى كيفيه هذا التعلق، و اعترفوا بالعجز عن ادراكه، كما تحيروا فى حقيقه الروح و عجزوا عن ادراك كنهه، حتى قال بعضهم: ان قول اميرالمومنين عليه السلام: من عرف نفسه فقد عرف ربه: معناه انه كما لا يمكن التوصل الى معرفه النفس اعنى الروح لا يمكن التوصل الى معرفه الرب، و قوله تعالى: و يسئلونك عن الروح قل الروح من امر ربى و ما اوتيتم من العلم الا قليلا مما يعضد ذلك. \par (معنى الرزق لغه و عرفا عند الاشاعره و المعتزله و استدلال) \par (كل منهما على معتقده) \par الرزق فى اللغه: العطاء و يطلق على النصيب المعطى، و فى العرف: اما عند الاشاعره فهو ما انتفع به حى سواء كان بالتغذى او غيره مباحا كان او حراما، \par و ربما قال بعضهم هو ما يتربى به الحيوانات من الاغذيه و الاشربه لا غير، قال الامدى و التعويل على الاول، \par و اما المعتزله فلما احالوا تمكين الله تعالى من الحرام، لانه منع من الانتفاع به \par
005    01    و امر بالزجر عنه قالوا: هو ما صح انتفاع الحيوان به، و ليس لاحد منعه منه فلا يكون الحرام رزقا، \par و استدلوا بقوله: و مما رزقناهم ينفقون حيث اسند الرزق الى نفسه ايذانا بانهم ينفقون من الحلال الطيب الطلق فان انفاق الحرام بمعزل عن ايجاب المدح ، و بقوله تعالى: قل ارايتم ما انزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما و حلالا حيث ذم المشركين على تحريم ما رزقهم الله، \par و تمسكت الاشاعره لشمول الرزق لهما بما رووه عن صفوان بن اميه قال: كنت عند رسول الله صلى الله عليه و آله اذ جاء عمر بن قره فقال يا رسول الله! ان الله كتب على الشقوه فلا ارانى ارزق الا من دفى بكفى فاذن لى فى الغناء فقال لا اذن لك و لا كرامه و لا نعمه كذبت اى عدوالله! و الله لقد رزقك الله حلالا طيبا فاخترت ما حرم الله عليك من رزقه مكان ما احل الله لك من حلاله، \par و بانه لو لم يكن الحرام رزقا لم يكن المتغذى به طول عمره مرزوقا و قد قال الله تعالى و ما من دابه فى الارض الا على الله رزقها، \par و اجابت المعتزله عن الحديث بالطعن فى سنده تاره و بالتاويل على تقدير صحته اخرى: بان اطلاق الرزق على الحرام لمشا كله قوله فلا ارانى ارزق كقوله تعالى: و مكروا و مكر الله، و باب المشاكله و ان كان من المجاز لكنه واسع كثير الورود فى القرآن و الحديث فاش فى نظم البلغاء و نثرهم، \par و عن قولهم: لو لم يكن الحرام رزقا لم يكن المتغذى به طول عمره مرزوقا: بان ماده النقض لابد و ان تكون متحققه و ليس، اذ لا يتصور حيوان كذلك، \par اما غير الانسان فلانه لا يتصور بالنسبه اليه حل و لا حرمه، و اما الانسان فلو لم يكن ياكل من الحلال الا مده عدم التكليف لكفى فى دفع النقض، \par
005    01    و ايضا فالرزق اعم من الغذاء باجماع المعتزله و جمهور الاشاعره و لا يشترط الانتفاع به بالفعل فالمتغذى طول عمره بالحرام انما يرد لو لم ينتفع مده عمره بشى ء انتفاعا محللا و لا يشرب الماء و لا يتنفس فى الهواء بل و لا تمكن من الانتفاع بذلك اصلا، و ظاهر ان هذا مما لا يوجد، \par و للمعتزله ان يقولوا ايضا لومات حيوان قبل ان يتناول شيئا حلالا و لا حراما يلزم ان يكون غير مرزوق فما جوابكم فهو جوابنا. \par (الرزق اعم من الجسمانى و الروحانى) \par لك ان تجعل كلا من القوت و الرزق فى الدعاء اعم من الجسمانى و الروحانى فان الانسان كما علمت مركب من البدن و الروح، فكما ان البدن محتاج فى بلوغ كماله الى قوت شبيه به فى الجسميه ليزيد فى قدره اللائق به و يكمل فى ذاته، \par كذلك الروح محتاج الى قوت مناسب له شبيه به فى الروحانيه ليقويه و يبلغ به غايه كماله و هو العلم و المعرفه. و اطلاق القوت و الطعام على الغذاء الروحانى شايع كقوله عليه السلام: ابيت عند ربى يطعمنى و يسقينى، و معلوم ان طعامه صلى الله عليه و آله عند ربه ليس من جنس اطعمه الحيوانات اللحميه و لا شرابه من جنس هذه الاشربه، \par و انما المراد طعام العلم و شراب المعرفه، \par و عن زيد الشحام عن ابى جعفر عليه السلام فى قول الله تعالى فلينظر الانسان الى طعامه قال قلت ما طعامه؟ قال علمه الذى ياخذه عمن ياخذه، \par فاذن الانسان محتاج الى كل من القوتين فكما جعل لكل قوتا جسمانيا معلوما مقسوما من رزقه جعل له قوتا روحانيا معلوما مقسوما من رزقه، \par قال بعض العارفين: لكل احد نصيب من لوامع اشراقات نوره قل او كثر فله الحجه على كل احد بما عرفه من آيات وجوده و دلائل صنعه وجوده فوقع التكليف بمقتضى المعرفه و العمل بموجب العلم، و الله اعلم. \par
005    01    (نكته لطيفه، و فائده هاتين الفقرتين...) \par (لا ينقص من زاده ناقص، و لا يزيد من نقص منهم زائد) المعنى: ان من زاد الله تعالى قوته او رزقه منهم لا ينقصه ناقص و من نقصه سبحانه لا يزيده زائد، و قدم المفعول فى الفقرتين لمزيد الاعتناء ببيان فعله تعالى من الزياده و النقصان و وقع فى نسخه ابن ادريس ضبط نقص بالبناء للمجهول و المعنى كما ذكر غير ان فيه نكته لطيفه و هى عدم اسناد النقص اليه سبحانه مع التصريح باسناد عديله اعنى الزياده اليه تعالى تادبا معه جل شانه و تشييدا لمعالم جوده و كرمه حتى كان الصادر عنه تعالى هو الزياده لا غير و ان النقص صادر عن غيره جريا على منهاج الاداب التنزيليه فى نسبه النعم و الخيرات اليه عز و جل دون اضدادها، \par كما فى قوله تعالى: و انا لا ندرى اشر اريد بمن فى الارض ام اراد بهم ربهم رشدا و قوله تعالى: الذى خلقنى فهو يهدين، و الذى هو يطعمنى و يسقين، و اذا مرضت فهو يشفين و فائده هاتين الفقرتين التاكيد لكون القوت من الرزق معلوما مقسوما من لدنه سبحانه و تعالى لا يستطيع غيره ان يتصرف فيه بزياده او نقصان. \par
006    01    (الاجل يطلق على معنيين، و معنى الموقوت و الامد) \par (ثم ضرب له فى الحياه اجلا موقوتا، و نصب له امدا محدودا) الاجل يطلق على معنيين: \par احدهما: و هو الاكثر: الوقت الذى يضرب لانقضاء الشى ء، و منه اجل الانسان الذى ينقضى فيه عمره، و تنقطع فيه حيوته، كقوله تعالى: فاذا جاء اجلهم لا يستاخرون ساعه و لا يستقدمون. \par الثانى: المده التى يكون الانقضاء فى آخرها، كما فى قولهم: اجل الدين شهر ان و على هذا يقال اجل الانسان لمده عمره، و اراده هذا المعنى هنا اولى و انسب من المعنى \par
006    01    الاول لتكون الفقره الاخرى تاسيسا و هو خير من التاكيد، \par قوله (عليه السلام) موقوتا اى محدود الوقت، و هو المقدار من الزمان المفروض لامر ما، و الامد: الغايه يقال بلغ امده اى غايته. \par (الاجل الموقوت لا ينافى الموقوف، و بيان ذلك) \par الاجل الموقوت لا ينافى الموقوف و يقال له المعلق فانه موقوت ايضا بشرط و هو الذى يقع فيه التقديم و التاخير و الزياده و النقصان كما دلت عليه الايات و الاخبار: \par قال تعالى فى سوره نوح: ان اعبدواالله و اتقوه و اطيعون، يغفر لكم من ذنوبكم و يوخركم الى اجل مسمى ان اجل الله اذا جاء لا يوخر. \par قال المفسرون: الاجل المسمى هو الامد الاقصى الذى قدره الله تعالى لهم بشرط الايمان و الطاعه وراء ما قدر لهم على تقدير بقائهم على الكفر و العصيان، فان وصف الاجل بالمسمى و تعليق تاخيرهم اليه بالايمان صريح فى ان لهم اجلا آخر لا يجاوزونه ان لم يومنوا، \par و هو المراد بقوله (تعالى) ان اجل الله اذا جاء لا يوخر، اى ما قدر لكم على تقدير بقائكم على الكفر اذ جاء و انتم على ما انتم عليه من الكفر و العصيان لا يوخر فبادروا الى الايمان و الطاعه قبل مجيئه حتى لا يتحقق شرطه الذى هو بقاوكم على الكفر فلا يجى ء و يتحقق شرط التاخير الى الاجل المسمى فتوخروا اليه. \par (الاجل: اجلان: محتوم و موقوف) \par روى ثقه الاسلام فى الكافى باسناده عن حمر ان عن ابى جعفر عليه السلام قال سئلته عن قول الله عز و جل: قضى اجلا و اجل مسمى عنده قال هما: اجلان محتوم، و اجل موقوف، \par و روى على بن ابراهيم باسناده عن ابى عبدالله عليه السلام فى تفسير هذه الايه ، قال: \par \par
006    01    الاجل المقضى هو المحتوم الذى قضاه الله و حتمه، و المسمى هو الذى فيه البداء يقدم ما يشاء و يوخر ما يشاء، و المحتوم ليس فيه تقديم و لا تاخير. \par (لكل ذى حيوه اجلان: طبيعى و اخترامى) \par اختلفوا فى المقتول و نحوه فقالت الا شاعره هو ميت باجله بحيث لو لم يقتل فى ذلك الوقت لمات فيه و موته بفعل الله تعالى، و وافقهم على ذلك ابوالهذيل من المعتزله، و استدلوا بقوله تعالى: ما تسبق من امه اجلها و قوله تعالى: و ما كان لنفس ان تموت الا باذن الله كتابا موجلا، \par و قال حكماء الاسلام: لكل ذى حيوه اجلان: طبيعى، و هو الذى يمكن بالنسبه الى المزاج الاول لكل شخص لو بقى مصونا عن الافات الخارجيه، و اخترامى، و هو الذى يحصل بسبب من الاسباب الخارجيه: كالقتل، و الغرق، و الحرق، و اللدغ و غيرها من الامور المنفصله، \par فالمقتول و نحوه لو لم يقتل مثلا لعاش الى اجله الطبيعى، و ذهب الى هذا القول ساير المعتزله و قالوا ان موته من فعل القاتل لا من فعله تعالى و الا لما توجه الذم اليه و احسن ما استدلوا به قوله تعالى: و لكم فى القصاص حيوه \par
006    01    تقريره: ان القاتل متى علم انه اذا قتل قتل ارتدع عن القتل فيكون شرع القصاص سببا لحيوه القاتل و المقتول، و لو كانا بحيث لم يقتلا لماتا لم يكن كذلك، و حمل الحيوه على الاخرويه بعيد جدا. \par (من المقتولين، من لو لم يقتل لعاش قطعا و منهم من..) \par ذهب اكثر المحققين الى جواز الامرين فيه لو لا القتل فيجوز ان يموت و يجوز ان يعيش، و هو اختيار المحقق الطوسى فى التجريد: و قال ابن نوبخت من اصحابنا فى كتاب الياقوت: من المقتولين من لو لم يقتل لعاش قطعا، و منهم من يجوز عليه الامر ان، \par و احتج على القطع بحيوه البعض: ان ملكا لو قتل اهل بلده فانا نحكم بانه لو لم يقتلهم لعاشوا لانه لو لا ذلك لزم خرق العاده اذ من المستحيل عاده موت اهل تلك البلده فى يوم واحد، و خرق العاده لا يجوز الا فى زمان الرساله، و رد بان استحالته عاده ممنوع لان مثله يقع فى الوباء. \par (العام، اخص من السنه، و ليس كل سنه عاما) \par (يتخطا اليه بايام عمره، و يرهقه باعوام دهره) يتخطا من الخطو و هو المشى، و الايام، جمع يوم اصله ايوام ثم ادغم، و العمر، بالضم و الضمتين و يفتح: الحيوه، رهقت الشى ء رهقا من باب تعب، قربت منه، قال الفارابى رهقته: ادركته، و الاعوام جمع عام، \par قال ابن الجواليقى: لا تفرق عوام الناس بين العام و السنه و يجعلونهما بمعنى فيقولون لمن سافر فى وقت من السنه اى وقت كان الى مثله عام، و هو غلط، و الصواب: ما اخبرت به عن احمد بن يحيى انه قال: السنه من اول يوم اعددته الى مثله، و العام لا يكون الا شتاء و صيفا، \par و على هذا فالعام اخص من السنه و ليس كل سنه عاما، فاذا عددت من يوم الى مثله فهو سنه و قد يكون فيه نصف الصيف و نصف الشتاء و العام لا يكون الا صيفا و شتاء متواليين، \par و تظهر فائده ذلك فى الايمان و النذور: فاذا نذر ان يصوم عاما لا يدخل بعضه فى \par
006    01    بعض انما هو الشتاء و الصيف بخلاف سنه، \par و الدهر: الزمان قل او كثر، قال الازهرى، الدهر عند العرب يطلق على الزمان و على الفصل من فصول السنه و اقل من ذلك و يقع على مده الدنيا كلها. \par (تعريف الثواب و العقاب، و القول فى وجوبهما) \par (حتى اذا بلغ اقصى اثره، و استوعب حساب عمره، قبضه الى ما ندبه اليه من موفور ثوابه، او محذور عقابه). \par بلغ: اى وصل من قولهم بلغت المنزل اى وصلته، و اقصى الشى ء منتهاه و غايته القصوى، و الاثر: الاجل، استوعبه: استقصاه و استاصله اى اخذه جميعه، حسبه يحسبه من باب قتل حسبا و حسبه و حسابا بالكسر و حسبانا بالضم: احصاه عددا، قبضه الله من باب ضرب: اماته، ندبه الى الامر ندبا: دعاه، الثواب: الجزاء، المحذور: المخوف، \par عرف المعتزله الثواب بانه النفع المستحق المقارن للتعظيم، و العقاب بانه الضرر المستحق المقارن للاهانه و قالوا بوجوبهما عقلا: \par اما الاول فلان الطاعه مشقه الزمها الله المكلفين و هى من غير عوض ظلم لا يصدر عن الحكيم العدل فلا بد من العوض و لا يكون الا نفعا، و لو امكن الابتداء به كان التكليف قبيحا، \par و اما الثانى فلا شتماله على اللطف فان علم المكلف باستحقاق العقاب على المعصيه يبعده من فعلها و يقر به من فعل ضدها و اللطف واجب على الله تعالى، و هذا لدليل يجرى فى الاول ايضا، \par و عند الاشاعره سمعى واقع فى الثواب لان الخلف فى الوعد نقص يجب تنزيه الله تعالى عنه، و اما العقاب فيجوز ان لا يقع، و وافقهم على ذلك معتزله البصره و بغداد، \par و اختلف الاماميه فذهب جماعه منهم المحقق الطوسى الى ما ذهب اليه المعتزله \par و ذهب طائفه منهم: الشيخ ابواسحق بن نوبخت الى وجوبهما سمعا لا عقلا، و قال آخرون بوجوب الثواب عقلا و العقاب سمعا و هو مختار العلامه الحلى قدس سره. \par
006    01    (الثواب و العقاب يجب خلوصهما من الشوائب) \par ذهب المعتزله و وافقهم المحقق الطوسى الى ان الثواب و العقاب يجب خلوصهما من الشوائب بمعنى ان الثواب يجب ان يكون خالصا من جميع انواع المشاق و المكاره، و العقاب من جميع انواع السرور: \par اما الاول فلانه لو لم يكن خالصا لكان انقص حالا من العوض و التفضل اذا كانا خالصين و انه غير جايز، \par و اما الثانى فلانه ادخل فى باب الزجر من الثواب فيجب خلوصه بالطريق الاولى ، \par و اورد: ان اهل الجنه درجاتهم متفاوته فمن كان ادنى درجه يكون مغتما اذا شاهد من هو ارفع درجه منه، و انه يجب عليهم الشكر على نعمه تعالى و الاخلال بالقبايح و كل ذلك مشقه فلا يكون الثواب خالصا عن الشوب، \par و ايضا فان اهل النار يتركون القبايح فيجب ان يثاب بتركها فلا يكون عقابهم خالصا عن شوب من الثواب، \par و اجيب بان كل ذى مرتبه لا يطلب الازيد من مرتبته، لان شهوته مقصوره على ما حصل له فلا يكون مغتما بمشاهده من هو ارفع درجه منه، و سرورهم بالشكر على النعمه به الى حد تنتفى المشقه معه، و اما الاخلال بالقبايح فغناهم بالثواب ينفى عنهم مشقه الاخلال بها، و اما اهل النار فملجاون الى ترك القبايح فلا يثابون عليه. \par (وجوب دوام ثواب اهل النعيم، و عقاب اهل الجحيم) \par ذهبوا ايضا الى انه يجب دوام ثواب اهل النعيم، و عقاب اهل الجحيم، و احتج عليه المحقق الطوسى بوجوه: \par احدها- ان العلم بدوامها يبعث المكلف على الطاعه و يزجره عن المعصيه فيكون لطفا و اللطف واجب. \par
006    01    الثانى- ان المدح و الذم دائمان اذ لا وقت الا و يحسن فيه مدح المطيع و ذم العاصى و هما معلولا الطاعه و المعصيه فيجب دوام الثواب و العقاب لان دوام احد المعلولين يستلزم دوام المعلول الاخر، \par الثالث- ان الثواب لو كان منقطعا لحصل لصاحبه الالم بانقطاعه، و لو كان العقاب منقطعا لحصل لصاحبه السرور بانقطاعه فلم يكونا خالصين عن الشوب لكن يجب خلوصهما عنه كما مر. \par (الاقتباس على ثلثه اقسام) \par (ليجزى الذين اساوا بما عملوا و يجزى الذين احسنوا بالحسنى) اقتباس من قوله تعالى فى سوره النجم: ان ربك هو اعلم بمن ضل عن سبيله، و هو اعلم بمن اهتدى و لله ما فى السموات و ما فى الارض ليجزى الذين اساوا بما عملوا و يجزى الذين احسنوا بالحسنى. \par قال الشيخ صفى الدين الحلى فى شرح بديعيته: الاقتباس على ثلثه اقسام: محمود مقبول، و مباح مبذول، و مردود مرزول، \par فالاول- ما كان فى الخطب و المواعظ و العهود و مدح النبى صلى الله عليه و آله و نحو ذلك، \par الثانى- ما كان فى الغزل و الصفات و القصص و الرسائل و نحوها، \par الثالث- على ضربين: احدهما: تضمين ما نسبه الله سبحانه الى نفسه كما نقل عن احد بنى مروان انه وقع على مطالعه فيها شكايه عماله: ان الينا ايابهم ثم ان علينا حسابهم. \par و الثانى: تضمين آيه كريمه فى معرض هزل او سخف و نعوذ بالله من ذلك، انتهى كلامه. \par ثم الصحيح ان المقتبس ليس بقرآن حقيقه بل كلام يماثله بدليل جواز النقل عن معناه الاصلى و التغيير اليسير فيه كقول اميرالمومنين عليه السلام فى كلام كلم به الخوارج: \par
006    01    ابعد ايمانى بالله و جهادى مع رسول الله صلى الله عليه و آله اشهد على نفسى بالكفر؟ لقد ضللت اذا و ما انا من المهتدين و هو اقتباس من قوله تعالى: قل لا اتبع اهوائكم قد ضللت اذا و ما انا من المهتدين ينقله من معناه الاصلى و ادخل على قد لام جواب القسم، و لو كان المراد به الايه بعينها لما جاز ذلك، و قد استوفيت الكلام على ذلك بما لا مزيد عليه فى شرح بديعتى المسمى بانوار الربيع فى انواع البديع فمن اراد الاطلاع عليه فليرجع اليه. \par
007    01    (تنزيهه تعالى: عن قول من ذهب من الملاحده و الدهريه) \par (الى نفى المعاد) \par (عدلا منه تقدست اسمائه، و تظاهرت آلاوه) العدل: خلاف الجور، و عرف بانه الامر المتوسط بين طرفى الافراط و التفريط و انتصابه على المصدر اى جزاء عدلا، او على المفعول له اى لاجل العدل، و تقدست اى تطهرت و تنزهت اسماوه عن العيوب و النقائص فما ظنك بذاته العليا؟ او تنزهت عن الالحاد فيها بالتاويلات الزايغه، و عن اطلاقها على غيره بوجه يشعر بتشاركهما فيه، اوهى مقحمه كما فى قوله تعالى: تبارك اسم ربك ذى الجلال و الاكرام و فائده هذا التوسيط سلوك سبيل الكنايه، كما يقال ساحه فلان بريئه عن المثالب، \par قوله: و تظاهرت اى ظهرت بمعنى تبينت لكل احد و تفاعل قد ياتى بمعنى فعل نحو تجاوز بمعنى جاز و تباعد بمعنى بعد، و يحتمل ان يكون مطاوع ظاهر بمعنى طابق يقال ظاهر بين الثوبين اذا طابق و لبس احدهما على الاخر، فيكون كنايه عن ترادف نعمه و تظاهرها، \par و جمله: تقدست اسمائه، مستانفه لا محل لها من الاعراب قصد بها تاكيد عدله سبحانه، و رفع توهم الجور فى الجزاء بالعقاب، و تنزيهه تعالى عن قول من ذهب من الملاحده و الدهريه الى نفى المعاد قائلا بان الاعاده لا لغرض عبث لا يليق بالحكيم، و الغرض ان كان عائدا اليه سبحانه كان نقصا له فيجب تنزيهه عنه، و ان كان عايدا الى العبد فهو ان \par
007    01    كان ايلامه فهو غير لائق بالحكيم، و ان كان ايصال لذه اليه فاللذات سيما الحسيات انما هى رفع الالام كما بينه العلماء و الاطباء فى كتبهم فيلزم ان يولم او لا حتى يوصل اليه لذه حسيه، فهل يليق هذا بالحكيم؟ و هل هو الا كمن يقطع عضو احد ثم يضع عليه المراهم ليلتذ، \par فاشار عليه السلام ان لكل عمل جزاء لازما و عدل العدل الحكيم يقتضى بصريح العقل ان يفرق بين المحسن و المسى، و المظلوم و الظالم، و ان لا يجعل من كفر به و عصاه، كمن عرفه و اطاعه، \par و لما كانت هذه الدار ليست محلا لهذه التفرقه بل هى دارا لاكتساب و الابتلاء كما ترى ازهد الناس و اعلمهم مبتلى بالافات و البليات، و افسقهم و اجهلهم فى اتم اللذات و المسرات وجب بمقتضى عدله و حكمته ان تكون دار اخرى ينتقل اليه الفريقان و هى دار الجزاء فيجزى كلا بما عملوا، و لا يظلم ربك احدا. \par (لا يجوز ان يقال لله سبحانه لم فعلت؟ و اختلافهم لاى سبب هو؟) \par (لا يسئل عما يفعل و هم يسئلون) اعلم ان المسلمين اجمعوا على انه لا يجوز ان يقال لله سبحانه لم فعلت؟ و لكنهم اختلفوا فى عدم جواز السوال لاى سبب؟ فذهبت الاشاعره الى ان افعاله تعالى لا تعلل بالاغراض و المصالح و له بحكم المالكيه ان يفعل فى مخلوقاته ما يشاء، فان من تصرف فى ملك نفسه لا يقال لم فعلت؟ و كيف يتصور فى حقه استحقاق ذم؟ و استحقاق المدح ثابت له، و ما يثبت للشى ء لذاته يستحيل ان يتبدل لاجل تبدل الصفات و كما ان ذاته غير معلله بشى ء فكذلك صفاته و افعاله، و انه غير محتاج الى الاسباب و الوسائط و الاغراض و المقاصد، \par ورد بان نفى الغرض يستلزم العبث و لا يلزم عوده اليه حتى يكون مستكملا به، \par و قالت الاماميه و المعتزله: انه تعالى عالم بقبح غنى عن فعلها و القبيح لا يصدر الا من جاهل بقبحه، او محتاج الى فعله، فلما كان تعالى عالما بما كان و يكون \par
007    01    من قبيح و حسن غنيا عن المنافع و المضار صح انه لا يفعل الا الحكمه و لا يحدث الا الصواب و استحال فعل القبيح عليه من كل وجه، \par و اذا عرف المكلف اجمالا ان كل ما يفعله تعالى فهو حكمه و صواب، وجب ان يسكت عن لم، و اذا كان الملوك المجازيون لا يسئلهم من فى مملكتهم عما يوردون و يصدرون من تدبير مملكتهم تهيبا و اجلالا مع جواز الخطاء، و الزلل عليهم، فملك الملوك، و رب الارباب اولى بان لا يسئل عن افعاله لما ركز فى العقول من ان كل ما يفعله فهو حسن مشتمل على الغايات الصحيحه، \par و قال الصادق عليه السلام فى تفسير الايه المذكوره (لا يسئل عما يفعل و هم يسئلون) قال: لا يسئل عما يفعل لانه لا يفعل الا ما كان حكمه و صوابا و هو المتكبر الجبار، و الواحد القهار فمن وجد فى نفسه حرجا فى شى ء مما قضى كفر، و من انكر شيئا من افعاله جحد، و هم يسئلون، قال يعنى بذلك: خلقه انه يسئلهم. \par
008    01    (معنى المعرفه و العلم، و الفرق بينهما) \par (و الحمد لله الذى لو حبس عن عباده معرفه حمده على ما ابلاهم من مننه المتتابعه، و اسبغ عليهم من نعمه المتظاهره، لتصرفوا فى مننه فلم يحمدوه، و توسعوا فى رزقه فلم يشكروه،) حبس، من باب ضرب، اى منع، و العباد، جمع عبد، و اكثر ما يطلق على المملوك، و قد يطلق على الانسان حرا كان او رقيقا قال صاحب المحكم: يذهب بذلك الى انه مملوك لباريه عز و جل، و المعرفه: العلم، و قيل هى ادراك البسائط و الجزئيات، و العلم: ادراك المركبات و الكليات، و من ثم يقال: عرفت الله و لا يقال علمته، \par و قيل هى عباره عن الادراك التصورى، و العلم: هو الادراك التصديقى، و من ذهب الى هذا القول جعل العرفان اعظم رتبه من العلم، قال: لان تصديقنا باستناد هذه المحسوسات الى موجود واجب الوجود امر معلوم بالضروره، و اما تصور حقيقه واجب الوجود فامر فوق الطاعه البشريه، لان الشى ء ما لم يعرف لم تطلب ماهيته، فعلى هذا كل عارف عالم من دون عكس، و لذلك كان الرجل لا يسمى عارفا الا اذا توغل فى مجارى العلوم \par
008    01    و ميادينها، و ترقى من مطالعها الى مقاطعها، و من مباديها الى غاياتها بحسب الطاقه البشريه، \par و قيل: هى ادراك الشى ء ثانيا بعد توسط نسيانه، فلذلك يسمى الحق تعالى بالعالم دون العارف و هو اشهر الاقوال فى تعريف المعرفه، \par (على ما ابلاهم من مننه) الابلاء، و الابتلاء: الامتحان و الاختبار، و المنن، جمع منه بالكسر بمعنى النعمه، و كثيرا ما ترد بمعنى الاحسان الى من لا يطلب الجزاء منه، و منه: المنان من اسمائه تعالى، المتظاهره: المترادفه. \par
009    01    (الانسان، يشاركه سائر الحيوانات.. و انما يحصل الامتياز..) \par (و لو كانوا كذلك لخرجوا من حدود الانسانيه الى حد البهيميه فكانوا كما وصف فى محكم كتابه: ان هم الا كالانعام بل هم اضل سبيلا) فى اضافه الحدود الى الانسانيه اشاره الى اتصاف الانسان بامور متعدده يمتاز بها عما سواه من الكمالات العلميه و العمليه التى كل واحد منها بالنسبه اليه حد بخلاف البهيميه فليس لها حد الا عدم العقل، \par قوله: ان هم الا كالانعام، ان نافيه، اى ما هم الا كالانعام، و المعنى: ما هم فى عدم معرفه ما يجب عليهم من حمد المنعم و شكره على نعمه و مننه، او فى ان مشاعرهم متوجهه الى اسباب التعيش مقصوره عليها، الا كالانعام التى هى مثل فى الغفله و علم الضلاله، بل هم اضل سبيلا منها، \par و بيانه: ان الانسان يشاركه ساير الحيوانات فى القوى الطبيعيه الغاذيه و الناميه و المولده، و فى المنافع الحواس الخمس الظاهره و فى احوال التخيل، و انما يحصل الامتياز له بالقوه العقليه التى تهديه معرفه الحق لذاته، و الخير لاجل العمل به فاذا لم تحصل هذه الغايه للانسان صار فى درجه الانعام بل اضل و ادون منها، لانها غير معطله لقوه من القوى المودعه فيها، بل صارفه لها الى ما خلقت لاجله فلا تقصير من قبلها فى \par
009    01    طلب الكمال، و اما هولاء فهم معطلون لقواهم العقليه، مضيعون للفطره التى فطرهم الله عليها مستحقون بحكم العقل اعظم العقاب و اشد النكال. \par (استدلال الاماميه على وجوب شكر المنعم عقلا) \par فى كلامه عليه السلام هذا اشاره الى ان شكر المنعم واجب عقلا لدلالته على انه مع عدم ارشاد العباد الى معرفته لو لم يصدر منهم لكانوا مذمومين داخلين فى حد البهايم بل كانوا اضل منها سبيلا، \par و المسئله محل خلاف، فذهبت الاشاعره الى وجوبه شرعا، و ذهبت الاماميه و المعتزله الى انه واجب عقلا و لو لم يرد به نقل اصلا، \par استدلت اصحابنا الاماميه على ذلك بان من نظر بعين عقله الى ما وهب له من القوى و الحواس الباطنه و الظاهره و تامل بنور فطرته فيما ركب فى بدنه من دقائق الحكمه الباهره، و صرف بصر بصيرته الى ما هو مغمور فيه من انواع النعماء، و اصناف الالاء التى لا يحصى عشر مقدارها و لا يوقف على انحصارها، فان العقل يحكم حكما لازما بان من انعم عليه بتلك النعم العظيمه، و المنن الجسميه حقيق بان يحمد و يشكر و خليق بان لا يجحد و لا يكفر، و يقضى قضاء جازما بان من اعرض عن شكر تلك الالطاف العظام، و اهمل حمد هذه الايادى الجسام مع تواترها آنا فآنا و ترادفها برا و امتنانا فهو مستوجب للذم و العتاب بل مستحق لاليم النكال و عظيم العقاب. \par (برهان الاشاعره بعدم وجوب شكر المنعم بقضيه العقل) \par ان الاشاعره بعد مالفقوا ادله سقيمه ظنوها حججا قاطعه على ابطال الحسن و القبح العقليين و رتبوا قضايا عقيمه حسبوها براهين ساطعه على حصرهما فى الشرعيين، ارادوا تبكيت اصحابنا باظهار الغلبه عليهم على تقدير موافقتهم فى القول المنسوب اليهم. \par فقالوا: اننا لو تنزلنا لكم و سلمنا ان الحسن و القبح عقليان، و اننا و اياكم فى الاذعان بذلك سيان، فان عندنا: ما يوجب تزييف قولكم: بوجوب شكر المنعم بقضيه العقل، و لدينا ما يقتضى تسخيف اعتقادكم بثبوت ذلك من دون ورود النقل، فان ما جعلتموه دليلا من خوف العتاب، و مظنه العقاب مردود اليكم، و مقلوب عليكم، \par
009    01    اذا لخوف انما هو قائم عند قيام العبد بوظائف الشكر و الحمد، فان كل من له ادنى عقل يحكم حكما لا ريب فيه، و لا شك يعتريه: بان السلطان العظيم، و الملك الكريم الذى ملك الاكناف شرقا و غربا، و سخر الاطراف بعدا و قربا، اذا مد لاهل مملكته من الخاص و العام مائده عظيمه لا مقطوعه و لا ممنوعه على توالى الايام مشتمله على انواع المطاعم الشهيه، مشحونه باصناف المشارب السنيه يجلس عليها الدانى و القاصى و يتمتع بطيباتها المطيع و العاصى، فحضرها فى بعض الاحيان فقير لم يحضرها قبل ذلك الان فدفع اليه الملك من ذلك الخير (الخبز، نسخه) لقمه واحده لا غير فتناولها ذلك الفقير ثم شرع فى الثناء على ذلك الملك الخطير، و جعل يمدحه بجليل الانعام و الاحسان و يحمده على جزيل البر و الامتنان، و لم يزل يصف تلك اللقمه و يذكرها و يعظم شانها و يشكرها، فتاره يحرك انملته شاكرا، و طورا يهز راسه ذاكرا، \par فلا شك ان ذلك الشكر و الثناء ينتظم عند العقلاء فى سلك التهكم و الاستهزاء فيوجه العتاب اليه، بل يستحق العقاب عليه فكيف؟ و نعم الله تعالى علينا بالنسبه الى عظيم سلطانه، و عميم كرمه و احسانه، احقر من تلك اللقمه بالنسبه الى ذلك الملك بمراتب لا يحويها الاحصاء، و لا يحوم حولها الاستقصاء. \par فظهر ان العقل السليم، و الراى القويم يقتضيان تقاعدنا عن شكره تعالى على نعمائه و يحكمان بوجوب الكف عن حمده سبحانه على آلائه. \par (ان ما اوردتموه من الدليل، و تكلفتموه من التمثيل) \par (كلام مختل عليل..) \par لا يخفى على من سلك مسالك السداد و لم ينهج مناهج اللجاج و العناد: ان لاصحابنا رضى الله عنهم ان يقولوا: ان ما اوردتموه من الدليل، و تكلفتموه من التمثيل كلام مختل عليل لا يروى الغليل و لا يصلح للتاويل، فان تلك اللقمه لما كانت ذات قدر حقير عند الملك، و الفقير عديمه الاعتبار فى جميع الاقطار، لا جرم كان الحمد عليها و الثناء منخرطا فى سلك السخريه و الاستهزاء. \par فالمثال المطابق لما نحن فيه المناسب لما يقتضيه، ان يقال: اذا كان فى زاويه الخمول \par
009    01    و هاويه الذهول مسكين اخرس اللسان ماوف الاركان، مشلول اليدين، معدم الرجلين، مبتلى بالاسقام و الامراض، محروم من جميع المطالب و الاغراض، عادم للحواس الظاهره باسرها، عار عن المدارك الباطنه، فاخرجه الملك من غيابه تلك الزاويه، و كابه تلك الهاويه و من عليه باطلاق لسانه، و تقويه اركانه، و ازاحه خلله و علله، و اماطه اقعاده و شلله، و تعطف عليه باعطائه السمع و البصر، و تكرم بهدايته الى جلب النفع، و دفع الضرر، و بالغ فى اعزازه و اكرامه و فضله على كثير من اتباعه و خدامه، \par ثم انه بعد انقاذ الملك له من تلك الافات العظيمه، و البلايا الجسميه، و شفائه من تلك الامراض، و الاسقام، و الاحسان اليه بجزيل الانعام، و جميل الاكرام، طوى عن شكره كشحا و اضرب عن حمده صفحا، و لم يظهر منه ما يدل على الاعتناء بتلك النعماء التى ساقها ذلك المليك اليه و الالاء التى افاضها، و اشبعها عليه، بل كان حاله بعد وصولها كحاله قبل حصولها، \par فلا ريب انه مذموم بكل لسان مستوجب للاهانه و الخذلان، فدليلكم حقيق بان تكتموه، و لا تظهروه، و تمثيلكم خليق بان تستروه و لا تسطروه، فان العقل السليم ياباهما، و الطبع المستقيم لا يرضاهما، و الله يقول الحق و هو يهدى السبيل. \par
010    01    (معرفه كنه ذاته و حقيقه صفاته امر مستحيل.. و تقرير ذلك و بيانه) \par (و الحمد لله على ما عرفنا من نفسه، و الهمنا من شكره) المراد بمعرفته سبحانه: معرفه كونه موجودا قيوما، متصفا بالصفات الحسنى، مقدسا عما لا يليق بجنابه الاسنى، \par و اما معرفه كنه ذاته و حقيقه صفاته فامر مستحيل، و ليس للعقول اليه سبيل، قالوا: و تقرير ذلك و بيانه: ان طريق معرفه الشى ء احد امور ثلاثه: \par اما بمشاهدته و حضوره عند العارف: كمعرفه هذا الرجل، و هذا الفرس، و اما بمعرفه علله و اسبابه، و هذا الطريق يقال له برهان لمى، و اما بمعرفه آثاره و معلولاته و يقال له برهان انى، و لا طريق المعرفه غير هذه الثلاثه، لان ما يكون نفس الشى ء و لا علته و لا معلوله لا تعلق له بذلك الشى ء، و لا مدخل له فى كونه وسيله الى معرفته، \par
010    01    ثم الطريق الاول لا يمكن ابفناء هويه الممكن، و اندكاك جبل انيته و لم يتيسر لاحد من الانبياء فى دار الدنيا فضلا عن غيرهم، \par و الطريق الثانى، لا اثر له فى ساحه قدسه جل شانه، لانه بسيط صرف لا تركيب فيه اصلا لا ذهنا و لا خارجا، واجب لذاته مبدء لجميع ما سواه، و اليه تنتهى الاثار كلها فلا فاعل له خارجا عن ذاته، و لا سبب له داخلا فى ذاته، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، \par فبقى الطريق الثالث و العلم الحاصل منه علم ناقص لا يعلم به خصوصيه ذات المعلوم لان الاثر و المعلول لا يستدعيان الا سببا ما، و عله ما، على وجه كلى لا موثرا، معينا، و عله معلومه، بل غايه ما يستفاد منه: انا اذا نظرنا الى اجزاء العالم، و وجودات الحوادث و الحركات على اتقن وجه و احكمه، علمنا ان فى الوجود خالقا، قيوما، ازليا واحدا، لا شريك له، و لا شبيه، عالما قادرا، موصوفا بالصفات الحسنى، و الامثال العليا و الكبرياء و الالاء، \par و هذه الطريقه يشترك فى سلوكها جميع ارباب العقول من العالمين حتى الانبياء و المرسلين، كما قال تعالى: و كذلك نرى ابراهيم ملكوت السماوات و الارض و ليكون من الموقنين و ان كان سلوكهم و وصولهم على تفاوت مراتب عقولهم، الا ترى؟ انك تستدل بملكوت السماوات و حركات الكواكب و بزوغها و افولها، على صانعها، و مدبرها كما استدل به خليل الرحمن، ولكن لا يحصل لك من ذلك الا علم ضعيف لا يكاد يمازجه ايمان و لا ايقان حتى لو وقعت فى ادنى بليه جعلت تلوذ بكل من تتوهم انه لمنجيك منها، \par و الذى حصل له عليه السلام علم ثابت و يقين جازم، حتى قاله الروح الامين حين رمى بالمنجنيق فكان فى الهواء مائلا الى النار: الك حاجه؟ قال اما اليك لا فاعراضه عنه \par
010    01    فى تلك الحاله، و التجاوه الى ربه ليس الا لانه راى ان كل ما سواه مفتقر اليه، خاشع لديه، خاضع بين يديه، مقهور لعزته، مغلوب لقدرته، بل لم ير ملا ذا (موجودا، نسخه) سواه، و ملجا الا اياه، \par فتبين ان معرفه حقيقه ذاته، و ماله من كمال صفاته امر غير ممكن الحصول، و لا للعقول اليه وصول، سواء فى ذلك الملائكه المقربون، و الانبياء و المرسلون، كما قال اعرف الخلق به: سبحانك ما عرفناك حق معرفتك، و قال: ان الله احتجب عن العقول كما احتجب عن الابصار، و ان الملاء الاعلى يطلبونه كما انتم تطلبونه، \par فلا يلتفت الى من زعم انه قد وصل الى كنه الحقيقه المقدسه، بل احث التراب فى فيه فقد ضل و غوى و كذب و افترى، فان الامر ارفع و اطهر من ان يتلوث بخواطر البشر، و كل ما تصوره العالم الراسخ، فهو عن حرم الكبرياء بفراسخ، و اقصى ما وصل اليه الفكر العميق، فهو غايه مبلغه من التدقيق، \par و الى ذلك اشار بعضهم حيث قال: \par و الله لا موسى و لا عيسى المسيح و لا محمد \par علموا و لا جبريل و هو الى محل القدس يصعد \par كلا و لا النفس البسيطه لا و لا العقل المجرد \par من كنه ذاتك غير انك واحد الذات سرمد \par (ابواب العلم بربوبيته سبحانه.. تنحصر فى ثلثه اقسام) \par (و فتح لنا من ابواب العلم بربوبيته،) ابواب العلم: وجوهه، كان كل وجه منها باب يدخل الى العلم منه، \par اعلم ان ابواب العلم بربوبيته سبحانه و ان كانت لا تحصى جهاتها، الا انها تنحصر فى ثلثه اقسام يندرج تحت كل قسم مراتب غير محصوره: \par احدها- العلم الفطرى و هو حاصل للعوام ايضا اذ ما من احد الا و يعلم ان له ربا بحسب الفطره الاصليه لما ركب فيه من العقل الذى هو الحجه الاولى، و ان انكر وجوده منكر فانما هو لغلبه الشقاوه المكتسبه المبطله للاستعداد الفطرى و هو مع ذلك يعترف به فى حال الاضطرار، \par الثانى- العلم بالنظر و الاستدلال بالاثار و هذا القسم للخواص، \par
010    01    الثالث- العلم بالكشف و الشهود الذى هو عين اليقين، و هذا القسم لخواص الخواص الذين يعرفون الحق بالحق، \par و يحتمل ان يكون المراد بابواب العلم: الهداه اليه و الدالين عليه اذ كان العالم يتادى بهم الى مدينه العلم، كما فى قوله صلى الله عليه و آله: انا مدينه العلم و على بابها، و كذا حكم اولاده المعصومين صلوات الله عليهم. \par (معنى التوحيد، لغه و اصطلاحا) \par (و دلنا عليه من الاخلاص له فى توحيده،) التوحيد لغه: جعل الشى ء واحدا، اى الحكم بوحدانيته و العلم بها، و اصطلاحا: اثبات ذات الله بوحدانيته، منعوتا بالتنزه عما يشابهه و يشاركه، و وحدانيته بمعنى انه لا ثانى له فى الوجود، و بمعنى انه لا كثره فيه مطلقا لا فى عين الذات لانتفاء التركيب و الاجزاء، و لا فى مرتبه الذات لانتقاء زياده الوجود، و لا بعد مرتبه الذات لانتقاء زياده الصفات، \par و قد يقصد بها معنى انه لم يفته من كماله شى ء بل كل ما ينبغى له فهو له بالذات و الفعل، اذا لواجد قد يقال لما لم يفته من كماله شى ء بل كل كمال ينبغى له فهو حاصل بالفعل. \par (مراتب التوحيد اربع) \par و مراتبه اربع: اولها- قول يقال كتوحيد المنافق و المسلم من خوف السيف المشهور عليه، \par و الثانيه- تصديق يعتقد كتوحيد عامه المسلمين، \par و الثالثه- يقين يستبصر بواسطه نور الحق فيرى اشياء كثيره و لكن صدورها على كثرتها من الواحد الفرد، و هو مقام المقربين كانهم قربوا الى منتهى المقامات و بشروا بطلوع ثنيات المكاشفات، \par اليس لتقريب المنازل فرحه؟ \par و لا فرحه العطشان فاجائه القطر \par
010    01    يقولون قد جاز الثنيه رحله \par فتنتشر البشرى و ينشرح الصدر \par و الرابعه- كشف عن مشاهده الصديقين فلا يرى فى الوجود الا واحدا و هو الذى تسميه الصوفيه: الفناء فى التوحيد، لانه من حيث لا يرى الا واحدا لا يرى نفسه ايضا فيفنى بواحد عن كل ما سواه، و يفنى عن نفسه ايضا فلا يراه، \par فالاول- موحد بمجرد اللسان و يعصم ذلك صاحبه فى الدنيا و يوفيه حظه منها فلا يراق له دم، و لا يباح له حريم، و لا يحرم من مغنم، و لا يستحرم منه فى منكح و لا مذبح، \par و الثانى- يعصمه فى الاخره ايضا من عذابها، اذا توفى على الوفاء باحكامه و لم تحل المعاصى عقده اسلامه، \par و تزيد مرتبه الثالث عليه بمقام اليقين و سلوك طريقه المجتهدين فى التجريد اذ يرى كلها من الواحد، و لكنه يراها كثيره نظرا الى ذواتها، \par و يزيد الرابع على هذا زياده الشمس على النجم، و السماء على الارض من حيث لا يرى فى شهوده غير الواحد الحق فلا يشاهده بالاشياء بل يشهد الاشياء به، كما قال تعالى: او لم يكف بربك انه على كل شى ء شهيد. \par (مثال مراتب التوحيد: اولا و ثانيا و ثالثا و رابعا) \par مثال الاول- هو القشره العليا من الجوز لا خير فيه البته ان اكل فهو مر المذاق بعيد عن المساغ، و ان نظر اليه فهو بسر الوجه كريه المنظر، و ان استوقد دخن البيت، و ان ترك لوث المكان و لكنه يحفظ القشره الصلبه السفلى التى هى بدن اللب، \par فالتوحيد عن ظاهر اللسان يحفظ بدن المنافق فى دنياهم ثم يرمى به فلا يغنى عنه شيئا فى اخراه، \par
010    01    و مثال الثانى- هو القشره الصلبه الاخرى فانه ظاهر النفع بين الجدوى، و يصون اللب عن الفساد و يربيه الى وقت الحصاد و ينفصل عنه فينتفع به فى الوقود و غيره لكنه نازل القدر زهيد النفع بالاضافه الى اللب فكذلك الايمان الظاهر عن مجرد الاعتقاد من غير ايقان ناقص الشرف بالنسبه الى حال انشراح الصدر بالصدق، و انفساح القلب باليقين، \par و مثال الثالث- اللب، \par و مثال الرابع- الدهن المستخرج منه، الصافى عن المشوبات، الخالص من الكدورات الذى يكاد يضيى ء و لو لم تمسسه نار، \par فكذلك توحيد الموقنين الصادقين عال للمقربين، و لكن الاعلى من ذلك، اذا صفا من شوب ملاحظه الاغيار خلص عن الالتفات الى الكثره بشهود الحق لا غير، \par و انما حملنا الاخلاص فى التوحيد على هذه المرتبه التى هى غايه القصوى من مراتبه لانها الخالصه من الشوائب، الصافيه عن الاشائب، و لانها مرتبه الداعى عليه السلام و ان كان الاخلاس مقولا بالتشكيك كما يدل عليه قول اميرالمومنين عليه السلام: اول الدين معرفته، و كما معرفته: التصديق به، و كمال التصديق به توحيده، و كمال توحيده: الاخلاص له، و كمال الاخلاص له: نفى الصفات عنه اذ لا شك فى ان الاخلاص الذى دل الله تعالى عليه اوليائه المعصومين انما هو الاخلاص الذى لا اخلاص فوقه و الله اعلم. \par (و جنبنا من الالحاد و الشك فى امره، \par الالحاد، فى الاصل: الميل و العدول عن الشى ء، ثم قيل الحد الرجل فى الدين اذا طعن فيه كانه عدل عنه، قوله (عليه السلام) فى امره، اى فى معرفه ذاته و صفاته، او فى دينه و شرعه، و قد يطلق الحكماء على الذات المقدسه، فيقولون هو \par الامر المحض الذى لا يعلل، \par
011    01    (لرضاه تعالى مراتب) \par حمدا نعمر به فيمن حمده من خلقه، و نسبق به من سبق الى رضاه و عفوه) \par و الرضا فى الانسان حاله للنفس توجب تغيرها و انبساطها لا يصال النفع الى الغير، او الانقياد لحكمه، \par و رضاه تعالى عباره عن ثوابه، كما روى عن الصادق (عليه السلام) رضاه ثوابه و سخطه عقابه، \par و قيل: رضاه اراده الثواب، و سخطه اراده العقاب، \par و قال الشيخ ابن ميثم فى شرح النهج: رضاه تعالى عن العبد يعود الى علمه و موافقته لامره تعالى و طاعته، و غضبه يعود الى علمه بمخالفه اوامره و عدم طاعته له، \par و قال بعض المحققين من، علمائنا المتاخرين: لرضاه تعالى مراتب: \par فمنها: رضا ازلى هو عين ذاته لا يقابله سخط و لا يمازجه شوب، و هو كونه بحيث تصدر عنه الاشياء موافقه لعلمه بها على افضل وجه و اتمه، \par و منها: ملك مقدس روحانى هو رضوان الله بالفعل اذ وجوده عين الرضا من الله سبحانه، و كذا كل جوهر عقلى لا يشوبه شر و معصيه اذ كان فعله طاعه لله، \par و منها: ثواب الله و الجنه، و يقابله سخطه و النار. \par (انما بدء بالرضا مع ان حصوله بعد العفو.. و معنى كريم العفو) \par و انما بدء بالرضا مع ان حصوله بعد العفو: اهتماما بشانه، و تنويها بمقامه، فان العرب قد ابتداء بالشى ء و المقدم غيره لنكته ما، و الا فالمقام يقتضى الترقى من الادنى الى الاعلى، كما قال تعالى: و سارعوا الى مغفره من ربكم و جنه عرضها السموات و الارض و على ذلك ما يحكى ان رجلا غضب على غلام له فاستشفع الغلام الى سيده انسانا فشفعه فاخذ الغلام يعفر فى التراب خده و يسقى الارض دمعه، فقال الشفيع: و لم ذلك كله و قد عفا عنك، فقال السيد انه يطلب الرضا، و ليس ذلك اليه فانما يبكى لاجله، \par او التنبيه على ان عفوه جل شانه ليس كعفو غيره الذى هو عباره عن محو \par
011    01    الذنب فقط حتى يكون رضاه الذى هو عباره عن ثوابه بعده، بل عفوه ابلغ من رضاه، لان رضاه كما علمت ثوابه، و الثواب هو النفع المستحق، و اما عفوه فيتضمن النفع من غير استحقاق لانه كريم العفو، و معنى كرم عفوه: تبديل السيئه حسنه، \par كما ورد فى الحديث ان جبرئيل عليه السلام سمع ابراهيم خليل الرحمن صلوات الله عليه يقول: يا كريم العفو؟ فقال له او تدرى يا ابراهيم! ما كرم عفوه؟ قال لا يا جبرئيل قال ان عفا عن السيئه كتبها حسنه و يدل عليه قوله تعالى: الا من تاب و آمن و عمل صالحا فاولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات و كان الله غفورا رحيما هذا ان فسرنا الرضا بالثواب، و ان فسرناه باراده الخير للعبد فيكون سبب كل سعاده، و موجب كل فوز، و به ينال كرامته التى هى اكبر اصناف الثواب كما قال تعالى: و رضوان من الله اكبر فالوجه فى تقديمه ما قدمناه من الاهتمام او جعله من باب التتميم لا الترقى كانه قال ان لم نستبق به من سبق الى رضاه فمن سبق الى عفوه، و يناسبه ما فى الدعاء: ان لم ترض عنى فاعف عنى و قد يعفو السيد عن عبده و ليس براض عنه. \par
012    01    (و الله اتخوف عليكم فى البرزخ) \par (حمدا يضى ء لنا به ظلمات البرزخ) الضياء و النور مترادفان لغه و قد يفرق بينهما: بان الضوء ما كان من ذات الشى ء المضى ء، و النور ما كان مستفادا من غيره، قيل و عليه \par
012    01    جرى قوله تعالى: هو الذى جعل الشمس ضياءا و القمر نورا و البرزخ، فى اللغه: الحاجز بين الشيئين، و اطلق على الحاله التى تكون بين الموت و البعث، قال تعالى: و من ورائهم برزخ الى يوم يبعثون و هى مده مفارقه الروح لهذا الجسد المحسوس الى وقت البعث و عودها اليه، و يطلق على القبر بهذا الاعتبار، \par روى ثقه الاسلام فى الكافى باسناده عن عمر بن يزيد قال قلت لابى عبدالله عليه السلام انى سمعتك و انت تقول كل شيعتنا فى الجنه على ما كان منهم قال صدقتك كلهم و الله فى الجنه قال قلت جعلت فداك ان الذنوب كثيره كبار، فقال اما فى القيامه فكلكم فى الجنه بشفاعه النبى المطاع او وصى النبى، و الله اتخوف عليكم فى البرزخ، قلت و ما البرزج؟ قال: القبر منذ حين موته الى يوم القيمه. \par (بقاء النفوس الناطقه بعد خراب البدن) \par فى هذه الفقره من الدعاء دلاله على بقاء النفوس الناطقه بعد خراب الابدان، لان الاضائه المطلوبه ليست الا للروح، و الا فالجسم يضمحل و يستحيل، و هو مذهب اكثر العقلاء من المليين و الفلاسفه القائلين بان الروح جوهر مجرد ابدى لا يعتريه الزوال و لا يتطرق اليه الاختلال، و لم ينكره الا شر ذمه قليلون كالقائلين بان النفس هى المزاج او الدم، و امثالهم ممن لا يعبابهم و لا يلتفت الى اقوالهم و الشواهد العقليه على ذلك اكثر من ان تحصى، و يكفى فى ذلك قوله تعالى: و لا تحسبن الذين قتلوا فى سبيل الله امواتا بل احياء عند ربهم يرزقون، فرحين بما آيتهم الله من فضله، و يستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ان لا خوف عليهم و لا هم يحزنون. \par (تجسم الاعمال و الاعتقادات، فى تلك النشائه) \par ثم الظاهر ان المراد بالاضائه به ان يصيير الحمد جسما مكيفا بالضوء تشرق به الظلمات البرزخيه كالشمس المشرقه التى تشرق بضوئها الظلمات الزمانيه، بناء \par
012    01    على ما هو الصحيح من تجسم الاعمال و الاعتقادات فى تلك النشائه، كما دل عليه كثير من الاخبار المرويه عن ارباب العصمه عليهم السلام، فالاعمال الصالحه و الاعتقادات الصحيحه تظهر صورا نورانيه مشرقه يستضيى ء بنورها اصحابها، كما قال تعالى: توم ترى المومنين و المومنات يسعى نورهم بين ايديهم و بايمانهم و فى الخبر: ان العمل الصالح يضيى ء قبر صاحبه، كما يضى ء المصباح الظلمه و الاعمال السيئه و الاعتقادات الباطله تظهر صورا ظلمانيه كاسفه بتحير فى ظلمها اربابها، كما قال تعالى: يوم يقول المنافقون و المنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا و رائكم فالتمسوا نورا و قال عليه السلام: الظلم ظلمات يوم القيمه، فيكون المراد بظلمات البرزخ ايضا: الاعمال و الاعتقادات المظلمه، \par و المراد باضائتها حينئذ: اما محوها و اذهابها كما قال تعالى: ان الحسنات يذهبن السيئات او تبديلها حسنات، كما قال سبحانه: اولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات \par (الارواح.. يتعلق باشباح مثاليه تشابه تلك الابدان) \par تبصره فيها تذكره: دلت الاخبار المنقوله عن الائمه الاطهار صلوات الله و سلامه عليهم ان الارواح بعد مفارقتها الابدان العنصريه يتعلق باشباح مثاليه تشابه تلك الابدان و هذا التعلق تكون فى مده البرزخ فتتنعم او تتالم بها الى ان تقوم الساعه فتعود عند ذلك الى ابدانها كما كانت عليه، \par روى ثقه الاسلام فى الكافى باسناده عن ابى بصير قال سالت اباعبدالله عليه السلام عن ارواح المومنين فقال فى الجنه على صور ابدانهم لو رايتهم لقلت فلان، \par و عنه قال قلت لابى عبدالله عليه السلام انا نتحدث عن ارواح المومنين انها فى حواصل طير خضر ترعى الجنه، و تاوى الى قناديل تحت العرش فقال لا، اذن ماهى فى حواصل طير خضر، قلت فاين هى؟ قال فى روضه كهيئه الاجساد فى الجنه. \par
012    01    (المومن اكرم على الله من ان يجعل روحه فى حوصله طير) \par عن ابى ولاد الحناط عن ابى عبدالله عليه السلام قال قلت جعلت فداك يروون ان ارواح المومنين فى حواصل طيور خضر حول العرش، فقال لا، المومن اكرم على الله من ان يجعل روحه فى حوصله طير و لكن فى ابدان كابدانهم. \par (فاذا قدم عليهم القادم عرفوه بتلك الصوره التى كانت فى الدنيا) \par عن يونس بن ظبيان قال كنت عند ابى عبدالله عليه السلام فقال: ما يقول الناس فى ارواح المومنين؟ فقلت يقولون تكون فى حواصل طيور خضر فى قناديل تحت العرش، فقال ابوعبدالله عليه السلام: سبحان الله، المومن اكرم على الله من ان يجعل روحه فى حوصله طير، يا يونس: اذا كان ذلك اتاه محمد و على و فاطمه و الحسن و الحسين و الملائكه المقربون فاذا قبضه الله عز و جل صير تلك الروح فى قالب كقالبه فى الدنيا فياكلون و يشربون، فاذا قدم عليهم القادم عرفوه بتلك الصوره التى كانت فى الدنيا. \par (ما من مومن يموت فى بقعه.. الاقيل لروحه الحقى بوادى السلام) \par عن حبه العرنى قال خرجت مع اميرالمومنين عليه السلام الى الظهر فوقف بوادى السلام كانه مخاطب لا قوام فقمت بقيامه حتى اعييت ثم جلست حتى مللت ثم قمت حتى نالنى ما نالنى اولا ثم جلست حتى مللت ثم قمت و جمعت ردائى فقلت يا اميرالمومنين! انى قد اشفقت عليك من طول القيام فراحه ساعه، ثم طرحت الرداء ليجلس عليه، فقال لى يا حبه! ان هو الا محادثه مومن او موانسه، قال قلت يا اميرالمومنين! و انهم لكذلك؟ قال نعم، و لو كشف لك لرايتهم حلقا حلقا محبتين يتحادثون، فقلت اجسام ام ارواح؟ فقال ارواح، \par و ما من مومن يموت فى بقعه من بقاع الارض الا قيل لروحه الحقى بوادى السلام ، و انها لبقعه من جنه عدن. \par (ان لله جنه خلقها الله فى المغرب.. و ان لله نارا فى المشرق..) \par عن ضريس الكناسى قال سئلت اباجعفر عليه السلام ان الناس يذكرون ان فراتنا \par
012    01    يخرج من الجنه فكيف هو؟ و هو يقبل من المغرب و تصب فيه العيون و الاوديه قال فقال ابوجعفر عليه السلام و انا اسمع: ان الله جنه خلقها الله فى المغرب و ماء فراتكم هذا يخرج منها، و اليها تخرج ارواح المومنين من حفرهم عند كل مساء فتسقط على ثمارها، و تاكل منها، و تتنعم فيها، و تتعارف، فاذا طلع الفجر هاجت من الجنه فكانت فى الهواء فيما بين السماء و الارض تطير ذاهبه و جائيه و تعهد حفرها اذا طلعت الشمس و تتلاقى فى الهواء و تتعارف، قال: و ان الله نارا فى المشرق خلقها ليسكنها ارواح الكفار، و ياكلون من زقومها و يشربون من حميمها ليلهم، فاذا طلع الفجر هاجت الى واد باليمن يقال له برهوت اشد حرا من نيران الدنيا كانوا فيه يتلاقون و يتعارفون فاذا كانوا الى المساء عادوا الى النار، فهم كذلك الى يوم القيمه. \par (تلك الاشباح ليست فى كثافه الماديات و لا فى لطافه المجردات.) \par قال العلامه البهائى قدس سره: ما تضمنته هذه الاحاديث من ان الاشباح التى تتعلق بها النفوس مادامت فى عالم البرزخ ليست باجسام، و انهم ياكلون و يشربون و يجلسون حلقا حلقا على صور اجسادهم العنصريه يتحدثون و يتنعمون، و انهم ربما يكونون فى الهواء بين الارض و السماء يتعارفون فى الجو و يتلاقون و نحو ذلك: مما يدل على نفى الجسميه و اثبات بعض لوازمها، يعطى ان تلك الاشباح ليست فى كثافه الماديات و لا فى لطافه المجردات بل هى ذوات جهتن، و واسطه بين العالمين. \par (اول هول من اهوال يوم القيامه) \par (و يسهل علينا به سبيل المبعث) الضمير فى: يسهل، راجع الى الله تعالى، و سبيل المبعث بالنصب مفعول به، و المبعث: اما اسم مكان، او مصدر ميمى بمعنى البعث، و هو لغه: الارسال يقال بعثته رسولا اى ارسلته، و اصطلاحا: نشر الموتى من القبور، و ارسالهم الى المحشر، قيل المراد بالمبعث هنا المحشر، و فى الحديث: ان الذهاب من القبر الى عرصه المحشر يوم البعث يشق على قوم و يسهل على آخرين، \par
012    01    و الاولى ان يكون المراد بالمبعث: البعث، فيكون مصدرا، و يكون المراد بسبيل المبعث: السبيل التى يبعث اى يرسل منها الى المحشر، و بتسهيلها: سلوكها دون مشقه، و السلامه من اهوالها، و شدائد احوالها، \par فقد روى ثقه الاسلام فى الروضه فى حديث طويل: اذا كان يوم القيامه بعث الله الناس من حفرهم عزلا بهما جردا فى صعيد واحد يسوقهم النور و تجمعهم الظلمه حتى يقفوا على عقبه المحشر فيركب بعضهم بعضا و يزدحمون دونها فيمنعون من المضى ء فتشتد انفاسهم و يكثر عرقهم، و تضيق بهم امورهم و يشتد ضجيجهم، و ترتفع اصواتهم، قال، و هو اول هول من اهوال يوم القيمه، (الى ان قال) ثم يخلى سبيلهم فينطلقون الى العقبه يكرد بعضهم بعضا حتى ينتهوا الى العرصه. \par (نحن الامه الوسط و نحن شهداء الله على خلقه..) \par (و يشرف به منازلنا عند مواقف الاشهاد) يشرف، اى يعلى من الشرف بمعنى العلو، يقال: شرفه تشريفا، و المواقف، جمع موقف و هو مكان الوقوف، و الاشهاد: جمع شاهد كصاحب و اصحاب، او شهيد كشريف و اشراف، و قيل: هو جمع شهد و هو جمع شاهد كصحب جمع صاحب و جمعه: اصحاب، و هو من شهد على الشى ء اى اطلع عليه و عاينه، او من شهد به، اى اخبر بما قد شاهد، و المراد بهم من يقف يوم القيمه للشهاده على الناس من الملائكه و الانبياء و المومنين، كما قال تعالى: انا لننصر رسلنا و الذين آمنوا فى الحيوه الدنيا و يوم يقوم الاشهاد قيل: و الفائده فى قيام الاشهاد و اعتبار قولهم: المبالغه فى اظهار الفضيحه، \par و قال قتاده: المراد بالاشهاد. الحضار و هم جمع اهل الموقف، و روى ان الامم ينكرون يوم القيمه تبليغ الانبياء فيطالب الله الانبياء بالبينه على انهم قد بلغوا و هو اعلم فيوتى \par
012    01    عليهم بالشهداء، \par و روى ثقه الاسلام فى الكافى باسناده عن العجلى قال قلت لابى جعفر عليه السلام قول الله تبارك و تعالى: و كذلك جعلناكم امه وسطا لتكونوا شهداء على الناس و يكون الرسول عليكم شهيدا قال نحن الامه الوسط، و نحن شهداء الله على خلقه و حججه فى ارضه. \par (المقتبس ليس بقران حقيقه) \par (يوم تجزى كل نفس بما كسبت و هم لا يظلمون) اقتباس عن قوله تعالى فى سوره الجاثيه: و خلق السماوات و الارض بالحق و لتجزى كل نفس بما كسبت و هم لا يظلمون و قد تقدم ان المقتبس ليس بقرآن حقيقه بل كلام يماثله فلا يضر فيه التغيير اليسير كما وقع هنا. \par (معنى: يوم لا يغنى مولى عن مولى شيئا..) \par (يوم لا يغنى مولى عن مولى شيئا و لا هم ينصرون) اقتباس آخر من قوله تعالى فى سوره الدخان: ان يوم الفصل ميقاتهم اجمعين يوم لا يغنى مولى عن مولى شيئا و لا هم ينصرون يقال: \par اغنى فلان عن فلان اذا اجزء عنه و قام مقامه، و ما يغنى عنك هذا، اى ما يجزيك و ما ينفعك و حكى الازهرى: ما اغنى فلان شيئا بالغين و العين اى لم ينفع بهم، و المولى: الولى، و الناصر، و القريب، و الصاحب، و المنعم، و الجار، و الحليف، و المحب، و التابع و المعتق و المعتق و العبد، و النزيل، و الشريك، و المالك، و المراد ان احدا منهم باى معنى فرض لا ينفع اى مولى كان شيئا من الاغناء. \par
013    01    (هذه الواح النفسيه يقال لها صحائف الاعمال) \par (حمدا يرتفع منا الى اعلى عليين فى كتاب مرقوم يشهده المقربون) اختلف المفسرون فى المسمى به فالمشهور انه اسم لديوان الخير الذى دون فيه كل ما عملته الملائكه، و \par
013    01    صلحاء الثقلين، لانه سبب الارتفاع الى اعالى الدرجات فى الجنه، او لانه مرفوع فى السماء السابعه حيث تحضره الملائكه المقربون، \par قال بعض علمائنا: كل ما يدركه الانسان بحواسه ترتفع منه اثر الى روحه، و يجتمع فى صحيفه ذاته و خزانه مدركاته و كذلك كل مثقال ذره من خير او شر يعمله يرى اثره مكتوبا ثمه لا سيما ما رسخت بسببه الهيئات، و تاكدت به الصفات و صار خلقا و ملكه، فالا فاعيل المتكرره و الاعتقادات الراسخه فى النفوس هى بمنزله النقوش الكتابيه فى الالواح، كما قال تعالى: اولئك كتب فى قلوبهم الايمان و هذه الالواح النفسيه يقال لها صحائف الاعمال، و اليه الاشاره بقوله سبحانه: و اذا الصحف نشرت فمن كان من اهل السعاده و اصحاب اليمين و كانت معلوماته امورا قدسيه و اخلاقه زكيه و اعماله صالحه اوتى كتابه بيمينه: اعنى من جانبه الاقوى الروحانى و هو جهه عليين و ذلك لان كتابه من جنس الالواح العاليه، و الصحف المكرمه المرفوعه المطهره بايدى سفره كرام برره يشهده المقربون، و من كان من اهل الشقاء المردودين و كانت معلوماته مقصوره على الجزئيات و اخلاقه خبيثه و اعماله سيئته اوتى كتابه بشماله اعنى من جانبه الاضعف الجسمانى و هو جهه سجين و هو فعيل من السجن سمى به ديوان فيه اعمال الكفره و الفجره من الثقلين، \par و قوله عليه السلام: فى كتاب مرقوم، متعلق بيرتفع حال من الضمير المستتر فيه الراجع الى الحمد اى كائنا فى كتاب مرقوم اى مسطور بين الكتابه رقم فيه تفاصيل احوال السعداء، و قوله عليه السلام: يشهده المقربون، اى يحضره الملائكه الكروبيون المقيمون فى عليين و يحفظونه او يشهدون بما فيه يوم القيمه، و كفى بشهود فضيله له، و لمن كتب فيه اسمائهم و اعمالهم. \par
014    01    (المراد بابيضاض الوجوه و اسودادها فى الاخره) \par (حمدا تقر به عيوننا اذا برقت الابصار، و تبيض به وجوهنا اذا اسودت الابشار) \par
014    01    برق البصر، كفرح و نصر برقا و بروقا: تحير فزعا حتى لا يطرف او دهش فلم يبصر، و قيل برق كفرح: من برق الرجل اذ انظر الى البرق فتاثر بصره من تامله، ثم استعمل فى كل حيره، و كنصر من البريق و هو اللمعان اى لمع من شده شخوصه، كقوله تعالى: انما يوخرهم ليوم تشخص فيه الابصار، \par و برق الابصار احد امارات الساعه التى ذكرها الله سبحانه فى قوله: فاذا برق البصر و خسف القمر و جمع الشمس و القمر يقول الانسان يومئذ اين المفر و قوله عليه السلام: و تبيض به وجوهنا اذا اسودت الابشار، الابشار: جمع بشر بالتحريك، كسبب و اسباب و هو جمع بشره و هى ظاهر جلد الانسان فالابشار جمع جمع و فيه تلميح الى قوله تعالى: يوم تبيض وجوه و تسود وجوه و للمفسرين فيه قولان: \par احدهما- ان المراد بابيضاض الوجوه اشراقها و اسفارها بنيل البغيه و الظفر بالامنيه و الاستبشار بما تصير اليه من الثواب كقوله تعالى: وجوه يومئذ مسفره ضاحكه مستبشره و باسودادها ظهور اثر الحزن و الكابه عليها لما تصير اليه من العقاب كقوله تعالى: وجوه يومئذ باسره و قوله وجوه يومئذ عليها غبره ترهقها قتره، \par و ثانيها- ان البياض و السواد محمولان على ظاهرهما: و هما النور و الظلمه اذ الاصل فى الاطلاق الحقيقه فمن كان من اهل نور الحق و سم ببياض اللون و اسفاره و اشراقه و ابيضت صحيفته، و سعى النور بين يديه و بيمينه، و من كان من اهل ظلمه الباطل و سم \par
014    01    بسواد اللون و كمده و اسودت صحيفته، و احاطت به الظلمه من كل جانب، قالوا و الحكمه فى ذلك ان يعرف اهل الموقف كل صنف فيعظموهم و يصغروهم بحسب ذلك، و يحصل لهم بسببه مزيد بهجه و سرور او ويل و ثبور، و ايضا اذا عرف المكلف فى الدنيا انه يحصل له فى الاخره احدى الحالتين ازدادت نفسه رغبه فى الطاعات و عزفا عن المعاصى، \par و التحقيق فى ذلك: ان الهيئات و الاخلاق الحميده انوار و الملكات و العادات الذميمه ظلمات، و كل منها لا يظهر آثاره الا بعد المفارقه الى الاخره، فابيضاض الوجوه عباره عن آثار تلك الانوار و اسواد الوجوه و الابشار عباره عن آثار تلك الظلمات. اعاذنا الله منها. \par
015    01    (البحث فى معنى كريم جوار الله) \par (حمدا نعتق به من اليم نار الله الى كريم جوار الله، حمدا نزاحم به ملائكته المقربين و نضام به انبيائه المرسلين). \par الى كريم جوار الله، متعلق بنعتق عداه بالى لتضمينه معنى نصير، و المعنى صائرين به الى كريم جوار الله، و الكريم العزيز و الحسن المرضى و خلاف اللئيم، و الجوار بالكسر فى الاصل مصدر جاوره يجاوره مجاوره و جوارا بالكسر و الضم، قال الفيومى فى المصباح و الاسم الجوار بالضم، و الصواب ان الاسم بالفتح كما فى ديوان الادب للفارابى، ثم اطلق على الخفاره بمعنى الحمايه، و كان من عاده العرب ان يخيف بعضهم بعضا فكان الرجل اذا اراد سفرا اخذ من سيد كل قبيله عهدا فيامن به مادام مجاورا ارضه و داخلا فى حدودها حتى ينتهى الى قبيله اخرى فيفعل مثل ذلك فيقال هو فى جوار فلان اى فى خفارته قال فى القاموس: الجوار بالكسر ان تعطى الرجل ذمه فيكون بها جارك فتجيره، و المراد به هنا امان الله من تعالى من العذاب و وقايته منه، او القرب منه و الرفعه عنده بواسطه نيل \par
015    01    الثواب تشبيها بالقرب المكانى فيكون من المجاوره حقيقه. \par
016    01    (قوله عليه السلام: نزاحم به ملائكته المقربين) زحمه كمنعه زحما و زاحمه زحاما: ضائقه فى المجلس و غيره، و فلان زاحم الخمسين: قاربها اى حمدا يوجب غايه القرب منه تعالى بحيث نزاحم به الملائكه، لان كمال القرب من الشى ء مع كثره الطالبين للوصول اليه يوجب المزاحمه. \par و هذا على القول بان الملائكه اجسام ظاهر، و اما على القول بانهم ارواح مجرده فهو من باب التمثيل. \par قوله عليه السلام و نضام به انبيائه المرسلين: الضم: الجمع تقول ضممت الشى ء الى الشى ء فانضم، و ضامه قومه اى انضموا اليه، و المعنى ننضم به الى انبيائه المرسلين و نجتمع فى دار المقامه معهم. \par (الفرق بين النبى و الرسول، و ان الانبياء افضل من الملائكه) \par و انما وصف الانبياء بالمرسلين، لان الرسول اخص من النبى لان كل رسول نبى من غير عكس، فقيل: الرسول: الذى معه كتاب من الانبياء، و النبى الذى ينبئى عن الله تعالى و ان لم يكن معه كتاب، هكذا قال غير واحد من المفسرين، و فيه بحث لان لوطا و اسماعيل و ايوب و يونس و هارون كانوا مرسلين كما ورد فى التنزيل و لم يكونوا اصحاب كتب مستقله، \par فقيل: الرسول من بعثه الله تعالى بشريعه جديده يدعوا الناس اليها، و النبى يعمه و من بعثه لتقرير شريعه سابقه كانبياء بنى اسرائيل الذين كانوا بين موسى و عيسى عليهماالسلام، و يدل عليه انه عليه السلام سئل عن الانبياء، فقال مائه الف و اربعه و عشرون الفا، قيل و كم الرسول منهم؟ فقال ثلثمائه و ثلاثه عشر جما غفيرا، \par و قيل: الرسول من ياتيه الملك بالوحى عيانا و مشافهه، و النبى يقال له و لمن يوحى اليه فى المنام، و هذا القول مروى عن ابى جعفر و ابى عبدالله عليهماالسلام قالا: ان الرسول الذى يظهر له الملك فيكلمه، و النبى هو الذى يرى فى منامه و يسمع الصوت و لا يعاين الملك، و الرسول الذى يسمع الصوت و يرى فى المنام و يعاين الملك، \par
016    01    و انما قدم عليه السلام الملائكه على الانبياء فى الذكر رعايه للترتيب الواقع لانهم الوسائط بين الله تعالى و بين رسله فى تبليغ الوحى و الشريعه لا لكونهم افضل من الانبياء، خلافا للمعتزله و من وافقهم، و ما قاله النيسابورى فى تفسيره من ان الشيعه وافقوا المعتزله على ذلك محض افتراء عليهم فان الشيعه مجمعون على ان الانبياء افضل من الملائكه عليهم السلام. \par قال الشريف المرتضى رضى الله عنه: المعتمد فى القطع على ان الانبياء افضل من الملائكه عليهم السلام على اجماع الشيعه الاماميه لانهم لا يختلفون فى هذا بل يزيدون فيه و يذهبون الى ان الائمه عليهم السلام افضل من الملائكه، و اجماعهم حجه لان المعصوم فى جملتهم، \par و قال الشيخ ابوجعفر بن بابويه قدس سره: اعتقادنا فى الانبياء و الرسل و الحجج عليهم السلام انهم افضل من الملائكه لان الحاله التى يصيرون اليها افضل و اعظم من حال الملائكه عليهم السلام. \par (الدار الاخره، خلقت لذاتها فهى محل الاقامه و دار القرار) \par (فى دار المقامه التى لا تزول، و محل كرامته التى لا يحول) المقامه، بالضم مصدر بمعنى الاقامه الحقت به التاء، قال تعالى: الذى احلنا دار المقامه من فضله اى دار الاقامه التى لا انت قال عنها ابدا، و الكرامه اسم من الاكرام و التكريم، و هما بمعنى الاعزاز و التعظيم، و حال الشى ء يحول: تغير عن طبعه و وصفه كاستحال، \par و انما كانت تلك الدار دائمه باقيه مصونه عن الانقضاء و الزوال، آمنه من الانقراض و استحاله الاحوال: لانها خلقت لذاتها لا لشى ء آخر، فهى محل الاقامه و دار القرار، قال تعالى: انما هذه الحيوه الدنيا متاع و ان الاخره هى دار القرار بخلاف هذه الدار فانها لم تخلق لذاتها بل لتكون وسيله الى تحصيل نشائه اخرى و ذريعه اليها فلا بد من انقطاعها و مصيرها الى البوار. \par
017    01    (المحاسن البدنيه ثلثه امور) \par (و الحمد لله الذى اختار لنا محاسن الخلق) المحاسن، جمع حسن بالضم بمعنى الجمال على غير قياس، و الخلق بفتح الخاء المعجمه قد يراد به هنا: الهيئات و الاشكال و الصور المدركه بالحواس الظاهره فيكون اشاره الى قوله تعالى: و صوركم فاحسن صوركم فان الانسان لما كان اشرف الحيوانات و خلاصه المخلوقات ركبه تعالى فى احسن صوره، قال بعضهم: المحاسن البدنيه ثلثه امور: \par الاول- الصوره الحسنه كما قال تعالى: و صوركم فاحسن صوركم، \par الثانى- حسن القامه و التعديل كما قال تعالى: لقد خلقنا الانسان فى احسن تقويم، \par الثالث- تمكينه من القيام، و القعود، و الاستلقاء، و الانبطاح، و الاضطجاع، و ذلك انه تعالى ركب الخلق على اصناف اربعه: احدها: ما يشبه القائمين كالاشجار، و ثانيها: ما يشبه الراكعين كالبهائم، و ثالثها: ما يشبه الساجدين كالحشرات التى تدب على وجوهها و بطونها، و رابعها: ما يشبه القاعدين كالجبال، ثم انه سبحانه خلق الانسان قادرا على جميع هذه الهيئات، و مكنه من ذكره على جميع هذه الاحوال، كما قال تعالى الذين يذكرون الله قياما و قعودا و على جنوبهم. \par (و اجرى علينا طيبات الرزق، الطيبات يقع على كل ما يستطاب من الاطعمه الا ما دل الدليل على تحريمه من كتاب او سنه، \par
018    01    و جعل لنا الفضيله بالملكه على جميع الخلق و ملكه يملكه من باب ضرب ملكا مثلثه و ملكه محركه: احتواه قادرا على الاستبداد به، و المراد بجميع الخلق: العالم باسره، \par قال الصادق عليه السلام فى كتاب التوحيد: اول العبر و الادله على البارى جل قدسه \par
018    01    هذا العالم و تاليف اجزائه و نظمها على ما هى عليه، فانك اذا تاملته بفكرك، و ميزته بعقلك و جدته كالبيت المبنى المعد فيه جميع ما يحتاج اليه عباده: \par فالسماء مرفوعه كالسقف، و الارض ممدوده كالبساط، و النجوم منضوده كالمصابيح و الجواهر مخزونه كالذخاير، و كل فيها لشانه و معد و الانسان كالمملك ذلك البيت و المخول فيه، و ضروب النبات مهياه لما ربه، و صنوف الحيوان مصروفه فى مصالحه و منافعه. \par (الغايه القصوى من ايجاد العالم.. ليس الا وجود خليفه الله فى..) \par قال بعض العلماء: لما كان الغايه القصوى من ايجاد العالم، و المقصد الاقصى من خلق بنى آدم ليس الا وجود خليفه الله فى ارضه، و العالم الربانى فى عباده: و هو الثمره العليا، و اللباب الاصفى من شجره الكون المشتمله على الدنيا و العقبى ليس الا، و سائر الا كوان انما خلق من فضالته لحاجته اليها من ضرورات تعيشه بها و استخدامه اياها، كما قال سبحانه فى الحديث القدسى مخاطبا صفوه خلقه: خلقت الاشياء لاجلك، و خلقتك لاجلى، و قال تعالى: لولاك لما خلقت الافلاك، \par و عنه صلى الله عليه و آله: يا على! لو لا نحن ما خلق الله آدم و لا حواء و لا الجنه و لا النار و لا السماء و لا الارض، \par جعل المخلوقات العاليه و السافله كلها مسخره للانسان مطيعه له، كما قال: سخر لكم الليل و النهار و الشمس و القمر و النجوم مسخرات بامره، و ما ذرا لكم فى الارض مختلفا الوانه و قال: و سخر لكم ما فى السموات و ما فى الارض فاشار سبحانه الى تسخيره لنا: الكواكب و الحيوانات و النباتات و الجمادات، \par فكان غير الانسان انما خلق للانسان، و الانسان للكامل و الكامل للاكامل، و الاكمل لله سبحانه. \par
018    01    (التسخير على ثلثه اقسام) \par (فكل خليقه منقاده لنا بقدرته، و صائره الى طاعتنا بعزته) الفاء للسببيه، اى فسبب ذلك كل خليقه منقاده، اى مذعنه طائعه، يقال انقاد فلان للامر اذا اطاع و اذعن طوعا او كرها، و الخليقه، فعليه بمعنى مفعوله، و التاء فيها اماره للنقل من الوصفيه الى الاسميه، و علامه لكون الوصف غالبا غير محتاج الى موصوف كالنطيحه، و الذبيحه، و صائره اى راجعه من صار الامر الى كذا: رجع اليه، و العزه: القدره، فقوله بعزته اى بقوته على جعلها منقاده طائعه بتسخيره اياها لنا، \par و التسخير على ثلاثه اقسام: \par اولها- الوضعى العرضى، و هو ادناها كتسخيره سبحانه وجه الارض و ما فيها للحرث و الزرع و غير ذلك، و سخر لكم ما فى الارض جميعا و من ذلك تسخير الجبال و المعادن، و الله جعل لكم مما خلق ظلالا، و جعل لكم من الجبال اكنانا، و جعل لكم سرابيل تقيكم الحر و سرابيل تقيكم باسكم و منه تسخير البحار، و هو الذى سخر لكم البحر لتاكلوا منه لحما طريا و تستخرجوا منه حليه تلبسونها و ترى الفلك مواخر فيه و لتبتغوا من فضله و لعلكم تشكرون و منه تسخير الاشجار للغرس و اخذ الثمار و غير ذلك، و هو الذى انزل من السماء ماء لكم منه شراب و منه شجر فيه تسيمون ينبت لكم به الزرع و الزيتون و النخيل و الاعناب تتخذون منه سكرا و رزقا حسنا و جعل لكم من الشجر الاخضر نارا فاذا انتم منه توقدون و منه تسخير الدواب و الانعام للركوب و الزينه و حمل الاثقال، انا خلقنا لهم مما عملت ايدينا انعاما فهم لها مالكون و ذللناها \par
018    01    لهم فمنها ركوبهم و منها ياكلون و الانعام خلقها لكم فيهادف و منافع و منها ياكلون و لكم فيها جمال حين تريحون و حين تسرحون و تحمل اثقالكم الى بلد لم تكونوا بالغيه الا بشق الانفس ان ربكم لروف رحيم و الخيل و البغال و الحمير لتركبوها و زينه. \par الثانى- التسخير الطبيعى و هو اوسطها: و هو تسخير جنود القوى النباتيه و مواضعها له للتغذيه و التنميه و التوليد و الجذب و الامساك و الهضم و الدفع و التصوير و التشكيل، \par الثالث- التسخير النفسانى و هو اعلاها و هو تسخير ملكوت الحواس و ملك اعضائها، و هو على صنفين: صنف من عالم الشهاده، و صنف من عالم الغيب، اما الاول فلا يستطيعون له خلافا و لا عليه تمردا فاذا امر العين بالانفتاح انفتحت، و اذا امر اللسان بالتكلم و جزم الحكم به تكلم، و اذا امر الرجل بالحركه تحركت، و كذا سائر الاعضاء الظاهره، و اما الثانى فكذلك الا ان الوهم له شيطنه بحسب الفطره يقبل اغواء الشيطان فيعارض العقل فى مقاصده البرهانيه الايمانيه فيحتاج الى تاييد جديد اخروى ليقهره و يغلب عليه، و يطرد ظلماته، \par و لما كان خلق هذا العالم الجسمانى انما هو لاجل الانسان فالملائكه المدبرون له مسخرون لاجله مطيعون له سمائيين كانوا ام ارضيين موكلون بسائر ما خلق لاجله، قيل و هذا هو معنى السجود المامور به الملائكه فى قوله تعالى: و لقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكه اسجدوا لادم فسجدوا الا ابليس لم يكن من الساجدين. \par و بيان ذلك: ان الوجود كله مرتبط بعضه ببعض ارتباط اعضاء الانسان، الا ترى؟ ان حواس الانسان و اعضائه المنقاده له، المطيعه لامره، مثلا لا تقوم الا بجميع البدن، و لا البدن، الا بالغذاء و لا الغذاء الا بالارض و الماء و النار و الهواء و الغيم و المطر و الشمس و القمر، و لا يقوم شى ء منها الا بالسموات و لا السموات الا بالمدبرات و لا المدبرات الا بالملائكه العقليه و لا الجميع الا بامر الله و ارادته و قدرته و عزته، \par
018    01    فثبت ان كل خليقته منقاده لنوع الانسان و صائره الى طاعته بعزته جل و علا. \par
019    01    (معنى: اغلاق باب الحاجه الا الى الله تعالى) \par (و الحمد لله الذى اغلق عنا باب الحاجه الا اليه) المعنى: انه تعالى لم يزل واهبا لنا جميع ما نحتاج اليه، و لم يخلقنا محتاجين الى غيره، قيل و هو اما باعتبار كون الحاجه الى غيره تعالى حاجه اليه، لانه المالك و المنعم الحقيقى، و اما لانه تعالى تكفل برزقنا المضمون فنحن محتاجون اليه دون غيره، و فتحنا باب الحاجه الى غيره لا ينافى اغلاقه الباب دوننا. \par (الفاء الفصيحه، و معنى ام متى نودى شكره، و معنى لا متى) \par (فكيف نطيق حمده؟ ام متى نودى شكره؟ لا متى) الفاء فصيحه، اى اذ كان فضله وجوده علينا بهذه المثابه فكيف نطيق حمده، و سميت فصحيه لافصاحها عن المحذوف بحيث لو ذكر لم يكن بذلك الحسن مع حسن الموقع ذوقى لا يمكن التعبير عنه، و منها فى التنزيل: قال انا خير منه خلقتنى من نار و خلقته من طين، قال فاخرج اى اذا كان عندك هذا الكبر فاخرج، (قوله: ام متى نودى شكره) لما كان شكره تعالى واجبا على العبد كانه امانه او دين يجب عليه ايصائه استعمل فيه الاداء. \par قوله عليه السلام: لا متى قال بعضهم هو اما بمعنى لا يمكن تاديه شكره متى يمكن ذلك او بمعنى لا يقال متى فانه يتوهم منه امكان وقوعه، و قيل هو من قبيل الحكايه كما حكى سيبويه انه سمع رجلا يقول لاخر من اين يافتى؟ فقال لامن اين يافتى، يعنى لا تسئل فان هنا امرا اهم من هذا و لو لا الحكايه ما صح دخول لا على من و لا فهم منه معنى صحيح. \par
020    01    (كيفيه الروح و اقسامه) \par (و الحمد لله الذى ركب فينا آلات البسط و جعل لنا ادوات القبض و متعنا بارواح الحيوه و اثبت فينا جوارح الاعمال) ركب الشى ء تركيبا، وضعه فيه كانه راكب عليه و منه ركب الفص فى الخاتم، و ركبه ايضا وضع بعضه على بعض، و الالات جمع آله و هى \par
020    01    ما يوثر الفاعل فى منفعله القريب منه بواسطته، و جعل هنا بمعنى اوجد، و الادوات جمع اداه و هى الاله، و المراد بالبسط و القبض: بسط الاعضاء و قبضها، و الالات و الادوات: الاعصاب و العضلات و الاوتار و الرباطات و العروق و الاغشيه و اللحوم و الشحوم و الرطوبات و الغضاريف التى بواسطتها تنبسط الاعضاء و تنقبض باراده التحريك و عدمها، و انما قدم البسط على القبض لان اصل العضو باعتبار اصل خلقته يقتضى الانبساط و انقباظه انما يقع باراده التحريك. متعته اذا اعطيته متاعا و هو كل ما يستمتع، و يقول متعك الله بكذا تمتيعا و امتعك به اى اطال لك الانتفاع به، \par و الارواح اما جمع روح بالضم و هى على ما فى الحديث عن اميرالمومنين و الباقر و الصادق عليهم السلام خمسه للمقربين: روح القدس و به علموا جميع الاشياء، و روح الايمان و به عبدوا الله تعالى، و روح القوه و به جاهدوا الاعداء و عالجوا معايشهم، و روح الشهوه و به اصابوا لذه الطعام و النكاح، و روح البدن و به دبوا و درجوا، و اربعه لاصحاب اليمين بفقد روح القدس فيهم، و ثلثه لاصحاب الشمال و الدواب بفقد روح الايمان فيهم، \par و اما جمع روح بالفتح و هو نسيم الريح فان العروق النابضه الضوارب التى منبتها القلب و تسمى بالشرائين لها حركتان: انقباضيه و انبساطيه و شانها ان تنقبض البخار الدخانى عن القلب بحركتها الانقباضيه و تجذب بحركتها الانبساطيه نسيما طيبا صافيا يستريح به القلب و تستمد منه الحراره الغريزيه ، بهذه الحركه تنتشر الروح و القوه الحيوانيه و الحراره الغريزيه فى جميع البدن، فهذا النسيم الذى يستريح به القلب هو روح الحيوه فلو انقطع عن القلب ساعه لا نقطعت الحيوه فتبارك الله احسن الخالقين. \par (الفرق بين الفعل و العمل و الصنع) \par قوله عليه السلام: و اثبت فينا جوارح الاعمال، اثبت الشى ء فى الشى ء جعله ثابتا فيه \par
020    01    لا يفارقه، و الجوارح جمع جارحه و هى الاعضاء التى يعمل بها و يكتسب، و هى من جرح اذا عمل بيده تقول بئس ما جرحت يداك اى عملتا، و منه جوارح الطير لانها تكسب بيدها و الاعمال جمع عمل و هو الفعل و الصنع، و فرق الراغب بين الثلاثه: فقال الفعل لفظ عام يقال لما كان با جاده و بدونها، و لما كان بعلم او بغير علم و قصد، و لما كان من الانسان و الحيوان و الجماد، و اما العمل فانه لا يقال الا لما كان من الحيوان دون لما كان من الجماد، و لما كان بقصد و علم دون ما لم يكن عن قصد و علم، قال بعض الادباء: العمل مقلوب عن العلم فان العلم فعل القلب و العمل فعل الجارحه و هو يبرز عن فعل القلب الذى هو العلم و ينقلب عنه، و اما الصنع فانه يكون من الانسان دون سائر الحيوان و لا يقال الا لما كان باجاده و لهذا يقال للحاذق: المجيد و الحاذقه: المجيده، صنع كبطل و صناع كسلام و الصنع يكون بلا فكر لشرف فاعله، و الفعل قد يكون بلا فكر لنقص فاعله و العمل لا يكون الا بفكر لتوسط فاعله فالصنع اخص المعانى الثلاثه و الفعل اعمها و العمل اوسطها، فكل صنع عمل و ليس كل عمل صنعا و كل عمل فعل و ليس كل فعل عملا، \par و فارسيه هذه الالفاظ تنبى ء عن الفرق بينها: فانه قيل للفعل (كار) و للعمل (كردار) و للصنع (كنش). \par (معنى: طيبات الرزق... و رد من زعم ان الفقر و الغنى) \par (بكسب الانسان و...) \par (و غذانا بطيبات الرزق، و اغنانا بفضله، و اقنانا بمنه) الغذاء ككتاب ما به نماء الجسم و قوامه من الطعام و الشراب، و طيبات الرزق: فنون الاغذيه اللطيفه حيوانيه كانت او نباتيه، و ضروب المستلذات مما يحصل بصنعنا و بغير صنعنا، و فى روايه: الرزق الطيب هو العلم، قوله عليه السلام: و اغنانا بفضله، هو اما من الغناء بالفتح و المد كسلام بمعنى الاكتفاء يقال غنيت بكذا عن غيره من باب تعب اذا استغنيت به و الاسم الغنيه بالضم فانا غنى و اغنيته به، كفيته او من الغنى بالكسر و القصر و هو اليسار تقول غنى فلان من المال \par
020    01    يغنى، غنى كرضى يرضى رضى و اغناه الله، و الفضل هنا بمعنى الطول و الاحسان قوله: و اقنانا بمنه، قال الزمخشرى القنا و القنيه من اقتنى من شاه او ناقه، \par و الفقرتان تلميح الى قوله تعالى: و انه اغنى و اقنى قال بعض المفسرين: اغنى الانسان بلبن امه و نفقه ابيه فى صغره، ثم اقناه بالكسب بعد كبره، او اغناه بكل ما يدفع الحاجه و اقناه بمازاد عليه، و المن: الانعام، و فيه رد على من زعم ان الفقر و الغنى بكسب الانسان و اجتهاده فمن كسب استغنى و من كسل افتقر. \par
021    01    (قول الصادق عليه السلام: شكر النعمه اجتناب المحارم) \par (ثم امرنا ليختبر طاعتنا، و نهانا ليبتلى شكرنا) اى ليختبر طاعتنا انطيع ام نعصى، و ليبتلينا انشكر ام نكفر، كما قال تعالى، هذا من فضل ربى ليبلونى ءاشكر ام اكفر او ليختبر طاعتنا و ليبتلى شكرنا فيعلم حسنهما من قبيحهما، كما قال تعالى: و نبلو اخباركم اى ما يحكى عنكم و يخبر عن اعمالكم فنعلم حسنها من قبيحها، \par فان قلت: كيف جعل النهى لابتلاء الشكر دون الطاعه مع ان الطاعه امتثال الامر و النهى؟ \par قلت: لما كان الشكر عرفا عباره: عن صرف العبد جميع ما انعم الله عليه به فيما انعم لاجله كان ارتكاب المناهى منافيا للشكر فكان النهى من هذه الجهه لابتلاء الشكر، و الى هذا المعنى اشار الصادق عليه السلام بقوله شكر النعمه اجتناب المحارم. \par (طريق امره تعالى.. واحده و اما متون زجره فمختلفه كثيره) \par (فخالفنا عن طريق امره، و ركبنا متون زجره،) خالف عن الشى ء: عدل عنه اى مال و انحرف، و الاصل خالفنا طريق امره بترك مقتضاه، و الذهاب الى سمت خلاف سمته، ثم ضمن معنى العدول فعداه بعن، و منه قوله تعالى: فليحذر الذين يخالفون عن امره اى يخالفونه، و عداه بعن لتضمينه معنى الاعراض، و انما قلنا بتضمين معنى \par
021    01    العدول فى الاول لمناسبته للطريق اذ يقال عدل عن الطريق و لا يقال اعرض عنه ، و ركبه كسمعه ركوبا: علاه و اصله فى الدابه ثم توسع فيه و استعمل فى غيرها مجازا فقيل ركب الطريق اذا مضى فيه، و ركب ذنبا اذا اقترفه، و المتون جمع متن و هو ما صلب و ارتفع من الارض، و الزجر المنع زجرته زجرا من باب قتل منعته فانزجر و استعار الطريق للامر و المتون للزجر لان الطريق اكثر ما يكون سهله السلوك ممهده للسالكين، و متون الارض و عره المسالك غير مذلله للسائرين لا يركبها الا المعتسف الاخذ على غير الطريق و يحتمل ان يكون المراد بالمتن: الظهر، و ما ذكرناه انسب، \par و انما افرد طريق الامر و جمع متون الزجر، لان طريق امره تعالى: هى طريق الرشد التى لا تختلف و هى واحده، و اما متون زجره فمختلفه كثيره لكثره اختلاف طرق الضلال التى نهى سبحانه عن اتباعها، كما قال تعالى: و ان هذا صراطى مستقيما فاتبعوه و لا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله، \par روى ان النبى صلى الله عليه و آله خط خطا قال هذا سبيل الرشد ثم خط عن يمينه و شماله خطوطا ثم قال هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعوا اليه ثم تلا قوله تعالى: و ان هذا صراطى مستقيما. الايه. \par (اقتضت حكمته.. تعالى ان لا يجعل ايصال الشر اليهم لعلهم..) \par (فلم يبتدرنا بعقوبته، و لم يعاجلنا بنقمته،) ابتدر الشى ء و بادره و بادر اليه: عاجله و اسرع اليه، و العقوبه بالضم اسم من عاقبت المسى ء معاقبه و عقابا كافاته، و النقمه ككلمه و بالكسر و الفتح مع سكون القاف: المكافاه بالعقوبه، نقم منه كضرب و علم و انتقم عاقبه، و فيه تلميح الى قوله تعالى: و لو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضى اليهم اجلهم و سمى العقوبه شرا لانها اذى و الم فى حق المعاقب اى لو يريد الله عجله الشر للناس كما ارادوا عجله الخير لهم لا ميتوا و اهلكوا، و لكن اقتضت حكمته و مصلحته \par
021    01    تعالى ان لا يعجل ايصال الشر اليهم لعلهم يومنون، او يتوبون او يخرج من اصلابهم من يومن. \par (صفات كل موجود على حسب وجوده: فصفات الجسم..) \par (بل تانانا برحمته تكرما، و انتظر مراجعتنا برافته حلما) تانى فى الامر: تمكث و لم يعجل و الاسم منه اناه على وزن حصاه: و تانيته و استانيته: امهلته و لم اعجله، و الرحمه قيل رقه القلب و انعطاف يقتضى التفضل و الاحسان، و الحق انها فينا حاله نفسانيه تكون مع رقه القلب بها نفعل الموده و الاحسان، كما ان الغضب حاله نفسانيه تكون فى الاكثر مع قساوه القلب و جموده، تصدر منها الاسائه و الجور، و هكذا العلم و الحلم و الحيا و الصبر و العفه و المحبه و غيرها فينا صفات نفسانيه تناسبها احوال القلب و مزاج البدن، و هى مبادى افعال و آثار تناسبها، \par قال بعض المحققين من اصحابنا المتاخرين: اذا اطلق بعض هذه الصفات على الله تعالى فلا بد ان يكون هناك على وجه اعلى و اشرف لان صفات كل موجود على حسب وجوده فصفات الجسم كوجوده جسمانيه، و صفات النفس نفسانيه، و صفات العقل عقلانيه و صفات الله تعالى الهيه لا كما عليه كثير من اهل التحصيل و التميز من انكار هذه الصفات فى حقه تعالى راسا، و القول بان اسماء الله تعالى انما تطلق عليه باعتبار الغايات دون المبادى التى تكون انفعالات، و هذا من قصور العلم و ضيق الصدر و عدم سعه التعقل حيث لم يدركوا مقامات الوجود و مواطنه و معارجه و منازله و احواله فى كل موطن و مقام فوقعوا فى مثل هذا التعطيل الخالى عن التحصيل، و بالجمله العوالم متطابقه فما وجد من الصفات الكماليه فى الادنى يكون فى الاعلى على وجه ارفع و اشرف و ابسط. فافهم هذا التحقيق و اغتنمه فانه عزيز جدا. تكرما اى تطولا و تفضلا و امتنانا. \par (الفرق بين الرافه و الرحمه، و الحلم فى العبد صفه) \par (نفسانيه و فى الرب...) \par قوله عليه السلام: و انتظر مراجعتنا برافته حلما، الانتظار فى اللغه: ترقب حضور \par
021    01    الشى ء او حصوله، يقال انتظره و نظره ايضا، قال تعالى: ما ينظرون الا صيحه واحده اى ما ينتظرون، و المراجعه: المعاوده و هى الرجوع الى الامر الاول و منه راجع امراته، \par و اعلم انه لما كان غرض العنايه الالهيه هو الوصول الى جناب عزه تعالى الذى هو غايه الخلق وسوق كل ناقص منهم الى كماله ليصل اليه كاملا حسن ان يعبر عن ابقاء العاصى بالتانى له، و عن طلب العنايه الالهيه رجوعه الى طاعته له بالانتظار لمراجعته و الا فهو سبحانه منزه عن التانى و الانتظار، \par قوله عليه السلام برافته، قيل: الرافه اشد الرحمه، و قيل الرحمه اكثر من الرافه و الرافه اقوى منها فى الكيفيه لانها عباره عن ايصال النعم بلا كراهه، و الرحمه ايصال النعم مطلقا، و قد يكون مع الكراهه للمصلحه كقطع العضو المتاكل و اطلاق الرافه عليه تعالى كاطلاق الرحمه و قد مر تحقيقه آنفا (و الحلم) فى العبد صفه نفسانيه و فى الرب صفه الهيه فهو فيه اعلى و اشرف و اكمل و ارفع. \par
022    01    (التوبه من اعظم نعم الله تعالى على عباده لانها..) \par (و الحمد لله الذى دلنا على التوبه التى لم نفدها الا من فضله، فلو لم نعتدد من فضله الا بها لقد حسن بلائه عندنا، و جل احسانه الينا، و جسم فضله علينا،) دلنا على التوبه اى عرفنا حقيقتها، او عرفنا وجوبها و كونها مقبوله، قوله عليه السلام: لم نفدها، ضبط بكسر الفاء و فتحها مع ضم النون، فالكسر من الافاده بمعنى الاستفاده اى لم نستفدها، و بالفتح من الافاده بمعنى الاعطاء اى لم نعطها بالبناء للمفعول، اعتددت بالشى ء على افتعلت اى ادخلته فى العد و الحساب فهو معتد به اى محسوب غير ساقط، \par قوله عليه السلام لقد حسن بلائه، هو جواب لو فالمعنى: لو لم نعتدد من فضله الا بالتوبه لكان بلائه عندنا حسنا، و احسانه الينا جليلا، و فضله علينا جسيما و ذلك: \par لان التوبه من اعظم نعم الله تعالى على عباده، لانها ممحاه للذنوب، مستتره للعيوب مرضاه للرحمان، مسخطه للشيطان، مفتحه لابواب الجنان، معده لاشراق شموس المعارف \par
022    01    الالهيه على الواح النفوس، مستنزله للمواهب الربانيه من الملك القدوس، روى عن اميرالمومنين عليه السلام انه قال: لا شفيع انجح من التوبه، و عن ابى جعفر عليه السلام التائب من الذنب كمن لا ذنب له، و عن ابى عبدالله عليه السلام: ان الله تعالى يفرح بتوبه عباده المومنين اذا تابوا كما يفرح احدكم بضالته اذا وجدها، و سياتى تمام الكلام عليها فى شرح دعائها انشاء الله تعالى، \par قوله عليه السلام حسن بلائه، و البلاء هنا بمعنى الاحسان و الانعام، و منه قوله تعالى: و ليبلى المومنين منه بلاء حسنا قال المفسرون اى عطاء جميلا غير مشوب بمقاساه الشدائد و المكاره. \par
023    01    (كيفيه قتل بنى اسرائيل بعضهم بعضا بامر الله تعالى) \par (فما هكذا كانت سنته فى التوبه لمن كان قبلنا) السنه بالضم: الطريقه المستقيمه و سنه الله تعالى: حكمه، و هكذا اشاره الى الحاضر فى الذهن من سنته فى التوبه المفترضه على هذه الامه المرحومه التى ليس هى الا الندم على الذنب لكونه ذنبا، و المراد بمن كان قبلنا: بنوا اسرائيل الذين كانت سنته تعالى فى التوبه لهم قتل انفسهم الا الندم فقط، كما نطق به التنزيل فى قوله تعالى: و اذ قال موسى لقومه يا قوم انكم ظلمتم انفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا الى بارئكم فاقتلوا انفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم انه هو التواب الرحيم روى ان موسى عليه السلام سال ربه: التوبه على بنى اسرائيل من عباده العجل، فقال: لا الا ان يقتلوا انفسهم، فامرهم موسى عليه السلام بالقتل فاجابوا فاخذ عليهم المواثيق ليصبرن على القتل فاصبحوا مجتمعين و قد اغتسلوا و لبسوا اكفانهم كل قبيله على حده و اتاهم هارون بالاثنى عشر الفا الذين لم يعبدوا العجل و بايديهم السيوف فتقدم موسى و قال لهم: ان هولاء اخوانكم قد اتوكم شاهرين للسيوف فاخبتوا بافنيه بيوتكم و اتقوا الله و اصبروا فلعن الله رجلا حل حيوته اوقام من مجلسه، او مد اليهم طرفه او اتقاهم بيد او رجل، فيقولون آمين، \par روى ان الرجل كان يبصر ولده و جاره و قريبه فلم يمكنه المضى لامر الله فارسل \par
023    01    الله سبحانه ضبابه و سحابه سوداء لا يتباصرون تحتها فجعلوا يقتلونهم الى المساء فقام موسى و هارون يدعو ان الله و يقولان هلكت بنواسرائيل البقيه، البقيه، يا الهنا! فكشف الضبابه و السحابه، و اوحى الله تعالى اليهما: قد غفرت ذنب من قتل و تبت على من لم يقتل، قالوا و كانت القتلى سبعين الفا. \par (شده تكاليف بنى اسرائيل و سهولتها لامه محمد صلى الله عليه و آله) \par (لقد وضع عنا ما لا طاقه لنا به و لم يكلفنا الا وسعا، و لم يجشمنا الا يسرا) اللام جواب قسم محذوفه، فانه حيث قيل: لقد فعل، او لا فعلن، او لئن فعل، و لم تتقدم جمله قسم فثم جمله محذوفه نحو: لقد صدقكم الله وعده لا عذبنه عذابا شديدا لئن اخرجوا لا يخرجون معهم، \par و التقدير: اقسم بالله لقد وضع عنا ما لا طاقه لنا به اى ما لا قدره لنا عليه من التكاليف الشاقه، لا ما لا تفى به الطاقه البشريه حقيقه، فان ذلك غير جائز عليه تعالى عقلا خلافا للاشاعره، و استعمال عدم الطاقه فيما يشق شايع فى كلامهم، \par و فى الحديث عن النبى صلى الله عليه و آله: قال فى المملوك، له طعامه و كسوته و لا يكلف من العمل الا ما يطيق. اى ما لا يشق، و المراد انه تعالى لم يشدد علينا فى التكاليف كما شدد على من قبلنا من اليهود: حيث فرض عليهم خمسين صلوه، و امرهم باداء ربع اموالهم فى الزكوه، و اوجب عليهم قرض ما اصابته النجاسه من الثوب و الجلد كالخف و الفروه و ان لا يطهر بالغسل، و اذا اتوا بخطيئه حرم عليهم من الطعام بعض ما كان لهم حلالا، قال تعالى: فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات احلت لهم و حتم عليهم تعيين \par
023    01    القصاص فى العمد و الخطاء من غير الديه، و قطع الاعضاء الخاطئه، و احراق الغنائم و تحريم السبت و كانوا اذا قاموا الى الصلوه لبسوا المسوح و غلوا ايديهم الى اعناقهم، و ربما ثقب الرجل ترقوته و جعل فيها طرف السلسله و اوثقها الى الساربه لحبس نفسه الى العباده، الى غير ذلك من اعباء التكاليف الثقيله، و قد عصم الله عز و جل بفضله و رحمته عن هذه الامه عن امثال ذلك، و انزل فى شانهم: و يضع عنهم اصرهم و الاغلال التى كانت عليهم و قال صلى الله عليه و آله: بعثت بالحنيفيه السهله السمحه، قوله: و لم يكلفنا الا وسعا التكليف: الزام ما فيه كلفه و مشقه، و الوسع بالضم ما يسع الانسان و لا يضيق عليه، اى لم يكلفنا الا ما اتسع لنا طوقنا و لم تضق عنه قدرتنا، كما قال تعالى: و ما جعل عليكم فى الدين من حرج قوله عليه السلام و لم يجشمنا الا يسرا، جشمت الامر، كسمعت و تجشمته اذا تكلفته على مشقه و جشمته غيرى بالتشديد و اجشمته بالالف: كلفته اياه، و اليسر بالضم نقيض العسر و اصله: السهوله و منه اليسار للغنى لان به تتسهل الامور و تنتهى المقاصد، اى لم يكلفنا الا ما سهل علينا و تيسر دون مدى الطاقه و الوسع الا تراه؟ اوجب علينا من الصلاه خمسا، و من السنه صوم شهر و فى العمر حجه واحده مع امكان الانسان و طاقته ان يصلى اكثر من الخمس و ان يصوم اكثر من الشهر و يحج اكثر من حجه لكنه اراد بنا اليسر فضلا منه و رحمه، كما قال يريد الله بكم اليسر و لا يريد بكم العسر. \par و هذه الفقره من باب التكميل: و هو ان يوفى بكلام فى فن فيرى انه ناقص فيكمل باخر فانه عليه السلام لما قال: و لم يكلفنا الا وسعا، توهم ان ذلك يوهم انه \par
023    01    كلفنا مبلغ وسعنا، فكمل بقوله: و لم يجشمنا الا يسرا، نفيا لذلك الايهام، و هذا من كمال البلاغه و ايفائها حقوقها. \par
024    01    (انه تعالى لما لم يكلفنا الا دون وسعنا.. لم يترك لاحد حجه..) \par (و لم يدع لاحد منا حجه و لا عذرا) لم يدع اى لم يترك، و الحجه بالضم ما دل على صحه الدعوى، و العذر: التفصى عن الذنب بوجه معقول، و المعنى انه تعالى لما لم يكلفنا الا دون وسعنا، و لم يشق علينا فى شى ء من التكاليف لم يترك لاحد حجه يحتج بها و لا عذرا يقيمه فى عدم طاعته، و لزوم اوامره و نواهيه التى لا كلفه علينا فى القيام بها، بل له تعالى الحجه البالغه، \par عن الصادق عليه السلام اذا نظرت فى جميع الاشياء لم تجد احدا فى ضيق، و لم تجد احدا الا و لله عليه الحجه و ما امروا الا بدون سعتهم، و كل شى ء امر الناس به فهم يسعون له، و كل شى ء لا يسعون له فهو موضوع عنهم. \par (ان الله تعالى لا يرضى بهلاك احد من عباده و لذلك..) \par (فالهالك منا من هلك عليه، و السعيد منا من رغب اليه) الهلاك: الموت، و يعبر به عن الخسران و استيجاب النار و هو المراد هنا لمقابلته بالسعيد، قوله هلك عليه اى على كره منه، لانه تعالى لا يرضى بهلاك احد من عباده و لذلك وسع لهم برحمته و لم يعاجلهم بالاخذ على ذنوبهم بل تاناهم برحمته و انتظر مراجعتهم برافته، و فتح لهم باب التوبه، و وضع عنهم مالا طاقه لهم و لم يكلفهم الا دون وسعهم فمن هلك بعد ذلك كله بسوء صنيعه كان كانه هالك على كره منه سبحانه \par و انما دلت «على» على ذلك، لانها تستعمل فى الافعال الشاقه المستثقله: يقال هذا لك و هذا عليك فيستعمل اللام فيما يوثره، و على، فيما يكرهه، و السعيد خلاف الشقى و رغب الى الله: ساله و طلبه، و قصر المسند على المسند اليه فى الفقرتين للمبالغه فى هلاك من هلك عليه، كانه لا هالك غيره، و سعاده من رغب اليه كانه لا سعيد غيره. \par
025    01    (بناء اسم التفضيل و ان كان الغالب فيه ان يكون مصوغا) \par (للفاعل لكنه..) \par (و الحمد لله بكل ما حمده به ادنى ملائكته اليه، و اكرم خليقته عليه، و ارضى \par
025    01    حامديه لديه) الباء للاستعانه او للمصاحبه، و حمده بكسر الميم كعلمه، و بتشديدها من التحميد و هو حمده تعالى مره بعد اخرى، و ادنى ملائكته اى اقربهم اليه، من الدنو بمعنى القرب، و ارضى هنا اسم تفضيل من رضى مصوغا للمفعول اذ المعنى: اعظم المرضيين لديه، و بناء اسم التفضيل و ان كان الغالب فيه ان يكون مصوغا للفاعل لكنه قد سمع بنائه من المصوغ للمفعول ايضا بكثره: كاجن، و اشغل، و اعجب، و اشعف، و اعذر، و اشهر، و كفى شاهدا على صحته وروده فى كلامه عليه السلام فلا عبره بمن منعه من النحاه. \par
026    01    (التحقيق فى معنى السائر، ورد من زعم انه بمعنى الجميع) \par (حمدا يفضل سائر الحمد كفضل ربنا على جميع خلقه) فضله يفضله من باب كتب زاد عليه فى الفضل و سائر الحمد: باقيه اى ما عدا الحمد المذكور، قال الزمخشرى فى كتاب العربى: السائر بمعنى الباقى و استعماله فى كلام المصنفين بمعنى الجميع غير ثبت، و قال الصنعانى: سائر الناس باقيهم، و ليس معناه جميعهم كما زعم من قصر فى اللغه باعه، و جعله بمعنى الجميع من لحن العوام، و قال الجريرى فى دره الغواص فى اوهام الخواص ما لفظه: و من اوهام الفاضحه و اغلاطهم الواضحه انهم يقولون قدم سائر الحاج و استوفى سائر الخراج فيستعملون سائرا بمعنى جميع و هو فى كلام العرب بمعنى الباقى و منه قيل لما يبقى فى الاناء سور، و الدليل على صحه ذلك: ان النبى صلى الله عليه و آله قال لغيلان حين اسلم و عنده عشر نسوه اختر اربعا و فارق سائرهن اى من بقى بعد الاربع اللاتى تختارهن، و يستعمل فى كل باق قل او كثر لاجماع اهل اللغه. \par قوله: كفضل ربنا على جميع خلقه، المراد كون فضل حمده على سائر حمد الحامدين فى مرتبه من الكمال الذى لا نهايه له مثل فضله تعالى على جميع الخلق اى الممكنات، و المراد بسائر الحمد: حمد المخلوقين بقرينه المقام فلا يدخل فى عمومه حمده تعالى نفسه. \par
027    01    (كيف يكون الحمد بازاء كل نعمه و عوضا عنها؟) \par (ثم له الحمد مكان كل نعمه له علينا و على جميع عباده الماضين و الباقين) ثم هنا استينافيه، و قدم الخبر فى قوله: له الحمد لافاده الاختصاص، و القصر فيه حقيقى، و المكان: موضع كون الشى ء، اى موضع كل نعمه، و المراد كونه حاصلا حيث حصلت كل \par
027    01    نعمه فيكون كنايه مجازا عن كونه بازاء كل نعمه و عوضا عنها، كما تقول: خذ هذا مكان ذاك، اى قائما مقامه، و عوضا عنه. \par فان قلت: كيف يكون الحمد بازاء كل نعمه و عوضا عنها؟ و قد قيل: من اعتقد ان شكره يساوى نعمه الله فقد اشرك، \par قلت: انما كان عوضا من حيث رضا الله تعالى به كفاء لنعمته لا من حيث كونه مساويا لها، \par و فى الخبر ان الله تعالى اوحى الى ايوب عليه السلام انى رضيت الشكر مكافاه من اوليائى، على ان حمده تعالى نعمه منه ايضا فهو من جعل نعمه له تعالى عوضا عن نعمه له اخرى بامره و توفيقه، \par و عن الصادق عليه السلام من حمد الله على نعمه فقد شكره و كان الحمد افضل من تلك النعمه، اى نعمه افضل من تلك النعمه. \par قوله عليه السلام: الماضين و الباقين، المراد بالماضين: من مات و فنى و بالباقين من لم يمت سواء وجد او لم يوجد بعد. \par (ذاته تعالى مجهوله لنا، و مفهوم العلم معلوم فكيف يكون) \par (احدهما عين الاخر؟) \par (عدد ما احاط به علمه من جميع الاشياء) العدد اسم من عد الشى ء عدا اذا احصاه، و الكميه التى تقع جوابا لكم، و هو مفعول مطلق مبين لعدد عامله اى اعد حمده عدد ما احاط به علمه و علمه تعالى عباره عن انكشاف الاشياء له فى الازل كليها و جزئيها كل فى وقته و بحسب مرتبته و على ما هو عليه فيما لا يزال، \par و هذا الانكشاف حاصل له تعالى من ذاته بذاته قبل خلق الاشياء و هو عين ذاته فهو تعالى لم يزل عالما بذاته و عالما بالاشياء قبل ايجادها، و لا يعزب عنه شى ء منها كلياتها و جزئياتها و حقائقها و لوازمها، و عوارضها، و جوانبها، و حدودها التى تنتهى اليها بعلم قديم كامل من جميع الجهات هو عين ذاته الحقه التى هى العلم بالاشياء كلها على نحو واحد لا بعلم حادث زائد عليه قائم به، \par
027    01    فان قلت: ذاته تعالى مجهوله لنا و مفهوم العلم معلوم فكيف يكون احدهما عين الاخر؟ \par قلت: المعلوم مفهوم الكلى المشترك المقول بالتشكيك على افراده الموجود بوجودات مختلفه، و الذى هو ذات البارى جل شانه فرد خاص منه، و ذلك الفرد لشده نورانيته و فرط ظهوره مجهول لنا محتجب عن عقولنا، \par و كذا الكلام فى سائر صفاته الذاتيه فمفهوماتها المشتركه معلومه، و وجودها القدسى الواجبى مجهول، \par (الرد على من زعم انه تعالى ليس عالما بذاته و على من زعم..) \par و فى هذه الفقره رد صريح على من زعم انه تعالى ليس عالما بذاته لوجوب المغايره بين العالم و المعلوم، و لم يعلم ان التغاير الاعتبارى كاف كعلمنا بانفسنا، فهو عالم و معلوم، و على من زعم انه ليس عالما بغيره لان علم احد بغيره عباره عن صوره مساويه له من تسمه فى العالم، و لم يعلم ان علم احد بغيره قد يكون حضوريا بمعنى حضور ذلك الشى ء بنفسه لا بمثاله و صورته عند العالم و عدم غفله العالم عنه، و ان العلم الحضورى اقوى من العلم الحصولى، ضروره ان انكشاف الشى ء على احد لاجل حضوره بنفسه اقوى من انكشافه عليه لاجل حصول مثاله و صورته فيه، \par و على من زعم انه تعالى ليس عالما بالجزئيات لان الجزئيات متغيره فعلمه بها يوجب التغير فى ذاته، و لم يعلم ان التغير امر اعتبارى يقع فى الاضافه لا فى ذاته، و لا فى صفاته و لان علمه تعالى بالكليات و الجزئيات لعدم كونه زمانيا مستمر على نحو واحد ازلا و ابدا من غير تغير اصلا. \par (معنى الضعف و الابد و السرمد) \par (و مكان كل واحد منها عددها اضعافا مضاعفه ابدا سرمدا الى يوم القيامه) الاضعاف جمع ضعف بالكسر و ضعف الشى ء مثله و ضعفاه مثلاه و اضعافه امثاله، و الابد فى اللغه: الدهر و هو الزمن الممتد، و فى الاصطلاح لستمرار الوجود فى ازمنه مقدره غير متناهيه فى \par
027    01    جانب المستقبل، كما ان الازل استمرار الوجود فى ازمنه مقدره غير متناهيه فى جانب الماضى، و السرمد: الدائم الذى لا ينقطع. \par
028    01    (الاشاره الى فن من فنون البلاغه) \par (حمدا لا منتهى لحده، و لا حساب لعدده، و لا مبلغ لغايته و لا انقطاع لامده ) اى لا انتهاء لحده و هو اقصى ما يمكن ان يبلغه، و لك جعل المنتهى بمعنى النهايه و الحد مصدرا من حددت الشى ء اذا جعلت له حدا ينتهى اليه، و هذا اضراب عما قبله، فلا يقال جعل للحمد اولا غايه و هو يوم القيامه ثم نفى الغايه عنه هنا و هو تناقض، بل هذا فن من فنون البلاغه بديع يسمى الرجوع فى علم البديع و هو ان يعود المتكلم الى كلامه السابق فينقضه لنكته كانه و هم سابقا عما ينبغى فرجع اليه و هو هنا كذلك فانه عليه السلام غيا اولا الحمد بيوم القيمه لانه غايه كل حامد ثم تنبه الى انه ينبغى ان يكون الحمد مناسبا للمحمود الذى لا غايه له فرجع اليه و قال حمدا لا منتهى لحده كانه قال بل احمده حمدا لا غايه له، كما ورد فى دعاء آخر: حمدا خالدا مع خلودك، و هذا النمط فى كلام بلغاء العرب كثير و قد استوفيت الكلام عليه فى شرح بديعى المسمى بانوار الربيع و ذكرت شواهده، \par قوله عليه السلام: و لا حساب لعدده، الحساب: الاحصاء و جمع العدد، تقول حسبت المال من باب قتل حسبا بالفتح و حسبانا بالضم و حسابا بالكسر اى احصيته و جمعت عدده، \par قوله عليه السلام: لا مبلغ لغايته، اى لا منتهى لغايته، و غايه الشى ء مداه، و لا انقطاع لا مده: اى لا انتهاء. \par
029    01    (معنى المغفره، اذا نسبت الى الله تعالى، و معنى الخفير) \par (حمدا يكون وصله الى طاعته و عفوه و سببا الى رضوانه، و ذريعه الى مغفرته) الوصله بالضم: الوصيله، و كل شى ء اتصل بشى ء فما بينهما وصله، و هذا وصله الى كذا يتوصل به اليه، و السبب فى الاصل: الحبل الذى يتوصل به الى الاستعلاء، ثم استعير \par
029    01    لكل ما يتوصل به الى شى ء، كقوله تعالى و تقطعت بهم الاسباب اى الوصل و المودات، و الرضوان بكسر الراء: خلاف السخط، و الذريعه: الوسيله و هى ما يتقرب به الى الشى ء، و المغفره فى الاصل اسم من غفر الشى ء غفرا من باب ضرب اذا ستره، ثم اطلقت على ستر القادر: القبيح الصادر ممن هو تحت قدرته حتى ان العبد اذا ستر عيب سيده مخافه عقابه لا يقال غفر له، و اذا نسبت الى الله تعالى فالمراد بها ستره لذنوب عباده و عيوبهم مع تجاوزه عن خطاياهم و ذنوبهم و عفوه عن معاصيهم لا مجرد الستر، \par كما ورد فى احاديثهم عليهم السلام: و الله لقد ستر كانه غفر. \par (و طريقا الى جنته، و خفيرا من نقمته، و امنا من غضبه) استعار الطريق للحمد لكونها مستلزمه للوصول الى الغايه فطلب ان يكون حمده مستلزما للوصول الى الجنه التى هى الغايه الحقيقيه، و لمثلها يعمل العالمون و فيها يتنافس المتنافسون و الخفير بالخاء المعجمه و الفاء: المجير، و الحامى، و لما كان الخفير يذود عن مخفوره، و يحميه من مكروه يصل اليه استعار للحمد و طلب ان يكون مجيرا له من نقمته و حاميا له من عقوبته بان يكون سببا لغفران ذنوبه و محو خطاياه التى مترتب عليها النقمه و العقاب، و الامن: ضد الخوف و هو هنا بمعنى المومن اسم فاعل من آمنه ضد اخافه، وضع المصدر موضع الفاعل مبالغه. \par (جزاء نعمته سبحانه ليس فى طاقه البشر من وجهين) \par (و ظهيرا على طاعته، و حاجزا عن معصيته، و عونا على تاديه حقه، و وظائفه) الظهير: المعين، و يطلق على الواحد و الجمع و فى التنزيل: و كان الكافر على ربه ظهيرا و الملائكه بعد ذلك ظهير و تظاهروا: تعاونوا، و المراد: ان يكون حمده سببا لا فاضته قوه على استعداد يقوى به عقله على تذليل نفسه لطاعته تعالى كما يكون الظهير سببا \par \par
029    01    للقوه على قهر الخصم و اذلاله، و الحاجز: الحائل بين الشيئين، و المعصيه ترك الانقياد للامر و المراد كونه سببا لحسم اسباب المعاصى و عدم الاعداد لها بتوفيقه تعالى، و العون و المعين بمعنى، و التاديه مصدر ادى الحق الى صاحبه اذا اوصله اليه، و الاسم: الاداء، و الوظائف جمع وظيفه و هو ما يقدر للانسان فى كل وقت من رزق او عمل، و عطفها على حقه من عطف الخاص على العام اذ كان المراد بحقه تعالى تكاليفه الشرعيه و العقليه، و بالوظائف ما وظفه من حقوقه واجباتها و مندوباتها كالصلوه و العبادات التى لها اوقات معينه، \par فان قلت: كيف يكون الحمد عونا على تاديه حقه تعالى؟ و قد قال اميرالمومنين عليه السلام فى اول خطبه له فى نهج البلاغه: الحمد لله الذى لا يبلغ مدحته القائلون، و لا يحصى نعمائه العادون، و لا يودى حقه المجتهدون، و هذا صريح فى ان تاديه حقه تعالى لا يطيقه المجتهدون فضلا عن غيرهم، \par قلت: المراد بنفى تاديه المجتهدين حقه: نفى تاديه حق نعمته تعالى و جزائها و لا شك ان جزاء نعمته سبحانه ليس فى طاقه البشر من وجهين: \par احدهما- انه لما كان اداء حق النعمه هو مقابله الاحسان بجزاء و كانت نعمه تعالى لا تحصى كما قال لا يحصى نعمه العادون بدليل قوله تعالى: و ان تعدوا نعمه الله لا تحصوها لزم من ذلك ان لا يمكن مقابلتها بمثل، \par الثانى- كل ما نتعاطاه من افعالنا الاختياريه مستند الى جوارحنا، و قدرتنا، و ارادتنا و سائر اسباب حركاتنا و هى باسرها مستنده الى جوده و مستفاده من نعمته، و كذلك ما يصدر عنا من الحمد و الشكر و سائر العبادات نعمه منه سبحانه فكيف يكون مقابله نعمته بنعمته جزاء و تاديه لحق نعمته، و اما المراد بتاديه حقه فى الدعاء: فهو القيام بتكاليفه تعالى لانها لما كانت تسمى حقوقا سمى القيام بها تاديه، و القائم بها موديا و هذا الاداء فى الحقيقه من اعظم نعمه تعالى على عباده اذ كان القيام بتكاليفه و ساير اسباب السلوك الموصل الى الله تعالى كلها مستنده الى جوده و عنايته و اليه الاشاره بقوله تعالى: \par
029    01    يمنون عليك ان اسلموا قل لا تمنوا على اسلامكم بل الله يمن عليكم ان هداكم للايمان ان كنتم صادقين و ما كان فى الحقيقه نعمه الله تعالى لا يكون اداء لها و جزاء لها و ان اطلق ذلك فى العرف. \par
030    01    (السعيد: من عرف ربه و سلك سبيله حتى وصل اليه) \par (حمدا نسعد به فى السعداء من اوليائه و نصير به فى نظم الشهداء بسيوف اعدائه انه ولى حميد) لما كانت همته عليه السلام مقصوره على السعاده الاخرويه التى هى مطمح ابصار اولى النفوس القدسيه، جمع مطلبها منتهى مطالبه، و طلب اعظم وسائلها التى هى الشهاده غايه ماربه، و السعداء جمع سعيد و هو من عرف ربه و سلك سبيله حتى وصل اليه، و الوصول اليه هى الغايه العظمى للسعاده بل هو عينها و فى بمعنى مع اى مع السعداء كقوله تعالى: ادخلو فى امم اى معهم، و من، فى قوله من اوليائه بيانيه اى السعداء الذين هم اوليائه. \par (الاقوال فى معانى الولى) \par و الولى قيل فعيل بمعنى مفعول و هو من يتولى الله امره، كما قال تعالى: و هو يتولى الصالحين و قيل بمعنى فاعل اى الذى يتولى عباده الله و يوالى طاعته من غير تخلل معصيته، و كلا الوصفين شرط فى الولايه، \par و قال المتكلمون: الولى من كان آتيا بالاعتقاد الصحيح المبنى على الدليل، و بالاعمال الشرعيه و التركيب يدل على القرب فكانه قريب منه تعالى لاستغراقه فى انوار معرفته، و جمال جلاله، قال بعض المحققين و تحقيقه ان يقال هو من يتولى الله تعالى بذاته امره فلا تصرف له اصلا اذ لا وجود له و لا ذات و لا فعل و لا وصف فهو الفانى بيد المفنى يفعل به ما يشاء حتى يمحو رسمه و اسمه و يمحق عينه و اثره و يحييه بحيوته، و يبقيه ببقائه، \par
030    01    و قيل: الولى هو المطلع على الحقائق الالهيه، و معرفه ذاته تعالى و صفاته و افعاله كشفا و شهودا من الله خاصه من غير واسطه ملك او بشر، و قيل هو من ثبتت له الولايه التى توجب لصاحبها: التصرف فى العالم العنصرى و تدبيره باصلاح فساده: و اظهار الكمالات فيه لاختصاص صاحبها بعنايه الهيه توجب له قوه فى نفسه لا يمنعها الاشتغال بالبدن عن الاتصال بالعالم العلوى و اكتساب العلم الغيبى منه فى حال الصحه و اليقظه بل تجمع بين الامرين لما فيها من القوه التى تسع الجانبين و الولايه بهذا المعنى مرادفه للامامه عندنا، \par روى ثقه الاسلام فى الكافى باسناده عن ابى عبدالله عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه و آله: من عرف الله و عظمه منع فاه من الكلام، و بطنه من الطعام و عنى نفسه بالصيام و القيام، قالوا بابائنا و امهاتنا يا رسول الله! هولاء اولياء الله؟ قال ان اولياء الله سكتوا فكان سكوتهم ذكرا و نظروا فكان نظرهم عبره، و نطقوا فكان نطقهم حكمه و مشوا فكان مشيهم بين الناس بركه لولا الاجال التى كتبت عليهم لم تقر ارواحهم فى اجسادهم خوفا من العذاب، و شوقا الى الثواب. \par (فوق كل ذى بر، برحتى يقتل فى سبيل الله فاذا..) \par قوله عليه السلام: و نصير به فى نظم الشهداء بسيوف اعدائه، النظم: التاليف، و ضم الشى ء الى آخر و نظم اللولو من باب ضرب الفه و جمعه فى سلك و هو النظام بالكسر، و يطلق على المنظوم كالنثر على المنثور، و يقال جائنا نظم من جراد و منظوم منه و نظام اى صف، و المعنى فى جماعه الشهداء او فى صفهم و الشهداء جمع شهيد و هو القتيل فى سبيل الله، فعيل بمعنى مفعول لان الملائكه شهدت غسله، او شهدت نقل روحه الى الجنه، او لان الله شهد له بالجنه، و قيل بمعنى فاعل لسقوطه على الشاهده و هى الارض، او لانه حى عند ربه حاضر، او لانه يشهد ملك الله تعالى و ملكوته، او لانه ممن يستشهد يوم القيامه على الامم الخاليه فيشهد، او لانه يشهد ما اعده الله له من الكرامه، و قيل غير ذلك، و استشهد بالبناء للمفعول: قتل شهيدا و الاسم: الشهاده، و العدو خلاف الصديق الموالى، يكون للواحد و الاثنين و الجمع و الذكر و الانثى بلفظ واحد، و فى التنزيل: \par
030    01    فانهم عدولى الا رب العالمين و عرفوا العداوه: بانها حاله تتمكن من القلب لقصد الاضرار و الانتقام، و المراد بالعداوه لله تعالى مخالفه امره عنادا و الخروج عن طاعته مكابره لان العدو لا يمتثل امر عدوه و لا ينقاد لطاعته فاطلقت على ما هو من لوازمها مجازا، \par و انما ختم عليه السلام دعائه بطلب المصير فى نظم الشهداء لكون طريق الشهاده افضل الطرق عند الله ثوابا و اكرمها مابا، \par عن ابى عبدالله عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه و آله فوق كل ذى بر، بر حتى يقتل فى سبيل الله فاذا قتل فى سبيل الله فليس فوقه بر. \par و عن انس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه و آله: من طلب الشهاده صادقه اعطيها و ان لم تصبه، اى اعطى ثواب اهلها و ان لم يتفق له القتل فى سبيل الله، قوله عليه السلام: انه ولى حميد، الولى من اسمائه تعالى بمعنى الناصر لعباده المومنين كما قال الله تعالى: الله ولى الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات الى النور و قيل المتولى لامور العالم و الخلائق و القائم بها، و قيل المتولى اوليائه بالاحسان و الاكرام و الفوز بالثواب فى دار السلام و قيل هذا اولى من التعميم الذى اقتضاه القول الثانى لان الله سبحانه قد تبرا من ولايه الكفار بقوله: و الذين كفروا اوليائهم الطاغوت و الحميد: الذى يستحق الحمد فى السراء و الضراء و الشده و الرخاء، و انما كان محمودا فى الشده و الضراء كما كان محمودا فى الرخاء و السراء لان شدته و ضرائه من نعمه التى يستحق عليها الحمد اذ كان الصبر عليها موجبا للثواب مستلزما للزلفى لديه و حسن الماب و لا يخفى حسن ختام الدعاء باسمه الحميد اذ كان الدعاء مخصوصا بالتحميد. \par
001    02    الدعاء الثانى من ادعيه الصحيفه السجاديه صلوات الله عليه، فى الصلاه على رسول الله صلى الله عليه و آله \par \par
001    02    بسم الله الرحمن الرحيم \par (الصلوه على النبى صلى الله عليه و آله من اعظم شروط الاجابه) \par انما كان عليه السلام يدعو بالصلوه عليه صلوات الله عليه و آله بعد التحميد لما ورد فى ذلك عن جديه عليهماالسلام فعن ابى عبدالله عليه السلام ان رجلا دخل المسجد فصلى ركعتين ثم سئل الله عز و جل، فقال رسول الله صلى الله عليه و آله اعجل العبد ربه، و جاء آخر فصلى ركعتين ثم اثنى على الله عز و جل و صلى على النبى صلى الله عليه و آله فقال رسول الله صلى الله عليه و آله سل تعط. \par و عنه عليه السلام ان فى كتاب على عليه السلام ان الثناء على الله و الصلاه على رسوله قبل المسئله، \par ثم الصلاه على النبى صلى الله عليه و آله من اعظم شروط الاجابه، روى ثقه الاسلام فى الكافى باسناده عن ابى عبدالله عليه السلام قال: لا يزال الدعاء محجوبا حتى يصلى على محمد و آل محمد، \par و عنه عليه السلام: من دعا و لم يذكر النبى صلى الله عليه و آله رفرف الدعاء على راسه فاذا ذكر النبى صلى الله عليه و آله رفع الدعاء. \par (السر فى قبول الدعاء اذا قرن بالصلوه امران:) \par و قال العلماء: السر فى قبول الدعاء اذا قرن بالصلاه امران: \par الاول- ان النبى و آله عليهم السلام وسائط بين الله سبحانه و بين عباده فى قضاء حوائجهم و نجاح مطالبهم، و هم ابواب معرفته عز و جل فلا بد من التوسل بذكرهم فى عرض الدعاء عليه، و قبوله لديه، و ذلك كما اذا اراد احد من الرعيه اظهار حاجته على السلطان توسل بمن يعظمه و لا يرد قوله، \par الثانى- اذا ضم العبد الصلاه مع دعائه و عرض المجموع على الله تعالى و الصلاه غير محجوبه فالدعاء غير محجوب لانه تعالى اكرم من ان يقبل الصلاه و يرد الدعاء فيكون قد قبل الصحيح ورد المعيب، كيف؟ و قد نهى الله تعالى عن تبعيض الصفقه و لا \par
001    02    يمكن رد الجميع لكرامه الصلاه عليه، فلم يبق الا قبول الكل و هو المطلوب، \par و فى نهج البلاغه: اذا كانت لك الى الله سبحانه حاجه فابدء بمسئله الصلاه على النبى صلى الله عليه و آله ثم اسال حاجتك فان الله اكرم من ان يسال حاجتين فيقضى احدايهما و يمنع الاخرى. \par (فضل الصلوه على النبى صلى الله عليه و آله) \par الاخبار فى فضل الصلاه عليه صلى الله عليه و آله اكثر من ان تحصى، فمنها: \par ما رواه ثقه الاسلام فى الكافى عن ابى عبدالله عليه السلام انه قال: اذا ذكر النبى صلى الله عليه و آله فاكثروا الصلاه عليه فانه من صلى على النبى صلى الله عليه و آله صلوه واحده صلى الله عليه الف صلوه فى الف صف من الملائكه و لم يبق شى ء مما خلقه الله الا صلى على العبد لصلوه الله و صلوه ملائكته، فمن لم يرغب فى هذا فهو جاهل مغرور قد برى ء الله منه و رسوله و اهل بيته. \par و عنه عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه و آله من صلى على صلى الله عليه و ملائكته فمن شاء فليقل و من شاء فليكثر، \par و عنه عليه السلام من صلى على محمد و آل محمد عشرا صلى الله عليه و ملائكته الفا، اما تسمع؟ قول الله عز و جل: هو الذى يصلى عليكم و ملائكته ليخرجكم من الظلمات الى النور و كان بالمومنين رحيما، \par و عن احدهما عليهماالسلام قال: ما فى الميزان شى ء اثقل من الصلاه على محمد و آل محمد و ان الرجل لتوضع اعماله فى الميزان فتميل به فيخرج صلى الله عليه و آله الصلاه عليه فيضعها فى ميزانه فترجح، \par و عن ابى عبدالله عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه و آله ارفعوا اصواتكم بالصلاه فانها تذهب النفاق. \par
001    02    (من اعلام نبوته صلى الله عليه و آله انه لم يسم احد قبله) \par (باسمه محمد) \par قال سيد العابدين، و امام الموحدين صلوات الله عليه: (و الحمد لله الذى من علينا بمحمد نبيه- صلى الله عليه و آله- دون الامم الماضيه و القرون السالفه) الواو عاطفه للجمله على قوله: ثم له الحمد لانه عليه السلام كان يصل هذا الدعاء به من غير فصل، او هى استينافيه و معنى المن هيهنا: الانعام على من لا يطلب الجزاء منه، و فيه اشاره الى قوله تعالى: لقد من الله على المومنين اذ بعث فيهم رسولا من انفسهم يتلوا عليهم آياته و يزكيهم و يعلمهم الكتاب و الحكمه و ان كانوا من قبل لفى ضلال مبين و محمد علم منقول من الصفه التى معناها كثير الخصال المحموده، قال اهل اللغه رجل محمد اى كثير الخصال المحموده، و قال ابن فارس سمى نبينا محمد صلى الله عليه و آله محمد الكثره خصاله المحموده يعنى الهم الله تعالى اهله تسميته بذلك لما علم من خصاله الحميده، و قال السهيلى فى محمد معنى المبالغه و التكرار فالمحمد هو الذى حمد مره بعد مره كما ان المكرم من كرم مره بعد اخرى و كذلك الممدح، و اسم محمد مطابق لمعناه و الله تعالى سماه به قبل ان يسمى به و هو من اعلام نبوته صلى الله عليه و آله اذ كان اسمه صادقا عليه فهو صلى الله عليه و آله محمود فى الدنيا بما هدى اليه و نفع به من العلم و الحكمه و هو محمود فى الاخره بالشفاعه فقد تكرر فيه معنى الحمد كما يقتضيه اللفظ، \par و ورد فى اخبار كثيره من طرق اهل البيت عليهم السلام عنه صلى الله عليه و آله انه قال: سمانى الله من فوق عرشه و شق لى اسما من اسمائه فسمانى محمدا و هو محمود، \par قال القسطلانى فى المواهب و قد سماه الله تعالى بهذا الاسم قبل الخلق بالفى عام، \par قال ابن قتيبه: و من اعلام نبوته صلى الله عليه و آله انه لم يسم احد قبله باسمه محمد صيانه من الله لهذا الاسم كما فعل بيحيى، اذ لم يجعل له من قبل سميا و ذلك انه تعالى سماه فى الكتب المتقدمه و بشر به الانبياء فلو جعل اسمه مشتركا فيه لوقعت الشبهه، الا \par
001    02    انه لما قرب زمانه و بشر اهل الكتاب بقربه سمى قوم اولادهم بذلك رجاء ان يكون هو، و الله اعلم حيث يجعل رسالته. \par (قال يا موسى! انت من امه محمد صلى الله عليه و آله اذا عرفت..) \par روى رئيس المحدثين فى كتاب معانى الاخبار باسناده عن ابى عبدالله عليهم السلام انه كان فيما ناجى الله تعالى به موسى ان قال يا موسى لا اقبل الصلاه الا ممن تواضع لعظمتى و الزم قلبه خوفى، و قطع نهاره بذكرى، و لم يبت مصرا على الخطيئه، و عرف حق اوليائى و احبائى، فقال يا رب تعنى باحبائك و اوليائك ابراهيم و اسحاق و يعقوب؟ فقال هم كذلك يا موسى الا انى اردت من من اجله خلقت آدم و حواء و من اجله خلقت الجنه و النار، فقال موسى و من هو؟ يا رب! قال: محمد احمد شققت اسمه من اسمى لانى انا المحمود فقال موسى يا رب اجعلنى من امته، قال يا موسى انت من امته اذا انت عرفته و عرفت منزلته و منزله اهل بيته. \par (فضيله امه محمد صلى الله عليه و آله) \par اخرج ابونعيم فى الحليه عن النبى صلى الله عليه و آله قال: ان موسى لما نزلت عليه التوراه قراها وجد فيها ذكر هذه الامه فقال يا رب انى اجد فى الالواح امه هم الاخرون السابقون فاجعلها امتى قال تلك امه احمد، قال يا رب! انى اجد فى الالواح امه انا جيلهم فى صدورهم بقراونها ظاهرا فاجعلها امتى، قال: تلك امه احمد، قال يا رب: انى اجد فى الالواح امه ياكلون الفى ء فاجعلها امتى، قال تلك امه احمد، قال يا رب انى اجد فى الالواح امه اذا هم احدهم بالحسنه فلم يعملها كتبت له حسنه واحده، و ان عملها كتبت له عشر حسنات فاجعلها امتى، قال تلك امه احمد، قال يا رب انى اجد فى الالواح امه اذا هم احدهم بسيئه فلم يعملها لم تكتب، و ان عملها كتبت سيئه واحده فاجعلها امتى قال تلك امه احمد، قال يا رب انى اجد فى الالواح امه يوتون العلم الاول و الاخر و يقتلون المسيح الدجال فاجعلها امتى، قال تلك امه احمد قال يا رب فاجعلنى من امه احمد فاعطى عند ذلك خصلتان: قال يا موسى! انى اصطفيتك على الناس برسالاتى و \par
001    02    بكلامى فخذ ما آتيتك و كن من الشاكرين قال رضيت يا رب. \par (معنى قدرته تعالى لا تعجز عن شى ء) \par (بقدرته التى لا تعجز عن شى ء و ان عظم، و لا يفوتها شى ء و ان لطف)، قال العلماء معنى كون قدرته تعالى لا تعجز عن شى ء، و كونه على كل شى ء قدير: ان قدرته لا تعجز عن ما يمكن تعلق القدره به و انه على كل شى ء يصح تعلقها به قدير من كل ماهيه امكانيه، او شيئيه تصوريه، و اما الممتنعات فلا ماهيه لها، و لا شيئيه حتى يصح كونه مقدوره له تعالى، و ليس فى نفى مقدوريتها نقص على عموم القدره بل القدره عامه و الفيض شامل و الممتنع لا ذات له، و انما يخترع العقل فى وهمه مفهوما يجعله عنوانا لامر باطل الذات كشريك البارى، و اللاشى ء، و اجتماع النقيضين، او يركب بين معان ممكنه احادها تركيبا ممتنعا فان كلا من المتناقضين كالحركه و السكون امر ممكن خارجا و عقلا، و كذا معنى التركيب و الاجتماع امر ممكن عينا و ذهنا و اما اجتماع المتنافيين فلا ذات له فى الخارج و لا فى العقل لكن العقل يتصور مفهوم اجتماع النقيضين على وجه التلفيق و يجعله عنوانا ليحكم على افراده المقدره بامتناع الوجود، و من هنا اطلق على المستحيل انه شى ء و الا فهو لا ماهيه له و لا معنى فلا تعلق للقدره به. \par (حديث البيضه و الدنيا) \par و اما الحديث المشهور الذى رواه ثقه الاسلام فى الكافى عن على بن ابراهيم عن محمد بن اسحاق الخفاف او عن ابيه عن محمد بن اسحاق قال ان عبدالله الديصانى سال هشام بن الحكم فقال له: الك رب؟ فقال بلى، قال: اقادر هو؟ قال نعم قادر قاهر، قال: ايقدر ان يدخل الدنيا كلها فى بيضه لا تكبر البيضه و لا تصغر الدنيا؟ قال هشام النظره، فقال له انظرتك حولا، ثم خرج عنه فركب هشام الى ابى عبدالله عليه السلام فاستاذن عليه فاذن له فقال يابن رسول الله اتانى عبدالله الديصانى بمسئله ليس المعول فيها الا على الله و عليك فقال ابوعبدالله عليه السلام عما ذا سئلك؟ فقال قال لى كيت و كيت فقال ابوعبدالله عليه السلام يا هشام كم حواسك؟ قال: خمس، قال: ايها اصغر؟ قال: الناظر قال: و كم قدر الناظر؟ \par
001    02    قال: مثل العدسه، او اقل منها، فقال له يا هشام: فانظر امامك و فوقك و اخبرنى بما ترى، فقال: ارى سماء و ارضا و دورا و قصورا و برارى و جبالا و انهارا، فقال له ابوعبدالله عليه السلام ان الذى قدر ان يدخل الذى تراه: العدسه، او اقل منها، قادر ان يدخل الدنيا كلها البيضه لا تصغر الدنيا و لا تكبر البيضه، فاكب هشام عليه و قبل يديه و راسه و رجليه و قال حسبى يابن رسول الله! و مثله ما رواه رئيس المحدثين فى كتاب التوحيد بسنده الى احمد بن محمد بن ابى نصر قال: جاء رجل الى الرضا عليه السلام فقال: هل يقدر ربك ان يجعل السماوات و الارض و ما بينهما فى بيضه؟ قال: نعم و فى اصغر من البيضه قد جعلها الله فى عينك و هى اقل من البيضه لانك اذا فتحتها عاينت السماء و الارض و ما بينهما و لو شاء لاعماك عنها. \par (الذى افاده عليه السلام وجه اقناعى مبناه على المقدمه المشهوره..) \par قال بعضهم: ان السئوال فى ذلك: و هو ادخال الكبير مع كبره فى الصغير مع صغره و ان كان من قبيل المتنافيين فكان حقيقه الجواب عنه ان يقال ان هذا امر محال، و المحال غير مقدور عليه، اذ لا ذات له و لا شيئيه، الا انه عليه السلام عدل عنه الى ما ذكره لقصور الافهام العاميه عن ادراك ذلك الوجه، فالذى افاده عليه السلام وجه اقناعى مبناه على المقدمه المشهوره لدى الجمهور: ان الرويه بدخول المرئيات فى العضو البصرى، فاكتفى فى الجواب بهذا القدر لقبول الخصم له، و تسليمه اياه، \par قال: و الذى يدل على صحه ما حملناه عليه غرض هذا الحديث: ما رواه فى كتاب التوحيد عن ابى عبدالله عليه السلام قال قيل لاميرالمومنين عليه السلام: هل يقدر ربك ان يدخل الدنيا فى بيضه من غير ان يصغر الدنيا و يكبر البيضه؟ فقال: ان الله تعالى لا ينسب الى العجز، و الذى سئلتنى لا يكون، \par و هذا الحديث صريح فى ان الذى ساله ذلك الرجل ممتنع بالذات محال و المحال لا شيئيه له فليس بمقدور، و الله على كل شى ء قدير، و لو لم يكن معنى الروايتين الاوليين ما اولنا هما به، لكان بين الاخبار تناقض، و جلت احاديثهم عليهم السلام عن ان يناقض بعضها \par
001    02    بعضا، لعصمه الجميع عن الخطاء، \par و مثل الحديث المروى عن اميرالمومنين عليه السلام: ما رواه فى كتاب التوحيد ايضا بسنده عن ابى عبدالله عليه السلام: انه جاء رجل الى اميرالمومنين عليه السلام فقال له: ايقدر الله ان يدخل الارض فى بيضه لا تصغر الارض و لا يكبر البيضه؟ فقال له و يلك ان الله لا يوصف بالعجز و من اقدر ممن يلطف الارض و يعظم البيضه؟ \par فدلت هذه الروايه على ان ادخال العظيم او تعظيم الصغير بنحو التكاثف و التخلل و ما يجرى مجراهما، و ان تلطيف الارض الى حد تدخل فى البيضه او تعظيم البيضه الى حد تدخل فيها الارض فى غايه القدره. \par (ان هذه الاحاديث كلها متفقه لا تنافى و لا تناقض فيها) \par قال بعض المعاصرين: ان هذه الاحاديث كلها متفقه لا تنافى و لا تناقض فيها، و ان الجواب فى كل منها بحسب ما يقتضيه المقام، و حال السائل و كلامهم عليهم السلام اصله واحد، و قد امروا ان يكلموا الناس على قدر عقولهم، و بيان ذلك: ان الحديثين الاولين يدلان على ما دل عليه الحديثان الاخران على وجه لطيف و معنى شريف، \par و توضيحه: ان الظاهر من حال الديصانى فى الحديث الاول: انه كان مناظرا مجادلا كما يظهر من سياق كلامه مع مثل هشام بن الحكم و جواب الامام له على هذا النحو يدل على انه كان يعلم ان ما سئل منه محال، و القدره لا تتعلق بالمحال لنقصه \par
001    02    عن الاستعداد لتعلق القدره به، فعدوله عليه السلام الى ما يدل على كمال القدره مع وجوده و عدم لزوم المحال فيه مع كونه نظيرا لما اراده السائل، فيه تمام الفصاحه و البلاغه و الالزام لمن عرف عليه السلام من حاله انه يفهم ذلك، و حال هشام فى فهمه كحال الديصانى و الا فمثل هشام مع العلم بحاله لا يخفى عليه ان السائل اراده غير ما اجابه عليه السلام و لم يراجعه فى ذلك لاجل دفع ما يورده السائل من انه اراده غير ما تضمنه الجواب، \par و حاصل الكلام انه عليه السلام نبهه ان الله سبحانه قادر على ان يدخل الدنيا فى البيضه مثل دخول ما تراه بناظرك فى الناظر و هو بهذا القدر و ذلك بحيث لا يكبر البيضه و لا تصغر الدنيا كما ان ما يراه الناظر يدخل تحت قدرته بحيث لا يكبر الناظر و لا يصغر ما ينظروه، \par و على هذا النحو ما فى الحديث الاخر من قول الرضا عليه السلام: نعم و فى اصغر من البيضه قد جعلها الله فى عينك، و هى اصغر من البيضه، ففيه تنبيه للسائل على كمال قدرته تعالى بما هو ممكن و غير محال، و ان ما سئل عنه لا ينبغى ان يسئل عنه لما ذكر من كونه محالا، \par فظهر كون الاحاديث كلها متفقه لا تنافى بينها، و الا فكيف يتصور؟ ان يخفى على الامام عليه السلام ما اراده السائل حتى يجيبه بغير ما دل عليه سواله، و مع ذلك لا يفرق هشام و السائل بين السوال و الجواب، و ينقل مثل هذا اجلاء العلماء من غير تعرض لدفع ما ذكر، و ما ذلك الا لفهمهم وجه ذلك، و الله اعلم، \par قوله عليه السلام: و ان عظم، عظم الشى ء بالضم خلاف صغر، و قوله عليه السلام: و لا يفوتها شى ء و ان لطف، فاته الشى ء فوتا و فواتا: ذهب عنه، و لطف كعظم لطفا بالضم و لطافه: صغر حجمه و دق فهو لطيف، اى لا يذهب عن قدرته شى ء لصغره و دقته كما لا يعجزها شى ء لعظمه و كبره، بل هو على كل شى ء قدير عظيما كان او لطيفا لعموم قدرته جل شانه و عز سلطانه. \par
002    02    (فى هذه الفقره اشاره الى قوله تعالى: و كذلك جعلناكم امه وسطا) \par (فختم بنا على جميع من ذرء، و جعلنا شهداء على من جحد، و كثرنا بمنه على \par
002    02    من قل) ختم الكتاب من باب ضرب و ختم عليه ختما وضع عليه الخاتم و هو الطابع، و الباء للسببيه، و ذرء الله الخلق ذرء بالهمزه من باب نفع: خلقهم، و المعنى انه تعالى جعلنا آخر جميع من خلق من الانبياء و اممهم كما قال تعالى: و ان من امه الا خلا فيها نذير فختمهم بنا فلا امه بعدنا يرسل اليها رسول كما ان نبينا صلى الله عليه و آله خاتم الانبياء و المرسلين فلا احد- ينبى ء بعده، و لا يقدح فيه نزول عيسى عليه السلام بعده لانه ممن نبى ء قبله و حين ينزل انما ينزل عاملا على شريعه محمد صلى الله عليه و آله مصليا الى قبلته كانه بعض امته، \par قوله عليه السلام: و جعلنا شهداء على من جحد، الشهداء جمع شهيد فعيل بمعنى فاعل من شهد على الشى ء: اطلع عليه و عاينه فهو شهيد و شاهد، و جحده حقه يجحده جحدا و جحودا من باب منع: انكره، و لا يكون الا عن علم من الجاحد به، و فى هذه الفقره اشاره الى قوله تعالى: و كذلك جعلناكم امه وسطا لتكونوا شهداء على الناس و يكون الرسول عليكم شهيدا و الوسط فى الاصل: اسم لما تستوى نسبه الجوانب اليه كمركز الدائره، ثم استعير للخصال المحموده البشريه لكن لا لان الاطراف يتسارع اليها الخلل و الاوساط محفوظه كما قيل، فان تلك العلامه بمعزل من الاعتبار فى هذا المقام اذ لا ملابسه بينها و بين اهليه الشهاده التى جعلت غايه للجعل المذكور، بل كون تلك الخصال اوساطا للخصال الذميمه المكتنفه بها من طرفى الافراط و التفريط: كالعفه التى طرفاها الفجور و الخمود، و كالشجاعه التى طرفاها: التهور و الجبن، و كالحكمه التى طرفاها: الجربزه و البلاده، ثم اطلق على المتصف بها مبالغه كانه نفسها، و سوى فيه بين المفرد و الجمع و المذكر و المونث، رعايه لجانب الاصل، كسائر الاسماء التى يوصف بها، اى جعلناكم متصفين بالخصال الحميده خيارا عدولا مزكين بالعلم و العمل، لتكونوا شهداء على الناس: بان الله تعالى قد اوضح السبل فارسل الرسل فبلغوا و نصحوا اذ كنتم واقفين على الحقائق المودعه فى الكتاب المبين المنطوى على احكام الدين و احوال الامم اجمعين حاويا لشرائط الشهاده عليهم. \par
002    02    (ان الامم يوم القيمه يجحدون تبليغ الانبياء عليهم السلام) \par (فيطالب الله الانبياء بالبينه..) \par روى ان الامم يوم القيامه يجحدون تبليغ الانبياء عليهم السلام فيطالب الله الانبياء بالبينه على انهم قد بلغوا و هو اعلم، للحجه على الجاحدين، و زياده لخزيهم فيوتى بامه محمد صلى الله عليه و آله فيشهدون، فيقولوا الامم: من اين عرفتم؟ فيقولون عرفنا ذلك باخبار الله تعالى فى كتابه الناطق على لسان نبيه الصادق، فيوتى عند ذلك بمحمد صلى الله عليه و آله و يسئل عن امته فيزكيهم و يشهد بعد التهم و ذلك قوله تعالى: و يكون الرسول عليكم شهيدا، و من الحكمه فى ذلك تمييز امه محمد صلى الله عليه و آله فى الفضل على سائر الامم: حيث يبادرون الى تصديق الله و تصديق جميع الانبياء و الايمان بهم جميعا فهم بالنسبه الى غيرهم كالعدل الى الفاسق فلذلك تقبل شهادتهم على الامم و لا تقبل شهاده الامم عليهم، \par و انما لم يقل: و يكون الرسول لكم شهيدا مع ان شهادته لهم لا عليهم، لما فى الشهيد من معنى الرقيب مثل: و الله على كل شى ء شهيد مع رعايه المطابقه للاول، و تقديم الظرف للدلاله على اختصاص شهادته عليه السلام بهم، \par و قيل: ان هذه الشهاده فى الدنيا، و ذلك ان الشهاده فى عرف الشرع: من يخبر عن حقوق الناس بالفاظ مخصوصه على جهات مخصوصه، فكل من عرف حال شخص فله ان يشهد عليه فان الشهاده خبر قاطع، و شهاده الامه لا يجوز ان تكون موقوفه على الاخره لان عدالتهم فى الدنيا ثابته بدليل: جعلناكم بلفظ الماضى فلا اقل من حصولها فى الحال ثم رتب كونهم شهداء على عدالتهم فيجب ان يكونوا شهداء فى الدنيا، \par فان قيل: لعل التحمل فى الدنيا و لكن الاداء فى الاخره؟ \par قلنا: المراد فى الايه: الاداء، لان العداله انما تعتبر فى الاداء لا فى التحمل، و من هنا يعلم ان اجماعهم حجه لا بمعنى ان كل واحد منهم محق فى نفسه بل هيئتهم الاجتماعيه تقتضى كونهم محقين: و هذا من خواص هذه الامه، ثم لا يبعد ان يحصل لهم مع ذلك شهاده فى الاخره فيجرى الواقع منهم مجرى التحمل اذا بينوا الحق عرفوا \par
002    02    عنده: من القابل، و من الراد، ثم يشهدون بذلك يوم القيامه، كما ان الشاهد على العقود يعرف ماتم، ثم يشهد: بذلك عند الحاكم، او يكون المعنى: لتكونوا شهداء على الناس فى الدنيا فيما لا يصح الا بشهاده العدول الاخيار، \par قال النيسابورى: قيل الايه متروكه الظاهر لان وصف الامه بالعداله يقتضى اتصاف كل واحد منهم بها، و ليس كذلك فلا بد من حملها على البعض فنحن نحملها على الائمه المعصومين، سلمناه، لكن الخطاب فى جعلناكم للموجودين عند نزول الايه لان خطاب من لا يوجد محال، فالايه تدل على ان اجماع اولئك حق لكنا لا نعلم بقاء جميعهم باعيانهم الى ما بعد وفاه الرسول صلى الله عليه و آله فلا يثبت صحه الاجماع و قتئذ، \par و اجيب: بان حال الشخص فى نفسه غير حاله بالقياس الى غيره، فلم لا يجوز ان لا يكون الشخص مقبول القول عند الانفراد، و يكون مقبول القول عند الاجتماع، و الخطاب لجميع الامه من حين نزول الايه الى قيام الساعه. كما فى سائر التكاليف: مثل كتب عليكم الصيام كتب عليكم القصاص فللموجودين بالذات، و للباقين بالتبعيه، \par لكنا لو اعتبرنا اول الامه و آخرها باسرها لزالت فائده الايه اذ لم يبق بعد انقضائها من تكون الامه حجه عليه، فعلمنا ان المراد بها اهل كل عصر، ثم ان الله تعالى من على هذه الامه ان جعلهم خيارا و عدولا عند الاجتماع، فلو امكن اجتماعهم على الخطاء لم يكن بينهم و بين سائر الامم فرق فى ذلك فلا منه، انتهى \par قلت: اما عدم اجتماعهم على الخطاء فمسلم لكن لا من حيث عصمتهم حال اجتماعهم عن الخطاء كما يزعمه المخالفون القائلون بجواز الخلو عن المعصوم، بل من حيث دخول المعصوم فيهم، لان تحقق الاجماع كاشف عن دخوله، و المساله مستوفاه فى كتب الاصول. \par
002    02    (الحق ان المراد بالشهاده: الشهاده فى الاخره، و بالشهداء..) \par و الحق ان المراد بالشهاده: الشهاده فى الاخره و بالشهداء: الائمه المعصومين عليهم السلام لما روى عن الصادق عليه السلام انه قال: ظننت ان الله عنى بهذه الايه جميع اهل القبله من الموحدين؟ افترى ان من لا تجوز شهادته فى الدنيا على صاع من تمر يطلب الله شهادته يوم القيامه و يقبلها منه بحضره جميع الامم الماضيه؟ كلا، لم يعن الله مثل هذا من خلقه يعنى الامه التى وجبت لها دعوه ابراهيم، كنتم خير امه اخرجت للناس و هم الامه الوسطى و هم خير امه اخرجت للناس، \par و روى الحاكم ابوالقاسم الحسكانى فى كتاب شواهد التنزيل باسناده عن سليم ابن قيس الهلالى عن على عليه السلام: ان الله تعالى ايانا عنى بقوله لتكونوا شهداء على الناس فرسول الله شاهد علينا، و نحن شهداء الله على خلقه و حجته فى ارضه، و نحن الذين قال الله تعالى: و كذلك جعلناكم امه وسطا، \par روى ثقه الاسلام فى الكافى بسنده عن يزيد بن معاويه قال قلت لابى جعفر عليه السلام قوله و كذلك جعلناكم امه وسطا لتكونوا شهداء على الناس، قال: نحن الامه الوسط، و نحن شهداء الله على خلقه و حجته فى ارضه. \par (فان قلت: ما حقيقه هذه الشهاده و ما فائدتها؟ قلت..) \par قال بعض العلماء: فان قلت ما حقيقه هذه الشهاده و ما فائدتها مع ان الله تعالى عالم الغيب و الشهاده؟ \par قلت: اما حقيقتها فيعود الى اطلاعهم صلوات الله عليهم افعال الامه، و بيان ذلك: ان للنفوس القدسيه الاطلاع على الامور الغيبيه و الانتقاش بها مع كونها فى جلابيب من ابدانها فكيف بها قبل ملابستها و بعد مفارقتها لهذا العالم و الجسم المظلم فانها اذن تكون مطلعه على افعال جميع الامم و مشاهده لها من خير و شر. \par و اما فائدتها: فقد علمت ان اكثر احكام الناس و هميه و الوهم منكر للاله على الوجه الذى هو الاله فبالحرى ان ينكر كونه عالما بجزئيات افعال عباده و دقائق خطرات \par \par
002    02    اوهامهم و ظاهر ان ذلك الانكار يستتبع عدم المبالاه بفعل القبيح و الانهماك فى الامور الباطله التى نهى الله تعالى عنها، فاذا ذكر لهم ان عليهم شهداء و رقباء و كتابا لما يفعلون مع صدق كل ذلك باحسن تاويل كان ذلك مما يعين العقل على كسر النفس الاماره بالسوء، و قهر الاوهام الكاذبه، و يردع النفس عن متابعه الهوى، و اذا كان معنى الشهاده يعود الى اطلاع الشاهد على ما فى ذمه المشهود عليه، و علمه بحقيقته، و فائدتها حفظ ما فى ذمه المشهود عليه و تخوفه ان جحد او لم يوصله الى مستحقه ان يشهد عليه الشاهد فيفضحه و ينزع منه على اقبح وجه و كان المعنى و الفائده قائمين فى شهاده الائمه عليهم السلام اذ بها تحفظ اوامر الله و تكاليفه التى هى حقوقه الواجبه، و يحصل الخوف للمقصرين فيها يذكر شهادتهم عليهم بالتقصير فيفتضحوا فى محفل القيامه و يستوفى منهم جزاء ما كلفوا به فقصروا فيه بالعقاب الاليم، لا جرم ظهر معنى كونهم شهداء الله على خلقه. \par (تكثير امه محمد صلى الله عليه و آله اما باعتبار.. او باعتبار..) \par قوله عليه السلام: و كثرنا بمنه على من قل، كثرت الشى ء تكثيرا و اكثرته اكثارا: جعلته كثيرا، اى جعلنا كثيرين وافرين العدد دون سائر الامم الذين هم قليلون بالنسبه الينا و عدى كثر بعلى لتضمينه معنى التفضيل كانه قال: كثرنا بمنه مفضلا لنا على من قل، و تكثيرنا: اما باعتبار كون شرعه صلوات الله عليه و آله مويدا الى يوم القيامه فتكون امته مستمره لا انقطاع لها الى انقضاء الدنيا بخلاف سائر الامم، \par او باعتبار شمول رسالته الى العرب و العجم و الانس و الجن، \par او باعتبار البركه فى النسل كما قال صلى الله عليه و آله: تناكحوا تناسلوا فانى مكاثر بكم الامم يوم القيامه، \par او باعتبار بقاء معجزه الذى هو القرآن الى آخر الدهر، و قد عد العلماء من خصائصه صلوات الله عليه و آله كونه اكثر الانبياء تابعا. \par
003    02    (معنى الامين، و الوحى، و النجيب، و الصفى) \par (اللهم فصل على محمد امينك على وحيك، و نجيبك من خلقك، و صفيك من عبادك) اصل اللهم يا الله، حذف حرف النداء و عوض عنه الميم و لذلك لا تجمع بينها الا ضروره، قوله امينك على وحيك الامين فعيل من الامانه فهو اما بمعنى مفعول اى مامون من امنه كعلمه اذا استامنه او بمعنى فاعل من امن هو ككرم فهو امين، و الوحى فى اللغه: الاشاره، و الرساله، و الكتاب، و الالهام، و كل ما القيته الى غيرك ليعلمه فهو وحى كيف كان و هو مصدر وحى اليه يحى من باب وعد و اوحى اليه بالالف مثله و هو لغه القران الفاشيه، ثم غلب استعمال الوحى فيما يلقى الى الانبياء من عند الله، و المراد بكونه امينا على وحيه تعالى: قوته على ما كلف به من ضبط الوحى فى الواح قواه الشريفه بحكم الحكمه الالهيه بها عليه و كمال استعداد نفسه الطاهره لاسرار الله و علومه و حكمه و حفظه لها عن ضياعها، و صيانتها عن تدنسها باذهان غير اهلها و عدم تطرق تبديل او زياده او نقصان اليها، و لهذا السر كانت العرب تسميه بالامين قبل مبعثه لما شاهدوه من امانته و شهر بهذا الاسم قبل نبوته و بعدها، قوله عليه السلام: و نجيبك من خلقك، النجيب: الكريم النفيس فى نوعه فعيل بمعنى فاعل من نجب ككرم نجابه، و يحتمل ان يكون بمعنى مفعول اى اللباب الخالص الذى انتجبته من خلقك، قوله عليه السلام: وصفيك من عبادك، الصفى بمعنى المصطفى اى المختار. \par (الاشاره الى قوله تعالى: و ما ارسلناك الا رحمه..) \par (و تفصيل هذه الرحمه) \par (امام الرحمه، و قائد الخير، و مفتاح البركه) الامام: ما يقتدى به، من رئيس او غيره فيطلق على الخليفه، و العالم المقتدى به، و من يوتم به فى الصلوه و يستوى فيه المذكر و المونث و المعنى: الامام الذى هو الرحمه كانه نفس الرحمه مبالغه، و فيه اشاره الى قوله تعالى: و ما ارسلناك رحمه للعالمين و تفصيل هذه الرحمه من وجوه: \par احدها- انه الهادى الى سبيل الرشاد، و القائد الى رضوان الله سبحانه و \par
003    02    بسبب هدايته يكون وصول الخلق الى المقاصد العاليه، و دخول جنات النعيم التى هى غايه الرحمه، \par الثانى- ان التكاليف الوارده على يديه اسهل التكاليف و اخفها على الخلق بالنسبه الى سائر التكليف الوارده على ايدى الانبياء السابقين لاممها، و ذلك عنايه من الله تعالى و رحمه اختص بها امته على يديه، \par الثالث- انه ثبت ان الله تعالى يعفو عن عصاه امته و يرحمهم بسبب شفاعته، \par الرابع- انه سئل الله ان يرفع عن امته بعده عذاب الاستيصال فاجاب الله دعوته و رفع العذاب رحمه، \par الخامس- ان الله وضع فى شرعه الرخص تخفيفا و رحمه لامته، \par السادس- انه صلى الله عليه و آله رحم كثيرا من اعدائه كاليهود و النصارى و المجوس برفع السيف عنهم و بذل الامان لهم، و قبول الجزيه منهم، و قال صلى الله عليه و آله: من آذى ذميا فقد آذانى و لم بقبل احد من الانبياء الجزيه قبله، \par السابع- ان الله تعالى اخر عذاب من كذ به الى الموت او لقيامه كما قال تعالى: و ما كان الله ليعذبهم و انت فيهم و كل نبى من الانبياء قبله كان اذا كذب اهلك الله من كذبه، الى غير ذلك من الوجوه التى لا تكاد تحصى كثره، \par فان قلت كيف كان رحمه و قد جاء بالسيف و استباحه الاموال حتى قال فى حديث انا نبى الملحمه اى القتال؟ \par قلت انما جاء بالسيف لمن جحد و عاند و اراد خفض كلمه الله و لم يتفكر و لم يتدبر الا ترى؟ انه كان صلى الله عليه و آله لا يبدا احدا بقتال حتى يدعوه الى الله و ينذره من اسماء الله تعالى الرحمن الرحيم ثم هو المنتقم من العصاه، فلا شك انه صلى الله عليه و آله كان رحمه لجميع الخلق: للمومنين بالهدايه و غيرها، و للمنافقين بالامان، و للكافرين بتاخير العذاب، فذاته صلى الله عليه و آله رحمه تعم المومن و الكافر، \par و روى انه صلى الله عليه و آله قال لجبرئيل لما نزل عليه بقوله تعالى: و ما ارسلناك الا رحمه \par
003    02    للعالمين، هل اصابك من هذه الرحمه شى ء؟ قال: نعم، كنت اخشى سوء العاقبه فامنت ان شاء الله بقوله تعالى: ذى قوه عند ذى العرش مكين مطاع ثم امين. \par (ما قيل فى معانى الخير) \par قوله عليه السلام: و قائد الخير، قاد الدابه قودا من باب قال و قيادا. اذا تقدمها آخذا بقيادها فهو خلاف السوق، و منه قائد الجيش لاميرهم كانه يقودهم و جمعه قاده و قواد و قد يقال للدليل ايضا فائد بهذا الاعتبار، \par و الخير قيل هو شى ء من اعمال القلب نورانى زائد على الايمان و غيره من الصفات المرضيه يدل على ذلك ما فى حديث انس يخرج من النار من قال: لا اله الا الله و كان فى قلبه من الخير ما يزن مثقال ذره، \par و قيل هو الوجود و يطلق على غيره بالعرض، و هو اما خير مطلق كوجود العقل لانه خير محض لا يشوبه شر و نقص، و اما خير مقيد كوجود كل من الصفات المرضيه، \par و قيل هو ما يطلبه و يوثره و يختاره كل عاقل و هو ينقسم الى خير بالذات و خير بالعرض: \par فالاول- هو الحقيقى و مرجعه الى الوجود البحت و الموجود بما هو موجود كالعلم و الايمان الحقيقيين، \par و الثانى- ما هو وسيله الى الاول كالعباده و الزهد، \par و قيل هو ما يتشوقه كل احد بلا مشوبه و هو المختار من اجل نفسه و المختار غيره لاجله، فان الكل يطلب بالحقيقه: الخير و ان كان قد يعتقد فى الشر انه خير فيختاره فمقصده الخير، و يضاده الشر و هو المجتوى من اجل نفسه و المجتوى غيره من اجله، \par و الحق ان الخير كلى يندرج تحته جميع الاعمال الصالحه كما يدل عليه: \par قول اميرالمومنين عليه السلام: افعلوا الخير و لا تحقروا منه شيئا فان صغيره كبير، و قليله كثير، و يويده ما فى بعض الاخبار: يخرج منها اى من جهنم قوم لم يعملوا خيرا قط \par
003    02    و هولاء الذين ليس معهم الا الايمان انتهى، و يقابله الشر فيكون كليا يندرج تحته جميع الاعمال السيئه، \par و اضافه القائد الى الخير من اضافه الفاعل الى المفعول، و فيه استعاره لطيفه فان القائد لما كان من شانه ان يقود الدابه حتى يصل بها الى الموضع المقصود و كان صلى الله عليه و آله قد جاء بالخير و اوصله الى الخلق لا جرم حسنت استعاره القائد له، قوله عليه السلام: و مفتاح البركه: المفتاح، ما يفتح به المغالق، و المفتح مثله و كانه مقصود من الاول و جمع الاول: مفاتيح و الثانى مفاتح بغير ياء، و البركه، محركه: النماء و الزياده و السعاده و فيه استعاره بديعيه جدا و ذلك ان الكفر و الضلال لما كانا ما نعين عن نماء الاعمال و سعاده الدارين شبههما بالمغلاق الذى يمنع من الدخول الى الدار، و لما كان صلى الله عليه و آله دافعا للكفر و ماحيا للضلال و كان سببا للاقدام على استفاده الخيرات الزاكيه، و السعادات الناميه شبهه بالمفتاح. \par
004    02    (ما لا قاه النبى صلى الله عليه و آله من المكروه و المشقه) \par (كما نصب لامرك نفسه، و عرض للمكروه فيك بدنه) فى هاتين الفقرتين اشاره الى قيامه صلى الله عليه و آله بامر الله تعالى كما امره، و بذله مهجته و جسده فى سبيله و مقاساته للمكاره، و تحمله للمشاق فى ذاته. \par فعن ابى عبدالله عليه السلام ان الله تعالى كلف رسوله ما لم يكلف احدا من خلقه: كلفه ان يخرج على الناس كلهم وحده بنفسه ان لم يجد فئه تقاتل معه و لم يكلف هذا احدا من خلقه قبله و لا بعده، ثم تلا هذه الايه: فقاتل فى سبيل الله لا تكلف الا نفسك و اما ما لا قاه صلى الله عليه و آله من المكروه و المشقه فى ذات الله فمن قرا كتب السير علم ذلك كاستهزاء قريش به فى اول الدعوه، و رميهم اياه بالحجاره حتى ادموا عقبيه و صياح الصبيان به و فرث الكرش على راسه، و فتل الثوب فى عنقه و حصره مع اهله فى شعب بنى هاشم سنين عده محرمه معاملتهم و مبايعتهم و مناكحتهم و كلامهم حتى كادوا يموتون \par
005    02    (ما لا قاه النبى صلى الله عليه و آله من المكروه و المشقه) \par (كما نصب لامرك نفسه، و عرض للمكروه فيك بدنه) فى هاتين الفقرتين اشاره الى قيامه صلى الله عليه و آله بامر الله تعالى كما امره، و بذله مهجته و جسده فى سبيله و مقاساته للمكاره، و تحمله للمشاق فى ذاته. \par فعن ابى عبدالله عليه السلام ان الله تعالى كلف رسوله ما لم يكلف احدا من خلقه: كلفه ان يخرج على الناس كلهم وحده بنفسه ان لم يجد فئه تقاتل معه و لم يكلف هذا احدا من خلقه قبله و لا بعده، ثم تلا هذه الايه: فقاتل فى سبيل الله لا تكلف الا نفسك و اما ما لا قاه صلى الله عليه و آله من المكروه و المشقه فى ذات الله فمن قرا كتب السير علم ذلك كاستهزاء قريش به فى اول الدعوه، و رميهم اياه بالحجاره حتى ادموا عقبيه و صياح الصبيان به و فرث الكرش على راسه، و فتل الثوب فى عنقه و حصره مع اهله فى شعب بنى هاشم سنين عده محرمه معاملتهم و مبايعتهم و مناكحتهم و كلامهم حتى كادوا يموتون \par
004    02    جوعا لو لا ان بعض من كان يحنو عليهم لرحم او لسبب غيره كان يشترى القليل من الدقيق او التمر فيلقيه اليهم ليلا، ثم قصدهم له بالاذى و لاصحابه بالضرب و التعذيب بالجوع و الوثاق فى الشمس و طردهم اياهم من شعاب مكه حتى خرج من خرج منهم الى الحبشه و خرج هو صلى الله عليه و آله مستجيرا منهم تاره بثقيف و تاره ببنى عامر و تاره بربيعه الفرس و بغيرهم، ثم اجمعوا على قتله و الفتك به ليلا حتى هرب منهم لائذا بالاوس و الخزرج تاركا اهله و ولده و ما حوته يده ناجيا بحشاشه نفسه حتى وصل الى المدينه فناصبوه الحرب و رموه بالكتائب و صدقوه القتال و الكفاح حتى ادموا فمه و طاح مغشيا عليه و لم يزل منهم فى عناء شديد و حروب متصله الى ان اكرمه الله تعالى بنصره و ايده بظهور دينه، \par
005    02    جوعا لو لا ان بعض من كان يحنو عليهم لرحم او لسبب غيره كان يشترى القليل من الدقيق او التمر فيلقيه اليهم ليلا، ثم قصدهم له بالاذى و لاصحابه بالضرب و التعذيب بالجوع و الوثاق فى الشمس و طردهم اياهم من شعاب مكه حتى خرج من خرج منهم الى الحبشه و خرج هو صلى الله عليه و آله مستجيرا منهم تاره بثقيف و تاره ببنى عامر و تاره بربيعه الفرس و بغيرهم، ثم اجمعوا على قتله و الفتك به ليلا حتى هرب منهم لائذا بالاوس و الخزرج تاركا اهله و ولده و ما حوته يده ناجيا بحشاشه نفسه حتى وصل الى المدينه فناصبوه الحرب و رموه بالكتائب و صدقوه القتال و الكفاح حتى ادموا فمه و طاح مغشيا عليه و لم يزل منهم فى عناء شديد و حروب متصله الى ان اكرمه الله تعالى بنصره و ايده بظهور دينه، \par
008    02    (اشاره الى ما فعله صلى الله عليه و آله مع قومه و عشيرته و) \par (اسرته و اقربائه) \par (و كاشف فى الدعاء اليك حامته، و حارب فى رضاك اسرته، و قطع فى احياء دينك رحمه) كاشفه بالعداوه: باداه بها اى جاهره من الكشف بمعنى الاظهار، و فى، للتعليل كاللتين بعدها، و الدعاء الى الله طلب الخلق الى توحيده، و الاقبال الى طاعته، و حامه الرجل: خاصته و من يقرب منه و هو الحميم ايضا، و الاسره: بالضم كغرفه: رهط الرجل الادنون و اصلها من الاسر و هو الشده لان الرجل يشتد برهطه و عشيرته و يقوى بهم، و قطع رحمه قطعا و قطيعه هجرها، و الرحم ككتف هى موضع تكوين الولد و وعاوه فى بطن امه ثم سميت القرابه رحما لكونهم يرجعون الى رحم واحده. \par و فى هذه الفقرات اشاره الى ما فعله صلى الله عليه و آله مع قومه و عشيرته و اسرته و اقربائه من قريش و بنى المطلب و بنى هاشم الذين كذبوه و حاربوه ليطفوا نور الله و يابى الله الا ان يتم نوره \par
007    02    (اشاره الى ما فعله صلى الله عليه و آله مع قومه و عشيرته و) \par (اسرته و اقربائه) \par (و كاشف فى الدعاء اليك حامته، و حارب فى رضاك اسرته، و قطع فى احياء دينك رحمه) كاشفه بالعداوه: باداه بها اى جاهره من الكشف بمعنى الاظهار، و فى، للتعليل كاللتين بعدها، و الدعاء الى الله طلب الخلق الى توحيده، و الاقبال الى طاعته، و حامه الرجل: خاصته و من يقرب منه و هو الحميم ايضا، و الاسره: بالضم كغرفه: رهط الرجل الادنون و اصلها من الاسر و هو الشده لان الرجل يشتد برهطه و عشيرته و يقوى بهم، و قطع رحمه قطعا و قطيعه هجرها، و الرحم ككتف هى موضع تكوين الولد و وعاوه فى بطن امه ثم سميت القرابه رحما لكونهم يرجعون الى رحم واحده. \par و فى هذه الفقرات اشاره الى ما فعله صلى الله عليه و آله مع قومه و عشيرته و اسرته و اقربائه من قريش و بنى المطلب و بنى هاشم الذين كذبوه و حاربوه ليطفوا نور الله و يابى الله الا ان يتم نوره \par
006    02    (اشاره الى ما فعله صلى الله عليه و آله مع قومه و عشيرته و) \par (اسرته و اقربائه) \par (و كاشف فى الدعاء اليك حامته، و حارب فى رضاك اسرته، و قطع فى احياء دينك رحمه) كاشفه بالعداوه: باداه بها اى جاهره من الكشف بمعنى الاظهار، و فى، للتعليل كاللتين بعدها، و الدعاء الى الله طلب الخلق الى توحيده، و الاقبال الى طاعته، و حامه الرجل: خاصته و من يقرب منه و هو الحميم ايضا، و الاسره: بالضم كغرفه: رهط الرجل الادنون و اصلها من الاسر و هو الشده لان الرجل يشتد برهطه و عشيرته و يقوى بهم، و قطع رحمه قطعا و قطيعه هجرها، و الرحم ككتف هى موضع تكوين الولد و وعاوه فى بطن امه ثم سميت القرابه رحما لكونهم يرجعون الى رحم واحده. \par و فى هذه الفقرات اشاره الى ما فعله صلى الله عليه و آله مع قومه و عشيرته و اسرته و اقربائه من قريش و بنى المطلب و بنى هاشم الذين كذبوه و حاربوه ليطفوا نور الله و يابى الله الا ان يتم نوره \par
008    02    فحاربهم و قاتلهم و قتل منهم الجم الغفير فى بدر و احد و اسر منهم من اسر لم تاخذه بهم رافه و لا عطفه عليهم رحم غضبا لله تعالى و طلبا لمرضاته و احياء لدينه حتى علت كلمته و ظهر دينه و لو كره المشركون. \par
007    02    فحاربهم و قاتلهم و قتل منهم الجم الغفير فى بدر و احد و اسر منهم من اسر لم تاخذه بهم رافه و لا عطفه عليهم رحم غضبا لله تعالى و طلبا لمرضاته و احياء لدينه حتى علت كلمته و ظهر دينه و لو كره المشركون. \par
006    02    فحاربهم و قاتلهم و قتل منهم الجم الغفير فى بدر و احد و اسر منهم من اسر لم تاخذه بهم رافه و لا عطفه عليهم رحم غضبا لله تعالى و طلبا لمرضاته و احياء لدينه حتى علت كلمته و ظهر دينه و لو كره المشركون. \par
010    02    (الجحود على نوعين) \par (و اقصى الادنين على جحودهم، و قرب الاقصين على استجابتهم لك) اقصاه: ابعده من قصا الشى ء قصوا من باب قعد اذا بعد، و الادنين و الاقصين بفتح ما قبل علامه الجمع فيهما: الاقارب و الاباعد جمع ادنى و اقصى و اصلهما: الادنيين و الاقصيين، تحركت يائهما المنقلبتان عن واو فى الاصل لانهما من الدنو و القصو و انفتح ما قبلهما فقلبتا الفين ثم حذفتا لالتقاء الساكنين و بقيت الفتحه قبلهما دليلا عليهما، \par و هذا الحكم جار فى كل مقصور يجمع هذا الجمع فتحذف الفه دون الفتحه قبلها لتدل عليها و فى التنزيل: و انتم الاعلون و انهم عندنا لمن المصطفين الاخيار و جحده جحدا و جحودا انكره مع علمه، و استجاب له استجابه اذا دعاه الى شى ء فاطاع و «على» فى الفقرتين للتعليل اى لجحودهم، و لاستجابتهم، كقوله تعالى: و تكبروا الله على ماهديكم اى لهدايته اياكم، \par و اعلم ان الجحود على نوعين: \par احدهما- جحود تشبيه اذا المشبهون لله سبحانه بخلقه و ان اختلفوا فى كيقيه التشبيه باسرهم جاحدون له فى الحقيقه، و ذلك: ان المعنى الذى يتصورنه و يثبتونه الها ليس هو نفس الا له مع انهم ينفون ما سوى ذلك فكانوا نافين للاله الحق فى المعنى و جاحدين له \par و الثانى- جحود من لم يثبت صانعا و كلا الفريقين جاحد له من وجه و مثبت له من وجه: اما المشبهون فمثبتون له صريحا جاحدون له لزوما، و اما الاخرون فبالعكس اذ كانوا جاحدين له صريحا من الجهه التى يثبته العقلاء بها، و مقرون به الزاما و اضطرارا \par
009    02    (الجحود على نوعين) \par (و اقصى الادنين على جحودهم، و قرب الاقصين على استجابتهم لك) اقصاه: ابعده من قصا الشى ء قصوا من باب قعد اذا بعد، و الادنين و الاقصين بفتح ما قبل علامه الجمع فيهما: الاقارب و الاباعد جمع ادنى و اقصى و اصلهما: الادنيين و الاقصيين، تحركت يائهما المنقلبتان عن واو فى الاصل لانهما من الدنو و القصو و انفتح ما قبلهما فقلبتا الفين ثم حذفتا لالتقاء الساكنين و بقيت الفتحه قبلهما دليلا عليهما، \par و هذا الحكم جار فى كل مقصور يجمع هذا الجمع فتحذف الفه دون الفتحه قبلها لتدل عليها و فى التنزيل: و انتم الاعلون و انهم عندنا لمن المصطفين الاخيار و جحده جحدا و جحودا انكره مع علمه، و استجاب له استجابه اذا دعاه الى شى ء فاطاع و «على» فى الفقرتين للتعليل اى لجحودهم، و لاستجابتهم، كقوله تعالى: و تكبروا الله على ماهديكم اى لهدايته اياكم، \par و اعلم ان الجحود على نوعين: \par احدهما- جحود تشبيه اذا المشبهون لله سبحانه بخلقه و ان اختلفوا فى كيقيه التشبيه باسرهم جاحدون له فى الحقيقه، و ذلك: ان المعنى الذى يتصورنه و يثبتونه الها ليس هو نفس الا له مع انهم ينفون ما سوى ذلك فكانوا نافين للاله الحق فى المعنى و جاحدين له \par و الثانى- جحود من لم يثبت صانعا و كلا الفريقين جاحد له من وجه و مثبت له من وجه: اما المشبهون فمثبتون له صريحا جاحدون له لزوما، و اما الاخرون فبالعكس اذ كانوا جاحدين له صريحا من الجهه التى يثبته العقلاء بها، و مقرون به الزاما و اضطرارا \par
010    02    فان كل احد اذا وقع فى محنه و اضطر فى ضيق فزع من دون اختيار الى ربه و تضرع اليه فى النجاه و الخلاص، و اليه الاشاره بقوله تعالى: و اذا مسكم الضر فى البحر ضل من تدعون الا اياه فلما نجيكم الى البر اعرضتم و كان الانسان كفورا. \par
009    02    فان كل احد اذا وقع فى محنه و اضطر فى ضيق فزع من دون اختيار الى ربه و تضرع اليه فى النجاه و الخلاص، و اليه الاشاره بقوله تعالى: و اذا مسكم الضر فى البحر ضل من تدعون الا اياه فلما نجيكم الى البر اعرضتم و كان الانسان كفورا. \par
012    02    (معنى: اوثق عرى الايمان) \par (و والى فيك الابعدين، و عادى فيك الاقربين) الموالاه: ضد المعاداه، و قوله عليه السلام فيك، فى كلا الفقرتين للتعليل اى لاجلك، و فيه اعلام بحبه و بغضه صلى الله عليه و آله لله تعالى و هما من اعظم الاعمال، بل هما اوثق عرى الايمان. \par كما روى عن الصادق عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه و آله لاصحابه اى عرى الايمان اوثق؟ فقالوا الله و رسوله اعلم، قال بعضهم: الصلوه، و قال بعضهم: الزكوه، و قال بعضهم: الصيام، و قال بعضهم: الحج و العمره، و قال بعضهم: الجهاد، فقال رسول الله صلى الله عليه و آله لكل ما قلتم فضل و ليس به، و لكن اوثق عرى الايمان: الحب فى الله و البغض فى الله و توالى اولياء الله و التبرى من اعداء الله، \par و عن الصادق عليه السلام ايضا قال: من لم يحب على الدين، و لم يبغض على الدين فلا دين له. \par
011    02    (معنى: اوثق عرى الايمان) \par (و والى فيك الابعدين، و عادى فيك الاقربين) الموالاه: ضد المعاداه، و قوله عليه السلام فيك، فى كلا الفقرتين للتعليل اى لاجلك، و فيه اعلام بحبه و بغضه صلى الله عليه و آله لله تعالى و هما من اعظم الاعمال، بل هما اوثق عرى الايمان. \par كما روى عن الصادق عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه و آله لاصحابه اى عرى الايمان اوثق؟ فقالوا الله و رسوله اعلم، قال بعضهم: الصلوه، و قال بعضهم: الزكوه، و قال بعضهم: الصيام، و قال بعضهم: الحج و العمره، و قال بعضهم: الجهاد، فقال رسول الله صلى الله عليه و آله لكل ما قلتم فضل و ليس به، و لكن اوثق عرى الايمان: الحب فى الله و البغض فى الله و توالى اولياء الله و التبرى من اعداء الله، \par و عن الصادق عليه السلام ايضا قال: من لم يحب على الدين، و لم يبغض على الدين فلا دين له. \par
014    02    (المله و الشريعه و الدين متحده ذاتا و مختلفه اعتبارا) \par (و اداب نفسه فى تبليغ رسالتك، و اتعبها بالدعاء الى ملتك، و شغلها بالنصح لاهل دعوتك) داب الرجل فى عمله كمنع: اجتهد، و اداب نفسه و اجيره: اجهدهما، و التبليغ و الابلاغ: الايصال و الاسم البلاغ بالفتح و فى، للتعليل، و الرساله بالكسر لغه اسم من الارسال و هو التوجيه، و عرفا تكليف الله تعالى بعض عباده بواسطه ملك يشاهده و يشافهه ان يدعوا الخلق اليه و يبلغهم احكامه، و قد تطلق على نفس الاحكام المرسل بها كما وقع هنا، و المله بالكسر لغه: الطريقه المسلوكه، و اصطلاحا: الطريقه الالهيه المجتمع عليها المثبته للاحكام المتضمنه لمصالح العباد، و عماره البلاد، و النجاه فى المعاد، \par
013    02    (المله و الشريعه و الدين متحده ذاتا و مختلفه اعتبارا) \par (و اداب نفسه فى تبليغ رسالتك، و اتعبها بالدعاء الى ملتك، و شغلها بالنصح لاهل دعوتك) داب الرجل فى عمله كمنع: اجتهد، و اداب نفسه و اجيره: اجهدهما، و التبليغ و الابلاغ: الايصال و الاسم البلاغ بالفتح و فى، للتعليل، و الرساله بالكسر لغه اسم من الارسال و هو التوجيه، و عرفا تكليف الله تعالى بعض عباده بواسطه ملك يشاهده و يشافهه ان يدعوا الخلق اليه و يبلغهم احكامه، و قد تطلق على نفس الاحكام المرسل بها كما وقع هنا، و المله بالكسر لغه: الطريقه المسلوكه، و اصطلاحا: الطريقه الالهيه المجتمع عليها المثبته للاحكام المتضمنه لمصالح العباد، و عماره البلاد، و النجاه فى المعاد، \par
014    02    و المله و الشريعه و الدين متحده ذاتا و مختلفه اعتبارا: فان الطريقه الالهيه من حيث انها يجتمع عليها تسمى مله، و من حيث اظهار الله تعالى لها تسمى شريعه، و من حيث انها يطاع بها يسمى دينا. \par (اجهاد الرسول صلى الله عليه و آله نفسه فى تبليغ الرساله) \par (واتعا به لها من وحوه:) \par اجهاد الرسول صلى الله عليه و آله نفسه فى تبليغ الرساله و اتعابه لها فى الدعاء الى المله من وجوه: \par احدها- مقاساته للمتاعب الكثيره، و المكاره الشديده من المشركين فى بدو دعوته، حتى قال صلى الله عليه و آله: ما اوذى نبى مثل ما اوذيت، \par و قال اميرالمومنين عليه السلام مشيرا الى ذلك: خاض الى رضوان الله تعالى كل غمره و تجرع فيه كل غصه، و قد تلون له الادنون و تالب عليه الاقصون و خلعت اليه العرب اعنتها و ضربت الى محاربته بطون رواحلها حتى انزلت بساحته عداوتها من ابعد الدار و اسحق المزار. \par الثانى- شده حرصه صلى الله عليه و آله على رجوع الخلق الى الحق، و مبالغته فى دعوتهم اليه و كمال الاهتمام بشانهم، و كثره تاسفه و تحسره على عدم ايمانهم حتى خاطبه ربه بقوله تعالى: لعلك باخع نفسك على ان لا يكونوا مومنين اى اشفق على نفسك ان تقتلها حسره على ان لا يومنوا، و بقوله تعالى: فلعلك باخع نفسك على آثارهم ان لم \par
013    02    و المله و الشريعه و الدين متحده ذاتا و مختلفه اعتبارا: فان الطريقه الالهيه من حيث انها يجتمع عليها تسمى مله، و من حيث اظهار الله تعالى لها تسمى شريعه، و من حيث انها يطاع بها يسمى دينا. \par (اجهاد الرسول صلى الله عليه و آله نفسه فى تبليغ الرساله) \par (واتعا به لها من وحوه:) \par اجهاد الرسول صلى الله عليه و آله نفسه فى تبليغ الرساله و اتعابه لها فى الدعاء الى المله من وجوه: \par احدها- مقاساته للمتاعب الكثيره، و المكاره الشديده من المشركين فى بدو دعوته، حتى قال صلى الله عليه و آله: ما اوذى نبى مثل ما اوذيت، \par و قال اميرالمومنين عليه السلام مشيرا الى ذلك: خاض الى رضوان الله تعالى كل غمره و تجرع فيه كل غصه، و قد تلون له الادنون و تالب عليه الاقصون و خلعت اليه العرب اعنتها و ضربت الى محاربته بطون رواحلها حتى انزلت بساحته عداوتها من ابعد الدار و اسحق المزار. \par الثانى- شده حرصه صلى الله عليه و آله على رجوع الخلق الى الحق، و مبالغته فى دعوتهم اليه و كمال الاهتمام بشانهم، و كثره تاسفه و تحسره على عدم ايمانهم حتى خاطبه ربه بقوله تعالى: لعلك باخع نفسك على ان لا يكونوا مومنين اى اشفق على نفسك ان تقتلها حسره على ان لا يومنوا، و بقوله تعالى: فلعلك باخع نفسك على آثارهم ان لم \par
014    02    يومنوا بهذا الحديث اسفا شبهه برجل فارقه اعزته و هو يتلهف على آثارهم و يهلك نفسه حسره و تاسفا على فراقهم و قال تعالى له صلى الله عليه و آله: فلا تذهب نفسك عليهم حسرات ان الله عليم بما يصنعون. \par الثالث- معالجته للامراض النفسانيه و ازالته للاعراض الظلمانيه من نفوس الجهال و قلوب اهل الزيغ و الضلال، فان النفوس الجاهليه و ان كانت فى اول الفطره قابله لنور العلم و ظلمه الجهل لكنها بمزاوله الاعمال السيئه و الافعال الشهويه و الغضبيه صارت كالبهائم و السباع مظلمه الذوات، و رسخت فيها الجهالات، و الاخلاق الحيوانيه، و الدواعى السبعيه فيحتاج معالجتها الى جهد جهيد و عناء شديد حتى يزيل عنها ظلمه الجهل، و يجعلها قابله لنور العلم فيفيض عليها الحقائق العلميه و المعارف اليقينيه، هذا مع تفاوت مراتب الاذهان فى قبول التعليم، و تباين الفطن و الافهام فى الاستعداد للتفهم، و فى ذلك من التعب و المشقه ما لا خفاء به، الا ترى؟ ان طبيب البدن يشق عليه علاج الامراض الصعبه كحمى الدق و السل و المرض المزمن ما لا يشق عليه غيرها، خصوصا اذا كثرت عليه المرضى، و اختلفت امزجتهم فى قبول الدواء، فان الانبياء عليهم السلام و من يقوم مقامهم اطباء النفوس المبعوثون لعلاج امراضها كما ان الحكماء اطباء الابدان المخصوصون بمداواتها لغايه بقائها على صلاحها او رجوعها الى العافيه من امراضها، رئى المسيح عليه السلام خارجا من بيت فاجره مجاهره بالفجور فقيل يا روح الله! ما تصنع هاهنا؟ فقال انما ياتى الطبيب المرضى، \par الرابع- اشتغاله حال التبليغ و الدعوه بالخلق عن الحق و الالتفات من المقام الاسنى الى المقام الادنى، فانه صلى الله عليه و آله لما كان دائم التوجه الى الملاء الاعلى مستغرقا فى الالتفات اليه مرتبطا به اشد الارتباط مقبلا عليه و كان مع ذلك منصوبا لتشريع الشريعه و تاسيس المله، و ارشاد الخلائق و افاده الحقائق لم يكن له بد من النزول عن ذلك المقام العلوى الى هذا العالم السفلى فكان يجد عند ذلك من الجهد و التعب و المشقه و النصب ما لا مزيد عليه، \par
013    02    يومنوا بهذا الحديث اسفا شبهه برجل فارقه اعزته و هو يتلهف على آثارهم و يهلك نفسه حسره و تاسفا على فراقهم و قال تعالى له صلى الله عليه و آله: فلا تذهب نفسك عليهم حسرات ان الله عليم بما يصنعون. \par الثالث- معالجته للامراض النفسانيه و ازالته للاعراض الظلمانيه من نفوس الجهال و قلوب اهل الزيغ و الضلال، فان النفوس الجاهليه و ان كانت فى اول الفطره قابله لنور العلم و ظلمه الجهل لكنها بمزاوله الاعمال السيئه و الافعال الشهويه و الغضبيه صارت كالبهائم و السباع مظلمه الذوات، و رسخت فيها الجهالات، و الاخلاق الحيوانيه، و الدواعى السبعيه فيحتاج معالجتها الى جهد جهيد و عناء شديد حتى يزيل عنها ظلمه الجهل، و يجعلها قابله لنور العلم فيفيض عليها الحقائق العلميه و المعارف اليقينيه، هذا مع تفاوت مراتب الاذهان فى قبول التعليم، و تباين الفطن و الافهام فى الاستعداد للتفهم، و فى ذلك من التعب و المشقه ما لا خفاء به، الا ترى؟ ان طبيب البدن يشق عليه علاج الامراض الصعبه كحمى الدق و السل و المرض المزمن ما لا يشق عليه غيرها، خصوصا اذا كثرت عليه المرضى، و اختلفت امزجتهم فى قبول الدواء، فان الانبياء عليهم السلام و من يقوم مقامهم اطباء النفوس المبعوثون لعلاج امراضها كما ان الحكماء اطباء الابدان المخصوصون بمداواتها لغايه بقائها على صلاحها او رجوعها الى العافيه من امراضها، رئى المسيح عليه السلام خارجا من بيت فاجره مجاهره بالفجور فقيل يا روح الله! ما تصنع هاهنا؟ فقال انما ياتى الطبيب المرضى، \par الرابع- اشتغاله حال التبليغ و الدعوه بالخلق عن الحق و الالتفات من المقام الاسنى الى المقام الادنى، فانه صلى الله عليه و آله لما كان دائم التوجه الى الملاء الاعلى مستغرقا فى الالتفات اليه مرتبطا به اشد الارتباط مقبلا عليه و كان مع ذلك منصوبا لتشريع الشريعه و تاسيس المله، و ارشاد الخلائق و افاده الحقائق لم يكن له بد من النزول عن ذلك المقام العلوى الى هذا العالم السفلى فكان يجد عند ذلك من الجهد و التعب و المشقه و النصب ما لا مزيد عليه، \par
014    02    و من هنا قال صلى الله عليه و آله: انه ليغان على قلبى و انى لاستغفر الله فى اليوم ماته مره. \par
013    02    و من هنا قال صلى الله عليه و آله: انه ليغان على قلبى و انى لاستغفر الله فى اليوم ماته مره. \par
015    02    (المله و الشريعه و الدين متحده ذاتا و مختلفه اعتبارا) \par (و اداب نفسه فى تبليغ رسالتك، و اتعبها بالدعاء الى ملتك، و شغلها بالنصح لاهل دعوتك) داب الرجل فى عمله كمنع: اجتهد، و اداب نفسه و اجيره: اجهدهما، و التبليغ و الابلاغ: الايصال و الاسم البلاغ بالفتح و فى، للتعليل، و الرساله بالكسر لغه اسم من الارسال و هو التوجيه، و عرفا تكليف الله تعالى بعض عباده بواسطه ملك يشاهده و يشافهه ان يدعوا الخلق اليه و يبلغهم احكامه، و قد تطلق على نفس الاحكام المرسل بها كما وقع هنا، و المله بالكسر لغه: الطريقه المسلوكه، و اصطلاحا: الطريقه الالهيه المجتمع عليها المثبته للاحكام المتضمنه لمصالح العباد، و عماره البلاد، و النجاه فى المعاد، و المله و الشريعه و الدين متحده ذاتا و مختلفه اعتبارا: فان الطريقه الالهيه من حيث انها يجتمع عليها تسمى مله، و من حيث اظهار الله تعالى لها تسمى شريعه، و من حيث انها يطاع بها يسمى دينا. \par (اجهاد الرسول صلى الله عليه و آله نفسه فى تبليغ الرساله) \par (واتعا به لها من وحوه:) \par اجهاد الرسول صلى الله عليه و آله نفسه فى تبليغ الرساله و اتعابه لها فى الدعاء الى المله من وجوه: \par احدها- مقاساته للمتاعب الكثيره، و المكاره الشديده من المشركين فى بدو دعوته، حتى قال صلى الله عليه و آله: ما اوذى نبى مثل ما اوذيت، \par و قال اميرالمومنين عليه السلام مشيرا الى ذلك: خاض الى رضوان الله تعالى كل غمره و تجرع فيه كل غصه، و قد تلون له الادنون و تالب عليه الاقصون و خلعت اليه العرب اعنتها و ضربت الى محاربته بطون رواحلها حتى انزلت بساحته عداوتها من ابعد الدار و اسحق المزار. \par الثانى- شده حرصه صلى الله عليه و آله على رجوع الخلق الى الحق، و مبالغته فى دعوتهم اليه و كمال الاهتمام بشانهم، و كثره تاسفه و تحسره على عدم ايمانهم حتى خاطبه ربه بقوله تعالى: لعلك باخع نفسك على ان لا يكونوا مومنين اى اشفق على نفسك ان تقتلها حسره على ان لا يومنوا، و بقوله تعالى: فلعلك باخع نفسك على آثارهم ان لم يومنوا بهذا الحديث اسفا شبهه برجل فارقه اعزته و هو يتلهف على آثارهم و يهلك نفسه حسره و تاسفا على فراقهم و قال تعالى له صلى الله عليه و آله: فلا تذهب نفسك عليهم حسرات ان الله عليم بما يصنعون. \par الثالث- معالجته للامراض النفسانيه و ازالته للاعراض الظلمانيه من نفوس الجهال و قلوب اهل الزيغ و الضلال، فان النفوس الجاهليه و ان كانت فى اول الفطره قابله لنور العلم و ظلمه الجهل لكنها بمزاوله الاعمال السيئه و الافعال الشهويه و الغضبيه صارت كالبهائم و السباع مظلمه الذوات، و رسخت فيها الجهالات، و الاخلاق الحيوانيه، و الدواعى السبعيه فيحتاج معالجتها الى جهد جهيد و عناء شديد حتى يزيل عنها ظلمه الجهل، و يجعلها قابله لنور العلم فيفيض عليها الحقائق العلميه و المعارف اليقينيه، هذا مع تفاوت مراتب الاذهان فى قبول التعليم، و تباين الفطن و الافهام فى الاستعداد للتفهم، و فى ذلك من التعب و المشقه ما لا خفاء به، الا ترى؟ ان طبيب البدن يشق عليه علاج الامراض الصعبه كحمى الدق و السل و المرض المزمن ما لا يشق عليه غيرها، خصوصا اذا كثرت عليه المرضى، و اختلفت امزجتهم فى قبول الدواء، فان الانبياء عليهم السلام و من يقوم مقامهم اطباء النفوس المبعوثون لعلاج امراضها كما ان الحكماء اطباء الابدان المخصوصون بمداواتها لغايه بقائها على صلاحها او رجوعها الى العافيه من امراضها، رئى المسيح عليه السلام خارجا من بيت فاجره مجاهره بالفجور فقيل يا روح الله! ما تصنع هاهنا؟ فقال انما ياتى الطبيب المرضى، \par الرابع- اشتغاله حال التبليغ و الدعوه بالخلق عن الحق و الالتفات من المقام الاسنى الى المقام الادنى، فانه صلى الله عليه و آله لما كان دائم التوجه الى الملاء الاعلى مستغرقا فى الالتفات اليه مرتبطا به اشد الارتباط مقبلا عليه و كان مع ذلك منصوبا لتشريع الشريعه و تاسيس المله، و ارشاد الخلائق و افاده الحقائق لم يكن له بد من النزول عن ذلك المقام العلوى الى هذا العالم السفلى فكان يجد عند ذلك من الجهد و التعب و المشقه و النصب ما لا مزيد عليه، و من هنا قال صلى الله عليه و آله: انه ليغان على قلبى و انى لاستغفر الله فى اليوم ماته مره. \par (المراد بنصحه صلى الله عليه و آله لاهل الدعوه) \par قوله عليه السلام: و شغلها بالنصح لاهل دعوتك، الشغل بالضم و بضمتين: حلاف الفراع، و النصح بالضم مصدر نصح له، من باب منع، هذه اللغه الفصيحه، و عليها قوله تعالى: ان اردت ان انصح لكم و فى لغه يتعدى بنفسه فيقال نصحته، و الاسم: النصيحه و هى كلمه جامعه و معناها: حيازه الخير للمنصوح له من نصحت العسل اذا صفيته من الشمع، شبهوا تخليص القول من الغش بتخليص العسل من الشمع، و قال الراغب: اصلها من نصحت الثوب اذا خطته و هى اخلاص المحبه لغيرك فى اظهار ما فيه صلاحه، \par و المراد بنصحه صلى الله عليه و آله لهم: ارشادهم الى مصالح دينهم و دنياهم و تعليمهم اياها و عونهم عليها، و امرهم بالمعروف و نهيهم عن المنكر، و الذب عنهم و عن اعراضهم، و السخاء عليهم بموجوده و الايثار لهم، و حسن الخلق معهم و اغتفار سيئاتهم و اكرامهم على حسناتهم و الدعاء لهم، و بالجمله جلب خير الدنيا و الاخره اليهم خالصا مخلصا لوجه الله، و من ثم قيل: النصيحه فى و جازه لفظها و جمع معانيها: كلفظ الفلاح \par
015    02    الجامع لخير الدنيا و الاخره، \par و الدعوه بالفتح: اسم من الدعاء، و ما دعوت اليه من طعام و شراب، يقال نحن فى دعوه فلان، و المراد بها هنا: الدعوه التى نسبها الله تعالى الى نفسه فى قوله سبحانه: له دعوه الحق عن ابن عباس: دعوه الحق: قول لا اله الا الله، قيل و انما سميت دعوه لانها التى يدعى اليها اهل الملل الكافره، و قيل: الدعوه: العباده، فان عبادته تعالى هى الحق و الصدق، و قيل هى بمعنى الدعاء الحق اى الدعوه الثابته الواقعه فى محلها المجابه عند وقوعها، و اضافتها الى الحق للايذان بملابستها له و اختصاصها به، و كونه بمعزل عن شائبه الباطل كما يقال: كلمه الحق، \par
016    02    (الاشاره الى هجره النبى صلى الله عليه و آله) \par (و هاجر الى بلاد الغربه، و محل الناى عن موطن رحله. و موضع رجله، و مسقط راسه و مانس نفسه) هاجر مهاجره: اذا خرج من ارض الى ارض و الاسم الهجره بالكسر و الضم قليل، قال الواحدى: المهاجر: الذى فارق عشيرته و وطنه و اصله، من الهجر الذى هو ضد الوصل، و البلاد بالكسر، جمع بلده مونث بلد و هو من الارض ما كان ماوى للانسان و ان لم يكن فيه بناء و جمعه بلدان بالضم، و الغربه بالضم: البعد و النوى، غرب الشخص غرابه كشرف شرافه: بعد عن وطنه فهو غريب، و الناى بالهمز: البعد، و المراد ببلاد الغربه و محل الناى: مهاجره صلى الله عليه و آله و هو المدينه المنوره، و جمعيه البلاد باعتبار ما حولها من القرى، و الوطن: هو مكان الانسان و مقره، و الرحل بفتح الراء و سكون الحاء المهملتين: مركب للبعير و ما يستصحبه المسافر من الاثاث، و رحل الشخص: ماواه و منزله فى الحضر، و انما قيل لا متعه المسافر رحل لانها ماواه فى السفر، و المراد به هنا اما رحل البعير و اثات المسافر فيكون موطن رحله كنايه عن مكان اقامته، او ماواه و منزله اى الموطن الذى فيه ماواه و مسكنه، و موضع رجله كنايه عن منشئه و مرباه لانه اول موضع وضع فيه رجله حين نشا و اخذ يمشى كما ان مسقط راسه كنايه عن مولده و المسقط: موضع السقوط، و سقط الولد من بطن امه: خرج، و انما اضيف المسقط الى \par
016    02    الارض لان اول ما يسقط من الولد راسه، \par و لا ينافى ذلك ما ورد فى بعض الاخبار: ان من خصائصه صلى الله عليه و آله انه وقع على قدميه حين الولاده لا على راسه تكريما له و تعظيما، لان مسقط الراس صار كنايه عن مولده سواء على راسه او على رجليه بناء على الغالب فى الولاده، على ان المشهور انه صلى الله عليه و آله وقع على الارض معتمدا على يديه رافعا راسه الى السماء، و المانس بفتح العين و كسرها: محل الانس بالضم و هو ضد الوحشه اى المحل الذى كانت تانس به نفسه، و المراد بموطن رحله الى آخره: مكه شرفها الله تعالى و قد كان يعز عليه صلوات الله عليه فراقها و الهجره عنها. \par (لما خرج صلى الله عليه و آله من مكه التفت اليها.. فادركته رقه و بكى) \par روى انه لما خرج منها مهاجرا التفت اليها فظن انه لا يعود اليها و لا يراها بعد ذلك فادركته رقه و بكى فاتاه جبرئيل عليه السلام و تلا عليه قوله تعالى: ان الذى فرض عليك القرآن لرادك الى معاد، \par و روى عبدالله بن الحمراء انه سمع رسول الله صلى الله عليه و آله و هو واقف على راحلته يقول مخاطبا مكه: و الله انك خير ارض الله و احبها الى الله و لو لا انى اخرجت منك ما خرجت. \par (فى هذه الفقرات اشاره الى ان مكه شرفها الله افضل من سائر البقاع) \par قيل: فى هذه الفقرات اشاره الى ان مكه شرفها الله افضل من سائر البقاع لانه صلى الله عليه و آله افضل الانبياء فينبغى ان يكون موطنه و منشائه و مولده و مانسه افضل الاماكن، \par و قد اختلفت العلماء من العامه فى التفضيل بين مكه و المدينه فذهب جمهورهم الى افضليه مكه و بعضهم الى افضليه المدينه و لكل من الفريقين حجج عقليه و نقليه يطول ذكرها، و اجمعوا على ان الموضع الذى ضم اعضائه الشريفه افضل بقاع الارض، \par و المستفاد من احاديث اهل البيت عليهم السلام ان مكه افضل من سائر الارض، و ان الصلوه فى المسجد الحرام افضل من الصلوه فى مسجد النبى صلى الله عليه و آله، \par اما كون مكه افضل من سائر الارض فيدل عليه ما رواه رئيس المحدثين فى الفقيه \par
016    02    باسناده عن ابى عبدالله عليه السلام قال: احب الارض الى الله مكه، و ما تربه احب الى الله من تربتها، و لا حجر احب الى الله من حجرها، و لا جبل احب الى الله من جبلها، و لاماء، احب الى الله من مائها. \par (الصلوه فى مسجد النبى صلى الله عليه و آله تعدل عشره آلاف) \par (صلوه و فى مسجد الحرام تعدل مائه الف صلوه) \par و اما كون الصلوه فى المسجد الحرام افضل من الصلوه فى مسجد النبى صلى الله عليه و آله فيدل عليه صريحا ما رواه رئيس المحدثين ايضا فى كتاب ثواب الاعمال باسناده عن مسعد بن صدقه عن الصادق عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه و آله صلوه فى مسجدى تعدل عند الله عشره آلاف صلوه فى غيره من المساجد الا المسجد الحرام فان الصلوه فيه تعدل مائه الف صلوه. \par (قبر رسول الله و قبور الائمه عليهم السلام افضل من مكه) \par و قال شيخنا الشهيد قدس الله سره فى الدروس: مكه افضل بقاع الارض ما عدا قبر رسول الله صلى الله عليه و آله و روى: فى كربلا على ساكنها السلام مرجحات، و الاقرب ان موضع قبور الائمه عليهم السلام كذلك اما البلدان التى هم فيها فمكه افضل منها حتى المدينه. \par (اختلفت الروايات فى كراهه المجاوره بمكه و استحبابها) \par و اختلفت الروايات فى كراهه المجاوره بها و استحبابها و المشهور، الكراهه اما لخوف الملاله و قله الاحترام و اما لخوف ملابسه الذنوب فان الذنب بها اعظم، قال الصادق عليه السلام: كل الظلم فيها الحاد حتى ضرب الخادم، و لذلك كره الفقهاء سكنى مكه، و اما ليدوم شوقه اليها اذا تسرع خروجه منها، و لهذا ينبغى الخروج منها عند قضاء المناسك، و روى ان المقام بها يقسى القلب. و الاصح استحباب المجاوره بها للواثق من نفسه بعدم هذه المحذورات لما رواه ابن بابويه عن الصادق عليه السلام من جاور بمكه سنه غفر الله له ذنبه و لاهل بيته و لكل من استغفر له و لعشيرته و لجيرانه ذنوب تسع سنين قد مضت و عصموا من كل سوء اربعين و مائه سنه و روى ان الطاعم بمكه كالصائم فيما سواها، و صيام يوم بمكه يعدل صيام سنه فيما سواها، و من ختم \par
016    02    القرآن بمكه من جمعه الى جمعه او اقل او اكثر كتب الله له من الاجر و الحسنات من اول جمعه كانت فى الدنيا الى آخر جمعه تكون، و كذا فى سائر الايام، و قال بعض الاصحاب: ان جاور للعباده استحب، و ان كان للتجاره و نحوها كره جمعا بين الروايات، و روى محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام: لا ينبغى للرجل ان يقيم بمكه سنه و فيها اشاره الى التعليل بالملل و انه لا يكره اقل من سنه، الى هنا كلام الشهيد طاب ثراه. \par (الفرق بين الاراده و المشيه) \par (اراده منه لاعزاز دينك، و استنصارا على اهل الكفر بك) الاراده هى العزم على الفعل او الترك بعد تصوره و تصور الغايه المترتبه عليه من خير او نفع او لذه او نحو ذلك و هى اخص من المشيه لان المشيه ابتداء: العزم على الفعل فنسبتها الى الاراده نسبه الضعف الى القوه و الظن الى الجزم فانك ربما شئت شيئا و لا تريد لما نع عقلى او شرعى، و اما الاراده فمتى حصلت صدر الفعل لا محاله، و قد يطلق كل منهما على الاخر توسعا، و انتصابها على المفعول لاجله، اى هاجر لاجل ارادته اعزاز دينك اى لتقويته، و الاستنصار: طلب النصره، و قوله عليه السلام: بك، يحتمل تعلقه به و بالكفر اذ يقال كفره و كفر به، و المراد باهل الكفر: اهل الملل المتفرقه و الاهواء المنتشره الذين كانوا عند مقدمه صلى الله عليه و آله، \par كما قال اميرالمومنين صلوات الله عليه بعث الله محمدا صلى الله عليه و آله لا نجاز عدته و تمام نبوته ماخوذا على النبيين ميثاقه، مشهوره سماته، كريما ميلاده، و اهل الارض يومئذ ملل متفرقه و اهواء منتشره و طرائق متشته: بين مشبه لله بخلقه او ملحد فى اسمه او مشير الى غيره، فهداهم به من الضلاله و انقذهم بمكانه من الجهاله، \par (كيف كان الخلق عند مقدمه صلى الله عليه و آله؟) \par قال بعض العلماء: اعلم ان الخلق عند مقدمه صلى الله عليه و آله اما من عليه اسم الشرايع، او غيرهم، اما الاولون: فاليهود و النصارى و المجوس و قد كانت اديانهم اضمحلت من \par
016    02    ايديهم و انما بقوا متشبهين باهل الملل، و قد كان الغالب عليهم دين التشبيه، و مذهب التجسم كما حكى القرآن الكريم عنهم: و قالت اليهود و النصارى نحن ابناء الله و احبائه و قالت اليهود عزير ابن الله و قالت النصارى المسيح بن الله و المجوس اثبتوا اصلين اسندوا الى احدهما: الخير، و الى الثانى الشر و سموهما النور و الظلمه و بالفارسيه (يزدان) و (اهرمن) ثم زعموا انه جرت بينهما محاربه ثم ان الملائكه توسطت و اصلحت بينهما على ان يكون العالم السفلى خالصا لا هر من الذى هو الظلمه سبعه آلاف سنه ثم يخلى العالم و يسلمه الى (يزدان) الذى هو النور، الى غير ذلك من هذيانهم و خبطهم، \par و اما غيرهم من اهل الاهواء المنتشره و الطرائق المتشته فمنهم العرب: اهل مكه و غيرهم، و قد كانت منهم معطله و منهم محصله نوع تحصيل: اما المعطله فصنف منهم انكروا الخالق و البعث و الاعاده، و قالوا بالطبع: المحيى، و الدهر: المفنى، و هم الذين حكى القرآن عنهم: و قالوا ما هى الا حياتنا الدنيا نموت و نحيا و ما يهلكنا الا الدهر و قصروا الموت و الحيوه على تحلل الطبابع المحسوسه و تركبها فالجامع هو الطبع و المهلك هو الدهر، و ما لهم بذلك من علم ان هم الا يظنون و صنف منهم اقروا بالخالق و ابتداء الخلق عنه و انكروا البعث و الاعاده و هم المحكى عنهم فى القرآن الكريم: و ضرب لنا مثلا و نسى خلقه قال من يحيى العظام و هى رميم؟ قل يحييها الذى انشاها اول مره و هو بكل خلق عليم و صنف منهم اعترفوا بالخالق و نوع من العباده لكنهم عبد و الاصنام و زعموا انها شفعاوهم عند الله، كما قال تعالى: و يعبدون من دون الله ما لا ينفعهم و لا يضرهم و يقولون هولاء شفعاونا عند الله و من هولاء قبيله ثقيف و هم اصحاب اللات بالطائف و \par
016    02    قريش و بنو كنانه، و غيرهم اصحاب العزى، و منهم من كان يجعل الاصنام على صور الملائكه و يتوجه بها الى الملائكه، و منهم من كان يعبد الملائكه كما قال تعالى: بل كانوا يعبدون الجن. \par و اما المحصله: فقد كانوا فى الجاهليه على ثلثه انواع من العلوم: احدها- علم الانساب و التواريخ و الاديان، و الثانى- علم تعبير الرويا، و الثالث- علم الانواء و ذلك مما يتولاه الكهنه و القافه منهم، و عن النبى صلى الله عليه و آله: من قال مطرنا بنوء كذا فقد كفر بما انزل على محمد صلى الله عليه و آله. \par و من غير العرب: البراهمه من اصل الهند، و مدار مقالتهم على التحسين و التقبيح العقليين و الرجوع فى كل الاحكام الى العقل و انكار الشرايع، و انتسابهم الى رجل منهم يقال له براهام و منهم عبده الشمس، و منهم عبده القمر، و هولاء يرجعون بالاخره الى عباده الاصنام اذ لا تستمر لهم طريقه الا بشخص حاضر ينظرون اليه، و يرجعون اليه فى مهماتهم، و وراء ذلك من اصناف الاراء الباطله و المذاهب الفاسده اكثر من ان تحصى و هى مذكوره فى الكتب المصنفه فى هذا الفن. \par
018    02    (استفتاحه صلى الله عليه و آله و تقويته على الكفار انما) \par (كان بعون الله و نصره لا بالاسباب الظاهره) \par (حتى استتب له ما حاول فى اعدائك و استتم له ما دبر فى اوليائك) \par قال ابن الاثير فى النهايه فى حديث الدعاء: حتى استتب له ما حاول فى اعدائك اى استقام و استقر، و حاول الشى ء، اراده، و قيل المحاوله: طلب الشى ء بحيله، و استتم اى تم كفر و استقر، قال الرضى: و لابد فى استقر من مبالغه، و دبر الامر تدبيرا فعله عن فكر و رويه، و مفعولا حاول، و دبر، محذوفان اى ما حاوله و دبره، و المراد بما حاوله فى الاعداء غلبته عليهم و القهر لهم، و بما دبر فى الاولياء: صدق رغبتهم فى الجهاد و اجتماع قلوبهم عليه لما عرفهم من عظيم فضله و جزيل اجره فعلم حينئذ انهم سيغلبون و ينتصرون \par
017    02    (استفتاحه صلى الله عليه و آله و تقويته على الكفار انما) \par (كان بعون الله و نصره لا بالاسباب الظاهره) \par (حتى استتب له ما حاول فى اعدائك و استتم له ما دبر فى اوليائك) \par قال ابن الاثير فى النهايه فى حديث الدعاء: حتى استتب له ما حاول فى اعدائك اى استقام و استقر، و حاول الشى ء، اراده، و قيل المحاوله: طلب الشى ء بحيله، و استتم اى تم كفر و استقر، قال الرضى: و لابد فى استقر من مبالغه، و دبر الامر تدبيرا فعله عن فكر و رويه، و مفعولا حاول، و دبر، محذوفان اى ما حاوله و دبره، و المراد بما حاوله فى الاعداء غلبته عليهم و القهر لهم، و بما دبر فى الاولياء: صدق رغبتهم فى الجهاد و اجتماع قلوبهم عليه لما عرفهم من عظيم فضله و جزيل اجره فعلم حينئذ انهم سيغلبون و ينتصرون \par
019    02    كما يدل على ذلك قوله عليه السلام: \par
019    02    (فنهد اليهم مستفتحا بعونك، و متقويا على ضعفه بنصرك) نهد الى العدو نهدا من بابى نفع و قتل: نهض و برز و الفاعل ناهد و الجمع نهاد مثل كافر و كفار، و مستفتحا اى مستنصرا و طالبا للفتح فالباء للاستعانه، و متقويا اسم فاعل من تقوى اى صار ذا قوه و على بمعنى مع اى مع ضعفه، مثلها فى قوله تعالى: و آتى المال على حبه و الضعف بالفتح و الضم خلاف القوه، و قيل بالضم فى الجسد و بالفتح فى العقل و الراى، و النصر: الاعانه على العدو، و فيه اشاره الى ان استفتاحه صلى الله عليه و آله و تقويته على الكفار انما كان بعون الله و نصره لا بالاسباب الظاهره و التدبير الذى دبره، كما قد يتوهم من الفقره السابقه فانها بمعزل عن التاثير و انما التاثير مختص به تعالى كما قال تعالى: و ما النصر الا من عند الله اى كائن من عنده من غير ان يكون فيه شركه من جهه الاسباب و العدد و انما هى مطابقه له بطريق جريان السنه الالهيه. \par
021    02    (الاشاره الى غزواته صلى الله عليه و آله) \par (فغزاهم فى عقر ديارهم، و هجم عليهم فى بحبوحه قرارهم) غزاه غزوا: اراده و قصده كاغتزاه و منه مغزى الكلام اى مقصده، و غزا العدو: سار الى قتالهم، و عقر الدار بضم العين و فتحها: اصلها، و قيل وسطها، و الديار جمع دار و هى المحل بجميع البناء و العرصه و البلد، و هجم عليه هجوما من باب قعد: دخل بغته على غفله منه و بحبوحه الدار و المكان بالضم: وسطه، و القرار بالفتح: المكان الذى يستقر فيه. \par
020    02    (الاشاره الى غزواته صلى الله عليه و آله) \par (فغزاهم فى عقر ديارهم، و هجم عليهم فى بحبوحه قرارهم) غزاه غزوا: اراده و قصده كاغتزاه و منه مغزى الكلام اى مقصده، و غزا العدو: سار الى قتالهم، و عقر الدار بضم العين و فتحها: اصلها، و قيل وسطها، و الديار جمع دار و هى المحل بجميع البناء و العرصه و البلد، و هجم عليه هجوما من باب قعد: دخل بغته على غفله منه و بحبوحه الدار و المكان بالضم: وسطه، و القرار بالفتح: المكان الذى يستقر فيه. \par
022    02    (معنى: كلمه الذين كفروا السفلى، و كلمه الله هى العليا) \par (حتى ظهر امرك، و علت كلمتك، و لو كره المشركون) ظهر الشى ء يظهر من باب منع ظهورا: تبين و برز بعد الخفاء و ظهر عليه: غلب و علا، و امر الله تعالى هنا: دينه و شريعته، كما فسر به قوله تعالى: و ظهر امر الله و هم كارهون اى غلب دينه و علا، و العلو: \par
022    02    الارتفاع و الغلبه و القهر اى ارتفعت كلمتك او غلبت و قهرت من قولهم: علا فلان فلانا اذا غلبه و قهره، و كلمته تعالى: قيل كلمه التوحيد، و قيل الدعوه الى الاسلام، قال تعالى: و جعل كلمه الذين كفروا السفلى و كلمه الله هى العليا قال المفسرون: كلمه الذين كفروا: هى دعوتهم الى الكفر و عباده الاصنام، و السفلى: الدنيه التى لا يبالى بها، و كلمه الله: هى دعوته الى الاسلام او كلمه التوحيد: لا اله الا الله، و العليا: العاليه الى يوم القيمه، \par و المشركون هم الذين اشركوا بالله تعالى فجعلوا له شركاء فى العباده، قال العلماء و ليس احد فى العالم يثبت لله سبحانه شريكا فى الوجوب و العلم و القدره، و لكن الثنويه يثبتون الهين اثنين: حكيما يفعل الخير، و سفيها يفعل الشر، \par (المتخذون معبودا سوى الله فكثيرون: منهم عبده) \par (الكواكب.. و منهم..) \par اما المتخذون معبودا سوى الله تعالى فكثيرون: منهم عبده الكواكب و هم الصائبيه، و منهم عبده المسيح، و منهم عبده الاوثان و لا دين باطل اقدم من دينهم: لان اقدم الانبياء الذين نقل الينا تاريخهم هو نوح عليه السلام و هو لما جاء بالرد عليهم و قالوا لا تذرن آلهتكم و لا تذرن ودا و لا سواعا و لا يعوق و نسرا و دينهم باق الى الان، و عبادتهم فى مبدء الامر لم تكن لاعتقادهم فيها انها آلهه اذا العلم بان هذا الحجر المنحوت فى هذه الساعه ليس هو الذى خلقنى و خلق السموات و الارض علم ضرورى فيمتنع اطباق جمع عظيم عليه فوجب ان يكون لهم غرض آخر سوى ذلك، و قد ذكروا فيه وجوها: \par (الوجوه التى ذكروها سببا و غرضا لعباده الاوثان) \par احدها- ان بعضهم كاهل الصين و الهند كانوا مجسمه فاتخذوها اشباها لله تعالى و ملائكته و اعتكفوا على عبادتها لقصد طلب الزلفى الى الله و ملائكته ، \par الثانى- انهم اتخذوها اصناما للكواكب و قصدوا بعبادتها عباده الكواكب و هم \par
022    02    بالحقيقه عبده الكواكب، \par الثالث- ان اصحاب الاحكام اتخذوها طلاسم فى اوقات مخصوصه و عظموها لاعتقادهم الانتقاع بها، \par الرابع- انهم اتخذوها على صور رجال كانوا يعتقدون فيهم اجابه الدعوه و قبول الشفاعه فعبدوها على اعتقاد ان اولئك الرجال يكونون شفعائهم يوم القيمه عند الله، و يقولون هولاء شفعاونا عند الله. \par الخامس- لعلهم اتخذوها قبله لصلوتهم و عبادتهم يسجدون اليها لالها كما انا نسجد الى القبله لا للقبله، \par السادس- لعلهم كانوا حلوليه فاعتقدوا جواز حلول الرب فيها، فهذه الوجوه التى يمكن حمل مذهبهم عليها حتى لا يصير بحيث يعلم بطلانه بالضروره، \par ثم لما تطاول الامد و نسئى مبدء الامر ظن جهال القوم انها آلهه لهم يجب عبادتها فعبدوها و سموها آلهه، و اشبهت حال من يعتقد انها آلهه مساويه لله تعالى فى ذاته و صفاته. تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا فسموا مشركين و سمى الله آلهتهم اندادا تهكما بهم و تشنيعا عليهم، فقال: فلا تجعلوا لله اندادا و انتم تعلمون. \par
024    02    (الوسيله درجه عند الله ليس فوقها درجه) \par (اللهم فارفعه بما كدح فيك الى الدرجه العليا من جنتك، حتى لا يساوى فى منزله، و لا يكافا فى مرتبه و لا يوازيه لديك ملك مقرب و لا نبى مرسل) الفاء فصيحه اى اذا كان كذلك فارفعه و الباء للسببيه و ما، مصدريه اى بسبب كدحه، كقوله تعالى: فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا و الكدح: جهد النفس فى العمل و الكد فيه بحيث يوثر فيها، من كدح جلده اذا خدشه، و قيل فى قوله تعالى: يا ايها الانسان انك كادح الى ربك كدحا فملاقيه ان المراد بالانسان محمد صلى الله عليه و آله، و المعنى انك تكدح فى تبليغ \par
023    02    (الوسيله درجه عند الله ليس فوقها درجه) \par (اللهم فارفعه بما كدح فيك الى الدرجه العليا من جنتك، حتى لا يساوى فى منزله، و لا يكافا فى مرتبه و لا يوازيه لديك ملك مقرب و لا نبى مرسل) الفاء فصيحه اى اذا كان كذلك فارفعه و الباء للسببيه و ما، مصدريه اى بسبب كدحه، كقوله تعالى: فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا و الكدح: جهد النفس فى العمل و الكد فيه بحيث يوثر فيها، من كدح جلده اذا خدشه، و قيل فى قوله تعالى: يا ايها الانسان انك كادح الى ربك كدحا فملاقيه ان المراد بالانسان محمد صلى الله عليه و آله، و المعنى انك تكدح فى تبليغ \par
024    02    رسالات ربك فابشر فانك تلقى الله بهذا العمل، و فى، من قوله: فيك، للتعليل اى لاجلك، و العليا: اسم تفضيل مونث الاعلى، و الجنه لغه: البستان من النخل و الشجر المتكاثف بالتفاف اغصانها، و شرعا اسم لدار الثواب كلها، \par و لما كانت للجنه درجات متفاضلات و منازل متفاوتات كما قال تعالى: اولئك هم المومنون حقا لهم درجات عند ربهم و مغفره و رزق كريم و قال سبحانه: لهم غرف من فوقها غرف مبنيه تجرى من تحتها الانهار و كان من مقتضى عدل الله تعالى ان يبلغ نفسا هى محل الرساله اقصى ما استعدت له من درجات الكمال و بعدها بذلك لكمال اعلى، دعا له صلى الله عليه و آله ان يرفعه تعالى الى الدرجه العليا التى لا درجه اعلى منها، \par و عن ابى سعيد الخدرى قال قال رسول الله صلى الله عليه و آله الوسيله درجه عند الله ليس فوقها درجه فاسئلوا الله لى الوسيله، و فى خبر آخر: الوسيله درجه فى الجنه ليس درجه اعلى منها فاسئلوا الله ان يوتينيها على روس الخلائق، فكان ما فى الدعاء اشاره الى ذلك، \par قوله عليه السلام: حتى لا يساوى فى منزله، يجوز ان تكون حتى بمعنى كى التعليليه، و ان تكون بمعنى الى ان، و ساواه مساواه: ماثله و عادله قدرا و قيمه، و قوله عليه السلام: و لا يكافا فى مرتبه، كافا فلان فلانا مكافاه و كفاء: ماثله، و المرتبه: المنزله و المكانه كالرتبه بالضم، و قوله عليه السلام: و لا يوازيه لديك ملك مقرب: الازاء المحاذاه و المقابله. \par (فاثده دعاء الامه للرسول صلى الله عليه و آله برفعه الى الدرجه العليا و..) \par قال بعضهم: فائده دعاء الامه للرسول صلى الله عليه و آله برفعه الى الدرجه العليا، و اقصى مراتب الزلفى: ان الله سبحانه قدر له تلك الدرجه و المنزله، باسباب: \par منها- دعاء امته و رغبتهم الى ربهم ان ينيله اياها، و ذلك بما نالوه على يده من الايمان و الهدى كما يدل عليه امره صلى الله عليه و آله لامته ان سئلوها له كما مر فى حديث الوسيله، و انكر هذا جماعه من المتكلمين و خصوصا الاصحاب، و جعلوا هذا من قبيل الدعاء \par
023    02    رسالات ربك فابشر فانك تلقى الله بهذا العمل، و فى، من قوله: فيك، للتعليل اى لاجلك، و العليا: اسم تفضيل مونث الاعلى، و الجنه لغه: البستان من النخل و الشجر المتكاثف بالتفاف اغصانها، و شرعا اسم لدار الثواب كلها، \par و لما كانت للجنه درجات متفاضلات و منازل متفاوتات كما قال تعالى: اولئك هم المومنون حقا لهم درجات عند ربهم و مغفره و رزق كريم و قال سبحانه: لهم غرف من فوقها غرف مبنيه تجرى من تحتها الانهار و كان من مقتضى عدل الله تعالى ان يبلغ نفسا هى محل الرساله اقصى ما استعدت له من درجات الكمال و بعدها بذلك لكمال اعلى، دعا له صلى الله عليه و آله ان يرفعه تعالى الى الدرجه العليا التى لا درجه اعلى منها، \par و عن ابى سعيد الخدرى قال قال رسول الله صلى الله عليه و آله الوسيله درجه عند الله ليس فوقها درجه فاسئلوا الله لى الوسيله، و فى خبر آخر: الوسيله درجه فى الجنه ليس درجه اعلى منها فاسئلوا الله ان يوتينيها على روس الخلائق، فكان ما فى الدعاء اشاره الى ذلك، \par قوله عليه السلام: حتى لا يساوى فى منزله، يجوز ان تكون حتى بمعنى كى التعليليه، و ان تكون بمعنى الى ان، و ساواه مساواه: ماثله و عادله قدرا و قيمه، و قوله عليه السلام: و لا يكافا فى مرتبه، كافا فلان فلانا مكافاه و كفاء: ماثله، و المرتبه: المنزله و المكانه كالرتبه بالضم، و قوله عليه السلام: و لا يوازيه لديك ملك مقرب: الازاء المحاذاه و المقابله. \par (فاثده دعاء الامه للرسول صلى الله عليه و آله برفعه الى الدرجه العليا و..) \par قال بعضهم: فائده دعاء الامه للرسول صلى الله عليه و آله برفعه الى الدرجه العليا، و اقصى مراتب الزلفى: ان الله سبحانه قدر له تلك الدرجه و المنزله، باسباب: \par منها- دعاء امته و رغبتهم الى ربهم ان ينيله اياها، و ذلك بما نالوه على يده من الايمان و الهدى كما يدل عليه امره صلى الله عليه و آله لامته ان سئلوها له كما مر فى حديث الوسيله، و انكر هذا جماعه من المتكلمين و خصوصا الاصحاب، و جعلوا هذا من قبيل الدعاء \par
024    02    بما وقع امتثالا لامر الله تعالى فى قوله: صلوا عليه و سلموا تسليما و الا فهو صلى الله عليه و آله قد اعطاه الله من علو الدرجه و قرب المنزله و عظيم الفضل و الجزاء ما لا يوثر فيه دعاء داع وجد او عدم، \par و فائده الدعاء انما يعود الى الامه الداعين له لينالوا به زياده الايمان و يستفيدوا به الزلفى من الله تعالى و حسن الثواب كما جاء: من صلى على واحده صلى الله عليه عشرا، و لعل الاقرب من الصواب ما قاله بعض المحققين من اصحابنا: انه لما كانت مراتب استحقاق نعم الله تعالى غير متناهيه كان غايه ذلك طلب زياده كما له عليه السلام و قربه من الله عز و جل. \par
023    02    بما وقع امتثالا لامر الله تعالى فى قوله: صلوا عليه و سلموا تسليما و الا فهو صلى الله عليه و آله قد اعطاه الله من علو الدرجه و قرب المنزله و عظيم الفضل و الجزاء ما لا يوثر فيه دعاء داع وجد او عدم، \par و فائده الدعاء انما يعود الى الامه الداعين له لينالوا به زياده الايمان و يستفيدوا به الزلفى من الله تعالى و حسن الثواب كما جاء: من صلى على واحده صلى الله عليه عشرا، و لعل الاقرب من الصواب ما قاله بعض المحققين من اصحابنا: انه لما كانت مراتب استحقاق نعم الله تعالى غير متناهيه كان غايه ذلك طلب زياده كما له عليه السلام و قربه من الله عز و جل. \par
025    02    (المراد بحسن الشفاعه: قبولها و الرضا عمن شفع فيهم) \par (و عرفه فى اهله الطاهرين، و امته المومنين من حسن الشفاعه اجل ما وعدته) عرفه الامر تعريفا: اعلمه اياه، و اهل الرجل عشيرته و اقاربه، و المراد بهم هنا اهل الكساء مع باقى الائمه الاثنى عشر عليهم السلام لوصفهم بالطاهرين اى النقيين من الدنس و الرجس فى الميلاد و الاعمال البريئين من الماثم و الذنوب صغائرها و كبائرها كما قال تعالى: انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت و يطهركم تطهيرا \par اخرج الطبرانى عن ام سلمه ان رسول الله صلى الله عليه و آله قال لفاطمه عليهماالسلام ايتينى بزوجك و ابنيه فجائت بهم فالقى رسول الله صلى الله عليه و آله عليهم كساء فد كيا ثم وضع يده عليهم ثم قال: اللهم هولاء اهل محمد و فى لفظ: آل محمد فاجعل صلواتك و بركاتك على آل محمد كما جعلتها على آل ابراهيم انك حميد مجيد، قالت ام سلمه فرفعت الكساء لادخل معهم فجذبه من يدى و قال انك على خير. و فى هذا المعنى روايات كثيره سياتى ذكر شى ء منها انشاء الله تعالى، و الشفاعه: هى السوال فى التجاوز عن الذنب من الذى وقع الجنايه فى حقه، و المراد بحسن الشفاعه: قبولها و الرضا عمن شفع فيهم، \par فان قلت كيف تكون الشفاعه فى اهله الطاهرين و هم معصومون من جميع الذنوب \par
025    02    و قد قال صلى الله عليه و آله انما شفاعتى لاهل الكبائر من امتى و اما المحسنون فما عليهم من سبيل؟ \par قلت: قد علمت ان معظم الغرض فى الدعاء اظهار سيماء الافتقار و العبوديه فلا منافاه، و المراد بالشفاعه فيهم شفاعه مخصوصه لا السوال فى التجاوز عن الذنوب، و لذلك عبر بحسن الشفاعه، و سياتى ان الشفاعه على اقسام: منها- رفع الدرجات، و فى الحديث: انه لا يبقى ملك مقرب و لا نبى مرسل الا و هو محتاج اليه صلى الله عليه و آله يوم القيمه، \par و يحتمل ان يكون المراد بالشفاعه: شفاعتهم لغيرهم لا الشفاعه لهم و كذا شفاعه امته المومنين، فتكون (فى) من قوله: فى اهله الطاهرين، متعلقا بوعدته او هى للمصاحبه بمعنى مع كقوله تعالى: قال ادخلوا فى امم اى معهم فيكون ظرفا مستقرا فى محل النصب على الحال من الضمير المنصوب فى عرفه، لا متعلقا بالشفاعه، و المعنى: عرفه مع اهله الطاهرين و امته المومنين اجل ما وعدته من حسن الشفاعه فى يوم القيمه فلا يكون المشفوع فيهم له ذكر هنا، \par (قال بعض العلماء، الشفاعه خمس) \par و قد نقل اجماع المفسرين فى قوله تعالى: عسى ان يبعثك ربك مقاما محمودا على ان المقام المحمود: هو مقام الشفاعه، \par قال بعض العلماء: الشفاعات خمس: \par الاولى- الاراحه من هول الموقف و هذه يشترك فيها جميع الامم كما دلت عليه الاخبار، \par الثانيه- فى ادخال قوم الجنه بغير حساب، \par الثالثه- فى ادخال قوم حوسبوا و استحقوا العذاب ان لا يعذبوا، \par الرابعه- فى اخراج من ادخل النار من العصاه، \par
025    02    الخامسه- فى رفع الدرجات، و انكر بعض المعتزله و الخوارج الشفاعه الرابعه و تمسكوا بقوله تعالى: فما تنفعهم شفاعه الشافعين و بقوله تعالى: ما للظالمين من حميم و لا شفيع يطاع، \par و اجيب بان هذه الايات فى الكفار و مذهب اصحابنا و الاشاعره جواز الشفاعه عقلا و وجوبها سمعا، لصريح قوله تعالى: يومئذ لا تنفع الشفاعه الا من اذن له الرحمن و رضى له قولا و قوله تعالى: و لا يشفعون الا لمن ارتضى و قد جائت الاخبار التى مبلغها التواتر بصيغه الشفاعه فى الاخره لمذنبى المومنين . جعلنا الله ممن تناله شفاعه نبيه و آله الطاهرين صلوات الله و سلامه عليهم اجمعين. \par
026    02    (الخلف فى الوعد عند العرب كذب و فى الوعيد كرم) \par (يا نافذ العده، يا وافى القول، يا مبدل السيئات باضعافها من الحسنات انك ذو الفضل العظيم) نافذ العده بالذال المعجمه اى ماضيها من نفذ السهم كقعد نفوذا اذا خرق الرميه و خرج منها اى لا خلف لعدته بل هى ماضيه لا مرد لها كالسهم النافذ لا مرد له و لا وقوف، و العده: الوعد و اصلها وعد بالكسر اسثقلت الكسره على الواو فنقلت الى العين ثم حذفت الواو و لزمت تاء الثانيت عوضا منها، \par قال الفراء: يقال وعدته خيرا و وعدته شرا باسقاط الالف فاذا اسقطوا الخير و الشر قالوا فى الخير وعدته و فى الشر اوعدته بالالف، و فى الخير الوعد و العده و فى الشر الايعاد و الوعيد فاذا قالوا: اوعدته بالشر، اثبتوا الالف مع الباء قال صاحب المحكم، و قال ابن الاعرابى اوعدته خيرا بالالف، و هو نادر، و الخلف فى الوعد عند العرب كذب و فى الوعيد كرم قال الشاعر: \par اذا وعدا السراء انجز وعده \par و ان اوعد الضراء فالعفو مانعه \par و لخفاء الفرق فى ذلك من كلام العرب انتحل بعض اهل البدع القول بوجوب الوعيد قياسا على الوعد لجهلهم باللغه العربيه، \par
026    02    و ذلك ان الوعد حق عليه و الوعيد حق له و من اسقط حق نفسه فقد اتى بالجود و الكرم و من اسقط حق غيره فذلك هو اللوم، فهذا هو الفرق بين الوعد و الوعيد، على ان كل ما ورد من وعيد الفساق فهو مشروط بعدم التوبه و فاقا فلا يلزم من تركه الكذب فى كلام الله تعالى، و وافى القول اى صادقه، يقال و فى و اوفى بمعنى، و القول: الكلام، و قيل: القول فى الخير و القال و القيل و القاله فى الشر، \par قوله عليه السلام: يا مبدل السيئات باضعافها من الحسنات، اشاره الى قوله تعالى: الا من تاب و آمن و عمل صالحا فاولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات، \par روى على بن ابراهيم عن ابيه عن ابى جعفر و ابراهيم عن ابى الحسن الرضا عليه السلام قال اذا كان يوم القيمه اوقف الله المومن بين يديه و عرض عليه عمله فينظر فى صحيفته فاول ما يرى سيئاته فيتغير عند ذلك لونه فيقول الله عز و جل بدلوا سيئاته حسنات و اظهروها للناس يبديها الله لهم فيقول الناس اما كان لهولاء سيئه واحده؟ و هو قوله تعالى: يبدل الله سيئاتهم حسنات، \par و فى روايه عن الصادق عليه السلام: اذا كان يوم القيمه تجلى الله لعبده المومن فيقفه على ذنوبه ذنبا ذنبا ثم يغفر له لا يطلع على ذلك ملكا مقربا و لا نبيا مرسلا و يستر عليه ما ما يكره ان يقف عليه احد ثم يقول لسيئاته كونى حسنات، \par و روى مسلم فى صحيحه مرفوعا الى ابى ذر قال قال رسول الله صلى الله عليه و آله يوتى بالرجل يوم القيمه فيقال اعرضوا عليه صغار ذنوبه، \par فان قلت: الايه انما دلت على تبديل السيئات حسنات فما بال الاضعاف الواقعه فى الدعاء؟ \par قلت: اما على القول بان هذا التبديل يكون فى الدنيا اما بالتوفيق للاعمال الصالحه بعد الاعمال السيئه كما نقل عن ابن عباس، و اما بتبديل ملكه المعصيه بملكه الطاعه فوجه الاضعاف ظاهر لان من جاء بالحسنه فله عشر امثالها بنص الكتاب، \par
026    02    و اما على القول بان التبديل يكون فى الاخره كما دلت عليه الاخبار المذكوره فالظاهر انه اذا بدل سيئه العبد حسنه فكانه جاء بالحسنه و قد قال تعالى: من جاء بالحسنه فله عشر امثالها، \par و يفعل الله بالمومنين ما يشاء من الخير، و لذلك ختم الدعاء بقوله عليه السلام: انك ذوالفضل العظيم تذييلا لما سبق و تقريرا لمضمونه. \par
001    03    الدعاء الثالث: من ادعيه الصحيفه السجاديه عليه آلاف الثناء و التحيه فى الصلوه على حمله العرش و كل ملك مقرب \par \par
001    03    بسم الله الرحمن الرحيم \par (حقيقه الملائكه و وجوب الايمان به) \par الملائكه: اجسام لطيفه نورانيه خيره سعيده قادرات على التصرقات السريعه و الافعال الشاقه، و التشكل باشكال مختلفه ذوات عقول و افهام، مسكنها السموات و بعضها عند الله اقرب من بعض و اكمل درجه كما قال تعالى حكايه عنهم: و ما منا الا له مقام معلوم، \par و الايمان بالملائكه واجب، قال تعالى: آمن الرسول بما انزل اليه من ربه و المومنون كل آمن بالله و ملائكته، \par و روى عنه صلى الله عليه و آله حين سئل عن الايمان انه قال: ان تومن بالله و ملائكته و كتبه و رسله. \par
001    03    (معنى العرش و اطلاقه على معنيين) \par قال سيد العابدين، و امام الموحدين صلوات الله و سلامه عليه و على آبائه و ابنائه الطاهرين (اللهم و حمله عرشك الذين لا يفترون من تسبيحك، و لا يسئمون من تقديسك) الواو للاستيناف و ما بعدها مبتداء و خبره قوله فيما ياتى: فصل عليهم، و الذين فى محل رفع صفه لحمله عرشك الذى هو المبتداء، و قول بعض طلبه العجم: حمله عرشك مبتداء، و الذين خبره، خطاء محض فاحذره، و الحمله بفتحتين جمع حامل، و العرش فى اللغه: سرير الملك، و من البيت سقفه كالعريش و الخيمه و البيت الذى يستظل به، \par و عرش الله تعالى يطلق على معنيين: \par احدهما: علمه تعالى و حملته ثمانيه: اربعه من اهل البيت عليهم السلام و اربعه من غيرهم، \par
001    03    كما رواه ثقه الاسلام فى الكافى باسناده عن ابى عبدالله عليه السلام قال: حمله العرش، و العرش: العلم: ثمانيه، اربعه منا و اربعه ممن شاء الله، \par و قال الصدوق قدس سره فى كتاب العقائد: اما العرش الذى هو العلم فحملته اربعه من الاولين و اربعه من الاخرين، فاما الاربعه من الاولين: فنوح و ابراهيم و موسى و عيسى عليهم السلام، و اما الاربعه من الاخرين فمحمد و على و الحسن و الحسين صلوات الله عليهم اجمعين، هكذا روى بالاسانيد الصحيحه عن الائمه عليهم السلام فى العرش و حملته. \par و قال: و انما صار هولاء حمله العرش الذى هو العلم ان الانبياء الذين كانوا قبل نبينا محمد صلى الله عليه و آله على شرائع الاربعه من الاولين: نوح و ابراهيم و موسى و عيسى عليهم السلام و من قبل هولاء صارت العلوم اليهم، و كذلك صار العلم من بعد محمد و على و الحسن و الحسين عليهم السلام الى من بعد الحسين من الائمه عليهم السلام انتهى بنصه، \par الثانى: و هو المراد هنا: الجسم المحيط بالكرسى المحيط بالسموات السبع و ما بينهما كما روى عن ابى عبدالله عليه السلام: كل شى ء خلق الله فى جوف الكرسى و الكرسى محيط به خلا العرش فانه اعظم من ان يحيط به الكرسى، \par و فى روايه عن النبى صلى الله عليه و آله ما السموات السبع و الارضون السبع مع الكرسى الا كحلقه فى فلاه و فضل العرش على الكرسى كفضل تلك الفلاه على تلك الحلقه. \par (الفرق بين التسبيح و التقديس) \par قال بعضهم: بين التسبيح و التقديس فرق و هو ان التسبيح هو التنزيه عن الشريك و العجز و النقص، و التقديس هو التنزيه عما ذكر و عن التعلق بالجسم و قبول الانفعال و شوائب الامكان و امكان التعدد فى ذاته و صفاته و كون الشى ء من كمالاته بالقوه، فالتقديس اعم اذ كل مقدس مسبح من غير عكس و ذلك لان الابعاد من الذهاب فى الارض اكثر من الابعاد من الذهاب فى الماء فالملائكه المقربون الذينهم ارواح مجرده بتجردهم و امتناع تعلقهم و عدم احتجابهم عن نور ربهم و قهرهم لما تحتهم بافاضه النور عليه و تاثيرهم فى غيرهم و كون كل كمالاتهم بالفعل مسبحون مقدسون، و غيرهم من \par
001    03    الملائكه السماويه و الارضيه ببساطه ذواتهم و خواص افعالهم و كمالاتهم مسبحون بل كل شى ء مسبح و ليس بمقدس، \par و فى نفى السام عنهم تلميح الى قوله تعالى: يسبحون له بالليل و النهار و هم لا يسامون و انما كان السام و الملال منفيا عنهم لانهما عباره عن اعراض النفس عن الشى ء بسبب كلال بعض القوى الطبيعيه عن افعالها و ذلك غير متصور فى حق الملائكه السماويه. \par (الملائكه قادر على التقصير ام لا؟) \par (و لا يستحسرون من عبادتك، و لا يوثرون التقصير على الجد فى امرك، و لا يغفلون عن الوله اليك) لا يستحسرون، اى لا يتعبون و لا يعيون من حسر حسورا كضرب و فرح اى تعب، واعيا، \par و كان الابلغ فى وصفهم ان ينفى عنهم ادنى الحسور و لكنه اتى بصيغه الاستفعال المنبئه عن المبالغه فى الحسور للتنبيه على ان عبادتهم لثقلها و دوامها حقيقه بان يستحسر منها و مع ذلك لا يستحسرون لا لافاده نفى المبالغه فى الحسور مع ثبوت اصله فى الجمله، كما ان نفى الظلاميه فى قوله تعالى: و ما انا بظلام للعبيد لا فاده نفى كثره الظلم المفروض تعلقه بالعبيد لا لافاده نفى المبالغه فى الظلم مع ثبوت اصل الظلم فى الجمله، و فيه اشاره الى قوله تعالى: و من عنده لا يستكبرون عن عبادته و لا يستحسرون و آثر الشى ء بالمد: اختاره و فضله، و التقصير فى الامر: التوانى فيه و هو خلاف الجد فيه، و المعنى انهم لا يختارون الراحه على تعب العباده فيقصروا و يتوانوا فى عبادته تعالى، و قيل المقصود: نفى الاحوال البشريه عنهم من التعب و الراحه لكونهما من توابع هذه الابدان الحيوانيه، و الغفله عدم التفطن للشى ء، و غيبته عن البال، و قد استعمل فيمن تركه اهمالا و اعراضا كما فى قوله تعالى: و هم فى غفله معرضون يقال غفله عن الشى ء من باب قعد غفولا \par
001    03    و غفله و غفلا بالتحريك و اغفلته اغفالا تركته اهمالا لعدم التفطن له، و تغافل ارى من نفسه ذلك و ليس به، و الوله الى الشى ء: الحنين اليه يقال: و لهت الام الى ولدها: حنت اليه، و المراد بوله الملائكه اليه سبحانه: محبتهم و عشقهم له و صدق رغبتهم فيما عنده، \par و فى قوله عليه السلام: و لا يوثرون التقصير على الجد فى امرك دلاله على ان الملائكه عليهم السلام قادرون على التقصير لكنهم لا يوثرونه اختيارا للجد عليه و تفاديا عنه، \par و المسئله محل خلاف: فذهب الفلاسفه و اهل الجبر الى انهم مطبوعون على الطاعات لا قدره لهم على الشرور و المعاصى، و ذهب المعتزله و جمهور الاماميه الى ان لهم قدره على الامرين بدليل قوله تعالى: و من يقل منهم انى اله من دونه فذلك نجزيه جهنم و هذا يقتضى كونهم ماجورين، و قوله تعالى: لا يستكبرون عن عبادته و المدح بترك الاستكبار انما يحسن لو كان قادرا على الاستكبار و لو لا ذلك ما استحقوا ثوابا، على طاعتهم اذ لو كانوا مطبوعين على الطاعات لم يكن عليهم مشقه فى التكليف انما يحسن فى كل مكلف تعريضا للثواب فلا بد ان يكون لهم شهوات فيما حظر عليهم و نفار عما اوجب عليهم حتى تحصل فائده النكليف و الله اعلم. \par
002    03    (ابن مسعود، يقول: ان اقرب الخلق من الله: اسرافيل) \par (و اسرافيل صاحب الصور الشاخص الذى ينتظر منك الاذن و حلول الامر فينبه بالنفخه صرعى رهائن القبور) اسرافيل عطف على حمله عرشك و هو بكسر الهمزه اسم اعجمى مركب مضاف الى ايل و هو اسم الله تعالى بالعبرانيه، اخرج ابن جرير من العامه عن على بن الحسين عليهماالسلام قال: كل شى ء يرجع الى ايل فهو عبدالله، و انما افرده بالذكر مع انه من جمله حمله العرش كما تقدم فى بعض الاخبار لاظهار فضله و لاختصاصه دونهم بكونه صاحب الصور، فخصه بالذكر من بينهم ليترتب عليه الوصف المختص به و فى تقديمه على من بعده فى الذكر دلاله على تفضيله، و يدل عليه ايضا ما روى عن النبى صلى الله عليه و آله ان ملك الله الذى يليه اسرافيل، و عن ابن مسعود ان اقرب الخلق من الله اسرافيل \par
002    03    و عن الهذلى قال ليس شى ء اقرب الى الله من اسرافيل و بينه و بين الله سبعه حجب، و الصور بالضم: القرن ينفخ فيه، و الشاخص فاعل من شخص كمنع شخوصا ارتفع، او من شخص بصره اذا فتح عينه لا يطرق، و ربما عدى بالباء فقيل شخص ببصره فهو شاخص، و الاذن بالكسر اسم من اذنت له فى كذا: اطلقت له فعله، و حلول الامر: نزوله، او انتهاء اجله من حل الدين اذا انتهى اجله و وجب ادائه و يقال احل امر الله عليه اى وجب. \par (قيل يا رسول الله! ما الصور؟ قال..) \par روى عنه صلى الله عليه و آله انه قال: لما فرغ الله من خلق السموات و الارض خلق الصور فاعطاه اسرافيل عليه السلام فهو واضعه على فيه شاخص بصره الى العرش متى يومر، قيل يا رسول الله ما الصور؟ قال: القرن، قيل كيف هو؟ قال: عظيم و الذى نفسى بيده ان عظم داره فيه كعرض السموات و الارض فيومر بالنفخ فيه فينفخ نفخه لا يبقى عندها فى الحيوه احد الا من شاء الله تعالى و ذلك قوله تعالى: و نفخ فى الصور فصعق من فى السموات و من فى الارض الا من شاء الله ثم يومر باخرى فينفخ نفخه لا يبقى معها ميت الا بعثه الله و قام و ذلك قوله تعالى: ثم نفخ فيه اخرى فاذا هم قيام ينظرون و الى النفخه الثانيه اشار سيد العابدين بقوله: فينبه بالنفخه صرعى رهائن القبور، الفاء عاطفه سببيه و المعطوف عليه محذوف و التقدير: فينفخ فينبه كقوله تعالى: فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت اى فضرب فانفجرت، و التنببه: الايقاظ من النوم، و لما كان الموت شبيها بالنوم حتى اطلق لفظ الموت عليه فقيل مات بمعنى نام و فى الحديث: كما تنامون تموتون استعار التنبيه لبعث الاموات، و النفخه: المره من نفخ بفمه اذا خرج منه الريح، و الصرعى جمع صريع بمعنى مصروع كقتلى جمع قتيل و اسرى جمع اسير، و هو من الصرع بمعنى الطرح على الارض قيل للقتيل صريع، و الرهاين جمع رهنيه و هو الرهن و الهاء للمبالغه كالشتيمه و الشتم بمعنى المرهون و المشتوم، و استعار لفظ الرهائن للموتى باعتبار \par
002    03    لزوم القبور لهم و عدم انفكاكيهم عنها كالرهن فى يد المرتهن، او باعتبار كونهم ملزومين فى القبور باعمالهم و اضافه صرعى الى الرهائن من اضافه الصفه الى الموصوف اى رهائن القبور الصرعى. \par (النفخه نفختان) \par قال بعض المحققين: النفخه نفختان نفخه تطفى النار و نفخه تشعلها، قال تعالى: و نفخ فى الصور فصعق من فى السموات و من فى الارض الا من شاء الله، ثم نفخ فيه اخرى فاذاهم قيام ينظرون، فينفخ اسرافيل نفخه واحده فتمر على الصور المشتعله بارواحها سماويه كانت او ارضيه فتطفئها ثم ينفخ نفخه اخرى فتمر على الصور المستعده للاشتعال بارواحها فتشتعل بها فاذاهم قيام ينظرون فتقوم تلك الصور احياء ناطقه بما ينطقها الله فمن ناطق بالحمد لله و من ناطق بقول: من بعثنا من مرقدنا و من ناطق الحمد لله الذى احيانا بعد ما اماتنا و اليه النشور و كل ينطق بحسب علمه و حاله و ما كان عليه و نسى حاله فى البرزخ و يتخيل ان ذلك منام كما تخيله المنتبه من نومه و قد كان عند موته و انتقاله الى البرزخ كالمستيقظ هناك و ان الحيوه كانت له كالمنام، الناس نيام فاذا ماتوا انتبهوا و فى الاخره يعتقد فى امر الدنيا و البرزخ انه منام فى منام، و لما كان الغرض من النفخه الاولى هى النفخه الثانيه و كانت كاللازم لها لان الحيوه فى نشائه عاليه يلزمها الموت عن نشائه سافله اقتصر عليه السلام على ذكر النفخه الثانيه فى قوله: فينبه صرعى رهائن القبور. \par
003    03    (ان ميكائيل موكل بارزاق الاجساد و الحكمه و..) \par (و ميكائيل ذو الجاه عندك و المكان الرفيع من طاعتك) روى ان ميكائيل موكل بارزاق الاجساد و الحكمه و المعرفه للنفوس و له اعوان موكلون على جميع العالم من شانهم احداث قوه النهوض فى الاركان و المولدات و غيرها التى بها الوصول الى الغايات و بلوغ الكمال كملائكه الرياح و السحب و الامطار و النبات و الحيوان و المعادن فكل ذلك باعوانه، و الجاه: القدر و المنزله، يقال فلان ذو جاه اى قدر و حرمه، قالوا و هو مغلوب من الوجه من قولهم وجه الرجل بالضم اى صار وجيها ذا جاه و قدر، و الاسم الوجاهه، و فى \par
003    03    حديث عايشه كان لعلى عليه السلام وجه من الناس حيوه فاطمه، قال ابن الاثير فى النهايه اى جاه و عز فقدهما بعدها \par
004    03    (الاشاره الى قوه جبرئيل و امانته) \par (و جبرئيل الامين على وحيك المطاع فى اهل سمواتك المكين لديك المقرب عندك) عن ابن عباس قال جبرئيل عبدالله، و ميكائيل عبيدالله، و الامين: الحافظ لما كلف بحفظه عن تطرق الخلل اليه، و لما كان الوحى النازل بواسطته نازلا كما هو، صدق عليه انه امين عليه، و المطاع فى اهل سمواتك اى الملائكه السماويه فانهم يصدرون عن امره و يرجعون الى رايه كما ورد فى الخبر، و المكين قيل بمعنى فاعل من مكن عند الملك مكانه كضخم ضخامه عظم عنده و ارتفع فهو مكين، و المقرب: قرب منزله و رتبه لا قربا مكانيا، و العنديه: عنديه اكرام و تشريف و فى هذه الصفات تلميح الى قوله تعالى فى وصفه انه لقول رسول كريم ذى قوه عند ذى العرش مكين مطاع ثم امين. \par روى ان رسول الله صلى الله عليه و آله قال لجبرئيل عليه السلام ما احسن ما اثنى عليك ربك: ذى قوه عند ذى العرش مكين اه فما كانت قوتك؟ و ما كانت امانتك؟ فقال اما قوتى فانى بعثت الى مداين لوط و هى اربع مداين فى كل مدينه اربعمائه الف مقاتل سوى الذرارى فحملتهم من الارض السفلى حتى سمع اهل السموات اصوات الدجاج و نباح الكلاب ثم هويت بهن فقلبتهن، و اما امانتى فانى لم اومر بشى ء فعدلت الى غيره. \par
005    03    (ان الحجاب فى حقه تعالى محال فلا يمكن فرضه الا بالنسبه الى العبد) \par (و الروح الذى هو على ملائكه الحجب) الروح هنا اما اسم ملك موكل على ملائكه الحجب اوصفه له على ان الملائكه كلها ارواح، و يويد كونه صفه ما روى عن الربيع بن انس ان الملك الموكل بالحجب يقال له ميطاطروش، و الحجب جمع حجاب و هو الستر و الاصل فيه جسم حائل بين جسدين و استعمل فى المعانى فقيل: العجز حجاب بين الانسان و مراده، و المعصيه حجاب بين العبد و ربه، و المراد بالحجب هنا: ما فوق السموات من الانوار و الكلمات و غيرها التى حجبت عن تعلق علوم المخلوقين بما ورائها، ففى الخبر ان \par
005    03    ما فوق السماء السابعه صحارى من نور و لا يعلم ما فوق ذلك الا الله تعالى. و عن وهب بن منبه: فوق السموات حجب فيها ملائكه لا يعرف بعضهم بعضا لكثرتهم يسبحون الله بلغات مختلفه و اصوات كالرعد القاصف، \par و عن النبى صلى الله عليه و آله ان لله تعالى سبعين الف حجاب من نور و ظلمه لو كشفها لاحترقت سبحات وجهه ما انتهى اليه بصره، \par و للعلماء فى تاويل هذا الحديث كلام طويل و مجمله ان الحجاب فى حقه تعالى محال فلا يمكن فرضه الا بالنسبه الى العبد و تحقيق الحجب: ان الطالب له مقامات كل منها حجاب له قبل الوصول اليه، و مراتب المقامات غير متناهيه فتكون مراتب الحجب ايضا غير متناهيه، و حصرها فى سبعين الفا لا يدرك الا بنور النبوه، و المراد بالسبعين معنى الكثره فان السبعين جار مجرى المثل فى الكثره. \par
006    03    (الاشاره الى عالم الامر و الخلق) \par (و الروح الذى من امرك) يحتمل ان يكون المراد بالامر هنا الشان و الاضافه للاختصاص العلمى لا الايجادى لاشتراك الكل فيه، و فيها من تشريف المضاف ما لا يخفى، اى الروح الذى هو من جنس ما استاثرت بعلمه من الاسرار الخفيه التى لا يكاد يحوم حولها عقول البشر، \par و يحتمل ان يكون المراد به عالم الامر المقابل لعالم الخلق المعبر عنها بعالم الغيب و الشهاده، و الملكوت و الملك. \par (فصل عليهم) خبر قوله: فحمله عرشك، و الفاء زائده. \par
006    03    (ما فى السموات السبع موضع قدم.. الا و فيه ملك..) \par (و على الملائكه الذين من دونهم من سكان سمواتك و اهل الامانه على رسالاتك) من دونهم اى من تحتهم مقدارا و مكانا، \par عن ابى ذر رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و آله اطت السماء و حق لها ان تئط ما عليها موضع اربع اصابع الا و عليه ملك واضع جبهته، \par و عن جابر بن عبدالله قال قال رسول الله صلى الله عليه و آله: ما فى السموات السبع موضع قدم و لا شبر و لا كف الا و فيه ملك قائم او ملك ساجد فاذا كان يوم القيمه قالوا جميعا سبحانك ما عبدناك حق عبادتك الا انا لم نشرك بك شيئا. \par قوله عليه السلام: و اهل الامانه على رسالاتك، يحتمل ان يكون معطوفا على الملائكه و ان يكون معطوفا على اهل سمواتك، و المراد بهم: الذين جعلهم الله وسائط بينه و بين رسله فى تاديه خطابه الكريم اليهم، \par و سر هذا التوسط: ان المخاطبه تقتضى مناسبه بين المخاطبين فاقتضت الحكمه توسط الملك ليتلقف الوحى بوجهه الذى فى عالم الملكوت و القدره من الله سبحانه تلقفا روحانيا و من اللوح المحفوظ، و يلقيه بوجهه الذى فى عالم الملك و الحكمه الى النبى صلى الله عليه و آله، لان من خواص الملك ان يتمثل للبشر فراه جسما فربما ينزل الملك الى الصور البشريه، و ربما يترقى النبى صلى الله عليه و آله الى الرتبه الملكيه و يتعرى عن الكسوه البشريه فياخذ عنه الوحى، و لما كان ذو الامانه هو الحافظ لما امن عليه ليوديه الى مستحقه و كانت الرسالات النازله كما هى محفوظه عن الخلل الصادر عن سهو بعدم معروضات السهو هناك، او عن عمد لعدم الداعى اليه و لقوله تعالى: يخافون ربهم من فوقهم و يفعلون ما يومرون صدق انهم اهل الامانه على رسالاته تعالى. \par
007    03    (معنى السامه و الدوب و الاعياء و اللغوب و الفتور) \par (و الذين لا تدخلهم سامه من دوب و لا اعياء من لغوب و لا فتور) السامه كسحابه: الملل اى لا يدخل اليهم و لا يعتريهم ملل من اجل دوب اى اجتهاد و جد فى العمل و لا اعياء اى \par
007    03    تعب، و اللغوب: الكلال، و الفتور: الانكسار و الضعف، و التصريح بنفيه مع استلزام ما قبله له للمبالغه فى انتفاء كل منهما، و تنكير كل من هذه الاحوال للدلاله على انه لا يدخلهم شى ء ما من ذلك و لا حاله منه فى الجمله. \par (الشهوه، ضربان: محموده و مذمومه) \par (و لا تشغلهم عن تسبيحك الشهوات، و لا يقطعهم عن تعظيمك سهو الغفلات) \par الشهوات جمع شهوه و هى حركه النفس طلبا للملايم، قيل و هى ضربان: محموده و مذمومه فالمحموده من فعل الله تعالى و هى قوه جعلت فى النفس لتنبعث بها النفس لنيل ما تظن ان فيه صلاح البدن، و المذمومه من فعل البشر و هى استجابه النفس الى مقتضى طباعها من اللذات البدنيه الى حد الخروج عن حد الشريعه و الهوى هو هذه الشهوه، و هى بقسيميها منفيه عن الملائكه عند الفلاسفه اذ كانت من الوازم النفس الحيوانيه و هى غير متصوره فيهم، \par و ذهب جمهور الاماميه و المعتزله الى ان لهم شهوات لكنهم قاهرون لانفسهم عن اتباعها، قال الشريف المرتضى رضى الله عنه: نحن نعلم على الجمله ان الملائكه اذا كانوا مكلفين فلا بد ان يكون عليهم مشاق فى تكليفهم لولا ذلك ما استحقوا ثوابا على اطاعتهم، و التكليف انما يحسن فى كل مكلف تعريضا للثواب، و لا يكون التكليف عليهم شاقا الا و يكون لهم شهوات فيما حظر عليهم و نفار عما اوجب عليهم انتهى، \par و قطعته عن الشى ء: حبسته و منعته، و التعظيم: الاجلال و التوقير، و السهو: عدم التفطن للشى ء مع بقاء صورته او معناه فى الخيال، او الذكر بسبب اشتغال النفس و التفاتها الى بعض مهماتها، و الغفله عدم خطور الشى ء فى البال بالفعل فهى اعم من السهو، و لما كان ذلك من لواحق القوى الانسانيه كان مسلوبا عن الملائكه. \par
008    03    (معنى: خشوع ابصار الملائكه) \par (الخشع الابصار فلا يرومون النظر اليك، النواكس الاذقان الذين قد طالت رغبتهم فيما لديك) الخشع جمع خاشع كركع جمع راكع من خشع ببصره اذا غضه قال \par
008    03    تعالى: خشعا ابصارهم يخرجون من الاجداث و رام الشى ء روما: طلبه، و خشوع ابصارهم اما على حقيقته بناء على القول بانهم اجسام، و فى الخبر: انهم لا يستطيعون ان يرفعوا ابصارهم من شعاع النور، و هو كنايه عن كمال خشيتهم الله تعالى و اعترافهم بقصور ابصار عقولهم عن ادراك ماوراء كمالاتهم المقرره لهم و ضعفها عما لا تحتمله من انوار الله و عظمته فى خلق عرشه و ما فوقه من مبدعاته فان شعاع ابصارهم منته واقف دون حجب عزه الله تقدس و تعالى فلا يطلبون النظر اليه سبحانه، و النواكس جمع ناكس من نكس راسه اذا طاطاه، و الاذقاق جمع ذقن بفتحتين كسبب و اسباب، و نكسه كنايه عن نكس الراس لاستلزامه له و هو هنا اما على حقيقته ايضا او كنايه عن كمال خضوعهم و كنى بطول رغبتهم عن دوامها و ثبوتها. \par (عظمته تعالى عباره عن علو شانه و جلاله قدره و..) \par (المستهترون بذكر آلائك، و المتواضعون دون عظمتك و جلال كبريائك) المستهتر بفتح العين المولع بالشى ء لا يتحدث بغيره و لا يفعل غيره، و الالاء: النعم جمع الى و التواضع: الخشوع و الذل لله تعالى، و عظمته تعالى عباره عن علو شانه و جلاله قدره و كمال شرفه و شده غنائه عن الخلق و نهايه افتقارهم اليه فى الوجود و البقاء و الكمال الى غير ذلك مما لا تحيط به العقول، و الجلال: العظمه، و الكبرياء: الشرف و الرفعه و التجبر و الملك، و قيل هى عباره عن كمال الذات و كمال الوجود و لا يوصف بها الا الله تعالى. \par
009    03    (معنى الزفير و الشهيق) \par (و الذين يقولون اذا نظروا الى جهنم تزفر على اهل معصيتك: سبحانك ما عبدناك حق عبادتك، فصل عليهم) جهنم، اعاذنا الله منها اسم لنار الاخره، سميت نار الاخره بها لبعد قعرها من قولهم ركيه جهنام و جهنم اذا كانت بعيده القعر و لم تصرف للتعريف و التانيث، و قيل هى عجميه و عدم الصرف للعجمه و التعريف، و تزفر جمله فى محل النصب على الحال من جهنم يقال زفر يزفر من باب كتب زفرا و زفيرا اخرج نفسه بعد مده اياه و الزفير اول صوت الحمار، و الشهيق آخره، و قيل: الزفير فى \par
009    03    الحلق و الشهيق فى الصدر، و المراد بزفيرها صوت التهابها المنكر الفظيع، شبهه بصوت المتغيظ و زفيره قال الله تعالى: اذا راتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا و زفيرا اى صوت تغيظ، \par روى ان جهنم تزفر زفره لا ببقى احد الا ترعد فرائصه حتى ان ابراهيم عليه السلام يجثوا على ركبتيه و يقول نفسى نفسى. \par (معنى: سبحانك) \par و سبحانك، منصوب على المصدريه قيل هو اسم مصدر وقع موقع المصدر و هو التسبيح بمعنى التنزيه، و قيل هو مصدر كالغفران و هو غير متصرف اى لا يستعمل الا محذوف الفعل منصوبا على المصدريه و لا يكاد يستعمل الا مضافا و اذا استعمل غير مضاف كان علما للتسبيح غير مصروف للعلميه و الالف و النون المزيدتين كعثمان علما لرجل فان العلميه كما تجرى فى الاعيان تجرى فى المعانى، \par و المعنى على الاول: نسبحك تسبيحا عما لا يليق بشانك الاقدس من الامور التى من جملتها عدم عبادتنا لك حق عبادتك، و عنوا بذلك تسبيحا ناشئا عن كمال الاعتراف و الايقان بالعجز عما يليق بمقامه الا على من العباده، \par و على الثانى: تنزهت عن ذلك تنزها ناشئا عن ذاتك، و حق عبادتك منصوب على المصدريه و هو فى الاصل صفه للمصدر المضاف اليه اى عبادتك الحق فلما اضيف الى موصوفه انتصب على ما كان ينتصب عليه موصوفه اى ما عبدناك العباده التى تحق لك و تليق بعظمتك، و انما قالوا ذلك حين نظرهم الى جهنم حال زفيرها لما شاهدوا من شده آثار قهره تعالى فاحتقروا عبادتهم و راوها قاصره عما يجب لجلاله عز و جل. \par قوله فصل عليهم، خبر لقوله: و الذين لا تدخلهم سامه من دوب كما يدل عليه رفع الصفات من قوله: الخشع الابصار و النواكس الاذقان و المستهترون و المتواضعون. \par
010    03    (الملائكه الروحانيون: اجسام لطيفه لا يدركه البصر) \par (و على الروحانيين من ملائكتك و اهل الزلفه عندك) قال ابن الاثير فى النهايه ما معناه: الملائكه الروحانيون يروى بضم الراء من الروح الذى يقوم به الجسد، و \par
010    03    بفتحها كانه نسب الى الروح بالفتح و هو نسيم الريح و الالف و النون من زيادات النسب و يريد انها اجسام لطيفه لا يدركه البصر انتهى، \par و الزلفه بالضم: القرب و التقدم كالزلفى و المراد بهم الملائكه المقربون، و ليس المراد بالقرب القرب المكانى لتنزهه تعالى عن المكان بل قرب المنزله و الرتبه منه و هم الذين علمهم به سبحانه اكثر و خوفهم و خشيتهم له اشد و من كان كذلك كان ادنى منزله و اقرب مرتبه لديه، و يقال لهم: الكروبيون من كرب اذا قرب. \par (الغيب، قسمان) \par (و حمال الغيب الى رسلك و الموتمنين على وحيك) الحمال بضم اوله و تشديد ثانيه جمع كثره لحامل كعامل و عمال، و الغيب: ما غاب ادراكه عن الحس و العقل غيبه كامله بحيث لا يدرك بواحد منهما بطريق البداهه و هو قسمان: \par قسم لا دليل عليه و هو الذى اريد بقوله تعالى: و عنده مفاتح الغيب لا يعلمها الا هو. \par و قسم نصب عليه دليل كوجود الصانع و صفاته و النبوات و ما يتعلق بها من الشرايع و الاحكام و الاخبار عن اليوم الاخر و احواله من البعث و النشور و الحساب و الجزاء، و المراد به هنا ما اوحاه تعالى الى رسله و انبيائه من النوعين، و افاضته عليهم بواسطه الملائكه. \par
011    03    (الطعام يقع على كل ما يطعم حتى الماء) \par (و قبائل الملائكه الذين اختصصتهم لنفسك و اغنيتهم عن الطعام و الشراب بتقديسك و اسكنتهم بطون اطباق سمواتك) القبائل فى الاصل للراس و هى قطعه المتصل بعضها ببعض و منه قبائل العرب، الواحده قبيله و هم بنواب واحد، و لما كانت الملائكه من عالم \par
011    03    واحد اطلق على طوائفهم لفظ القبائل كانهم بنواب واحد، و قوله عليه السلام: لنفسك، اى فرصت جميع هممهم الى طاعتك و عبادتك حتى لا يشتغلوا بغير ما اهلتهم له و كلفتهم به، و اغنيته بكذا عن غيره: كفيته به فاستغنى، و الطعام اسم لما يوكل كالشراب اسم لما يشرب هذا اذا اجتماعا، و اما اذا انفرد الطعام فقد يطلق على ما يشرب ايضا، \par قال ابن فارس فى المجمل و غيره من اهل اللغه: الطعام يقع على كل ما يطعم حتى الماء، قال الله تعالى: فمن شرب منه فليس منى و من لم يطعمه فانه منى و المعنى: اعطيتهم قوه الطاعمين و الشاربين بذكرك الذى يقدسونك به، و ينزهونك عما لا يليق بمقدس جنابك، و البطون جمع بطن و هو خلاف الظهر و جوف كل شى ء، و الاطباق جمع طبق بفتحتين كسبب و اسباب و يجمع على طباق ايضا كجبل و جبال، قال تعالى: خلق سبع سموات طباقا اى طبقه فوق طبقه، و الاصل فى الطبق اعطاء الشى ء الذى يكون على مقداره مطبقا له من جميع جوانبه فكان كل سماء طبق للاخرى، و بطون اطباقها اشاره الى ما بين السموات. \par
012    03    (المراد بالملائكه الذين على ارجاء السموات) \par (و الذين على ارجائها اذا نزل الامر بتمام وعدك) الارجاء جمع رجا مقصورا و هو ناحيه الموضع و اصله الواو لانه يثنى على رجوين، و الضمير فى ارجائها عائد الى السموات اى الذين يصيرون او يقفون على جوانب السموات و حافاتها عند نزول الامر و الحكم بانجاز ما وعد سبحانه من قيام الساعه فتنشق السماء فتعدل الملائكه عن مواضع الشق الى جوانب السماء، كما قال تعالى: فيومئذ وقعت الواقعه، و انشقت السماء فهى يومئذ واهيه و الملك على ارجائها و لعل المراد بهم المستثنون عن الصعق فى قوله تعالى: و نفخ فى الصور فصعق من فى السموات و من فى الارض الا ما شاء الله و الا فسائر الملائكه \par
012    03    يموتون فى النفخه الاولى فكيف يقفون على ارجاء السماء؟ او لعلهم يقفون لحظه ثم يموتون، \par و قال بعضهم: المراد بالملائكه الذين على ارجائها: المحركون اللسماء الحركه الدوريه المانعه عن الانشقاق المتوقف على الحركه المستقيمه فانهم اذا صاروا على ارجائها لم يبق لهم تحريك فامكن تحريك النفخ لها بالقسر على الاستقامه فلا يمتنع انشقاقها. \par
013    03    (لم تنزل قطره من ماء الا بكيل على يدى ملك..) \par (و خزان المطر و زواجر السحاب) الخزان جمع خازن من خزنت المال من باب قتل خزنا اذا وضعته فى الخزانه و هى ما يحفظ فيه نفايس الاموال، شبهه الملائكه الموكلين بالمطر: بالجماعه الذين يحفظون خزائن الاموال و يخرجون منها ما امروا باخراجه الخزان على طريق الاستعاره التخييليه، \par اخرج ابن جرير عن على بن ابى طالب عليه السلام قال: لم تنزل قطره من ماء الا بكيل على يدى ملك الا قوم نوح فانه اذن للماء دون الخزان فطغا الماء على الخزان فخرج فذلك قوله تعالى: انا لما طغى الماء و الزواجر جمع زاجره اى الملائكه الذين يزجرون السحاب من زجر الابل يزجرها من باب قتل اذا حثها و حملها على السرعه، و الاصل فى الزجر المنع، يقال زجرته عن كذا اى منعته، و انما قيل لحث الابل و سوقها زجر: لان الزاجر لها يمنعها عن البطوء فى السير و التوانى فى المشى، و عن ابن عباس فى قوله تعالى: فالزاجرات زجرا قال يعنى الملائكه الموكلين بالسحاب. \par
014    03    (ما هذا الرعد؟ و ما هذا الصوت الذى نسمع؟) \par (و الذى بصوت زجره يسمع زجل الرعود، و اذا سبحت به حفيفه السحاب التمعت صواعق البروق) الصوت: كيفيه تحدث فى الهواء من قلع او قرع فيحملها الى الصماخ، و الزجل بفتحتين: اختلاط الاصوات و الصوت الرفيع العالى، و الرعود جمع رعد و هو الصوت الذى يسمع من السحاب سمى باسم الملك المصوت به الذى هو موكل بالسحاب \par
014    03    كما ورد فى اخبار كثيره من طرق الخاصه و العامه، اخرج غير واحد عن ابن عباس قال اقبلت يهود الى رسول الله صلى الله عليه و آله فقالت اخبرنا ما هذا الرعد؟ قال صلى الله عليه و آله: ملك من ملائكه الله موكل بالسحاب بيده مخراق من نار يزجر به السحاب يسوقه حيث امر الله، قالوا فما هذا الصوت الذى نسمع؟ قال صوته، قالوا صدقت، و سبحت الفرس تسبح من باب منع يديها فى الجرى كانها تسبح بهما، و الحفيفه بالحاء المهمله فعيله من حفت الفرس حفيفا اذا سمع دوى جوفه او صوت جريه عند الركض و فيه استعاره تخييليه مرشحه شبه القطعه من السحاب التى يسمع لها دوى عند مرورها: بالفرس الذى يسمع دوى جوفه عند ركضه ثم قرنها بما يلايم المستعار منه من السبح يقال فرس سابح و سبوح، و التمعت اى اضائت و هو افتعال من اللمع يقال لمع البرق و لمعانا محركه اضاء كالتمع و فى الالتماع زياده فى المعنى كانها اجتهدت و بالغت فى اللمعان، و الصواعق جمع صاعقه و هى نار تحدث من حركه صوت الملك كما فى الحديث، و البروق جمع برق و هو سوط من ناريز جربه الملك السحاب، \par و عن جابر بن عبدالله ان رسول الله صلى الله عليه و آله سئل عن منشا السحاب فقال: ان ملكا موكلا بالسحاب يلم القاصيه، و يلحم الرابيه فى يده مخراق فاذا رفع حرقت، و اذا زجر رعدت و اذا ضرب صعقت. \par
015    03    (الملائكه النازلون مع الثلج و البرد و الها بطون مع قطر المطر و..) \par (و مشيعى الثلج و البرد، و الهابطين مع قطر المطر اذا نزل) المشيع اسم فاعل من التشييع قال صاحب المحكم: شيعه و شايعه كلاهما: خرج معه ليودعه و يبلغه منزله، و قيل هو ان يخرج معه يريد صحبته و ايناسه الى موضع ما، انتهى، و المراد بهم هنا الملائكه النازلون مع قطر المطر، الهبوط: النزول هبط يهيط من باب ضرب هبوطا: نزل، و القطر: ما يقطر، واحده قطره كتمر و تمره، و المطر: الغيث، \par (و القوام على خزائن الرياح، و الموكلين بالجبال فلا تزول) القوام جمع قائم \par
015    03    و من قام الامير على الرعيه اذا وليها و ملك امرها، و الخزائن جمع خزانه، و الرياح جمع ريح و العين فيهما و او قلبت ياء لانكسار ما قبلها و جمع الفله ارواح بالواو اذ لم يوجد فيه ما يوجب الاعلال، و الموكل اسم مفعول من و كلته بالامر توكيلا اذا جعلت له القيام به، و الجبال جمع جبل و هو معروف، فلا تزول اى فلا تنهد و لا تندك فتذهب. \par
016    03    (ما يخرج من الماء شى ء الا عليه خزان يعلمون قدره و..) \par (و الذين عرفتهم مثاقيل المياه، و كيل ما تحويه لواعج الامطار و عوالجها) المثاقيل جمع مثقال و هو ميزان الشى ء اى ما يعاد له، قال ابن الاثير: المثقال فى الاصل مقدار من الوزن اى شى ء كان من قليل او كثير فمعنى مثقال ذره: وزن ذره، و المياه جمع ماء اصله ماه بالهاء \par و فى الخبر: ما يخرج من الماء شى ء الا عليه خزان يعلمون قدره و عدده و وزنه و كيله حتى كان امر نوح فاندفق منه شى ء لا يعلمون قدره و لا وزنه و لا كيله غضبا لله تعالى فلذلك سمى طاغيا و الكيل تحرير مقدار الشى ء بظرف مخصوص، و اللواعج من لعجه الحزن اشتد عليه، و العوالج جمع عالج و هو المجتمع من الرمل، و المعنى كيل ما تحويه الامطار الشديده و المتراكمه القطر من الماء. \par
017    03    (معنى: السفره الكرام البرره) \par (و رسلك من الملائكه الى اهل الارض بمكروه ما ينزل من البلاء و محبوب الرخاء) الى و الباء كلاهما متعلقان برسلك تقول ارسلته الى فلان بكذا و الباء للمصاحبه نحو اهبط بسلام و المكروه ما يكرهه الانسان و يشق عليه و ما موصوله و من البلاء بيان لها و البلاء اسم من بلاه و يبلوه بمعنى امتحنه، و المحبوب مفعول من حبه يحبه من باب ضرب و الرخاء بالفتح و المد: سعه العيش، \par
018    03    (و السفره الكرام البرره) قيل: السفره هم الكتبه من الملائكه ينسخون الكتب من اللوح على انه جمع سافر من السفر و هو الكتب، و قيل هم الذين يسفرون بالوحى \par
018    03    بينه تعالى و بين انبيائه عليهم السلام على انه جمع سفير من السفاره و اصل السفاره: الاصلاح يقال سفرت بين القوم سفاره بالكسر اى اصلحت ثم سمى الرسول سفيرا لانه يسعى فى الاصلاح و يبعث له غالبا، و قيل انما سموا سفره لنزولهم غالبا بما يقع به الصلاح بين الناس تشبيها بالسفير و هو المصلح، و المراد بكونهم كراما انهم اعزاء على الله تعالى او متعطفون على المومنين مستغفرون لهم، و بكونهم برره انهم اتقياء مطيعون لله تعالى فاعلون للخيرات منزهون عن النقائص من البر بالكسر و هو التقى و الصلاح و فعل الخير و هم الذين ذكرهم الله تعالى فى قوله: فى صحف مكرمه، مرفوعه مطهره بايدى سفره كرام برره. \par (معثى: الحفظه الكرام الكاتبين) \par (و الحفظه الكرام الكاتبين) الحفظه محركه جمع حافظ من حفظ المال اذا رعاه فهو حافظ و حفيظ، اطلق على الذين يحصون اعمال العباد من الملائكه و هم الحافظون قال تعالى: و ان عليكم لحافظين كراما كاتبين و هم طائفتان: ملائكه اليمين للحسنات، و ملائكه الشمال للسيئات، قال تعالى: اذ يتلقى المتلقيان عن اليمين و عن الشمال قعيد. \par عن الصادق عليه السلام انه قال: استعبدهم الله بذلك و جعلهم شهودا على خلقه ليكون العباد لملازمتهم اياهم اشد على طاعه الله مواظبه و عن معصيته اشد انقباضا، و كم من عبد هم بمعصيه فذكر مكانهم فارعوى و كف فيقول: ربى يرانى و حفظتى على بذلك تشهد، قال المفسرون و فى تعظيم الكاتبين بالثناء عليهم تفخيم لامر الجزاء و انه عند الله تعالى من جلائل الامور حيث يستعمل فيه هولاء الكرام. \par (الحفظه قسمان:) \par و اعلم ان الحفظه على قسمين: \par حفظه على العباد و هم كرام الكاتبون المذكورون، \par
018    03    و حفظه على العباد و هم الذين يحفظونهم بامر الله تعالى من الافات التى تعرض لهم كما قال تعالى: له معقبات من بين يديه و من خلفه يحفظونه من امر الله عن ابى جعفر عليه السلام يقول من امر الله: من ان يقع فى ركى، او يقع عليه حائط، او يصيبه شى ء حتى اذا جاء القدر خلوا بينه و بينه فيدفعونه الى المقادير، و هما ملكان يحفظانه بالليل و ملكان بالنهار يتعاقبانه. \par (ان الله تبارك و تعالى جعل لملك الموت اعوانا من الملائكه) \par (و ملك الموت و اعوانه) ملك الموت عباره عن الروح المتولى لافاضه صوره العدم على قوى اعضاء هذا البدن و الحال مفارقه النفس له، و اسمه على ما وردت به الاخبار المستفيضه: عزرائيل، \par عن ابى الحسن الاول عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه و آله ان الله تبارك و تعالى اختار من الملائكه اربعه: جبرئيل و ميكائيل، و اسرافيل و ملك الموت، و الاعوان جمع عون بالفتح و هو الظهير على الامر و المعاون عليه اعانه، \par روى الصدوق فى الفقيه قال سئل الصادق عليه السلام عن قول الله عز و جل: الله يتوفى الانفس حين موتها و عن قول الله عز و جل: قل يتوفاكم كم ملك الموت الذى و كل بكم و عن قول الله تعالى عز و جل: تتوفاهم الملائكه طيبين و الذين تتوفاهم الملائكه ظالمى \par
018    03    انفسهم و عن قوله تعالى: توفته رسلنا و عن قوله عز و جل: و لو ترى اذ يتوفى الذين كفروا الملائكه و قد يموت فى الساعه الواحده فى جميع الافاق ما لا يحصيه الا الله عز و جل فكيف هذا؟ \par فقال: ان الله تبارك و تعالى جعل لملك الموت اعوانا من الملائكه يقبضون الارواح بمنزله صاحب الشرطه له اعوان من الانس يبعثهم فى حوائجه فتتوفاهم الملائكه و يتوفاهم ملك الموت من الملائكه مع ما يقبض هو و يتوفاهم الله عز و جل من ملك الموت، \par و عن ابن عباس فى قوله تعالى: توفته رسلنا قال اعوان ملك الموت من الملائكه. (اول ملك يدخل فى القبر.. ثم يقول له اكتب ما عملت من حسنه و سيئه..) \par (و منكر و نكير و رومان فتان القبور) منكر اسم مفعول من انكر الشى ء انكارا خلاف عرفه، و النكير فعيل بمعنى الانكار سمى بهما ملكا القبر كما تظاهرت به الاحاديث، و قوله عليه السلام رومان فتان القبور، رومان بضم الراء المهمله اسم احد ملائكه القبر و هو فعلان من الروم يقال رامه يرومه روما اذا طلبه، \par فى روايه عبدالله بن سلام سئلت رسول الله صلى الله عليه و آله عن اول ملك يدخل فى القبر على الميت قبل منكر و نكير، فقال رسول الله صلى الله عليه و آله ملك يتلالاء وجهه كالشمس اسمه رومان يدخل على الميت ثم يقول له اكتب ما عملت من حسنه و سيئه، فيقول باى شى ء اكتب؟ اين قلمى و دواتى و مدادى؟ فيقول ريقك مدادك و قلمك اصبعك، فيقول على اى شى ء اكتب؟ و ليس معى صحيفه قال صحيفتك كفك فاكتب فيكتب ما عمله فى الدنيا خيرا و اذا بلغ سيئاته يستحى منه فيقول له الملك يا خاطى: اما تستحى من خالقك حين عملته فى الدنيا فتستحى الان؟ فيرفع الملك العمود ليضربه فيقول ارفع عنى حتى اكتبها فيكتب فيها جميع حسناته و سيئاته ثم يامر ان يطوى و يختم فيقول باى شى ء اختمه و ليس معى \par
018    03    خاتم فيقول اختمه بظفرك و علقه فى عنقك الى يوم القيمه، كما قال الله تعالى: و كل انسان الزمناه طائره فى عنقه و نخرج له يوم القيمته كتابا يلقيه منشورا و فتان من ابنيه المبالغه من الفتنه و اصل الفتنه للفضته و هى سبكها بالنار ليتميز رديها من جيدها، و اضافه فتان القبور اما من اضافه اسم الفاعل الى معموله على حذف مضاف اى فتان اصحاب القبور، او الى غير معموله كمصارع مصر، و هذا اولى. \par (القول بسوال منكر و نكير و فتنه القبر و عذابه و ثوابه) \par حق يجب الايمان به \par (القول بسوال منكر و نكير و فتنه القبر و عذابه و ثوابه حق يجب الايمان به لما تواترت به الاخبار بل هو من ضروريات الدين، و الاظهر الاسلم فى الايمان بذلك ان يصدق بانها موجوده و ان هناك ملكين او اكثر على الصوره المحكيه و ان كنا لا نشاهد ذلك، اذ لا تصلح هذه العين لمشاهده الامور الملكوتيه و كل ما يتعلق بالاخره فهو من عالم الملكوت، كما كانت الصحابه يومنون بنزول جبرئيل و ان النبى صلى الله عليه و آله يشاهده و ان لم يكونوا يشاهدونه و كما ان جبرئيل لا يشبه الناس فكذلك منكر و نكير و رومان فوجب التصديق بوجودهم و الايمان بسوالهم و فتنتهم كما اخبر به المخبر الصادق. \par (اى شى ء كان سبب الطواف بهذا البيت؟) \par (و الطائفين بالبيت المعمور) طاف بالشى ء يطوف طوفا و طوافا استدار به، و البيت \par
018    03    المعمور هو المسمى بالضراح بضم الضاد المعجمه و فتح الراء المخففه و بعد الالف حاء مهمله على وزن غراب من المضارحه و هى المقابله و المضارعه و هو فى السماء الرابعه كما وردت به روايات و فى روايه فى السماء السادسه و فى اخرى فى السابعه، \par عن ابى جعفر عليه السلام ان اركان البيت الحرام فى الارض حيال البيت المعمور فى السماء، \par و روى ثقه الاسلام فى الكافى باسناده عن محمد بن مروان قال سمعت اباعبدالله عليه السلام يقول: كنت مع ابى فى الحجر فبينما هو قائم يصلى اذ اتاه رجل فجلس اليه فلما انصرف سلم عليه ثم قال: انى اسئلك عن ثلثه اشياء لا يعلمها الا انت او رجل آخر، قال ما هى؟ قال اخبرنى اى شى ء كان سبب الطواف بهذا البيت؟ فقال ان الله عز و جل لما امر الملائكه ان يسجدوا لادم عليه السلام ردوا عليه فقالوا اتجعل فيها من يفسد فيها و يسفك الدماء و نحن نسبح بحمدك و نقدس لك قال الله تبارك و تعالى: انى اعلم ما لا تعلمون فغضب عليهم ثم سئلوه التوبه فامرهم ان يطوفوا بالضراح و هو البيت المعمور و مكثوا يطوفون به سبع سنين يستغفرون الله عز و جل مما قالوا ثم تاب عليهم من بعد ذلك و رضى عنهم فهذا كان اصل الطواف ثم جعل الله البيت الحرام حذ و الضراح توبه لمن اذنب من بنى آدم و طهورا لهم، فقال صدقت، \par و فى روايه اخرى عنه عليه السلام: ان الله امر ملكا من الملائكه ان يجعل له بيتا فى السماء السادسه يسمى الضراح باذاء عرشه فصيره لاهل السماء يطوف به سبعون الف ملك فى كل يوم لا يعودون و يستغفرون. \par (و الذى نفسى بيده لقد خلقت ملائكه جهنم قبل ان تخلق) \par جهنم بالف عام \par (و مالك و الخزنه) مالك اسم مقدم خزنه النار اعادنا الله منها، و هو اسم مشتق من الملك و القوه حيث تصرفت حروفه، قال تعالى: و نادوا يا مالك ليقض علينا ربك \par
018    03    قال انكم ما كثون و الخزنه الملائكه المتولون لامرها، قال عز و جل: و قال الذين فى النار لخزنه جهنم و قال تعالى: عليها ملائكه غلاط شداد. \par روى عن رسول الله صلى الله عليه و آله انه قال و الذى نفسى بيده لقد خلقت ملائكه جهنم قبل ان تخلق جهنم بالف عام فهم كل يوم يزدادون قوه الى قوتهم. \par (معنى رضوان و السدنه و الجنان) \par (و رضوان و سدنه الجنان) رضوان بكسر الراء و ضمها علم منقول من الرضوان بمعنى الرضا و هو خلاف السخط و لما كان رضوان الله تعالى اعظم السعادات و اشرف المرغوبات كما قال تعالى: و رضوان من الله اكبر سمى الله تعالى رئيس خزان الجنان رضوان اذ كان دخول الجنان و مسكنها من مقتضيات رضوانه، و السدنه جمع سادن من السدانه بالكسر و هى خدمه الاماكن المعظمه كالكعبه و المسجد، قال ابن الاثير: سدانه الكعبه هى خدمتها و تولى امرها و فتح بابها و اغلاقه انتهى، و الجنان جمع جنه و اشتقاقها من الستر و التغطئه و منه الجنين لاستتاره فى البطن، و الجان لاستتاره عن العيون و سمى البستان جنه لانه يستر داخله بالاشجار و يغطيه فلا يستحق هذا الاسم الا موضع كثير الاشجار متهدل الاغصان. \par (الجنان المذكوره فى القرآن ثمان) \par و الجنان المذكوره فى القران ثمان: و هى جنه النعيم، و جنه الفردوس، و جنه الخلد و جنه الماوى، و جنه عدن، و دار السلام، و دار القرار، و جنه عرضها السموات و الارض اعدت للمتقين و من وراء الكل: عرش الرحمن ذى الجلال و الاكرام، و سدنتها هم الذين اشار اليهم سبحانه و تعالى بقوله: حتى اذا جاوها و فتحت ابوابها و قال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين. \par
019    03    (و الذين لا يعصون الله ما امرهم و يفعلون ما يومرون) اقتباس من قوله تعالى: نارا و قودها الناس و الحجاره عليها ملائكه غلاظ شداد لا يعصون الله ما امرهم و يفعلون ما يومرون قال المفسرون هم الزبانيه، و ذكره عليه السلام للزبانيه بعد هذا يدل على انهم غيرهم. \par
020    03    (.. سلام عليكم بشاره بدوام السلامه لاهل الجنه من جميع الافات) \par (و الذين يقولون سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار) اقتباس آخر من قوله تعالى: و الملائكه يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار اى قائلين ذلك فقوله سلام عليكم بشاره بدوام السلامه لاهل الجنه من جميع الافات، و الباء من قوله بما صبرتم متعلق بالسلام و المعنى انما حصلت لكم هذه السلامه بسبب صبركم على الطاعات و عن المعاصى، و نعم بكسر النون و سكون العين فعل جامد للزومه انشاء المدح على سبيل المبالغه و عقبى الدار مرفوع على الفاعليه له، و العقبى مصدر كالعاقبه و مثلها البشرى و القربى، و المراد بالدار الدنيا و عقباها الجنه لانها التى اراد الله ان تكون عاقبه الدنيا و مرجع اهلها. \par
021    03    (سمى بالزبانيه ملائكه العذاب لانهم يدفعون اهل النار اليها) \par (و الزبانيه الذين اذا قيل لهم خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه ابتدروه سراعا و لم ينظروه) الزبانيه: الشرط و هم اعوان الولاه قيل هى جمع لا واحد له، و قيل واحده زبنيه كعفويه و قيل زبانيه بتعويض التاء عن الياء و اشتقاقها من الزبن و هو الدفع يقال زينت الشى ء زبنا اذا دفعته سمى بها ملائكه العذاب لانهم يدفعون اهل النار اليها، و الضمير فى خذوه عائد على المستحق للجحيم و ان لم يجر له ذكر، لدلاله السياق عليه و قوله: فغلوه اى شدوه فى الاغلال، و الجحيم: النار الشديده التاجج، و كل نار بعضها فوق بعض، و كل نار عظيمه فى مكان ها و، وصلاه النار تصليه: ادخله اياها و اثواه فيها، و تقديم الجحيم على التصليه للحصر اى لا تصلوه الا الجحيم، ابتدر الشى ء كبادره: \par
021    03    عاجله، و سراعا اى مسرعين و هو جمع سريع كصغير و صغار، و الانظار: الامهال. \par
023    03    (ما من ذره و لا قطره الا و قد و كل بها ملك او ملائكه) \par (و من اوهمنا ذكره، و لم نعلم مكانه منك، و باى امر و كلته و سكان الهواء و الارض و الماء) و هم الشى ء ايها ما تركه، و اوهم فى الحساب مائه: اسقطها و لم نعلم مكانه اى منزلته و مرتبته منك اى عندك، مثلها فى قوله تعالى: لن تغنى عنهم اموالهم و لا اولادهم من الله شيئا اى عنده، و فيه دلاله على انه لا يعلم اصناف الملائكه غير خالقها كما قال تعالى: و ما يعلم جنود ربك الا هو حتى قيل ما من ذره من ذرات العالم الا و قد و كل به ملك او ملائكه \par روى ابوجعفر الصفار فى كتاب بصائر الدرجات باسناده عن حماد بن عيسى قال سال رجل اباعبدالله عليه السلام فقال: الملائكه اكثر ام بنو آدم؟ فقال و الذى نفسى بيده لملائكه الله فى السموات اكثر من عدد التراب فى الارض، و ما فى السماء موضع قدم الا و فيه ملك يسبح له و يقدسه و لا فى الارض شجر و لا مثل غرزه ابره الا و فيها ملك موكل ياتى الله كل يوم بعلمها و الله اعلم بها، و ما منهم من احد الا و يتقرب الى الله فى كل يوم بولايتنا اهل البيت و يستغفر لمحبينا و يلعن اعدائنا و يسئل الله ان يرسل عليهم العذاب ارسالا، \par روى الصدوق فى الفقيه قال نهى النبى صلى الله عليه و آله عن الغسل تحت السماء الا بمئزر و عن الانهار الا بمئزر و قال ان للماء اهلا و سكانا، \par (و من منهم على الخلق) اى و كل على جميع المخلوقات السماويه و الارضيه، فقد روى ان ما من شى ء من خلق الله الا و ملك موكل عليه، \par قال بعض العلماء: روى انه ما من ذره و لا قطره الا و قد و كل بها ملك او ملائكه، و اذا كان هذا حال اذرات و القطرات فما ظنك بالسموات و الكواكب و الهواء و الغيوم و الرياح و الامطار و الارض و الجبال و القفار و البحار و العيون و الانهار و المعادن و النبات فبالملائكه صلاح العالم و تمام الموجودات و كمال الاشياء بتقدير العزيز العليم. \par
022    03    (ما من ذره و لا قطره الا و قد و كل بها ملك او ملائكه) \par (و من اوهمنا ذكره، و لم نعلم مكانه منك، و باى امر و كلته و سكان الهواء و الارض و الماء) و هم الشى ء ايها ما تركه، و اوهم فى الحساب مائه: اسقطها و لم نعلم مكانه اى منزلته و مرتبته منك اى عندك، مثلها فى قوله تعالى: لن تغنى عنهم اموالهم و لا اولادهم من الله شيئا اى عنده، و فيه دلاله على انه لا يعلم اصناف الملائكه غير خالقها كما قال تعالى: و ما يعلم جنود ربك الا هو حتى قيل ما من ذره من ذرات العالم الا و قد و كل به ملك او ملائكه \par روى ابوجعفر الصفار فى كتاب بصائر الدرجات باسناده عن حماد بن عيسى قال سال رجل اباعبدالله عليه السلام فقال: الملائكه اكثر ام بنو آدم؟ فقال و الذى نفسى بيده لملائكه الله فى السموات اكثر من عدد التراب فى الارض، و ما فى السماء موضع قدم الا و فيه ملك يسبح له و يقدسه و لا فى الارض شجر و لا مثل غرزه ابره الا و فيها ملك موكل ياتى الله كل يوم بعلمها و الله اعلم بها، و ما منهم من احد الا و يتقرب الى الله فى كل يوم بولايتنا اهل البيت و يستغفر لمحبينا و يلعن اعدائنا و يسئل الله ان يرسل عليهم العذاب ارسالا، \par روى الصدوق فى الفقيه قال نهى النبى صلى الله عليه و آله عن الغسل تحت السماء الا بمئزر و عن الانهار الا بمئزر و قال ان للماء اهلا و سكانا، \par (و من منهم على الخلق) اى و كل على جميع المخلوقات السماويه و الارضيه، فقد روى ان ما من شى ء من خلق الله الا و ملك موكل عليه، \par قال بعض العلماء: روى انه ما من ذره و لا قطره الا و قد و كل بها ملك او ملائكه، و اذا كان هذا حال اذرات و القطرات فما ظنك بالسموات و الكواكب و الهواء و الغيوم و الرياح و الامطار و الارض و الجبال و القفار و البحار و العيون و الانهار و المعادن و النبات فبالملائكه صلاح العالم و تمام الموجودات و كمال الاشياء بتقدير العزيز العليم. \par
024    03    (معنى: سائق و شهيد) \par (فصل عليهم يوم ياتى كل نفس معها سائق و شهيد) قال تعالى: و جائت كل نفس معها سائق و شهيد اى معها ملكان احدهما يسوقها الى الحشر و الاخر يشهد بعملها، \par
025    03    (و صل عليهم صلوه تزيدهم كرامه على كرامتهم و طهاره على طهارتهم) الكرامه اسم من الاكرام، و اكرامهم تقريبهم منه تعالى كما قال: بل عباد مكرمون و طهارتهم: تقدسهم عن المعاصى و الخروج عن الطاعات و جواذب الشهوات، و لما كانت مراتب اسحقاق نعم الله تعالى على اصناف خلقه غير متناهيه دعالهم عليهم السلام ان يزيدهم كرامه على كرامتهم و طهاره على طهارتهم. \par
026    03    (الفرق بين الجواد و الكريم، و من هو الكريم المطلق؟) \par (اللهم و اذا صليت على ملائكتك و رسلك و بلغتهم صلوتنا عليهم فصل عليهم «علينا» بما فتحت لنا من حسن القول فيهم انك جواد كريم) اذا ظرف للمستقبل متضمن معنى الشرط و جوابه قوله فصل عليهم، اذ كان ذكر المومنين لاحد بالخير سبب رحمه الله تعالى اياه، و فى نسخه فصل علينا و هو الانسب بقوله بما فتحت لنا و الباء للسببيه اى بسبب ما فتحت اى يسرت على الفهم و الفكر و اللسان و من، بيانيه، و المراد بحسن القول فيهم: وصفهم بالجميل و الدعاء لهم، و الجواد: الكثير الانعام و الاحسان، و الكريم اعم منه و لذلك قال بعض الفضلاء: الكريم هو الذى اذا قدر عفا، و اذا وعد وفا، و اذا اعطى زاد على منتهى الرجاء، و لم يبل بما اعطى، و لا لمن اعطى و ان رفعت الى غيره حاجه لا يرضى، و اذا جفى عاتب و ما استقصى، و لا يضيع من لاذبه و التجا، و يغنيه عن الوسائل و الشفعاء، فمن اجتمعت له هذه الاعتبارات حقيقه من غير تكلف فهو الكريم المطلق و ليس ذلك الا الله تعالى، و الجمله تعليل للدعاء و مزيد استدعاء الاستجابه، و اوردها موكده لكمال تحققه لمضمونها و هو جوده و كرمه تعالى. \par
001    04    الدعاء الرابع: من ادعيه صحيفه سيد العابدين صلوات الله عليه فى الصلوه على اتباع الرسل و مصدقيهم \par \par
001    04    (المراد بالغيب.. و معنى حقائق الايمان) \par (اللهم و اتباع الرسل و مصدقوهم من اهل الارض بالغيب) قوله: و اتباع الرسل مبتداء، خبره: قوله بعد ذلك: فاذكرهم، و قوله: من اهل الارض بيان لجنس المصدقين كقوله تعالى: فاجتنبوا الرجس من الاوثان اى المصدقون الذينهم من جنس اهل الارض اى البشر لبيان ان المقصود بالدعاء له هنا: من صدق من الثقلين، و اما اهل السماء و من هو من جنسهم من الملائكه و ان كانوا مصدقين فقد سبق الدعاء لهم، و قوله عليه السلام بالغيب: المراد به الخفى الذى لا ينفذ فيه ابتداء الا علم اللطيف الخبير، و انما نعلم نحن منه ما اعلمناه و نصب لنا دليلا عليه و ذلك نحو الصانع و صفاته و النبوات و ما يتعلق بها و البعث و النشور و الحساب و الوعد و الوعيد و غير ذلك، و يحتمل ان يكون المراد بالغيب: القلب، لانه مستور و المعنى و مصدقوهم بقلوبهم لا الذين يقولون بافواههم ما ليس فى قلوبهم. \par (عند معارضه المعاندين لهم بالتكذيب، و الاشتياق الى المرسلين بحقائق الايمان) \par عند، هنا ظرف لزمان الحضور نحو عند طلوع الشمس، و عارض الشى ء بالشى ء معارضه: قابله، و عاند فلان عنادا من باب قاتل اذا ركب الخلاف و العصيان، قوله لهم، متعلق بالمعارضه او بالمعاندين، و الضمير عائد الى الرسل، و بالتكذيب متعلق بالمعارضه اى عند مقابلتهم بالتكذيب، و الاشتياق بالشين المعجمه افتعال من الشوق و هو نزاع النفس الى الشى ء، و المعنى: و مصدقوهم بالغيب عند اشتياق المومنين الى المرسلين و ذلك فى حال غيبتهم اذ الاشتياق لا يكون الا مع عدم الحضور، و الحقائق جمع حقيقه و هى ما به الشى ء هو هو باعتبار تحققه، فحقائق الايمان: التصديقات الحقه بجميع ما جاء به المرسلون \par
002    04    (الفرق بين الدهر و الزمان.. و معنى التقوى لغه و شرعا) \par (فى كل دهر و زمان ارسلت فيه رسولا و اقمت لاهله دليلا من لدن آدم الى محمد صلى الله عليه و آله من ائمه الهدى، و قاده اهل التقى على جميعهم السلام) الدهر و الزمان فى اللغه مترادفان و قيل الدهر طائفه من الزمان غير محدوده، و الزمان مرور الليالى و الايام، و جمله ارسلت فى محل جر على انها وصف لكل، و اقمت اى نصبت و هى جمله تابعه للاولى، و الدليل: المرشد، و لما كان المنصوب من الله تعالى مرشدا للخلق الى سلوك سبيل الحق صدق عليه انه دليل، و لدن بفتح اللام و ضم الدال المهمله و سكون النون من الظروف المبنيه و هى لاول غايه زمان او مكان و بنيت لشبهها بالحرف فى لزومها استقلالا واحدا و هو الابتداء و عدم التصرف و الغالب اقترانها بمن و لم تقع فى التنزيل الا كذلك، و آدم ابوالبشر قيل هو اسم اعجمى و قيل عربى، قال الجواليقى: اسماء الانبياء كلها اعجميه الا اربعه: آدم و صالح و شعيب و محمد صلى الله عليه و آله و عليهم، و الائمه جمع امام و هو المقتدى به فى امر الدين، و الهدى فى الاصل مصدر هداه، و معناه الدلاله بلطف على ما يوصل الى البغيه اى ما من شانه ذلك، و قيل الدلاله الموصله اليها بدليل وقوع الضلاله فى مقابلته فى قوله تعالى: اولئك الذين اشتروا الضلاله بالهدى و لا شك فى ان عدم الوصول معتبر فى مفهوم الضلال فيعتبر الوصول فى مفهوم مقابله، و لانه لا يقال مهدى الا لمن اهتدى الى المطلوب، و القاده جمع قائد من قاد الامير الجيش قياده، و التقى مصدر تقاه كهداه بمعنى اتقاه و التاء مبدله من واو و الاسم: التقوى، و يجوز ان يكون التقى جمع تقاه فى تقدير رطبه و رطب فيكون \par
002    04    الجمع باعتبار مراتبه، و هو فى اللغه بمعنى الوقايه و هى فرط الصيانه، و خص فى عرف الشرع بوقايه النفس عما يضرها فى الاخره. \par (للتقوى ثلاث مراتب:) \par و له ثلث مراتب: \par الاولى- التوقى عن العذاب المخلد بالتبرى عن الكفر، و عليه قوله تعالى: و الزمهم كلمه التقوى. \par الثانيه- التجنب عن كل ما يوثم من فعل او ترك حتى الصغائر عند قوم و هو المتعارف بالتقوى فى الشرع و هو المعنى بقوله تعالى: و لو ان اهل القرى آمنوا و اتقوا. \par الثالثه- ان يتنزه عن كل ما يشغل سره عن الحق و يتبتل اليه بكليته و هو التقوى الحقيقى المامور به فى قوله تعالى: يا ايها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته. \par و لهذه المرتبه عرض عريض متفاوت فيه طبقات اصحابها حسب تفاوت درجات استعداداتهم الفائضه عليهم بموجب المشيه الالهيه، و المراد به هنا ما يعم المراتب الثلاث. \par ثم المراد بالدليل الموصوف بكونه من ائمه الهدى و قاده اهل التقى: هو من نصبه الله حجه على خلقه نبيا كان او وصيا اذ لا تخلوا الارض من حجه الله على عباده، كما رواه رئيس المحدثين فى كتاب العلل باسناده عن ابى جعفر عليه السلام قال: و الله ما ترك الله الارض منذ قبض الله آدم و فيها امام يهتدى به الى الله و هو حجه الله على عباده و لا تبقى الارض بغير حجه الله على عباده. \par و روى فى كتاب الخصال باسناده عن النبى صلى الله عليه و آله قال خلق الله عز و جل مائه الف و اربعه و عشرين الف نبى انا اكرمهم على الله و لا فخر و خلق الله مائه الف وصى و اربعه و عشرين الف وصى فعلى اكرمهم على الله و افضلهم. \par
002    04    (معنى الذكر حضور المعنى فى النفس ثم يكون تاره بالقلب) \par (و تاره بالقول) \par (فاذكرهم منك بمغفره و رضوان) خبر قوله و اتباع الرسل، قال الواحدى: اصل الذكر فى اللغه: التنبيه على الشى ء و من ذكرك شيئا فقذ نبهك عليه، و اذا ذكرته فقد نبهت له، قال و معنى الذكر حضور المعنى فى النفس ثم يكون تاره بالقلب و تاره بالقول و ليس شرطه ان يكون بعد نسيان. انتهى، \par و لما كان الذكر بالمعنى المذكور يستلزم تخصيص الشى ء بحضوره فى النفس كان المراد بذكر الله تعالى العباد تخصيصهم بما يتعلق بالثواب من باب اطلاق اللازم على الملزوم فقوله فاذكرهم اى فخصهم نحو هل يستطيع ربك؟ اى هل يفعل اطلق الاستطاعه على الفعل لانها لازمه له، و من فى قوله: منك، لابتداء الغايه مجازا متعلقه بالذكر اى ابتداء منك على نهج التفضل زائدا على ما وعدتهم فى مقابله اعمالهم. \par
003    04    (حكم الصحابه عندنا حكم غيرهم لا يتحتم الحكم بايمانهم) \par (و عدالتهم و نجاتهم بمجرد صحبتهم) \par (اللهم و اصحاب محمد خاصه الذين احسنوا الصحابه) خاصه اى بخصوصهم دون غيرهم فهى حال من الاصحاب و التاء فيها للنقل كعامه و كافه لا للتانيث، و الاصحاب جمع صاحب و هو على اظهر الاقوال من لقى النبى صلى الله عليه و آله مومنا به و مات على الاسلام و لو تخللت رده و الصحابه بفتح الصاد مصدر صحبه بكسر الحاء يصحبه كالصحبه و تاتى جمعا لصاحب، و الجمله فى محل رفع على انها صفه للاصحاب مقيده لهم. \par اذ حكم الصحابه عندنا حكم غيرهم لا يتحتم الحكم بايمانهم و عدالتهم و نجاتهم بمجرد صحبتهم بل لابد مع ذلك من تحقق ايمانهم و عدالتهم و حسن صحبتهم لرسول الله صلى الله عليه و آله بحفظهم وصيته فى اهل بيته و تمسكهم بالثقلين بعده، و اما من انقلب على عقبيه و اظهر العداوه لاهل البيت عليهم السلام فهو هالك لا محاله بل تجب عداوته لله تعالى و البرائه الى الله منه، خلافا للعامه و الحشويه القائلين بوجوب الكف و الامساك عن جميع الصحابه \par
003    04    و عما شجر بينهم و اعتقاد الايمان و العداله فيهم جميعا و حسن الظن بهم كلهم، \par قال بعض العلماء من الشيعه لو كان الامساك عن عداوه من عادى الله من اصحاب محمد صلى الله عليه و آله من حفظ رسول الله فى اصحابه و رعايه عهده لم نعادهم و لو ضربت رقابنا بالسيوف ولكن محبه رسول الله صلى الله عليه و آله ليست كمحبه الجهال الذين يضع احدهم محبته لصاحبه مع العصبيه و انما اوجب رسول الله صلى الله عليه و آله محبه اصحابه لطاعتهم لله تعالى فاذا عصوا الله و تركوا ما اوجب محبتهم فليس عند رسول الله صلى الله عليه و آله محاباه فى ترك لزوم ما كان عليه من محبتهم و لا تغطرس فى العدول عن التمسك بموالاتهم فلقد كان يجب ان يعادى اعداء الله و لو كانوا عترته كما يجب ان يوالى اولياء الله و ان كانوا ابعد الخلق نسبا منه. \par و الشاهد على ذلك اجماع الامه على ان الله تعالى قد اوجب عداوه من ارتد بعد الاسلام و عداوه من نافق و ان كان من اصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله، \par و اما ما ورد من قوله تعالى: لقد رضى الله عن المومنين و قوله سبحانه: محمد رسول الله صلى الله عليه و آله و الذين معه فمشروط بسلامه العاقبه، و كيف يجوز ان يحكم حكما جزما ان كل واحد من الصحابه عدل و من جمله الصحابه الحكم بن ابى العاص و كفاك به عدوا مبغضا لرسول الله صلى الله عليه و آله. و من الصحابه الوليد بن عقبه الفاسق بنص الكتاب، و منهم حبيب بن سلمه الذى فعل ما فعل بالمسلمين فى دوله معاويه، و بسر بن ارطاه عدو الله و عدو رسوله، و فى الصحابه كثير من المنافقين لا يعرفهم الناس و من ذا الذى يتجرى ء على القول بان اصحاب محمد صلى الله عليه و آله لا يجوز البرائه من احد منهم و ان اساء و عصى بعد قول الله تعالى للذين شرفوا برويته: لئن اشركت ليحبطن عملك و لتكونن من الخاسرين، و بعد قوله سبحانه: قل انى اخاف ان عصيت ربى عذاب يوم عظيم و بعد قوله عز و جل: فاحكم بين الناس بالحق و لا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله ان الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد الا من لا فهم له و لا نظر معه و لا تمييز عنده، \par
003    04    نعم من يثبت ايمانه منهم و عدالته و استقامته على عهد رسول الله صلى الله عليه و آله و جبت موالاته و التقرب الى الله تعالى بمحبته و الدعاء له كما وقع من سيد العابدين عليه السلام فى هذا الدعاء. \par (اول من اجاب دعوته و صدق رسالته و اسلم: اميرالمومنين عليه السلام) \par (و الذين ابلوا البلاء الحسن فى نصره، و كافوه، و اسرعوا الى وفادته و سابقوا الى دعوته) ابلا فى الحرب بلاء حسنا اذا اظهر باسه حتى بلاه الناس اى خبروه، قاله الزمخشرى فى اساس اللغه، و كانفه اى عاونه، و الوفاده بالكسر اسم من وفد فلان على الامير اى ورد رسوله فهو وافد، و اوفدته انا اى ارسلته، اى اسرعوا الى تصديق رسالته و الايمان بوروده عليهم رسولا، و الدعوه بالفتح اسم من دعوته اذا طلبت اقباله اى سابقوا الى اجابه دعوته. \par و اجماع الشيعه و المعتزله على ان اول من اجاب دعوته و صدق رسالته و اسلم: اميرالمومنين عليه السلام قال بعض العامه و الروايات الصحيحه و الاسانيد القويه الوثيقه كلها ناطقه بان عليا عليه السلام اول من اسلم. \par (و استجابوا له حيث اسمعهم حجه رسالاته، استجاب له اذا دعاه الى الشى ء فاطاع كاجابه و حيث هنا ظرف زمان اى حين اسمعهم، الحجه بالضم. الدليل و البرهان و المراد بها هنا القرآن المجيد، و انما كان حجه لاعجازه، \par
004    04    (الزوج كما يقال للرجل يقال للمراه ايضا) \par و فارقوا الازواج و الاولاد فى اظهار كلمته) \par و الازواج جمع زوج و هو كما يقال للرجل يقال للمرئه ايضا و هى اللغه الفصيحه المشهوره التى جاء بها التنزيل قال تعالى: اسكن انت و زوجك الجنه و قد يقال للمرئه زوجه بالهاء و فى للتعليل اى لاجل اظهار كلمته اى جعلها ظاهره اى غالبه من ظهر على عدوه اذا غلبه. \par (تجاره لا كساد فيها و لا بوار) \par (و قاتلوا لاباء و الابناء فى تثبيت نبوته و انتصروا به \par قوله عليه السلام: و انتصروا به، من باب التكميل المسمى بالاحتراس فى علم البيان و هو ان يوتى فى كلام يوهم خلاف المقصود بما يدفع ذلك الوهم فانه لو اقتصر على ما قبل هذه الجمله لاوهم ان انتصارهم حسن بلائهم و جدهم فى القتال فدفع ذلك بقوله: و انتصروا به ايذانا بان انتصارهم انما كان ببركته صلى الله عليه و آله و انه بسبب ايمانهم به و كونهم جندا له، \par
005    04    و من كانوا منطوين على محبته يرجون تجاره لن تبور فى مودته \par و من، موصول اسمى يشترك فيه الواحد و غيره تقول جائنى من قام و من قاما و من قاموا، و فلان منطو على كذا مضمر له، و الرجاء ارتياح النفس لانتظار ما هو محبوب لها و توقعها حصوله بسبب حاصل، و استعاره لفظ التجاره للثواب، و الجمله فى محل نصب على الحال و لن تبور ترشيح اى لن تكسد و لن تهلك بالخسران اصلا صفه للتجاره جى ء بها للدلاله على انها ليست كسائر التجارات الدائره بين الربح و الخسران بل تجاره لا كساد فيها و لا بوار، و الموده اسم من وده يوده من باب تعب ودا بفتح الواو و ضمها بمعنى احبه، و قيل الود اشد من الحب. \par
006    04    (تستعار العروه لما يوثق به و يعول عليه و هى هنا استعاره..) \par (و الذين هجرتهم العشائر اذا تعلقوا بعروته، و انتفت منهم القرابات اذ سكنوا فى ظل قرابته) هجر صاحبه هجرا من باب قتل و الشى ء تركه، و الاسم الهجران بالكسر، و العشائر جمع عشيره و هى القبيله، و تعلق بالشى ء: استمسك به و عروه الدلو و الكوز و نحوه: مقبضه الذى يتعلق به، و تستعار العروه لما يوثق به و يعول عليه و هى هنا استعاره للاعتقاد الحق الذى هو دين الاسلام، و انتفى من ولده: دفع نسبه اليه و لم يثبته، و اصله من نفى الحصى نفيا من باب رمى اذا رفعه عن وجه الارض فانتفى ثم قيل لكل شى ء تدفعه و لا تثبته: نفيته فانتفى و نفيت النسب اذا لم نثبته و الرجل منفى النسب، و قد يقول لابنه لست بولدى و لا يريد به نفى النسب بل مراده نفى خلق الولد و طبعه الذى تخلق به ابوه فكانه قال لست على خلقى و طبعى و هذا نقيض قولهم فلان ابن ابيه، و المعنى هو على خلقه و طبعه و القرابات جمع قرابه و هى كما تطلق على القرب فى النسب تطلق على القريب و على الاقارب، \par قال الزمخشرى فى الاساس: بينهم قربه و قربى و قرابه و هو قريبى و قرابتى و هم \par
006    04    اقربائى و اقاربى و قرابتى انتهى، فيكون المراد بالقرابات هنا الاقارب، و اذ فى الفقرتين للتعليل اى هجرتهم العشائر لاجل تعلقهم بعروته و انتفت منهم القرابات لاجل سكونهم فى ظل قرابته، مثلها فى قوله تعالى: و لن ينفعكم اليوم اذ ظلمتم انكم فى العذاب مشتركون اى و لن ينفعكم اليوم اشتراككم فى العذاب لاجل ظلمكم فى الدنيا، قوله عليه السلام: فى ظل قرابته اى فى كنفها و حمايتها، و القرابه هنا بمعنى القرب. \par
007    04    (النسيان يشترك بين معنيين: احدهما: الترك على تعمد و الثانى..) \par (فلا تنس لهم اللهم ما تركوا لك و فيك، و ارضهم من رضوانك، و بما حاشوا الخلق عليك و كانوا مع رسولك دعاه لك اليك) نسى الشى ء كرضى ينساه نسيانا اشترك بين معنيين: احدهما: الترك على تعمد، و هو المراد هنا اى لا تترك ما تركوا لك و فيك اهمالا من غير جزاء و ثواب، و عليه قوله تعالى: و لا تنسوا الفضل بينكم اى لا تقصدوا الترك و الاهمال و الثانى: ترك الشى ء عن ذهول و غفله و ذلك خلاف الذكر له و ان حملته على هذا المعنى هنا كان المراد: لا تعاملهم معامله الناسين لهم فيما تركوا لك، لاستحاله النسيان بهذا المعنى عليه تعالى، \par و الغرض: الدعاء لهم باثابتهم و مجازاتهم على ما تركوا لله و فى سبيله من الازواج و الاولاد و الاموال و الاوطان و نحو ذلك مما يعز تركه و فراقه، ثم ترقى عليه السلام عن ذلك الى سوال الرضا عنهم حتى يرضوا فقال: و ارضهم من رضوانك، قوله عليه السلام و بما حاشوا الخلق عليك، الواو عاطفه و المعطوف عليه مقدر يتضمنه الكلام السابق و التقدير و ارضهم من رضوانك بسبب ما ذكر من جميل اعمالهم و بما حاشوا الخلق عليك، و ما مصدريه اى بحوشهم، يقال: حشت عليه الصيد: جمعته عليه و المعنى بسبب جمعهم الناس على دينك و ترغيبهم لهم فى طاعتك، و اللام من قوله لك للاختصاص متعلقه بمحذوف صفه للدعاه اى كائنين لك فهو ظرف مستقر و اليك ظرف لغو متعلق بالدعاه الى طاعتك و الدخول فى دينك. \par
008    04    (ما اصاب المهاجرين من تعذيب المشركين قبل الهجره) \par (و اشكرهم على هجرهم فيك ديار قومهم، و خروجهم من سعه المعاش الى ضيقه) اى جازهم بجزيل الاجر على تركهم لاجلك ديار قومهم، و لما كان سبحانه مجازيا للمطيع بجزيل الثواب جعل مجازاته شكرا لهم على سبيل المجاز و الا فالشكر هو الاعتراف بالاحسان و الله سبحانه هو المحسن الى عباده و المنعم عليهم، و المراد بهذا الكلام الدعاء للمهاجرين من الصحابه، و السعه خلاف الضيق و هى مصدر وسع يسع و الهاء فيها عوض عن الواو و تطلق على الجده و الطاقه قال الله تعالى: لينفق ذو سعه من سعته اى على قدر غناه وسعته. \par (و من كثرت فى اعزاز دينك من مظلومهم) عطف على الذين هجرتهم العشائر، و قيل على ضمير الجمع فى قوله و اشكرهم، و فى للتعليل اى لاجل اعزاز دينك، و المراد بظلمهم: ما اصابهم من تعذيب المشركين لهم قبل الهجره حتى قالوا ربنا اخرجنا من هذه القريه الظالم اهلها و اخراجهم اياهم من ديارهم و اموالهم كما قال تعالى: الذين اخرجوا من ديارهم و اموالهم يبتغون فضلا من الله و رضوانا و ذلك حين اضطرتهم كفار مكه و احوجوهم الى الخروج، و ما اصيبوا به فى الانفس من القتل و الاسر و الجراح، و فى الاموال من النهب و الغصب، و ما كانوا يقاسونه من سماع الاذى من اهل الكتاب و المشركين من الطعن فى الدين الحنيف، و القدح فى احكام الشرع الشريف، و صد من اراد ان يومن و تخطئه من آمن و نحو ذلك كما قال تعالى: لنبلون فى اموالكم و انفسكم و لتسمعن من الذين اوتوا الكتاب من قبلكم، و من الذين اشركوا اذى كثيرا و ان تصبروا و تتقوا فان ذلك من عزم الامور. \par
009    04    (مدح التابعين بمحبتهم لمن تقدمهم من المومنين و مراعاتهم..) \par (اللهم و اوصل الى التابعين لهم باحسان الذين يقولون: ربنا اغفرلنا و لاخواننا \par
009    04    الذين سبقونا بالايمان خير جزائك) التابعون هم اللاحقون بالسابقين من المهاجرين و الانصار، و فيه تلميح الى قوله تعالى: و السابقون الاولون من المهاجرين و الانصار الذين اتبعوهم باحسان رضى الله عنهم و رضوا عنه و الباء فى قوله باحسان للملابسه اى ملتبسين به و المراد به كل خصله حسنه فيدخل فى التابعين ما عدا السابقين من الفريقين صحابيا كان او تابعيا، او التابعين لهم بالايمان و الطاعه الى يوم القيمه فالمراد بهم المومنون بعد الصحابه الى آخر الدهر، \par قوله: الذين يقولون الى آخره، نعت للتابعين و هو اقتباس من قوله تعالى: و الذين جاووا من بعدهم يقولون ربنا اغفرلنا و لاخواننا الذين سبقونا بالايمان و لا تجعل فى قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا انك روف رحيم و الجمله مسوقه لمدحهم بمحبتهم لمن تقدمهم من المومنين و مراعاتهم لحقوق الاخوه فى الدين الذى هو اعز و اشرف عندهم من النسب، و الاعتراف لهم بفضل السبق بالايمان الذى احرزوه دونهم، و خير للتفضيل اصلها اخير حذفت الهمزه منها كما حذفت من شر و هى لغه جميع العرب فيهما ما عدا بنى عامر فانهم يقولون هذا اخير من ذلك و اشر منه باثباتها و اختلف فى سبب حذفها عند غيرهم فقيل لكثره الاستعمال و هو المشهور، و قال الاخفش لانهما لما لم يشتقا من فعل خولف لفظهما فعلى هذا فيهما شذوذان: حذف الهمزه و كونهما لا فعل لهما، و الجزاء: المكافات على الشى ء. يقال جزاه به و عليه جزاء و جازاه مجازاه و قد يطلق على المجازى به و منه: فان جهنم جزاوكم جزاءا موفورا. \par
010    04    (الذين قصدوا سمتهم، و تحروا وجهتهم، و مضوا على شاكلتهم، قصدت الشى ء و له و اليه قصدا من باب ضرب طلبته بعينه، و قصدت قصده اى نحوت نحوه، و السمت: الطريق و القصد و حسن النحو و السكينه و الوقار و هو حسن السمت اى الهيئه، و تحرى الشى ء توخاه و تعمده و قصده و اصل التحرى طلب ما هو الاحرى اى الاليق، و الوجهه بكسر الواو و تضم هى اسم ظرف بمعنى المكان المتوجه اليه، و الشاكله: النيه و الطريقه و المذهب و ما يشاكل الانسان و منه قوله تعالى: قل كل يعمل على شاكلته اى طريقته التى تشاكل حاله بالهدى و الضلاله، و قيل جوهر روحه و احواله التابعه لمزاج بدنه، \par
011    04    (البصيره للنفس كالبصر للجسد) \par لم يثنهم ريب فى بصيرتهم، و لم يختلجهم شك فى قفو آثارهم، و الايتمام بهدايه منارهم، \par و ثناه ثنيه من باب رمى اذا عطفه ورده و عن مراده صرفه عنه و الريب: قلق النفس و اضطرابها ثم استعمل فى معنى الشك مطلقا او مع تهمه لانه يقلق النفس و يزيل الطمانينه، و البصيره: العقيده و العلم و الخبره و الفطنه و هى للنفس كالبصر للجسد، و الاختلاج افتعال من الخلج و هو الجذب و النزع، و الشك خلاف اليقين و اصله اضطراب القلب و النفس ثم استعمل فى التردد بين الشيئين سواء استوى طرفاه او ترجح احدهما على الاخر قال تعالى: و ان كنت فى شك مما انزلنا اليك اى غير مستيقن، و قفوت اثره قفوا من باب قال تبعته، و الاثار جمع اثر بفتحتين و هو ما بقى من رسم الشى ء، و الايتمام: الاقتداء، و الهدايه مصدر هداه الطريق اى دله عليه، و المنار بفتح الميم: علم الطريق، \par
012    04    مكانفين و موازرين لهم، يدينون بدينهم و يهتدون بهديهم) \par و كانفه: عاونه، و الموازره: التقويه و المساعده، و يدينون بدينهم اى يتبعونهم و يوافقونهم على دينهم، و الهدى بفتح الهاء و سكون الدال على وزن فلس مصدر بمعنى الهدى بضم الهاء و فتح الدال و بمعنى الطريقه و السيره و الهيئه، فقوله عليه السلام: يهتدون بهديم يجوز ان يكون بمعنى الهدايه اى يهتدون بهدايتهم و ارشادهم، و ان يكون بمعنى الطريقه اى يهتدون بطريقتهم و سيرتهم و الهدى بهذا المعنى اشهر منه بمعنى الهدايه. \par (يتفقون عليهم و لا يتهمونهم فيما ادوا اليهم) اى يجتمعون عليهم و لا يختلفون فى امرهم بان يقول بعضهم فيهم قولا و يقول آخرون خلافه بل كلمتهم مجتمعه عليهم، و اتهمه فى كذا: شك فى صدقه، و ادى اليه الشى ء: اوصله و منه اداء الامانه اى لا يشكون \par
012    04    فى صدقهم و صحه ما اوصلوه اليهم من الاثار و الاحوال و الاحكام التى سمعوها و شاهدوها من النبى صلى الله عليه و آله. \par
013    04    (معنى اليوم و الدين) \par (اللهم و صل على التابعين من يومنا هذا الى يوم الدين) من يومنا هذا اى من وقتنا، و اليوم و ان كان فى اللغه عباره عن الزمن الذى يقع ما بين طلوع الشمس الى غروبها الا ان العرب قد تطلقه و تريد به مطلق الوقت و الحين نهارا كان او ليلا فيقولون ذخرتك لهذا اليوم اى لهذا الوقت الذى افتقرت فيه اليك، و منه تلك ايام الهرج اى وقته و لا يكادون يفرقون بين قولهم يومئذ و حينئذ، و ساعتئذ، و اليوم المضاف الى الدين المراد به مطلق الوقت ايضا، و الدين هنا بمعى الجزاء خيرا كان او شرا. \par (و على ازواجهم و على ذرياتهم و على من اطاعك منهم) قوله عليه السلام و على من اطاعك منهم من عطف الخاص على العام اظهارا لشرف الطاعه، و ابانه لخطرها و اهتماما بشان اهلها بتخصيصهم بالذكر بعد العموم و الدعاء لهم ضمنا و استقلالا. \par
014    04    (البر ثلاثه) \par (صلوه تعصمهم بها من معصيتك، و تفسح لهم فى رياض جنتك، و تمنعهم بها من كيد الشيطان، و تعينهم بها على ما استعانوك عليه من بر، و تقيهم من طوارق الليل و النهار الا طارقا يطرق بخير) عصمه الله من المكروه و نحوه يعصمه من باب ضرب: حفظه و وقاه و الاسم العصمه، و فسح له فى المكان من باب نفع وسع و الاسم الفسحه بالضم بمعنى السعه، و الرياض جمع روضه و الاصل رواض قلبت الواو ياء لكسره ما قبلها و هى الموضع المعجب بالزهور، و قيل كل ارض ذات نبات و ماء و رونق و نضاره قيل سميت بذلك لاستراضه المياه السائله فيها اى لسكونها بها قال تعالى: فاما الذين آمنوا و عملوا الصالحات فهم فى روضه يحبرون اى يسرون او ينعمون، و المنع: تحجير الشى ء و فلان يمنع الجار يحميه من ان يضام، و كاده كيدا من باب باع خدعه و مكر به، و البر بالكسر التوسع فى الخير من البر بالفتح الذى هو الفضاء الواسع يتناول جميع اصناف الخير و لذلك قيل البر ثلاثه: بر \par
014    04    فى عباده الله تعالى، و بر فى مراعات الاقارب، و بر فى مسالمه الاجانب، و انما قدم طلب المنع من كيد الشيطان على طلب الاعانه على البر جريا على القاعده المشهوره من تقديم التخليه على التحليه، و الطوارق جمع طارقه و هى فى الاصل اسم فاعل من طرق طرقا و طروقا اذا جاء ليلا، و اصل الطرق: الدق و منه سميت المطرقه و انما سميت قاصد الليل طارقا لاحتياجه الى طرق الباب غالبا ثم اتسع فى كل ما ظهر بالليل كائنا ما كان ثم اتسع فى التوسع حتى اطلق على الصور الخياليه، فقالوا طرق الخيال و المراد هاهنا مطلق الحوادث ليلا كانت او نهارا لاضافتها اليهما و الاضافه بمعنى فى نحو مكر الليل، و تربص اربعه اشهر، و قوله عليه السلام: الا طارقا اى حادثا و الباء فى بخير للملابسه اى متلبسا بخير. \par
015    04    (زعم انه يرجو الله كذب و العظيم، ما له لا يتبين رجائه فى عمله؟) \par (و تبعثهم بها على اعتقاد حسن الرجاء لك، و الطمع فيما عندك، و ترك التهمه فيما تحويه ايدى العباد) بعثه على الشى ء: حمله على فعله، و اعتقدت كذا: عقدت عليه القلب و الضمير، و الرجاء بالمد الامل، \par اعلم ان الرجاء لثواب الله و رحمته و الفوز بالسعادات الاخرويه مقام شريف مستلزم لمقامات عاليه، لانه يستلزم الصبر على المكاره و فعل الطاعات و ترك المنهيات لعلمه بان الجنه حفت بالمكاره، و النار حفت بالشهوات، و مقام الصبر يودى الى مقام المجاهده و التجرد لذكر الله تعالى و دوام الفكر فيه، و مقام المجاهده يودى الى مقام الكمال فى المعرفه المودى الى مقام الانس المودى الى مقام المحبه المستلزم لمقام الرضا و التوكل اذ من ضروره المحبه الرضا بفعل المحبوب و تفويض نفسه و امره اليه و الوثوق بعنايته، و لذلك قيل: الرجاء لا ينفك عن الاعمال الصالحه، \par و قيل الرجاء ماده الاستهتار بلزوم الطاعه، و يدل عليه ما روى عن الصادق عليه السلام: قيل له ان قوما من مواليك يلمون بالمعاصى و يقولون نرجوا فقال كذبو ليسوا لنا بموال اولئك قوم ترجحت بهم الامانى من رجا شيئا عمل له و من خاف من شى ء هرب منه. \par
015    04    و فى خطبه لاميرالمومنين عليه السلام: زعم انه يرجو الله كذب و العظيم ما له لا يتبين رجاوه فى عمله؟ و كل من رجا عرف رجاوه فى عمله، \par و من ثم قالوا الرجاء من الفضائل اذا قارنه خوف لان كل واحد منهما من دون الاخر من الملكات الرديه المهلكه كما يرشد اليه قوله تعالى: يدعون ربهم خوفا و طمعا و قول الباقر عليه السلام: انه ليس من عبد مومن الا و فى قلبه نوران: نور خيفه و نور رجاء لو وزن هذا لم يزد على هذا و لو وزن هذا لم يزد على هذا، و قول بعض العارفين: من حمل نفسه على الخوف قنط، و لكنه ينبغى ان يخاف العبد راجيا و يرجو خائفا، و تقييده عليه السلام الرجاء بالحسن فى قوله حسن الرجاء اشاره الى ذلك. \par (المراد بما عنده سبحانه: خزائن رحمته الدنيويه و الاخرويه) \par و قوله عليه السلام: لك اى لثوابك او لرحمتك كقوله تعالى: لمن كان يرجو الله اى رحمته بدليل قوله سبحانه و يرجون رحمته. قوله عليه السلام: و الطمع فيما عندك طمع فيه و به من باب فرح حرص عليه و رجاه، و اكثر ما يستعمل فيما يقرب حصوله، و المراد بما عنده سبحانه: خزائن رحمته الدنيويه و الاخرويه كما قال تعالى: ان ما عند الله هو خير لكم ان كنتم تعلمون، ما عندكم ينفد و ما عند الله باق اما الاخرويه فبقائها ظاهر، و اما الدنيويه فحيث كانت موصوله بالاخرويه و مستتبعه لها فقد انتظمت فى سمط الباقيات الصالحات، و بهذا يظهر ان هذه الفقره ليست تكرارا للاولى لاختصاص الاولى بالرحمه الاخرويه و عموم هذه للدنيويه و الاخرويه معا فهى من قبيل عطف العام على الخاص، قوله عليه السلام: و ترك التهمه فيما تحويه ايدى العباد، التهمه اسم من اتهمته بكذا اذا ظننت به، و حويه يحويه: ضمه و استولى عليه، و حواه ايضا ملكه و جمعه كاحتواه و احتوى عليه، و المراد بترك التهمه لله فى قضائه بسبب ما تحويه ايدى الناس من متاع الدنيا بان يتهموه بعدم العدل فى القسمه اذا نظروا الى خلو ايديهم عما جمعه و ملكه غيرهم، او ترك التهمه للعباد فيما جمعوه و ملكوه بان يسوء الظن فيهم اذا منعوهم ما فى ايديهم. \par
015    04    كما رواه فى الكافى عن ابى عبدالله عليه السلام قال من صحه يقين المرء المسلم ان لا يرضى الناس بسخط الله و لا يلومهم على ما لم يوته الله. \par قال بعض العلماء: و النهى عن لومهم لوجوه: \par الاول- ان لومهم ظلم لهم لانهم لم يمنعوه بل الله لم يوته ما سئل منهم. \par الثانى- ان لومهم ينتهى الى الله لانه انما يلام المانع من الاعطاء و لا معطى و لا مانع الا الله فيرجع اللوم اليه، \par الثالث- ان لومه للمانع من الخلق شرك لانه اعتقد انه مانع له فلامه و اشرك فى المنع مع الله غيره. \par
016    04    (فرق بعض العارفين بين الخوف و الرهبه) \par (لتردهم الى الرغبه اليك و الرهبه منك) الرغبه اليك اى الضراعه و المسئله لك يقال رغب الى الله رغبه اذا دعاه و سئله و اذا عديت بفى فهى بعنى الاراده يقال رغب فيه اى اراده، او بعن فهى بمعنى الكراهه يقال رغب عنه اذا كرهه و لم يرده، و الرهبه الخوف قال المحقق الطوسى فى اوصاف الاشراف هو تالم النفس من العقاب بسبب ارتكاب المنهيات و التقصير فى الطاعات كما فى اكثر الخلق و قد يحصل بمعرفه عظمه الحق و مشاهده هيبته كما فى الانبياء و الاولياء. \par و فرق بعض العارفين بين الخوف و الرهبه فقال: الخوف هو توقع الوعيد و هو سوط الله يقوم به الشاردين عن بابه، و يسير بهم على صراطه حتى يستقيم به امر من كان مغلوبا على رشده، و من علامته قصر الامل و طول البكاء، و الرهبه هى انصباب الى وجهه الهرب بل هى الهرب رهب و هرب مثل جبذ و جذب فصاحبها يهرب ابدا لتوقع العقوبه. \par (معنى الاستعداد لما بعد الموت) \par (و تزهدهم فى سعه العاجل، و تحبب اليهم العمل للاجل، و الاستعداد لما بعد الموت) زهد فى الشى ء و زهد عنه ايضا زهدا و زهاده: تركه و اعرض عنه فهو زاهد، و العاجل اسم فاعل من عجل عجلا من باب تعب اذا اسرع و حضر، و منه العاجله للساعه الحاضره \par
016    04    و هو صفه لموصوف محذوف اى سعه المعاش العاجل كما ورد فى دعاء آخر: و لا تشغل قلبى بدنياى و عاجل معاشى عن آجل ثواب آخرتى، و تحبب اليهم العمل اى تجعله محبوبا لهم، و الاجل من اجل الشى ء اجلا من باب تعب بمعنى تاخر، و منه اجل الشى ء لمدته و وقته الذى يحل فيه و اللام للتعليل متعلقه بالعمل و الموصوف محذوف اى للثواب الاجل، و الاستعداد للامر: التهيو له و المراد به هنا ترك المعاصى و فعل الطاعات ليصيروا بذلك بعد الموت ناجين من العذاب، فائزين بجزيل الثواب، و فيه اشعار بتجرد النفس الانسانيه و بقائها بعد الموت كما وردت به نصوص كثيره عنهم عليهم السلام. \par
017    04    (الاشاره الى غمرات الموت و سكراته) \par (و تهون عليهم كل كرب يحل بهم يوم خروج الانفس من ابدانها) تهون اى تسهل من هان يهون هونا بالفتح اذا لان و سهل فهو هين و يعدى بالتضعيف فيقال هونته، و الكرب: الحزن، و حل العذاب يحل حلولا من باب ضرب و قعد اى نزل، و يوم خروج الانفس اى وقت خروجها و اراد بكل كرب يحل بهم، غمرات الموت و سكراته التى هى افظع من ان يحيط بها وصف او يقوم ببيانها شرح، كما قال اميرالمومنين فى خطبه له: و ان للموت لغمرات هى افظع من ان تستغرق بصفه او تعتدل على عقول اهل الدنيا اى لا تستقيم على العقول فلا تصدق بها لهولها و عظمها، \par و روى ان النبى صلى الله عليه و آله يقول فى سكرات الموت: اللهم اعنى على سكرات الموت قال بعض المحققين و امر يستعين عليه رسول الله صلى الله عليه و آله مع كمال اتصاله بالعالم الاعلى فلا شك فى شدته و الله المستعان. \par (البحث فى ان النفس هل هى مجرده ام لا؟) \par تنبيه: ظاهر قوله عليه السلام يوم خروج الانفس من ابدانها ان النفس داخله فى البدن فهى عند الموت تخرج منه و هو بظاهره يويد قول المنكرين لتجرد النفس كالنظام القائل بانها اجسام لطيفه ساريه فى البدن سريان ماء الورد فى الورد، و جمهور المعتزله القائلين بانها جسم لطيف بخارى يتكون من الطف اجزاء الاغذيه ينفذ فى العروق الضوارب و الحيوه عرض قائم بالنفس و حال فيها، قالوا: و كيفيه قبض ملك الموت للنفس انه يلج فى فم \par
017    04    الانسان الى قلبه لانه جسم لطيف هوائى لا يتعذر عليه النفوذ فى المخارق الضيقه فيخالط النفس التى هى كالشبيهه به لانها جسم لطيف بخارى ثم يخرج من حيث دخل و النفس معه، و انما يكون ذلك فى الوقت الذى ياذن الله تعالى له فيه و هو حضور الاجل و هولاء نافون للنفس الناطقه، \par لكن اعاظم الحكماء الا لهيين و اكابر العارفين كلهم قائلون باثبات النفس الناطقه و تجردها عن عالم الاجسام و وافقهم من متكلمى الاسلام قدماء اصحابنا الاماميه رحمهم الله كابن بابويه و الشيخ المفيد و المرتضى علم الهدى و بنى نوبخت حسب ما استفادوه من ائمتهم المعصومين عليهم السلام، و من الاشاعره الغزالى و الفخر الرازى فذهبوا الى ان النفس الناطقه موجود ليس بجسم و لا جسمانى اى حال فى الجسم و هى التى يشير اليها كل واحد منا بقوله انا، و انها ليست بداخله فى البدن و لا خارجه عنها بالمباينه و لا متصله و لا منفصله عنه لان مصحح الاتصاف بهذه الامور الجسميه و التحيز و قد انتفيا عنها، و ليست ايضا فى جهه من الجهات بل منزهه عن الاختصاص بالجهات و الاتصال بالاجسام و الحلول فيها و لا هى عرض مطلقا لان العرض لا يتصف بصفه لانه نفس الصفه فلا يقبل صفه اخرى سيما الصفه المقابله كالعلم و الجهل و الشجاعه و الجبن، و تعلقها بالبدن انما هو كتعلق العاشق بالمعشوق عشقا جبليا الهاميا لا يمكن العاشق بسببه مفارقه معشوقه ما دامت مصاحبته ممكنه و لذلك يكره مفارقته و لا يمله مع طول مصاحبته اياه و كتعلق الصانع بالالات التى يحتاج اليها فى افعاله فكان من الواجب ان يكون لها بحسب كل فعل آله مناسبه لذلك الفعل فلذلك خلق فى البدن قوى مختلفه كل واحد منها آله لفعل مخصوص كقوه البصر للابصار، و السمع للسماع فتبارك الله احسن الخالفين، \par و حقيقه الموت عند هولاء هو انقطاع تعلق النفس بالبدن و تصرفها فيه لخروجه من حد الانتفاع به و كيفيه قبض ملك الموت لها: انه يتولى افاضه العدم على قوى هذا البدن حال انقطاع تعلق النفس به و عليهذا فيكون خروج الانفس عن ابدانها كنايه عن مفارقتها لها و انقطاع تعلقها بها، و لما كانت النفس منغمره فى عوارض البدن و علايقه الماديه و ملاحظتها اياه دائما لا تنفك عن الالتفات اليه ما دامت متعلقه به لسعيها فى مصالح هذا المصالح هذا \par
017    04    المزاج و اصلاحه و اعدادها اياه لتمام التصريف و الاستعمال كانت كانها حاله فيه حلول الساكن فى الدار القائم بمصالحها فعبر عن القائها اياه و طرحها له و تخليها عنه بالخروج عنه، و فيه دلاله على ان النفس الانسانيه شى ء غير هذا الهيكل المحسوس لان الخارج يجب ان يكون مغايرا للمخروج منه. \par
018    04    (معنى الفتنه و المراد بها هنا) \par (و تعافيهم مما تقع به الفتنه من محذوراتها، و كبه النار و طول الخلود فيها) عافاه الله من المكروه معافاه و عافيه: وهب له العافيه و هى دفاع الله تعالى عن العبد، و وقع الشى ء: حصل و وجد، و المكروه نزل، \par و من بيان لما، و المعنى مما توقعه الفتنه من محذوراتها اى تحدثه و تنزله، و الفتنه بالكسر اسم من فتنه يفتنه من باب ضرب اذا امتحنه و اختبره، و قد كثر استعمالها فيما اخرجه الاختبار للمكروه، ثم كثر حتى استعمل بمعنى الضلال و الاثم و الكفر و الفضيحه و العذاب و القتال و الاحراق و الازاله و الصرف عن الشى ء، و المراد بها هنا: المحنه، و المحذورات: المخوفات، من حذر الشى ء من باب تعب اذا خافه فالشى ء محذور اى مخوف، كبه الشى ء شدته و صدمته يقال: جائت كبه الشتاء اى شدته، و طال الشى ء طولا بالضم: امتد، و منه طال الجلوس اذا امتد زمانه، و خلد بالمكان خلودا من باب قعد اقام فيه، و خلد فى النعم خلودا ايضا بقى فيه ابدا، و هذا من قبيل نفى الشى ء بنفى لازمه لان الخلود يلزمه امتداد الزمان فاذا نفاه فقد انتفى مطلق الخلود، و المراد معافاتهم من الكون فى النار مطلقا. \par
019    04    (لا ينتصف النهار من يوم القيمه حتى يقيل اهل الجنه فى الجنه) \par (و اهل النار فى النار) \par (و تصيرهم الى امن من مقيل المتقين) اى تنقلهم، من صار زيد غنيا اذا انتقل الى حاله الغنى بعد ان لم يكن عليها، او تجعل مصيرهم اى عاقبتهم و مالهم من صار الامر الى كذا اذا آل اليه و رجع مصيره الى كذا يقال مرجعه و ماله، و الا من ضد الخوف و المراد محل ذو امن جعله نفس الامن مبالغه كقولهم رجل عدل فحذف الموصوف و اقام \par
019    04    الوصف مقامه نحو: و عندهم قاصرات الطرف اى حور قاصرات الطرف او هو على حذف المضاف اى محل امن نحو: و اسئل القريه التى كنا فيها و العير التى اقبلنا فيها اى اهل القريه و اهل العير، و قوله: من مقيل المتقين صفه له اى كائن من مقيل المتقين، و المقيل اسم مكان من القيلوله و هى الاستراحه نصف النهار و ان لم يكن معها نوم و قيل هى النوم نصف النهار يقال: قال يقيل قيلا و قيلوله فهو قايل، ثم اطلق على المكان الذى يووى اليه راحه للاسترواح الى الازواج و التمتع بمغازلتهن لان التمتع به يكون وقت القيلوله غالبا، قال تعالى: اصحاب الجنه يومئذ خير مستقرا و احسن مقيلا قال المفسرون: المقيل: المكان الذى ياوون اليه للاسترواح الى ازواجهم و الاستمتاع بمغازلتهن و ملامستهن كحال المترفين فى الدنيا و لا نوم فى الجنه و انما سمى مكان رغبتهم و استرواحهم الى الحور مقيلا على طريق التشبيه. \par و عن ابن عباس: لا ينتصف النهار من يوم القيمه حتى يقيل اهل الجنه فى الجنه و اهل النار فى النار، \par و قاتل مقاتل: يخفف الحساب على اهل الجنه حتى يكون بمقدار نصف يوم من ايام الدنيا ثم يقيلون يومهم ذلك فى الجنه، و انما ذكر المتقين دون سائر اوصاف اهل الجنه تلميحا الى الايه المذكوره، فان اصحاب الجنه هم فيها المتقون المشار اليهم فى فى الايه التى قبلها بايات من سوره الفرقان و هى قوله تعالى: قل اذلك خير ام جنه الخلد التى وعد المتقون كانت لهم جزاء و مصيرا كما نبه عليه بعض متاخرى المفسرين، و المتقون هم الذين وقوا انفسهم عما يضرها فى الاخره من اعتقاد و خلق و عمل، و قد تقدم الكلام على حيقيقه التقوى \par
001    05    الدعاء الخامس: من ادعيه الصحيفه السجاديه و هو دعائه عليه السلام لنفسه و اهل ولايته \par \par
001    05    بسم الله الرحمن الرحيم \par (الفرق بين الولايه بالفتح و الولايه بالكسر) \par و كان من دعائه عليه السلام: لنفسه و اهل ولايته، النفس ذات الشى ء و حقيقته، و قد يقال للروح لان نفس الحى به، و للقلب ايضا لانه محل الروح او متعلقه، و للدم ايضا لان قوامها به و للماء ايضا لشده حاجتها اليه و المراد هنا هو المعنى الاول لان المقصود ان الدعاء مخصوص به عليه السلام و باهل ولايته الذين اشركهم معه فيه، و اصل الاهل: القرابه ثم اطلق على من اختص بشى و اتصف به كاهل البلد و اهل العلم و هو هنا كذلك اذ المراد باهل ولايته: من اتصف بها و الولايه بالفتح و الكسر المحبه و النصره، و قيل هى بهذا المعنى بالفتح و اما بالكسر فهى بمعنى الاماره. \par
001    05    (معنى الالحاد فى عظمته تعالى) \par (يا من لا تنقضى عجائب عظمته، صل على محمد و آله، و احجبنا عن الالحاد فى عظمتك) انقضى الشى ء: فنى و تصرم، و العجائب: اما جمع عجيبه اسم من العجب و اما جمع عجيب بمعنى معجب، و عرف العجب بانه تحير النفس فيما خفى سببه و خرج عن العاده مثله، و عظمته تعالى عباره عن كمال ذاته و علو شانه و جلاله قدره و كمال شرفه، و شده غنائه عن الخلق، و نهايه افتقارهم اليه فى كل حال، و دوام تسلطه، و جريان حكمه على جميع ما سواه لكونه مبدء شان كل ذى شان و منتهى سلطان كل ذى سلطان فلا شان ارفع من شانه و لا سلطان اعظم من سلطانه، و حجبه حجبا من باب قتل منعه و منه قيل للستر حجاب لانه يمنع من المشاهده و قيل للبواب حاجب لانه يمنع من الدخول، و اصل الالحاد: الميل و العدول عن الشى ء و منه: لسان الذى يلحدون اليه اعجمى اى يميلون و يشيرون اليه ثم خص بالطعن فى الدين يقال: لحد الرجل \par
001    05    فى الدين لحدا، و الحد الحادا اذا طعن كانه مال و عدل الى غيره فطعن فيه و الالحاد فى عظمته تعالى اما بمعنى الميل و العدول عن الحق فيها، او انتهاك حرمتها بارتكاب المعاصى و الاعراض عن مراقبتها و الله اعلم. \par
002    05    (اقيمت الرقبه مقام جميع ذات الانسان لموته بضربها) \par (و يا من لا تنهتى مده ملكه صل على محمد و آله و اعتق رقابنا من نقمتك) قال ابن الاثير: قد تكررت الاحاديث فى ذكر الرقبه و عتقها و تحريرها و فكها و هى فى الاصل العنق فجعلت كنايه عن جميع ذات الانسان تسميه للشى ء ببعضه، فاذا قال اعتق رقبه فكانه قال: اعتق عبدا او امه: و منه اقيمت الرقبه مقام جميع ذات الانسان لموته بضربها كما اقيم الراس مقامه فى قولهم فلان يملك كذا راسا من الرقيق، و النقمه اسم من انتقمت منه اذا عاقبته، و المراد باعتاق الرقاب منها: اطلائها و تخليصها منها كما يطلق العبد من قيد الرق بتحريره. \par
003    05    (قليل منك يكفينى و لكن قليلك لا يقال له قليل) \par (و يا من لا تفنى خزائن رحمته، صل على محمد و آله و اجعل لنا نصيبا فى رحمتك) الخزائن جمع خزانه و هى ما يخزن فيه الشى كالمخزن و خزنت الشى ء خزنا من باب قتل: احرزته بحيث لا تصل اليه الايدى و جعلته فى المخزن، شبه رحمته تعالى بالشى ء النفيس الذى يحرز و يخزن استعاره بالكنايه فاثبت له الخزائن استعاره تخييليه، و جاء بالخزائن بلفظ الجمع اشعارا بان رحمته لو فورها لا يكفى فى احرازها خزانه و حده بل لابد فيه من خزائن متعدده، قال المفسرون فى تفسير قوله تعالى: قل لو انتم تملكون خزائن رحمه ربى اى ارزاقه و سائر نعمه على خلقه، و النصيب: الحصه اى اجعل لنا حصه فى رحمتك، و انما سئل نصيبا منها لحصول الغرض به اذ ادنى حصه منها يستغرق العالم نعمه و عفوا كما قيل: \par
003    05    قليل منك يكفينى ولكن \par قليلك لا يقال له قليل \par و فى من قوله عليه السلام: فى رحمتك، اما للظرفيه المجازيه، او بمعنى من نحو قوله تعالى: و يوم نبعث فى كل امه شهيدا اى منهم بدليل الايه الاخرى. \par
004    05    (ليس المراد القرب المكانى لتنزهه تعالى عن المكان) \par (و يا من تنقطع دون رويته الابصار، صل على محمد و آله و ادننا الى قربك) تنقطع اى تقف فلم تمض قال صاحب المحكم: انقطع كلامه: وقف فلم يمض، دون رويته اى قبل الوصول اليها و منه اذا ركع المصلى دون الصف اى قبل وصوله الى الصف، و قد تقدم الكلام على امتناع رويته سبحانه فى شرح الدعاء الاول عند قوله عليه السلام: الذى قصرت عن رويته ابصار الناظرين فليرجع اليه و دنا منه و دنا اليه يدنوا دنوا قرب، و يتعدى بالهمزه فيقال ادناه يدنيه، و قربك اى القرب منك، و ليس المراد القرب المكانى لتنزهه تعالى عن المكان بل قرب المنزله و الرتبه. \par
005    05    (بسط الكلام مع المحبوب) \par (و يا من تصغر عند خطره الاخطار، صل على محمد و آله، و كرمنا عليك) صغر الشى ء على وزن كرم صغرا خلاف عظم، و صغر فى عيون الناس ككرم ايضا: ذهبت مهابته فهو صغير، و منه يقال: جاء الناس صغيرهم و كبيرهم اى من لا قدر له و لا منزله و من له قدر و جلاله و هذا المعنى هو المراد هنا، و خطر الرجل بالتحريك: قدره و منزلته و الجمع اخطار كسبب و اسباب و الخطر ايضا: الاشراف على الهلاك و خوف التلف و الجمع اخطار ايضا، و ياتى بمعنى العوض و منه الحديث: الجنه لا خطر لها اى لا عوض لها، و المراد هنا المعنى الاول، و كرمه: عظمه و عززه اى و اجعلنا مكرمين عليك، عزيزين لديك، \par و الظاهر ان هذا التكريم غير التكريم المذكور فى قوله تعالى: و لقد كرمنا بنى آدم اذ ذلك واقع بل المراد به تكريم اخص منه عاجلا و آجلا، او هو من قبيل \par
005    05    بسط الكلام مع المحبوب فليس الغرض حصول مضمونه فلا يضركون مضمونه واقعا كما فى قوله تعالى: ربنا لا تواخذنا لمن نسينا او اخطانا فانه حاصل بقوله تعالى: لا يكلف الله نفسا الا وسعها و حيث ان الكلام مع المحبوب امر لذيذ مطلوب اقتضى الكلام تطويله، كما قاله علماء المعانى فى قول موسى عليه السلام: هى عصاى اتوكا عليها و اهش بها على غنمى ولى فيها مارب اخرى. \par
006    05    (انما خص البواطن بالذكر دون الظواهر لان..) \par (و يا من تظهر عنده بواطن الاخبار، صل على محمد و آله و لا تفضحنا لديك) ظهر الشى ء يظهر ظهورا: تبين، و البواطن جمع باطن اسم فاعل من بطن الشى ء يبطن من باب قتل: خلاف ظهر، و الاخبار جمع خبر و هو اسم لما ينقل و يتحدث به، \par قال بعض العلماء: ظهور الاشياء هو انكشافها للحس او للعقل انكشافا بينا و يقابله بطونها اى خفاوها عن احدهما و لما ثبت انه تعالى منزه عن الجسميه و الواحقها علم ان المراد بظهور الاشياء عنده: علمه بها اذ كل ممكن و ان خفى على غيره فهو ظاهر فى علمه، فظهور البواطن عنده عباره عن علمه سبحانه بخفيات الامور و مضمرات السرائر فعلمه نافذ فى كل مستتر و غائب بحيث لا يستره ساتر، و لا يحجبه حاجب حتى انه يعلم مادق من عقائد القلوب و اسرار الصدور، و خطرات الخواطر، و انما عثر عن علمه تعالى بعدم الخفاء فى قوله: ان الله لا يخفى عليه شى ء فى الارض و لا فى السماء و قوله: و ما يخفى على الله من شى ء فى الارض و لا فى السماء ايذانا بان علمه تعالى بمعلومامه و ان كانت فى اقصى الغايات الخفيه ليس من شانه ان يكون على وجه يمكن ان يقارنه شائبه خفاء بوجه من الوجوه كما فى علوم المخلوقين بل هو فى غايه الوضوح و الجلاء، \par و انما خص البواطن بالذكر دون الظواهر لان من ظهر عنده الباطن فظهور \par
006    05    الظاهر اولى، او لان ما من شى ء يظهر الا و هو او مباديه قبل ذلك باطن فكان الباطن اصلا للظاهر فذكر الاصل و ان كان علمه تعالى بهما فى الحقيقه على السواء فان علمه تعالى بهما فى الحقيقه على السواء فان علمه تعالى بمعلوماته ليس بطريق حصول صورها بل وجود كل شى ء فى نفسه علم بالنسبه اليه تعالى فاذا كان علمه بهذا المعنى لا تختلف الحال بين الاشياء البارزه و الكامنه، \par و فضحته فضحا من باب نفع: كشفته، قال الفيومى فى المصباح و فى الدعاء: لا تفضحنا بين خلقك اى استر عيوبنا و لا تكشفها، و يجوز ان يكون المعنى: اعصمنا حتى لا نعصى فنستحق الكشف و المراد بسوال عدم الفضيحه هنا سوال العصمه عنها و حسم اسبابها و عدم الاعداد لها، و قوله: عندك، يعين هذا المعنى. \par
007    05    (لا يتحقق معنى الهبه الا فى الله تعالى) \par (اللهم اغننا عن هبه الوهابين بهبتك، و اكفنا وحشه القاطعين بصلتك حتى لا نرغب الى احد مع بذلك و لا نستوحش من احد مع فضلك) الهبه: العطيه بلا عوض اصلها وهب حذفت الواو و عوضت الهاء عنها، قال بعض العلماء: الهبه هى العطيه الخالص عن الاعواض و الاغراض فاذا كثرت العطايا و الصلات سمى صاحبها وهابا، و لا يتحقق معنى الهبه الا فى الله تعالى لانه وهب كل محتاج ما يحتاج من غير عوض، و كفى تستعمل متعديه لواحد و متعديه لاثنين فالاولى بمعنى اجزء و اغنى تقول كفانى الشى ء اى اغنانى، و الثانيه، بمعنى وقى كقوله تعالى: و كفى الله المومنين القتال اى وقاهم، و قيل هى فى الايه بمعنى اغنا ايضا اى اغناهم عن القتال و تستعمل بهذا المعنى متعديه لواحد و متعديه لاثنين، فالاولى بمعنى اجزء و اغنى تقول كفانى الشى ء اى اغنانى، و الثانيه، بمعنى وقى كقوله تعالى: و كفى الله المومنين القتال اى وقاهم، و قيل هى فى الايه بمعنى اغنا ايضا اى اغناهم عن القتال و تستعمل بهذا المعنى متعديه لواحد و متعديه لاثنين، و كلا المعنيين صحيحان هنا، اذ يصح ان يفسر قوله عليه السلام اكفنا بمعنى اغننا عن وحشه القاطعين، و بمعنى قنا وحشه القاطعين، و الوحشه الانقطاع و بعد القلوب من المودات و هو المراد هنا، و قال الجوهرى الوحشه: الخلوه و الهم، و المعنى الثانى صحيح هنا ايضا دون الاول، و هى من الوحش و هو ما لا يستانس من دواب البر، و القاطعين جمع قاطع من القطيعه ضد الصله يقال قطع \par
007    05    فلان صديقه قطيعه اذا هجره و قطع رحمه قطيعه اذا هجرها و صد عنها، و ذلك بترك البر و الاحسان اليها، و الباء فى الفقرتين من قوله عليه السلام بهبتك و بصلتك للسببيه و المراد بصلته تعالى: بره و احسانه و رحمه، و حتى بمعنى كى التعليليه اى كيلا نرغب، مثلها فى قوله تعالى: هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا و قولك اسلم حتى تدخل الجنه، و رغب اليه رغبا محركه: ساله، و البذل: العطاء، و استوحش: وجد الوحشه. \par
008    05    (الفرق بين الدوله بالفتح و الدوله بالضم) \par (اللهم صل على محمد و آله و كدلنا، و لا تكد علينا، و امكر لنا و لا تمكر بنا و ادل لنا و لا تدل منا) الكيد و المكر: الخديعه و هى ان ترى غيرك انك تفعل شيئا ثم تفعل خلافه، قال بعض العلماء: الكيد: اراده مضره الغير خفيه، و هو من الخلق: الحيله السيئه، و من الله تعالى. التدبير بالحق بمجازات اعمال الخلق، و المكر من جانب العبد ايصال المكروه الى الانسان من حيث لا يشعر، و من جانب الحق ارداف النعم مع المخالفه، و ابقاء الحال مع سوء الادب و اظهار الكرامات من غير جهده انتهى. \par و قوله عليه السلام: و ادل لنا، من الدوله بالفتح قال الجوهرى الدوله فى الحرب ان تدل احدى الفئتين على الاخرى، و الدوله بالضم فى المال يقال صار الفى ء دوله بينهم يتداولونه يكون مره لهذا و مره لهذا و الجمع دولات و دول، قال ابن الاثير: الاداله: الغلبه يقال اديل لنا على اعدائنا اى نصرنا عليهم و كانت الدوله لنا، و الدوله: الانتقال من حال الشده الى حال الرخاء فمعنى الدعاء: اجعل الدوله لنا على عدونا و لا تنزعها منا فتوتيها غيرنا. \par
009    05    (كلام نفيس فى التوحيد، خذه و اغتنم) \par (اللهم صل على محمد و آله، و قنامنك، و احفظنا بك، و اهدنا اليك، و لا تباعدنا عنك) و قيت الشى ء اقيه وقيا و وقايه اذا صنته و حفظته من الاذى، قيل معناه: وقنا من عذابك و سخطك و هو مثل قوله صلى الله عليه و آله: اعوذبك منك، \par
009    05    قال بعض العارفين: فى قوله صلى الله عليه و آله فى سجوده: اعوذ بعفوك من عقابك، و اعوذ يرضاك من سخطك و اعوذبك منك، انه حين امر بالقرب فى قوله تعالى: و اسجد و اقترب قال فى سجوده: اعوذ بعفوك من عقابك و هو كلام عن مشاهده فعل الله فاستعاذ ببعض افعاله من بعض و العفو كما يراد به صفته العافى قد يراد به الاثر الحاصل عن صفه العفو فى المعفو عنه كالخلق و الصنع ، ثم لما قرب فغنى عن مشاهده الافعال و ترقى الى مصادرها و هى الصفات، قال اعوذ برضاك من سخطك و هما صفتان متضادتان، ثم لما راى ذلك نقصانا فى التوحيد اقترب و ترقى عن مشاهده الصفات الى ملاحظه الذات فقال و اعوذبك منك و هذا فرار اليه منه مع قطع النظر عن الافعال و الصفات، \par فهذه ثلث مراتب و المرتبه الثالثه هى اول مقام الوصول الى ساحه العزه، ثم للسباحه فى لجه الوصول درجات آخر لا نتناهى، و لذلك لما زداد صلى الله عليه و آله قربا قال: لا احصى ثناء عليك فكان ذلك حذفا لنفسه عن درجه الاعتبار فى ذلك المقام و اعترافا منه بالعجز عن الاحاطه بماله من صفات الجلال و نعوت الكمال و كان قوله بعد ذلك: انت كما اثنيت على نفسك: كمالا للاخلاص و تجريدا للكمال المطلق الذى به هو هو عن ان يلحقه حكم لغيره و همى او عقلى، انتهى، \par فعلى هذا ليس هناك مضاف مقدر كسخطك و عقابك بل هو من باب الترقى الى المرتبه الثالثه من المراتب الثلاث المذكوره التى هى ملاحظه الذات دون الافعال و الصفات، و قس على ذلك قوله عليه السلام: و احفظنا بك، و اهدنا اليك، و لا تباعدنا عنك، فلا حاجه الى تقدير مضاف فى شيى ء من ذلك كما قيل: ان معناه: و احفظنا بحفظك، و اهدنا الى صراطك المستقيم، و لا تباعدنا عن رحمتك و ان كان هذا المعنى فى نفسه صحيحا ظاهرا الا ان حمله على ذلك التحقيق اليق بمقام الداعى صلوات الله عليه. \par (هدايته جل شانه للعباد على اربعه انواع) \par (ان من تقه يسلم، و من تهده يعلم، و من تقر به اليك يغنم) هذا تعليل لما قبله من طلب الوقايه و الحفظ و الهدايه و القرب على طريقه اللف و النشر المرتب، و ادرج الحفظ فى الوقايه لانهما بمعنى، و بيان التعليل انه لما كان حصول الوقايه و الحفظ مانعا من \par
009    05    دواعى التفريط و الافراط كان العبد مستقيم الحركات على سواء الصراط و ذلك هو السلامه من الزيغ و الوقوع فى هوى المهالك، و كذلك لما كان حصول الهدايه مانعا من الضلاله عن الصراط المستقيم كان العبد عالما بسلوك جاده سبيل الحق، و ذلك هو العلم، و كذلك لما كان حصول القرب مستلزما للفوز بالسعاده الابديه كان العبد فائزا بالغنى الحقيقى، و الملك الابدى و ذلك هو الغنيمه التى لا يقاس بها مغنم، فكانه قال: اسئلك الوقايه و الحفظ المستلزمين للسلامه و الهدايه المستلزمه للعلم و القرب المستلزم للغنم، و من هنا شرطيه، مثلها فى قوله تعالى: من يعمل سوء يجز به و سلم يسلم من باب تعب سلامه خلص من الافات و المراد: الافات النفسانيه و الاراء الفاسده و العقائد الباطله من الكفر و الكبر و الحسد و النفاق فى الدنيا و من العقوبات فى الاخره، و الهدايه: مطلق الارشاد و الدلاله على المطلوب بلطف سواء كان معه وصول اليه اولا، و سواء تعدت الى ثانى المفعولين بنفسها او بالحرف هذا هو الحق فى تفسير الهدايه، و هدايته جل شانه للعباد على اربعه انواع: \par الاول- الهدايه الى جلب المنافع و رفع المضار بافاضه المشاعر الظاهره و المدارك الباطنه، و اليه الاشاره بقوله تعالى: اعطى كل شى ء خلقه ثم هدى، \par و ثانيها- نصب الدلائل العقليه الفارقه بين الحق و الباطل، و اليه يشير قوله تعالى: و هديناه النجدبن، \par و ثالثها- الهدايه بارسال الرسل و اليه ينظر قوله تعالى: و اما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى، \par و رابعها- الهدايه الى خطائر القدس و مقامات الانس بانطماس آثار التعلقات البدنيه و اندراس اكدار التعلقات الهيولانيه، و الاستغراق فى ملاحظه اسرار الجلال و مطالعه انوار الجمال، \par و هذا النوع من الهدايه يختص به الاولياء و من يحذو حذوهم و هو المقصود هنا ، \par
009    05    لان هذه الهدايه هى التى يترتب عليها العلم ترتب الجزاء على الشرط اذ المعنى: و من تهده يحصل له العلم. \par (ما المراد بهذا العلم الذى يحصل بهدايته اليه سبحانه؟) \par فان قلت ما المراد بهذا العلم الذى يحصل بهدايته اليه سبحانه؟ \par قلت: المراد به العلم الالهى و الحكمه اللدنيه المشار اليها فى الذكر الحكيم بقوله تعالى: و من يوت لحكمه فقد اوتى خيرا كثيرا فمن حصل له هذا العلم انتقش قلبه بالاسرار الغيبيه و الصور الكليه و الجزئيه و كيفيه انشعابها و تفاصيلها، و استفاد بذلك الاحكام و الوقايع و الاخلاق و احوال المبدء و المعاد و غيرها من الفضائل الشرعيه و مقاصدها من الكتاب و السنه و كان المتصف به هو العالم الذى هو على هدى من ربه المالك للحقيقه الانسانيه بالفعل و هى الوصول الى ما خلق الانسان لاجله من المعارف الالهيه و الطاعات البدنيه و الطهاره القلبيه الموجبه لكمال قربه و رفع درجته عنده تعالى و الخلوص عن كلما يوجب البعد عنه جل شانه، \par و قر به بالتضعيف: ادناه، و غنمت الشى ء اغنمه كعلمته اعلمه غنما بالضم: فزت به بلا مشقه و الغنيمه اسم لما يغنم، و فى التهذيب: الغنيمه فى اللغه: الفائده و قيل هى فى الاصل: ما اصيب من اموال اهل الحرب و اوجف عليه المسلمون بالخيل و الركاب يقال غنم يغنم اذا اصاب غنيمه و مغنما ثم استعمل فى كل امر نفيس شريف، و منه الحديث: الصوم فى الشتاء: الغنيمه. \par
010    05    (المراد بمصائد الشيطان: الشهوات و اللذات الدنيويه التى..) \par (اللهم صل على محمد و آله، و اكفنا حد نوائب الزمان، و شر مصائد الشيطان، \par
010    05    و مراره صوله السلطان) حد الشى ء و حدته: باسه و شدته، و النوائب جمع نائبه و هى ما ينوب الانسان اى ينزل من الحوادث و المصائب نابه ينوبه نوبا اذا نزل به، و الشر: السوء و الفساد، و المصائد جمع مصيده بكسر الميم او مصيد بحذف الهاء و هى آله الصيد و المراد بالمصائد: الشهوات و اللذات الدنيويه التى يغر الشيطان بها الخلق فيوقعهم بها فى الهلاك، و المراره اسم من مر الشى ء يمر من بابى تعب و قتل ضد حلا، و هى حقيقه فى الكيفيه المخصوصه للاجسام استعارها عليه السلام لما يوجد من التالم بسبب صوله السلطان، و المراد بصوله السلطان: قهره و باسه و سطوته، و السلطان هنا بمعنى الملك اى صاحب السلطنه و الولايه. \par
011    05    (النور هو ما تنكشف به الاشياء و يظهر وجودها عند الحس) \par (اللهم انما يكتفى المكتفون بفضل قوتك، فصل على محمد و آله، و اكفنا، و انما يعطى المعطون من فضل جدتك، فصل على محمد و آله، و اعطنا، و انما يهتدى المهتدون بنور وجهك فصل على محمد و آله و اهدنا) انما للحصر اى لا يكتفى المكتفون الا بفضل قوتك، و الفضل هنا بمعنى الزياده، و القوه تطلق على كمال القدره، و على شده الممانعه و الدفع، و يقابلها الضعف، و لما كان سبحانه مستند جميع الموجودات و المفيض على كل قابل ما يستعد له و يستحقه كان هو المعطى لكل مكتف كماله و قوته فصح ان كل مكتف انما يكتفى بسبب قوته الزائده على كل قوه بالمعنيين المذكورين: المعطون جمع معطى، و الجده بكسر الجيم و فتح الدال المهمله مخففه كهبه: الغنى، و انما حصر اعطاء المعطين فى كونه من فضل جدته لما علمت انه تعالى مستند جميع الموجودات و كل ممكن فهو مفتقر فى طرفيه منته فى سلسله الحاجه اليه فكل معط غيره مجاز لا حقيقه، و النور هو ما تنكشف به الاشياء و يظهر وجودها عند الحس و هو اما جسم كما ذهب اليه جماعه من المحققين، او عرض كما قيل، و على التقديرين فليس هو المراد هنا، بل المراد: الهدايه و العلم على سبيل الاستعاره و تشبيه المحسوس بالمعقول لجامع عقلى و هو الايصال الى المطلوب، \par و فى كلام اميرالمومنين عليه السلام: و مضيت بنور الله حين وقفوا قال شارحوا كلامه: \par
011    05    اى كان سلوكى لسبيل الحق على وفق العلم و هو نور الله الذى لا يضل من اهتدى به، انتهى و الوجه بمعنى الذات، و المعنى لا يهتدى المهتدون الا بهدايتك او لعلمك، كما قال سبحانه: قل ان الهدى هدى الله و قال سبحانه: و من يهدى الله فهو المهتدى. \par
012    05    (اللهم انك من واليت لم يضرره خذلان الخاذلين، و من اعطيت لم ينقصه منع المانعين، و من هديت لم يغوه اضلال المضلين، والاه ولاء و موالاه: نصره، و الموالات نقيض المعادات، و الخذلان بالكسر اسم من خذله يخذله من باب قتل اى ترك نصره و اعانته و تاخر عنه، و مفعول واليت محذوف اى واليته، و حذف المفعول كثير اذا كان عائدا على الموصول نحو: و من يهدى الله فما له من مضل اى يهديه،- قوله عليه السلام: و من هديت لم يغوه اضلال المضلين- اى من هديته لم يضله مضل يصرفه عن مقصده او يصيبه بسوء يخل بسلوكه اذ لاراد لفضله و لا معارض لارادته- \par
013    05    (حكى عن بعضهم قال: كنت جالسا فى جماعه فوقف علينا سائل و سئل..) \par فصل على محمد و آله و امنعنا بعزك من عبادك و اغننا عن غيرك بارفادك، و اسلك بنا سبيل الحق بارشادك) \par قوله عليه السلام فصل- الفاء فصيحه اى اذا ثبت انك من واليت لم يضرر خذلان الخاذلين و هذا الوصف يقتضى انك لعزك تمنع من تشاء من كل احد و لا يمنع منك احد فامنعنا بعزك من عبادك، و المنع و ان كان فى الاصل تحجير الشى ء الا انه يستعمل بمعنى الحمايه، و العز و العزه: الامتناع و الشده و الغلبه، و رجل عزيز منيع لا يغلب و لا يقهر اى احمنا بغلبتك و شدتك من عبادك الذين يريدون بناسوء، و الارفاد: الاعطاء و الاعانه، \par و مما يناسب ايراده هنا من الحكايات ما حكى عن بعضهم: قال كنت جالسا فى جماعه فوقف علينا سائل و سئل شيئا فلم يعطه احد شيئا فبكى ذلك الرجل بكاء شديدا، فرق له قبلى فقلت له تعال حتى اعطيك شيئا، فقال انى لم ابك لما توهمت ولكنى تذكرت \par
013    05    ذل من يفتقر الى رحمه الله كيف يكون حاله؟ فلما كان بعد ايام اذا نحن بانسان عليه ثياب حسنه فوقف علينا و قال اتعرفونى؟ فقلنا و لا ننكرك فمن انت؟ قال انا السائل الذى ردد تموه ذلك اليوم رجعت بمسئلتى الى ربى فوهب لى انعاما و اغنانى عن غيره، \par قوله عليه السلام: و اسلك بنا.. سلكت الطريق سلوكا من باب قعد ذهبت فيه يتعدى بنفسه و بالباء ايضا و هو الاكثر استعمالا فيقال سلكت زيدا الطريق و سلكت به الطريق، و السبيل: الطريق يذكر و يونث، و الارشاد خلاف الاضلال- و المعنى- فاجعلنا ممن يسلك طريق الحق بهدايتك و تعريفك و المراد بسبيل الحق: الطريق الموصله اليه تعالى، و هى التى تطابقت على الهدايه اليها السنه الرسل و الانبياء. \par
014    05    (المراد بسلامه القلوب: سلامتها من الامراض الروحانيه كالجهل و..) \par (اللهم صل على محمد و آله، و اجعل سلامه قلوبنا فى ذكر عظمتك) السلامه: الخلوص من الافات و المراد بسلامه القلوب: سلامتها من الامراض الروحانيه كالجهل و سائر اخلاق الذميمه، و يندرج فى سلامه القلب سلامه سائر الجوارح لانه رئيسها، و فى، اما للظرفيه المجازيه كقوله تعالى: و لكم فى القصاص حيوه و انما سئل ان يجعل سلامه قلوبهم فى ذكر عظمته، فيكون ذكر عظمته ظرفا لها لان المظروف اذا احتواه الظرف لا يصيبه ما يفرقه و لا هو بنفسه يتفرق و يتلاشى خصوصا اذا كان الظرف حصينا منيعا فيكون ذكر عظمته حينئذ حاميا لسلامه القلوب من الافات التى تنظر اليها، او يكون المعنى اذا سلمت قلوبنا من الافات فاجعل سلامتها فى ذكر عظمتك لا فى غيره لتتوفر على ذكرها و الاشتغال به دون غيره، او للسبيه كقوله تعالى: لمسكم فيما افضتم اى اجعل سلامه فى قلوبنا متسببه من ذكر عظمتك سلمت من كل آفه حتى يكون ذكر عظمتك حجه لها لا عليها. \par
014    05    (معنى القلب فى اللغه، و له ظاهر و باطن) \par (تنبيه): القلب فى اللغه صرف الشى ء الى عكسه و منه القلب سمى به لكثره تقلبه، قال الشاعر: \par قد سمى القلب قلبا من تقلبه \par فاحذر على القلب من قلب و تحويل \par و له ظاهر، و هو المضغه الصنوبريه المودعه فى التجويف الايسر من الصدر و هو محل للطيفه الانسانيه و لذا ينسب اليه الصلاح و الفساد، و باطن، و هو اللطيفه الربانيه النورانيه العالمه التى هى مهبط الانوار الالهيه، و بها يكون الانسان انسانا و بها يستعد لامتثال الاحكام، و بها صلاح البدن و فساده، و يعبر عنها بالنفس الناطقه، و نفس و ما سواها فالهمها فجورها و تقويها و بالروح، قل الروح من امر ربى و لذا كانت معرفته كما هى متعذره، و الاشاره الى حقيقته على ارباب الحقائق متعسره، و هو مقر الايمان اولئك كتب فى قلوبهم الايمان كما ان الصدر محل الاسلام، افمن شرح الله صدره للاسلام و الفواد مقر المشاهده، ما كذب الفواد ما راى و اللب مقام التوحيد، انما يتذكر اولوالالباب اى الذين خرجوا من قشر الوجود المجازى و بقوا بلب الوجود الحقيقى فافهم فانه من نفايس الرموز، و بدايع الكنوز. \par (قول بعض العارفين فى القلوب) \par قال بعض العارفين: القلوب هدف سهام القهر و اللطف و هى منقلبه فى قبضه خالقها فاذا وقعت فى بحار المنكرات مالت من تاثير القهريات الى عالم الشهوات و افاضت على \par
014    05    الجوارح مباشره الاثام، و اذا وقعت فى بحار المعارف مالت ببعث المحبه و الشوق الى مشاهده الله فاستنارت بنورها. \par (معنى الشكر لغه و عرفا و الفرق بين الشكرين) \par (و فراغ ابداننا فى شكر نعمتك) الفراغ اسم من فرغ من الشغل فروغا من باب قعد اذا تخلى منه اى و اجعل فراغ ابداننا اذا تخلت عن كل ما يشغلها مصروفا فى شكر نعمتك لا فى غيره، و الشكر يحتمل ان يكون المراد به هنا اللغوى و هو الوصف بالجميل على جهه التعظيم و التبجيل من اللسان و الجنان و الاركان، و يحتمل ان يراد به العرفى و هو: صرف العبد جميع ما انعم الله عليه من السمع و البصر و غيرهما الى ما خلق الله لاجله، و بين الشكرين عموم و خصوص مطلق، و ذكر الابدان يرجح اراده الثانى و الله اعلم. \par (معنى: انطلاق اللسان، و الفرق بين الوصف و الصفه) \par (و انطلاق السنتنا فى وصف منتك) متى وصف اللسان بالانطلاق فالمراد جريانه و امضائه و انذلاقه بحيث لا يعترضه لكنه و لا تقف به جلسه عند الكلام و بسط المقال و هو من لوازم الفصاحه، و وصفته وصفا من باب وعد نعته بما فيه، و الوصف و الصفه مترادفان عند اهل اللغه و الهاء عوض من الواو كالوعد و العده ، و عند بعض المتكلمين: الوصف هو كلام الواصف، و الصفه هى المعنى القائم بالموصوف، و المنه: النعمه الثقيله، من عليه: اثقله بالنعمه، لقد من الله على المومنين و المعنى اجعل جريان السنتنا و ذلاقه منطقنا مصروفه فى ذكر ما فى نعمتك الجليله من الصفات الجميله. \par
015    05    (المراد بخاصته تعالى: اوليائه المخلصون له فى المحبه و الطاعه..) \par (اللهم صل على محمد و آله، و اجعلنا من دعاتك الداعين اليك، و هداتك الدالين عليك، و من خاصتك الخاصين لديك) الدعاه بالضم جمع داع، و الداعين جمع داع ايضا، و وصف دعاته بالداعين اليه اما للتخصيص ان اراد بالدعاه طالبى احسانه من دعا الله \par
015    05    اذا طلبه و ابتهل اليه بالسوال، او للتوضيح ان اراد بهم معنى الداعين اليه فوصفهم بذلك لرفع احتمال اراده المعنى الاول، و المعنى: اجعلنا من المبتهلين اليك بالسوال الطالبين اقبال الناس الى طاعتك و عبادتك، او اجعلنا من طالبى اقبال الخلق الى جنابك، قوله عليه السلام و من هداتك الدالين عليك، وصف الهداه بالدالين عليه اما للتخصيص او للتوضيح كما مر آنفا و على الاول فالمعنى و اجعلنا من الهداه المنسوبين اليك الدالين على طاعتك، و على الثانى: اجعلنا من الهداه اليك الدالين على سبيلك، و من خاصتك الخاصين لديك، الخاصه خلاف العامه خص الشى ء يخص من باب قعد خلاف عم فهو خاص، و المراد بخاصته تعالى اوليائه المخلصون له فى المحبه و الطاعه الذين لهم به خصوصيه دون غيرهم لاختصاصه اياهم لنفسه. \par (كل رحيم سوى الله، فرحمته لغرض من الاغراض) \par (يا ارحم الراحمين) ختم الدعاء عليه السلام بهذا النداء توقعا لحصول المطلب و استعطافا بوصفه الدال على انه الجواد المطلق الذى لا يرحم لمنفعه تعود اليه و لا لمضره يدفعها عنه و كل رحيم سواه فرحمته لغرض من الاغراض: اما ثناء دنيويا او ثوابا اخرويا او للرقه الناشئه من الجنسيه او نحو ذلك على ان تلك الرحمه ايضا تتوقف على داعيه يخلقها الله تعالى فيه، و الافات و الالام التى تراها فى هذا العالم لا تنافى رحمته سبحانه لان كلها مستتبعه لمصالح و غايات لا يعلمها الا هو و انها ضروريه فى الوجود لاشتمالها على خيرات اكثر من الشرور، \par ثم اطلاق الراحم عليه تعالى او على غيره انما هو من باب الاشتراك اللفظى دون المعنى اذ لا شركه بينه و بين غيره فى المعنى اصلا فان رحمته تعالى تناسب ذاته المقدسه، او هى عباره عن احسانه و لطفه بعباده، و رحمه غيره رقه و انعطاف يقتضى الشفقه و اللطف بالخلق و هو سبحانه منزه عن هذا المعنى. \par (حكايه شفقه الام لولده، و قول رسول الله صلى الله عليه و آله:) \par (ان الله ارحم من هذه بابنها) \par و مما يناسب ايراده هنا: ما رواه اصحاب السير انه اوقف صبى فى بعض الغزوات \par
015    05    ينادى عليه بمن يريد فى يوم صائف شديد الحر فبصرت به امرئه و هو ينادى عليه فعدت مسرعه اليه و اخذته و الصقته الى بطنها ثم القت ظهرها على البطحاء و اجلسته على بطنها تقيه الحر و تقول ابنى ابنى فبكى الناس و تركوا ما هم فيه فاقبل رسول الله صلى الله عليه و آله حتى وقف عليهم فاخبروه فقال اعجبتم من رحمه هذه ابنها؟ ان الله ارحم بكم جميعا من هذه بابنها فتفرق المسلمون و هم فرحون مستبشرون. \par اللهم انا نسئلك يا ارحم الراحمين برحمتك التى وسعت العالمين ان ترحمنا رحمه تغنينا بها عن رحمه من سواك، و ان تجعلنا ممن وسعه رحمتك و رضاك انك اجود مسئول و اكرم مامول. \par
001    06    الدعاء السادس: من ادعيه الصحيفه السجاديه و هو دعائه عليه السلام عند الصباح و المساء \par \par
001    06    بسم الله الرحمن الرحيم \par (معنى الصباح و المساء، و معنى المراد بهما هنا) \par الصباح اول النهار اذا جاء ضياوه و هو الفجر، و مثله الصبح و قد يطلق على منتصف الليل الى آخر الزوال، و المساء مجيى ظلام الليل اى اوله، و قد يطلق على منتصف النهار الى آخر الليل، قال ابن الجواليقى: الصباح عند العرب من نصف الليل الى آخر الزوال ثم المساء الى آخر نصف الليل الاول، و قال ابن القوطبه: المساء ما بين الظهر الى المغرب، و المراد بهما هنا: اول النهار و اول الليل و بذلك فسر قوله تعالى: فسبحان الله حين تمسون و حين تصبحون لانه لو فسر بالمعنى الذى ذكره ابن الجواليقى عن العرب لكان قوله و عشيا داخلا فى المساء و قوله حين تظهرون داخلا فى الصباح، و قد روى عن ابن عباس: ان الايه جامعه للصلوات الخمس: تمسون صلوه المغرب و العشاء و تصبحون صلوه الفجر و عشيا صلوه العصر و تظهرون صلوه الظهر، ثم الذى يدل عليه متن هذا الدعاء انه مختض بالصباح لابه و بالمساء كما وقع فى عنوانه و لذلك خصصه شيخ الطائفه قدس سره بالصباح و الله اعلم. \par
001    06    (معنى الليل و النهار عند اهل اللغه و عند اهل الشرع) \par قال صلوات الله عليه (الحمد لله الذى خلق الليل و النهار بقوته) الخلق: احداث الشى ء من غير احتذاء على مثال و لذلك لا يجوز اطلاقه الا فى صفات الله سبحانه اذ لا احد سواه تكون افعاله من غير احتذاء على مثال، و الليل هو الزمان الذى يقع ما بين غروب الشمس و طلوعها عند اهل اللغه، و ما بين غروبها و طلوع الفجر الصادق عند اهل الشرع، و النهار ماخوذ من النهر بمعنى السعه لا تساع ضوئه و هو من طلوع الشمس الى غروبها عند ارباب اللغه، و فى عرف الشرع: من طلوع الفجر الصادق الى غروب \par
001    06    الشمس، و هو حقيقه شرعيه فى ذلك، و لا يثنى النهار و لا يجمع لانه بمنزله المصدر يقع على القليل و الكثير. \par
003    06    (خلق الليل و النهار، و منا فعهما) \par (و ميز بينهما بقدرته، و جعل لكل واحد منهما حدا محدودا، و امدا ممدودا) ماز الشى ء من باب باع: فرق بينهما و فصل، و التثقيل مبالغه، فيقال ميزه تمييزا، او ميز بينهما، و منه سن التمييز و هى السن التى اذا بلغ اليها الانسان عرف مضاره و منافعه و ميز بينهما، و بين ظرف مبهم لا يبين معناه الا بالاضافه الى متعدد او ما يقوم مقامه، كقوله تعالى: عوان بين ذلك اشاره الى ما ذكر من الفارض و البكر، و الذلك اختص بالاضافه الى متعدد و قال الزنجانى و هو بحسب ما تضاف اليه: فان اضيفت الى مكان كانت ظرف مكان او الى زمان فظرف زمان، و معنى التمييز: جعل كل منهما منفصلا عن الاخر بحيث لا يشتبه احدهما بالاخر، فجعل الليل مظلما و النهار مضيئا، و مساق الكلام يقتضى ان يكون لخلق الليل و النهار و التمييز بينهما، الى غير ذلك مما سياتى مدخل فى اقتضاء الحمد لان ترتيب الوصف على الحكم مشعر بالعليه كما تقرر فى الاصول، و هو كذلك و وجهه ظاهر: فان خلق الليل و النهار و التمييز بينهما و تخصيص كل منهما بحد و امد من منح الجليله التى لا يحيط نطاق البيان بما فيها من المصالح و المنافع و لذلك تمدح سبحانه و امتن على عباده بذلك مكررا فى كتابه الكريم فقال عز من قائل: و من رحمته جعل لكم الليل و النهار لتسكنوا فيه و لتبتغوا من فضله و لعلكم تشكرون و قال سبحانه الله: الذى جعل لكم الليل لتسكنوا فيه و النهار مبصرا ان الله لذو فضل على الناس و لكن اكثر الناس لا يشكرون و قال تعالى: ان فى خلق السموات و الارض و اختلاف الليل و النهار لايات لاولى الالباب الى غير ذلك من الايات، و حد كل شى ء غايته و منتهاه، و منه حددت \par
002    06    (خلق الليل و النهار، و منا فعهما) \par (و ميز بينهما بقدرته، و جعل لكل واحد منهما حدا محدودا، و امدا ممدودا) ماز الشى ء من باب باع: فرق بينهما و فصل، و التثقيل مبالغه، فيقال ميزه تمييزا، او ميز بينهما، و منه سن التمييز و هى السن التى اذا بلغ اليها الانسان عرف مضاره و منافعه و ميز بينهما، و بين ظرف مبهم لا يبين معناه الا بالاضافه الى متعدد او ما يقوم مقامه، كقوله تعالى: عوان بين ذلك اشاره الى ما ذكر من الفارض و البكر، و الذلك اختص بالاضافه الى متعدد و قال الزنجانى و هو بحسب ما تضاف اليه: فان اضيفت الى مكان كانت ظرف مكان او الى زمان فظرف زمان، و معنى التمييز: جعل كل منهما منفصلا عن الاخر بحيث لا يشتبه احدهما بالاخر، فجعل الليل مظلما و النهار مضيئا، و مساق الكلام يقتضى ان يكون لخلق الليل و النهار و التمييز بينهما، الى غير ذلك مما سياتى مدخل فى اقتضاء الحمد لان ترتيب الوصف على الحكم مشعر بالعليه كما تقرر فى الاصول، و هو كذلك و وجهه ظاهر: فان خلق الليل و النهار و التمييز بينهما و تخصيص كل منهما بحد و امد من منح الجليله التى لا يحيط نطاق البيان بما فيها من المصالح و المنافع و لذلك تمدح سبحانه و امتن على عباده بذلك مكررا فى كتابه الكريم فقال عز من قائل: و من رحمته جعل لكم الليل و النهار لتسكنوا فيه و لتبتغوا من فضله و لعلكم تشكرون و قال سبحانه الله: الذى جعل لكم الليل لتسكنوا فيه و النهار مبصرا ان الله لذو فضل على الناس و لكن اكثر الناس لا يشكرون و قال تعالى: ان فى خلق السموات و الارض و اختلاف الليل و النهار لايات لاولى الالباب الى غير ذلك من الايات، و حد كل شى ء غايته و منتهاه، و منه حددت \par
003    06    الدار حدا من باب قتل اذا ذكرت نهايتها لتميزها عن مجاورتها، و محدودا اى مميزا معينا لا اشتباه فيه، \par و الامد يطلق على معنيين: \par احدهما- الغايه، و منه قوله تعالى: تودلو ان بينها و بينه امدا بعيدا. \par الثانى- الوقت و الزمان كالمده و منه قوله تعالى: فطال عليهم الامد فقست قلوبهم اى طال عليهم الزمان، و هذا المعنى هو المراد هنا: اى جعل لكل واحد من الليل و النهار وقتا مبسوطا لمصالح العباد و منافعهم التى لا تحصى. \par
002    06    الدار حدا من باب قتل اذا ذكرت نهايتها لتميزها عن مجاورتها، و محدودا اى مميزا معينا لا اشتباه فيه، \par و الامد يطلق على معنيين: \par احدهما- الغايه، و منه قوله تعالى: تودلو ان بينها و بينه امدا بعيدا. \par الثانى- الوقت و الزمان كالمده و منه قوله تعالى: فطال عليهم الامد فقست قلوبهم اى طال عليهم الزمان، و هذا المعنى هو المراد هنا: اى جعل لكل واحد من الليل و النهار وقتا مبسوطا لمصالح العباد و منافعهم التى لا تحصى. \par
004    06    (معنى يولج الليل فى النهار و يولج النهار و فى الليل) \par (يولج كل واحد منهما فى صاحبه و يولج صاحبه فيه) و لج الشى ء فى غيره يولج و لوجا من باب وعد دخل فيه، و اولجه ايلاجا: ادخله، اى يدخل كل واحد من الليل و النهار فى الاخر بان يقلب بعض اجزاء الليل المظلمه باجزاء النهار المنيره و يدخله فيه و بالعكس فيكون قد نقص من احدهما شيئا و زاده فى الاخر: كنقصان ليل الصيف و زياده نهاره، و زياده ليل الشتاء و نقصان نهاره، \par قال الشيخ الجليل امين الاسلام الطبرسى فى مجمع البيان: قيل فى معناه قولان: \par احدهما- ان معناه ينقص من الليل فيجعل ذلك النقصان زياده فى النهار، و ينقص من النهار فيجعل ذلك النقصان زياده فى الليل على قدر طول النهار و قصره، \par و الاخر- معناه: يدخل احدهما فى الاخر باتيانه بدلا فى مكانه. \par (الدنيا قنطره الاخره و فى فساد القنطره.. بطلان العبور) \par (و الحرمان عن الوصول الى دار السرور) \par (بتقدير منه للعباد فيما يغذوهم به، و ينشئهم عليه) التقدير: تعبين ذات الشى ء \par
004    06    و صفاته و حدوده و كيفياته و ساير ما يدخل فى خصوصياته، قيل: هو عباره عن تصوير الاشياء المعلومه على الوجه العقلى الكلى جزئيه مقدره باقدار معينه متشكله باشكال و هيئات شخصيه مقارنه لاوقات مخصوصه على الوجه الذى يظهر فى الخارج قبل اظهارها و ايجادها، و الباه للسببيه متعلقه بيولج ان جعلت جمله مستانفه، و بخلق فى اول الدعاء ان جعلت جمله حاليه، و منه متعلق بمحذوف صفه لتقدير اى كائن من عنده تعالى و هى صفه مبنيه لفخامه التقدير، و اللام فى للعباد للتعليل كقوله تعالى: لمسكم فيما افضم اى لاجل ما يغذوهم به، و غذوته بالشى ء: جعلته له غذاء و هو ما يتغذى به من طعام و شراب تقول غذوته باللبن فاغتذى و غذيته بالتثقيل تغذيه مبالغه، و ينشئهم اى يربيهم، و منه قوله تعالى: او من ينشو فى الحليه و هو فى الخصام غير مبين اى يربى فى الزينه، و انشى ء و نشى ء بالهمزه و التثقيل بمعنى واحد، \par و فى هذا الكلام اشاره الى حكمه اختلاف الليالى و الايام، و تفاوت زمان النور و الظلام و هو من لطائف صنع الله تعالى و عجائب رحمته للعباد، كما قال سبحانه: ان فى خلق السموات و الارض و اختلاف الليل و النهار لايات لاولى الالباب فان من الغرائب: تعاون المتنافيين على امر واحد و هو اصلاح مزاج الحيوان و معاشه، \par قال بعض العارفين من اصحابنا: انظر ايها العارف المتعمق فى اسرار حكمه الله تعالى وجوده: انه لو لم يخلق هذه الاجرام النيرات على الوضع الذى يقع به التفاوت بين الليل و النهار بان تلج مده من هذا فى ذلك و مده اخرى بالعكس، و يقدر التعاقب بينهما على نظام محكم و نسق مضبوط لما صلحت احوال الخلائق و البلاد ولادت امزجه الحيوان و النبات الذى به قوامه الى الفساد، و قد علمت ان نشاه الاخره من الدنيا و ان الدنيا قنطره الاخره و فى فساد القنطره قبل العبور بطلان العبور، و الحرمان عن الوصول الى دار السرور، فاذن قد تحقق و تبين عند اولى الالباب غايه الحكمه فى اختلاف الليل و النهار و توالجهما على هذا الوجه المودى للنتايج و الاثار. \par
005    06    (بعض المنافع المخصوصه بالليل) \par (فخلق لهم الليل ليسكنوا فيه من حركات التعب و نهضات النصب، و جعله لباسا ليلبسوا من راحته و منامه، فيكون ذلك لهم جماما و قوه، و لينالوا به لذه و شهوه) لما ذكر عليه السلام: خلق الليل و النهار و ايلاج احدهما فى الاخر بتقدير منه للعباد، اخذ يفصل بعض المنافع المخصوصه بالنهار، و بدا بذكر منافع الليل، و النهضات جمع نهضه من نهض بمعنى قام، و قال الفيومى فى المصباح: كان منه نهضه الى كذا اى حركه و الجمع نهضات و النصب: التعب، و معنى: نهضات النصب: الحركات التى اوجبها الجد و الجهد فى تحصيل المارب و فيه اشاره الى قوله تعالى: الله الذى جعل لكم الليل لتسكنوا فيه و النهار مبصرا و انما خص الليل بالسكون لخلقه باردا مظلما ليودى الى ضعف الحركات و هو الحواص ليستريحوا فيه من متاعب الاشغال، و لا كذلك النهار و ان كان السكون فيه ممكنا، و اللباس على وزن كتاب: ما يلبس من الثوب من باب تعب لبسا بضم اللام، و اما اللبس بالكسر فبمعنى اللباس، شبه الليل باللباس لستره بظلامه كما يستر اللباس، قال تعالى: و هو الذى جعل لكم الليل لباسا و قال: و جعلنا الليل لباسا قال المفسرون: اى غطاء يستتر بظلمته من اراد الاختفاء، و الجمام بفتح الجيم: الراحه و النشاط، و يقال جم الفرس جما و جماما: اذا ترك فلم يركب فذهب اعيائه، فقوله جماما: اشاره الى استراحه القوى النفسانيه، و الشهوه: انبعاث النفس و حركتها طلبا للملايم، و المراد بها هنا: المشتهى، اذا الشهوه نفسا لا اختصاص لها بالليل، و عبر عليه السلام بالشهوه عن المشتهى كما عبر سبحانه بالشهوات عن المشتهيات فى قوله تعالى: زين للناس حب الشهوات قال المفسرون: جعل الاعيان المشتهيات شهوات مبالغه فى كونها مشتهيات، و المراد باللذه و الشهوه اللتين تنالان فى الليل: الرفث الى النساء، \par
005    06    و انما خص ذلك بالليل لانه استر من النهار، و الفعل فيه اخفى منه فى النهار، و قد جاء النص على اخفاء هذا الفعل، و لانه احمد اوقاته، قالت الاطباء: اجود اوقاته النصف الاخير من الليل و قد انهضم الطعام و سخن باطن الرحم. \par
006    06    (بعص المنافع المخصوصه بالنهار) \par (و خلق لهم النهار مبصرا لينبغوا فيه من فضله، و ليتسببوا الى رزقه، و يسرحوا فى ارضه، طلبا لما فيه نيل العاجل من دنياهم، و درك الاجل فى اخريهم ) مبصرا اى ذا ابصار، و فيه اقتباس من قوله تعالى: جعل لكم الليل و النهار لتسكنوا فيه و لتبتغوا من فضله و تسبب اليه: توصل، ماخوذ من السب و هو الحبل، و هو ما يتوصل به الى الاستعلاء، ثم استعير لكل شى ء يتوصل به الى امر من الامور فقيل هذا سبب هذا، سرحت الابل من باب نفع سرحا و سروحا: خرجت بالغداه الى المرعى، و اذا رجعت بالعشى: قيل راحت، و منه قوله تعالى: و لكم فيها جمال حين تريحون و حين تسرحون شبه عليه السلام انتشار الناس لطلب المعاش فى اول النهار بخروج الابل الى مراعيها، و العاجل: اسم فاعل من عجل بمعنى حضر لا بمعنى اسرع، قال الفيومى فى المصباح عجل عجلا من باب تعب و عجله اسرع و حضر فهو عاجل، و منه العاجله: للساعه الحاضره، و الدنيا: تانيث الادنى و وزنها: فعلى كصغرى و كبرى تانيث الاصغر و الاكبر، و هى اسم لهذه الحيوه، قيل سميت بها لدنوها من الاخره، و قيل لبعد الاخره عنها، و الدرك بفتح الراء. الادراك و هى: اللحاق و الوصول، و الاجل: خلاف العاجل اسم فاعل من اجل من باب تعب بمعنى تاخر، و الاخرى بمعنى الاخره اسم لدار البقاء سميت بها لتاخرها عن الدنيا، و هى فى الاصل صفه فاجريت مجرى الاسماء كالاخره و الدنيا، بدليل قوله تعالى و ان عليه النشاه الاخرى ثم الله ينشا النشاه الاخره. \par فان قلت: فاذا كانت الاخرى بمعنى الاخره فكيف منعوا ان يقال جمادى الاخرى \par
006    06    مع قولهم جمادى الاخره؟ \par قلت انما منعوا ذلك لخوف اللبس فان الاخرى كما تكون بمعنى الاخره تكون مونث الاخر بفتح الخاء بمعنى المغاير المتقدم ذكره، و ان كان متقدما فى الوجود و كذلك مونثه و مجموعه فلو قيل جمادى الاخرى احتمل ان يراد بها هذا المعنى فيتناول المقدمه و المتاخره فيحصل اللبس بخلاف الاخره فانها نص فى التاخر الوجودى، \par و المراد بنيل العاجل فى الدنيا: نيل المنافع الدنيويه و المطالب المتعلقه بهذه النشائه، و بدرك الاجل من الاخرى: ادراك ثمرات الاعمال الصالحه الموجبه للسعاده الابديه فى النشائه الاخرويه. \par دل هذا الكلام منه عليه السلام على ان الله جل جلاله خلق الليل و النهار لعباده ليراعوا امر دنياهم و اخراهم، \par و الناس فى ذلك ثلثه اصناف: \par صنف: هم المنهكمون فى الدنيا بلا التفات منهم الى الاخرى و هم المسمون: عبده الطاغوت، و شر الدواب و ما شاكل ذلك من الاسماء، \par و صنف مخالفون لهم غايه المخالفه يراعون الاخرى من غير التفات منهم الى مصالح الدنيا، \par و صنف متوسط وفو الدارين حقهما، و هذا الصنف عند الحكماء: الافضلون لان بهم قوام اسباب الدنيا و الاخره، و منهم عامه الانبياء لان الله تعالى بعثهم لاقامه مصالح المعاد و المعاش، و لان امورهم مبنيه على الاعتدال الذى هو اشرف الاحوال، \par قال بعض المحققين من اصحابنا رضوان الله عليهم: ان ترك الدنيا بالكليه ليس هو مطلوب الشارع: من الزهد فيها و التخلى عنها، لان الشارع يراعى نظام العالم باشتراك الخلق فى عماره الدنيا و تعاونهم على المصالح ليتم بقاء النوع الانسانى، و ترك الدنيا و اهمالها بالكليه يهدم ذلك النظام و ينافيه، بل الذى تامر به الشريعه: القصد فى الدنيا، و استعمال متاعها على القوانين التى وردت به الرسل و الوقوف فيها عند الحدود المضروبه فى شرايعهم دون تعديها، و قد كان رسول الله صلى الله عليه و آله و على عليه السلام و جماعه من \par
006    06    اكابر الصحابه رضوان الله عليهم اميل الى طريق التقشف لكن مع مشاركتهم لاهل الدنيا فى تدبير احوال المدن و صلاح العالم غير منقطعين عن اهلها و لا منعزلين. \par
007    06    (اطلاق النظر عليه سبحانه من باب الاستعاره و الا..) \par (بكل ذلك يصلح شانهم، و يبلو اخبارهم، و ينظر كيف هم فى اوقات طاعته، و منازل فروضه، و مواقع احكامه، ليجزى الذين اساوا بما عملوا و يجزى الذين احسنوا بالحسنى) الباء للاستعانه متعلقه بيصلح قدم مع مجرورها عليه لتاكيد الشمول، و ذلك اشاره الى خلق الليل لباسا و النهار مبصرا و اعدادهما لمصالحهم من لبس الراحه و المنام و نيل اللذه و الشهوه، و الابتغاء من فضله و التسبب الى رزقه، و السروح فى ارضه لطلب منافعهم الدنيويه و الاخرويه، و الشان: الامر بمعنى الحال، و الاخبار جمع خبر محركه و هو اسم ما ينقل و يتحدث به، و المراد باخبارهم: ما يخبر به من اعمالهم فيظهر حسنها و قبيحها، و قوله عليه السلام: و يبلو اخبارهم كقوله تعالى: و لنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم و الصابرين و نبلو اخباركم و المعنى يعاملهم معامله المبتلى و المختبر به عن اعمالهم، و اطلاق النظر عليه سبحانه من باب الاستعاره و الا فالنظر حقيقه لا يجوز عليه تعالى لانه انما يكون بالقلب و هو ملاحظه معقول لتحصيل مجهول، او بالعين و هو تقليب الحدقه السالمه نحو المرئى التماسا لرويته و كل من هذين المعنيين لا يجوز عليه سبحانه، و انما يستعمل ذلك فى صفاته العليا على وجه المجاز و الاتساع، فيقال استعير النظر للعلم الحقيقى الذى لا يتطرق اليه شك، و يعنى به: العلم الذى يتعلق به الجزاء فان النظر انما هو لطلب العلم و هو تعالى يعامل عباده معامله المختبر الذى لا يعلم ما يكون منهم فيطلب العلم بما يكون منهم ليجازيهم على ما يظهر منهم دون ما قد علم انهم يفعلونه مظاهره فى العدل، قوله عليه السلام: فى اوقات طاعته، الاوقات التى وقتها سبحانه لطاعته مستحبه كانت كاوقات النوافل، و زمان الصوم المندوب، او واجبه كاوقات الصلوه \par
007    06    و شهر الصيام و اشهر الحج و نحو ذلك، قوله عليه السلام و منازل فروضه، المنازل جمع منزل و هو موضع النزول و الفروض جمع فرض و هو هنا بمعنى الايجاب من فرض الله الاحكام فرضا من باب ضرب اوجبها، و المراد بمنازل الفروض: متعلقاتها اعنى المفروضات جعل ما تعلق به الفرض كالمنزل له، و قوله عليه السلام: و مواقع احكامه، المواقع جمع موقع و هو المحل الذى يقع فيه الشى ء، و الحكم لغه: القضاء، و اصطلاحا خطاب الله تعالى المتعلق بالمكلفين، و المراد بموقعه: مناطه و متعلقه، و المعنى: و يرى على اى حال هم فى اوقات طاعته ايطيعونه فيها ام لا؟ و فيما فرضهم عليهم و امرهم به ايودونه و يمتثلون الامر بالقيام به ام لا؟ و فيما حكم به من التكاليف ايعملون باحكامه و يوثرون طاعته فيها ام لا؟ قوله عليه السلام ليجزى الذين اساوا بما عملوا و يجزى الذين احسنوا بالحسنى اى ليجزى الذين اساوا بعقاب ما عملوا و يجزى الذين احسنوا بالمثوبه الحسنى او المنزله و المرتبه الحسنى و هى الزلفى و الجنه، و فى جعل جزاء الاسائه ما عملوا، و جزاء الاحسان: الحسنى تنبيه على ان جزاء السيئه لا يضاعف و جزاء الحسنه يضاعف لان الحسنى مونث الاحسن و هو يقتضى الزياده كما صرح سبحانه بذلك فى قوله تعالى: فى سوره الانعام: من جاء بالحسنه فله عشر امثالها و من جاء بالسيئه فلا يجزى الا مثلها و هم لا يظلمون. \par
008    06    (مما يمكن ان يقال هنا من النكت الرائقه) \par (اللهم فلك الحمد على ما فلقت لنا من الاصباح، و متعتنا به من ضوء النهار) هذا التفات من الغيبه الى الخطاب، و تلوين للنظم من باب الى باب جار على نهج البلاغه فى افتنان الكلام و مسلك البراعه حسب ما يقتضيه المقام، قالوا و فائدته العامه ان التنقل من اسلوب الى اسلوب ادخل فى استجلاب النفوس و استماله القلوب حتى ان نفس المتكلم لتجد فى ذلك ما لا تجده فى اجراء الكلام كله على نمط واحد و حركه على منوال مطرد، و قد يختص كل موقع بنكت و لطائف باختلاف محله، \par فمما يمكن ان يقال هنا من النكت الرائقه امور: \par
008    06    احدها- الاشاره الى ان حق الكلام ان يجرى من اول الامر على طريق الخطاب لان الله تعالى حاضر لا يغيب بل هو اقرب من حبل الوريد لكن انما اجرى على طريق الغيبه و البعد عن مقام الحضور و القرب: رعايه الادب الذى هو داب السالكين و شعار المحبين فلما حصل القيام بهذه الوظيفه جرى الكلام على ما كان حقه ان يجرى عليه فى ابتداء الذكر، ففى الحديث القدسى: انا جليس من ذكرنى، \par الثانى- التنبيه على ان الدعاء ينبغى ان يكون عن قلب حاضر، و توجه كامل بحيث كلما اجرى الداعى صفه من تلك الصفات العظمى على لسانه و نقشه على صفحه جنانه حصل للمدعو مزيد انكشاف و انجلاء و للداعى زياده قرب و اعتلاء و هكذا شيئا فشيئا الى ان يترقى الى درجه الحضور و يفوز بمرتبه العيان فيناجيه بصيغه الخطاب، \par الثالث- انه لما شرع فى الدعاء نوى القربه فاثنى على الله تعالى بما ناسب الوقت بطريق الغيبه فكانه استشعر اجابه دعائه فى حصول القربه فانتقل من مقام الغيبه الى مقام الحضور، \par الرابع- انه لما اخذ يدعو كان ذاكرا مفكرا فحمد الله بلفظ الغيبه ثم صار واصلا فحمده بصيغه الخطاب، \par الخامس- انه لما ابتدا الدعاء كان ناظرا و ملاحظا عظمه مخلوقاته ثم التفت الى عظمه الخالق فناجاه مخاطبا، \par و الفاء من قوله فلك الحمد فصيحه اى اللهم اذا كان خلق الليل و النهار لهذه المصالح العظيمه و المنافع الجليله فلك الحمد، و تقديم الظرف للتخصيص اى لك الحمد خاصه، و فلقت الشى ء فلقا من باب ضرب شققته، و الاصباح مصدر سمى به الصبح، قال تعالى: فالق الاصباح قيل المراد فالق ظلمه الاصباح و هى الغبش فى آخر الليل، و كان الافق كان بحرا مملوا من الظلمه ثم انه تعالى شق ذلك البحر المظلم بان اجرى فيه جدولا من النور فالمعنى: فالق ظلمه الاصباح بنور الاصباح، و حسن الحذف للعلم به، \par
008    06    او المراد فالق الاصباح بضياء النهار و اسفاره، و متعته بالشى ء بالتثقيل و امتعته به بالهمزه: جعلته له متاعا و هو اسم لما ينتفع به، و الضوء: النور و هو ما انتشر من الاجسام النيره، و قيل هى اقوى من النور فهو فرط الاناره. \par و قال المتكلمون: القائم بالمضى ء هو الضوء كما فى الشمس و بالمضى بغيره هو النور كما فى القمر و وجه الارض قال تعالى: جعل الشمس ضياء و القمر نورا و قد يتعاوران. \par (و بصرتنا من مطالب الاقوات، و وقيتنا فيه من طوارق الافات، \par بصره اياه و بصر به تبصيرا: عرفه و اوضحه له حتى كانه مبصر له، او هو من البصيره بمعنى العلم و الخبره اى علمتنا، و مفعول بصرتنا محذوف و التقدير: على ما بصرتناه فى ضوء النهار من مطالب الاقوات و حذف المفعول كثير فى مثل هذا المقام، و المطالب جمع مطلب يكون مصدرا او اسم مكان اى موضع الطلب و كل من المعنيين محتمل هنا اى عرفتناه من طلب الاقوات او اماكن طلبها، و الاقوات جمع قوت بالضم و هو ما يوكل ليمسك الرمق، و وقاه الله يقيه وقايه بالكسر: حفظه، و الطوارق جمع طارق او طارقه بمعنى حادث او حادثه اى حوادث الافات، \par
009    06    اصبحنا و اصبحت الاشياء كلها بجملتها لك: سمائها و ارضها) \par و اصبحنا اى دخلنا فى الصباح، و الاشياء جمع شى ء و هو فى اللغه عباره عن كل موجود: اما حسا كالاجسام او حكما كالاقوال، و كلها تاكيد للاشياء افادت عموم افرادها، و بجملتها حال موكده لصاحبها، و الجمله بالضم: جماعه الشى ء اى و اصبحت الاشياء كلها جميعا، كقوله تعالى: و لو شاء ربك لامن من فى الارض كلهم جميعا قوله عليه السلام: سمائها و ارضها، بدل بعض من الاشياء و الغرض: التفصيل بعد الاجمال بسطا للكلام حيث الاصغاء مطلوب. \par (السماء افضل ام الارض؟) \par و فى تقديم السماء على الارض فى الذكر مع تقدم خلق الارض على خلق السماء كما ورد عن ابى جعفر عليه السلام و عليه اطباق اكثر المفسرين ايماء الى شرفها و افضليتها، و المسئله محل خلاف: \par
009    06    فقال بعضهم: السماء افضل لانها متعبد للملائكه، و ما فيها بقعه عصى الله فيها، و قال تعالى: و جعلنا السماء سقفا محفوضا و ورد فى الاكثر ذكر السماء مقدما على الارض، و السماويات موثره و السفليات متاتره و الموثرات اشرف من المتاثر، \par و قال آخرون بل الارض افضل لانه تعالى وصف بقاعا من الارض بالبركه فقال: ان اول بيت وضع للناس للذى ببكه مباركا فى البقعه المباركه الى المسجد الاقصى الذى باركنا حوله مشارق الارض و مغاربها التى بار كنا فيها يعنى ارض الشام و وصف جمله الارض بالبركه، و بارك فيها و قدر فيها اقواتها فى اربعه ايام \par فان قيل: و اى بركه فى المفاوز المهلكه؟ \par قلنا انها مساكن الوحوش و مرعاها و مساكن الناس اذا احتاجوا اليها و مساكن خلق لا يعلمهم الا الله تعالى، فلهذه البركات قال تعالى: و فى الارض آيات للموقنين تشريفا لهم لانهم هم المنتفعون بها، كما قال: هدى للمتقين و خلق الانبياء من الارض، منها خلقناكم و اودعهم فيها، و فيها نعيدكم و اكرم نبيه المصطفى فجعل الارض كلها مسجدا و طهورا، هكذا ذكر المفسرون، و قال ابن ابى الحديد فى شرح النهج لا شبهه ان السماء اشرف من الارض على راى المليين و على راى الحكماء: اما اهل المله فلان السماء مصعد الاعمال الصالحه، و محل الانوار، و مكان الملائكه و فيها العرش و الكرسى و الكواكب، و اما الحكماء فلامور اخرى تقتضيها اصولهم، انتهى، قلت و مما يدل على \par \par
009    06    ان السماء اشرف من الارض: قول اميرالمومنين صلوات الله عليه فى خطبه له: من ملائكه اسكنتهم سمواتك و رفعتهم عن ارضك هم اعلم خلقك بك و اخوفهم لك، و اقربهم منك فقوله عليه السلام: و رفعتهم عن ارضك صريح فى اشرفيه السماء اذ المعنى شرفتهم و اعليت اقدارهم عن سكنى ارضك لخساستها بالنسبه الى شرف اقدارهم، كما تقول لمن يعز عليك اذا زاول امرا خسيسا: انا ارفعك عن هذا اى اجل شانك عنه، \par ثم التفضيل بين السماء و الارض انما يتم على قول من زعم ان الفلك جماد غير ذى روح و نطق و ان الكواكب كالدرر و اليواقيت و سائر الاحجار جمادات، و اما على القول بان السموات و ما فيها كلها حيه ناطقه مطيعه لله تعالى فى حركاتها، و ان حركاتها عباده ملكيه كما ذهب اليه جمع كثير من محققى الحكماء الاسلاميين، و استدلوا على ذلك ببراهين عقليه و دلائل نقليه، فلا مجال للتفضيل بينهما و الله اعلم. \par (معنى السكون و الحركه) \par (و ما بثثت فى كل واحد منهما ساكنه و متحركه، و مقيمه و شاخصه، و ما علا فى الهواء، و ما كن تحت الثرى) بث الله الخلق بثا من باب قتل خلقهم، و بث السلطان الجند فى البلاد نشرهم، و ما موصوله بمعنى الذى اى و الذى خلقت او نشرت فى كل واحد من السماء و الارض كالملائكه و الكواكب فى السماء و اصناف الحيوان و النبات و الجماد فى الارض، و لم يقل كل واحده منهما بالتانيث مع ان كلا منهما مونت سماعى لانه اراد النوع او الفرد، و السكون عند الحكماء: عدم الحركه عما من شانه ان يتحرك، و بهذا القيد احترزوا عن المفارقات اعنى الجواهر المجرده عن الماده القائمه بانفسها فان الحركه مسلوبه عنها لكن ليس من شانها الحركه فلا تتصف بحركه و لا سكون، و عند المتكلمين حصول الجسم فى المكان اكثر من زمان واحد، و بين المعنيين تلازم فى الوجود و تغاير فى المفهوم و على الاول التقابل بين الحركه و السكون تقابل العدم و الملكه و على الثانى تقابل الضدين، قال فى الملخص: ماخذ الخلاف: ان الجسم اذا لم يكن متحركا عن مكانه كان هناك امران: احدهما- حصوله فى ذلك المكان المعين، و الثانى- عدم حركته عنه مع ان من شانه \par
009    06    ان يتحرك، و الاول امر ثبوتى من مقوله الاين، و الثانى عدمى بالاتفاق، و المتكلمون اطلقوا لفظ السكون على الاول، و الحكماء على الثانى فالنزاع لفظى، \par و الحركه: قيل هى الخروج من القوه الى الفعل على سبيل التدريج، و بهذا القيد احترز عن الكون و هو ما حدث دفعه كانقلاب الهواء ماء فان الصوره الهوائيه كانت للماء بالقوه فخرجت منها الى الفعل دفعه، و قيل هى انتقال المتحيز من حيز الى حيز آخر، و قيل هى حصول المتحيز من حيز بعد ان كان فى حيز آخر، \par ثم المتحرك هنا يشمل ما كان حركته كميه و هى انتقال الجسم من كميه الى اخرى كالنمو و الذبول او كيفيه كانتقال الجسم من البروده الى الحراره على التدريج و بالعكس، و تسمى هذه الحركه استحاله او اينيه و هى حركه الجسم من مكان الى آخر و تسمى نقله او وضعيه و هى الحركه المستديره التى يلازم الجسم معها مكانه كحركه الرحى و الكره فى مكانها و ما كانت حركه اراديه و هى ما يكون مبدوها بسبب امر خارج مقارنا بشعور و اراده كالحركه الصادره من الحيوان بارادته، او قسريه و هى ما يكون مبدوها بسبب ميل مستفاد من خارج كالحجر المرمى الى فوق، او طبيعيه و هى ما لا تحصل بسبب امر خارج و لا تكون مع شعور و اراده كحركه الحجر الى اسفل، او عرضيه و هى ما تكون عروضها للجسم بواسطه عروضها لشى ء آخر بالحقيقيه كحركه الدره المتحركه بحركه الحقه، اذا عرفت ذلك فتقديم الساكن على المتحرك فى الذكر لكون السكون مقدما على الحركه، قوله عليه السلام: و مقيمه و شاخصه، اقامه بالمكان اقامه دام فهو مقيم، و شخص يشخص من باب منع شخوصا: خرج من موضع الى غيره فهو شاخص، \par (المراد بالمقيم و الشاخص و ما علا فى الهواء و ما كن تحت) \par (الثرى من الملائكه) \par فان قلت: ما لمراد بالمقيم و الشاخص مما بثه الله سبحانه فى السماء؟ \par
009    06    قلت: يحتمل ان يراد بالمقيم الملائكه الذين لا يبرحون من السماء و هم ارباب العباده فمنهم من هو ساجد ابدا لا يقوم من سجوده ليركع و منهم من هو راكع ابدا لم ينتصب قط و منهم الصافون بالصلوه بين يدى خالقهم لا يتزايلون، كما ورد فى كلام اميرالمومنين صلوات الله عليه حيث قال: ثم فتق ما بين السموات العلى فملا هن اطوارا من ملائكته منهم سجود لا يركعون و ركوع لا ينتصبون و الصافون لا يتزايلون و يكون المراد بالشاخص: الملائكه الذين يخرجون من السماء بامر ربهم و يهبطون الى الارض لامور و كلوا بها كالمعقبات و هم الملائكه الذين ينزلون بالبركات و يصعدون بارواح بنى آدم و اعمالهم، و كالملائكه الذين يكتبون الصلوه على النبى صلى الله عليه و آله، \par كما روى عن ابى عبدالله عليه السلام اذا كان يوم الخميس عند العصر اهبط الله تعالى ملائكه من السماء الى الارض معها صحائف من فضه بايديها اقلام من ذهب تكتب الصلوه على محمد فى ذلك اليوم و تلك الليله الى الغد الى غروب الشمس، و كالملائكه الموكلين بقبره صلى الله عليه و آله، فقد ورد: ما من فجر يطلع الا نزل سبعون الف ملك حتى يحفو بقبر النبى صلى الله عليه و آله حتى اذا امسوا عرجوا وهبط مثلهم فصنعوا مثل ذلك، الحديث، \par قوله عليه السلام: و ما علا فى الهواء و ما كن تحت الثرى، علا الشى ء يعلو علوا من باب قعد: ارتفع و الهواء بالمد: الجو و هو المسخر بين السماء و الارض و الجمع اهويه و كن بالفتح بمعنى استكن اى استتر و اختفى، و الثرى بالقصر: التراب الندى، قال بعض المفسرين: التحقيق ان الثرى: هو التراب الندى و هو ما جاور البحر من جرم الارض، و يويده قول اهل اللغه: الثرى: التراب الندى فان لم يكن نديا فهو تراب و لا يقال حينئذ تراب و الحاصل ان له سبحانه: ما علا و ما سفل و ما توسط و ما نزل. \par
010    06    (اصبحنا فى قبضتك يحوينا ملكك و سلطانك، و تضمنا مشيتك، و نتصرف عن امرك، و نتقلب فى تدبيرك، قبض الشى ء قبضا من باب ضرب اخذه بكفه و هو فى قبضه، و فى قبضته بالفتح اى فى ملكه و المعنى اصبحنا فى ملكك و تحت قدرتك تتصرف فينا كيف تشاء بلامانع و لا دافع، حوى الشى ء يحويه اذا ضمه و استولى عليه، و الملك بالضم اسم من ملك على الناس اى تولى امرهم: و جمله يحوينا ملكك حال موكده لمضمون الجمله قبلها، و السلطان هنا بمعنى الولايه و عطفه على الملك من قبيل عطف الشى ء على مرادفه نحو: انما اشكو بثى و حزنى الى الله و ضم الشى ء ضما من باب قتل جمعه و ضم المشيه كنايه عن جريانها فى جميع مخلوقاته سبحانه و اجتماعهم تحتها فكانها جمعتهم جميعا بحيث لا يشذ عنها منهم شاذ، قوله عليه السلام: و نتصرف عن امرك: التصرف و التقلب بمعنى صرفته فى الامر و المراد به الامر التكوينى، و قيل امر المخلوق بالتوجه الى وجهته على وفق اراده الله تعالى و سوق الحكمه الالهيه كلا الى غايته و هو اشاره الى توجيه اسبابه بحسب القضاء الالهى عليه بذلك و قوله عليه السلام: و نتقلب فى تدبيرك، التقلب: الصيروره من حال الى حال و اصله من التقلب ظهر البطن، و التدبير: فعل الشى ء عن فكر و رويه و المراد هنا تعلق العلم بصلاح آخره كتعلقه بصلاح اوله من غير رويه و فكر، \par
011    06    (معنى الخير و الشر، و المال سمى بالخير تاره و بالشر اخرى لانه) \par ليس لنا من الامر الا ما قضيت، و لا من الخير الا ما اعطيت) \par قوله عليه السلام: ليس لنا من الامر الا ما قضيت، الامر هنا بمعنى الشان و الحاله و الالف و اللام فيه جنسيه لاستغراق الافراد اى ليس لنا من كل امر الا ما قضيته قال العلامه البهائى قدس سره فى المفتاح: المراد بالامر هنا: النفع فالمعطوفه عليها كالمفسره لها، و انما فسره بالنفع لما يدل عليه بحسب الظاهر من الجبر و سلب اختيار العبد لو اريد بالامر مطلقه فتكون افعال العباد كلها خيرها و شرها بقضائه تعالى و بطلانه معلوم عندنا عقلا و نقلا فوجب التاويل فاذا اول الامر بالنفع كان من فعله تعالى و فعله لا يكون الا بقضائه سبحانه فكانت افعال العباد خارجه عنه، قوله عليه السلام: و لا من الخير الا ما اعطيت، الخير لفظ جامع لجميع الامور الحسنه كما ان الشر جامع لجميع الامور القبيحه فهو مفهوم كلى يندرج تحته افراد كثيره، و قيل الخير هو الوجود و اطلاقه على غيره انما هو بالعرض و هو ينقسم الى خير مطلق كوجود العقل و الى خير مقيد كوجود كل واحده من الصفات المرضيه و الشرايع النبويه و الاول هو الحق و هو معنى قول بعض العلماء: الخير ما يرغب فيه الكل كالعقل مثلا و العدل، و الشر ضده و المال سمى بالخير تاره و بالشر اخرى نحو ان ترك \par
011    06    خيرا و يحسبون انما نمدهم من مال و بنين نسارع لهم فى الخيرات لانه خير لشخص و شر لاخر فمن انفقه فى سبيل الله تعالى و امسكه عن سبيل الشيطان كان له خيرا و من عكس كان له شرا. \par
012    06    (معنى اليوم و الحدوث و الشاهد، و وعظ اليوم لبنى آدم) \par (و هذا يوم حادث جديد، و هو علينا شاهد عتيد، ان احسنا و دعنا بحمد و ان اسانا فارقنا بذم) اليوم فى اللغه عباره عن الزمن الذى يقع ما بين طلوع الشمس الى غروبها و فى الشرع عباره عما يقع بين طلوع الفجر الى غروب الشمس، و حدث الشى ء حدوثا من باب قعد: وجد بعد عدمه، و شهد على الشى ء اطلع عليه و عاينه فهو شاهد و شهيد، و شهد عليه بكذا: اخبر بما اطلع عليه منه، و منه قوله تعالى يوم تشهد عليهم السنتهم و ايديهم و ارجلهم بما كانو يعملون و كثيرا ما يحذف متعلق الشهاده اعنى الاخبار بما قد شوهد فيقال شهد فلان اى اخبر بما شاهده منه فهو شاهد عليه و شهيد ايضا و منه قوله تعالى: و قالوا لجلودهم لم شهدتم علينا و يمكن هذا المعنى هو المراد هنا، و فى معناه: \par ما رواه ثقه الاسلام فى الكافى بسنده عن ابى عبدالله عليه السلام قال: ما من يوم ياتى على ابن آدم الا قال له ذلك اليوم يابن آدم: انا يوم جديد و انا عليك شهيد فقل فى خيرا و اعمل فى خيرا اشهد لك يوم القيمه فانك لن ترانى بعدها ابدا، قال بعض العلماء هذا القول بلسان الحال و ينبغى للمومن ان يسمعه باذن قلبه و يعمل بمقتضاه، قلت و هذه الشهاده ايضا بلسان الحال و النطق به فان اليوم لما كان ظرفا لمباشره الفعل كان حضور ذلك اليوم و ما صدر فيه فى علم الله تعالى بمنزله الشهاده بين يديه و آكد فى الدلاله، و العتيد فعيل بمعنى فاعل عتد الشى ء كعظم عتادا بالفتح بمعنى حضر فهو عتد بفتحتين و عتيد، و يتعدى بالهمزه و التضعيف فيقال اعتده صاحبه و عتده اذا اعده و هياه فهو معتد \par
012    06    و منه قوله تعالى: انا اعتدنا للظالمين نارا قوله عليه السلام: ان احسنا و دعنا بحمد، احسن: فعل الحسن كما يقال اجاد اذا فعل الجيد و اساء: فعل سوءا، و الباء فى قوله بحمد و بذم للملابسه اى و دعنا متلبسا بحمد و فارقنا متلبسا بذم. \par
013    06    (اختلفت اقوال الاكابر فى تحقيق الكبائر) \par (اللهم صل على محمد و آله، و ارزقنا حسن مصاحبته، و اعصمنا من سوء مفارقته بارتكاب جريره، او اقتراف صغيره او كبيره) رزق الله رزقا بالفتح اعطاه و وهبه اى وهب لنا حسن مصاحبته، و المصاحبه مفاعله من الصحبه بمعنى المعاشره و تطلق على مطلق الملازمه و حسن مصاحبته كنايه عن الكون فيه بالطاعات و اجتناب المعاصى و عدم الاعداد لها اذ كان ارتكابها هو الموجب لسوء مفارقته كما اشار اليه عليه السلام بقوله: بارتكاب جريره او اقتراف صغيره او كبيره، ارتكاب الذنب و اقترافه بمعنى اى اكتسابه، و الجريره: ما يجره الانسان من ذنب فعيله بمعنى مفعوله، و الصغيره و الكبيره من الصفات الغالبه، قيل الصغيره هى الزله التى لا تكسب النفس هيئه رديه باقيه بل حاله تسرع زوالها و الكبيره بخلافها، \par و قد اختلفت اقوال الاكابر فى تحقيق الكبائر فروى ثقه الاسلام فى الكافى باسناده عن ابى عبدالله عليه السلام قال: الكبائر التى اوجب الله عز و جل عليها النار، و قال قوم هى كل ذنب رتب عليه الشارع حدا او صرح فيه بالوعيد، و قيل هى كل معصيه يلحق صاحبها الوعيد الشديد بنص من كتاب او سنه، و قال بعضهم هى كل جريره توذن بقله اكتراث صاحبها بالدين، و قالت طائفه كل ذنب علمت حرمته بدليل قاطع، و عن ابن مسعود انه قال: اقروا من اول سوره النساء الى قوله تعالى: ان تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم فكلما نهى عنه فى هذه السوره الى هذه الايه فهو كبيره، و ضعف بانه تعالى ذكر الكبائر فى سائر السوره فلا وجه للتخصيص، و قال جماعه: هى الذنوب التى نص عليها النبى صلى الله عليه و آله باعيانها فقال: اجتنبوا السبع الموبقات: \par
013    06    الشرك بالله، و السحر و قتل النفس التى حرم الا بالحق، و اكل الربا، و اكل مال اليتيم، و التولى يوم الزحف، و قذف المحصنات الغافلات المومنات، و ضعف بانه ذكر عند ابن عباس انها سبعه فقال هى الى السبعين و فى روايه الى السبعماه اقرب منها الى السبع، و فى روايه عن الرضا عليه السلام انها السبع المذكوره، و الياس من روح الله، و الامن من مكر الله، و عقوق الوالدين و الزنا و اليمين الغموس و الغلول و منع الزكوه المفروضه و شهاده الزور و شرب الخمر و ترك الصلوه متعمدا او شيى مما فرض الله عز و جل و نقض العهد و قطعيه الرحم، و زاد بعضهم: اللواط و الغيبه و استحلال الكعبه و التعرب بعد الهجره، و زاد بعض: اكل الميته و الدم و لحم الخنزير و ما اهل لغير الله به من غير ضروره و السحت و القمار و البخس فى الكيل و الوزن و معاونه الظالمين و حبس الحقوق من غير عسر و السعايه الى الظالم و تاخير الحج عن عام الوجوب اختيارا و الظهار و الاسراف و التبذير و الخيانه و الاشتغال بالملاهى و الاصرار على الذنوب و الرشوه و المحاربه بقطع الطريق و القياده و الدياثه و النميمه و الغصب و الكذب خصوصا على رسول الله صلى الله عليه و آله و ضرب المسلم بغير حق و تاخير الصلوه عن وقتها، \par (فى ان الذنوب هل هى كلها كبائر؟ ام تنقسم الى كبائر و صغائر؟) \par قال قوم جميع الذنوب و المعاصى كبائر، قال الشيخ امين الاسلام الطبرسى فى تفسيريه الكبير و الصغير: و الى هذا ذهب اصحابنا رضوان الله عليهم فانهم قالوا: المعاصى كلها كبائر من حيث كانت قبائح لكن بعضها اكبر من بعض و ليس فى الذنوب صغير و انما يكون صغيرا بالاضافه الى ما هو منه اكبر و يستحق عليه العذاب اكثر، انتهى كلامه، و لا يخفى انه مشعر بان هذا القول متفق عليه بين الاماميه، لكن قال شيخنا الشهيد الثانى قدس سره فى شرح الشرائع: اختلف الاصحاب و غيرهم فى ان الذنوب هل هى كلها كبائر ام تنقسم الى كبائر و صغائر؟ فذهبت جماعه منهم المفيد و ابن البراج و ابوالصلاح و ابن ادريس و الطبرسى الى الاول نظرا الى اشتراكها فى مخالفه امره و نهيه تعالى و جعلوا الوصف بالكبر و الصغر اضافيا فالقبله المحرمه صغيره بالنسبه \par
013    06    الى الزنا و كبيره بالنسبه الى النظر، و كذلك غصب الدرهم كبيره بالنسبه الى غصب اللقمه و صغيره بالاضافه الى غصب الدينار و هكذا و ذهب المصنف و اكثر المتاخرين على الثانى عملا بظاهر قوله تعالى: ان تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم دل بمفهومه على ان اجتناب بعض الذنوب و هى الكبائر يكفر السيئات و هو يقتضى كونها غير كبائر، و قال تعالى: الذين يجتنبون كبائر الاثم و الفواحش مدحهم على اجتناب الكبائر من غير ان يضايقهم فى الصغائر، و فى الحديث ان الاعمال الصالحه تكفر الصغائر، \par اذا تقرر ذلك فعلى القول الاول يقدح فى العداله مواقعه اى معصيه كانت و لا يخفى ما فى هذا من الحرج و الضيق لان غير المعصوم لا ينفك عن ذلك و قد قال تعالى: ما جعل عليكم فى الدين من حرج و اجاب ابن ادريس بان الحرج ينتفى بالتوبه، و اجيب بان التوبه تسقط بالكبائر و الصغائر و لا يكفى فى الحكم بالتوبه مطلق الاستغفار، و اظهار الندم حتى يعلم من حاله ذلك، و هذا قد يودى الى زمان طويل يفوت معه الغرض من الشهاده و نحوها فيبقى الحرج، و على الثانى: يعتبر اجتناب الكبائر كلها و عدم الاصرار على الصغائر فان الاصرار عليها يلحقها بالكبيره و من ثم ورد لا صغيره مع الاصرار و لا كبيره مع الاستغفار و المراد بالاصرار: الاكثار منها سواء كان من نوع واحد او انواع مختلفه، و قيل المداومه على نوع واحد منها، و لعل الاصرار يتحقق بكل منهما و فى حكمه العزم على فعلها ثانيا و ان لم يفعل، و اما من فعل الصغيره و لم يخطر على باله بعدها العزم على فعلها و لا التوبه منها فهذا الذى لا يقدح العداله و الا لادى الى ان لا يقبل شهاده احد، و لعل هذا مما تكفره الاعمال الصالحه من الصلاه و الصيام و غيرهما كما جاء فى الخبر انتهى كلام الشهيد طاب ثراه. \par
013    06    (معنى: تكفير الصغائر باجتناب الكبائر على القول بان) \par (الوصف بالكبر و الصغر اضافى) \par تنبيهان: الاول- قال بعضهم ان تكفير الصغائر باجتناب الكبائر على القول بان كلا منها امور مخصوصه معقول فما معناه على القول بان الوصف بالكبر و الصغر اضافى؟ و اجيب بان معناه ان من عن له امران منها ودعته نفسه اليهما بحيث لا يتمالك فكفها عن اكبرهما مرتكبا اصغرهما فانه يكفر عنه ما ارتكبه لما استحقه من الثواب على اجتناب الاكبر كمن عن له التقبيل و النظر بشهوه فكف عن التقبيل و ارتكب النظر و فيه انه يلزم منه ان من كف نفسه عن قتل شخص و قطع يده مثلا يكون مرتكبا للصغيره و تكون مكفره، اللهم الا ان يراد بقوله مرتكبا اصغرهما: ما لا اصغر منه فى نوعه و هو فى المثال اقل ما يصدق عليه الضرر و فيه ما فيه، \par الثانى- قال العلامه البهائى قدس سره فى شرح الاربعين: الظاهر ان قولهم: العدل من يجتنب الكبائر و لا يصر على الصغائر ينبغى ان يراد به انه اذا عن له امران كف عن الاكبر و لم يصر على الاصغر، و هذا المعنى و ان كان غير مشهور فيما بينهم و لا مسطور فى مصنفاتهم بل المتعارف بينهم خلافه، لكنه هو الذى يقتضيه النظر بناء على القول بان الذنوب كلها كبائر، فما فى كلام بعض الاعلام بانه يلزمهم ان يكون كل معصيه مخرجه عن العداله، محل نظر انتهى. \par (انه تعالى لم يميز جمله الكبائر عن جمله الصغائر، و حكمه ذلك) \par قال العلامه النيسابورى فى تفسيره: الحق فى هذه المسئله و عليه الاكثر بعد اثبات تقسيم الذنب الى الصغيره و الكبيره انه تعالى لم يميز جمله الكبائر عن جمله الصغائر لما بين فى قوله تعالى: ان تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم ان اجتناب الكبائر يوجب تكفير الصغائر فلو عرف المكلف جميع الكبائر اجتنبها فقط و اجترء على الاقدام على الصغائر و اما اذا عرف انه لا ذنب الا و يجوز كونه كبيرا صار هذا المعنى زاجرا له عن الذنوب كلها و نظير هذا فى الشرع اخفاء ليله القدر فى ليالى شهر رمضان \par
013    06    و ساعه الاجابه فى ساعات الجمعه و وقت الموت فى جمله الاوقات هذا و لا مانع من ان يبين الشارع فى بعض الذنوب انه كبيره. \par
014    06    (معنى الحمد و الشكر لغه و عرفا و بيان النسبه بينهما) \par (و اجزل لنا فيه من الحسنات، و اخلنا فيه من السيئات، و املا لنا ما بين طرفيه حمدا و شكرا و اجرا و ذخرا و فضلا و احسانا) اجزل له فى العطاء اذا اوسعه و اكثر منه اى و اكثرلنا فيه من الحسنات، و الغرض سوال افاضه قوه تستعد بها النفوس و تقوى على الاكثار من كسب الحسنات، و من اما زائده نحو يغفر لكم من ذنوبكم على راى الاخفش او ابتدائيه و المفعول محذوف و التقدير: و اجزل لنا فيه العطاء من الحسنات، و اخلاه: جعله خاليا اى فارغا اى اجعلنا فارغين من السيئات بحسم اسبابها و عدم الاعداد لها، و حاصل ذلك كله سوال التوفيق و الالطاف الداعيه الى كسب الحسنات و الالطاف الصارفه عن اكتساب السيئات، و لك حمل كل من الحسنات و السيئات على معناه اللغوى فتعم الدينيه و الدنيويه، ملا الاناء من باب نفع: افعمه و طرف الشى ء بالتحريك جانبه و المراد بطرفيه: اوله و آخره و هو كنايه عن جميعه و الغرض طلب الكثره من الحمد و الشكر و ما بعد هما بحيث لا يخلوآن من آناء اليوم من شى من ذلك حتى لو قدر ان يكون اليوم اناء و الحمد و ما بعده اجساما لبلغت من كثرتها ان نملاه، \par و لكل من الحمد و الشكر معنيان لغوى و عرفى: فالحمد لغه: هو الثناء باللسان على الجميل سواء تعلق بالفضائل او بالفواضل، و عرفا: فعل ينبى ء عن تعظيم المنعم عن النعمه باللسان او الجنان او الاركان، و الشكر لغه: فعل ينبى ء عن تعظيم المنعم بسبب الانعام من اللسان او الجنان او الاركان و عرفا: صرف العبد جميع ما انعم الله عليه من السمع و البصر و غيرهما الى ما خلقه الله لاجله: فبين الحمد اللغوى و الحمد العرفى عموم و خصوص من وجه، كما ان بين الحمد اللغوى و الشكر اللغوى ايضا كذلك، و بين الحمد العرفى و الشكر العرفى عموم و خصوص مطلقا كما ان بين الشكر اللغوى \par
014    06    و الشكر العرفى ايضا كذلك و بين الشكر العرفى و الحمد اللغوى عموم و خصوص من وجه و لا فرق بين الشكر اللغوى و الحمد العرفى، \par ثم الحمد و الشكر و ان كانا من فعل العبد لكن التوفيق لهما و الاقدار عليهما من فعله سبحانه و لذلك سالهما، و الاجر: الثواب، و ذخرته ذخرا من باب نفع و الاسم الذخر بالضم اذا اعددته لوقت الحاجه اليه و الذخر ما اذخرته ايضا كالذخيره و هو المراد هنا و عنى به الاعمال الصالحه التى تعد ليوم الفاقه اليها و استعار لها لفظ الذخر باعتبار ان تحصيلها فى الدنيا لغايه الانتفاع بها فى العقبى كالذخيره و ما احسن ما قال القائل: \par و اذا افتقرت الى الذخائر لم \par تجد ذخرا يكون كصالح الاعمال \par و الفضل: الزياده و الخير. و الاحسان لغه فعل ما ينبغى ان يفعل من الخير، و فى الشرع: ان تعبد الله كانك تراه و ان لم تكن تراه فانه يراك. \par
015    06    (ليس على الكرام الكاتبين فى كتابه الحسنات مونه و كلفه و انما الكلفه) \par (عليهم فى كتابه السيئات) \par (اللهم يسر على الكرام الكاتبين مونتنا، و املا لنا من حسناتنا صحائفنا، و لا تخزنا عندهم بسوء اعمالنا) يسر الشيى ء يسرا من باب قرب: سهل فهو يسير، و المونه: الثقل، و الكرام الكاتبون: هم الملائكه الذين يحصون اعمال العباد و هم الحافظون، قال تعالى: و ان عليكم لحافظين كراما كاتبين قال العلامه البهائى قدس سره فى المفتاح تيسير المونه عليهم كنايه عن طلب العصمه عن اكثار الكلام و الاشتغال بما ليس فيه نفع دنيوى و لا اخروى اذ يحصل به التخفيف على الكرام الكاتبين بتقليل ما يكتبونه من اقوالنا و افعالنا، انتهى، و فى الحديث: عجبت لابن آدم و ملكاه على عاتقيه و لسانه قلمهما و ريقه مداد هما كيف يتكلم فيما لا يعنيه؟ و نظر بعض السلف الى رجل يفحش فقال يا هذا انك تملى على حافظيك كتابا فانظر ماذا تقول، و سمع بعض الاكابر رجلا يكثر الكلام فيما لا يعنيه فقال ان حفظه هذا منه فى مونه، \par قال بعض العلماء: ليس على الكرام الكاتبين فى كتابه الحسنات مونه و كلفه و \par
015    06    انما الكلفه عليهم فى كتابه السيئات، و قد ورد فى بعض الاخبار انهم اذا كتبوا الحسنات صعدوا بها فرحين و عرضوها على ربهم مسرورين و اذا كتبوا سيئه صعدوا بها و جمعين محزونين فيقول الله عز و جل ما فعل عبدى؟ فيسكتون حتى يسئلهم ثانيا و ثالثا فيقولون الهنا! انت الستار على عبادك و قد امرت بستر العيوب فاستر عيوبهم، و انت علام الغيوب، و لهذا يسمون كراما كاتبين. \par (كل ما يدركه الانسان بحواسه يرتفع منه اثر الى روحه و يجتمع فى) \par (صحيفه ذاته) \par قوله عليه السلام: و املالنا من حسناتنا صحائفنا، الحسنات ما يتعلق به الثواب و القربه، و هذه الصحائف هى صحائف الاعمال المشار اليها بقوله تعالى، و اذا الصحف نشرت قال الطبرسى يعنى صحف الاعمال التى كتبت فيها الملائكه اعمال اهلها من خير و شر تنشر ليقراها اصحابها و لتظهر الاعمال فيجازوا بحسبها، و عن قتاده: هى صحيفتك يابن آدم تطوى على عملك حين موتك ثم تنشر يوم القيمه فلينظر رجل بما يملى فى صحيفته، \par و قال بعض ارباب المعقول: كل ما يدركه الانسان بحواسه يرتفع منه اثر الى روحه و يجتمع فى صحيفه ذاته و خزانه مدركاته و كذلك كل مثقال ذره من خير او شر يعمله يرى اثره مكتوبا ثمه و لا سيما مار سخت بسببه الهيات و تاكدت به الصفات و صار خلقا و ملكه فالافاعيل المتكرره و الاعتقادات الراسخه فى النفوس هى بمنزله النقوش الكتابيه فى الالواح كما قال تعالى: اولئك كتب فى قلوبهم الايمان و هذه الالواح النفسيه يقال لها صحائف الاعمال و هو كتاب منطو اليوم عن مشاهده الابصار و انما ينكشف بالموت عند كشف الغطاء كما قال الله تعالى، و اذا الصحف نشرت و قال عز و جل: \par
015    06    و كل انسان الزمنا طائره فى عنقه و نخرج له يوم القيمه كتابا يلقيه منشورا و قال تعالى: هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق انا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون. \par (ان العبد اذا هم بالحسنه خرج نفسه طيبه الريح.. و اذا هم بالسيئه..) \par قوله عليه السلام: و لا تخزنا عندهم بسوء اعمالنا، خزى كرضى خزيا بالكسر: وقع فى بليه و شهره فافتضح بها و اخزاه الله: فضحه اى لا تفضحنا عندهم و المراد طلب العصمه عن المعاصى بل عن الهم بها لانهم يطلعون على ذلك، \par كما رواه ثقه الاسلام فى الكافى بسنده عن ابى عبدالله بن موسى بن جعفر عن ابيه عليه السلام قال سئلته عن الملكين هل يعلمان بالذنب اذا اراد العبد ان يعمله او الحسنه؟ فقال ريح الكثيف و ريح الطيب سواء؟ فقلت لا قال ان العبد اذا هم بالحسنه خرج نفسه طيبه الريح فقال صاحب اليمين لصاحب الشمال قف فانه قد هم بالحسنه فاذا هو عملها كان لسانه قلمه و ريقه مداده فاثبتها له، و اذا هم بالسيئه خرج نفسه منتن الريح يقول صاحب الشمال لصاحب اليمين قف فانه قدهم بالسيئه فاذا فعلها كانت ريقه مداده و لسانه قلمه فاثبتها عليه، قال بعض العلماء انما جعل الريق و اللسان آله لاثبات الحسنه و السيئه لان بناء الاعمال انما هو على ما عقد عليه فى القلب من التكلم بها و اليه الاشاره بقوله تعالى: اليه يصعد الكلم الطيب و العمل الصالح يرفعه و هذا الريق و اللسان \par
015    06    الظاهر صوره لذلك المعنى انتهى. \par
016    06    (رتبه هذه العبوديه المحضه افضل من رتبه الرساله و لهذا قدمت فى) \par (التشهد على الرساله) \par (اللهم اجعل لنا فى كل ساعه من ساعاته حظا من عبادك «عبادتك» و نصيبا من شكرك و شاهد صدق من ملائكتك) الساعه: جزء قليل من ليل او نهار و منه قوله تعالى: لا يستاخرون ساعه و لا يستقدمون و هو المراد هنا اذا المعنى اجعل فى كل جزء من اجزاء هذا اليوم، و فى اصطلاح اهل التنجيم جزء من اربعه و عشرين جزء من يوم و ليلته و ذلك انهم قسموا اليوم بليلته على اربعه و عشرين قسما متساويه و سموا كل قسم ساعه و قسموا كل ساعه بستين قسما و سموا كل قسم دقيقه، و قد ورد فى الحديث قسمه النهار الى اثنتى عشره ساعه قسمه مخصوصه و نسبه كل ساعه الى واحد من الائمه صلوات الله عليهم، و تخصيصها بدعاء يدعى به فيها و هى مذكوره فى كتب الادعيه لاصحابنا رضوان الله عليهم، قوله عليه السلام: حظا من عبادك، الحظ: النصيب، و عبادك على الروايه المشهوره جمع عبد، قيل معناه: اجعل لنا نصيبا منهم نستضيى ء بانوارهم و نقتدى باثارهم، و يحتمل ان يكون على حذف مضاف اى من ثقات عبادك الذين و صفتهم بقولك: و عباد الرحمن الذين يمشون على الارض هونا و اذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما و الذين يبيتون لربهم سجدا و قياما الى آخر ما نعتهم به، او عبادك المتصفين بالعبوديه التى لا مقام اشرف منها اذهى عباره عن صيروره العبد عبدا خالصا مفتقرا محضا لم يبق له جهه انانيه او نظر و التفات الى ما سوى المعبود الحق و ذلك بعد انسلاخات عن نسبه الوجودات \par
016    06    الكونيه و عقيب رياضات علميه و عمليه و تجردات عن نشاه الى نشاه و صوره الى صوره حتى يصير عبدا محضا فانيا عن نفسه و عن كل شئى سوى الحق مستغرقا فى عبوديته، و فقره الى الله بل فنى عن ملاحظه هذا الاستغراق قاصرا نظره على مطالعه الجلال و مشاهده الجمال، و هذا هو غايه ايجاد الخلق، و رتبه هذه العبوديه المحضه افضل من رتبه الرساله و لهذا قدمت فى التشهد على الرساله فيقال: اشهد ان محمدا عبده و رسوله، و اوثر لفظ العبد فى قوله تعالى: سبحان الذى اسرى بعبده دون نبيه او رسوله، و فى نسخه ابن ادريس: حظا من عبادتك، و هو انسب بقوله عليه السلام: و نصيبا من شكرك، و العباده: فعل المكلف على خلاف هوى نفسه تعظيما لربه. \par (الاشاره الى انواع العبادات، و فى ان العرب اذا مدحت شيئا اضافته) \par (الى الصدق) \par قال الحكماء: عباده الله تعالى ثلثه انواع: \par الاول- ما يجب على الابدان كالصلوه و الصيام و السعى الى المواقف الشريفه لمناجاته جل ذكره، \par الثانى- ما يجب على النفوس كالاعتقادات الصحيحه من العلم بتوحيد الله تعالى و ما يستحقه من الثناء و التحميد و الفكر فيما افاضه الله سبحانه على العالم من جوده و حكمته ثم الاتساع فى هذه المعارف، \par الثالث- ما يجب عند مشاركات الناس فى المدن و هى فى المعاملات و المزارعات و المناكح و تاديه الامانات و نصح البعض بضروب المعاونات و جهاد الاعداء و الذب عن الحريم و حمايه الحوزه، \par قوله عليه السلام: و نصيبا من شكرك، النصيب: الحصه و فيه اشاره الى العجز عن القيام بجميع الشكر، قوله عليه السلام: و شاهد صدق من ملائكتك، اى شاهد صادق كامل فى الشهاده كما يقال رجل صدق فى الرجوليه كامل فيها، و العرب اذا مدحت شيئا اضافته \par
016    06    الى الصدق ليعلم ان كل ما يظن به من الخير و يطلب منه فانه يصدق ذلك الظن و يوجد فيه، و منه فى التنزيل: قدم صدق و لسان صدق و مبوء صدق و مقعد صدق قال الرضى و المراد بالصدق فى مثل هذا المقام مطلق الجوده لا الصدق فى الحديث و ذلك مستحسن جيد عندهم حتى صاروا يستعملونه فى مطلق الجوده فيقال ثوب صدق و خل صادق الحموضه. \par (يفتح للعبد يوم القيمه اربع و عشرون خزانه) \par تذكره: فى قوله عليه السلام: و اجعل لنا فى كل ساعه من ساعاته، اشاره الى ما ورد فى الخبر انه يفتح للعبد يوم القيمه اربع و عشرون خزانه لساعات اليوم و الليله فيفتح له منها خزانه فيراها مملوه نورا من حسناته التى عملها فى تلك الساعه فيناله من الفرح و الاستبشار بمشاهده تلك الانوار ما لو قسم على اهل النار لالهاهم عن الاحساس بالامها و تفتح له خزانه اخرى فيراه سوداء مظلمه يفوح نتنها و يغشاه ظلامها و هى الساعه التى عصى الله تعالى فيها فيناله من الهول و الفزع ما لو قسم على اهل الجنه لنغض عليهم نعيمها، و تفتح له خزانه اخرى فارغه ليس فيها ما يسوئه و لا ما يسره و هى الساعه التى نام فيها او غفل فى شى ء من مباحات الدنيا فيتحسر على خلوها و يناله من الغبن الفاحش ما يناله من قدر على ربح كثير ثم ضيعه، و اليه الاشاره بقوله تعالى: يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن فسواله عليه السلام فى كل ساعه من ساعات اليوم حظا من عبادته تعالى و نصيبا من شكره و شاهد صدق من ملائكته طلب لملا تلك الخزائن من الحسنات حتى لا يكون شيى ء منها خاليا عن تلك الكنوز العظيمه و الفوائد الجسيمه، و على هذا فيحتمل ان يكون المراد بالساعات: الساعات التنجيميه التى هى اربع و عشرون ساعه لليوم بليلته كما وقع فى متن الحديث و الله اعلم. \par
017    06    (معنى: لا تينهم من بين ايديهم، و من خلفهم..) \par (اللهم صل على محمد و آله و احفظنا من بين ايدينا و من خلفنا و عن ايماننا و عن شمائلنا و من جميع نواحينا) من بين ايدينا اى من قدامنا، و من خلفنا اى من ورائنا، و الايمان بالفتح جمع يمين و هى ضد الشمال، سئل عليه السلام الحفظ من الجهات الاربع التى اقسم ابليس لعنه الله تعالى لياتين بنى آدم منها حيث قال: فبما اغويتنى لا قعدن لهم صراطك المستقيم ثم لاتينهم من بين ايديهم و من خلقهم و عن ايمانهم و عن شمائلهم و لا تجد اكثرهم شاكرين. \par عن ابى جعفر عليه السلام قال ثم لاتينهم من بين ايديهم، معناه: اهون عليهم امر الاخره، و من خلفهم، آمرهم بجمع الاموال و البخل بها عن الحقوق لتبقى لورثتهم، و عن ايمانهم: افسد عليهم امر دينهم بتزيين الضلاله و تحسين الشبهه، و عن شمائلهم، بتحبيب اللذات اليهم و تغليب الشهوات على قلوبهم، قوله عليه السلام: من جميع نواحينا، النواحى جمع ناحيه و هى الجانب، قال بعضهم: السالك الى الله تعالى خائف من قطع الطريق من الشيطان و هو لا يالو جهدا فى ان ياتيه من اى جهه امكنه الاتيان منها فليس للتخلص منه مساغ الا بان يلتجا الى الله سبحانه و يسئل الحفظ من جميع الجهات. \par (تحقيق معنى محبه العباد لله تعالى) \par (حفظا عاصما من معصيتك هاديا الى طاعتك مستعملا لمحبتك) حفظا مصدر منصوب على المفعوليه المطلقه و هو بنفسه مفيد لتقويه عامله و تقرير معناه، و بوصفه بكونه عاصما مفيد لبيان نوعه، و عاصما اى مانعا، و قدم العصمه من المعصيه على الهدايه الى الطاعه لان التخليه مقدمه على التحليه، ثم ترقى الى سوال المحبه، و مستعملا يروى بفتح الميم اسم مفعول و بكسرها اسم فاعل، و اضافه المحبه الى كاف الخطاب من اضافه المصدر الى المفعول اى لمحبتنا اياك او الى الفاعل اى لمحبتك ايانا، \par قيل محبه العباد لربهم محبه طاعته و ابتغاء مرضاته و اجتناب ما يوجب سخطه و عقابه و محبه الله تعالى لعباده: اراده اكرامهم و ان يثيبهم احسن الثواب و يرضى عنهم و يصونهم \par
017    06    عن المعاصى، و هذا التفسير لمحبه العباد لربهم مبنى على ما ذهب اليه حمهورا لمتكلمين من ان المحبه نوع من الاراده و الاراده لا تعلق لها الا بالحوادث فيستحيل تعلق المحبه بذات الله تعالى و صفاته و لانها تستدعى الجنسيه بين المحب و المحبوب، \par قال بعض المحققين و المنع عن الاول ان المحبه ليست نوعا من الاراده لتعلقها بالاعيان و تعلق الاراده بالافعال بل لو عكس لكان صوابا، و عن الثانى ان المحبه قد تتعلق بالاعراض و لا جنسيه بين الجوهر و العرض، \par و التحقيق: انها من الوجدانيات التى لا تحتاج الى تعريف حقيقى بل الى شرح مستقيم لتمتاز عن باقى المعانى الوجدانيه بان يقال هى ادراك الكمال من حيث انه موثر و كلما كان الادراك اتم و المدرك اشد كماليه موثره كانت المحبه اكمل، و لذلك قال العارفون: نحن نحب الله لذاته لا لغرض و لو كان كل شى ء محبوبا لاجل شى ء آخر دار و تسلسل و اذا كنا نحب الرجل العالم لعلمه و الرجل الشجاع لقوته و غلبته و الرجل الزاهد لبرائه ساحته عن المثالب فالله تعالى احق بالمحبه لان كل كمال بالنسبه الى كماله نقص و الكمال مطلوب لذاته محبوب لنفسه و كلما كان الاطلاع على دقائق حكمه الله و قدرته و صنعه اكثر كان حبه له اتم و بحسب الترقى فى درجات العرفان تزاد المحبه الى ان يستولى سلطان الحب على قلب المومن فيشغله عن الالتفات الى غيره و يفنى عن حظوظ نفسه فبه يسمع و به يبصر و به ينطق و به يبطش و به يمشى فلا يفعل الا ما احبه و اراده و لا يختار الا ما امره و رضيه و لا يثق الا به و لا يسكن الا اليه و لا يتكلم الا عنه و لا يتفكر الا فيه و لا يتنفس الا معه و هذه احوال تلطف عن العباده و تدق عن الاشاره، \par (نبذه من كلام المحبين و الاشاره الى بعض خصائص المحبه) \par و لنذكر نبذه من كلام المحبين فى المحبه تبركا بانفاسهم و اقتباسا من نبراسهم: قال بعضهم: المحبه هى امحاء القلب عما سوى المحبوب، و قال آخر: هى نار تحرق ما سوى مراد المحبوب، \par و قال آخر: المحبه ميلك الى الشى ء بكليتك ثم ايثارك له على نفسك و روحك \par
017    06    ثم موافقتك له سرا و جهرا فيما سرك او سائك ثم علمك بتقصيرك فى حقه، \par قالوا و للمحبه خصائص: فمن خصائصها تقديم امور الاخره فى كل ما يقرب الى الله تعالى على امور الدنيا من كل ما تهوى الانفس، و التذلل لاولياء الله من العلماء و العباد و التعزز على ابناء الدنيا و المجاهده فى طريق المحبوب بالمال و النفس جميعا و الانقطاع عن كل شى ء اليه و لا يسكن الا اليه و لا يعتمد الا عليه، و فى قصه برخ العبد الاسود الذى استسقى به موسى عليه السلام: ان الله تعالى اوحى اليه ان برخ نعم العبد لى الا ان فيه عيبا، قال يا رب! و ما ذاك؟ قال يعجبه نسيم الاسحار و من احبنى لا يسكن الى شى ء و لا يانس بشى ء، \par و من خصائصها: الخروج الى الله تعالى من الدنيا بالزهد فيها و الخروج اليه من النفس بايثار الحق على الهوى و الخروج عن العمل باسقاط المثوبه و اطراح الاجر و الجزاء و عليه قول سيد العارفين صلوات الله عليه: ما عبدتك خوفا من نارك و لا طمعا فى جنتك، الحديث، \par و من خصائص المحبه ان المحب هش بش بسام يحسن لمن يعاشره خلقه و يعذوذب لمن يلقاه شربه يحنوا على الصغير و يبجل الكبير و كيف لا يهش و هو فرحان بالحق و بكل شى ء فانه يرى فيه لطف الحق، \par كان الفضيل بن عياض يقول: اذا قيل لك تحب الله؟ فاسكت، فان قلت نعم فليس وصفك وصف المحبين فاحذر المقت و ان قلت لا، كفرت. \par (تحقيق معنى محبه الله تعالى لعباده) \par و اما محبته تعالى لعباده: فقال بعض العارفين هى راجعه الى محبه ذاته لانه \par
017    06    تعالى ما احب شيئا بالذات غير ذاته المقدسه و ان احب غيره فانما احبه بتبعيه محبه ذاته لانه من توابعها فكل ما هو اقرب اليه كان احب عنده فترجع محبته لما سواه الى محبته لذاته كما يدل عليه ما ورد فى الحديث: ان الله جميل يحب الجمال، و ما ورد فى الاخبار من حبه لعباده فهو ماول بما ذكرناه، اذ البرهان قائم على ان التغير عليه تعالى محال بل لا يزال من نعوت الكمال و الجمال على ما كان عليه فى ازل الازال. \par
018    06    (معنى التوفيق لغه و عرفا، و حديث: افعلوا الخير و لا تحقروا منه شيئا..) \par (اللهم صل على محمد و آله، و وفقنا فى يومنا هذا و ليلتنا هذه و فى جميع ايامنا لاستعمال الخير و هجران الشر و شكر النعم) التوفيق: جعل الاسباب متوافقه فى التادى الى المسبب الذى هو المطلوب خيرا كان او شرا ثم خص بالخير، هذا معناه اللغوى، و اما معناه العرفى فعند بعض المتكلمين هو الدعوه الى الطاعه، و عند بعضهم خلق اراده الطاعه، و قيل هو جعل الله تعالى فعل عبده موافقا لما يحبه و يرضاه، و هذا و هذه صفتان لليوم و الليله بتاويل الحاضر و الحاضره، و استعمال الخير اى العمل به، و الهجران بالكسر اسم من هجره هجرا من باب قتل بمعنى تركه و رفضه، \par و عن اميرالمومنين عليه السلام: افعلوا الخير و لا تحقروا منه شيئا فان صغيره كبير و قليله كثير و لا يقولن احدكم ان احدا اولى بفعل الخير منى فيكون و الله كذلك ان للخير و الشر اهلا فهما تركتموه منهما كفا كموه اهله. \par (البحث فى البدعه و قول العلامه و شيخنا الشهيد قدس سرهما فيها) \par (و اتباع السنن و مجانبه البدع) الاتباع: الاقتداء و المراد باتباعها: العمل بها، و السنن جمع سنه و هى لغه: الطريقه و تطلق شرعا على الاحاديث المرويه عنه صلى الله عليه و آله، و على الطريقه النبويه صلى الله عليه و آله اى شرعه من مفروض او مندوب او غير ذلك و هو المراد هنا، و البدع: جمع بدعه بالكسر و هى اسم من ابتدع الامر اذا ابتداه و احدثه كالرفعه من الارتفاع و الخلفه من الاختلاف ثم غلبت على ما هو زياده فى الدين او نقصان منه و قيل كل ما لم يكن فى زمن النبى صلى الله عليه و آله فهو بدعه، ورده الفاضل الاردبيلى بمنع الشرطيه و قال: البدعه هى كل عباده لم تكن مشروعه ثم احدثت بغير دليل شرعى او دل دليل \par
018    06    شرعى على نفيها فلو صلى اودعى او فعل غير ذلك من العبادات مع عدم وجودها فى زمانه صلى الله عليه و آله فانه ليس بحرام لان الاصل كونها عباده و لغير ذلك مثل الصلوه خير موضوع و الدعاء حسن انتهى، و فى تخصيصها بالعباده نظر ظاهر، و قال العلامه: البدعه فى الشرع احداث ما لم يكن فى عهد رسول الله صلى الله عليه و آله و هى منقسمه الى واجبه و محرمه و مندوبه و مكروهه و مباحه و الطريق فى ذلك ان تعرض البدعه على قواعد الشريعه فان دخلت فى قواعد الايجاب فهى واجبه او فى قواعد التحريم فمحرمه او الندب فمندوبه او الكراهه فمكروهه او الاباحه فمباحه، \par و للبدع الواجبه امثله: منها الاشتغال بعلم النحو الذى يفهم به كلام الله عز و جل و كلام رسول الله صلى الله عليه و آله و ذلك واجب لان حفظ الشريعه واجب و لا يتاتى حفظها الا بذلك، و ما لا يتم الواجب الا به فهو واجب، و منها حفظ غريب الكتاب و السنه من اللغه، و منها تدوين اصول الفقه، و منها الكلام فى الجرح و التعديل و تمييز الصحيح من السقيم و قواعد الشريعه على ان حفظ الشريعه فرض كفايه فيما زاد على المتعين و لا يتاتى ذلك الا بما ذكرناه. \par و للبدع المحرمه امثله: منها مذاهب القدريه و الجبريه و المرجئه و المجسمه، \par و للبدع المندوبه امثله: منها احداث الربط و المدارس و كل احسان لم يعهد فى العصر الاول. \par و للبدع المكروهه امثله: كزخرفه المساجد و تزويق المصاحف، \par و للبدع المباحه امثله: منها التوسع فى اللذيذ من الماكل و المشارب و الملابس و المساكن و لبس الطيالسه و توسيع الاكمام، \par و قال شيخنا الشهيد قدس سره فى القواعد الاصوليه: و محدثات الامور بعد عهد النبى صلى الله عليه و آله تنقسم اقساما لا تطلق اسم البدعه عندنا الا على ما هو محرم عندنا: \par اولها- الواجب كتدوين القرآن و السنه اذا خيف عليها التفلت من الصدور \par
018    06    فان التبليغ للقرون الاتيه واجب اجماعا و للايه و لا يتم الا بالحفظ و هذا فى زمان الغيبه واجب و اما فى ظهور الامام عليه السلام فلا لانه الحافظ لهما حفظا لا يتطرق اليه خلل، \par ثانيها- المحرم و هو كل بدعه تناولتها قواعد التحريم و ادلته من الشريعه كتقديم غير المعصومين عليهم و اخذهم مناصبهم و استيثار ولاه الجور بالاموال و منعها مستحقها و قتال اهل الحق و تشريدهم و ابعادهم و القتل على الظنه و الالزام ببيعه الفساق و المقام عليها و تحريم مخالفتها و الغسل فى المسح و المسح على غير القدم و شرب كثير من الاشربه، و الجماعه فى النوافل، و الاذان الثانى يوم الجمعه، و تحريم المتعتين و البغى على الامام و توريث الاباعد و منع الاقارب و منع الخمس اهله و الافطار فى غير وقته، الى غير ذلك من المحدثات المشهورات، \par و ثالثها- المستحب و هو ما تناولته ادله الندب كبناء المدارس و الربط و ليس منه اتخاذ الملوك الاهبه ليعظموا فى النفوس اللهم الا ان يكون ذلك مرهبا للعدو، \par و رابعها- المكروه و هو ما اشتملت ادله الكراهيه كالزياده فى تسبيح الزهرا عليهاالسلام و ساير الموظفات او النقيصه منها، و التنعم فى الملابس و الماكل بحيث لا يبلغ الاسراف بالنسبه الى الفاعل، و ربما ادى الى التحريم اذا استضر به هو و عياله، \par و خامسها- المباح و هو الداخل تحت ادله الاباحه كنخل الدقيق فقد ورد اول شيى ء احدثه الناس بعد رسول الله صلى الله عليه و آله اتخاذ المناخل لان لين العيش و الرفاهيه من المباحات فوسيلته مباحه، انتهى \par و قال بعضهم: البدعه تطلق على مفهومين: احدهما- ما خولف به الكتاب او السنه او الاجماع فهذه البدعه الضلاله- و الثانى- ما لم يرد فيه نص بل سكت عنه فاحدث بعد فهذه ما كان خيرا فلا خلاف من احد فى كونه غير مذموم، و ما ورد فى الخبر من كل \par
018    06    بدعه ضلاله و كل ضلاله فى النار فالمراد به المفهوم الاول و الله اعلم. \par (البحث فى الامر بالمعروف و النهى عن المنكر) \par (و الامر بالمعروف و النهى عن المنكر) المراد بالمعروف هنا: الواجب و المندوب و بالمنكر: الحرام و المكروه و هما واجبان فى الواجب و الحرام، و مستحبان فى المندوب و المكروه و دليل الوجوب: قوله تعالى: و لتكن منكم امه يدعون الى الخير و يامرون بالمعروف و ينهون عن المنكر و قوله صلى الله عليه و آله لتامرن بالمعروف و لتنهن عن المنكر او ليسلطن الله شراركم على خياركم فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم، و من طرق اهل البيت فى هذا المعنى ما يقضم الظهور فليقف عليه من اراده فى الكافى و غيره، \par و هاهنا مسائل لا باس بالتعرض تتميما للفائده و تعميما للعائده: \par احدها- اختلف اصحابنا هل الوجوب فى هذا الباب عينى او كفائى؟ فشيخ الطائفه و ابن ادريس و جماعه من المتاخرين على الاول، و علم الهدى و ابوالصلاح و العلامه و بعض من المتاخرين على الثانى، و الحق فى المسئله انه ان كان المطلع منفردا تعين عليه و ان كانوا جماعه فان شرع احدهم فيه و ظن الباقون تاثير مشاركتهم فى الردع وجب عليهم فيكون الوجوب عينيا و الا كان على الكفايه، \par الثانيه- للامر بالمعروف و النهى عن المنكر شروطا و المشهور منها اربعه: \par احدها- علم الامر و الناهى و تمييزه بين المعروف و المنكر فان الجاهل ربما امر بمنكر و نهى عن معروف، \par الثانى: تجويز التاثير فان علم عدمه سقط الوجوب دون الجواز و هل يكفى ظن العدم؟ قيل نعم و قيل لا، لان التجويز قائم مع الظن و هو حسن اذ لا يترتب عليه ضرر فان نجع و الا فقد ادى فرضه و الغرض انتفاء الضرر، \par الثالث- الامن من الضرر على المباشر او على بعض المومنين نفسا او ما لا او عرضا فبدونه يحرم و لا يجب فى السقوط العلم بالضرر بل يكفى ظنه، \par الرابع- اصرار المامور و المنهى على الذنوب فلو علم منه الاقلاع و الندم سقط \par
018    06    الوجوب بل حرم، و اكتفى الشهيد فى الدروس و جماعه فى السقوط بظهور اماره الندم و هو فى محله، و زاد بعضهم شرطا خامسا و هو عدم كون الامر و الناهى مرتكبا للمحرمات و اشترط فيه العداله بدليل قوله تعالى: اتامرون الناس بالبر و تنسون انفسكم؟ و الحق انه غير مشترط اذ لا يسقط بترك احد الواجبين الواجب الاخر و الانكار فى الايه على عدم العمل لاعلى الامر، \par الثالثه- للانكار مراتب: اولها بالقلب و هو ان يبغضه عليه و هو البغض فى الله المامور به فى السنه المطهره و هو مشروط بعلم الامر و الناهى و اصرار المنهى دون الشرطين الاخيرين، ثم باظهار الكراهه بغير قول و فعل فان ارتدع اكتفى به و الا اعرض عنه و هجره، و الا انكره باللسان بالوعظ و الزجر مرتبا الايسر فالايسر و غيره باليد ككسر الملاهى و اراقه الخمر مثلا مع التهديد و لو لم ينزجر الا بالضرب و شبهه فعل مع القدره و لو افتقر الى الجرح توقف على امر الحاكم و اذنه لا ان يتعرض لنفسه او حرمته فيجب الدفاع بما امكن فان قتل كان هدرا و ان قتل كان شهيدا، و كذا اذا راى مع امرائته رجلا يزنى بها فان له قتلهما من غير اثم، و لكن فى الظاهر عليه القود فى الصورتين الا ان ياتى ببينه او يصدقه الولى و له الانكار ظاهرا و الحلف عليه مع التوريه، و له زجر المطلع على داره فلو اصر فرماه بما جنى عليه كان هدرا الا ان يكون رحما لنسائه، \par الرابعه- لا يشترط فى المامور و المهنى ان يكون مكلفا بل اذا علم اصرار غير المكلف منع من ذلك، و كذا الصبى ينهى عن المحرمات لئلا يتعودها و يومر بالطاعات ليتمرن عليها \par تنبيه: علم مما مر ان فى اطلاق الامر و النهى على كل من مراتب الامر بالمعروف و النهى عن المنكر سوى بعض افراد الامر و النهى اللسانى تجوزا و كذا فى اطلاق النهى على الانكار القلبى لان الامر و النهى حقيقه استدعاء الفعل و تركه بالقول، و قال العلامه البهائى و كان ذلك صار حقيقه شرعيه، و الله اعلم. \par (معنى الحق لغه و فى اصطلاح اهل المعانى و الفرق بين الصدق و الحق) \par (و حياطه الاسلام، و انتقاص الباطل و اذلاله و نصره الحق و اعزازه) حاط الشيى ء \par
018    06    يحوطه حوطا و حيطه و حياطه: حفظه و ذب عنه و تعهده، و المراد بالاسلام هنا جميع ما جاء به النبى صلى الله عليه و آله من الدين الحق المشار اليه بقوله تعالى: ان الدين عند الله الاسلام و قوله تعالى: اليوم اكملت لكم دينكم و اتممت عليكم نعمتى و رضيت لكم الاسلام دينا و قوله تعالى: و من يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه و المراد بحياطته: نصرته و القيام بامره و الذب عنه و صيانته عن و صمات الشياطين و تبديلهم و تحريفهم و تائيده باظهار حججه و اقامه براهينه و نفى الشبهات عنه و هدايه الناس اليه الى غير ذلك، و النقيصه: العيب و الذل بالضم و الذله بالكسر و المذله: الضعف و الهوان و يتعدى بالهمزه فيقال اذله الله اذلالا، و النصره بالضم اسم من نصره على عدوه نصرا اى اعانه و قواه و عز الرجل عزا من باب ضرب: قوى و اعززته اعزازا قويته، و الحق فى اللغه هو الثابت الذى لا يسوغ انكاره من حق الشيى ء يحق من باب ضرب و قتل اذا وجب و ثبت و فى اصطلاح اهل المعانى: الحكم المطابق للواقع يطلق على الاقوال و العقائد و الاديان و المذاهب باعتبار اشتمالها على ذلك و يقابله الباطل، و اما الصدق فقد شاع فى الاقوال خاصه، و يقابله الكذب و قد يفرق بينهما بان المطابقه تعتبر فى الحق من جانب الواقع و فى الصدق من جانب الحكم فمعنى صدق الحكم مطابقته للواقع و معنى حقيته مطابقه الواقع اياه، و قد يطلق الحق على الموجد للشيى ء على الحكمه و لما يوجد عليها كما يقال: الله تعالى حق و كلمته حق، و قد يراد به الاقبال على الله تعالى بلزوم الاعمال الصالحه المطابقه للواقع، و بالباطل الالتفات عنه، الى غير ذلك مما لا يجدى نفعا فى الاخره، ثم المراد بانتقاص الباطل و اذلاله: تزييفه و اظهار بطلانه و الرد على اصحابه و بيان ضلالهم، و بنصره الحق و اعزازه تائيده و اظهار حقيته و ترغيب الناس فى اتباعه و اعتقاده و نحو ذلك. \par (معنى الرشد و الضلال، و الفرق بين الضعف بالفتح و الضعف بالضم) \par (و ارشاد الضال و معاونه الضعيف و ادراك اللهيف) الرشد بالضم خلاف الغى \par
018    06    و الضلال و هو الاهتداء رشد يرشد رشدا و رشدا من بابى قتل و تعب فهو راشد و الاسم الرشاد و يتعدى بالهمزه فيقال ارشدته ارشادا، و الضلال: قيل الفقدان لما يوصل الى المطلوب، و قيل هو سلوك طريق لا يوصل الى المطلوب، و قيل هو العدول عن الطريق السوى و لو خطا، و الحق شموله للمعانى الثلاثه و من الاول قوله تعالى: و وجدك ضالا فهدى على بعض الاقوال فى معناه اى فاقدا لما يوصلك الى ما انت عليه الان من النبوه و الشريعه فهداك اليه بنصب الادله و الالطاف حتى وصلت الى المطلوب، و على المعنيين الاخيرين فادناه اصغر الصغائر و اعلاه اكبر الكبائر، اذا عرفت ذلك فالمراد بالارشاد: الدلاله على المطلوب بلطف سواء كان معها وصول اليه ام لا فلا ينا فى قوله تعالى: انك لا تهدى من احببت و لكن الله يهدى من يشاء اذا المراد بالهدايه هنا الايصال الى المطلوب و هو بيده تعالى. \par فان قلت قد ورد فى الحديث عن ابى عبدالله عليه السلام: كفوا الناس و لا تدعوا احدا الى امركم و هو ينا فى سوال التوفيق لارشاد الضال مع انه من باب الامر بالمعروف و النهى عن المنكر، \par قلت: اجيب بان الامر بالكف و النهى عن الدعاء اما لاجل ما كان فى ذلك الزمان من شده التقيه من اهل الجور و العدوان و اما لان القصد منه ترك المبالغه فى الدعاء و عدم المخاصمه فى امر الدين، كما يدل عليه قول ابى عبدالله عليه السلام فى حديث آخر: لا تخاصموا الناس لدينكم فان المخاصمه ممرضه للقلب فلا منافاه، و فى ارشاد الضال و هدايته من الثواب ما لا يحصى، \par فعن ابى عبدالله عليه السلام قال قال اميرالمومنين عليه السلام لما وجهنى رسول الله صلى الله عليه و آله الى اليمن قال يا على! لا تقاتل احدا حتى تدعوه الى الاسلام و ايم الله لان يهدى الله عز و جل على يديك رجلا خير لك مما طلعت عليه الشمس و غربت و لك ولاوه، قوله عليه السلام: و معاونه الضعيف، عاونه معاونه اى اعانه و الضعف بفتح الضاد فى لغه تميم و بضمها فى \par
018    06    لغه قريش خلاف القوه و الصحه فالمفتوح مصدر ضعف ضعفا من باب قتل و المضموم مصدر ضعف مثال قرب قربا، و منهم من يجعل المفتوح فى الراى و المضموم فى الجسد و هو ضعيف و ضعف عن الشى ء عجز عن احتماله فهو ضعيف ايضا، و قد يطلق الضعيف على المهين الذى لا عزه له و لا قوه فلا يقدر على الامتناع ممن يريد ظلمه و هضمه او يريد به مكروها، و لعل هذا المعنى هو المراد هنا، \par و عن ابى عبدالله عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه و آله: عونك الضعيف من افضل الصدقه قوله عليه السلام: و ادراك اللهيف، ادركته اذا طلبته فلحقته و اللهبف و الملهوف و اللهفان و اللاهف المظلوم المضطر يستغيث و يتحسر، و المراد بادراكه: اغاثته عبر عنها بذلك لضيق خناقه و شده اضطراره حتى كان اغاثته ادراك له قبل فواته، \par عن اميرالمومنين صلوات الله عليه من كفارات الذنوب العظام: اغاثه الملهوف و التنفيس عن المكروب، و عن زيد الشحام قال سمعت اباعبدالله عليه السلام من اغاث اخاه المومن اللهفان عند جهده فنفس كربته و اعانه على نجاح حاجته كانت له بذلك عند الله اثنان و سبعون رحمه من الله يعجل له منها واحده يصلح بها معيشته و يدخر له احدى و سبعون رحمه لا فزاع يوم القيامه و اهوالها. \par
019    06    (الظلول بالنهار بمنزله البيتوته بالليل) \par (اللهم صل على محمد و آله، و اجعله ايمن يوم عهدناه، و افضل صاحب صحبناه، و خير وقت ظللنا فيه) اليمن بالضم: البركه و السعاده، يمن كعلم و يمن بالبناء للمفعول فهو ميمون، و عهدناه اى عرفناه او لقيناه تقول: الامر كما عهدت اى عرفت و عهدته بمكان كذا لقيته، و عهدى به قريب اى لقائى، و الفضل: الخير اى خير صاحب و اطلاق الصاحب على اليوم مجاز، و الوقت: المقدار من الزمان و اكثر ما يستعمل فى الماضى كما وقع هنا، و الظلول بالنهار بمنزله البيتوته بالليل سال عليه السلام ان يكون يومه اكثر يمنا و فضلا و خيرا من ايامه الماضيه و اراد بذلك ان يكون طاعته و عمله اكثر مما كان فى سالف ايامه طلبا للترقى فى معارج القدس و مدارج الانس يوما فيوما فان من استوى يوماه فهو مغبون. \par
020    06    (قول بعض العارفين فى اشكر الناس... و بيان ان للتوقف) \par (عن المنهيات اربع درجات) \par (و اجعلنا من ارضى من مر عليه الليل و النهار من جمله خلقك، اشكرهم لما اوليت من نعمك، و اقومهم بما شرعت من شرائعك، و اوقفهم عما حذرت من نهيك) ارضى: اسم تفضيل يجوز ان يكون من رضى بالبناء للفاعل اى اجعلنا من اعظم الراضين بقضائك و ان يكون من رضى بالبناء للمفعول اى اجعلنا من اعظم المرضيين عندك، قال العلامه البهائى فى كلام بعض اصحاب القلوب: ان علامه رضا الله سبحانه عن العبد رضا العبد بقضائه و هذا يشعر بنوع من اللزوم بين الامرين، و لو اريد باسم التفضيل هنا ما يشملهما من قبيل استعمال المشترك فى معنييه لم يكن فيه كثير بعد، و مثله فى كلام البلغاء غير قليل انتهى، \par سئل بعض العارفين: من اشكر الناس؟ فقال اربعه هم اشكر الناس و اسعدهم: الطاهر من الذنب يعد نفسه من المذنبين، و الراضى بالقليل يعد نفسه من الراغبين، و القاطع دهره ذكر الله يعد نفسه من الغافلين، و الدائب نفسه فى العمل يعد نفسه من المقلين فهذا هو اشكر الشاكرين و افضل المومنين، و اوقفهم: اسم تفضيل من وقف عن الشى ء بمعنى توقف اى امسك عنه و لم يدخل فيه، \par و لما كان للتوقف عن المنهيات مراتب اتى باسم التفضيل الدال على الزياده طلبا لا على درجاته و قد رتبوه على اربع درجات: \par الاولى- التوقف عما يوجب ارتكاب التفسيق و سقوط العداله و هذه ادنى الدرجات، \par الثانيه- الحذر عما تتطرق اليه شبهه الحرمه و ان ساغ ذلك فى الفتوى و هو الذى قال فيه رسول الله صلى الله عليه و آله دع ما يريبك الى ما لا يريبك و هذه الدرجه للصالحين. \par الثالثه- وقوف المتقين و ورعهم قال رسول الله صلى الله عليه و آله لا يبلغ الرجل درجه المتقين \par
020    06    حتى يترك ما لا باس به مخافه ما به باس فربما توقف المتقى عن الاطعمه الشهيه و الملابس البهيه خفيه ان تجمح به نفس الاماره بالسوء الى مواقعه محظور و ربما لا يمد العين الى ما متع به الناس لئلا تتحرك دواع الرغبه فيه على ما قال الله تعالى: و لا تمدن عينيك الى ما متعنا به ازواجا منهم زهره الحيوه الدنيا. \par الرابعه- الوقوف عما لا يراد بتناوله القوه على الطاعه او يلم بصاحبه بعض الخواطر المعصيه و هذه درجه الصديقين. \par
021    06    (الاشاره الى ان لكل من السماء و الارض شعور و نطق) \par (اللهم انى اشهدك و كفى بك شهيدا و اشهد سمائك و ارضك و من اسكنتهما من ملائكتك و سائر خلقك فى يومى هذا و ساعتى هذه و ليلتى هذه و مستقرى هذا، انى اشهد انك انت الله الذى لا اله الا انت) اشهدك اى اسالك ان تشهد، و الشهيد: الشاهد: قال ابن الاثير فى النهايه فى اسمائه تعالى: الشهيد هو الذى لا يغيب عنه شى ء و الشاهد الحاضر و فعيل من ابنيه المبالغه فاذا اعتبر العلم مطلقا فهو العليم و اذا اضيف الى الامور الباطنه فهو الخبير و اذا اضيف الى الامور الظاهره فهو الشهيد و قد يعتبر مع هذا ان يشهد على الخلق يوم القيمه بما علم، انتهى، و اشهاد السماء و الارض اما على طريق التقدير اى اشهدهما ان كانا ممن له اهليه الاشهاد بناء على القول بان كلا منهما جماد، او على سبيل التمثيل لعموم الاشهاد بناء على ذلك ايضا، او على وجه التحقيق اما لان الله تعالى سينطقهما فيشهد ان، او لان لكل منهما شعورا و نطقا اما فى السماء فقد تقدم ان الحكماء يدعون انها حيوان ناطق يتحرك بالاراده دائما طاعه الله تعالى و له جسم و نفس و لنفسه عقل، و اما الارض فقال بعض اهل العرفان للعرفاء فيها آيات خفيه يعرفونها من كونها ذات شعور و نطق و تسبيح و لها جوهر شريف عقلى نورانى كما اشير اليه بقوله تعالى: و اشرقت الارض بنور ربها و فى بعض الاخبار ان رجلا فى كفه حصيات و قال اشهدك ايها الحصيات \par
021    06    انى اشهد ان لا اله الا الله و ان محمدا رسول الله و اذا كان يوم القيمه امر به الى النار تاتى تلك الحصيات فتشهد له بما اشهدها فيومر به الى الجنه بشهادتها، قوله عليه السلام: انى اشهد انك انت الله، الشهاده هى الاخبار بصحه الشى ء الناشى عن العلم و هى اخص من العلم و الاقرار، اذا العلم قد يخلو عن الاقرار و الاقرار عن العلم و الشهاده جامعه لهما. \par (الرافه اقوى فى الكيفيه من الرحمه، و قال بعضهم من) \par (كمال رافته تعالى و رحمته..) \par (قائم بالقسط، عدل فى الحكم، روف بالعباد، مالك الملك، رحيم بالخلق) القسط بالكسر اسم من اقسط بالالف بمعنى عدل و معنى قائم بالقسط: قائم بالعدل و قوله عدل فى الحكم كالمفسر له اذ العدل هو الذى لا يجور فى الحكم، قوله عليه السلام: روف بالعباد، الرافه اقوى فى الكيفيه من الرحمه لانها عباره عن ايصال النعم الصافيه عن الالام، و الرحمه ايصال النعمه مطلقا و قد تكون مع الالم كالضرب للتاديب، قال تعالى: و الله روف بالعباد قال بعضهم من كمال رافته تعالى و رحمته بالعباد ان بعث اليهم مائه و اربعه و عشرين الف نبى ليدلوهم على طريق الموصل الى السعاده الابديه، و يصرفونهم عن السبيل المودى الى الشقاوه السرمديه، قوله عليه السلام: رحيم بالخلق، الرحيم صفه مشبهه من رحم بالكسر بعد نقله الى رحم بالضم لان الصفه المشبهه لا تشتق من المتعدى الا بعد جعله لازما بمنزله الغرائز فتنتقل الى فعل بضم العين فتشتق منه الصفه المشبهه و هذا مطرد فى باب المدح و الذم. \par
024    06    (النصيحه كلمه جامعه و معناها..) \par (و ان محمدا عبدك و رسولك و خيرتك من خلقك، حملته رسالتك فاداها، و امرته بالنصح لامته فنصح لها، اللهم فصل على محمد و آله اكثر ما صليت على احد من خلقك و آته عنا افضل ما اتيت احدا من عبادك، و اجزه عنا افضل و اكرم ما جزيت احدا من انبيائك عن امته انك انت المنان بالجسيم، الغافر للعظيم و انت ارحم من كل رحيم فصل على محمد و آله الطيبين \par
023    06    (النصيحه كلمه جامعه و معناها..) \par (و ان محمدا عبدك و رسولك و خيرتك من خلقك، حملته رسالتك فاداها، و امرته بالنصح لامته فنصح لها، اللهم فصل على محمد و آله اكثر ما صليت على احد من خلقك و آته عنا افضل ما اتيت احدا من عبادك، و اجزه عنا افضل و اكرم ما جزيت احدا من انبيائك عن امته انك انت المنان بالجسيم، الغافر للعظيم و انت ارحم من كل رحيم فصل على محمد و آله الطيبين \par
022    06    (النصيحه كلمه جامعه و معناها..) \par (و ان محمدا عبدك و رسولك و خيرتك من خلقك، حملته رسالتك فاداها، و امرته بالنصح لامته فنصح لها، اللهم فصل على محمد و آله اكثر ما صليت على احد من خلقك و آته عنا افضل ما اتيت احدا من عبادك، و اجزه عنا افضل و اكرم ما جزيت احدا من انبيائك عن امته انك انت المنان بالجسيم، الغافر للعظيم و انت ارحم من كل رحيم فصل على محمد و آله الطيبين \par
024    06    الطاهرين الاخيار الانجبين) الخيره اسم من تخيرت الشى ء و النصيحه كلمه جامعه و معناها الدعاء الى ما فيه الصلاح و النهى عما فيه الفساد، و الاخيار جمع خير مخفقا كعين و اعيان او جمع خير مشددا ككيس و اكياس و هما بمعنى واحد اى كثير الخير و الانجبين جمع انجب اسم تفضيل من نجب نجابه اذا صار نجيبا اى كريما فاضلا فى الحسب و هذه النعوت لهم عليهم السلام عين الحق و نفس الواقع كيف لا؟ و هم الذين قال الله تعالى فى شانهم: انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت و يطهركم تطهيرا و الحمد لله رب العالمين. \par
023    06    الطاهرين الاخيار الانجبين) الخيره اسم من تخيرت الشى ء و النصيحه كلمه جامعه و معناها الدعاء الى ما فيه الصلاح و النهى عما فيه الفساد، و الاخيار جمع خير مخفقا كعين و اعيان او جمع خير مشددا ككيس و اكياس و هما بمعنى واحد اى كثير الخير و الانجبين جمع انجب اسم تفضيل من نجب نجابه اذا صار نجيبا اى كريما فاضلا فى الحسب و هذه النعوت لهم عليهم السلام عين الحق و نفس الواقع كيف لا؟ و هم الذين قال الله تعالى فى شانهم: انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت و يطهركم تطهيرا و الحمد لله رب العالمين. \par
022    06    الطاهرين الاخيار الانجبين) الخيره اسم من تخيرت الشى ء و النصيحه كلمه جامعه و معناها الدعاء الى ما فيه الصلاح و النهى عما فيه الفساد، و الاخيار جمع خير مخفقا كعين و اعيان او جمع خير مشددا ككيس و اكياس و هما بمعنى واحد اى كثير الخير و الانجبين جمع انجب اسم تفضيل من نجب نجابه اذا صار نجيبا اى كريما فاضلا فى الحسب و هذه النعوت لهم عليهم السلام عين الحق و نفس الواقع كيف لا؟ و هم الذين قال الله تعالى فى شانهم: انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت و يطهركم تطهيرا و الحمد لله رب العالمين. \par
001    07    الدعاء السابع: من ادعيه الصحيفه السجاديه: و هو دعائه عليه السلام اذا عرضت له مهمه، او نزلت به ملمه و عند الكرب \par \par
001    07    (استحباب الدعاء عند نزول البلاء) \par لا ريب فى استحباب الدعاء عند نزول البلاء ففى الحديث عن اميرالمومنين عليه السلام اذا اشتد الفزع فالى الله المفزع، \par و روى ثقه الاسلام فى الصحيح عن ابى الحسن موسى عليه السلام: ما من بلاء ينزل على عبد مومن فيلهمه الله عز و جل الدعاء الا كان كشف ذلك البلاء و شيكا و ما من بلاء ينزل على عبد مومن فيمسك عن الدعاء الا كان ذلك البلاء طويلا فاذا نزل البلاء فعليكم بالدعاء و التضرع الى الله عز و جل، \par و فى الحسن عن ابى عبدالله عليه السلام: هل تعرفون طول البلاء من قصره؟ قلنا لا، قال اذا الهم احدكم الدعاء عند البلاء فاعلموا ان البلاء قصير، \par و فى الصحيح عن ابى الحسن موسى عليه السلام الدعا لله و الطلب الى الله يرد البلاء و قد قدر و قضى و لم يبق الا امضائه فاذا دعى الله عز و جل و سال صرف البلاء صرفه، \par روى ثقه الاسلام فى الكافى بسند صحيح عن ابى عبدالله عليه السلام قال اذا نزلت برجل نازله او شديده او كربه امر فليكشف عن ركبتيه و ذراعيه و ليلصقهما بالارض و ليلزق جوجوه بالارض ثم يدع بحاجته و هو ساجد، قلت رايت بخط بعض علمائنا المعتبرين ان ذلك مجرب فى كشف الكرب و شيكا، و اما الادعيه فى هذا المعنى فكثيره جدا و قد عقد لها فى الكافى بابا و فى مهج الدعوات ما فيه كفايه انشاء الله تعالى. \par (نقل الاقوال فى معنى لطفه تعالى) \par قال سيد العابدين و امام الساجدين صلوات الله و سلامه عليه: \par
001    07    (يا من تحل به عقد المكاره، و يا من يفثا به حد الشدائد، و يا من يلتمس منه المخرج الى روح الفرج، حل العقده من باب قتل: نقضها فانحلت، و العقد جمع عقده بالضم كغرفه و غرف و هى موضع العقد الذى يظهر فيه حجمه، و العقد: الشد، و المكاره جمع مكره بفتح الميم و هو ما يكرهه الشخص و يشق عليه، و فثاء الغضب و نحوه من باب منع سكنه و كسره، و حد كل شى ء حدته و سورته، و الشدائد: ما اشتد من الحروب، و التمست الشى ء: طلبته، و المخرج مصدر ميمى بمعنى المخلص، و منه قوله تعالى: و من يتق الله يجعل له مخرجا اى مخلصا من غموم الدنيا و الاخره، و الروح بالفتح: الراحه، و الفرج بفتحتين اسم من فرج الله الغم بالتشديد: كشفه، \par
002    07    ذلت لقدرتك الصعاب، و تسببت بلطفك الاسباب، و جرى بقدرتك القضاء، و مضت على ارادتك الاشياء ذل ذلا من باب ضرب اى ضعف و هان و الاسم: الذل بالضم، و الصعاب جمع صعب كسهم و سهام و صعب الشى ء من باب كرم اى عسر، و لطفه تعالى: قيل هو اجراء القضاء على وفق الاراده و ايصال نفع فيه دقه، و قيل هو عباره عن تصرفه فى الذوات و الصفات تصرفا خفيا بفعل الاسباب المعده لها لافاضه كمالاتها، و قيل هو عباره عن علمه تعالى بدقائق المصالح و غوامضها و ما دق منها و لطف ثم ايصاله لها الى المستصلح بالرفق دون العنف، و اما المعنى العرفى المشهور و هو: ما يقرب العبد من الطاعه و يبعد عن المعصيه فليس مرادا هنا، و معنى تسبب الاسباب بلطفه تعالى: صيرورتها اسبابا يخفى تصرفه و اعداده لها حتى صارت اشياء يتوصل بها الى المسببات، و جرى يجرى خلاف وقف و اصله من جريان الماء و هو سيلانه، و القضاء يحتمل ان يراد به هنا الامور المقضيه اذ يقال هذا قضاء الله اى مقضيه، و يحتمل ان يراد به الامر و الحكم و الخلق على وفق التقدير الازلى، و يحتمل ان يراد به ابداعه سبحانه لصور الموجودات الكليه و الجزئيه التى لا نهايه لها من حيث هى معقوله فى العالم العقلى و هو المسمى بالقضاء الازلى، و قد يعبر عنه بسطر ما كان و ما يكون فى اللوح المحفوظ بالقلم الالهى، و مضى الامر مضيا: نفذ اى نفذت على وفق ارادتك الاشياء، \par
003    07    فهى بمشيتك دون قولك موتمره، و بارادتك دون نهيك منزجره) \par امرته فاتمر اى امتثل الامر و زجرته فانزجر اى نهيته فانتهى، و المراد بمشيته و ارادته تعالى هنا: علمه بما فى وجود الاشياء من الحكمه و المصلحه، و دون هنا اما بمعنى قبل اى هى بمجرد مشيتك و ارادتك لا يتمارها و انزجارها قبل قولك و نهيك موتمره و منزجره فيكون المراد بقوله و نهيه: كلامه المحدث الذى هو \par
003    07    عباره عن خلق اصوات مخصوصه فى جسم يجعلها دليلا على انه تعالى مريد لشى ء او كاره له، و اما بمعنى عند اى هى بمشيتك عند قولك موتمره و بارادتك عند نهيك منزجره فيكون القول و النهى عباره عن حكم قدرته الالهيه على اشياء بما يريد منها من ايتمار و انزجار كما فى قوله تعالى: انما امره اذا اراد شيئا ان يقول له كن فيكون اذا المراد بقوله كن حكم قدرته الازليه عليه بالكون و وجوب الصدور عن تمام موثريته من غير لفظ و لا نطق، و حاصل المعنى ان طاعه كل شى ء له سبحانه ليس متوقفا الا على تعلق الاراده بها. \par
007    07    (الفرق بين السلطان و مطلق القدره) \par (انت المدعو للمهمات، و انت المفزع فى الملمات، لا يندفع منها الا ما دفعت، و لا ينكشف منها الا ما كشفت، و قد نزل بى يا رب ما قد تكادنى ثقله، و الم بى ما قد بهظنى حمله، و بقدرتك اوردته على، و بسلطانك وجهته الى، فلا مصدر لما اوردت، و لا صارف لما وجهت، و لا فاتح لما اغلقت و لا مغلق لما فتحت، و لا ميسر لما عسرت و لا ناصر لمن خذلت) فزع اليه: لجا، و المفزع: الملجا و المستغاث به، و تكاده الامر على تفاعل و تفعل: صعب عليه و شق و منه عقبه كودا، و الثقل كعنب ضد الخفه، و يسكن للتخفيف، و الم الرجل بالقوم الماما اتاهم فنزل بهم، و بهظه الحمل يبهظه بهظا من باب منع اثقله و عجز منه، السلطان: قدره الملك فهو اخص من مطلق القدره و لما كانت الامور كلها مربوطه باسبابها تحت تصريف قدرته تعالى و اسبابها القريبه منتهيه اليه سبحانه صرح عليه السلام بان ما نزل به عن المكروه انما هو بايراده و توجيهه تعالى اليه بقدرته و سلطانه قطعا للنظر عن غيره فى جميع احواله و توجها الى قبله الحقيقه، و الاصدار خلاف الايراد، و حاصل هذه الفقرات ان الامر كله لك فلا راد لقضائك و لا دافع لبلائك لكنه عليه السلام بسط الكلام حيث الاصغاء مطلوب، و فى هذا المعنى من القرآن المجيد: ان ينصركم الله فلا غالب لكم و ان يخذلكم فمن ذا الذى ينصركم من بعده و على الله فليتوكل المومنون \par
006    07    (الفرق بين السلطان و مطلق القدره) \par (انت المدعو للمهمات، و انت المفزع فى الملمات، لا يندفع منها الا ما دفعت، و لا ينكشف منها الا ما كشفت، و قد نزل بى يا رب ما قد تكادنى ثقله، و الم بى ما قد بهظنى حمله، و بقدرتك اوردته على، و بسلطانك وجهته الى، فلا مصدر لما اوردت، و لا صارف لما وجهت، و لا فاتح لما اغلقت و لا مغلق لما فتحت، و لا ميسر لما عسرت و لا ناصر لمن خذلت) فزع اليه: لجا، و المفزع: الملجا و المستغاث به، و تكاده الامر على تفاعل و تفعل: صعب عليه و شق و منه عقبه كودا، و الثقل كعنب ضد الخفه، و يسكن للتخفيف، و الم الرجل بالقوم الماما اتاهم فنزل بهم، و بهظه الحمل يبهظه بهظا من باب منع اثقله و عجز منه، السلطان: قدره الملك فهو اخص من مطلق القدره و لما كانت الامور كلها مربوطه باسبابها تحت تصريف قدرته تعالى و اسبابها القريبه منتهيه اليه سبحانه صرح عليه السلام بان ما نزل به عن المكروه انما هو بايراده و توجيهه تعالى اليه بقدرته و سلطانه قطعا للنظر عن غيره فى جميع احواله و توجها الى قبله الحقيقه، و الاصدار خلاف الايراد، و حاصل هذه الفقرات ان الامر كله لك فلا راد لقضائك و لا دافع لبلائك لكنه عليه السلام بسط الكلام حيث الاصغاء مطلوب، و فى هذا المعنى من القرآن المجيد: ان ينصركم الله فلا غالب لكم و ان يخذلكم فمن ذا الذى ينصركم من بعده و على الله فليتوكل المومنون \par
005    07    (الفرق بين السلطان و مطلق القدره) \par (انت المدعو للمهمات، و انت المفزع فى الملمات، لا يندفع منها الا ما دفعت، و لا ينكشف منها الا ما كشفت، و قد نزل بى يا رب ما قد تكادنى ثقله، و الم بى ما قد بهظنى حمله، و بقدرتك اوردته على، و بسلطانك وجهته الى، فلا مصدر لما اوردت، و لا صارف لما وجهت، و لا فاتح لما اغلقت و لا مغلق لما فتحت، و لا ميسر لما عسرت و لا ناصر لمن خذلت) فزع اليه: لجا، و المفزع: الملجا و المستغاث به، و تكاده الامر على تفاعل و تفعل: صعب عليه و شق و منه عقبه كودا، و الثقل كعنب ضد الخفه، و يسكن للتخفيف، و الم الرجل بالقوم الماما اتاهم فنزل بهم، و بهظه الحمل يبهظه بهظا من باب منع اثقله و عجز منه، السلطان: قدره الملك فهو اخص من مطلق القدره و لما كانت الامور كلها مربوطه باسبابها تحت تصريف قدرته تعالى و اسبابها القريبه منتهيه اليه سبحانه صرح عليه السلام بان ما نزل به عن المكروه انما هو بايراده و توجيهه تعالى اليه بقدرته و سلطانه قطعا للنظر عن غيره فى جميع احواله و توجها الى قبله الحقيقه، و الاصدار خلاف الايراد، و حاصل هذه الفقرات ان الامر كله لك فلا راد لقضائك و لا دافع لبلائك لكنه عليه السلام بسط الكلام حيث الاصغاء مطلوب، و فى هذا المعنى من القرآن المجيد: ان ينصركم الله فلا غالب لكم و ان يخذلكم فمن ذا الذى ينصركم من بعده و على الله فليتوكل المومنون \par
004    07    (الفرق بين السلطان و مطلق القدره) \par (انت المدعو للمهمات، و انت المفزع فى الملمات، لا يندفع منها الا ما دفعت، و لا ينكشف منها الا ما كشفت، و قد نزل بى يا رب ما قد تكادنى ثقله، و الم بى ما قد بهظنى حمله، و بقدرتك اوردته على، و بسلطانك وجهته الى، فلا مصدر لما اوردت، و لا صارف لما وجهت، و لا فاتح لما اغلقت و لا مغلق لما فتحت، و لا ميسر لما عسرت و لا ناصر لمن خذلت) فزع اليه: لجا، و المفزع: الملجا و المستغاث به، و تكاده الامر على تفاعل و تفعل: صعب عليه و شق و منه عقبه كودا، و الثقل كعنب ضد الخفه، و يسكن للتخفيف، و الم الرجل بالقوم الماما اتاهم فنزل بهم، و بهظه الحمل يبهظه بهظا من باب منع اثقله و عجز منه، السلطان: قدره الملك فهو اخص من مطلق القدره و لما كانت الامور كلها مربوطه باسبابها تحت تصريف قدرته تعالى و اسبابها القريبه منتهيه اليه سبحانه صرح عليه السلام بان ما نزل به عن المكروه انما هو بايراده و توجيهه تعالى اليه بقدرته و سلطانه قطعا للنظر عن غيره فى جميع احواله و توجها الى قبله الحقيقه، و الاصدار خلاف الايراد، و حاصل هذه الفقرات ان الامر كله لك فلا راد لقضائك و لا دافع لبلائك لكنه عليه السلام بسط الكلام حيث الاصغاء مطلوب، و فى هذا المعنى من القرآن المجيد: ان ينصركم الله فلا غالب لكم و ان يخذلكم فمن ذا الذى ينصركم من بعده و على الله فليتوكل المومنون \par
008    07    ثم لما اعد نفسه عليه السلام بهذه الا قرارات لقبول الرحمه شرع فى المطلب فقال: \par
008    07    (الفرق بين لدن و عند) \par (فصل على محمد و آله و افتح لى يا رب باب الفرج بطولك و اكسر عنى سلطان الهم بحولك، و انلنى حسن النظر فيما شكوت، و اذقنى حلاوه الصنع فيما سالت، وهب لى من لدنك رحمه و فرجا هنيئا، و اجعل لى من عندك مخرجا و حيا) بدا بمسئله الصلوه على النبى و آله عليهم السلام لان الله تعالى اكرم من ان يسئل حاجتين فيقضى احديهما و يمنع الاخرى كما ورد عن اميرالمومنين عليه السلام و قد ذكرنا الحديث بلفظه فيما تقدم و التعرص لوصف الربوبيه المبنيه على رعايه ما فيه صلاح المربوب مع الاضافه الى ضميره عليه السلام قرع لباب الاجابه بالمبالغه فى التضرع، و لذلك قيل اذا اراد العبد ان يستجاب له فليدع الله بما يناسبه من اسمائه الحسنى و الامثال العليا، و استعار لفظ الباب لسبب الفرج و رشحه بذكر الفتح و هى استعاره مكنيه تخييليه و كذلك استعاره لفظ السلطان لغلبه الهم و رشحه بذكر الكسر من كسرت القوم بمعنى هزمتهم، و الطول بالفتح: الفضل، و الحول: القدره على التصرف، انا له اى اعطاه و الاسم النوال و حسن النظر كنايه عن كمال الاعتناء و مزيد الاحسان، و استعار لفط الحلاوه التى هى حقيقه فى الكيفيه المخصوصه فى الاجسام لما يوجد من انبساط النفس بسبب صنيعه تعالى اى معروفه، قوله عليه السلام: وهب لى من لدنك رحمه و فرجا هنيئا و اجعل لى من عندك مخرجا و حيا، كلا الجارين فى كل من الفقرتين متعلقان بالفعل قبلهما و يجوز تعلق الثانى فيهما بمحذوف و هو حال من المفعول اى رحمه كائنه من لدنك و مخرجا كائنا من عندك، و من لابتداء الغايه المجازيه و لذلك صح تعاقب لدن و عند كما فى قوله تعالى: آتيناه رحمه من عندنا و علمناه من لدنا علما فلو جى ء بعند فيهما او بلدن لصح و لكن ترك دفعا للتكرار، و تفارق لدن عند: بانها لا تقع فى غير محل ابتداء فلا تقول كنت لديه كما تقول كنت عنده، و بانها لا تقع الا فضله بخلاف عند بدليل: و عندنا كتاب حفيظ و بانها مبنيه و عند معربه، و تنكير رحمه للتعظيم اى \par
008    07    رحمه واسعه عظيمه تنقذنى بها من جميع المهمات و الملمات، و هنيئا فعيل هنو الشى ء بالضم مع الهمزه هناءه بالفتح و المد اى تيسر من غير مشقه و لا عناء، و الوحى كالسريع وزنا و معنى. \par
009    07    (الفرق بين الهم و الغم) \par (و لا تشغلنى بالاهتمام عن تعاهد فروضك، و استعمال سنتك) الاهتمام هنا من همه الامر فاهتم اى حزنه و اقلقه فقلق لا من اهتم بالشى ء بمعنى قام به، و تعاهد الشى ء و تعهده اى حفظه و تفقده و حقيقته تجديد العهد به اى لا تشغلنى بالهم و الحزن عن المحافظه على وظائف الفرائض و الاتيان بها على الوجه الاكمل و عن القيام بالنوافل و الاتيان بالسنن و الاداب، قال فى الذكرى: و قد ترك النافله لعذر و منه الهم و الغم لروايه على بن اسباط عن عده ان الكاظم عليه السلام اذا اهتم ترك النافله و عن معمر بن خالد عن الرضا عليه السلام مثله اذا اغتم و قد يفرق بينهما بان الغم لما مضى و الهم لما ياتى انتهى. \par و عن اميرالمومنين عليه السلام: ان للقلوب اقبالا و ادبارا فاذا اقبلت فاحملوها على النوافل فاذا ادبرت فاقتصروا بها على الفرائض قال شارحوا كلامه عليه السلام اراد بالاقبال الميل و بالادبار النفره عن ملال و نحوه. \par
010    07    (وجه حسن الختام لهذا الدعاء بهذا الوصف انه لما قال..) \par (فقد ضقت لما نزل بى يا رب ذرعا، و امتلات بحمل ما حدث على هما و انت القادر على كشف ما منيت به، و دفع ما وقعت فيه فافعل بى ذلك و ان لم استوجبه منك يا ذا العرش العظيم) ذرعا و هما منصوبان على التميز و كل منهما رافع لاجمال النسبه قال الجوهرى ضقت بالامر ذرعا اذا لم نطقه و لم تقو عليه و اصل الذرع انما هو بسط اليد فكانك تريد مددت يدى اليه فلم تنله انتهى و قال الازهرى: الذرع يوضع موضع الطاقه و اصله ان البعير يذرع بيده اى يمدها فى سيره على قدر سعه خطوه فاذا حمل عليه اكثر من طاقه ضاق ذرعه عن ذلك فجعل ضيق الذرع عباره عن قله الوسع و الطاقه، و عدى حدث بعلى دون اللام ايذانا بما فى الحادث من المشقه حتى كانه علاه فخضع هوله، \par
010    07    قوله عليه السلام: و انت القادر على كشف ما منيت به و دفع ما وقعت فيه، التعريف لا فاده القصر تحقيقا اى انت القادر لا غيرك على كشف ما ابتليت به يقال منوته و منيته اذا ابتليته و منى بكذا بالبناء للمفعول ابتلى به، و وقعت فيه اى سقطت من وقع الشى ء بمعنى سقط او حصلت فيه، قوله عليه السلام فافعل بى ذلك و ان لم استوجبه منك يا ذاالعرش العظيم، ذلك اشاره الى كشف ما منى به و دفع ما وقع فيه و استوجب الشى ء، استحقه. و العرش يطلق على معنيين و وجه حسن الختام لهذا الدعاء بهذا الوصف انه لما قال عليه السلام: و انت القادر على كشف ما منيت به مع ما تقدم من الاقرار بان الامر كله له ختم الدعاء بما يشعر و يقرر بان جميع الاشياء تحت حياطه قدرته و علمه اذ هو ذوالعرش العظيم المحيط بكل شى ء فيحيط بكل ما نزل به و يعلم صدق شكايته و حاله اضطراره و هو قادر على كشف ما به فيكشفه لانه الذى يجيب المضطر اذا دعاه و يكشف السوء عمن رجاه، و الله اعلم. \par
001    08    الدعاء الثامن: من ادعيه الصحيفه السجاديه: و هو دعائه عليه السلام فى الاستعاذه من المكاره و سيى ء الاخلاق و مذام الافعال \par \par
001    08    (الفرق بين الخلق بالضم و الخلق بالفتح) \par كان من دعائه عليه السلام فى الاستعاذه من المكاره و سيى ء الاخلاق و مذام الافعال، استعذت بالله استعاذه و عذت به عوذا و معاذا: اعتصمت او تحصنت او التجات، و المراد بالمكاره: ما يكرهه الانسان و عطف سيى ء الاخلاق و مذام الافعال عليه من عطف الخاص على العام، و الاخلاق جمع خلق بالضم، قال الراغب الخلق بالضم فى الاصل كالخلق بالفتح و لكن الخلق بالضم يقال فى القوى المدركه بالبصيره، و الخلق بالفتح فى الهيات و الاشكال و الصور المدركه بالبصر، و عرفوا بالضم بانه هيئه راسخه فى النفس تصدر عنها الافعال بسهوله فان كان الصادر عنها: الافعال الجميله عقلا و شرعا سميت الهيئه التى هى المصدر خلقا حسنا، و ان كان الصادر عنها: الافعال القبيحه سميت الهيئه خلقا سيئا و انما قيل انه هيئه راسخه لان من يصدر منه بذل المال على الندور بحاله عارضه لا يقال خلقه السخاء ما لم يثبت ذلك فى نفسه، و كذلك من تكلف السكون عند الغضب بجهد او رويه لا يقال خلقه الحلم و ليس الخلق عباره عن الفعل فرب شخص خلقه السخاء و لا يبذل اما لفقد المال او لمانع، و آخر خلقه البخل و هو يبذل لباعث او رياء، و ربما اطلق الخلق على اسماء انواعه نحو: العفه و العداله و الشجاعه فان ذلك يقال الهيئه و الفعل جميعا، و الافعال جمع فعل و هو الهيئه العارضه للموثر فى غيره بسبب التاثير كالهيئه الحاصله للقاطع بسبب كونه قاطعا فان احتاج الفاعل الى تحريك عضو سمى الفعل علاجيا كالضرب و الشتم و الا فغير علاجى كالعلم و الظن. \par
001    08    (معنى الحرص و الغضب و الحسد و الغبطه و المنافسه) \par قال صلوات الله عليه: (اللهم انى اعوذبك من هيجان الحرص، و سوره الغضب و غلبه الحسد) هاج الشى ء هيجانا و هياجا بالكسر: ثار، و الحرص بالكسر اسم من حرص على الشى ء من باب ضرب اذا رغب فيه رغبه مذمومه و تبعث تلك الحاله على السعى التام فى الاكتساب و شده الاهتمام بجمع الاسباب و صرف العمر و الفكر فى جمع المال فى جميع الاوان و لا شبهه فى ان ذلك لقوه الاعتماد على الكسب و الطلب و عدم الاعتماد على الله سبحانه. \par
001    08    روى ثقه الاسلام فى الكافى بسنده عن ابى عبدالله عليه السلام قال قال ابوجعفر صلوات الله عليه: مثل الحريص فى الدنيا مثل دوده القز كلما ازدادت من القز على نفسها لفا كان ابعد لها من الخروج حتى يموت غما، قوله عليه السلام: و سوره الغضب، سوره الشى ء بالفتح حدته و تاتى بمعنى البطش ايضا، و الغضب: قيل تغيير يحصل عند غليان دم القلب لشهوه الانتقام، و قيل هو هيجان النفس لاراده الانتقام، قوله عليه السلام: و غلبه الحسد، الحسد كراهيه نعمه الغير و تمنى زوالها عنه، و قيل هو عباره عن فرط حرص المرء على امتيازه من جميع المقتنيات من ابناء جنسه و شده اهتمامه على ازالتها من غيره و جذبها الى نفسه، قال الراغب! الذى ينال الانسان بسبب خير يصل الى غيره اذا كان على سبيل التمنى ان يكون له مثله فهو غبطه، فاذا كان مع ذلك سعى منه فى ان يبلغ هو مثل ذلك من الخير او ما هو فوقه فمن افسه و كلاهما محمودان، و ان كان مع ذلك سعى فى ازالتها فهو حسد و هو الحرام المذموم، و الحاسد التام هو الخبيث النفس الساعى فى ازاله نعمه مستحقه من غير ان يكون طالبا ذلك لنفسه و لذلك قيل: الحاسد يرى زوال نعمتك عليه نعمه: \par و عنه صلى الله عليه و آله: المومن يغبط و المنافق يحسد، فحمد الغبطه فقال تعالى: و فى ذلك فليتنافس المتنافسون فحثنا على التنافس و هو الباعث لنا على طلب المحاسن و ذلك كقوله سبحانه: و سارعوا الى مغفره من ربكم. \par و عنه صلى الله عليه و آله: ثلثه لا ينجو منها احد: الظن، و الطيره، و الحسد، و ساخبركم بالمخرج من ذلك فاذا ظننت فلا تحقق، و اذا تطيرت فامض و اذا حسدت فلا تبغ، اى اذا اصابك غم بخير يناله غيرك فلا تبغ ازالته عنه، انتهى كلام الراغب. \par (قال بعض العلماء: بناء الصبر على اربع قواعد..) \par (و ضعف الصبر) اتفقت النسخ على ضبط الضعف هنا بالفتح و هو يويد قول من قال ان الضعف بالضم فيما كان فى البدن و بالفتح فيما كان فى العقل، و الصبر: قوه ثابته و ملكه راسخه بها يقدر على حبس النفس على الامور الشاقه و الوقوف معها بحسن \par
001    08    الادب و عدم الاعتراض على المقدر باظهار الشكوى، فان الانسان مادام فى هذه النشاه كان موردا للمصائب و الافات و محلا للنوائب و العاهات و مكلفا بفعل الطاعات و ترك المنهيات و المشتهيات و كل ذلك ثقيل على النفس بشع فى مذاقها و هى تنفر عنه نفارا و تتباعد منه فرارا و لا يروضها عليه و يثنى جماحها عنه الا الصبر، \par عن اميرالمومنين عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه و آله: الصبر ثلثه: صبر عند المصيبه، و صبر على الطاعه و صبر عن المعصيه فمن صبر على المصيبه حتى يردها بحسن عزائها كتب الله له ثلثمائه درجه مايين الدرجه الى الدرجه كما بين السماء و الارض، و من صبر على الطاعه كتب الله له ست مائه درجه ما بين الدرجه الى الدرجه كما بين تخوم الارض الى العرض، و من بصبر على المعصيه تركب الله تعالى له تسعمائه درجه ما بين الدرجه الى الدرجه كما بين تخوم الارض الى منتهى العرش، \par قال بعض العلماء: و بنائه على اربع قواعد: الزهد و الاشفاق و الشوق و ترقب الموت، فمن زهد فى الدنيا استخف بالمصيبات، و من اشفق من النار اجتنب المحرمات، و من اشتاق الى الجنه سلا عن الشهوات و طيب نفسه عن ترك الشهوات و من ارتقب الموت سارع فى الخيرات و واظب على الطاعات، \par و الايات و الروايات فى مدحه كثيره جدا و يكفى فى معرفه سمو قدره قوله تعالى: و الله مع الصابرين و قوله تعالى: انما يوفى الصابرون اجرهم يغير حساب و المراد بترك الشكوى فى حد الصبر: الشكوى الى غير الله تعالى و اما الشكوى اليه سبحانه فلا تقدح فى الصبر لان الله تعالى اثنى على ايوب عليه السلام بالصبر بقوله، انا وجدناه صابرا مع دعائه فى دفع الضر عنه بقوله: مسنى الضر و انت الرحم الراحمين فعلمنا ان العبد اذا دعا الله فى كشف الضر عنه لا يقدح فى صبره بل يجب الدعاء و الاستكانه له و التضرع اليه سبحانه لئلا يكون كالمقاومه مع الله و دعوى التحمل لمشاقه، قال تعالى: \par
001    08    و لقد اخذناهم بالعذاب فما استكانوا ربهم و ما يتضرعون. \par (تعريف القناعه و ما قيل فيها) \par (و قله القناعه) قد يعبر بالقله عن العدم كما يقال قليل الخير اى لا يكاد يفعله، و القناعه اسم من قنع بالشى ء من باب تعب اى رضى به فهو قنع و قنوع، و اما القانع فهو السائل من قنع يقنع بفتحتين قنوعا اذا سئل و منه قوله تعالى: و اطعموا القانع و المعتر فالقانع: السائل و المعتر الذى يطوف و لا يسئل و الى المعنيين المذكورين اشار من قال: \par العبد حر ان قنع و الحر عبد ان قنع فاقنع و لا تطمع فما شى ء يشين سوى الطمع \par قنع الاول بالكسر بمعنى رضى و الثانى بالفتح بمعنى سال، و عرفت القناعه: بانها الرضا بالقسمه، و قيل الرضا بما دون الكفايه، و فسرها المحقق الطوسى بانها رضا النفس فى الماكل و المشارب و الملابس و غيرها بما يسد الخلل من اى جنس اتفق. \par روى عن النبى صلى الله عليه و آله قال: قلت يا جبرئيل ما تفسير القناعه؟ قال تقنع بما تصيب من الدنيا، تقنع بالقليل و تشكر على اليسير، و قد ورد فى شان القناعه و الحث عليها من الكتاب و السنه ما لا خفاء به و كفى فى ذلك قوله تعالى: فلا تعجبك اموالهم و لا اولادهم و قوله تعالى: و لا تمدن عينيك الى ما متعنا به ازواجا منهم زهره الحيوه الدنيا و بالقناعه فسر الرزق الحسن فى قوله تعالى: ليرزقنهم الله رزقا حسنا و بها فسرت الحيوه الطيبه فى قوله عز و جل: فلنحيينه حيوه طيبه. \par عن اميرالمومنين عليه السلام: القناعه مال لا ينفد و لا يفنى، و عن الباقر و الصادق عليهماالسلام: \par
001    08    من قنع بما رزقه الله فهو اغنى الناس، و بيان ذلك ان حاجات الناس كثيره فاغناهم اقلهم حاجه لان الغنى هو عدم الحاجه فلذلك كان الله سبحانه اغنى الاغنياء لانه لا حاجه به الى شى ء، \par راى رجل من حاشيه السلطان حكيما ياكل ما تساقط من البقل على راس ماء فقال لو خدمت السلطان لم تحتج الى اكل هذا، فقال الحكيم و انت لو قنعت بهذا لم تحتج الى خدمه السلطان، و قال خالد بن صفوان بت ليله استمتع بالمنى و اقلب قلبى على حواشى الغنى فكبست البحر الاخضر بالذهب الاحمر و جعلت ما بين كوفان الى اسياف عمان فاخره اللباس و سارحه النعم فاذا الذى يكفينى من ذلك رغيفان و طمران، و قال وهب: خرج العز و الغنى يجولان فلقيا القناعه فاستقرا. \par (معنى: شكاسه الخلق، و قول سقراط لرجل يضرب غلاما) \par (و شكاسه الخلق) الشكاسه بالفتح اسم من شكس خلقه من باب تعب اى صعب فهو شكس بالتسكين، قال بعض العلماء شكاسه الخلق و سووه وصف للنفس يوجب فسادها و انقباضها و تغيرها على اهل الخلطه و المعاشره و ايذائهم بسبب ضعيف او بلا سبب و رفض حقوق المعاشره و عدم احتمال ما لا يوافق طبعه منهم، و قيل هو كما يكون مع الخلق يكون مع الخالق ايضا بعدم تحمل ما لا يوافق طبعه من النوائب و الاعتراض عليه فى قضائه و احكامه، و مفاسده و آفاته فى الدين و الدنيا كثيره، \par كما ورد عن ابى عبدالله عليه السلام: من ساء خلقه عذب نفسه، و ذلك لان نفسه منه فى تعب كما ان الناس منه فى تعب، كما يحكى ان سقراط راى رجلا يضرب غلاما له \par
001    08    و هو يرتعد غضبا فقال ما الذى بلغ بك هذا الذى ارى؟ قال: اسائه هذا الغلام، فقال ان كان كل ما جنى عليك جنايه سلطته على نفسك تفعل بها ما ارى فما اسرع ما تذهب نفسك مبدده عن هذا الفعل، \par و عن الصادق عليه السلام ان سوء الخلق ليفسد العمل و فى روايه ليفسد الايمان كما يفسد الخل العسل، و عنه ايضا عليه السلام قال قال النبى صلى الله عليه و آله ابى الله لصاحب الخلق السيى ء بالتوبه قيل فكيف ذلك؟ يا رسول الله! قال لانه اذا تاب من ذنب وقع فى ذنب اعظم منه، و بيان ذلك ان سوء خلقه يحمله على نقض التوبه فيصير ذلك ذنبا مقرونا بذنب آخر و هما اعظم من الاول. \par (لا يصير الانسان خارجا من جمله البهائم و اسر الهوى الا..) \par (و الحاح الشهوه) الح السحاب الحاحا: دام مطره و منه الح الرجل: دام على الشى ء اذا اقبل عليه مواظبا و بالغ فيه اى مبالغه الشهوه و افراطها دائما، و الشهوه: حركه النفس طلبا للملايم قيل و اصعب القوى مداواه قمع الشهوه لانها اقدم القوى وجودا بالانسان و اشدها به تشبثا و اكثرها منه تمكنا فانها تولد معه و توجد فيه و فى الحيوان الذى هو جنسه ثم توجد فيه قوه الحميه ثم توجد فيه اخرا قوه الفكر و النطق و التمييز فلا يصير الانسان خارجا من جمله البهائم و اسر الهوى الا باماته الشهوات البهيميه او بقهرها و قمعها ان لم يمكنه اماتته اياها فهى التى تضره و تغره و تصرفه عن الاخره و تثبطه و متى اماتها او قمعها صار الانسان حرا نقيا بل يصير اليها ربانيا فتقل حاجاته و يصير غنيا عما فى ايدى الناس سخيا بما فى يده محسنا فى معاملاته، \par فان قيل: فاذا كانت الشهوه بهذه المثابه فى الاضرار فاى حكمه اقتضت ان يبتلى الانسان بها؟ \par قيل: الشهوه انما تكون مذمومه اذا كانت مفرطه و اهملها صاحبها حتى ملكت القوى و الحت عليها، فاما اذا ادبت فهى المبلغه الى السعاده و جوار رب العزه حتى \par
001    08    لو تصورت مرتفعه لما امكن الوصول الى الاخره الا بها و ذلك ان الوصول الى الاخره انما هو بالعباده و لا سبيل الى العباده الا بالحيوه الدنيويه و لا سبيل الى الحيوه الدنيويه الا بحفظ البدن و لا سبيل الى حفظه الا باعاده ما يتحلل منه بتناول الاغذيه و لا يمكن تناول الاغذيه ا بالشهوه، و ايضا فلو لا الشهوه لا نقطع بقاء النوع الانسانى لان بقائه انما يكون بشهوه المباضعه فاذا الشهوه محتاج اليها و مرغوب فيها و تقتضى الحكمه الالهيه ايجادها و تزيينها كما قال تعالى: زين للناس حب الشهوات من النساء و البنين لكن مثلها مثل عدو يخشى مضرته من وجه و ترجى منفعته من وجه و مع عداوته لا يستغنى عن الاستعانه به فحق العاقل ان ياخذ نفعه منه و لا يسكن اليه و لا يعتمد عليه الا بقدر ما ينتفع به، و ايضا فهذه الشهوه هى المشوقه لعامه الناس الى لذات الجنه من الماكل و المشرب و المنكح اذ ليس كل الناس يعرف اللذات المعقوله و لو توهمناها مرتفعه لما تشوقوا الى ما وعدوا به من قول النبى صلى الله عليه و آله: فيها ما لا عين رات و لا اذن سمعت و لا خطر على قلب بشر. \par (الحميه ضربان: حميه محموده و حميه مذمومه) \par (و ملكه الحميه) الملكه بفتحتين اسم من ملكت الشى ء ملكا من باب ضرب يقال هو ملكه بالكسر و له عليه ملكه بفتحتين، و الحميه بتشديد الياء المثناه من تحت: الانفه كانها فعيله بمعنى مفعوله من الحمايه اسم اقيم مقام المصدر كالسكينه بمعنى السكون و هى ضربان: \par حميه محموده و هى المستعمله فى صيانه كل ما يلزم الانسان صيانته من دين او مال او اهل او بلد و تسمى الغيره و لذلك قيل ليست الغيره ذب الرجل عن امراته و لكن ذبه عن كل مختص به و هذه الحميه من مكارم الاخلاق و محاسن الاعمال التى يتفاضل فيها اهل المجد و الشرف، \par و حميه مذمومه و هى المستعمله فى الاستكبار عن الحق و التطاول على الخلق و تسمى \par
001    08    العصبيه و حميه الجاهليه و هى من لوازم الغضب مع الفخر و العجب و الكبر لانها تنشاء من تصور الموذى مع الترفع على فاعله و اعتقاد الشرف عليه و هو من طغيان النفس الاماره و نفثات الشيطان فيها و ان التواضع للحق من العار فيقدم صاحبها على ما يوجب خروجه من الايمان و خلع ربقه العبوديه من عنقه، نعوذ بالله من ذلك، \par و فى الحديث عن ابى عبدالله عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه و آله من كان فى قلبه حبه من خردل من عصبيه بعثه الله يوم القيمه مع اعراب الجاهليه، \par و عنه عليه السلام من تعصب عصبه الله بعصابه من نار، \par و عنه عليه السلام قال ان الملائكه كانوا يحسبون ان ابليس منهم و كان فى علم الله انه ليس منهم فاستخرج ما فى نفسه بالحميه و الغضب فقال خلقتنى من نار و خلقته من طين. \par و عن الزهرى قال سئل على بن الحسين عليهماالسلام عن العصبيه فقال: العصبيه التى ياثم عليها صاحبها ان يرى شرار قومه خيرا من خيرا قوم آخرين و ليس من العصبيه ان يحب الرجل قومه و لكن من العصبيه ان يعين قومه على الظلم، و الاخبار فى ذم هذا النوع من الحميه كثيره. \par
002    08    (للانسان مع هواه ثلث احوال) \par (و متابعه الهوى) تابعه على كذا متابعه و تباعا: وافقه عليه، و الهوى بالقصر: ميل النفس الاماره بالسوء الى مقتضى طباعها من اللذات الدنيويه الى حد الخروج عن الحدود الشرعيه و هو اشد جاذب للانسان عن قصد الحق و اتباع دليله و اقوى صاد عن الاهتداء بمناره و سلوك سبيله و لذلك جعل سبحانه متابعته و الانقياد اليه عباده فقال: افرايت من اتخذ الهه هويه كما جعل موافقه الشيطان عباده له، فقال تعالى: الم اعهد اليكم يا بنى آدم ان لا تعبدوا الشيطان و قد ورد فى التحذير منه و من اتباعه قاصمه \par
002    08    الظهور و لو لم يرد فى ذلك الا قوله تعالى: و لا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله لكفى و اما الاخبار: \par فعنه صلى الله عليه و آله: ثلث مهلكات: شح مطاع، و هوى متبع، و اعجاب المرء بنفسه، \par و عن اميرالمومنين عليه السلام: ان اخوف ما اخاف عليكم اثنان: اتباع الهوى و طول الامل اما اتباع الهوى فيصد عن الحق، و اما طول الامل فينسى الاخره، \par و عن ابى عبدالله عليه السلام احذروا اهوائكم كما تحذرون اعدائكم فليس شى ء اعدى للرجال من اتباع اهوائهم، \par و عن ابى جعفر عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه و آله يقول الله تعالى و عزتى و جلالى و كبريائى و نور عظمتى و علوى و ارتفاع مكانى لا يوثر عبد هواه على هواى الا شتت عليه امره و لبست عليه دنياه و شغلت قلبه بها و لم اوته منها الا ما قدرت له، و عزتى و جلالى و عظمتى و نورى و علوى و ارتفاع مكانى لا يوثر عبد هواى على هواه الا استحفضته ملائكتى و كفلت السموات و الارضين رزقه و كنت له من وراء تجاره كل تاجر و اتته الدنيا و هى راغمه، \par تذنيب: للانسان مع هواه ثلث احوال: \par الاولى- ان يغلبه الهوى فيستعبده كما قال تعالى: ارايت من اتخذ الهه هواه افانت تكون عليه وكيلا، \par و الثانيه- ان يغالبه فيقهره مره و يقهر مره، و اياه قصد بمدح المجاهدين و عناه صلى الله عليه و آله بقوله و قد سئل اى الجهاد افضل، فقال جهاد هواك، \par و الثالثه- ان يغلب هواه كالانبياء و الاوصياء و كثير من صفوه الاولياء و هذا المعنى قصد النبى صلى الله عليه و آله بقوله: ما من احد الا و له شيطان فقيل يا رسول الله و لا انت؟ فقال و لا \par
002    08    انا الا ان الله تعالى اعاننى على شيطانى حتى ملكته فان الشيطان يتسلط على الانسان بحسب وجود الهوى و الله اعلم. \par (المراد بالهدى و الغفله) \par (و مخالفه الهدى و سنه الغفله) المراد بالهدى هنا: الهدى العام الذى هو تعريف طرق الخير و الشر و مخالفته هو الضلال و هو اما لغفله كايثار اللذات الحسيه على الروحانيه ايثار الصبى اللعب على السلطنه، او الغرور و سكون النفس الى ما تهواه بشبهه ككون النقد خيرا من النسيه و الدنيا نقد، و هو غلط فان العشره النسيه خير من الواحد النقد المتيقن و الاخره يقين عند البصراء من الانبياء و الاولياء و العلماء و على القاصرين تقليدهم كما ان على المريض تقليد الطبيب، او لغلبه الهوى عليه لضيق صدره عن الخير و شرحه للشر فان استمر عليه اورثه رينا ثم غشاوه ثم ختما ثم قفلا ثم موت القلب و لا تنفعه الايات و النذر كما قال تعالى: انما يستجيب الذين يسمعون و الموتى يبعثهم الله نعوذ بالله من ذلك، قوله عليه السلام: و سنه الغفله، السنه ما يتقدم النوم من الفتور، و الغفله غيبه الشى ء عن بال الانسان و عدم تذكره له و قد استعمل فيمن تركه اهمالا و اعراضا كما فى قوله تعالى: و هم فى غفله معرضون و المراد بالغفله: الغفله عن كل ما يقرب الى الله تعالى و يوجب الوصول اليه سبحانه، و قيل الغفله متابعه النفس على ما تشتهيه، و قال سهل: الغفله ابطال الوقت بالبطاله، و قيل هى صفه للقلب توجب ترك الحق و عدم ذكر الموت و ما بعده و الميل الى الباطل و حب الدنيا و قد نهى الله تعالى رسوله ان يكون من الغافلين حيث قال: و اذكر ربك فى نفسك تضرعا و خيفه و دون الجهر من القول بالغدو و الاصال و لا تكن من الغافلين قيل فيه اشاره الى انه يجب على الانسان ان يستحضر دائما جلال الله سبحانه و عظيم كبريائه بحسب الطاقه البشريه ليتنور جوهر نفسه و يستعد لقبول \par
002    08    الاثرات القدسيه فيضاهى سكان خطائر الجبروت الذين مدحهم الله بقوله بعد هذه الايه: ان الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته و يسبحونه و له يسجدون. \par (معنى الحق و الباطل) \par (و تعاطى الكلفه، و ايثار الباطل على الحق) تعاطى الشى ء اذا اقدم عليه و فعله، و الكلفه بالضم: ما تكلفته من نائبه او حق، و فى الاساس: ليس عليه كلفه اى مشقه و المراد بتعاطى الكلفه: ارتكاب الامور الشاقه التى تورث النفس كلالا و ملالا فانه منهى عن الاقدام عليها حتى فى الامور الدينيه فضلا عن الدنيويه، \par كما ورد عن ابى عبدالله عليه السلام: لا تكرهوا الى انفسكم العباده، \par و عنه عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه و آله: يا على! ان هذا الدين متين فاوغل فيه برفق و لا تبغض الى نفسك عباده ربك فان المنبت يعنى المفرط لا ظهرا ابقى و لا ارضا قطع فاعمل عمل من يرجو ان يموت هرما و احذر حذر من يتخوف ان يموت غدا، و يحتمل ان يكون المراد بتعاطى الكلفه: التكليف و هو تعرض الانسان لما لا يعينه، قوله عليه السلام: و ايثار الباطل على الحق، آثر الشى ء بالمد: اختاره و فضله و قدمه، و المراد بالباطل: الالتفات الى غير الله سبحانه مما لا يجدى نفعا فى الاخره، و بالحق لزوم الطاعه الله عز و جل بامتثال او امره و الاقبال عليه بلزوم الاعمال الصالحه المطابقه للعقائد الصحيحه، و بالجمله اعتقادات المكلف و عمله اما ان يطابق او امر الله تعالى اولا، فالاول هو الحق و الثانى هو الباطل. \par (معنى الاصرار، و تقسيمه الى فعلى و حكمى، و سائر ما قيل فيه) \par (و الاصرار على الماثم) الاصرار اصله من الصر و هو الشد و الربط و منه سميت الصره ثم اطلق على لزوم الشى ء و مداومته يقال اصر عليه اذا لزمه و دامه كانه ارتبط بلزومه ثم استعمل فى عرف الشرع فى الاقامه على الذنب من دون استغفار كذا قيل، و قد قسم شيخنا الشهيد قدس الله روحه فى قواعده، الاصرار الى فعلى و حكمى و قال: الفعلى \par
002    08    هو الدوام على نوع واحد من الصغائر بلا توبه، او الاكثار من جنس الصغائر بلا توبه و الحكمى هو العزم على تلك الصغيره بعد الفراغ منها، اما لو فعل الصغيره و لم يخطر بباله بعدها توبه و لا عزم على فعلها فالظاهر انه غير مصر، انتهى كلامه، قال شيخنا البهائى قدس سره فى الاربعين: و لا يخفى ان تخصيصه الاصرار الحكمى بالعزم على تلك الصغيره بعد الفراغ منها يعطى انه لو كان عازما على صغيره اخرى بعد الفراغ بما هو فيه لا يكون مصرا ايضا و الظاهر انه مصر ايضا، و تقييده ببعد الفراغ منها يقتضى بظاهره ان من كان عازما مده سنه على لبس الحرير مثلا لكنه لم يلبسه اصلا لعدم تمكنه لا يكون فى تلك المده مصرا، و هو محل نظر، انتهى، و قال بعض العامه: الاصرار هو ادامه الفعل و العزم على ادامته ادامه يصح معها اطلاق وصف العزم عليه، و قال بعضهم: حد الاصرار ان تتكرر الصغيره بحيث يشعر بقله مبالاته بذنبه كاشعار الكبيره و كذا اذا اجتمع صغائر مختلفه الانواع بحيث يشعر مجموعها بما يشعر به اصغر الكبائر، و الماثم مصدر ميمى بمعنى الاثم و المراد به ما ياثم به المرء وضعا للمصدر موضع الاسم، و روى ثقه الاسلام فى الكافى بسند ضعيف عن ابى جعفر عليه السلام فى قول الله عز و جل و لم يصروا على ما فعلوا و هم يعلمون قال: الاصرار ان يذنب الذنب فلا يستغفر الله و لا يحدث نفسه بتوبه فذلك الاصرار، و قيل هو يدل على ان الاصرار يتحقق بالذنب مع عدم الاستغفار و التوبه سواء اذنب ذنبا آخر من نوع ذلك الذنب او غير نوعه او عزم على ذنب آخر ام لا، اما تحققه فى غير الاخر فظاهر و اما فى الاخير فلان التوبه واجبه فى كل آن فتركها ذنب مضاف الى الذنب الاول فيتحقق الاصرار، \par و عن ابى عبدالله عليه السلام: لا صغيره مع الاصرار و لا كبيره مع الاستغفار، \par و عن ابى بصير قال سمعت اباعبدالله عليه السلام يقول لا و الله لا يقبل الله شيئا من طاعته على الاصرار على شى ء من معاصيه. \par
002    08    (قال بعض العارفين: متى عظمت المعصيه فى قلب المعاصى) \par (صغرت عند الله و متى..) \par (و استصغار المعصيه و استكبار الطاعه) استصغره: عده صغيرا و المعصيه: مخالفه الامر قصدا و انما استعاذ عليه السلام من استصغارها لاستلزامه عدم الخوف من ارتكابها و الواجب استشعار الخوف منه و ان كانت المعصيه صغيره فى نفسها لانها عظيمه فى مخالفه الرب العظيم تبارك و تعالى، \par و قال الباقر عليه السلام لمحمد بن مسلم يا محمد! لا تستصغرن سيئه تعمل بها فانك تراها حيث تسووك، و قال بعض العارفين: متى عظمت المعصيه فى قلب المعاصى صغرت عند الله و متى صغرت فى قلبه عظمت عنده تعالى، و استكبار الطاعه اى استعظامها لاعتقاد خروجه عن التقصير فيها و هو مما يجب الاستعاذه منه لاستلزامه العجب و الادلال نعوذ بالله من ذلك بل الواجب على الانسان ان يعد طاعته ناقصه و يعتقد تقصير نفسه فيها فان طاعه جميع الخلق فى جنب عظمته تعالى حقيره نزره و قد اعترف خاتم الانبياء و سيد الاوصياء بالتقصير و من الظاهر المعلوم ان مامن احد و ان اشتد فى طلب مرضات الله تعالى حرصه، و طال فى العمل اجتهاده ببالغ ما الله سبحانه اهله من الطاعه له و كمال الاخلاص و دوام الذكر و توجه القلب اليه و اداء حق شكر نعمه اذ هو بكل نعمته يستحق الطاعه و الشكر و نعمه غير محصوره كما قال: و ان تعدوا نعمه الله لا تحصوها فاذا قوبلت الطاعه بالنعمه بقى اكثر نعمه غير مشكور لا مقابل له من الطاعه فكيف تستكبر طاعه فى جنب عظمته و احسانه و استحقاقه لما هو اهله و قد قال سبحانه: ما قدر و الله حق قدره، \par و روى ثقه الاسلام فى الكافى عن سعد بن ابى خلف عن ابى الحسن موسى عليه السلام قال قال لبعض ولده يا بنى عليك بالجد لا تخرجن نفسك عن حد التقصير فى عباده الله و طاعته فان الله لا يعبد حق عبادته، \par
002    08    و عن ابى عبدالله عليه السلام كل عمل تريد به الله تعالى فكن فيه مقصرا عند نفسك فان الناس كلهم فى اعمالهم فيما بينهم و بين الله مقصرون الا من عصمه الله تعالى، و يحتمل ان يراد باستكبار الطاعه استثقالها كما قال تعالى: و انها لكبيره الا على الخاشعين و لكن مقابله استصغار المعصيه ترجح المعنى الاول. \par
003    08    (المباهات بالاشياء الخارجه عن الانسان نهايه الحمق،) \par (و ذم اهانه الفقير) \par (و مباهات المكثرين و الازراء بالمقلين) المباهات مفاعله من البهاء و هو الحسن يقال: باهيته فبهوته اى غلبته بالحسن، ثم استعمل فى مطلق المفاخره، و المكثر اسم فاعل من اكثر الرجل اذا كثر ماله، قال بعض العلماء: المباهات بالاشياء الخارجه عن الانسان نهايه الحمق لمن نظر بعين عقله و انحسر قناع جهله فاعراض الدنيا عاريه مسترده لا يومن فى كل ساعه ان تسترجع و المباهى بها مباه بما لا يبقى له بل مبتحج بما ليس له، قال بعض الحكماء لمن يفتخر بثراه: ان افتخرت بفرسك فالحسن و الفراهه له دونك، و ان افتخرت بثيابك و آلاتك فالجمال لها دونك، و ان افتخرت بابائك فالفضل فيهم لافيك و لو تكلمت هذه الاشياء لقالت هذه محاسننا فما لك من حسن، و انما المباهات و المفاخره بالاعمال الصالحه، و ايضا فالاعراض الدنيويه سحابه صيف عن قليل تقشع و ظل زائل عن قريب يضمحل بل هى كما قال تعالى: اعلموا انما الحيوه الدنيا لعب و لهو و زينه و تفاخر بينكم و تكاثر فى الاموال و الاولاد كمثل غيث اعجب الكفار نباته ثم يهيج فتريه مصفرا ثم يكون حطاما و فى الاخره عذاب شديد قوله عليه السلام: و الازراء بالمقلين، ازرى ء بالشى ء ازراء: تهاون به، و المقل الرجل صار الى قله بالكسر و هى الفقر، و الازراء بهم اما بقول يكرهونه او بالاستهزاء بهم بفعل يستلزم اهانتهم او ترك قول او ترك فعل يستلزمها و امثال ذلك و هو قبيح عقلا و نقلا: اما قبحه عقلا فلدلاله العقل على ان الشرف لا يحصل للانسان \par
003    08    بان يكون كثير الحطام، و لا الدنائه بان يكون قليله و انه لا يوجب ازراء من حرمه و استخفافا لمن لم يعطه، بل المواسات له و البر به، و اما النقل الوارد فى ذمه كثير فمن ذلك ما رواه ثقه الاسلام فى الكافى بسند صحيح او حسن عن ابى عبدالله عليه السلام قال من استذل مومنا او احتقر لقله ذات يده و لفقره شهره الله يوم القيمه على روس الخلائق، \par و عن ابن عباس عن النبى صلى الله عليه و آله من اهان فقيرا مسلما من اجل فقره و استخف به فقد استخف بحق الله و لم يزل فى مقت الله حتى يرضيه. \par (الشكر، باعتبار الشاكر و المشكور ثلثه اضرب) \par (و سوء الولايه لمن تحت ايدينا، و ترك الشكر لمن اصطنع العارفه عندنا) لمن تحت ايدينا اى تحت قدرتنا و سلطاننا و ملكنا فتدخل فيه الرعيه بالسلطان و الرعيه بالعلم و الرعيه بالعول فتدخل الزوجه و المملوك و الولد، و سوء الولايه لكل هولاء عباره عن عدم القيام بحقوقهم التى قررها الشارع لهم، و العارفه: المعروف و هو اسم ما تبذله و تعطيه و قد اسلفنا الكلام على معنى الشكر غير مره و هو باعتبار الشاكر و المشكور ثلثه اضرب: شكر الانسان لمن فوقه و هو بالخدمه و الثناء و الدعاء، و شكره لنظيره و هو بالمكافاه و شكره لمن هو دونه و هو بالثواب، و قد وصف الله تعالى نفسه بالشكر لصالح عباده و قد علمت ان شكر المنعم واجب بالعقل كما هو واجب بالشرع، و اوجبه شكر البارى جل ثناوه ثم شكر من جعله عز و جل سببا لوصول خير اليك على يده، و قد وردت بالحث عليه و النهى عن تركه اخبار كثيره، منها: ما رواه ثقه الاسلام فى الكافى بسنده الى عمار الذهبى قال سمعت على بن الحسين عليهماالسلام يقول: ان الله يحب كل قلب حزين و يحب كل عبد شكور يقول الله تبارك و تعالى لعبد من عبيده يوم القيمه اشكرت فلانا؟ فيقول بل شكرتك يا رب! فيقول لم تشكرنى اذا لم تشكره، ثم قال: اشكركم لله اشكركم للناس، \par و بسنده الى الصادق عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه و آله من اتى اليه معروف فليكاف به فان عجز فليثن عليه فان لم يفعل فقد كفر النعمه، \par
003    08    و عنه عليه السلام انه قال لعن الله قاطعى سبل المعروف، قيل و ما قاطعوا سبيل المعروف؟ قال الرجل يصنع اليه المعروف فيكفره فيمتنع صاحبه من ان يصنع ذلك الى غيره، \par تنبيه: لا ينا فى الدعاء و هذه الاخبار، ما روى من قول اميرالمومنين عليه السلام لا يحمد حامد الا ربه، حيث قصر الحمد و الثناء على الله لان المراد انه مبدء كل نعمه يستحق بها الحمد و ان كل حمد يرجع اليه فى الحقيقه كما صرح به جماعه من المحققين، و قد يجاب بان الغير يحتمل المشقه بحمل رزق الله اليك، فالنهى عن الحمد لغير الله على الرزق لان الرازق هو الله و الترغيب فى الحمد له على ما تكلف من حمل الرزق و كلفه ايصاله باذن الله تعالى ليعطيه اجر مشقه الحمل و الايصال و بالجمله هنالك شكران: شكر على الرزق لله و شكر على الحمل و هو للغير. \par
004    08    (احوال الظالمين و المائلين اليهم و ذم اعانتهم) \par (او ان نعضد ظالما) عضدت الرجل عضدا من باب قتل اعنته فصرت له عضدا اى معينا و ناصرا، و الظلم: وضع الشى ء فى غير موضعه المختص به و فى المثل من استرعى الذئب فقد ظلم فالمشرك ظالم لانه جعل غير الله تعالى شريكا له و وضع العباده فى غير موضعها و العاصى ظالم لانه وضع المعصيه موضع الطاعه، و المتصرف فى حق الغير ظالم لانه وضع التصرف فى غير محله، و اعانه الظالم من الموبقات بل ادنى الميل الى من وجد منه ظلم ما، حرام موجب لدخول النار لقوله تعالى: و لا تركنوا الى الذين ظلموا فتمسكم النار قال فى الكشاف: النهى متناول للانحطاط فى هواهم و الانقطاع اليهم و مصاحبتهم و مجالستهم و زيارتهم و مداهنتهم و الرضا باعمالهم و التشبيه لهم و التزى بزيهم و مد العين الى زهرتهم و ذكرهم بما فيه تعظيم لهم، \par و عن ابى عبدالله عليه السلام قال: العامل بالظلم و المعين له و الراضى به شركاء ثلثتهم، \par
004    08    تبصره: المستفاد من احاديث اهل البيت عليهم السلام: ان اعانه الظالم حرام و لو كانت بما هو مباح فى نفسه كما رواه الشيخ فى الحسن عن ابن ابى يعفور قال كنت عند ابى عبدالله عليه السلام اذ دخل عليه رجل من اصحابه فقال له اصلحك الله انه ربما اصاب الرجل منا الضيق او الشده فيدعى الى البناء يبنيه او للنهر يكريه او المسناه يصلحها فما تقول فى ذلك؟ فقال ابوعبدالله عليه السلام ما احب انى عقدت لهم عقده او وكيت لهم وكاء و ان لى ما بين لابتيها لا و لا مده بقلم ان اعوان الظلمه يوم القيمه فى سرادق من نار حتى يحكم الله بين العباد \par و فى الصحيح عن يونس بن يعقوب قال قال لى ابوعبدالله عليه السلام لا تعنهم و لو على بناء مسجد، \par و روى ابن بابويه عن الحسن بن زيد عن الصادق عليه السلام عن آبائه عليهم السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه و آله الا و من علق سوطا بين يدى سلطان جائر جعل الله ذلك السوط يوم القيمه ثعبانا من نار طوله سبعون ذراعا يسلطه الله عليه فى نار جهنم و بئس المصير، و امثال هذه الاخبار كثيره و هى كما ترى عامه بالمحرم و المباح بل المندوب. \par و روى ايضا عن السكونى عن ابى عبدالله عليه السلام عن آبائه عليهم السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه و آله اذا كان يوم القيمه نادى مناد اين الظلمه و اعوانهم و من لاق لهم دواه او ربط لهم كيسا اومد لهم مده قلم فاحشروهم معهم، قال شيخنا البهائى قدس سره بعد نقله اكثر الاحاديث المذكوره تاييدا لعموم الاعانه و ربما يستانس له بقوله تعالى: و لا تركنوا الى الذين ظلموا فتمسكم النار و يظهر من كلام بعض فقهائنا فى مبحث المكاسب ان معونه الظالمين انما تحرم اذا كانت بما هو محرم فى نفسه، و اما اعانتهم على تحصيل اموالهم و خياطه ثيابهم و بناء منازلهم مثلا فليس بمحرم، و هذا التفصيل ان كان قد انعقد عليه الاجماع فلا كلام فيه و الا فللنظر فيه مجال فان النصوص على ما قلناه متضافره، و ايضا فعلى هذا لا معنى لتخصيص الاعانه بالظالمين فان اعانه كل احد بمحرم محرمه بل فعل المحرم بنفسه حرام سواء كانت اعانه او غير اعانه، و قد يوجه التخصيص بان اعانه الظالمين بالمحرم \par
004    08    اشد تحريما من اعانه غيرهم فالاهتمام ببيانها اشد فصرح بها و ان كان السكوت عنها يستلزم دخولها بالطريق الاولى قال و العجب من العلامه فى التذكره حيث خص تحريم اعانتهم بما يحرم ثم استدل على ذلك بالروايات السالفه و هى كما عرفت صريحه فى خلاف ما ادعاه فتامل هذا، و الظاهر ان مرجع الاعانه الى العرف فما سمى اعانه فحرام، و اما ما ينقل عن بعض الاكابر ان خياطا قال له انى اخيط للظالم ثيابه فهل ترانى داخلا بهذا فى اعوان الظلمه، فقال الداخل فى اعوان الظلمه من يبيعك الابر و الخيوط و اما انت فمن الظلمه انفسهم فالظاهر انه محمول على نهايه المبالغه فى الاحتراز عنهم و الاجتناب عن تعاطى امورهم و الا فالامر مشكل جدا نسئل الله العصمه و التوفيق. \par (ذم ادعاء الباطل، و ترك نصره المظلوم) \par (او نخذل ملهوفا، او نروم ما ليس لنا بحق) خذله من باب قتل ترك نصره و اعانته و الاسم الخذلان بالكسر، و الملهوف: المظلوم و المضطر، روى رئيس المحدثين بسنده عن ابى عبدالله عليه السلام قال ما من مومن يخذل اخاه و هو يقدر على نصرته الا خذله الله فى الدنيا و الاخره، \par و روى شيخ الطائقه بسنده عن آبائه قال قال رسول الله صلى الله عليه و آله من سمع رجلا ينادى يا للمسلمين فلم يجبه فليس بمسلم، قوله عليه السلام: او نروم ما ليس لنا بحق، رمت الشى ء ارومه روما و مراما، طلبته، و الحق: الواجب الثابت الذى يطالب به صاحبه من عليه، و روم الانسان ما ليس بحق هو الادعاء الباطل، \par و قد قال اميرالمومنين عليه السلام: هلك من ادعى و خاب من افترى، و ذلك ان الدعوى الباطله تصدر عن ملكه الكذب تاره و عن الجهل المركب اخرى، كالجاهل بالامر المدعى لحصوله عن شبهه رسخت فى ذهنه و كلاهما من اكبر الرذائل و اعظم المهلكات فى الاخره. \par (القول بغير علم منشائه اما الكذب او الجهل المركب) \par (او نقول فى العلم بغير علم) اى فى العلم بالمعارف الالهيه و الاحكام النبويه فيشتمل \par
004    08    اصول الدين و فروعه، او فى الحكم على شى ء بنفى او اثبات فان العلم كما يطلق على الاعتقاد الجازم المطابق للواقع، او حصول صوره الشى ء فى العقل يطلق على حكم النفس على الشى ء بوجود شى ء له هو موجود له او نفى شيى ء عنه هو غير موجود له كالحكم على زيد بانه خارج او ليس هو طائر و قوله بغير علم اى بغير اعتقاد جازم مطابق للواقع، و القول بغير علم منشائه اما الكذب او الجهل المركب و كلاهما من الموبقات و قد قال الله تعالى لنبيه و لا تقف ما ليس لك به علم، \par و عن مفضل بن يزيد عن ابى عبدالله عليه السلام قال قال انهاك عن خصلتين فيهما هلك الرجال: ان تدين الله بالباطل و تفتى الناس بغير علم، \par و عن ابى جعفر عليه السلام من افتى الناس بغير علم و لا هدى لعنه ملائكه الرحمه و ملائكه العذاب و يلحقه وزر من عمل بفتياه، \par و عن زراره بن اعين قال سالت اباجعفر عليه السلام ما حق الله على العباد؟ قال ان يقولوا ما يعلمون و يقفوا عند ما لا يعلمون، و الاخبار فى هذا المعنى كثيره. \par (البحث: فى حد العلم و اقسامه) \par قال بعض المحققين من اصحابنا المتاخرين: اعلم ان لفظ العلم يطلق فى اللغه على الاعتقاد الجازم الثابت المطابق للواقع و هذا يسمى اليقين و علوم الانبياء و الائمه عليهم السلام من هذا القبيل و يطلق ايضا على ما تسكن اليه النفس و تقضى العاده بصدقه، و هذا يسمى العلم العادى و يحصل بخبر الثقه الضابط المتحرز عن الكذب بل و غير الثقه اذا علم من حاله انه لا يكذب او دلت القرائن على صدقه كما اذا اخبر الانسان خادم له عرفه بالصدق عن شى ء من احوال منزله فانه يحصل عنده من خبره حاله توجب الجزم بما اخبره به بحيث لا يشك فى ذلك، و ليس له ضابط يحصره بل مداره على ما يحصل به التصديق و الجزم، و مراتبه متفاوته فربما افاد اليقين عند قوم، و ما تسكن اليه النفس عند آخرين بحسب القرائن و الاحوال و هذا هو الذى اعتبره الشارع و اكتفى به فى الاحكام عند الرعيه و \par
004    08    اوجب عليهم بها عند حصوله لهم كما يرشد اليه موضع الشريعه السمحه السهله و قد عمل الصحابه و اصحاب الائمه عليهم السلام بخبر العدل الواحد و بالمكاتبه على يد الشخص الواحد بل و بخبر غير العدل اذا دلت القرائن على صدقه، و لا ينافى هذا بجزم تجويز العقل خلافه نظرا الى امكانه كما لا ينافى جزمنا بحيوه زيد الذى غاب عنا لحظه تجويز موته فجاه و لو اعتبرنا فى العلم عدم تجويز النقض عقلا لم يتحقق لنا علم قط بوجود شى ء مما غاب عنا او حضر عندنا و يلزمنا الشك فيمن رايناه الان اهو الذى رايناه قبل ان عدم ذلك و هذا غيره او جده الله عليه شكله بل ربما تطرق الشك الى الضروريات كما تزعمه الاشاعره و هو سفسطه ظاهره، و من تتبع كلام العرب و مواقع لفظ العلم فى المحاورات جزم بان اطلاق لفظ العلم على ما يحصل به الجزم عندهم حقيقه و انه كلى مقول على افراده بالتشكيك و ان تخصيصه باليقين فقط اصطلاح حادث لاهل المنطق دون اهل اللغه لبناء اللغه على الظواهر دون هذه التدقيقات، و تحقق ان الظن لغه هو الاعتقاد الراجح الذى لا جزم معه اصلا، و اهل اللغه هم الاصل فى تعيين الالفاظ للمعانى و ليس هذا خاصا بلغه العرب بل كل اللغات كذلك و من عرف الفارسيه و تامل مواقع لفظ (ميدانم) الدال على معنى اعلم و (گمان دارم) الدال على معنى اظن فى لغه الفرس ظهر له صحه ما قلناه، و العلم بهذا المعنى قد اعتبره الاصوليون و المتكلمون فى اثبات كثير من قواعدهم كحجيه الاجماع و غيره، و ان رابك شك فراجع الشرح العضدى و شرح المواقف ليظهر لك ذلك و هذا الذى عناه القدماء بقولهم لا يجوز العمل فى الشريعه الا بما يوجب العلم، يد لك على ذلك تعريف السيد المرتضى فى الذريعه للعلم: بانه ما اقتضى سكون النفس و هذا التعريف يشمل نوعى العلم اعنى اليقينى و العادى فهذا هو العلم الشرعى فان شئت سمه علما و ان شئت سمه ظنا فلا مشاحه فى الاصطلاح بعد ان تعلم انه كاف فى ثبوت الاحكام الشرعيه و قد كتب رسول الله صلى الله عليه و آله الى الملوك نحو كسرى و قيصر مع الشخص الواحد يدعوهم الى الاسلام و كان ذلك حجه عليهم حيث علموا صدق الرسول من قرائن الاحوال، \par فان قلت: غايه ما يدل عليه كلامك ثبوت اطلاق لفظ العلم على ما ذكرته فى اللغه فمن اين لك انه حقيقه فيما يشمل العلم العادى و لم لا يكون فيه مجازا فان اطلاق لفظ \par
004    08    العلم على الظن و بالعكس بطريق المجاز شايع؟ \par قلت نحن لا ننكر ذلك مع قيام القرينه و كلامنا فيما اذا كان بدونها و هذه شبهه نشائت من الف الذهن بكلام اهل المنطق و لو سلمناها على طريق الجدل لم يضرنا لانا بينا ان حصول التصديق الموجب للجزم عاده كيف كان يكفى فى وجوب العمل بالاحكام المتلقاه من الشارع بواسطه او وسائط، \par فان قلت: على تقدير كونه داخلا فى الظن كيف تصنع بالايات و الاخبار الداله على النهى عن العمل بالظن؟ \par قلت هذا تشكيك و جوابه انا نفرق بين اثبات الاحكام الشرعيه بمعنى وضعها و التعبد بها و بين ثبوتها بمعنى الحكم بصدق ذواتها و وجوب العمل بها فان اثبات نفس الحكم و الفتوى بانه حلال او حرام مثلا خاص بمن لا ينطق عن الهوى و لا يكون الا عن يقين بوحى من الله او الهام و تلك الايات و الاحاديث وارده فى ذم من يقول بعقله و رايه فى الدين من دون وحى او الهام ربانى او نص محكم صريح الدلاله او برهان قاطع لا يحتمل النقيض و هذا ظاهر لمن تتبع موارد الاخبار و اسباب النزول، و اما ثبوت الاحكام الوارده عن الشارع عندنا و وجوب العمل بها علينا فيكفى فيه النقل الذى تطمئن النفس الى صدقه و ثبوته و لسنا مكلفين فيه باكثر من حصول العلم العادى كما بيناه من عمل الصحابه و اصحاب الائمه عليهم السلام، انتهى كلامه، \par اذا عرفت ذلك فتفسيرنا العلم من قوله عليه السلام: بغير علم: بالاعتقاد الجازم المطابق للواقع هو العلم اليقينى و هو علم الانبياء و الاوصياء عليهم السلام فى جميع العلوم و هو حال صاحب الدعاء عليه السلام و اما اذا كان الداعى غير معصوم فينبغى ان يراد بالعلم من قوله: بغير علم: ما يشمل العلم اليقينى كما فى القول فى اصول الدين، و العلم العادى كما فى فروعه فاعلم ذلك، و الله اعلم. \par
005    08    (الغش، و بعض الاخبار الوارده فى ذمه) \par (و نعوذبك ان ننطوى على غش احد) كرر الفعل لقصد الاهتمام و المبالغه، و \par
005    08    انطوى على الشى ء: ستره فى باطنه، و الغش بالكسر اسم من غشه غشا من باب قتل لم ينصحه و زين له غير المصلحه و هو يشتمل على رذيلتى الغدر و الخيانه، \par روى ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه و آله انه قال من بات و فى قلبه غش لاخيه المومن بات فى سخط الله و اصبح كذلك و ان مات كذلك مات على غير دين الاسلام، \par و عنه ايضا قال قال رسول الله صلى الله عليه و آله، من غش اخاه المسلم نزع الله منه بركه رزقه و افسد عليه معيشته و وكله الى نفسه، \par و عنه صلى الله عليه و آله من غش مسلما فى بيع او شراء فليس منا يحشر مع اليهود يوم القيمه لانه من غش الناس فليس بمسلم، و الاخبار فى هذه المعنى كثيره. \par (معنى العمل: و هو ثلثه اضرب، و حقيقه العجب، و القول فى ذمه) \par (و ان نعجب باعمالنا) اعجب زيد بنفسه بالبناء للمفعول اذا ترفع و تكبر و الاسم منه العجب بالضم، و الاعمال جمع عمل محركه و هو فعل يصدر عن قصد و علم و هو ثلثه اضرب: نفسانى فقط و هو الافكار و العلوم و ما ينسب الى افعال القلوب، و بدنى و هو الحركات التى يفعلها الانسان فى بدنه كالمشى و القيام و القعود، و صناعى و هو ما يفعله الانسان بمشاركه البدن و النفس كالكتابه و القرائه و سائر الحرف و الصناعات، و حقيقه العجب بالاعمال: استعظام العمل الصالح و استكثاره و الابتهاج له و الادلال به او ان يرى نفسه خارجا عن حد التقصير، و اما السرور به مع التواضع لله تعالى و الشكر له على التوفيق لذلك و طلب الاستزاده منه فهو حسن ممدوح و توضيحه: ما ذكره شيخنا البهائى قدس سره فى شرح الاربعين بقوله: لا ريب ان من عمل اعمالا صالحه من صيام الايام و قيام الليالى و امثال ذلك يحصل لنفسه ابتهاج فان كان من حيث كونها عطيه من الله له و نعمه منه تعالى عليه و كان مع ذلك خائفا من نقصها مشفقا من زوالها طالبا من الله الازدياد منها لم يكن ذلك الابتهاج عجبا، و ان كان من حيث كونها صفه قائمه به و مضافه اليه فاستعظمها \par
005    08    و ركن اليها و راى نفسه خارجا عن حد التقصير بها و صار كانه يمن على الله سبحانه بسببها فذلك هو العجب المهلك و هو من اعظم الذنوب حتى روى عن النبى صلى الله عليه و آله انه قال لو لم تذنبوا لخشيت عليكم ما هو اكبر من ذلك: العجب، و عن اميرالمومنين عليه السلام: سيئه تسوك خير من حسنه تعجبك، انتهى، \par و قال الصادق عليه السلام: ان الله علم ان الذنب خير للمومن من العجب و لو لا ذلك ما ابتلى مومن بذنب ابدا، \par و عن احدهما عليهماالسلام قال دخل رجلان المسجد احدهما عابد و الاخر فاسق فخرجا من المسجد و الفاسق صديق و العابد فاسق و ذلك انه يدخل العابد المسجد مدلا بعبادته يدل بها فتكون فكرته فى ذلك و تكون فكره الفاسق فى الندم على فسقه و يستغفر الله تعالى لما ذكر من الذنوب، و الاخبار فى ذم العجب كثيره. \par (المراد بالامل و بيان ان طول الامل كيف ينسى الاخره) \par (و نمد فى آمالنا) المد: البسط و التطويل، يقال مد الله فى عمرك اى بسط و طول، و الامال جمع امل محركه و هو الرجاء و حقيقته: ارتياح النفس لانتظار ما هو محبوب عندها فهو حاله لها تصدر عن علم و تقتضى عملا، و المراد بالامل هنا الامل لما لا ينبغى ان يمد الامل فيه من القينات الفانيه و منشاه الحرص على الاسباب الدنيويه و ثمرته: الاعراض عن الامور الاخرويه الموجب لا شقى الشقاء و لذلك قال اميرالمومنين عليه السلام: ان اخوف ما اخاف عليكم اثنان: اتباع الهوى و طول الامل اما اتباع الهوى فيصد عن الحق و اما طول الامل فينسى الاخره و بيان ذلك ان طول توقع الامور المحبوبه الدنيويه يوجب دوام ملاحظتها و دوام ملاحظتها يستلزم دوام اعراض النفس عن ملاحظه احوال الاخره و هو مستعقب لا نمحاء ما تصور فى الذهن منها و ذلك معنى النسيان لها و بذلك يكون الهلاك الابدى و الشقاء السرمدى. \par
006    08    (معنى سوء السريره، و بيان ان الناس مختلفون فى الخير) \par (و الشر على اربع فرق) \par (و نعوذبك من سوء السريره) هى فعيله بمعنى مفعوله و هى عباره عما اسر و اخفى فى القلوب من العقائد و النيات و غيرهما و ربما اطلقت على ما اخفى من الاعمال ايضا فسوء السريره عباره عن كل قبيح يخفيه الانسان و يسره، روى ثقه الاسلام فى الكافى بسنده عن ابى عبدالله عليه السلام ان رسول الله صلى الله عليه و آله كان يقول من اسر سريره رداه الله رداء ان خيرا فخير و ان شرا فشر، \par و عنه عليه السلام قال ما يصنع احدكم ان يظهر حسنا و يسر سيئا اليس يرجع الى نفسه فيعلم ان ذلك ليس كذلك و الله عز و جل يقول: بل الانسان على نفسه بصيره ان السريره اذا صحت قويت العلانيه، \par و عنه عليه السلام: ما من عبد اسر خيرا فذهبت الايام ابدا حتى يظهر الله له خيرا و ما من عبد يسر شرا فذهبت الايام حتى يظهر الله له شرا، \par تبصره: اعلم ان الناس مختلفون فى الخير و الشر على اربع فرق: فمنهم من ينطوى باطنه و ظاهره على الخير و هذه حال الانبياء و الاوصياء عليهم السلام و اولياء الله و حال اصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله الذين انزل الله فى شانهم، فعلم ما فى قلوبهم فانزل السكينه عليهم و منهم من ينطوى باطنه و ظاهره على الشر و هذه كانت صفه طائفه من اهل الكتاب كما حكى الله عنهم بقوله: فلما جائهم ما عرفوا كفروا به فلعنه الله على الكافرين و منهم من يشا كل ظاهره ظاهر الشرير فى الحده و الاستطاله و يرجع باطنه الى قلب سليم منطو على الخير و ذلك من غلبه الصفراء على مزاجه و فى الحديث الثناء على مثله قال صلى الله عليه و آله خيار امتى احداوها، و قال صلى الله عليه و آله الحده تعترى خيار امتى، و منهم من ابدى ظاهره الخير و اضمر باطنه الشر فيكون صاحبه مجتمع فرق الشرور و ملتقى طرق الفساد و هذه كانت \par
006    08    حال المنافقين و هو انما يكون من متابعه الدخله الخبيثه الصادره عن الدهاء المذموم المصاحب للغضب المفرط و الحسد المسرف و ذلك هو سوء السريره، و الله اعلم. \par (معنى: احتقار الصغيره) \par (و احتقار الصغيره) هذا اخص من قوله عليه السلام فيما تقدم: و استصغار المعصيه، لان المعصيه اعم من الصغيره، و احتقرت الشى ء احتقارا: استهنت به فلم اعبا به، و الصغيره من الصفات الغالبه و هى الفعله القبيحه من الذنوب التى لم توجب حدا و لم يوعد الشارع عليها بخصوصها، و تقابلها الكبيره، و الاحتقار للصغيره موجب لعدم المبالاه بها و الاعتناء بشانها و الولوع بها و الاتيان بها مره بعد اخرى حتى تصير ملكه فتجمع عليه بسبب ذلك ذنوب كثيره و تبلغ حد الكبيره، فالواجب على الانسان ان يعد نفسه فى العمل الصالح مقصره فى الكم و الكيف منه و ان كان كثيرا بالنسبه الى وسعه لان ذلك ادخل فى تعظيم الرب و ابعد من العجب و الاعتماد على عمله و السعى فيه و انسب بمقام العبوديه المبنيه على التذلل و الاعتراف بالتقصير و ان يرى ذنبه كثيرا عظيما و ان كان قليلا حقيرا فى نفسه لانه بالنظر الى مخالفه الرب العظيم كثير، و الى ذلك اشار اميرالمومنين عليه السلام حيث قال: اذا عظمت الذنب فقد عظمت حق الله و اذا صغرته فقد صغرت حق الله و ما من ذنب عظمته الا صغر عند الله و ما من ذنب صغرته الا عظم عند الله، \par و قال رسول الله صلى الله عليه و آله لابى ذر لا تنظر الى صغر الخطيئه و انظر لمن عصيت، \par و قال ابوالحسن عليه السلام لا تستكثر و اكثير الخير و لا تستقلوا قليل الذنوب فان قليل الذنوب يجتمع حتى يكون كثيرا، \par و عن زيد الشحام قال قال ابوعبدالله عليه السلام: اتقوا المحقرات من الذنوب فانها لا تغفر، قلت و ما المحقرات؟ قال: الرجل يذنب الذنب فيقول طوبى لى لو لم يكن لى غير ذلك، \par و عن اميرالمومنين عليه السلام: اشد الذنوب ما استهان به صاحبه. \par
006    08    (الشيطان يخلع البرنس عند موسى عليه السلام) \par (و ان يستحوذ علينا الشيطان) استحوذ عليه الشيطان: غلبه و استماله الى ما يريد منه، روى عن ابى عبدالله عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه و آله بينا موسى جالسا اذ اقبل ابليس و عليه برنس ذو الوان فلما دنا من موسى خلع البرنس و قام الى موسى و سلم عليه فقال له موسى من انت؟ قال انا ابليس قال انت فلا قرب الله دارك، قال انى انما جئت لاسلم عليك لمكانك من الله قال فقال له موسى فاخبرنى بالذنب الذى اذا اذنبه ابن آدم استحوذت عليه؟ قال اذا اعجبته نفسه، و استكثر عمله، و صغر فى عينيه ذنبه. \par (من عظيم ما يحكى من نكبات الزمان و تصاريف الحدثان) \par (او ينكبنا الزمان او يتهضمنا السلطان) نكبه الدهر نكبا من باب قتل اصابه نكبه اى مصيبه، و اسناد النكب الى الزمان مجاز عقلى لكونه من الاسباب المعده لحصول ما يحصل فى هذا العالم من الامتزاجات و ما يتبعها مما يعد خيرا او شرا، و من عظيم ما يحكى من نكبات الزمان و تصاريف الحدثان ما ذكره عبدالله بن عبدالرحمن صاحب الصلوه بالكوفه قال دخلت الى امى فى يوم اضحى فرايت عندها عجوزه فى اطمار رثه و ذلك فى سنه تسعين و مائه فاذا لها لسان و بيان فقلت لامى من هذه؟ فقالت هذه خالتك عنايه ام جعفر بن يحيى البرمكى فسلمت عليها و تحفيت بها و قلت اصارك الدهر الى ما ارى؟ فقالت نعم يا بنى انا كنا فى عوارى ارتجعها الدهر منا فقلت فحدثينى ببعض شانك فقالت خذه جمله : لقد مضى على اضحى و على راسى اربعمائه و صيفه و انا ازعم ان ابنى عاق و قد جئتك اليوم اطلب جلدتى شاه اجعل احداهما شعارا و الاخرى دثارا قال فرقيت لحالها و وهبت لها دراهم فكادت تموت فرحا، قوله عليه السلام، او يتهضمنا السلطان، هضمه و اهتضمه و تهضمه اذا ظلمه و لما كان السلطان اقدر من غيره على الظلم و كان من لوازمه: الانفه و الجراه و البطر و العبث بسبب سكر السلطنه الذى هو اشد من سكر الشراب و الشباب \par
006    08    فيرسل يده بالفعل، و لسانه بالقول، استعاذ من تهضمه على الخصوص. \par
007    08    (معنى الاسراف و ذم المسرفين) \par (و نعوذبك من تناول الاسراف) التناول فى الاصل بمعنى الاخذ باليد ثم توسع فاستعمل بمعنى التعاطى و هو الاقدام على الشى ء و فعله و هذا المعنى هو المقصود هنا اى نعوذبك من فعل الاسراف و الاقدام عليه، و الاسراف مجاوزه القصد، و قيل هو صرف المال زائدا على قدر الجائز شرعا و عقلا، و قيل هو انفاق المال الكثير فى الغرض الخسيس، و قيل انفاق المال من غير منفعه، و الحق انه يراعى فيه الكيفيه و الكميه فهو من جهه الكميه ان يعطى اكثر مما يحتمله حاله، قال بعضهم: السرف لابقاء معه لكثير و لا تثمير معه لقليل و لا يصلح معه دنيا و لا دين فدوام حالك و بقاء النعمه عليك بتقدير امورك على قدر الزمان و بقدر الامكان، و اما من حيث الكيفيه فبان يضعه فى غير موضعه و الاعتبار فيه بالكيفيه اكثر منه بالكميه فرب منفق درهما من الوف و هو فى انفاقه مسرف و ببذله مفسد و ذلك كمن اعطى فاجره درهما او اشترى به خمرا، و رب منفق الوفا لا يملك غيرها هو فيه مقتصد، قيل لحكيم متى يكون بذل القليل اسرافا و الكثير اقتصادا؟ فقال اذا كان بذل القليل فى باطل و بذل الكثير فى حق، حكى الراغب فى المحاضرات ان الامام على بن موسى الرضا عليه السلام: فرق بخراسان امواله كلها فى يوم عرفه فقال له الفضل بن سهل ما هذا المغرم؟ فقال بل هو المغنم و للاسراف مذام كثيره: منها انه لا اسراف الا و بجنبه حق مضيع، و منها انه يودى الى الفقر المستلزم لطلب ما فى يد الغير و لكثره مذام الاسراف و مضاره ذمه الله تعالى باعظم مما ذم به البخل فقال: و لا تبذر تبذيرا ان المبذرين كانوا اخوان الشياطين و كان الشيطان لربه كفورا و قال تعالى: و لا تجعل يدك مغلوله الى \par
007    08    عنقك و لا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا اى تقعد ملوما من جهه مالك فلم تجد ما تعطيه، محسورا: منقطعا بك عن بلوغ مرادك، و قال تعالى: و كلوا و اشربوا و لا تسرفوا انه لا يحب المسرفين و كل مكلف لا يحب الله تعالى فانه من اهل النار لان محبته تعالى عباره عن ايصال الثواب اليه، و قال تعالى: و آتوا حقه يوم حصاده و لا تسرفوا انه لا يحب المسرفين و عن ابى عبدالله عليه السلام: القصد امر يحبه الله و ان السرف امر يبغضه الله حتى طرحك النواه فانها تصلح لشى ء و حتى صبك فضل شرابك، \par (الاسراف لا يتعلق بالمال فقط بل كل شى ء..) \par تذنيب: الاسراف لا يتعلق بالمال فقط بل بكل شى ء وضع فى غير موضعه اللائق به الا ترى؟ ان الله تعالى وصف قوم لوط بالاسراف لوضعهم البذر فى غير المحرث فقال: انكم لتاتون الرجال شهوه من دون النساء بل انتم قوم مسرفون و وصف فرعون بقوله عز و جل، انه كان عاليا من المسرفين و قوله: و ان فرعون لعال فى الارض و انه لمن المسرفين. \par (المراد بفقدان الكفاف: ما دونه و هو الفقر المستعاذ منه) \par (و من فقدان الكفاف) فقدته فقدا من باب ضرب و فقدانا بالضم عدمته، و الكفاف بالفتح ما كان بقدر الحاجه من غير زياده و لا نقص سمى بذلك لانه يكف عن سوال الناس و يغنى عنهم و المراد بفقدانه: ما دونه و هو الفقر المستعاذ منه، \par
007    08    قال اميرالمومنين عليه السلام لابنه محمد بن الحنفيه يا بنى انى اخاف عليك الفقر فاستعذ بالله منه فان الفقر منقصه للدين، مدهشه للعقل، داعيه للمقت. قيل اما كونه منقصه للدين فللاشتغال بهمه و تحصيل قوام البدن عن العباده، و اما كونه مدهشه للعقل فلدهشه العقل و حيرته و ضيق الصدر به و اما كونه داعيه للمقت فلمقت الخلق لصاحبه اى بغضهم له، \par و فى قوت القلوب عن اميرالمومنين عليه السلام: ان الله تعالى فى خلقه مثوبات فقر و عقوبات فقر و من علامه الفقر اذا كان مثوبه ان يحسن عليه خلقه و يطيع ربه و لا يشكو حاله، و يشكر الله تعالى على فقره، و من علامه الفقر اذا كان عقوبه ان يسوء عليه خلقه و يعصى فيه ربه و يكثر الشكايه و يتسخط القضاء و هذا النوع من الفقر هو الذى استعاذ منه النبى صلى الله عليه و آله. \par
008    08    (اقسام العدو، و ما قيل فى شماته العدو) \par (و نعوذبك من شماته الاعداء) شمت به يشمت بكسر العين من الماضى و فتحها من المستقبل اذا فرح بمصيبه نزلت به و الاسم: الشماته بالفتح، و الاعداء جمع عدو فعول بمعنى فاعل و هو خلاف الصديق الموالى، \par و اعلم ان العدو ضربان: باطن لا تدرك ذاته بالحاسه، و ظاهر يدرك بالحاسه فالباطن اثنان: احدهما: الشيطان و هو اصل كل عدو و يعادى معاداه جوهريه و قد حذرنا الله منه غايه التحذير فقال: ان الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا الى غير ذلك من الايات، و الثانى: النفس الاماره المشار اليها بقوله تعالى: ان النفس لاماره بالسوء الا ما رحم ربى و قول النبى صلى الله عليه و آله: اعدى عدوك نفسك التى بين جنبيك، و اما الظاهر من العدو فالانسان و هو ضربان: ضرب هو مضطغن للعداوه قاصد الى الاضرار اما مجاهره و اما مساتره و ذلك اثنان: واحد يعادى كل احد و هو كل انسان سبعى الطبع خبيث الطينه مبغض لكل من لا يحتاج اليه فى العاجل يغيض الى \par
008    08    كل نفس، يهارش كل من لا يخافه، و مثله هو الذى عنى تعالى بقوله: شياطين الانس و الثانى عدو خاص العداوه و ذلك اما بسبب الفضيله و الرذيله كمعادات الجاهل للعاقل و اما بسبب تجاذب نفع دنيوى كالتجاذب فى رياسه و مال و جاه، و اما بسبب لحمه او مجاوره مورثه للحسد كمعادات بنى الاعمام بعضهم لبعض و ذلك فى كثير من الناس كالطبيعى، \par قال رجل لشبيب بن شيبه انا و الله احبك يا بامعمر! قال اشهد على صدقك، قال و كيف ذلك؟ قال لانك لست بجار قريب و لا بذى رحم نسيب و لا مشاكل فى صناعه، و اكثر العداوه بين الناس تتولد من شى، من ذلك، و ضرب عدو غير مضطغن للعداوه لكن يودى حاله بالانسان الى ان يقع بسببه فى مثل ما يقع من كيد عدوه فسمى عدوا لذلك كالاولاد و الازواج و على ذلك قال تعالى: ان من ازواجكم و اولادكم عدوا لكم فاحذروهم، \par و قال صلى الله عليه و آله: ليس عدوك الذى ان قتلته آجرك الله فى قتله و ان قتلك ادخلك الجنه و لكن اعدا عدوك نفسك التى بين جنبيك و امراتك التى تضاجعك و اولادك الذين من صلبك فجعل عليه السلام هولاء اعداء الانسان لما كانوا سببا لهلاكه الاخروى لما يرتكبه من المعاصى لاجلهم فيودى به الى هلاك الابد الذى هو شر من اهلاك المعادى المناصب اياه، \par اذا عرفت ذلك فينبغى ان يقصد الداعى بالاعداء ما عدا الضرب الاخير فان الشيطان يشمت بالانسان اذا وقع فى معصيه و فرح النفس الاماره باتباعها شماته منها، و شماته العدو الظاهر ظاهره، قال بعضهم مسح القفار و نزح البحار و احصاء القطار اهون من شماته الاعداء، \par و فى الاثر: قيل لا يوب عليه السلام اى شى ء كان عليك اشد فى بلائك؟ فقال شماته الاعداء و قال الجاحظ: ما رايت سنانا هو انفذ من شماته الاعداء، و قال ابن عنين المهلبى: \par
008    08    كل المصائب قد تمر على الفتى \par فتهون غير شماته الاعداء \par (الفقر على ثلثه اصناف) \par (و من الفقر الى الاكفاء) الاكفاء جمع كفو بالضم مهموزا و هو النظير و المساوى و الظاهر ان المراد بالاكفاء: الامثال و الاشباه فى النسب او الحسب و انما خصهم بالذكر لان الفقر اليهم اشد مضاضه على الانسان من غيرهم، \par فعن اميرالمومنين عليه السلام: احتج من شئت تكن اسيره، و استغن من شئت تكن نظيره، و احسن الى من شئت تكن اميره، \par قال بعض العارفين: الفقر على ثلثه اصناف: فقر الى الله دون غيره، و فقر الى الله مع غيره، و فقر الى الغير دون الله. و الى الاول اشار النبى صلى الله عليه و آله بقوله: الفقر فخرى، و الى الثانى بقوله: كاد الفقر ان يكون كفرا، و الى الثالث بقوله: الفقر سواد الوجه فى الدارين \par و عن ابى عبدالله عليه السلام: اياكم و سوال الناس فانه ذل فى الدنيا و فقر تعجلونه و حساب طويل يوم القيمه، \par و روى عن لقمان عليه السلام انه قال لابنه يا بنى ذقت الصبر و اكلت لحاء الشجر فلم اجد شيئا امر من الفقر فان بليت به يوما فلا تظهر الناس عليه فيستهينوك و لا ينفعوك بشى ء ارجع الى الذى ابتلاك به فهو اقدر على فرجك و سله، من ذا الذى ساله فلم يعطه او وثق به فلم ينجه. \par (المراد بالحسره العظمى، و المصيبه الكبرى..) \par (و من معيشه فى شده، و ميته على غير عده، \par المعيشه تكون اسما بمعنى العيش و هو الحيوه و بمعنى ما يعاش به من المطعم و المشرب و ما يكون به الحيوه فهى مفعله من العيش، و الشده بالكسر اسم من الاشتداد و المراد بها: العسر، و المشقه، و الميته بالكسر حاله الموت و العده بالضم: ما اعددته و هياته ليوم الحاجه و حوادث الدهر، و المراد بها هنا: التقوى و العمل الصالح الذى يعد للتوصل به الى السعاده الابديه و التخلص من الشقاوه الاخرويه، \par
009    08    و نعوذبك من الحسره العظمى و المصيبه الكبرى و اشقى الشقاء) \par و الحسره: التلهف و التاسف و هى اسم من حسر على الشى ء حسرا من باب \par
009    08    تعب، و المصيبه: الشده النازله، و العظمى و الكبرى مونثا اعظم و اكبر، و المراد بالحسره العظى هنا: التاسف الذى يلحق الانسان فى الدار الاخره على التفريط فى اكتساب الاعمال الصالحه فى دار الدنيا عند مشاهدته للثواب و العقاب و هى المشار اليها بقوله تعالى ان تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت فى جنب الله و بالمصيبه الكبرى: المصيبه بالدين كما قال اميرالمومنين عليه السلام و قد سئل اى المصائب اشد؟ فقال: المصيبه بالدين، قوله عليه السلام: و اشقى الشقاء، اى اشد الشقاء و اعظمه المتناهى فى حد ذاته و المراد به: دخول النار اعاذنا الله تعالى منها، كما قال تعالى فاما الذين شقوا ففى النار لهم فيها زفير و شهيق خالدين فيها مادامت السموات و الارض، \par و سئل اميرالمومنين عليه السلام: اى الخلق اشقى؟ قال من باع دينه بدنيا غيره، \par فان قلت: افعل التفضيل قياسه ان يكون لتفضيل الفاعل على غيره فى الفعل نحو اعلم الناس اى عالم اكثر علما من سائر الناس، و كذا اشد العذاب اى عذاب اكثر شده من سائر العذاب و هذا المعنى غير متصور فى اشقى الشقاء لان الشقاء لا يتصف بالشقاء فيكون منه شقى و اشقى؟ \par قلت: هذا من الاسناد المجازى المسمى بالمجاز العقلى نحو جد جده و شعر شاعر و داهيه دهياء، و القصد من ذلك المبالغه و التنبيه على تناهيه حيث جعل للشقاء شقاء حتى صار اشقى كما جعل للشعر شعر حتى صار شاعرا و للداهيه دهاء حتى صارت دهياء. \par (الثواب بمعنى الجزاء و يستعمل فى الخير و الشر، لكنه فى الخير اكثر) \par (و سوء الماب، و حرمان الثواب و حلول العقاب) آب يئوب اوبا و مابا اى رجع فالماب بمعنى الرجوع الى الله سبحانه بعد انقطاع حيوته من هذه الدار فيكون المراد بسوئه: اقترانه بالعذاب سواء كان فى القبر او بعد الحشر، و حرمه الشى ء من باب ضرب حرمانا بالكسر: منعه و احرمه بالالف لغه، و الثواب اسم من اثبته على الشى ء، اذا جازيته فهو بمعنى الجزاء و يستعمل فى الخير و الشر لكنه فى الخير اكثر كما وقع هنا، و المراد \par
009    08    بحرمانه: عدم الاعداد له و الا فلا معنى لحرمانه بعد وقوع مقتضيه لقوله تعالى: فمن يعمل مثقال ذره خيرا يره. \par
010    08    (مدح الالحاح فى الدعاء) \par (اللهم صل على محمد و آله و اعذنى من كل ذلك برحمتك و جميع المومنين و المومنات يا ارحم الراحمين) كرر طلب الاعاذه بعباره اخرى الحافا و الحاحا فى الدعاء فانه مندوب اليه، \par فعن ابى جعفر عليه السلام و الله لا يلح عبد مومن على الله عز و جل فى حاجه الاقضاها، \par و عن ابى عبدالله عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه و آله رحم الله عبدا طلب من الله عز و جل حاجه فالح فى الدعاء استجيب له او لم يستجب و تلا هذه الايه: و ادعور بى عسى ان لا اكون بدعاء ربى شقيا، \par و عن ابى عبدالله عليه السلام قال ان الله عز و جل كره الحاح الناس بعضهم على بعض فى المسئله و احب ذلك لنفسه ان الله عز و جل يجب ان يسئل و يطلب ما عنده، و عمم عليه السلام فى الدعاء قصدا لا يجابه، فعن ابى عبدالله عليه السلام اذا دعا احدكم فليعمم فانه اوجب للدعاء و قوله عليه السلام: يا ارحم الراحمين، ختم الدعاء بهذا الوصف للاستعطاف و توقع حصول المطلب. \par
001    09    الدعاء التاسع: من ادعيه الصحيفه السجاديه: و هو دعائه عليه السلام فى الاشتياق الى طلب المغفره \par \par
001    09    بسم الله الرحمن الرحيم \par
001    09    (التوبه و معناها، و وجوبها على الفور و الاشاره الى منافعها) \par (اللهم صل على محمد و آله و صيرنا الى محبوبك من التوبه، و ازلنا عن مكروهك من الاصرار) افتتح الدعاء بالصلوه على محمد و آله ايجابا للاجابه كما مر، و صار الى كذا: رجع اليه، و اليه مصيره اى مرجعه و ماله، و يتعدى فى المعنيين بالتثقيل فيقال صيرته تصييرا: فصيرنا الى محبوك من التوبه اى انقلنا اليه او اجعل مصيرنا و مالنا اليه، و المحبوب مفعول من حبه يحبه من باب ضرب و الاكثر احبه بالالف و ان لم ينقل منه محب الا نادرا، و معنى محبته تعالى للتوبه: ارادته الثواب عليها و الاكرام لفاعلها، و التوبه: لغه: الرجوع و تنسب الى العبد و الى الرب سبحانه و معناها على الاول: الرجوع عن المعصيه الى الطاعه و على الثانى الرجوع عن العقوبه الى اللطف و التفضل و فى الاصطلاح: الندم على الذنب لكونه ذنبا فخرج الندم على شرب الخمر مثلا لمضرته بالجسم، \par و قد اتفق اهل الاسلام على وجوبها فورا و منافعها كثيره منها انها شفاء من مرض الذنب، و منها انها تورث محبه الرب و رضوانه و المصير الى جنابه، قال تعالى: ان الله يحب التوابين و كفى بذلك شرفا و فضلا فان محبه الحق اعلى مقاصد السالكين، \par و عن الباقر عليه السلام ان الله اشد فرحا بتوبه عبده من رجل اضل راحلته و زاده فى ليله ظلماء فوجدها فالله اشد فرحا بتوبه عبده من ذلك الرجل براحلته ، و الى هذا المعنى اشار سيد العابدين عليه السلام فى الدعاء بقوله: محبوبك من التوبه و لو لم يرد فى فضل التوبه غير هذا الحديث الشريف لكفى كيف و الاخبار و الايات فيه اكثر من ان تحصى. قوله عليه السلام: و ازلنا عن مكروهك من الاصرار، زال من مكانه يزول زوالا: هول و انتقل و تتعدى \par
001    09    بالهمزه كثيرا فيقال ازلته و بالتضعيف قليلا فيقال زولته، و كراهته تعالى للاصرار يعود الى علمه بعدم استحقاق الثواب عليه و يلزمها اراده اهانه فاعله و تعذيبه، و الاصرار: الاقامه على الذنب من غير استغفار و قد سبق الكلام عليه فى شرح الدعاء الذى قبل هذا فليرجع اليه. \par
002    09    (من الذنوب و المعاصى ما يستلزم اما خسرانا فى الدنيا او خسرانا فى الدين) \par (اللهم و متى وقفنا بين نقصين فى دين او دنيا، فاوقع النقص باسرعهما فناء و اجعل التوبه فى اطولهما بقاء) النقص: الخسران فى الحظ و المعنى انه متى وقع منا تقصير نستوجب به الوقوف بين خسران فى الدين و خسران فى الدنيا فاجعل ذلك الخسران فى الدنيا المشار اليها بالاسرع فناء لان النقص فى الفانى السريع الفناء لا نسبه له الى النقص فى الباقى الطويل البقاء، و افعل التفضيل هنا مجرد عن معنى التفضيل اى بالسريع منهما فناء لان الدنيا و الدين لا يشتركان فى سرعه الفناء حتى يصح التفضيل، و المراد بالتوبه المنسوبه الى الرب و هى رجوعه تعالى عن العقوبه الى اللطف و التفضل، اى اجعل رجوعك عن العقوبه لنا بالخسران الى اللطف بنا و التفضل علينا فى الدين المشار اليه بالاطول بقاء، \par و الحاصل: انه لما كان من الذنوب و المعاصى ما يستلزم اما خسرانا فى الدنيا كما قال تعالى: و ما اصابكم من مصيبره فبما كسبت ايديكم، \par و كما روى عن اميرالمومنين عليه السلام انه قال و ايم الله ما كان قوم قط فى خفض عيش فزال عنهم الا بذنوب اجترحوها، او خسرانا فى الدين، \par كما روى عن النبى صلى الله عليه و آله قال ان العبد ليذنب الذنب فينسى به العلم الذى كان قد علم، و ان العبد ليذنب الذنب فيمتنع به من قيام الليل، سال عليه السلام ان يوقع الخسران فى الدنيا و يتوب عليه من الخسران فى الدين . \par
003    09    (الهم فى اللغه على وجوه، و قال بعضهم: الهم على ثلثه انواع) \par (و اذا هممنا بهمين يرضيك احدهما عنا و يسخطك الاخر علينا) هم بالامر: اذا قصده و عزم عليه، و قيل هو اول العزم، و قد يطلق على العزم القوى و قال امين الاسلام \par
003    09    الطبرسى فى مجمع البيان: الهم فى اللغه على وجوه: \par منها- العزم على الفعل كقوله تعالى: اذهم قوم ان يبسطوا اليكم ايديهم اى ارادوا ذلك و عزموا عليه، \par و منها- خطور الشى ء بالبال و ان لم يقع العزم عليه كقوله تعالى: اذ همت طائفتان منكم ان تفشلا و الله و ليهما يعنى ان الفشل خطر ببالهما و لو كان الهم هنا عزما لما كان الله و ليهما لان العزم على المعصيه معصيه و لا يجوز ان يكون الله سبحانه ولى من عزم على الفرار عن نصره نبيه، \par و منها- ان يكون بمعنى المقاربه قالواهم فلان ان يفعل كذا اى كاد يفعله، \par و منها- الشهوه و ميل الطبع يقول القائل فيما يشتهيه و يميل اليه طبعه هذا اهم الاشياء الى و فى ضده ليس هذا من همى، انتهى ملخصا، \par و قال بعضهم: الهم على ثلثه انواع: احدها: العزم و هو التصميم، و الثانى: الخطره التى لا تقصد و لا تستقر، الثالث: حديث النفس اختيار ان تفعل ما يوافقها او يخالفها او ان لا تفعل، \par فان قلت: ما المراد بالهم هنا و اى معنى من هذه المعانى ينبغى حمل الهم عليه فى الدعاء؟ \par قلت: ينبغى ان يحمل على المعنى الاول و هو القصد و العزم و توطين النفس على الفعل او الترك لانه الذى يترتب عليه رضى الله تعالى فى الطاعه و سخطه فى المعصيه، و اما بمعنى الخطره او حديث النفس فان كان طاعه فلا مانع من ان يترتب عليه رضاه تعالى كما جرت عادته فى عموم الفضل و الاحسان، و ان كان معصيه فقد انعقد الاجماع من الامه على ان لا مواخذه به و على هذا المعنى للهم حمل جماعه من العلماء ما رواه فى الكافى عن زراره عن احدهما عليهماالسلام قال: ان الله تعالى جعل لادم فى ذريته من هم بحسنه و لم يعملها كتبت له حسنه و من هم بحسنه و عملها كتبت له عشرا و من هم بسيئه و لم يعملها لم تكتب عليه \par
003    09    و من عمل بها كتبت عليه سيئه. \par و عن ابى بصير عن ابى عبدالله عليه السلام قال: المومن ليهم بالحسنه و لا يعمل بها فتكتب له حسنه فان هو عملها كتبت له عشر حسنات، و ان المومن ليهم بالمعصيه ان يعملها فلا يعملها فلا تكتب عليه، \par و روى البخارى و مسلم فى صحيحيهما عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه و آله فيما يروى عن ربه تبارك و تعالى قال: ان الله كتب الحسنات و السيئات ثم بين ذلك فمن هم بحسنه فلم يعملها كتبها الله عنده حسنه كامله و من هم بها فعملها كتبها الله عنده عشر حسنات الى سبعمائه ضعف الى اضعاف كثيره و ان هم بسيئه فلم يعملها كتبها الله عنده حسنه كامله و ان هم بها فعملها كتبها الله سيئه واحده، \par فالهم فى هذه الاخبار محمول على معنى الخطور و حديث النفس الذى لا استقرار معه و اما العزم و التصميم على المعصيه فهو فى نفسه معصيه فان عملها كانت معصيه ثانيه هذا ما ذهب اليه اكثر المحدثين و المتكلمين و جمهور العامه و جماعه من اصحابنا منهم امين الاسلام الطبرسى فى مجمع البيان، و الشريف المرتضى قدس سره قال فى تنزيه الانبياء: اراده المعصيه و العزم عليها معصيه، و قد تجاوز ذلك قوم حتى قالوا ان العزم على الكبيره كبيره و على الكفر كفر انتهى، و استدلوا على ذلك بقوله تعالى: ان الذين يحبون ان تشيع الفاحشه فى الذين آمنوا لهم عذاب اليم و قوله تعالى: اجتنبوا كثيرا من الظن و الاخبار المستفيضه الداله على حرمه الحسد و احتقار الناس و اراده المكروه بهم، و يويد ما ذهبوا اليه ظاهر عباره الدعاء. \par و قال كثير من الاصحاب انه غير مواخذ به لظاهر الاخبار المتقدمه و اجابوا عن الايتين بانهما مخصصتان باظهار الفاحشه و المظنون كما هو الظاهر من سياقهما، و عن الثالث ان \par
003    09    العزم المختلف فيه ما له صوره فى الخارج كالزنا و شرب الخمر و اما ما لا صوره فى الخارج كالاعتقاديات و خبائث النفس مثل الحسد و غيره فليس من صور محل الخلاف فلا حجه فيه على ما نحن فيه، و اما احتقار الناس و اراده المكروه بهم فاظهارهما حرام يواخذ به و لا نزاع فيه و بدونه اول المسئله، قال بعض المحققين: و الحق ان المسئله محل اشكال. \par (المراد بايهان القوه عما يسخطه الله تعالى..) \par (فمل بنا الى ما يرضيك عنا، و او هن قوتنا عما يسخطك علينا، \par مال به الى كذا صرفه اليه و الباء للتعديه اى جعل الفعل متعديا و تحويله باحداث معنى التصيير فى مفهومه من اللزوم الى التعدى و هذا المعنى مما انفردت به الباء عن سائر حروف الجر، و اما التعديه بمعنى ايصال معنى الفعل الى شى ء بواسطه حرف الجر فهو جار فى حروف الجر كلها، و المعنى: ايدنا منك بعنايه نستعد بها لقصر الهم على ما يرضيك عنا، و وهن يهن و هنا من باب وعد: ضعف و اوهنه، اضعفه و عداه بعن لتضمينه معنى المنع، و المراد بالقوه هنا المعنى الذى يتمكن به الحيوان من مزاوله الافعال الشاقه من باب الحركات و هى التى يقابلها الوهن و الضعف، و المراد بايهان القوه عما يسخطه تعالى: عدم الاعداد للمعاصى الموجبه لسخطه سبحانه، \par
004    09    و لا تخل فى ذلك بين نفوسنا و اختيارها فانها مختاره للباطل الا ما وفقت، اماره بالسوء الا ما رحمت) \par و خليت بين زيد و عمر و تخليه اى تركته و اياه، و الفاء من قوله فانها للسببيه و تعليل لسوال عدم التخليه بينها و بين اختيارها، و قوله مختاره للباطل، اماره بالسوه اى مياله الى القبائح راغبه فى المعاصى الا ما وقيت و ما رحمت اى الا البعض الذى وقيته و رحمته بالعصمه كالملائكه و الانبياء عليهم السلام فما، فى الموضعين موصوله او المراد انها مختاره للباطل اماره بالسوء فى كل وقت و اوان الا وقت وقايتك و رحمتك: فما، مصدريه زمانيه. \par
005    09    (قال بعض العلماء: و فى خلق الانسان ضعيفا حكمه بالغه و ذلك..) \par (اللهم و انك من الضعف خلقتنا، و على الوهن بنيتنا، و من ماء مهين ابتداتنا فلا حول لنا الا بقوتك، و لا قوه لنا الا بعونك، \par فيه اشاره الى قوله تعالى: الله الذى خلقكم من ضعف اى جعل الضعف اساس امر الانسان: \par
005    09    اما بحسب الخلقه و البنيه فلانه خلقه من اصل ضعيف هو النطفه، و اما بحسب الاخلاق فلانه خلق ضعيفا عن مخالفه هواه و مقاتله دواعيه و قواه حيث لا يصبر عن اتباع الشهوات و لا يستخدم قواه فى مشاق الطاعات كما قال سبحانه: و خلق الانسان ضعيفا فان المراد و بالضعف فيه: الضعف عن مخالفه الهوى، و الوهن: الضعف جعله اساسا لما طبع عليه الانسان من الاخلاق و ما طبع منه من الاركان فاستعار له البناء ايذانا بغايه لزومه له و عدم انفكاكه عنه، و فى قوله عليه السلام: و من ماء مهين ابتداتنا، اشاره الى قوله تعالى: و بدء خلق الانسان من طين ثم جعل نسله من سلاله من ماء مهين و قوله تعالى: الم نخلقكم من من ماء مهين و المهين: الحقير الذى لا يعبا به و المراد بالماء: النطفه، \par قال بعض العلماء و فى خلق الانسان ضعيفا حكمه بالغه: و ذلك ان الخلقه الانسيه لو لم تكن ذات و هن و قصور فى البنيه لما انتبه الانسان فى احتياجه فى الحالات كلها الى خالقه و لو لم ينتبه فى احتياجه اليه لما احبه و لما خشيه و لما استعان به و استعاذ به و التجا اليه و لصارت ابواب المعاونات و اوجه المواسات منقطعه بين الخليقه و لما تدرج الانسان بمساعيه الحميده الى اكتساب الفضائل، و لما استحق يها المحمده فسبحان من جعل الانسان بقصور بنيته فائزا باوفى غبطته، و الحول هنا بمعنى الحركه اى لا حركه لنا فى تحصيل خير الا بقوتك و يجوز ان يكون بمعنى الاحتيال من حال حولا بمعنى احتال اذا قدر على التصرف اى لا قدره لنا على التصرف اى لا قدره لنا على التصرف الا بقوتك و القوه تطلق على كمال القدره و يقابلها الضعف، و لما ثبت انه تعالى مستند جميع الموجودات و المفيض على كل قابل ما يستعد له و يستحقه فهو المعطى لكل ضعيف عادم القوه من نفسه كماله و قوته لم يكن للانسان قدره على الحركه او التصرف الا بقوته سبحانه و لا قوه الا بافاضه قوه استعداد يقوى به عقله على القيام باوامره تعالى و الاجتناب عن نواهيه، و هو معنى قوله الا بعونك، \par
006    09    فايدنا بتوفيقك و سددنا بتسديدك \par و التائيد: التقويه من الايد بمعنى القوه و تائيده تعالى للعبد تقويه امره من \par
006    09    داخل بالبصيره و من خارج بقوه الاعضاء و الجوارح على العمل بطاعته سبحانه، و سدده تسديدا: قومه و وفقه للسداد اى الصواب من القول و العمل، و قيل تسديده تعالى للعبد عباره عن تقويم ارادته و حركاته نحو الغرض المطلوب له ليهجم اليه فى اسرع مده. \par (المراد باعماء ابصار القلوب عما خالف محبته تعالى: منعها..) \par (و اعم ابصار قلوبنا عما خالف محبتك، و لا تجعل لشى ء من جوارحنا نفوذا فى معصيتك، \par العمى كما يطلق على ذهاب بصر العين يطلق على ذهاب بصر القلب، و الابصار جمع بصر محركه و هو من العين: النور الذى تدرك به المبصرات و من القلب: النور الذى يرى به حقائق الاشياء و بواطنها بمثابه البصر للجارحه يرى به صور الاشياء و ظواهرها، و المراد باعماء ابصار القلوب عما خالف محبته تعالى: منعها عن الالتفات الى الشرور و المعاصى بعدم الاعداد لها، و الجوارح جمع جارحه و هى الاعضاء كاليد و الرجل، و نفذ فى الامر و القول نفوذا و نفاذا: مضى، و الغرض سوال حفظه تعالى و عصمته عن اكتساب معصيته بشى ء من الجوارح و الاعضاء، \par
007    09    اللهم فصل على محمد و آله، و اجعل همسات قلوبنا، و حركات اعضائنا، و لمحات اعيننا، و لهجات السنتنا فى موجبات ثوابك حتى لا تفوتنا حسنه نستحق بها جزائك، و لا تبقى لنا سيئه نستوجب بها عقابك \par و همس الكلام من باب ضرب: اخفاه اى ما تخفيه قلوبنا، و لمح البصر: امتد الى الشى ء و لمح اليه لمحا من باب نفع نظر اليه باختلاس البصر، و اللهجات جمع لهجه بفتح الهاء و سكونها لغه قال اصحاب اللغه هى اللسان و قيل طرفه و لا خفاء بان اراده هذا المعنى غير صحيحه هنا بل المراد ما تلفظ به الالسن، و قوله عليه السلام: حتى لا تفوتنا حسنه، حتى للتعليل بمعى كى اى كيلا تفوتنا حسنه، و الحسنه: ما ندب اليه الشارع و بقابلها السيئه و هى ما نهى عنه، و الغرض سوال التوفيق للاتيان بجميع الطاعات و التوقى عن جميع المعاصى، و ذلك انما يكون عن فيض الهى و عنايه الهيه يقوى بهما الانسان على تحرى الخير و تجنب الشر، جعلنا الله تعالى من الملحوظين بعين عنايته و المهتدين بنور هدايته. \par
001    10    الدعاء العاشر: من ادعيه الصحيفه السجاديه، و هو دعائه عليه السلام فى اللجا الى الله تعالى \par \par
001    10    (الرحمه من مقتضيات الذات دون الغضب فانه من مقتضيات..) \par (اللهم ان تشاتعف عنا فبفضلك، و ان تشا تعذبنا فبعدلك) مفعول تشا فى الفقرتين محذوف لغرض البيان بعد الابهام و التقدير: ان تشا العفو عنا تعف عنا، و ان تشا عذابنا تعذبنا و خذف المفعول بعد فعل المشيه و الاراده كثير مطرد لدلاله الجواب عليه و بيانه له و منه قوله تعالى، فلو شاء لهديكم اجمعين اى لو شاء هدايتكم لهديكم اجمعين، و يستثنى من ذلك فعل المشيه الذى يكون تعلقه بمفعوله غريبا: نحو و لو شئت ان ابكى دما لبكيته، فان تعلق فعل المشيه ببكاء الدم غريب فلا بد من ذكر المفعول لتقرر فى نفس السامع و يانس به، و تعف و تعذب مجزومان جزاء للشرط، و تقديم المغفره على التعذيب للايذان بسبق رحمته غضبه، و لانها من مقتضيات الذات دونه فانه من مقتضيات سيئات العصاه و هذا صريح فى نفى وجوب التعذيب، و التقييد بالتوبه و عدمها كالمنافى له، و الفضل الاحسان، و العدل: الانصاف، و لا شك ان مشيته سبحانه للعفو تفضل منه و احسان لا باستحقاق من العبد، و مشيته للعذاب و العقاب انما هو جزاء للمعاقب بما عمله لا بظلم له منه و جور عليه كما قال تعالى: ثم توفى كل نفس ما كسبت و هم لا يظلمون. \par
002    10    (غناه تعالى عباره عن سلب مطلق الحاجه و اضافته الى الاغنياء) \par (على معنى كبيرهم و رئيسهم كما يقال..) \par (فسهل لنا عفوك بمنك، و اجرنا من عذابك بتجاوزك، فانه لا طاقه لنا بعد لك و لا نجاه لاحد منا دون عفوك، سهل الله الشى ء تسهيلا: يسره و تسهيل العفو: عباره عن التكريم به على العبد من غير مداقه و مناقشه فى الحساب او مخالطته بشى ء من العذاب و العقاب، و المن مصدر من عليه بالعتق و غيره منا من باب قتل: انعم عليه و به و الاسم المنه بالكسر، و اجاره من السوء: حفظه و اجاره مما يخاف: امنه، و تجاوز عنه: عفا و صفح، و الطاقه اسم من اطقت الشى ء اطاقه: قدرت عليه فانا مطيق مثل الطاعه اسم من اطاع، و دون بالضم نقيض فوق و اتسع فيه فاستعمل فى كل تجاوز امر الى امر كقوله يا نفس! مالك دون الله من واق اى اذا تجاوزت وقايته و لم تبالها لم يقك غيره و هو هنا بهذا المعنى اى لا نجاه لاحد منا اذا تجاوزنا عفوك، و يجوز ان يكون المعنى: قبل الوصول الى عفوك، و منه ان دون غد لليله اى قبله، \par
003    10    يا غنى الاغنياء، ها، نحن عبادك بين يديك، و انا افقر الفقراء اليك) \par و قوله عليه السلام: يا غنى الاغنياءها نحن عبادك بين يديك، كونه تعالى غنيا يعود الى عدم حاجته فى شى ء ما الى شى ء ما فغناه عباره عن سلب مطلق الحاجه و اضافته الى الاغنياء على معنى كبيرهم و رئيسهم كما يقال: ملك الملوك و سيد السادات و عظيم العظماء و مولى الموالى، وها، للتنبيه و فيه شاهد لدخوله على الجمله الاسميه الخاليه من اسم الاشاره، \par فان قلت: قد قرروا ان معنى التنبيه ايقاظ السامع و تنبيهه من سنه الغفله لتتمكن الجمله فى ذهنه و يتفطن لما قال له و يلقى اليه فلا يغفل عنه و هذا المعنى مستحيل فى خطاب الله تعالى فكيف جاء بحرف التنبيه فى خطابه تعالى؟ \par قلت: لما كان التنبيه يستلزم اهتمام المتكلم بالمقصود كان الغرض من المجى ء بحرفه فى خطابه سبحانه اظهار الاهتمام بالمقصود فهو من قبيل التضرع و الالحاح المطلوب فى الدعاء لا تنبيه المخاطب و ايقاظه، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، و بين اليدين عباره عن الامام لان ما بين يدى الانسان امامه، و قوله عليه السلام: و انا افقر الفقراء اليك، يحب ان يحمل الفقر على ما هو اعم من الفقر المتعارف و هو مطلق الحاجه ليعم التمجيد. \par (معنى الجبر.. و المنقلب، و المضطر) \par (فاجبر فاقتنا بوسعك، و لا تقطع رجائنا بمنعك، فتكون قد اشقيت من استسعد بك، و حرمت من استرفد فضلك، فالى من حينئذ منقلبنا عنك، و الى اين مذهبنا عن بابك سبحانك نحن المضطرون الذين اوجبت اجابتهم، و اهل السوء الذين وعدت الكشف عنهم) جبر الله مصيبته من باب قتل اى رد عليه ما ذهب منه او عوضه عنه، و جبر الفقير: احسن اليه او اغناه بعد فقره، و اصله من جبر العظم الكسير و هو اصلاحه، و استرفد: طلب الرفد و هو العطاء، و المنقلب بفتح اللام مصدر ميمى بمعنى الانقلاب و هو الرجوع مطلقا اى مرجعنا عنك، و ذهب ذهابا و ذهوبا و مذهبا: مضى اى الى اين مضيئنا عن بابك، و الاستفهام فى ذلك للانكار الابطالى و المعنى فيه على النفى و ما بعده منفى كقوله تعالى: فمن يهدى من اضل الله اى لا يهدى و المعنى لا منقلب لنا عنك و لا مذهب لنا عن بابك، قوله عليه السلام: نحن المضطرون الى آخره، اشاره الى قوله تعالى: امن يجيب المضطر اذا دعاء و يكشف السوء و المضطر الذى احوجه مرض او فقر او نازله من نوازل الايام الى التضرع الى الله، و السوء: ما يعترى الانسان مما يسوه. \par
004    10    (معنى الجبر.. و المنقلب، و المضطر) \par (فاجبر فاقتنا بوسعك، و لا تقطع رجائنا بمنعك، فتكون قد اشقيت من استسعد بك، و حرمت من استرفد فضلك، فالى من حينئذ منقلبنا عنك، و الى اين مذهبنا عن بابك سبحانك نحن المضطرون الذين اوجبت اجابتهم، و اهل السوء الذين وعدت الكشف \par
004    10    عنهم) جبر الله مصيبته من باب قتل اى رد عليه ما ذهب منه او عوضه عنه، و جبر الفقير: احسن اليه او اغناه بعد فقره، و اصله من جبر العظم الكسير و هو اصلاحه، و استرفد: طلب الرفد و هو العطاء، و المنقلب بفتح اللام مصدر ميمى بمعنى الانقلاب و هو الرجوع مطلقا اى مرجعنا عنك، و ذهب ذهابا و ذهوبا و مذهبا: مضى اى الى اين مضيئنا عن بابك، و الاستفهام فى ذلك للانكار الابطالى و المعنى فيه على النفى و ما بعده منفى كقوله تعالى: فمن يهدى من اضل الله اى لا يهدى و المعنى لا منقلب لنا عنك و لا مذهب لنا عن بابك، قوله عليه السلام: نحن المضطرون الى آخره، اشاره الى قوله تعالى: امن يجيب المضطر اذا دعاء و يكشف السوء و المضطر الذى احوجه مرض او فقر او نازله من نوازل الايام الى التضرع الى الله، و السوء: ما يعترى الانسان مما يسوه. \par
005    10    (ان مشيته تعالى لا تتعلق الا بكل خير و مصلحه.. و اما ما يرى) \par (فيه من الشرور..) \par (و اشبه الاشياء بمشيتك، و اولى الامور بك فى عظمتك رحمه من استرحمك، و غوث من استغاث بك، فارحم تضرعنا اليك، و اغننا اذ طرحنا انفسنا بين يديك) اشبه هنا افعل تفضيل من قولهم اشبه الولد اباه اذا شاركه فى صفه من صفاته، و قد علمت ان للمشيه معنيين: \par احدهما- كون ذاته سبحانه بحيث يختار ما هو الخير و الصلاح فهى نفس علمه الحق بالمصالح و الخيرات و عين ذاته الاحديه و هى بهذا المعنى من صفات الذات، \par و الثانى- ايجاده الاشياء و احداثه لها بحسب اختياره و هى بهذا المعنى من صفات الفعل اذا عرفت ذلك فقوله عليه السلام و اشبه الاشياء بمشيتك لا يجوز ان يراد بالمشيه المعنى الاول الا على حذف مضاف تقديره: و اشبه الاشياء بمقتضى مشيتك اى ما يقتضيه علمك بالمصالح و الخيرات، و حذف المضاف كثير واقع فى فصيح الكلام و منه قوله تعالى: و جاء \par
005    10    ربك و الملك اى امر ربك، و اسئل القريه اى اهلها، و يجوز ان يراد بها المعنى الثانى على معنى ان اشبه الاشياء باحداثك الافعال، و ايجادك اياها احداثك رحمه من استرحمك، و انما قال ذلك لما ثبت من ان مشيته تعالى لا تتعلق الا بكل خير و مصلحه و نظام فى العالم و اما ما يرى فيه من الشرور فهى شرور قليله لازمه لبعض الخيرات لو لم توجد لاجلها كان يلزم شرور كثيره فهذه الشرور و الافات التى فى عالمنا هذا داخله فى مشيه الله الازليه بالعرض و على سبيل التبع لا بالذات و على سبيل القصد الاول، و اولى اى احرى و احق و انما كان اولى الامور به تعالى رحمه من استرحمه لان الرحمه من مقتضيات ذاته المقدسه بخلاف الغضب و السخط و نحوهما فانه من مقتضيات الذنوب و المعاصى، و تضرع الى الله. ابتهل اى تذلل و بالغ فى السوال، و اغاثه اذا اعانه و اغاثهم الله برحمته: كشف شدتهم، و طرحه طرحا من باب نفع: رمى به و القاه، و طرح الانفس بين يديه تعالى عباره عن غايه الاخبات له اعنى الخضوع و الخشوع و التواضع بجميع الاعضاء له سبحانه فهو من باب التمثيل التخييلى. \par
006    10    (الشماته فرح العدو بمصيبه تنزل بمن يعاديه، و معنى شماته الشيطان) \par (اللهم ان الشيطان قد شمت بنا اذ شايعناه على معصيتك، فصل على محمد و آله و لا تشمته بنا بعد تركنا اياه لك، و رغبتنا عنه اليك.) الشماته: فرح العدو بمصيبه تنزل بمن يعاديه، و شايعته على الامر مشايعه مثل تابعته متابعه وزنا و معنا، و لما كان الشيطان ظاهر العداوه لادم و ذريته فمتى تابعه الانسان على معصيه الله تعالى علم انه قد نفذ فيه كيده و عملت فيه حيلته و نزلت به مصيبه العصيان من فساد اعتقاده او عمله ففرح لذلك لما يترتب عليه من غضب الله و سخطه و عذابه و عقابه كما هو شان العدو مع من يعاديه اعاذنا الله بحوله و ايده من عداوه الشيطان و كيده، قوله عليه السلام فصل على محمد و آله و لا تشمته بنا الى آخره- اى لا تنزل بنا مصيبه يفرح الشيطان بها بعد مفارقتنا اياه و عدم ارادتنا له منيبين اليه، و المصيبه هى اما عدم التجاوز و العفو و قبول التوبه، و اما عدم حسم اسباب المعاصى الموجبه لمتابعته و الرجوع الى مشايعته مره اخرى فيكون الغرض اما طلب حسن التجاوز و المغفره لما سلف، او التوفيق للاستمرار على الطاعه و عدم نقض التوبه و الله اعلم. \par
001    11    الدعاء الحاد يعشر من ادعيه الصحيفه السجاديه: و هو دعائه عليه السلام بخواتم الخير \par \par \par
001    11    بسم الله الرحمن الرحيم \par (الخوف من سوء الخاتمه من اعظم المخاوف) \par اعلم انه لما كان الخوف من سوء الخاتمه من اعطم المخاوف عند ارباب العقول وقع التضرع و الابتهال منهم فى طلب حسن العاقبه و استقامه الخاتمه، قال بعض العلماء ان الخوف من سوء الخاتمه هو الذى قرح قلوب العارفين و وقع من سوئها حسرات كثيره وزل فيها اقدام جماعه من اهل العرفان و لذلك كان اهل الحق و السعاده يطلبون حسن الخاتمه بالدعاء و الرغبه الى الله تعالى، و قال الشيخ كمال الدين ميثم البحرانى فى شرح النهج: اغلب المخاوف على قلوب المتقين خوف الخاتمه فان الامر فيها خطير و اعلى الاقسام و ادلها على كمال المعرفه خوف السابقه لكون الخاتمه تبعا لها و مظهره لما سبق فى اللوح المحفوظ، و قد مثل من له خوف السابقه و من له خوف الخاتمه: برجلين وقع لهما ملك بتوقيع يحتمل ان يكون لهما فيه غنى او هلاك فيتعلق قلب احدهما بحال نشر التوقيع و ما يظهر فيه من خير او شر، و تعلق قلب الاخر بما خطر للملك حاله التوقيع من رحمه او غضب و هذا التفات الى السبب فكان اعلى فكذلك الالتفات الى القضاء الازلى الذى جرى بتوقيعه القلم الالهى فى اللوح المحفوظ اعلى من الالتفات الى الابد، \par و الى ذلك اشار الرسول صلى الله عليه و آله حيت كان على المنبر فقبض كفه اليمنى ثم قال هذا كتاب الله كتب فيه اهل الجنه باسمائهم و اسماء آبائهم لا يزاد فيه و لا ينقص و ليعمل اهل السعاده بعمل اهل الشقاوه حتى يقال كانهم منهم بل هم هم ثم يستنقذهم الله تعالى قبل الموت و لو بفواق ناقه، و ليعمل اهل الشقاوه بعمل اهل السعاده حتى يقال كانهم منهم بل هم هم ثم يستخرجهم الله قبل الموت و لو بفواق ناقه، السعيد من سعد بقضاء الله و الشقى من شقى بقضاء الله و الاعمال بالخواتيم، انتهى، \par
001    11    قلت و مثل هذا الحديث ما رواه ثقه الاسلام فى الكافى بسنده عن ابى عبدالله عليه السلام قال انه يسلك بالسعيد فى طريق الاشقياء حتى يقول الناس ما اشبهه بهم بل هو منهم ثم تتداركه السعاده، و قد يسلك بالشقى طريق السعداء حتى يقول الناس ما اشبهه بهم بل هو منهم ثم يتداركه الشقاء، ان من كتبه الله سعيدا و ان لم يبق من الدنيا الا فواق ناقه ختم له بالسعاده، انتهى، و لما كان من القضاء ما هو معلق مشروط كان الدعاء بخواتم الخير و طلبها من اعظم المطالب و اهمها، و لذلك ورد فى الدعاء ايضا، ان كنت عندك فى ام الكتاب شقيا فاكتبنى سعيدا فانك تمحو ما تشاء و تثبت و عندك ام الكتاب. \par
001    11    (قال بعضهم: الذكر ثلثه: ذكر باللسان و ذكر بالقلب و..) \par (يا من ذكره شرف للذاكرين) الذكر يشمل الثناء و الدعاء و الصلوه و قرائه القرآن و الحديث و ذكر الحلال و الحرام و اخبار الانبياء و الاوصياء و الصالحين و هم اعم من ان يكون باللسان او بالجنان او بالاركان: اما الذكر باللسان فهو ان يحمده و يسبحه و يمجده و يقرء كتابه و نحو ذلك، و اما بالجنان فهو ان يتفكر فى الدلائل على ذاته و صفاته و فى الاجوبه عن شبه الطاعنين فيها و فى الدلائل على كيفيه تكاليفه و احكامه و اوامره و نواهيه و وعده و وعيده ليعمل بمقتضاها ثم يتفكر فى اسرار المخلوقات متوصلا من كل ذره الى موجدها، و اما بالاركان فهو ان تكون مستغرقه فى الاعمال المامور بها فارغه عن الاشتغال بالمنهى عنها و بهذا الوجه سمى الصلوه ذكرا فى قوله تعالى: فاسعوا الى ذكر الله. \par و قال بعضهم: الذكر ثلثه: ذكر باللسان و ذكر بالقلب و هذا نوعان: احدهما الفكر فى عظمه الله تعالى و جلاله و ملكوته و آيات ارضه و سمائه، و الثانى: ذكره عند امره و نهيه فيمتثل الامر و يجتنب النهى و يقف عند ما يشكل، و ارفع الثلاثه: الفكر، لدلاله الاحاديث الوارده على فضل ذكر الخفى، و اضعفها: الذكر باللسان و لكن له فضل كثير على ما جاء فى الاثار، و الشرف: علو المنزله و المجد، و لما كان كل ذكر بالثناء \par
001    11    و نحوه على غير الله سبحانه شرفا للمذكور اشار عليه السلام الى ان ذكره تعالى شرف للذاكر و فائدته عائده اليه لاستغنائه جل و عز عمن سواه، و لعل فيه تلميحا الى قوله تعالى: فاذكرونى اذكركم فان ذكر السيد للعبد شرف له و اعلاء لمنزلته، و فى الحديث القدسى: من ذكرنى فى ملا ذكرته فى ملا خير ملائه، و من ذكرنى سرا ذكرته علانيه قيل المراد بذكره سبحانه لذاكره اظهار حاله و شرفه فى المخلوقين من الملائكه و الناس اجمعين. \par (ان طاعته تعالى نجاه للمتصف بها من مهالك الدنيا و الاخره) \par (و يا من شكره فوز للشاكرين، و يا من طاعته نجاه للمطيعين) الفوز: النجاه و الظفر بالخير، و الطاعه: الانقياد الامر و نهيه، و لا شك ان طاعته تعالى نجاه للمتصف بها من مهالك الدنيا و الاخره، اما مهالك الدنيا فلانها تعصم صاحبها من الرذائل الموبقه التى هى محال الهلاك و التلف، و اما مهالك الاخره فلانها تنجى من مخاوفها و اهوالها و حر نيرانها، قال الله تعالى: و من يطع الله و الرسول فاولئك مع الذين انعم الله عليهم من النبيين و الصديقين و الشهداء و الصالحين و حسن اولئك رفيقا و قال تعالى و من يعص الله و رسوله و يتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها و له عذاب مهين و من خطبه لاميرالمومنين عليه السلام: اجعلوا طاعه الله جنه ليوم فزعكم و مصابيح لبطون قبوركم و سكنا لطول وحشتكم و نفسا لكرب مواطنكم فان طاعه الله تعالى حرز من متالف مكتنفه و مخاوف متوقعه. \par (درجات الذكر، و معنى صحيح لوحده الوجود) \par (صل على محمد و آله، و اشغل قلوبنا بذكرك عن كل ذكر) اعلم ان للذكر درجات: \par الاولى- ان يكون باللسان مع غفله القلب و هذا اضعفها، و ان كان مندوبا اليه \par
001    11    ايضا، قال بعض ارباب القلوب: ذكر اللسان مع خلو القلب عنه لا يخلو من فائده لانه يمنعه من التكلم باللغو، و يجعل لسانه معتادا بالخير، و قد يلقى الشيطان اليه ان حركه اللسان بدون توجه القلب عيب ينبغى تركه فاللائق بحال الذاكر ان يحضر قلبه حينئذ رغما للشيطان و ان لم يحضره فاللائق به ان لا يترك الذكر باللسان رغما لانفه، و ان يجيبه بان اللسان آله للذكر كالقلب و لا يترك احدهما بترك الاخر فان لكل عضو عباده، \par الثانيه- الذكر بالقلب مع عدم استقراره فيه و لا يتوجه اليه الا بالتكلف و الاجتهاد، \par و الثالثه- ان يكون بالقلب و يستقر فيه بحيث لا يتوجه القلب الى غيره الا بالتكلف، \par و الرابعه- ان يكون بالقلب مع استقراره فيه و استيلائه عليه بحيث لا يشغل عنه اصلا و هذه مرتبه المحبه، و الذاكر فى هذه المرتبه قد يبلغ مقام الفناء فى الله بحيث يغفل عن نفسه و عن غيرها حتى عن الذكر فلا يجد فى نفسه الا المذكور، \par قال بعض العارفين: اعلم ان الذكر القلبى من اعظم علامات المحبه لان من احب احدا ذكره دائما او غالبا و ان اصل الذكر عند الطاعه و المعصيه سبب لفعل الطاعه و ترك المعصيه و هما سببان لزياده الذكر و رسوخه و هكذا يتبادران الى ان يستولى المذكور و هو الله سبحانه على القلب و يتجلى فيه فالذاكر حينئذ يحبه حبا شديدا و يغفل عن جميع ما سواه حتى نفسه اذ الحب المفرط يمنع عن مشاهده غير المحبوب و هذا المقام يسمى مقام الفناء فى الله، و الواصل الى هذا المقام لا يرى فى الوجود الا هو و هذا معنى وحده الوجود لا بمعنى انه تعالى متحد مع الكل لانه محال و زندقه بل بمعنى ان الموجود فى نظر الفانى هو لا غيره لانه تجاوز عن عالم الكثره و جعله وراء ظهره و غفل عنه فافهم، انتهى، اذا عرفت ذلك ظهر لك سر قوله عليه السلام و اشغل قلوبنا بذكرك عن كل ذكر فانه طلب لاكمل افراده و ارفع مراتبه التى هى مرتبه المحبه و مقام الفناء. \par
001    11    (الشكر باللسان ادل افراد الشكر على الاعتراف بالنعمه) \par (و السنتنا بشكرك عن كل شكر، و جوارحنا بطاعتك عن كل طاعه) لما كان الشكر باللسان ادل افراد الشكر على الاعتراف بالنعمه سئل عليه السلام شغل الالسنه به و استغراقها فيه و ادمج فى ذلك سوال الاغناء عن الخلق و عن الافتنان بشكرهم المستلزم للصرف عن الله و التوجه الى القبله الحقيقه و عدم الاستعداد لنفحات الله بالتوجه الى غيره و اشتغال نفسه بذلك الغير، كما قال اميرالمومنين عليه السلام: اللهم صن وجهى باليسار و لا تبذل جاهى بالاقتار فاسترزق طالبى رزقك و استعطف شرار خلقك و ابتلى بحمد من اعطانى و افتتن بذم من منعنى و انت من وراء ذلك ولى الاعطاء و المنع انك على كل شى ء قدير قوله عليه السلام: و جوارحنا بطاعتك عن كل طاعه، جوارح الانسان: اعضائها التى يعمل بها و يكتسب و المراد بشغلها بطاعته تعالى عن كل طاعه: استغراقها فى الاعمال بها فلا تشغل بطاعه غيره، و فيه ايضا ادماج سوال الاكرام عن الاحتياج الى التزام طاعه احد من المخلوقين و اما طاعه الرسول و اولوالامر و الوالدين فمن طاعته تعالى. \par
002    11    (بعض الاخبار الوارده فى ذم الفراغ و الضجر) \par (فان قدرت لنا فراغا من شغل فاجعله فراغ سلامه لا تدركنا فيه تبعه و لا تلحقنا فيه سامه) قدرت اى قضيت و حكمت، و الفراغ: الخلاص من المهام، و الشغل بضم الشين و بضم الغين و يسكن للتخفيف اسم من شغله شغلا من باب نفع، و السلامه: الخلاص من الافات، و ادركته: اذا طلبته فلحقته و هو هنا لحوق معنوى، و التبعه على وزن كلمه ما فيه اثم يتبع به و السامه مصدر سئمته سامه من باب تعب بمعنى ضجرت منه و مللته و يعدى بالحرف ايضا فيقال سئمت منه و فى التنزيل: لا يسام الانسان من دعاء الخير و المعنى ان قضيت لنا فراغا من شغل من الاشغال المذكوره فاجعله فراغا مقرونا بالسلامه من الافات الدينيه و الدنيويه فلا يكون عدم اشتغالنا به التهاون فى القيام به، او لعله توجب القعود عنه كمرض و نحوه، و قوله عليه السلام لا تدركنا، جمله نعتيه للفراغ المضاف الى \par
002    11    السلامه، و فى، للسببيه فى الموضعين او للظرفيه المجازيه اى لا يلحقنا بسبب ذلك الفراغ او فى اثنائه اثم يتبع به و لا ملل و ضجر من ذلك الشغل فنغتنم الفراغ منه بل يكون فراغا نجد معنا من انفسنا طلب المعاوده للشغل كما قال و يحتمل ان يراد بالسامه: السامه من الفراغ اى لا يكون فراغا طويلا يحصل بسببه او فيه ضجر و ملل منه و قد ورد فى ذم الفراغ و الضجر اخبار كثيره: روى ثقه الاسلام فى الكافى بسنده عن بشير الدهان قال سمعت اباالحسن موسى عليه السلام يقول ان الله عز و جل يبغض كثره العبد النوام الفارغ، و بسنده عن ابى بصير عن ابى عبدالله عليه السلام قال ان الله عز و جل يبغض كثره النوم و كثره الفراغ، و بسنده عن سعد بن ابى خلف عن ابى الحسن موسى عليه السلام قال قال ابى لبعض ولده اياك و الكسل و الضجر فانهما يمنعانك من حظك من الدنيا و الاخره. \par (المراد بكتاب السيئات و الحسنات) \par (حتى ينصرف عنا كتاب السيئات بصحيفه خاليه من ذكر سيئاتنا و يتولى كتاب الحسنات مسرورين بما كتبوا من حسناتنا) حتى للتعليل بمعنى كى و هو تعليل لسوال شغل القلوب بالذكر، و الالسنه بالشكر، و الجوارح بالطاعه، و طلب سلامه الفراغ، و انصرف: ذهب لسبيله، و تولى: ادبر، و المراد بكتاب السيئات و الحسنات: الملائكه الذين يكتبون على بن آدم اعماله من حسنه و سيئه و هم المشار اليهم بقوله تعالى: و ان عليكم لحافظين كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون و قد سبق الكلام على ذلك. \par
003    11    (المراد باستحضار الدعوه و اجابتها، و المراد بقبول التوبه) \par (و اذا انقضت ايام حياتنا، و تصرمت مدد اعمارنا، و استحضرتنا دعوتك التى لابد منها و من اجابتها، فصل على محمد و آله، و اجعل ختام ما تحصى علينا كتبه اعمالنا توبه مقبوله) انقضى الشى ء: فنى و تصرم و استحضرت الشيى ء: طلبت حضوره، و الدعوه \par
003    11    اسم من دعوته: اذا طلبت اقباله، و المراد بها: الموت، و لابد منها اى لا محيد عن وقوعها و حصولها و لا محيد عن اجابتها، و ختام الشيى ء: آخره، و احصاه: عده و حفظه و علمه، و سئل جعل ختام الاعمال توبه مقبوله لما تقرر: من ان كل من مات على حاله حكم له بها من خير او شر، \par تنبيهان: \par الاول- المراد باستحضار الدعوه و اجابتها: الحاله التى قبل حضور الموت و تيقن الفوت و هو المعبر عنه بالمعاينه فى حديث من تاب قبل ان يعاين قبل الله توبته، و اما عند المعاينه فقد انعقد الاجماع على عدم صحتها و نطق بذلك القرآن العزيز و قال الله تعالى: و ليست التوبه للذين يعملون السيئات حتى اذا حضر احدهم الموت قال انى تبت الان و لا الذين يموتون و هم كفار اولئك اعتدنا لهم عذابا اليما و فى الحديث عن النبى صلى الله عليه و آله ان الله يقبل توبه العبد ما لم يغرغر، و الغرغره: تردد الماء و غيره من الاجسام المايعه فى الحلق و المراد هنا تردد الروح وقت النزع، و قد روى محدثوا الاماميه عن ائمه اهل البيت عليهم السلام احاديث متكثره فى انه لا يقبل التوبه عند حضور الموت و حضور علاماته و مشاهده اهواله و ربما علل ذلك بان الايمان برهانى و مشاهده تلك العلامات و الاهوال فى ذلك يصير الامر عيانا فيسقط التكاليف عنهم، \par قال بعض المفسرين: و من لطف الله بالعباد ان امر قابض الارواح بالابتداء فى نزعها من اصابع الرجلين ثم تصعد شيئا فشيئا الى ان تصل الى الصدر ثم تنتهى الى الحلق ليتمكن فى هذه المهله من الاقبال بالقلب على الله تعالى و الوصيه و التوبه ما لم يعاين و الاستحلال و ذكر الله سبحانه فتخرج روحه و ذكر الله على لسانه فيرجى له حسن الخاتمه رزقنا الله ذلك بمنه و كرمه، \par الثانى- قال الشيخ فى الاربعين: المراد بقبول التوبه: اسقاط العقاب المترتب على الذنب الذى تاب منه و سقوط العقاب بالتوبه مما اجمع عليه اهل الاسلام و انما الخلاف فى انه هل يجب على الله حتى لو عاقب بعد التوبه كان ظلما او هو تفضل بفعله سبحانه \par
003    11    كرما منه و رحمه بعباده، المعتزله على الاول، و الاشاعره على الثانى و اليه ذهب الشيخ ابوجعفر الطوسى قدس الله روحه فى كتاب الاقتصاد و العلامه الحلى فى بعض كتبه الكلاميه، و توقف المحقق الطوسى فى التجريد، و مختار الشيخين هو الظاهر و دليل الوجوب مدخول. \par (لا توقفنا «تقفنا» بعدها على ذنب اجترحناه، و لا معصيه اقترفناها، و لا تكشف عنا سترا سترته على روس الاشهاد، يوم تبلو اخبار عبادك، انك رحيم بمن دعاك، و مستجيب لمن ناداك) توقفنا مضارع اوقف بالالف، هكذا فى النسخ المشهوره و فى نسخه «تقفنا» مضارع وقف متعديا قال ابوعبيده: اوقفت فلانا على ذنوبه اذا بكته بها فيكون معنى لا توقفنا بعدها على ذنب: لا تبكتنا اى لا تونبنا و لا توبخنا و لا تستقبلنا بما نكره بسببه، و يكون معنى لا تقفنا، كما فى النسخه الاخرى: لا تطلعنا بعدها على ذنب، و اجترح الذنب و اقترفه: اكتسبه و فعله و الفقره الثانيه عطف تفسير و تاكيد على الاولى، \par
004    11    (معنى روس الاشهاد، و حقيقه الاختيار فى حقه تعالى) \par و قوله عليه السلام: و لا تكشف عنا سترا سترته على روس الاشهاد، يقال فعلت ذلك على روس الاشهاد اى بمر اى و منظر من الحاضرين بحيث هو نصب اعينهم فى مكان مرتفع لا يخفى على احد، \par روى ثقه الاسلام بسنده عن ابن وهب قال سمعت اباعبدالله عليه السلام يقول: اذا تاب العبد توبه نصوحا احبه الله تعالى فستر عليه، فقلت و كيف يستر عليه؟ قال ينسى ملكيه ما كانا يكتبان عليه، و يوحى الله جوارحه و الى بقاع الارض ان اكتمى عليه ذنوبه فيلقى الله تعالى حين يلقاه و ليس شى يشهد عليه بشى من الذنوب، قوله عليه السلام: يوم تبلو اخبار عبادك، متعلق بتكشف و المراد به يوم القيمه، كما قال تعالى: يوم تبلى السرائر و البلاء: الاختبار و حقيقته فى حقه تعالى يرجع الى الكشف و الاظهار، و قوله عليه السلام: انك رحيم بمن دعاك مستجيب لمن ناداك، عدى الرحمه بالباء لتضمينها معنى الرافه كما قال تعالى: ان الله كان بكم رحيما روى ثقه الاسلام فى الكافى عن ابى عبدالله عليه السلام قال من قال يا الله يا الله عشر مرات قيل له لبيك ما حاجتك؟ \par
005    11    و قوله عليه السلام: و لا تكشف عنا سترا سترته على روس الاشهاد، يقال فعلت ذلك على روس الاشهاد اى بمر اى و منظر من الحاضرين بحيث هو نصب اعينهم فى مكان مرتفع لا يخفى على احد، \par روى ثقه الاسلام بسنده عن ابن وهب قال سمعت اباعبدالله عليه السلام يقول: اذا تاب العبد توبه نصوحا احبه الله تعالى فستر عليه، فقلت و كيف يستر عليه؟ قال ينسى ملكيه ما كانا يكتبان عليه، و يوحى الله جوارحه و الى بقاع الارض ان اكتمى عليه ذنوبه فيلقى الله تعالى حين يلقاه و ليس شى يشهد عليه بشى من الذنوب، قوله عليه السلام: يوم تبلو اخبار عبادك، متعلق بتكشف و المراد به يوم القيمه، كما قال تعالى: يوم تبلى السرائر و البلاء: الاختبار و حقيقته فى حقه تعالى يرجع الى الكشف و الاظهار، و قوله عليه السلام: انك رحيم بمن دعاك مستجيب لمن ناداك، عدى الرحمه بالباء لتضمينها معنى الرافه كما قال تعالى: ان الله كان بكم رحيما روى ثقه الاسلام فى الكافى عن ابى عبدالله عليه السلام قال من قال يا الله يا الله عشر مرات قيل له لبيك ما حاجتك؟ \par
001    12    الدعاء الثانى عشر: من ادعيه الصحيفه السجاديه صلوات الله عليه: فى الاعتراف و طلب التوبه \par \par
001    12    بسم الله الرحمن الرحيم \par
001    12    (مدح الاقرار بالذنب، و معنى الضمير الشان) \par روى ثقه الاسلام فى الكافى بسنده عن ابى جعفر عليه السلام قال لا و الله ما اراد الله من الناس الا خصلتين: ان يعترفوا بالنعم فيزيدهم، و بالذنوب فيغفرها لهم، و عنه عليه السلام قال و الله ما ينجو من الذنوب الا من اقربها، و عن ابى عبدالله عليه السلام و الله ما خرج عبد من ذنب باصرار و ما خرج عبد من ذنب الا باقرار. \par قال عليه السلام: (اللهم انه يحجبنى عن مسئلتك خلال ثلاث، و تحدونى عليها خله واحده) الضمير فى انه للشان و هو ضمير غائب ياتى صدر الجمله الخبريه دالا على قصد المتكلم استعظام السامع حديثه، و يسميه البصريون ضمير الشان و الحديث اذا كان مذكرا و ضمير القصه اذا كان مونثا، و سماه الكوفيون ضمير المجهول لانه لا يدرى على ما يعود، حجبه حجبا من باب قتل: منعه اى يمنعنى، و المسئله هنا مصدر ميمى، و الخلال بالكسر جمع خله كخصله وزنا و معنى و هى الحاله، وحدوته على كذا: بعثته عليه. \par
002    12    (اجوبه العلماء من اشكال الذى يرد على استغفار المعصومين عليهم السلام) \par (يحجبنى امر امرت به فابطات عنه، و نهى نهيتنى عنه فاسرعت اليه، و نعمه انعمت بها على فقصرت فى شكرها) الابطاء: خلاف الاسراع، يقال ابطا الرجل اى تاخر مجيئه و الامر و النهى هنا اما بمعنييهما المصدريين فيكون معنى ابطات عنه و اسرعت اليه: ابطات عن امتثاله و اسرعت الى خلافه، او بمعنى مامور به و منهى عنه كالخلق بمعنى المخلوق و اللفظ بمعنى الملفوظ فيكون المعنى: ابطات عن فعله و اسرعت الى ارتكابه، و التقصير فى الامر: التوانى فيه و هو ان لا يبادر الى القيام به و لا يهتم بشانه اى لم احتفل بشكرها، \par تبصره: اعلم ان الاماميه رضوان الله عليهم اتفقوا على عصمه الانبياء و الائمه \par
002    12    عليهم السلام و اطبقوا على انه لا يجوز عليهم شيى ء من المعاصى و الذنوب صغيره كانت او كبيره، لا قبل النبوه و الامامه و لا بعدهما، \par ثم استشكلوا مع ذلك ما تضمنه كثير من الادعيه الماثوره عن الائمه عليهم السلام من الاعتراف بالذنوب و المعاصى و الاستغفار منها كما وقع فى هذا الدعاء و غيره مما مروياتى بل روى عن النبى صلى الله عليه و آله ما يشعر بذلك، و هو ما رواه ثقه الاسلام فى الكافى بسنده عن ابى عبدالله عليه السلام ان رسول الله صلى الله عليه و آله كان يتوب الى الله عز و جل كل يوم سبعين مره، \par و اجابوا عن ذلك بوجوه: \par احدها- حمله على تاديب الناس و تعليمهم كيفيه الاقرار و الاعتراف بالتقصير و الذنوب و الاستغفار و التوبه منها. \par الثانى- حمله على التواضع و الاعتراف بالعبوديه و ان البشر فى مظنه التقصير \par الثالث- ان الاعتراف بالذنوب و الاستغفار منها انما هو على تقدير وقوعها، و المعنى ان صدر منى شيى ء من هذه الامور فاغفره لى لما تقرر من انه لا يلزم من صدق الشرطيه صدق واحد من جزئيها، \par الرابع- انهم يتكلمون على لسان امتهم و رعيتهم فاعترافهم بالذنوب اعتراف بذنوب امتهم و رعيتهم و استغفار هم لاجلهم لان كل راع مسئول عن رعيته، و انما اضافوا الذنوب الى انفسهم المقدسه للاتصال و السبب و لا سبب او كد مما بين الرسول \par
002    12    او الامام عليهماالسلام و بين امته و رعيته، الا ترى؟ ان رئيس القوم اذا وقع من قومه هفوه او تقصير قام هو فى الاعتذار عنهم و نسب ذلك الى نفسه و اذا اريد عتابهم و توبيخهم وجه الكلام اليه دون غيره منهم و ان لم يفعل هو ذلك و لا شهده و هذا وجه فى الاستعمال معروف، \par الخامس- ما ذكره الشيخ على بن عيسى الاربلى فى كتاب كشف الغمه: قال رحمه الله ان الانبياء و الائمه عليهم السلام تكون اوقاتهم مستغرقه بذكر الله تعالى و قلوبهم مشغوله به و خواطرهم متعلقه بالملاء الاعلى و هم ابدا فى المراقبه كما قال عليه السلام: اعبد الله كانك تراه فان لم تره فانه يراك، فهم ابدا متوجهون اليه و مقبلون بكليتهم عليه فمتى انحطوا عن تلك المرتبه العاليه و المنزله الرفيعه بالاشتغال بالماكل و المشرب و التفرغ للنكاح و غيره من المباحاه عدوه و اعتقدوه خطيئه فاستغفروا منه الا ترى؟ ان بعض عبيد ابناء الدنيا لوقعد ياكل و يشرب و ينكح و هو يعلم انه بمر اى من سيده و مسمع لكان ملوما عند الناس و مقصرا فيما يجب عليه من خدمه سيده و مالكه فما ظنك؟ بسيد السادات و مالك الاملاك، و الى هذا اشار صلوات الله عليه و آله بقوله انه ليغان على قلبى و انى لاستغفر الله بالنهار سبعين مره و قوله حسنات الابرار سيئات المقربين، هذا ملخص كلامه، و هو احسن ما تضمحل به الشبهه المذكوره. \par
003    12    (انه تعالى يدعو المدبرين عنه، فكيف لا يقبل المقبلين عليه؟) \par (و يحدونى على مسئلتك تفضلك على من اقبل بوجهه اليك، و وفد بحسن ظنه اليك، اذ جميع احسانك تفضل، و اذ كل نعمك ابتداء،) التفضل: التطول و هو ابتداء الاحسان بالاعله، و معنى اقبل بوجهه اليك: اطاعك و اناب اليك و اخلص نيته لك لان من كان مطيعا لغيره منقادا له مخلصا سريرته له فانه يقبل بوجهه اليه فجعل الاقبال بالوجه كنايه عن الطاعه و الانابه، و وفد اليه و عليه و فدا و وفودا و وفاده: قدم و ورد، و هو كنايه عن رجائه و تاميله و القصد لمرضاته تعالى بالعمل و النيه، و قوله عليه السلام: بحسن ظنه، قيد يفيد كمال حسن الرجاء له سبحانه، \par ففى الحديث النبوى: و الذى لا اله الا هو لا يحسن ظن عبد مومن بالله الا كان الله عند ظن عبده المومن لان الله كريم بيده الخيرات يستحى ان يكون عبده المومن قد احسن به الظن ثم يخلف ظنه و رجائه فاحسنوا بالله الظن و ارغبوا اليه، \par حكى ان رجلا قال للرابعه العدويه: انى قد عصيت الله افترينه يقبلنى ان انا انبت؟ قال و يحك انه يدعو المدبرين عنه فكيف لا يقبل المقبلين عليه؟ قوله عليه السلام: اذ جميع احسانك تفضل و اذ كل نعمك ابتداء، اذ للتعليل متعلق يتفضلك كانه قال ان تفضلك من غير استحقاق ثابت لان جميع احسانك تفضل من غير استحاق اذ كان ابتداء بما لا يلزم، و لان كل نعمك ابتداء لا مجازاه لحق سابق لديك، و هذا لا ينافى كون العمل سببا لدخول الجنه، كيف و قد قال تعالى: ادخلوا الجنه بما كنتم تعملون و لكن لما كانت الاعمال الموجبه للثواب متوقفه على الوجود و القوه و القدره و الالات و التوفيق و كان كل ذلك من الله سبحانه تفضلا و تطولا و ابتداء منه بما لا يلزمه كان استحقاق العبد بمنزله \par
003    12    عدمه، و ايضا فجعل العبد مستحقا للثواب بعمله تفضل منه تعالى، و الا فلو ناقشه فى الالات التى تسبب باستعمالها الى ثوابه لذهبت صغرى اياديه تعالى بجميع ما كدح له و جمله ما سعى فيه و لبقى رهينا بسائر نعمه فمتى كان يستحق شيئا من ثوابه؟ \par و قد شرح عليه السلام هذا المعنى بما لا مزيد عليه فى دعائه اذا اعترف بالتقصير عن تاديه الشكر كما ستراه، و اما ما ذهب اليه الاشاعره من ان العمل ليس سببا للثواب بناء على اصلهم الفاسد من ان الله تعالى يجوز ان يعذب المومن المطيع و يثيب الكافر ففساده ظاهر، و على هذا فالتفضل قسمان: قسم يترتب على العمل و يسمى اجرا و جزاء و قسم لا يترتب على العمل فمنه ما هو محض التفضل حقيقه و اسما كالايجاد و الهدايه و العفو و نحو ذلك، و منه ما هو تتميم للاجر كما و كيفا كما وعده تعالى من الاضعاف و غير ذلك. \par
004    12    (معنى الحياء، و الفرق بين الفقير و المسكين و البائس) \par (فها انا ذا، يا الهى! واقف بباب عزك وقوف المستسلم الذليل، و سائلك على الحياء منى سوال البائس المعيل) الفاء اللسببيه اى فبسبب ما يحدونى على مسئلتك من تفضلك على من اقبل بوجهه اليك ها انا ذا يا الهى! واقف، و جمله انا ذا مبتدء و خبر صدرت بحرف التنبيه لكمال العنايه و الاهتمام بمضمونها اى انا المتكلم ذا الموصوف، و واقف بيان للوصف و هو خبرثان لانا او خبر لذا و الجمله خبر لانا، و الوقوف بباب عزه تعالى كنايه عن الالتجاء اليه و الانقياد له كما يقف الملتجى و المطيع بباب من يلتجى ء به و ينقاد له، و استسلم: انقاد يقال: اسلم الله و استسلم اى انقاد لامره و نهيه كانه سلم انه لا قدره له على جلب نفع و لا دفع ضرر، و على من قوله على الحياء منى: للمصاحبه بمعنى مع كقوله تعالى: و ان ربك لذو مغفره للناس على ظلمهم و الحياء ملكه نفسانيه توجب انقباض النفس من شى ء يلام عليه، و البائس من بئس يباس بوسا من باب علم اذا افتقر و اشتد حاجته و هو من البوس بمعنى الضر، \par و عن الصادق عليه السلام: الفقير: الذى لا يسئل الناس، و المسكين: اجهد منه و البائس: اجهدهم، و المعيل اسم فاعل من اعال اما بمعنى كثر عياله فان المعيل اذا كثر عياله زاد \par
004    12    جهده و اشتد اضطراره، و اما بمعنى افتقر فيكون الغرض التاكيد، و المصدر ان كلاهما اعنى وقوف المستسلم و سوال البائس، مفعولان مطلقان مبنيان لنوعى عامليهما، و التقدير: وقوفا مثل وقوف المستسلم و سوالا مثل سوال البائس، كما تقدره فى نحو قولك ضربت ضرب الامير اى ضربا مثل ضرب الامير فحذفت الموصوف ثم المضاف و اقيمت المضاف اليه مقامه غير ان المراد بالمستسلم و البائس هنا نفسه على طريقه التجريد بخلاف الامير فى المثال فهو كقوله تعالى : فاخذناهم اخذ عزيز مقتدر لان العزيز المقتدر انما هو الله تعالى و هو الاخذ ولكنه جرد من نفسه عزيزا مقتدرا كما جرد من نفسه خبيرا فى قوله فاسئل به خبيرا لقصد المبالغه كما تقرر فى علم البلاغه و بين فى نوع التجريد و جعل اخذه بيانا لنوع العامل و هو فى الدعاء كذلك و قس على ذلك ما ياتيك من نظائر هذه العباره فى هذا الدعاء و غيره. \par
005    12    (مقر لك بانى لم استسلم وقت احسانك الا بالاقلاع عن عصيانك، و لم اخل فى الحالات كلها من امتنانك، \par الاقلاع عن الامر: الكف عنه و الباء للملابسه، و المعنى انى ما استسلمت و انقدت لامرك وقت احسانك الى بايقاضك بى من نوم الغفله و توفيقك اياى للتوبه الا متلبسا بالكف عن عصيانك فقط، و لم تقع منى طاعه اخرى، و الغرض من ذلك: الاقرار بانه لم يقم بجميع ما يقتضيه الاستسلام من امتثال الاوامر و اجتناب النواهى كما هو شان المستسلم المنقاد، و قوله عليه السلام: و لم اخل فى الحالات كلها من امتنانك، خلا الشى ء يخلو خلوا و خلاء: فرغ، و الحالات جمع حاله بمعنى الحال و هى ما يكون عليه الانسان من الصفه، و الامتنان: افتعال من المنه بمعنى الانعام و الاحسان، و الغرض الاقرار بانه عليه السلام لم يكن فارغا فى جميع حالاته لا قبل استسلامه و لا بعده من انعامه و احسانه، \par
006    12    (الفرق بين الكسب و الاكتساب، و مدح الاقرار بالذنب و..) \par فهل ينفعنى يا الهى! اقرارى عندك بسوء ما اكتسبت؟ و هل ينجينى منك اعترافى فى لك بقبيح ما ارتكبت؟) \par و قوله عليه السلام: فهل ينفعنى يا الهى اقرارى عندك بسوء ما اكتسبت و هل ينجينى منك اعترافى لك بقبيح ما ارتكبت، ساء الشى ء يسو سوءا: قبح و قيل السوء: ما يظهر مكروهه لصاحبه \par
006    12    و القبيح ما ليس للقادر عليه ان يفعله، و قيل القبيح ما يكون متعلق الذم فى العاجل و العقاب فى الاجل، و كسب الاثم و اكتسبه: تحمله، قال الواحدى ان الكسب و الاكتساب واحد، قال تعالى: و لا تكسب كل نفس الا عليها و قيل الاكتساب اخص لان الكسب لنفسه و لغيره و الاكتساب لنفسه خاصه، و قيل فى الاكتساب مزيد اعتمال و تصرف و لهذا خص بجانب الشر فى قوله تعالى: لها ما كسبت و عليها ما اكتسبت دلاله على ان العبد لا يواخذ من السيئات الا بما عقد الهمه عليه و ربط القلب به، بخلاف الخير فانه يثاب عليه كيف ما صدر عنه، و ركبت الاثم و ارتكتبه: اذا كثرت من فعله، و هذا الاستفهام من باب تجاهل العارف و سوق المعلوم مساق غيره و الاقرار بالذنب و الاعتراف بالمعصيه فى هذا الدار مما وردت النصوص القاطعه بانه ينفع و ينجى، \par كما ورد عن ابى جعفر عليه السلام: و الله ما ينجو من الذنوب الا من اقربها، و فى هذا المعنى احاديث كثيره، و النكته فيه: الاعتراف باستعظام سوء ما اكتسبه و قبيح ما ارتكبه حتى كانه شك لعظمته هل هو داخل فى الذنوب التى ينفع فيها الاقرار و ينجى منها الاعتراف ام هو اعظم من ذلك؟ فاستفهم استفهام من لا يعلم. \par (ام اوجبت لى فى مقامى هذا سخطك؟ ام لزمنى فى وقت دعاى مقتك! وجب الشى ء يجب وجوبا: لزم و ثبت و اوجبه: الزمه و اثبته، و المقام بالفتح: موضع القيام و يحتمل ان يكون المراد به: المقام الحسى و المعنوى، و سخط سخطا بالفتح و التحريك من باب تعب: غضب و السخط بالضم و السكون اسم منه و المراد بسخطه تعالى: عقابه او هو راجع الى اراده العقوبه، و لزم الشى ء يلزم لزوما من باب علم: ثبت و دام، و مقته مقتا من باب قتل: ابغضه اشد البغض عن امر قبيح فيكون المراد به اشد عقابه تعالى او ارادته، \par
007    12    (الاشاره الى باب التوبه الذى من دخله نجا و بلغ ما رجا) \par سبحانك لا ايئس منك و قد فتحت لى باب التوبه اليك) \par و قوله عليه السلام: سبحانك لا ايئس منك و قد فتحت لى باب التوبه اليك، قد تقدم ان سبحان مصدر كغفران بمعنى التنزيه و لا يكاد يستعمل الا مضافا منصوبا باضمار فعله كمعاذ الله، فمعنى سبحانك: انزهك تنزيها \par
007    12    عما لا يلبق بجناب قدسك و عز جلالك، و يئس من الشى ء يياس من باب تعب: قنط، و لما كان فى استفهامه السابق ما يشم منه رائحه الياس و القنوط حيت توقف مع الاعتراف و الاقرار فى العفو و التجاوز مع علمه بسعه رحمه الله تعالى و منعه من القنوط و وعده بمغفره الذنوب جميعا نزهه عن ان يياس عنه و يقنط من رحمته و الحال انه قد فتح له باب التوبه الذى من دخله نجا و بلغ ما رجا فكيف يياس من عفوه و غفر انه؟ ام كيف يقنط من فضله و احسانه؟ \par (القول فى بل، و معنى الظلم، و الفرق بين العظمه و الجلاله) \par (بل اقول: مقال العبد الذليل الظالم لنفسه المستخف بحرمه ربه ) \par بل حرف اضراب فان تلاها جمله كان معنى الاضراب: اما الابطال لما قبلها، نحو: و قالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون اى بل هم عباد، و نحو: ام يقولون به جنه بل جائهم بالحق و اما الانتقال من غرض الى استيناف غرض آخر، نحو: قد افلح من تزكى و ذكر اسم ربه فصلى بل توثرون الحيوه الدنيا و نحوه: عباره الدعاء اذ ليس الغرض من الاضراب فيها الا الانتقال من الكلام الاول الى معنى آخر، و هى فى ذلك كله حرف ابتداء لا عاطفه على الصحيح، و ان تلاها مفرد فهى عاطفه، و الظالم لنفسه: العاصى الذى بخس نفسه الثواب اى نقصها بمخالفه اوامر الله و ارتكاب مناهيه، و قيل اصل الظلم: وضع الشى ء فى غير موضعه و لابد فيه من تعدى ضرر فالمخالف لاوامر الله المرتكب لمناهيه واضع للشى ء فى غير موضعه لاستعماله قواه فى غير ما خلقت له و هو مضر بنفسه فصح انه ظالم لنفسه، و استخف بحقه: استهان به كانه عده خفيفا فلم يعبابه، و الحرمه بالضم: ما وجب القيام به و حرم التفريط فيه و لم يحل انتهاكه، و جميع التكاليف و احكام الله تعالى بهذه الصفه، و الاستخفاف بها: عدم مراعاتها و القيام بها و ترك العمل بموجبها، و قد فسر قوله تعالى: و من يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه باحكامه و ساير ما لا يحل هتكه، \par
008    12    الذى عظمت ذنوبه فجلت، و ادبرت ايامه فلوت حتى اذا راى مده العمل قد انقضت، و غايه العمر قد انتهت) \par قوله عليه السلام: الذى عظمت ذنوبه فجلت و ادبرت ايامه فولت، الفاء للتعقيب، و العطف بها يدل على ان بين العظمه و الجلاله فرقا لانه لو كانا مترادفين كما يظهر من كتب اللغه لما جاز العطف بها لان عطف الشى ء على مرادفه مما تختص به الواو و لا يشاركها فيه غيرها من حروف العطف فيمكن ان يعتبر العظم بحسب الكميه كما يقال جيش عظيم اذا كان كثير العدد، و الجلاله بحسب الكيفيه فان الذنوب اذا كثرت و ترادفت عظم خطرها فصارت جليله، و ادبر الشى ء: خلاف اقبل، و اراد بايامه: مده حيوته و قوله عليه السلام: حتى اذا راى مده العمل قد انقضت و غايه العمر قد انتهت، حتى هذه عند الجمهور هى الابتدائيه التى يبتئد بها الكلام دخلت على الجمله الشرطيه و هى مع ذلك غايه لما قبلها و هو هنا: ما اعترف به من الظلم لنفسه و الاستخفاف بحرمه ربه و عظم ذنوبه و ادبار ايامه، و العمل: فعل الانسان الصادر عن قصد و علم، و المراد به هنا ما يستحق به الثواب و ينجى من العقاب، و غايه الشى ء مداه، و العمر: الحيوه: و قوله: انقضت و انتهت، من باب التعبير بالفعل عن مشارفته اى راى مده العمل قد شارفت الانقضاء و غايه العمر قد شارفت الانتهاء، و منه قوله تعالى: و اذا طلقتم النساء فلبغن اجلهن فامسكوهن اى فشار فن انقضاء العده، و مثله كثير فى القرآن المجيد. \par (معنى: اخلاص التوبه، و الفرق بين الانابه و التوبه) \par (و ايقن انه لا محيص له منك، و لا مهرب له عنك، تلقاك بالانابه، و اخلص لك التوبه) اليقين: العلم الذى لا شك فيه و قيل هو العلم الحاصل عن نظر و استدلال و لذلك لا يسمى علم الله تعالى يقينا، و المحيص: الملجا و المنجى، و قوله منك و عنك اى من امرك و عن امرك و المراد به الموت، و تلقاه: استقبله، و الانابه: الرجوع الى الله بالتوبه، و اخلص لله العمل: لم يراء فيه من خلص الماء من الكدر اذا صفا، و اخلاص التوبه: ان ياتى على طريقها و تسلم مما ينافيها، و ذلك ان يتوب عن القبائح لقبحها نادما عليها مغتما اشد الاغتمام لارتكابها عازما على انه لا يعود فى قبيح من القبائح موطنا نفسه على ذلك بحيث لا يلويه عنه صارف اصلا فاذا تاب كذلك فقد اخلص التوبه، و عن اميرالمومنين عليه السلام: ان التوبه يجمعها \par
008    12    سته اشياء: على الماضى من الذنوب: الندامه، و للفرائض: الاعاده، ورد المظالم، و استحلال الخصوم، و ان تعزم على ان لا تعود، و ان تذيب نفسك فى طاعه الله تعالى كما ربيتها فى المعصيه و ان تذيقها مراره الطاعه كما اذقتها حلاوه المعصيه، و فرق بعضهم بين الانابه و التوبه، فقال: الانابه ان يتوب العبد خوفا من عقوبته و التوبه ان يتوب حياء من كرمه فالاولى توبه انابه و الثانيه توبه استجابه. \par (فقام اليك بقلب طاهر نقى، ثم دعاك بصوت حائل خفى، المراد بطهاره القلب و نقاوته: نقاوته من الانجاس و الادناس الروحانيه: كالشرك و الجهل و سائر الاعتقادات و الاخلاق الذميمه و يندرج فى طهارته و نقاوته نقاء سائر الجوارح لانه رئيسها، و الصوت: كيفيه قائمه بالهواء يحملها الى الصماخ، و حال الشى ء يحول حولا اذا تغير عن طبعه و وصفه و مثله استحال، و خفى الشى ء من باب تعب خفاء: استتر فهو خفى، و انما وصف الصوت بالحيوله و الخفاء لما اعتراه من الخوف و الحياء فان الخائف و المستحى من شانه ان يتغير صوته و يخفى كلامه لضعف نفسه و انقباضها عن استعمال آلاته على جارى عادتها حتى ان بعضهم ينقطع صوته فلا يستطيع الكلام، \par
009    12    (الفرق بين الخوف و الخشيه، و فضل: يا ارحم الراحمين) \par قد تطاطالك فانحنى، و نكس راسه فانثنى، قد ارعشت خشيته رجليه، و غرقت دموعه خديه، يدعوك: بيا ارحم الراحمين) \par و قوله عليه السلام قد تطاطالك فانحنى و نكس راسه فانثنى، التطاطو، هو ان يذل و يخفض نفسه، و انحنى: انعطف، و نكس راسه من باب قتل و نكسه بالتثقيل: خفضه و انثنى: انعطف و كل ذلك كنايه عن تواضعه و خشوعه و ذله له تعالى، قوله عليه السلام: قد ارعشت خشيته رجليه، و غرقت دموعه خديه، رعش رعشا من باب تعب: اخذته الرعده و يتعدى بالهمزه فيقال ارعشه الله، و ارتعش: ارتعد، و الخشيه: الخوف، و قيل الخوف تالم النفس من توقع العقاب، و الخشيه: الحاله الحاصله عند الشعور بعظمه الحق و هيبته، و غرق الشى ء فى الماء غرقا من باب قعد رسب فيه فهو غرق و غارق ايضا و لما كان كثره الدموع تغطى و تستر الخدين كما يستر الماء الكثير الغريق عبر عن ذلك بالتغريق ايذانا بكثرتها و دوام ذرفانها و قوله عليه السلام: يدعوك بيا ارحم الراحمين، يا، حرف موضوع \par
009    12    لنداء البعيد حقيقه او حكما، و قد ينادى به القريب توكيدا، قال الزمخشرى و قول الداعى فى جواره يا رب! و يا الله! مع كونه اقرب اليه من حبل الوريد استقصار منه لنفسه و استبعاد لها من مظان الزلفى، \par و فى الحديث: ان لله ملكا موكل بمن يقول يا ارحم الراحمين فمن قالها ثلثا قال له الملك ان ارحم الراحمين قد اقبل عليك فسل، \par و قد مر رسول الله صلى الله عليه و آله برجل و هو يقول يا ارحم الراحمين فقال سل فقد نظر الله اليك. \par (معنى تفضيله تعالى على غيره من الرحمه و نحوها) \par (و يا ارحم من انتابه المسترحمون، و يا اعطف من اطاف به المستغفرون) انتابه انتيابا: اتاه مره بعد اخرى او غدا عليه و راح، و استرحمه: ساله الرحمه، و عطف عليه عطفا من باب ضرب: اشفق و تحنن و اطاف به: الم اى نزل به، و اطاف بالشى ء احاط به اى استدار بجوانبه، و الانتياب تمثيل لطلب المسترحمين منه الرحمه مره بعد اخرى كما ينتاب المحتاج الغنى و يغاديه و يراوحه فى طلب حاجته، و الاطافه بمعنى الالمام تمثيل لالتجاء المستغفرين كما ينزل طالب الحاجه بمن يومل عنده نيلها و بمعنى الاحاطه تمثيل لطلبهم المغفره منه من كل جهه كما يحيط المحتاجون بمن يقوم بهم، \par و تفضيله تعالى على غيره فى هذه الافعال من الرحمه و العطف و نحوهما انما هو بالنظر الى عاده الناس و ضعف عقولهم حيث يثبتون اصل تلك الافعال فى الجمله لغيره ايضا فينبهون على الرجوع اليه تعالى بانه اكمل فيها من غيره لان النفس الى الاكمل ارغب و الا فلا نسبه بين الخالق و المخلوق و لا بين فعله و فعلهم حتى يجرى فيه معنى التفضيل. \par (القاعده الكليه فى تشخيص الصفات الذاتيه من الصفات الفعليه) \par (و يا من عفوه اكثر من نقمته، و يا من رضاه او فر من سخطه) وفر المال من باب كرم و وعد وفرا وفورا: كثر و اتسع فهو وفر، اى يا من رضاه اكثر و اوسع، قيل و انما قدم ذكر العفو و النقمه على الرضا و السخط لانهما من صفات الافعال كالاحياء و الاماته، و الرضا \par
009    12    و السخط من صفات الذات، و صفات الافعال ادنى مرتبه فترقى منها الى الاعلى، و هذا لا يصح على مذهب الاماميه لان الرضا و السخط عندهم من صفات الافعال ايضا باجماع منهم لانهم قالوا كل شيئين متضادين وصفت الله تعالى بهما و هما فى الوجود فهما من صفات الفعل كالعفو و الانتقام و الرضا و السخط فانه يقال : عفا عمن تاب، و انتقم ممن اصر، و رضى عمن اطاعه، و سخط على من عصاه، فالرضا و السخط من صفات الفعل لا من صفات الذات لانه لا يجوز و صفه تعالى بصفات الذات و بضدها، فلا يجوز ان يقال: مثلا هو عالم و جاهل، و قادر و عاجز، و الحاصل ان كل صفه توجد فيه سبحانه دون نقيضها فهى من الصفات الذاتيه و كل صفه توجد فيه مع نقيضها فهى من الصفات الفعليه فلا يصح التوجيه المذكور على مذهبنا نعم قد يراد بالرضا العلم الازلى بالخيرات و بافاضتها فى اوقاتها فيكون من صفاته الذاتيه التى لا تفارق الذات فى مرتبتها، لكن هذا المعنى غير مراد هنا، بل المراد من الرضا: نفس الفعل الذى هو الاحسان و الاكرام لمقابلته بالسخط الذى من العقوبه و الانتقام فتعين كونه من صفات الفعل، \par و الصواب فى توجيه تقديم العفو فى الذكر على الرضا و ان كان كلاهما من صفات الفعل ان العفو ادنى رتبه من الرضا لان الرضا يستلزم العفو من غير عكس اذ قد يعفو السيد عن عبده و ليس عنه براض فكان ذكره العفو ثم الرضا من باب الترقى من الادنى الى الاعلى، قالوا: و معنى كون عفوه اكثر من نقمته، و رضاه اوفر من سخطه، ان تعلق ارادته بايصال الرحمه اكثر من تعلقها بايصال العقوبه فان الاول من مقتضيات صفته، و الغضب باعتبار المعصيه. كما قال تعالى: و ما اصابكم من مصيبه فبما كسبت ايديكم و يعفو عن كثير فالرحمه ذاتيه و الغضب عرضى فلو لا المعصيه و الكفر لم يكن غضب و لم يخلق جحيم كما دل عليه و قوله تعالى: و لا تطغوا فيه فيحل عليكم غضبى. \par
010    12    (معنى حسن التجاوز، و بعض الاخبار الوارده فى التوبه) \par (و يا من تحمد الى خلقه بحسن التجاوز، و يا من عود عباده قبول الانابه، و يا من \par
010    12    استصلح فاسدهم بالتوبه) تحمد هنا بمعنى استحمد و تفعل ترد بمعنى استفعل فى معنى الطلب نحو تنجزته اى استنجزته اذا طلبت نجازه، فتحمد الى خلقه و استحمد بمعنى طلب اليهم ان يحمدوه، كما قال تعالى: و قل الحمد لله و اشكر و الى و لا تكفرون و انما عداه بالى و الاصل ان يتعدى بنفسه لتضمينه معنى خطب، اى تحمدهم خاطبا اليهم حمده، و حسن التجاوز عباره عن الصفح الجميل، و عن على عليه السلام ان الصفح الجميل هو العفو من غير عتاب، و عوده كذا فاعتاده و تعوده اى صيره له عاده اى ديدنا يعود اليه، اى جعل لهم قبول الرجوع كلما رجعوا اليه عن ذنوبهم عاده، و فيه اشاره الى قوله تعالى: و من يعمل سوء او يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما و عن النبى صلى الله عليه و آله انه قال ان الله لا ينام و لا ينبغى له ان ينام باسط يده لمسى ء النهار ان يتوب بالليل و لمسى ء الليل ان يتوب بالنهار، و عن ابى جعفر عليه السلام: كلما عاد المومن بالاستغفار عاد الله عليه بالمغفره و ان الله غفور رحيم و يقبل التوبه و يعفو عن السيئات، و الاخبار فى هذا المعنى لا تكاد تحصى، و استصلح الشى ء: طلب صلاحه اى فتح لهم باب التوبه و شرعها لهم ليصلح ما افسدته الذنوب و المعاصى منهم و ذلك: ان الذنوب بمنزله المرض العارض فى النفس و التوبه بمثابه معالجتها حتى تصلح و تعود الى صحتها، و فى الحديث: لكل شى ء دواء و دواء الذنوب: الاستغفار و روى ابن عباس عن النبى صلى الله عليه و آله: قال لم ارشيئا احسن طلبا و لا اسرع ادراكا من حسنه حديثه لذنب قديم ان الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين قال بعض العلماء: سيئه العبد ظلمه و توبته حسنه و هى نور من انوار ايمانه و ادراك النور الظلمه اسرع شى ء كالصبح و الليل اذا حط عن الصبح نقابه، نصل من الليل خضابه كالليل يطلبه النهار بضوئه فظلامه بضيائه مطرود. \par (معنى حسن الجزاء) \par (و يا من رضى من فعلهم باليسير، و يا من كافى قليلهم بالكثير و يا من ضمن لهم اجابه \par
010    12    الدعاء و يا من وعدهم على نفسه بتفضله حسن الجزاء) رضى بالشى ء: قنع به و لم يطلب معه غيره و اليسير: القليل من يسر يسرا من باب قرب اى قل فهو يسير، و رضاه تعالى باليسير من فعل عباده عباره عن تكليفهم اقل مما هو فى طاقتهم و قدرتهم، و كافاه مكافاه و كفاء بالكسر و المد: جازاه و فى هذه الفقره اشاره الى قوله تعالى: للذين احسنوا الحسنى و زياده و قوله تعالى: ليوفيهم اجورهم و يزيدهم من فضله و نحو ذلك مما ورد به النص القاطع بمضاعفه الثواب و زياده الاجر، على ان اقل قليل منه اكثر من كثير العمل اذ لا نسبه بين المتناهى المنقطع و غير المتناهى الباقى لو لا فضل الله وسعه جوده و كرمه و الله غنى كريم، و ضمنت الشى ء من باب علم تكفلت به، و اجاب الله دعائه: قبله و استجاب له اى تكفل و التزم لهم قبول الدعاء و فيه اشاره الى قوله تعالى: ادعونى استجب لكم و قوله تعالى: و اذا سئلك عبادى عنى فانى قريب اجيب دعوه الداع اذا دعان و الوعد: هو الخبر عن ايصال نفع الى الغير و دفع ضرر عنه فى المستقبل سواء كان النفع مستحقا اولا، و عداه بعلى لتضمينه معنى الايجاب اى وعدهم موجبا على ذاته الشريفه ايجاب كرم و تفضل، و حسن الجزاء: هو حسن الثواب كما قال تعالى: و الله عنده حسن الثواب قيل هو ما لا يبلغه وصف واصف، و لا يدركه نعت ناعت مما لا عين رات و لا اذن سمعت و لا خطر على قلب بشر، و قيل حسنه فى دوامه و سلامته من كل شوب و من النقصان، الا ترى الى قوله تعالى: فاتيهم الله ثواب الدنيا و حسن ثواب الاخره كيف وصف ثواب الاخره بالحسن و لم يصف به ثواب الدنيا لا متزاجه بالمضار و كدر صفوه بالانقطاع و الزوال بخلاف ثواب الاخره، \par
011    12    (ما انا باعصى من عصاك فغفرت له، و ما انا بالوم من اعتذر اليك فقبلت منه، \par
011    12    و ما انا باظلم من تاب اليك فعدت عليه، الوم: افعل تفضيل من لامه يلومه لوما اى عذله، و هذا مما استعمل فيه اسم التفضيل لتفضيل المفعول على غيره و ان كان القياس كونه للفاعل لكنه قد سمع فى المفعول ايضا نحو اعذر و الوم: اى اكثر معذوريه و ملوميه، و اعتذر اليه: طلب قبول معذوريته و هى الحجه التى يطلب بها رفع اللوم عنه، \par
012    12    اتوب اليك فى مقامى هذا توبه نادم على ما فرط منه، مشفق مما اجتمع عليه، خالص الحياء مما وقع فيه \par و الندم: تمنى الانسان ان ما وقع منه لم يقع، و فرط منه كلام يفرط: من باب قتل: سبق و تقدم، و اشفقت من كذا: حذرت فانا مشفق، و قد تقدم تفسير الحياء و المراد بخالصه: كونه من الله تعالى لا من مطلع عليه غيره، \par
013    12    (تعريف الجنايه، و المراد بالجنايات الفاحشه) \par عالم بان العفو عن الذنب العظيم لا يتعاظمك، و ان التجاوز عن الاثم الجليل لا يستصعبك و ان احتمال الجنايات الفاحشه لا يتكادك) \par تعاظمه الامر: عظم عليه، و استصعب عليه الامر: صعب، و جنى جنايه: اذنب ذنبا يواخذ عليه، و عرفوا الجنايه بانها كل فعل محظور يتضمن ضرارا على النفس او غيرها، و غلب الجنايه فى السنه الفقهاء على الجرح و القطع و الجمع جنايات، و فحش الشى ء فحشا مثل قبح قبحا و زنا و معنى و فى اللغه من باب قتل: كل شى ء جاوز الحد فهو فاحش، و منه غبن فاحش اذا جاوز الزياده ما يعتاد مثله و كلا المعنين هنا محتمل اى الجنايات القبيحه و المجاوزه للحد، و تكائده الشى ء على تفاعله و تكاده على تفعله: صعب عليه و شق، \par (الاستكبار على الله: كنايه عن ترك سواله و الخشوع له) \par (و ان احب عبادك اليك من ترك الاستكبار عليك، و جانب الاصرار، و لازم الاستغفار) قال شيخنا البهائى فى شرح الاربعين: معنى محبه الله للعبد هو كشف الحجاب عن قلبه و تمكينه من ان يطا على بساط قربه، و قد سبق منا فى المحبه كلام شاف فليرجع اليه و تكبر و استكبر: اعتقد فى نفسه انها كبيره، و استكبر عليه و تكبر: راى انه اكبر منه، قال بعضهم: و الاستكبار على الله كنايه عن ترك سواله و الخشوع له و لا يراد \par
013    12    به حقيقته اذ لا يستكبر عليه احد من القائلين بوجوده عز و جل حقيقه، و على هذا فمعنى ترك الاستكبار عليه ان يعرف العبد قدر نفسه بالنسبه الى ربه و خالقه و رازقه و مدبره فيقيمها فى مقام طاعته و يبعدها عن مقام معصيته و يذكره فى جميع الحالات بقلب سليم ذليل منقادا راضيا بجميع ما فعله من البلاء و الالام فمن فعل ذلك فقد ترك الاستكبار على الله و تواضع له فكان احب عباده اليه. \par و عن ابى عبدالله عليه السلام قال: فيما اوحى الله تعالى الى داود عليه السلام: كما ان اقرب الناس الى الله المتواضعون كذلك ابعد الناس من الله المتكبرون، و جانب الشى ء مجانبه: باعده و تركه، و الاصرار: ملازمه الامر و المداومه عليه، و اشتهر استعماله فى الذنوب و المعاصى و قد تقدم الكلام عليه مبسوطا و لازمه ملازمه و لزمه ايضا: تعلق به، و لما كان الاستغفار هو طلب غفر الذنوب و سترها على العبد ان يفتضح بها و ذلك انما يكون بمحوها من لوح نفسه كان المستغفر المخلص التارك للاصرار الملازم للاستغفار ما حيا لخطاياه باستغفاره عن لوح نفسه و بذلك يكمل استعداده لمحبه الله تعالى و افاضه رحمته عليه فى الدنيا بانزال البركات و فى الاخره برفع الدرجات. \par
014    12    (السوى ء تانيث الا سو كالحسنى تانيث الاحسن) \par (و انا ابرء اليك من ان استكبر، و اعوذبك من ان اصر، و استغفرك لما قصرت فيه، و استعين بك على ما عجزت عنه، \par قال الزمخشرى فى الفائق برى ء من المرض و براء فهو بارى ء و معناه مزايله المرض اى مفارقته و التباعد منه، و منه برى ء من كذا برائه انتهى، و عداه بالى لتضمينه معنى الالتجاء اى ابرء ملتجاء اليك من الاستكبار، و اعوذبك اى اعتصم، و التقصير فى الامر: التوانى فيه، و عدم الاهتمام به، و عجز عن الشى ء عجزا من باب ضرب: ضعف عنه، \par
015    12    اللهم صل على محمد و آله، وهب لى ما يجب على لك و عافنى مما استوجبه منك، و اجرنى مما يخافه اهل الاسائه) \par و وهب له شيئا: اعطاه بلاعوض، ثم توسعوا فى الهبه فاستعملوها بمعنى المغفره، يقال اللهم هب لى ذنوبى اى اغفر هالى، و \par
015    12    وجب الحق يجب وجوبا: لزم و ثبت، و استوجب الشى ء: استحقه و عافاه الله: محى عنه الاسقام، و الغرض سوال عدم المواخذه بالحقوق التى تجب لله عليه و محو ما يستحقه هو من المواخذه على ما فرط منه، و اجاره مما يخاف: آمنه منه، و اهل الاسائه: الذين يعملون السيئات، و ما يخافونه: هى العقوبه التى هى اسوء العقوبات و افظعها و هى العقوبه بالنار كما قال تعالى: ثم كان عاقبه الذين اساوا السوى ء فان السوى ء تانيث الاسوء كالحسنى تانيث الاحسن، او مصدر كالبشرى وصف بها العقوبه مبالغه كانها نفس السوء و الله اعلم. \par (الفرق بين العفو و المغفره و التجاوز) \par (فانك ملى ء بالعفو، مرجو للمغفره، معروف بالتجاوز) الفاء للتعليل اى لانك ملى ء و الملى ء مهموز على فعيل: هو الغنى المقتدر، و الفرق بين العفو و المغفره: ان العفو: اسقاط العذاب، و المغفره ان يستر عليه بعد ذلك جرمه صونا له عن عذاب الخزى و الفضيحه فان الخلاص من عذاب النار انما يطيب اذا حصل عقيبه الخلاص من عذاب الفضيحه فالعفو: اسقاط العذاب الجسمانى، و المغفره اسقاط العذاب الروحانى، و التجاوز يعمهما، قال بعضهم: و لعل معنى التجاوز ان الله تعالى يطالب المذنب بالذنب و المذنب يطالبه بالعفو و المغفره الى ان يتمسك عند الخوف من عذابه برحمته فاذا غفر الرب فقد تجاوز عن المطالبه فصح معنى المفاعله فيه. \par (ليس لحاجتى مطلب سواك، و لا لذنبى غافر غيرك، حاشاك، المطلب يكون مصدرا و موضع الطلب و هو المراد هنا، و انما قصر عليه السلام موضع طلب حاجته عليه تعالى: لانها لم تكن حاجه فى امر دنيوى يمكن للمخلوقين قضائها فلم يكن لها محل سوال و طلب غيره تعالى، او لم ير غيره اهلا لها و ان كانت دنيويه، ثم قصر عليه السلام مغفره ذنبه عليه تعالى لاستحاله صدور مغفره الذنوب التى يستحق عليها العقاب من غيره، قال تعالى: و من يغفر الذنوب الا الله و قوله: حاشاك، اى سبحانك، فحاشا هنا اسم بمعنى التنزيه اى انزهك تنزيها لا يقابك عن ان يكون لذنبى غافر غيرك، و ليست بفعل و لا حرف، \par
016    12    و لا اخاف على نفسى الا اياك، انك اهل التقوى و اهل المغفره) \par ثم قصر الخوف على نفسه عليه سبحانه لغيبه كل مخوف عنه بمشاهدته عظمه الله و جلاله و عزه و قهره فلم يخف سواه: و اياك على المختار ضمير بارز منفصل مردف بحرف الخطاب، و الكلام اما على حذف مضاف اى لا اخاف على نفسى الا عذابك فحذف المضاف و اقام المضاف اليه مقامه كما قالوه فى قوله تعالى: يخافون ربهم اى عذابه. او هو من باب الترقى عن مقام مشاهده الافعال و الصفات الى ملاحظه الذات، و هى الاقبال على الله تعالى و توجيه وجه النفس الى قبله ذاته المقدسه مع قطع النظر عن الافعال و الصفات، و قوله عليه السلام: انك اهل التقوى و اهل المغفره، تعليل او تقرير لما سبق رجاء مغفرته لذنبه و الخوف منه على نفسه اى انك حقيق بان يتقى اى يخشى و جدير بان يغفر لمن آمن به و تاب اليه و هو اعتراف بكمال قدرته الجامعه لصفه القهر الذى بسببه يجب ان يتقى او صفه اللطف الذى بواسطته يحق ان يرجى. \par (الرب، لا يطلق على غيره تعالى الا مقيدا، و الفرق بين الطلبه و الحاجه) \par (صل على محمد و آل محمد و افض حاجتى و انجح طلبتى، و اغفر ذنبى و آمن خوفى، انك على كل شى ء قدير، و ذلك عليك يسير، آمين رب العالمين) لما ذكر اولا ان موضع طلب حاجته و مغفره ذنبه و امن خوفه على نفسه مقصور عليه تعالى، اردفه بسوال قضاء حاجته و غفران ذنبه و امن خوفه، و انجح حاجته انجاحا: قضاها له و اظفره بها، \par
016    12    و الطلبه بفتح الطاء المهمله و كسر اللام على وزن كلمه: ما يطلبه الانسان من غيره، و كان الحاجه اخص من الطلبه لانها من الحوج بالضم بمعنى الفقر فيكون المراد بها المطلوب الذى لابد منه و لا غناء به عنه كالفوز بالجنه و النجات من النار، و الطلبه اعم منها كرفع الدرجات و اضعاف المثوبات فيكون قوله: و انجح طلبتى تاسيسا لا تاكيدا، و الامن: سكون القلب و اطمينانه، امن يامن من باب تعب، و يعدى بالهمزه فيقال: آمنته، و اعلم ان الا من لا يكون للخوف بل للخائف لكن لما كان الخوف سببا موجبا لاضطراب الخائف نسب الامن اليه، و قوله عليه السلام: انك على كل شى ء قدير، و ذلك عليك يسير، تعليل بطريق التحقيق لاستدعاء قضاء حاجته و انجاح طلبته و غفران ذنبه و امن خوفه، و يسر الشى ء يسرا من باب قرب فهو يسير اى سهل و لم يشق، و قوله عليه السلام: آمين رب العالمين آمين اسم فعل مبنى على الفتح معناها: استجب، و حذف حرف النداء من رب العالمين، استغناء عنه لاستشعاره كون المنادى مقبلا عليه سامعا لما يقول، و الرب فى الاصل مصدر التربيه و هى تبليغ الشى ء الى كماله تدريجا وصف به الفاعل مبالغه كالعدل، و قيل صفه مشبهه من ربه يربه بعد جعله لازما بنقله الى فعل بالضم كما هو المشهور سمى به المالك لانه يحفظ ما يملكه و يربيه، و لا يطلق على غيره تعالى الا مقيدا كرب الدار و رب الدابه، و العالم اسم لما يعلم به كالخاتم و القالب غلب فيما يعلم به الصانع تعالى من المصنوعات اى فى القدر المشترك بين اجناسها و بين مجموعها فانه كما يطلق على كل جنس جنس منها فى قولهم عالم الافلاك، و عالم العناصر، و عالم النبات و عالم الحيوان الى غير ذلك يطلق ذلك على المجموع ايضا كما فى قولنا العالم بجميع اجزائه محدث، و ايثار صيغه الجمع لبيان شمول ربوبيته تعالى لجميع الاجناس، و انما جمع بالواو و النون مع اختصاص ذلك بصفات العقلاء و ما فى حكمها من الاعلام لدلالته على معنى العلم مع اعتبار تغليب العقلاء على غيرهم. \par
001    13    الدعاء الثالث عشر: من ادعيه الصحيفه السجاديه: و هو دعائه عليه السلام فى طلب الحوائج الى الله تعالى \par \par
002    13    (كونه تعالى: منتهى مطلب الحاجات، و تقريره على وجوه) \par (اللهم يا منتهى مطلب الحاجات، و يا من عنده نيل الطلبات) منتهى الامر: غايته و هو اقصى ما يمكن ان يبلغه فلا يتجاوزه، و المطلب يكون مصدرا و اسم موضع كما مر، \par و كونه تعالى: منتهى مطلب الحاجات، يمكن تقريره على وجوه: \par احدها- ما تقرر عند ارباب المعقول من ان كل موجود سوى الله عز و جل فهو ناقص من وجه و فيه قوه كما ان له كمالا و فعليه اذ كل ممكن فهو زوج تركيبى فكل موجود فهو لاجل شعوره بالوجود الناقص طالب للموجود المطلق الكامل الذى هو مطلوب و موثر بالذات اولا و بالذات، و لكل واسطه بينه و بين ذلك الوجود مما هو اعلى منه و اقرب الى ذلك الوجود ثانيا و بالعرض، لان الوصول اليه لا يمكن الا بوصوله اليها، اذ سلوك طريقه منحصر فى ذلك لما دريت ان الموجودات مترتبه فى الصدور بدءا و عودا، ما تقدم متقدم و لا تاخر متاخر الا بالحق، فكل موجود فهو طالب لما فوقه فاذا وصل اليه طلب ما هو اعلى منه، و هكذا الى ان يصل الى مطلوبه الحقيقى الذى لا اكمل منه و هو الله سبحانه، و عند ذلك يطمئن و يسكن شوقه و انزعاجه، و يشتد عشقه و ابتهاجه، فكان سبحانه منتهى مطلب الحاجات، \par الثانى- ما تقرر عند ارباب العرفان من كونه تعالى منتهى مقامات العارفين، و غايه اطوار السالكين، و افكار المتفكرين، فانهم لا يزالون يترقون من مقام الى مقام، و من رتبه الى رتبه حتى ينتهوا الى تلك الحضره بفنائهم عن ذواتهم و اندكاك جبال هوياتهم فيتلو لسان حالهم: و ان الى ربك المنتهى، \par
001    13    (كونه تعالى: منتهى مطلب الحاجات، و تقريره على وجوه) \par (اللهم يا منتهى مطلب الحاجات، و يا من عنده نيل الطلبات) منتهى الامر: غايته و هو اقصى ما يمكن ان يبلغه فلا يتجاوزه، و المطلب يكون مصدرا و اسم موضع كما مر، \par و كونه تعالى: منتهى مطلب الحاجات، يمكن تقريره على وجوه: \par احدها- ما تقرر عند ارباب المعقول من ان كل موجود سوى الله عز و جل فهو ناقص من وجه و فيه قوه كما ان له كمالا و فعليه اذ كل ممكن فهو زوج تركيبى فكل موجود فهو لاجل شعوره بالوجود الناقص طالب للموجود المطلق الكامل الذى هو مطلوب و موثر بالذات اولا و بالذات، و لكل واسطه بينه و بين ذلك الوجود مما هو اعلى منه و اقرب الى ذلك الوجود ثانيا و بالعرض، لان الوصول اليه لا يمكن الا بوصوله اليها، اذ سلوك طريقه منحصر فى ذلك لما دريت ان الموجودات مترتبه فى الصدور بدءا و عودا، ما تقدم متقدم و لا تاخر متاخر الا بالحق، فكل موجود فهو طالب لما فوقه فاذا وصل اليه طلب ما هو اعلى منه، و هكذا الى ان يصل الى مطلوبه الحقيقى الذى لا اكمل منه و هو الله سبحانه، و عند ذلك يطمئن و يسكن شوقه و انزعاجه، و يشتد عشقه و ابتهاجه، فكان سبحانه منتهى مطلب الحاجات، \par الثانى- ما تقرر عند ارباب العرفان من كونه تعالى منتهى مقامات العارفين، و غايه اطوار السالكين، و افكار المتفكرين، فانهم لا يزالون يترقون من مقام الى مقام، و من رتبه الى رتبه حتى ينتهوا الى تلك الحضره بفنائهم عن ذواتهم و اندكاك جبال هوياتهم فيتلو لسان حالهم: و ان الى ربك المنتهى، \par
002    13    الثالث- انه المنتهى اليه فى طلب الحاجات عند الياس من كل مطلوب اليه سواه فان الطالب اذا يئس من المخلوقين فى قضاء حاجته انتهى اليه تعالى فى طلبها، \par و عن اميرالمومنين عليه السلام: هو الذى يتاله اليه عند الحوائج و الشدائد كل مخلوق عند انقطاع الرجال من جميع من دونه، و تقطع الاسباب من كل من سواه، \par الرابع- ان كل مطلوب اليه حاجه سواه فلابد ان يكون له حاجه يطلبها من غيره الى ان ينتهى الطلب اليه تعالى، و هو الذى يطلب منه الكل، و يفتقر اليه، و هو الغنى الحميد، و عن اميرالمومنين عليه السلام: ان كل مترائس فى هذه الدنيا، و متعظم فيها و ان عظم غنائه و طغيانه و كثرت حوائج من دونه اليه فانهم سيحتاجون حوائج لا يقدر عليها هذا المتعاظم و كذلك هذا المتعاظم يحتاج حوائج لا يقدر عليها، فينقطع الى الله عند ضرورته و فاقته، و الحديث طويل اخذنا منه موضع الحاجه، و بالجمله فهو تعالى: غايه كل موجود و منتهى كل غايه و مقصود و مرجع كل مضطر و مطرود، لا مقصد فوقه، و لا مطلوب وراثه، و لا ملجا الا هو، و لا منجى منه الا اليه، و قوله عليه السلام: و يا من عنده نيل الطلبات، نال الشى ء يناله نيلا من باب تعب: اصابه و ادركه، و الطلبات جمع طلبه بفتح الطاء المهمله و كسر اللام و هى ما تطلبه من غيرك، و تقديم الظرف للحصر و الالف و اللام فى الطلبات لاستغراق الافراد، و نيل بعض الطلبات عند غيره لا يتحقق الا باذنه و توفيقه و اعانته فكان فى الحقيقه عنده، و صح الحصر. \par
001    13    الثالث- انه المنتهى اليه فى طلب الحاجات عند الياس من كل مطلوب اليه سواه فان الطالب اذا يئس من المخلوقين فى قضاء حاجته انتهى اليه تعالى فى طلبها، \par و عن اميرالمومنين عليه السلام: هو الذى يتاله اليه عند الحوائج و الشدائد كل مخلوق عند انقطاع الرجال من جميع من دونه، و تقطع الاسباب من كل من سواه، \par الرابع- ان كل مطلوب اليه حاجه سواه فلابد ان يكون له حاجه يطلبها من غيره الى ان ينتهى الطلب اليه تعالى، و هو الذى يطلب منه الكل، و يفتقر اليه، و هو الغنى الحميد، و عن اميرالمومنين عليه السلام: ان كل مترائس فى هذه الدنيا، و متعظم فيها و ان عظم غنائه و طغيانه و كثرت حوائج من دونه اليه فانهم سيحتاجون حوائج لا يقدر عليها هذا المتعاظم و كذلك هذا المتعاظم يحتاج حوائج لا يقدر عليها، فينقطع الى الله عند ضرورته و فاقته، و الحديث طويل اخذنا منه موضع الحاجه، و بالجمله فهو تعالى: غايه كل موجود و منتهى كل غايه و مقصود و مرجع كل مضطر و مطرود، لا مقصد فوقه، و لا مطلوب وراثه، و لا ملجا الا هو، و لا منجى منه الا اليه، و قوله عليه السلام: و يا من عنده نيل الطلبات، نال الشى ء يناله نيلا من باب تعب: اصابه و ادركه، و الطلبات جمع طلبه بفتح الطاء المهمله و كسر اللام و هى ما تطلبه من غيرك، و تقديم الظرف للحصر و الالف و اللام فى الطلبات لاستغراق الافراد، و نيل بعض الطلبات عند غيره لا يتحقق الا باذنه و توفيقه و اعانته فكان فى الحقيقه عنده، و صح الحصر. \par
003    13    (انه سبحانه لا يطلب على نعمه و احسانه عوضا بوجه من الوجوه) \par (بخلاف كل منعم سواه) \par (و يا من لا يبيع نعمه بالاثمان، و يا من لا يكدر عطاياه بالامتنان) البيع فى اللغه: مطلق المبادله و المعاطاه و هو اعطاء كل واحد من المتبايعين ما يريده من المال عوضا عما ياخذه من الاخر باتفاقهما على ذلك، و فى الشرع: مبادله المال المتقوم بالايجاب و القبول تمليكا و تملكا و المراد به هنا، المعنى اللغوى و الاثمان جمع ثمن محركه و هو العوض و الباء للمقابله نحو اشتريته بالف و هذا كنايه عن انه سبحانه لا يطلب على نعمه و احسانه عوضا بوجه من الوجوه بخلاف كل منعم سواه فانه طالب بنعمته عوضا، و هو اما الثواب الاجل، او \par
003    13    الثناء العاجل، و اما ازاله خسه المال و رذيله البخل الذى هو من اقبح الخصال و اشنع الرذائل كمن يفرق ما له فى الناس تكميلا لنفسه و تخليصا لها من تلك الرذيله، و الحاصل ان نعمه المخلوق و عطائه و احسانه ليس الا فى مقابله عوض بخلاف نعمه تعالى فانها محض تفضل و تطول. \par
004    13    (المراد بنفى تكديره تعالى عطاياه بالامتنان: نفى الامتنان..) \par و قوله عليه السلام: و يا من لا يكدر عطاياه بالامتنان، كدر الماء كدرا من باب تعب فهو كدر، و كدر كدوره و كدرا من باب صعب و قتل: زال صفائه، و يتعدى بالتضعيف فيقال كدرته تكديرا، و العطايا: جمع عطيه و هى ما تعطيه غيرك، و الامتنان: افتعال من المن و هو اظهار الاصطناع و اعتداد الصنايع كان تقول: الم اعطك كذا؟ الم احسن اليك؟ الم اعنك؟ و هو تقرير و تعيير يكدر المعروف و ينغصه فلهذا نهى الشارع عنه بقوله: لا تبطلوا صدقاتكم بالمن و الاذى و من هنا قيل: سيان من منح النائل و من، و من منع السائل و ضن، و المراد بنفى تكديره تعالى عطاياه بالامتنان: نفى الامتنان عنه راسا فهو من باب نفى الشى ء بنفى لازمه اى لا امتنان فلا تكدير، \par ثم لما كان الامتنان بالمعنى المذكور رذيله ناشئه عن دنائه النفس و صغر الهمه و استعظام النعمه و الاحسان كان تعالى منزها عن الامتنان لان كل نعمه من نعمه تعالى و ان عظمت، و كل عطيه من عطاياه و ان جلت بالنسبه الى العبد المعطى و المنعم عليه فهى حقيره بالنسبه الى عظمته جلت قدرته، و شانه تعالى اجل من ان يكون لها عنده موقع فيمن بها و يعتد بها على من اعطاه و انعم عليه، و قول بعض العلماء: ان المنه بالمعنى المذكور صفه مدح للحق سبحانه و ان كان صفه ذم للمخلوق ليس بشى ء، و عباره الدعاء تشهد ببطلانه. \par
006    13    (و يا من يستغنى به و لا يستغنى عنه، و يا من يرغب اليه و لا يرغب عنه، استغنيت بالشى ء: اكتفيت به، و رغب اليه: ابتهل و تضرع و سال، و رغب عنه: كرهه و لم يرده، و لما كان ازمه الامور كلها بيده تعالى فلا يقع منها شى ء الا بايجاده و اذنه، و كان كل من سواه مفتقرا اليه صح الاستغناء به تعالى عن غيره فى جميع الامور و كل الاحوال و استحال الاستغناء عنه فى شى ء منها و لما كان هو المرغوب اليه دون من عداه اذ كان هو المعطى المانع الضار النافع، لاجرم لم يكن من الرغبه اليه بد و لا للرغبه عنه مجال، \par
005    13    (و يا من يستغنى به و لا يستغنى عنه، و يا من يرغب اليه و لا يرغب عنه، استغنيت بالشى ء: اكتفيت به، و رغب اليه: ابتهل و تضرع و سال، و رغب عنه: كرهه و لم يرده، و لما كان ازمه الامور كلها بيده تعالى فلا يقع منها شى ء الا بايجاده و اذنه، و كان كل من سواه مفتقرا اليه صح الاستغناء به تعالى عن غيره فى جميع الامور و كل الاحوال و استحال الاستغناء عنه فى شى ء منها و لما كان هو المرغوب اليه دون من عداه اذ كان هو المعطى المانع الضار النافع، لاجرم لم يكن من الرغبه اليه بد و لا للرغبه عنه مجال، \par
007    13    (المراد بخزائنه تعالى: اما خزائن السموات و الارض...) \par (او المعقول من سماء جوده و..) \par و يا من \par
007    13    لا تفنى خزائنه الوسائل، و قوله عليه السلام: و يا من لا تفنى خزائنه الوسائل فنى المال يفنى من باب تعب فناء: نفد، و يتعدى بالهمزه فيقال: افنيته، و المراد بخزائنه تعالى: اما خزائن السموات و الارض اذا لكل منه و بيده، او المعقول من سماء جوده و ما تحويه قدرته من الخيرات الممكنه، و اسناد الافناء الى المسائل من باب اسناد الفعل الى السبب فهو مجاز عقلى، و انما لم تفن خزائنه المسائل لان مقدوراته تعالى غير متناهيه، و ما عنده لا يدخله نقص و لا فناء بل يدخلان الفانى المحدود، \par (ما قيل: فى معنى حكمته تعالى) \par و فى الحديث القدسى: يا عبادى: لو ان او لكم و آخركم و انسكم و جنكم قاموا فى صعيد واحد فسئلونى فاعطيت كل انسان مسئلته، ما نقص ذلك مما عندى شيئا الا كما ينقص المخيط اذا دخل البحر، اى لا ينقص شيئا، و انما ضرب المثل بالمخيط و البحر لانه و ان كان يرجع بشى ء قليل محسوس لكن لقلته بالنسبه الى اعظم المرئيات عيانا لا يرى و لا يعد شيئا فكانه لم ينقص منه شى ء، \par
008    13    و يا من لا تبدل حكمته الوسائل \par قوله عليه السلام: و يا من لا تبدل حكمته الوسائل، حكمته تعالى: قيل هى خلق ما فيه من منفعه العباد و رعايه مصالحهم فى الحال او فى المال، و قيل هى علمه تعالى بالاشياء على ما هى عليه و الاتيان بالافعال على ما ينبغى، و قيل هى اتقانه و احكامه فى علمه و فعله، و الوسائل جمع وسيله: و هى ما يتقرب به الى الشى ء من وسلت الى الله بالعمل اسل من باب وعد: رغبت و تقربت، و توسل الى ربه بوسيله: تقرب اليه بعمل، و المعنى ان حكمته تعالى اذا اقتضت وقوع امر اولا وقوعه فلا بد من تحقق ما اقتضته حكمته، و لا تغير ذلك: الوسائل من الاعمال التى يتوسل بها اليه كالدعاء و غيره، و الى هذا المعنى اشار من قال: ان العلماء بالله لا يتوسلون الى الله فى ان تبدل \par
008    13    لهم جريان احكامه بخلاف ما يكرهون و لا ليغير لهم سابق مشيته و مقتضى حكمته ، و لا ليحول عنهم سائر سنته التى قد خلت فى عباده من الابتلاء و الاختبار، \par فان قلت: قد ورد ان الدعاء و الصدقه يدفعان البلاء المقدر، \par قلت: دفع البلاء بالدعاء و الصدقه منوط بالحكمه الالهيه ايضا، و قد كانت الحكمه فى وقوعه مشروطه بعدم الدعاء و التصدق فلا منافاه، \par روى الحميرى فى قرب الاسناد عن جعفر عن ابيه قال قيل لرسول الله صلى الله عليه و آله يا رسول الله! رقى يستشفى بها هل ترد من قدر الله؟ فقال انها من قدر الله. \par
010    13    (و يا من لا تنقطع عنه حوائج المحتاجين، و يا من لا يعنيه دعاء الداعين، انقطع الشى ء: ذهب بعد ان كان، و انقطع كلامه: وقف، و انقطع الغيث: احتبس، اى لا تزال حوائج المحتاجين وارده عليه و مسوله من لديه لا تقف ابدا عن سواله، و لا تحتبس عن طلب نواله، و عنى يعنى من باب تعب اذا اصابته مشقه و يتعدى بالتضعيف فيقال: عناه يعنيه اذا كلفه ما يشق عليه و الاسم العناء بالفتح و المد، و المعنى ان دعاء الداعين على كثرتهم و كثره مطالبهم لا يشق عليه و لا يتعبه فيضجر من دعائهم و يتبرم من سوالهم فيوجب ذلك حرمانهم و تخييبهم او يعسر عليه انجاح مطالبهم، و اسعاف ماربهم لان المشقه و التعب من لواحق المزاج و البارى تعالى منزه عنه فيتنزه عن لواحقه، \par
009    13    (و يا من لا تنقطع عنه حوائج المحتاجين، و يا من لا يعنيه دعاء الداعين، انقطع الشى ء: ذهب بعد ان كان، و انقطع كلامه: وقف، و انقطع الغيث: احتبس، اى لا تزال حوائج المحتاجين وارده عليه و مسوله من لديه لا تقف ابدا عن سواله، و لا تحتبس عن طلب نواله، و عنى يعنى من باب تعب اذا اصابته مشقه و يتعدى بالتضعيف فيقال: عناه يعنيه اذا كلفه ما يشق عليه و الاسم العناء بالفتح و المد، و المعنى ان دعاء الداعين على كثرتهم و كثره مطالبهم لا يشق عليه و لا يتعبه فيضجر من دعائهم و يتبرم من سوالهم فيوجب ذلك حرمانهم و تخييبهم او يعسر عليه انجاح مطالبهم، و اسعاف ماربهم لان المشقه و التعب من لواحق المزاج و البارى تعالى منزه عنه فيتنزه عن لواحقه، \par
012    13    تمدحت بالغناء عن خلقك و انت اهل الغنى عنهم، و نسبتهم الى الفقر و هم اهل الفقر اليك \par قوله عليه السلام: تمدحت بالغناء، الى آخره، تمدح على تفعل: اظهر مدح نفسه، و الغناء بالفتح و المد: الكفايه، و بالكسر و القصر: عدم الحاجه، و فيه اشاره الى قوله تعالى: يا ايها الناس انتم الفقراء الى الله و الله هو الغنى الحميد و يجب ان يحمل الغنى هنا على ما هو اعم من الغنى المتعارف فيراد به سلب مطلق الحاجه كما يجب ان يراد بالفقر مطلق الحاجه اذ حقيقه الغناء هو استقلال الشى ء بذاته فى كل ما له من غير تعلق له بالغير اصلا و هو بهذا المعنى لا يكون الا الله تعالى، و حقيقه الفقر هو عدم استقلال الشى ء بذاته و تعلقه \par
011    13    تمدحت بالغناء عن خلقك و انت اهل الغنى عنهم، و نسبتهم الى الفقر و هم اهل الفقر اليك \par قوله عليه السلام: تمدحت بالغناء، الى آخره، تمدح على تفعل: اظهر مدح نفسه، و الغناء بالفتح و المد: الكفايه، و بالكسر و القصر: عدم الحاجه، و فيه اشاره الى قوله تعالى: يا ايها الناس انتم الفقراء الى الله و الله هو الغنى الحميد و يجب ان يحمل الغنى هنا على ما هو اعم من الغنى المتعارف فيراد به سلب مطلق الحاجه كما يجب ان يراد بالفقر مطلق الحاجه اذ حقيقه الغناء هو استقلال الشى ء بذاته فى كل ما له من غير تعلق له بالغير اصلا و هو بهذا المعنى لا يكون الا الله تعالى، و حقيقه الفقر هو عدم استقلال الشى ء بذاته و تعلقه \par
012    13    بالغير و لو فى شى ء ما، و هو بهذا المعنى صفه لكل ممكن فثبت انه تعالى غنى عن خلقه من كل الوجوه و تحقيق فقرهم اليه من كل وجه لما تقرر من ان فقيرا بالذات من وجه ما، فهو فقير بالذات من جميع الوجوه كما برهن عليه فى محله. \par
011    13    بالغير و لو فى شى ء ما، و هو بهذا المعنى صفه لكل ممكن فثبت انه تعالى غنى عن خلقه من كل الوجوه و تحقيق فقرهم اليه من كل وجه لما تقرر من ان فقيرا بالذات من وجه ما، فهو فقير بالذات من جميع الوجوه كما برهن عليه فى محله. \par
014    13    (من التمس الشى ء من غير محله، و اتاه من غير جهته لم يظفر) \par (الا بالحرمان..) \par (فمن حاول سد خلته من عندك، و رام صرف الفقر عن نفسه بك، فقد طلب حاجته فى مظانها، و اتى طلبته من وجهها، و من توجه بحاجته الى احد من خلقك او جعله سبب نجحها دونك فقد تعرض للحرمان، و استحق من عندك فوت الاحسان) الفاء للسببيه اى فبسبب ذلك من حاول، الى آخره، و حاول الشى ء حوالا و محاوله: رامه و طلبه، و قيل: المحاوله: طلب الشى ء بحيله، و سد الثلمه سدا: اصلحها و وثقها، و الخله بالفتح: الفقر و الحاجه و هى من الخلل بين الشيئين و هو الفرجه، و الثلمه اطلقت على الفقر و الحاجه لانه ثلمه فى حال الانسان، و مظان الشى ء جمع مظنه بكسر الظاء المعجمه، قال الجوهرى: مظنه الشى ء موضعه و مالفه الذى يظن كونه فيه و الجمع: المظان، و اتيت الشى ء من وجهه اى من جهته التى يوتى منها، و توجه الى الشى ء: اقبل بوجهه عليه، و تعرض له: تصدى، و منه: تعرضوا لنفحات الله تعالى، و الحرمان بالكسر: المنع من حرمته كذا احرمه من باب ضرب حرمه و حرمانا بالكسر فيهما اذا منعته اياه، \par و اعلم انه لما كان له تعالى خزائن السموات و الارض و كان امرها بيده لا معطى و لا مانع الا هو و قد امر بالدعاء و تكفل بالاجابه فقال: ادعونى استجب لكم و حث الخلق على ان يسئلوه ليعطيهم قال: و اسئلوا الله من فضله و كانت له القدره التامه التى لا يعجزها شى ء و كان له الجود الذى لا بخل فيه، و الغنى الذى لا فقر معه لا ينقصه عطاء و لا يعزه منع لا جرم كان من طلب اصلاح خلته، و جبر فاقته من عنده و رام صرف الفقر عن نفسه به طالبا لحاجته من موضعها الذى يعلم انها فيه و قصد ما طلبه من جهته التى يقصد منها فكان حريا بالنجح لما سئل و جديرا بالظفر بما طلب، و اما من توجه بحاجته \par
013    13    (من التمس الشى ء من غير محله، و اتاه من غير جهته لم يظفر) \par (الا بالحرمان..) \par (فمن حاول سد خلته من عندك، و رام صرف الفقر عن نفسه بك، فقد طلب حاجته فى مظانها، و اتى طلبته من وجهها، و من توجه بحاجته الى احد من خلقك او جعله سبب نجحها دونك فقد تعرض للحرمان، و استحق من عندك فوت الاحسان) الفاء للسببيه اى فبسبب ذلك من حاول، الى آخره، و حاول الشى ء حوالا و محاوله: رامه و طلبه، و قيل: المحاوله: طلب الشى ء بحيله، و سد الثلمه سدا: اصلحها و وثقها، و الخله بالفتح: الفقر و الحاجه و هى من الخلل بين الشيئين و هو الفرجه، و الثلمه اطلقت على الفقر و الحاجه لانه ثلمه فى حال الانسان، و مظان الشى ء جمع مظنه بكسر الظاء المعجمه، قال الجوهرى: مظنه الشى ء موضعه و مالفه الذى يظن كونه فيه و الجمع: المظان، و اتيت الشى ء من وجهه اى من جهته التى يوتى منها، و توجه الى الشى ء: اقبل بوجهه عليه، و تعرض له: تصدى، و منه: تعرضوا لنفحات الله تعالى، و الحرمان بالكسر: المنع من حرمته كذا احرمه من باب ضرب حرمه و حرمانا بالكسر فيهما اذا منعته اياه، \par و اعلم انه لما كان له تعالى خزائن السموات و الارض و كان امرها بيده لا معطى و لا مانع الا هو و قد امر بالدعاء و تكفل بالاجابه فقال: ادعونى استجب لكم و حث الخلق على ان يسئلوه ليعطيهم قال: و اسئلوا الله من فضله و كانت له القدره التامه التى لا يعجزها شى ء و كان له الجود الذى لا بخل فيه، و الغنى الذى لا فقر معه لا ينقصه عطاء و لا يعزه منع لا جرم كان من طلب اصلاح خلته، و جبر فاقته من عنده و رام صرف الفقر عن نفسه به طالبا لحاجته من موضعها الذى يعلم انها فيه و قصد ما طلبه من جهته التى يقصد منها فكان حريا بالنجح لما سئل و جديرا بالظفر بما طلب، و اما من توجه بحاجته \par
014    13    الى احد من المخلوقين و اناخ مطايا الرجاء و الطلب فى ساحه فقير عاجز مثله، او جعله سببا لنجاحها و الظفر بها معتمدا عليه دون الله تعالى فقد تصدى للمنع و فوت الاحسان منه تعالى اذ لم يات حاجته من الوجه الذى ينبغى ان ياتيها منه و لم يطلبها من محلها الذى هى فيه و من التمس الشى ء من غير محله ، و اتاه من غير جهته لم يظفر الا بالحرمان و لم يحصل الا على خيبه المطلب، و انما حكم عليه باستحقاق فوت الاحسان منه تعالى لعدم استعداده لنفحات الله بالتوجه الى غيره و اشتغال نفسه بذلك الغير، \par و قد ورد فى الحديث ما يدل على هذا المعنى صريحا: روى ثقه الاسلام فى الكافى باسناده عن الحسين بن علوان قال كنا فى مجلس يطلب فيه العلم و قد نفدت نفقتى فى بعض اسفارى فقال لى بعض اصحابنا من تومل لما قد نزل بك؟ فقلت فلانا، فقال اذن و الله لا يسعف حاجتك و لا يبلغك املك، و لا ينجح طلبتك، قلت و ما علمك رحمك الله؟ قال ان اباعبدالله عليه السلام حدثنى انه قرا فى بعض الكتب: ان الله تعالى يقول: و عزتى و جلالى و مجدى و ارتفاعى على عرشى لا فطعن امل كل مومل غيرى بالياس و لا كسونه ثوب المذله عند الناس و لا نحينه من قربى و لا بعد نه من فضلى ايومل غيرى فى الشدائد؟ و الشدائد بيدى و يرجو غيرى و يقرع بالفكر باب غيرى و بيدى مفاتيح الابواب و هى مغلقه و بابى مفتوح لمن دعانى فمن ذا الذى املنى لنوائبه فقطعته دونها؟ و من ذا الذى رجانى لعظيمه فقطعت رجائه منى؟ جعلت آمال عبادى عندى محفوظه فلم يرضوا بحفظى، و ملات سماواتى ممن لا يمل من تسبيحى و امرتهم ان لا يغلقوا الابواب بينى و بين عبادى فلم يثقوا بقولى، الم يعلم من طرقته نائبه من نوائبى انه لا يملك كشفها احد غيرى الا بعد اذنى؟ فمالى اراه لاهيا عنى اعطيته بجودى ما لم يسئلنى ثم انتزعته منه فلم يسئلنى رده و سال غيرى، افترانى ابدء، بالعطاء قبل المسئله ثم اسئل فلا اجيب سائلى؟ ابخيل انا فيبخلنى عبدى؟ او ليس الجود و الكرم لى؟ او ليس العفو و الرحمه بيدى؟ او ليس انا محل الامال فمن يقطعها دونى؟ افلا يخشى الموملون ان يوملوا غيرى؟ فلو ان اهل سمواتى و ارضى املوا جميعا ثم اعطيت كل واحد منهم مثل ما امل الجميع ما انتقص من ملكى مثل عضو ذره، و كيف ينقص ملك انا قيمه؟ فيا بوسا للقانطين من رحمتى، و يا بوسا لمن عصانى و لم يراقبنى، \par
013    13    الى احد من المخلوقين و اناخ مطايا الرجاء و الطلب فى ساحه فقير عاجز مثله، او جعله سببا لنجاحها و الظفر بها معتمدا عليه دون الله تعالى فقد تصدى للمنع و فوت الاحسان منه تعالى اذ لم يات حاجته من الوجه الذى ينبغى ان ياتيها منه و لم يطلبها من محلها الذى هى فيه و من التمس الشى ء من غير محله ، و اتاه من غير جهته لم يظفر الا بالحرمان و لم يحصل الا على خيبه المطلب، و انما حكم عليه باستحقاق فوت الاحسان منه تعالى لعدم استعداده لنفحات الله بالتوجه الى غيره و اشتغال نفسه بذلك الغير، \par و قد ورد فى الحديث ما يدل على هذا المعنى صريحا: روى ثقه الاسلام فى الكافى باسناده عن الحسين بن علوان قال كنا فى مجلس يطلب فيه العلم و قد نفدت نفقتى فى بعض اسفارى فقال لى بعض اصحابنا من تومل لما قد نزل بك؟ فقلت فلانا، فقال اذن و الله لا يسعف حاجتك و لا يبلغك املك، و لا ينجح طلبتك، قلت و ما علمك رحمك الله؟ قال ان اباعبدالله عليه السلام حدثنى انه قرا فى بعض الكتب: ان الله تعالى يقول: و عزتى و جلالى و مجدى و ارتفاعى على عرشى لا فطعن امل كل مومل غيرى بالياس و لا كسونه ثوب المذله عند الناس و لا نحينه من قربى و لا بعد نه من فضلى ايومل غيرى فى الشدائد؟ و الشدائد بيدى و يرجو غيرى و يقرع بالفكر باب غيرى و بيدى مفاتيح الابواب و هى مغلقه و بابى مفتوح لمن دعانى فمن ذا الذى املنى لنوائبه فقطعته دونها؟ و من ذا الذى رجانى لعظيمه فقطعت رجائه منى؟ جعلت آمال عبادى عندى محفوظه فلم يرضوا بحفظى، و ملات سماواتى ممن لا يمل من تسبيحى و امرتهم ان لا يغلقوا الابواب بينى و بين عبادى فلم يثقوا بقولى، الم يعلم من طرقته نائبه من نوائبى انه لا يملك كشفها احد غيرى الا بعد اذنى؟ فمالى اراه لاهيا عنى اعطيته بجودى ما لم يسئلنى ثم انتزعته منه فلم يسئلنى رده و سال غيرى، افترانى ابدء، بالعطاء قبل المسئله ثم اسئل فلا اجيب سائلى؟ ابخيل انا فيبخلنى عبدى؟ او ليس الجود و الكرم لى؟ او ليس العفو و الرحمه بيدى؟ او ليس انا محل الامال فمن يقطعها دونى؟ افلا يخشى الموملون ان يوملوا غيرى؟ فلو ان اهل سمواتى و ارضى املوا جميعا ثم اعطيت كل واحد منهم مثل ما امل الجميع ما انتقص من ملكى مثل عضو ذره، و كيف ينقص ملك انا قيمه؟ فيا بوسا للقانطين من رحمتى، و يا بوسا لمن عصانى و لم يراقبنى، \par
014    13    قال بعضهم: لا يقال: العالم عالم الاسباب فكيف يذم من رجع الى الغير لظنه انه سبب؟ لانا نقول: الذم باعتبار ان قلبه تعلق به و اعتمد عليه، و اما من لم يركن اليه و لم يثق به، و لم يعتمد عليه فالظاهر انه ليس بمذموم، و الاولى مع ذلك ان يرجع الى الله تعالى فان شاء الله ان يكون قضاء حاجته على يد احد جعله وسيله له شاء او لم يشا. \par
013    13    قال بعضهم: لا يقال: العالم عالم الاسباب فكيف يذم من رجع الى الغير لظنه انه سبب؟ لانا نقول: الذم باعتبار ان قلبه تعلق به و اعتمد عليه، و اما من لم يركن اليه و لم يثق به، و لم يعتمد عليه فالظاهر انه ليس بمذموم، و الاولى مع ذلك ان يرجع الى الله تعالى فان شاء الله ان يكون قضاء حاجته على يد احد جعله وسيله له شاء او لم يشا. \par
015    13    (الدعاء و الرغبه الى الله مع الاستعانه بمن يظن ان يكون سببا) \par (ليس منافيا للعصمه) \par (اللهم ولى اليك حاجه قد قصر عنها جهدى، و تقطعت دونها حيلى، و سولت لى نفسى رفعها الى من يرفع حوائجه اليك، و لا يستغنى فى طلباته عنك، و هى زله من زلل الخاطئين و عثره من عثرات المذنبين) قصر عن الشى ء من باب قعد قصورا و قصر عنه تقصيرا: عجز، و عليه الروايه فى الدعاء، و الجهد بالضم فى الحجاز و بالفتح فى غيرهم: الوسع و الطاقه، و قيل: المضموم: الطاقه، و المفتوح: المشقه، و الجهد بالفتح لا غير: النهايه و الغايه و هو مصدر من جهد فى الامر جهدا من باب نفع اذا طلب حتى بلغ غايته فى الطلب و بالوجهين و ردت الروايه فى الدعاء و هو يرجح القول الاول، و الحيل: جمع حيله و هى الحذق فى تدبير الامور: و هو تقليب الفكر حتى يهتدى الى المطلوب، و التسويل: تحسين الشى ء و تزيينه و تحبيبه الى الانسان ليفعله او يقوله، و قيل هو تقدير معنى فى النفس على الطمع فى تمامه، و الرفع فى الاجسام: حقيقه فى الحركه و الانتقال، و فى المعانى محمول على ما يقتضيه المقام: فرفع حاجته الى فلان: ذكرها له ليقضيها، و رفع اليه الحديث: اخبره به، و قس على ذلك، و الزله: الخطيئه، و العثره: السيئه و الخطيئه من عثر يعثر من باب قتل عثارا بالكسر اذا كبا و سقط لانها سقوط فى الاثم، \par فان قلت: كيف يجوز عليه صلوات الله عليه و هو امام معصوم ان تسول له نفسه رفع حاجته الى غير الله تعالى حتى اعترف بان ذلك زله من زلل الخاطئين و عثره من عثرات المذنبين؟ \par قلت: يمكن ان يكون قوله عليه السلام: و سولت لى نفسى من باب تعبيرهم بالفعل عن \par
015    13    مشارفته اى شارفت ان تسول لى لا ان التسويل وقع فهو كقوله تعالى، و ليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذريه ضعافا خافوا عليهم اى لو شارفوا ان يتركوا ليصح وقوع خافوا جزاء لانتفاء الخوف بعد الموت، و على هذا فلا يبعد ان يقال: انه عليه السلام لما عجز عن حاجته جهده، و تقطعت دونها حيلته شارفت نفسه ان تسول له التوسل فيها الى من يظن انه يساعفه و يقوم معه فى نجاحها فيضم الى دعاء الله و رغبته اليه و الاعتماد عليه الاستعانه بمن يظن ان يكون سببا لحصولها و ليس فى ذلك شى ء منهما منافيا للعصمه بل يكون كقول يوسف الصديق عليه السلام للذى ظن انه ناج منهما اذكرنى عند ربك فانه لو لم يكن من هذا القبيل لما جاز ان يقع منه هذا القول لانه نبى مرسل معصوم، \par فان قلت فكيف اعترف بانه زله من زلل الخاطئين و عثره من عثرات المذنبين؟ \par قلت هذا من باب عدهم الاشتغال بالمباحات ذنبا و اعتقادهم كونه خطيئه اذ كان فيه رائحه مما ينافى صدق الانقطاع اليه تعالى مع ما فى ذلك كمال الخضوع و الخشوع له تعالى و الاعتراف بالتقصير فى صدق التوكل عليه سبحانه، اذ كانوا عليهم السلام لا يخرجون انفسهم عن حد التقصير ابدا فى جميع الطاعات و العبادات، \par كما روى عن ابى الحسن موسى عليه السلام انه قال: لبعض ولده يا بنى عليك بالجد لا تخرجن نفسك من حد التقصير فى عباده الله و طاعته فان الله لا يعبد حق عبادته. \par
019    13    (ان للدعاء اركانا و اجنحه و اسبابا و اوقاتا.. فاركانه: اخلاص النيه و..) \par (ثم انتبهت بتذكيرك لى من غفلتى، و نهضت بتوفيقك من زلتى، و رجعت و نكصت بتسديدك عن عثرتى، و قلت: سبحان ربى كيف يسئل محتاج محتاجا؟ و انى يرغب معدم الى معدم؟ فقصدتك يا الهى! بالرغبه اليك، و اوفدت عليك رجائى بالثقه بك، و علمت ان كثير ما اسئلك يسير فى وجدك، و ان خطير ما استوهبك حقير فى وسعك، و ان كرمك لا يضيق عن سوال احد، و ان يدك بالعطايا اعلى من كل يد) الانتباه: القيام من النوم، و لما كانت الغفله هى غيبه الشى ء عن بال الانسان و عدم تذكره له، حاله شبيهه بالنوم فى \par
018    13    (ان للدعاء اركانا و اجنحه و اسبابا و اوقاتا.. فاركانه: اخلاص النيه و..) \par (ثم انتبهت بتذكيرك لى من غفلتى، و نهضت بتوفيقك من زلتى، و رجعت و نكصت بتسديدك عن عثرتى، و قلت: سبحان ربى كيف يسئل محتاج محتاجا؟ و انى يرغب معدم الى معدم؟ فقصدتك يا الهى! بالرغبه اليك، و اوفدت عليك رجائى بالثقه بك، و علمت ان كثير ما اسئلك يسير فى وجدك، و ان خطير ما استوهبك حقير فى وسعك، و ان كرمك لا يضيق عن سوال احد، و ان يدك بالعطايا اعلى من كل يد) الانتباه: القيام من النوم، و لما كانت الغفله هى غيبه الشى ء عن بال الانسان و عدم تذكره له، حاله شبيهه بالنوم فى \par
017    13    (ان للدعاء اركانا و اجنحه و اسبابا و اوقاتا.. فاركانه: اخلاص النيه و..) \par (ثم انتبهت بتذكيرك لى من غفلتى، و نهضت بتوفيقك من زلتى، و رجعت و نكصت بتسديدك عن عثرتى، و قلت: سبحان ربى كيف يسئل محتاج محتاجا؟ و انى يرغب معدم الى معدم؟ فقصدتك يا الهى! بالرغبه اليك، و اوفدت عليك رجائى بالثقه بك، و علمت ان كثير ما اسئلك يسير فى وجدك، و ان خطير ما استوهبك حقير فى وسعك، و ان كرمك لا يضيق عن سوال احد، و ان يدك بالعطايا اعلى من كل يد) الانتباه: القيام من النوم، و لما كانت الغفله هى غيبه الشى ء عن بال الانسان و عدم تذكره له، حاله شبيهه بالنوم فى \par
016    13    (ان للدعاء اركانا و اجنحه و اسبابا و اوقاتا.. فاركانه: اخلاص النيه و..) \par (ثم انتبهت بتذكيرك لى من غفلتى، و نهضت بتوفيقك من زلتى، و رجعت و نكصت بتسديدك عن عثرتى، و قلت: سبحان ربى كيف يسئل محتاج محتاجا؟ و انى يرغب معدم الى معدم؟ فقصدتك يا الهى! بالرغبه اليك، و اوفدت عليك رجائى بالثقه بك، و علمت ان كثير ما اسئلك يسير فى وجدك، و ان خطير ما استوهبك حقير فى وسعك، و ان كرمك لا يضيق عن سوال احد، و ان يدك بالعطايا اعلى من كل يد) الانتباه: القيام من النوم، و لما كانت الغفله هى غيبه الشى ء عن بال الانسان و عدم تذكره له، حاله شبيهه بالنوم فى \par
019    13    عدم تعقل الشى ء بالفعل عبر عن الخروج منها بالانتباه، و التذكير: اعاده ما قد استثبته القلب فانمحى عنه بنسيان او غفله، و نهض من مسقطه: استوى قائما، و النكوص: الاحجام عن الشى ء، نكص على عقبيه من بابى قعد و ضرب نكصا و نكوصا، و التسديد: تقويم اراده الانسان و حر كانه نحو الغرض المطلوب ليهجم اليه فى اسرع مده ماخوذ من تسديد السهم نحو الغرض و هو توجيهه اليه، و المراد بتذكيره تعالى له و توفيقه و تسديده: لطفه به، و الهامه القيام بما آتاه: من آداب الاوصياء، و اخلاق الاصفياء: من صدق الانقطاع اليه، و التوكل عليه و قوه اليقين به و اطمينان القلب بفضله فلم يلتفت الى غيره و لا الى نفسه، و سبحان ربى: تعجب من سوال المحتاج المحتاج و رغبه المعدم الى المعدم، و الاصل فى ذلك ان يسبح الله تعالى عند رويه العجيب من صنائعه تنزيها له اذ كانت له هذه القدره عن جميع النقائص ثم كثر حتى استعمل فى كل متعجب منه، و وفد على الملك و نحوه و فدا من باب وعد: قصده زائرا للاسترفاد و الانتجاع و يتعدى بالالف فيقال: اوفدته، و الوجد بالضم، و الكسر لغه بمعنى الجده و هى السعه فى المال، و الغنى، و القدره، \par فان قلت مقتضى قوله عليه السلام: لا يضيق عن سوال احد، انه ينجح مسائل كل سائل و يعطى مطالب كل طالب، و كم من داع دعا فلم يجب و كم من آمل امل شيئا فلم ينل ما احب؟ \par قلت اما الجود الالهى فحاشا ان يلم بساحته بخل او منع لضيق او نقص ولكنه مضبوط بنظام العدل و الحكمه، فقد يكون المنع من جهه السائل و عدم استعداده لعدم قيامه بشرائط الدعاء: فان للدعاء اركانا، و اجنحه، و اسبابا، و اوقاتا، فان وافق اركانه قوى و ان وافق اجنحته طار الى السماء و ان وافق مواقيته فاز، و ان وافقه اسبابه انجح: فاركانه: اخلاص النيه، و حضور القلب، و الاستكانه، و الخشوع، و تعلق القلب بالله، و قطعه عن الاسباب، و اجنحته: الصدق، و الالحاح، و حسن الظن بالله، و مواقيته: الاسحار، و ليله الجمعه، و يومها، و عند نزول القطر، و اسبابه: الصلوه على رسول الله و اهل بيته عليهم السلام و لابد من شرط هو الاصل وحده: تناول حل قلما تيسر، \par
018    13    عدم تعقل الشى ء بالفعل عبر عن الخروج منها بالانتباه، و التذكير: اعاده ما قد استثبته القلب فانمحى عنه بنسيان او غفله، و نهض من مسقطه: استوى قائما، و النكوص: الاحجام عن الشى ء، نكص على عقبيه من بابى قعد و ضرب نكصا و نكوصا، و التسديد: تقويم اراده الانسان و حر كانه نحو الغرض المطلوب ليهجم اليه فى اسرع مده ماخوذ من تسديد السهم نحو الغرض و هو توجيهه اليه، و المراد بتذكيره تعالى له و توفيقه و تسديده: لطفه به، و الهامه القيام بما آتاه: من آداب الاوصياء، و اخلاق الاصفياء: من صدق الانقطاع اليه، و التوكل عليه و قوه اليقين به و اطمينان القلب بفضله فلم يلتفت الى غيره و لا الى نفسه، و سبحان ربى: تعجب من سوال المحتاج المحتاج و رغبه المعدم الى المعدم، و الاصل فى ذلك ان يسبح الله تعالى عند رويه العجيب من صنائعه تنزيها له اذ كانت له هذه القدره عن جميع النقائص ثم كثر حتى استعمل فى كل متعجب منه، و وفد على الملك و نحوه و فدا من باب وعد: قصده زائرا للاسترفاد و الانتجاع و يتعدى بالالف فيقال: اوفدته، و الوجد بالضم، و الكسر لغه بمعنى الجده و هى السعه فى المال، و الغنى، و القدره، \par فان قلت مقتضى قوله عليه السلام: لا يضيق عن سوال احد، انه ينجح مسائل كل سائل و يعطى مطالب كل طالب، و كم من داع دعا فلم يجب و كم من آمل امل شيئا فلم ينل ما احب؟ \par قلت اما الجود الالهى فحاشا ان يلم بساحته بخل او منع لضيق او نقص ولكنه مضبوط بنظام العدل و الحكمه، فقد يكون المنع من جهه السائل و عدم استعداده لعدم قيامه بشرائط الدعاء: فان للدعاء اركانا، و اجنحه، و اسبابا، و اوقاتا، فان وافق اركانه قوى و ان وافق اجنحته طار الى السماء و ان وافق مواقيته فاز، و ان وافقه اسبابه انجح: فاركانه: اخلاص النيه، و حضور القلب، و الاستكانه، و الخشوع، و تعلق القلب بالله، و قطعه عن الاسباب، و اجنحته: الصدق، و الالحاح، و حسن الظن بالله، و مواقيته: الاسحار، و ليله الجمعه، و يومها، و عند نزول القطر، و اسبابه: الصلوه على رسول الله و اهل بيته عليهم السلام و لابد من شرط هو الاصل وحده: تناول حل قلما تيسر، \par
017    13    عدم تعقل الشى ء بالفعل عبر عن الخروج منها بالانتباه، و التذكير: اعاده ما قد استثبته القلب فانمحى عنه بنسيان او غفله، و نهض من مسقطه: استوى قائما، و النكوص: الاحجام عن الشى ء، نكص على عقبيه من بابى قعد و ضرب نكصا و نكوصا، و التسديد: تقويم اراده الانسان و حر كانه نحو الغرض المطلوب ليهجم اليه فى اسرع مده ماخوذ من تسديد السهم نحو الغرض و هو توجيهه اليه، و المراد بتذكيره تعالى له و توفيقه و تسديده: لطفه به، و الهامه القيام بما آتاه: من آداب الاوصياء، و اخلاق الاصفياء: من صدق الانقطاع اليه، و التوكل عليه و قوه اليقين به و اطمينان القلب بفضله فلم يلتفت الى غيره و لا الى نفسه، و سبحان ربى: تعجب من سوال المحتاج المحتاج و رغبه المعدم الى المعدم، و الاصل فى ذلك ان يسبح الله تعالى عند رويه العجيب من صنائعه تنزيها له اذ كانت له هذه القدره عن جميع النقائص ثم كثر حتى استعمل فى كل متعجب منه، و وفد على الملك و نحوه و فدا من باب وعد: قصده زائرا للاسترفاد و الانتجاع و يتعدى بالالف فيقال: اوفدته، و الوجد بالضم، و الكسر لغه بمعنى الجده و هى السعه فى المال، و الغنى، و القدره، \par فان قلت مقتضى قوله عليه السلام: لا يضيق عن سوال احد، انه ينجح مسائل كل سائل و يعطى مطالب كل طالب، و كم من داع دعا فلم يجب و كم من آمل امل شيئا فلم ينل ما احب؟ \par قلت اما الجود الالهى فحاشا ان يلم بساحته بخل او منع لضيق او نقص ولكنه مضبوط بنظام العدل و الحكمه، فقد يكون المنع من جهه السائل و عدم استعداده لعدم قيامه بشرائط الدعاء: فان للدعاء اركانا، و اجنحه، و اسبابا، و اوقاتا، فان وافق اركانه قوى و ان وافق اجنحته طار الى السماء و ان وافق مواقيته فاز، و ان وافقه اسبابه انجح: فاركانه: اخلاص النيه، و حضور القلب، و الاستكانه، و الخشوع، و تعلق القلب بالله، و قطعه عن الاسباب، و اجنحته: الصدق، و الالحاح، و حسن الظن بالله، و مواقيته: الاسحار، و ليله الجمعه، و يومها، و عند نزول القطر، و اسبابه: الصلوه على رسول الله و اهل بيته عليهم السلام و لابد من شرط هو الاصل وحده: تناول حل قلما تيسر، \par
016    13    عدم تعقل الشى ء بالفعل عبر عن الخروج منها بالانتباه، و التذكير: اعاده ما قد استثبته القلب فانمحى عنه بنسيان او غفله، و نهض من مسقطه: استوى قائما، و النكوص: الاحجام عن الشى ء، نكص على عقبيه من بابى قعد و ضرب نكصا و نكوصا، و التسديد: تقويم اراده الانسان و حر كانه نحو الغرض المطلوب ليهجم اليه فى اسرع مده ماخوذ من تسديد السهم نحو الغرض و هو توجيهه اليه، و المراد بتذكيره تعالى له و توفيقه و تسديده: لطفه به، و الهامه القيام بما آتاه: من آداب الاوصياء، و اخلاق الاصفياء: من صدق الانقطاع اليه، و التوكل عليه و قوه اليقين به و اطمينان القلب بفضله فلم يلتفت الى غيره و لا الى نفسه، و سبحان ربى: تعجب من سوال المحتاج المحتاج و رغبه المعدم الى المعدم، و الاصل فى ذلك ان يسبح الله تعالى عند رويه العجيب من صنائعه تنزيها له اذ كانت له هذه القدره عن جميع النقائص ثم كثر حتى استعمل فى كل متعجب منه، و وفد على الملك و نحوه و فدا من باب وعد: قصده زائرا للاسترفاد و الانتجاع و يتعدى بالالف فيقال: اوفدته، و الوجد بالضم، و الكسر لغه بمعنى الجده و هى السعه فى المال، و الغنى، و القدره، \par فان قلت مقتضى قوله عليه السلام: لا يضيق عن سوال احد، انه ينجح مسائل كل سائل و يعطى مطالب كل طالب، و كم من داع دعا فلم يجب و كم من آمل امل شيئا فلم ينل ما احب؟ \par قلت اما الجود الالهى فحاشا ان يلم بساحته بخل او منع لضيق او نقص ولكنه مضبوط بنظام العدل و الحكمه، فقد يكون المنع من جهه السائل و عدم استعداده لعدم قيامه بشرائط الدعاء: فان للدعاء اركانا، و اجنحه، و اسبابا، و اوقاتا، فان وافق اركانه قوى و ان وافق اجنحته طار الى السماء و ان وافق مواقيته فاز، و ان وافقه اسبابه انجح: فاركانه: اخلاص النيه، و حضور القلب، و الاستكانه، و الخشوع، و تعلق القلب بالله، و قطعه عن الاسباب، و اجنحته: الصدق، و الالحاح، و حسن الظن بالله، و مواقيته: الاسحار، و ليله الجمعه، و يومها، و عند نزول القطر، و اسبابه: الصلوه على رسول الله و اهل بيته عليهم السلام و لابد من شرط هو الاصل وحده: تناول حل قلما تيسر، \par
019    13    و قد يكون لمصلحه تقتضى ذلك، كما اشار اليه اميرالمومنين عليه السلام فى وصيته لابنه الحسن عليه السلام حيث قال: و لا يقنطنك ابطاء اجابته فان العطيه على قدر النيه، و ربما اخرت عنك الاجابه ليكون ذلك اعظم لاجر السائل، و اجزل العطاء الامل و ربما سئلت الشى ء فلا توتاه و اوتيت خيرا منه عاجلا او آجلا، او صرف عنك لما هو خير لك، فلرب امر قد طلبته فيه هلاك دينك لواتيته، انتهى، كيف عدد لتاخر الاجابه اسبابا ليلحظها السائل عند تاخرها فلا يقنطمن رحمته تعالى، و اعلويه اليد: مجاز عن اكثريه الجود. \par
018    13    و قد يكون لمصلحه تقتضى ذلك، كما اشار اليه اميرالمومنين عليه السلام فى وصيته لابنه الحسن عليه السلام حيث قال: و لا يقنطنك ابطاء اجابته فان العطيه على قدر النيه، و ربما اخرت عنك الاجابه ليكون ذلك اعظم لاجر السائل، و اجزل العطاء الامل و ربما سئلت الشى ء فلا توتاه و اوتيت خيرا منه عاجلا او آجلا، او صرف عنك لما هو خير لك، فلرب امر قد طلبته فيه هلاك دينك لواتيته، انتهى، كيف عدد لتاخر الاجابه اسبابا ليلحظها السائل عند تاخرها فلا يقنطمن رحمته تعالى، و اعلويه اليد: مجاز عن اكثريه الجود. \par
017    13    و قد يكون لمصلحه تقتضى ذلك، كما اشار اليه اميرالمومنين عليه السلام فى وصيته لابنه الحسن عليه السلام حيث قال: و لا يقنطنك ابطاء اجابته فان العطيه على قدر النيه، و ربما اخرت عنك الاجابه ليكون ذلك اعظم لاجر السائل، و اجزل العطاء الامل و ربما سئلت الشى ء فلا توتاه و اوتيت خيرا منه عاجلا او آجلا، او صرف عنك لما هو خير لك، فلرب امر قد طلبته فيه هلاك دينك لواتيته، انتهى، كيف عدد لتاخر الاجابه اسبابا ليلحظها السائل عند تاخرها فلا يقنطمن رحمته تعالى، و اعلويه اليد: مجاز عن اكثريه الجود. \par
016    13    و قد يكون لمصلحه تقتضى ذلك، كما اشار اليه اميرالمومنين عليه السلام فى وصيته لابنه الحسن عليه السلام حيث قال: و لا يقنطنك ابطاء اجابته فان العطيه على قدر النيه، و ربما اخرت عنك الاجابه ليكون ذلك اعظم لاجر السائل، و اجزل العطاء الامل و ربما سئلت الشى ء فلا توتاه و اوتيت خيرا منه عاجلا او آجلا، او صرف عنك لما هو خير لك، فلرب امر قد طلبته فيه هلاك دينك لواتيته، انتهى، كيف عدد لتاخر الاجابه اسبابا ليلحظها السائل عند تاخرها فلا يقنطمن رحمته تعالى، و اعلويه اليد: مجاز عن اكثريه الجود. \par
022    13    (معنى حسن التقدير، و المراد به هنا) \par (اللهم فصل على محمد و آله، و احملنى بكرمك على التفضل، و لا تحملنى بعد لك على الاستحقاق، فما انا باول راغب رغب اليك فاعطيته و هو يستحق المنع، و لا باول سائل سئلك فافضلت عليه و هو يستوجب الحرمان، اللهم صل على محمد و آله، و كن لدعائى مجيبا، و من ندائى قريبا، و لتضرعى راحما، و لصوتى سامعا، و لا تقطع رجائى عنك، و لا تبت سببى منك، و لا توجهنى فى حاجتى هذه و غيرها سواك، و تولنى بنجح طلبتى و قضاء حاجتى و نيل سولى قبل زوالى عن موقفى هذا بتيسيرك لى العسير و حسن تقديرك لى فى جميع الامور) حملته على الدابه: اركبته عليها، ثم استعمل فى المعانى فقيل حملته على الفعل اى اغريته به، و حملته على الفضل اى عاملته به كانه لم يكن قادرا على ذلك من نفسه فاقدرته عليه، و الغرض سواله تعالى ان يحمله بكرمه على ابتدائه بالفضل، و لا يحمله بعدله على استحقاقه بما عساه صدر عنه من ذنب فانه لا يستحق بمقتضى العدل الا الحرمان و المنع، و هذا من لطيف ما تعد به النفس لاستنزال الرحمه الالهيه، و البت: القطع، و تولاه: صار له وليا اى معينا قائما بامره كافلا بمصالحه، \par
021    13    (معنى حسن التقدير، و المراد به هنا) \par (اللهم فصل على محمد و آله، و احملنى بكرمك على التفضل، و لا تحملنى بعد لك على الاستحقاق، فما انا باول راغب رغب اليك فاعطيته و هو يستحق المنع، و لا باول سائل سئلك فافضلت عليه و هو يستوجب الحرمان، اللهم صل على محمد و آله، و كن لدعائى مجيبا، و من ندائى قريبا، و لتضرعى راحما، و لصوتى سامعا، و لا تقطع رجائى عنك، و لا تبت سببى منك، و لا توجهنى فى حاجتى هذه و غيرها سواك، و تولنى بنجح طلبتى و قضاء حاجتى و نيل سولى قبل زوالى عن موقفى هذا بتيسيرك لى العسير و حسن تقديرك لى فى جميع الامور) حملته على الدابه: اركبته عليها، ثم استعمل فى المعانى فقيل حملته على الفعل اى اغريته به، و حملته على الفضل اى عاملته به كانه لم يكن قادرا على ذلك من نفسه فاقدرته عليه، و الغرض سواله تعالى ان يحمله بكرمه على ابتدائه بالفضل، و لا يحمله بعدله على استحقاقه بما عساه صدر عنه من ذنب فانه لا يستحق بمقتضى العدل الا الحرمان و المنع، و هذا من لطيف ما تعد به النفس لاستنزال الرحمه الالهيه، و البت: القطع، و تولاه: صار له وليا اى معينا قائما بامره كافلا بمصالحه، \par
020    13    (معنى حسن التقدير، و المراد به هنا) \par (اللهم فصل على محمد و آله، و احملنى بكرمك على التفضل، و لا تحملنى بعد لك على الاستحقاق، فما انا باول راغب رغب اليك فاعطيته و هو يستحق المنع، و لا باول سائل سئلك فافضلت عليه و هو يستوجب الحرمان، اللهم صل على محمد و آله، و كن لدعائى مجيبا، و من ندائى قريبا، و لتضرعى راحما، و لصوتى سامعا، و لا تقطع رجائى عنك، و لا تبت سببى منك، و لا توجهنى فى حاجتى هذه و غيرها سواك، و تولنى بنجح طلبتى و قضاء حاجتى و نيل سولى قبل زوالى عن موقفى هذا بتيسيرك لى العسير و حسن تقديرك لى فى جميع الامور) حملته على الدابه: اركبته عليها، ثم استعمل فى المعانى فقيل حملته على الفعل اى اغريته به، و حملته على الفضل اى عاملته به كانه لم يكن قادرا على ذلك من نفسه فاقدرته عليه، و الغرض سواله تعالى ان يحمله بكرمه على ابتدائه بالفضل، و لا يحمله بعدله على استحقاقه بما عساه صدر عنه من ذنب فانه لا يستحق بمقتضى العدل الا الحرمان و المنع، و هذا من لطيف ما تعد به النفس لاستنزال الرحمه الالهيه، و البت: القطع، و تولاه: صار له وليا اى معينا قائما بامره كافلا بمصالحه، \par
023    13    و قوله عليه السلام: و تولنى بنجح طلبتى اى كن لى وليا اى معينا و قائما بامرى تنجح ما اطلبه منك، و قوله عليه السلام: و موقفى هذا اشاره الى مقامه بين يديه تعالى بهذا الدعا، و حسن التقدير فى جميع الامور: عباره عن ايجادها على وفق الحكمه و المصلحه بحيث لو زاد على ذلك المقدار او نقص عنه لاختلت مصلحه ذلك القدر و تغيرت منفعته، كذا قيل، و الظاهر ان المراد بحسن التقدير هنا ان يكون ما يقدره له حسنا نافعا من غير قبح و لا مضره اذ كان التقدير: تحديد كل \par
023    13    موجود بحده الذى يوجد فيه من حسن و قبح و نفع و ضر و غيرها. \par
024    13    (الواسع المطلق هو الله تعالى، لانه..) \par (و صل على محمد و آله، صلوه دائمه ناميه لا انقطاع لابدها و لا منتهى لا مدها، و اجعل ذلك عونا لى و سببا لنجاح طلبتى، انك واسع كريم) دام الشى ء يدوم دوما و دواما: ثبت و استمر و لم ينقطع، و نمى ينمى من باب رمى نماء بالفتح و المد: كثر و زاد، و الابد: الدهر، و قيل الدهر الطويل الذى ليس بمحدود، و قيل هو استمرار الوجود فى ازمنه مقدره غير متناهيه فى جانب المستقبل، و يقابله الازل و هو استمرار الوجود فى ازمنه مقدره فى جانب الماضى، و الامد: الغايه اى صلوه لا غايه لها تقف عندها، و العون: المعين، و الواسع من اسمائه تعالى هو الذى وسع غناه كل فقير، و رحمته كل شى ء. \par و قال بعضهم: الواسع مشتق من السعه و السعه تضاف تاره الى العلم اذا اتسع و احاط بالمعلومات الكثيره، و تضاف اخرى الى الاحسان و بسط النعم و كيفما قدر و على اى شى ء نزل فالواسع المطلق هو الله تعالى لانه ان نظر الى علمه فلا ساحل لبحره و لا جزر لمده، و ان نظر الى احسانه و نعمه فلا نهايه لها، و كل نعمه تكون من غيره و ان عظمت فهى متناهيه و الذى لا ينتهى فهو احق باسم السعه و لا اوسع من علم الحق و لا من رحمته فهو الواسع المطلق. \par
025    13    (اقرب ما يكون العبد من ربه و هو ساجد، و السر فى ذلك) \par (و من حاجتى يا رب «كذا و كذا و تذكر حاجتك ثم تسجد و تقول فى سجودك» فضلك آنسنى، و احسانك دلنى، فاسئلك بك و بمحمد و آله صلواتك عليهم، ان لا تردنى خائبا) من للتبعيض و لما كانت حاجه العبد الى الرب غير محصوره و لا متناهيه اتى بمن التبعيضيه ايذانا بان حاجته اليه تعالى غير مقصوره على هذا الحاجه بل هى بعض حاجته اليه، و كذا: كنايه عن اسم الحاجه، و قوله عليه السلام: و تذكر حاجتك اى تسميها لما ورد فى الحديث من انه تعالى يحب ان تبث اليه الحوائج روى ثقه الاسلام فى الكافى باسناده عن ابى عبدالله عليه السلام قال ان الله تبارك و تعالى يعلم ما يريد العبد من ربه اذا دعاه ولكنه يحب ان يبث عليه الحوائج فاذا دعوت فسم حاجتك، قوله عليه السلام، ثم تسجد.. الى آخره، ختم الدعاء بالسجود و الدعاء فيه لما ورد فى الحديث النبوى: اقرب ما يكون العبد من \par
025    13    ربه و هو ساجد، و روى ثقه الاسلام فى الكافى بسند صحيح عن ابى عبدالله عليه السلام قال اقرب ما يكون العبد من ربه اذا دعا ربه و هو ساجد، و عن عبدالله بن هلال قال شكوت الى ابى عبدالله عليه السلام تفرق اموالنا و ما دخل علينا، فقال عليك بالدعاء و انت ساجد فان اقرب ما يكون العبد الى الله و هو ساجد، \par و السر فى ذلك ان السجود هيئه تشعر بكمال الاتصاف بصفات الافتقار و الخشوع و الذله المستلزمه لاستنزال الرحمه فيكون العبد فى هذه الحاله اقرب الى رحمه الله منه فى غيرها من الحالات، و الايناس: خلاف الايحاش من الانس بالضم و هو سكون القلب و عدم تفرقه، و فضله و احسانه تعالى: عباره عن افاضه جوده و كرمه ابتداء من غير استحقاق، فاذا عرف العبد سعه رحمه ربه و فيضه و لطفه و رافته و احسانه و اجرائه نعمه عليه ظاهره و باطنه جليه و خفيه، ضروريه و غير ضروريه منذ كونه جنينا فى بطن امه بلا سبق استحقاق و لا تقدم استيهال كان ذلك موجبا لسكون نفسه اليه باعثا على رجائه دليلا له الى توقع قضاء حاجته منه و نجاح مطلوبه و استعافه بماموله، فلا جرم جعل ذلك سببا لسواله مقسما عليه و متوسلا اليه بذاته المقدسه و باكرم خلقه عليه ان لا يرده و لا يرجعه خائبا مما سئل غير ظافر بما طلب، و الله اعلم. \par
001    14    الدعاء الرابع عشر: من ادعيه الصحيفه السجاديه، و هو دعائه عليه السلام: اذا اعتدى عليه، او راى من الظالمين ما لا يحب \par \par
004    14    (معنى التظلم، و بعض الاخبار الوارده فى ذم الظلم) \par (يا من لا يخفى عليه انباء المتظلمين، و يا من لا يحتاج فى قصصهم الى شهادات الشاهدين و يا من قربت نصرته من المظلومين، و يا من بعد عونه عن الظالمين) الانباء جمع نبا محركه مهموزه كخبر و اخبار وزنا و معنى، قال الراغب فى المفردات: النبا خبر ذو فائده عظيمه يحصل به علم او غلبه ظن، و لا يقال للخبر نبا حتى يتضمن هذه الاشياء الثلاثه، و حق الخبر الذى يقال فيه نبا ان يتعرى عن الكذب كالمتواتر و خبر الله و خبر النبى، انتهى، و على هذا فاستعماله فى خبر المتظلمين لتعريه عن الكذب غالبا، و تظلم زيد من عمرو: شكا من ظلمه، و عبر عن علمه تعالى بقوله: لا يخفى عليه، ايذانا بان انباء المتظلمين و ان كان منها ما يخفى فان علمه سبحانه ليس من شانه ان يكون على وجه يمكن ان يقارنه شائبه خفاء بوجه من الوجوه كما فى علوم المخلوقين بل هو فى غايه الوضوح و الجلاء، و قصصت الخبر من باب قتل: حدثته على وجهه و الاسم القصص بفتحتين و اشتقاقه من قص اثره اذا تبعه لان من يقص الحديث يتبع ما حفظه منه شيئا فشيئا، و قيل: القصص بفتحتين فعل بمعنى مفعول كالنبا و الخبر، و قيل مصدر سمى به المفعول فهو بمعنى الخبر المقصوص، و الشهاده لغه: اسم من المشاهده و هى الاطلاع على الشى ء عيانا، و شرعا: الاخبار عن عيان بلفظ الشهاده فى مجلس الحكم، و انما لم يحتج تعالى الى شهاده الشاهدين لانه محيط بظواهر الامور و بواطنها، عالم بحقائقها و انما يحتاج الى الشهاده فى اثبات الدعوى من يخفى عليه جليه الامر فلا يعلم حقيقته من بطلانه، و النصره بالضم: اسم من نصره ينصره على عدوه نصرا من باب قتل: اذا اعانه و قواه عليه، و المراد بقرب النصره هنا: قرب حصولها للمظلومين كما قال تعالى: ان \par
003    14    (معنى التظلم، و بعض الاخبار الوارده فى ذم الظلم) \par (يا من لا يخفى عليه انباء المتظلمين، و يا من لا يحتاج فى قصصهم الى شهادات الشاهدين و يا من قربت نصرته من المظلومين، و يا من بعد عونه عن الظالمين) الانباء جمع نبا محركه مهموزه كخبر و اخبار وزنا و معنى، قال الراغب فى المفردات: النبا خبر ذو فائده عظيمه يحصل به علم او غلبه ظن، و لا يقال للخبر نبا حتى يتضمن هذه الاشياء الثلاثه، و حق الخبر الذى يقال فيه نبا ان يتعرى عن الكذب كالمتواتر و خبر الله و خبر النبى، انتهى، و على هذا فاستعماله فى خبر المتظلمين لتعريه عن الكذب غالبا، و تظلم زيد من عمرو: شكا من ظلمه، و عبر عن علمه تعالى بقوله: لا يخفى عليه، ايذانا بان انباء المتظلمين و ان كان منها ما يخفى فان علمه سبحانه ليس من شانه ان يكون على وجه يمكن ان يقارنه شائبه خفاء بوجه من الوجوه كما فى علوم المخلوقين بل هو فى غايه الوضوح و الجلاء، و قصصت الخبر من باب قتل: حدثته على وجهه و الاسم القصص بفتحتين و اشتقاقه من قص اثره اذا تبعه لان من يقص الحديث يتبع ما حفظه منه شيئا فشيئا، و قيل: القصص بفتحتين فعل بمعنى مفعول كالنبا و الخبر، و قيل مصدر سمى به المفعول فهو بمعنى الخبر المقصوص، و الشهاده لغه: اسم من المشاهده و هى الاطلاع على الشى ء عيانا، و شرعا: الاخبار عن عيان بلفظ الشهاده فى مجلس الحكم، و انما لم يحتج تعالى الى شهاده الشاهدين لانه محيط بظواهر الامور و بواطنها، عالم بحقائقها و انما يحتاج الى الشهاده فى اثبات الدعوى من يخفى عليه جليه الامر فلا يعلم حقيقته من بطلانه، و النصره بالضم: اسم من نصره ينصره على عدوه نصرا من باب قتل: اذا اعانه و قواه عليه، و المراد بقرب النصره هنا: قرب حصولها للمظلومين كما قال تعالى: ان \par
002    14    (معنى التظلم، و بعض الاخبار الوارده فى ذم الظلم) \par (يا من لا يخفى عليه انباء المتظلمين، و يا من لا يحتاج فى قصصهم الى شهادات الشاهدين و يا من قربت نصرته من المظلومين، و يا من بعد عونه عن الظالمين) الانباء جمع نبا محركه مهموزه كخبر و اخبار وزنا و معنى، قال الراغب فى المفردات: النبا خبر ذو فائده عظيمه يحصل به علم او غلبه ظن، و لا يقال للخبر نبا حتى يتضمن هذه الاشياء الثلاثه، و حق الخبر الذى يقال فيه نبا ان يتعرى عن الكذب كالمتواتر و خبر الله و خبر النبى، انتهى، و على هذا فاستعماله فى خبر المتظلمين لتعريه عن الكذب غالبا، و تظلم زيد من عمرو: شكا من ظلمه، و عبر عن علمه تعالى بقوله: لا يخفى عليه، ايذانا بان انباء المتظلمين و ان كان منها ما يخفى فان علمه سبحانه ليس من شانه ان يكون على وجه يمكن ان يقارنه شائبه خفاء بوجه من الوجوه كما فى علوم المخلوقين بل هو فى غايه الوضوح و الجلاء، و قصصت الخبر من باب قتل: حدثته على وجهه و الاسم القصص بفتحتين و اشتقاقه من قص اثره اذا تبعه لان من يقص الحديث يتبع ما حفظه منه شيئا فشيئا، و قيل: القصص بفتحتين فعل بمعنى مفعول كالنبا و الخبر، و قيل مصدر سمى به المفعول فهو بمعنى الخبر المقصوص، و الشهاده لغه: اسم من المشاهده و هى الاطلاع على الشى ء عيانا، و شرعا: الاخبار عن عيان بلفظ الشهاده فى مجلس الحكم، و انما لم يحتج تعالى الى شهاده الشاهدين لانه محيط بظواهر الامور و بواطنها، عالم بحقائقها و انما يحتاج الى الشهاده فى اثبات الدعوى من يخفى عليه جليه الامر فلا يعلم حقيقته من بطلانه، و النصره بالضم: اسم من نصره ينصره على عدوه نصرا من باب قتل: اذا اعانه و قواه عليه، و المراد بقرب النصره هنا: قرب حصولها للمظلومين كما قال تعالى: ان \par
001    14    (معنى التظلم، و بعض الاخبار الوارده فى ذم الظلم) \par (يا من لا يخفى عليه انباء المتظلمين، و يا من لا يحتاج فى قصصهم الى شهادات الشاهدين و يا من قربت نصرته من المظلومين، و يا من بعد عونه عن الظالمين) الانباء جمع نبا محركه مهموزه كخبر و اخبار وزنا و معنى، قال الراغب فى المفردات: النبا خبر ذو فائده عظيمه يحصل به علم او غلبه ظن، و لا يقال للخبر نبا حتى يتضمن هذه الاشياء الثلاثه، و حق الخبر الذى يقال فيه نبا ان يتعرى عن الكذب كالمتواتر و خبر الله و خبر النبى، انتهى، و على هذا فاستعماله فى خبر المتظلمين لتعريه عن الكذب غالبا، و تظلم زيد من عمرو: شكا من ظلمه، و عبر عن علمه تعالى بقوله: لا يخفى عليه، ايذانا بان انباء المتظلمين و ان كان منها ما يخفى فان علمه سبحانه ليس من شانه ان يكون على وجه يمكن ان يقارنه شائبه خفاء بوجه من الوجوه كما فى علوم المخلوقين بل هو فى غايه الوضوح و الجلاء، و قصصت الخبر من باب قتل: حدثته على وجهه و الاسم القصص بفتحتين و اشتقاقه من قص اثره اذا تبعه لان من يقص الحديث يتبع ما حفظه منه شيئا فشيئا، و قيل: القصص بفتحتين فعل بمعنى مفعول كالنبا و الخبر، و قيل مصدر سمى به المفعول فهو بمعنى الخبر المقصوص، و الشهاده لغه: اسم من المشاهده و هى الاطلاع على الشى ء عيانا، و شرعا: الاخبار عن عيان بلفظ الشهاده فى مجلس الحكم، و انما لم يحتج تعالى الى شهاده الشاهدين لانه محيط بظواهر الامور و بواطنها، عالم بحقائقها و انما يحتاج الى الشهاده فى اثبات الدعوى من يخفى عليه جليه الامر فلا يعلم حقيقته من بطلانه، و النصره بالضم: اسم من نصره ينصره على عدوه نصرا من باب قتل: اذا اعانه و قواه عليه، و المراد بقرب النصره هنا: قرب حصولها للمظلومين كما قال تعالى: ان \par
004    14    رحمه الله قريب من المحسنين و تبعيد العون عدم حصوله للظالمين، فانهم قد يعبرون بالعبد عن العدم فيقال: هذا الامر بعيد اى غير حاصل، و نظيره تعبيرهم بالقله عن العدم، يقال فلان قليل الخير اى لا يكاد يفعله، \par ففى الحديث عن ابى عبدالله عليه السلام قال: ان الله عز و جل اوحى الى نبى من الانبياء فى مملكه جبار ان ائت هذا الجبار فقل له انى لم استعملك على سفك الدماء، و اتخاذ الاموال و انما استعملتك على اصوات المظلومين فانى لم ادع ظلامتهم و ان كانوا كفارا، \par و عنه عليه السلام قال: كان ابى يقول: اتقوا الظلم فان دعوه المظلوم تصعد الى السماء، \par و عنه عليه السلام من عذر ظالما بظلمه سلط الله عليه من يظلمه و ان دعا لم يستحب له و لم ياجره الله على ظلامته، و الاخبار فى هذا المعنى كثيره. \par
003    14    رحمه الله قريب من المحسنين و تبعيد العون عدم حصوله للظالمين، فانهم قد يعبرون بالعبد عن العدم فيقال: هذا الامر بعيد اى غير حاصل، و نظيره تعبيرهم بالقله عن العدم، يقال فلان قليل الخير اى لا يكاد يفعله، \par ففى الحديث عن ابى عبدالله عليه السلام قال: ان الله عز و جل اوحى الى نبى من الانبياء فى مملكه جبار ان ائت هذا الجبار فقل له انى لم استعملك على سفك الدماء، و اتخاذ الاموال و انما استعملتك على اصوات المظلومين فانى لم ادع ظلامتهم و ان كانوا كفارا، \par و عنه عليه السلام قال: كان ابى يقول: اتقوا الظلم فان دعوه المظلوم تصعد الى السماء، \par و عنه عليه السلام من عذر ظالما بظلمه سلط الله عليه من يظلمه و ان دعا لم يستحب له و لم ياجره الله على ظلامته، و الاخبار فى هذا المعنى كثيره. \par
002    14    رحمه الله قريب من المحسنين و تبعيد العون عدم حصوله للظالمين، فانهم قد يعبرون بالعبد عن العدم فيقال: هذا الامر بعيد اى غير حاصل، و نظيره تعبيرهم بالقله عن العدم، يقال فلان قليل الخير اى لا يكاد يفعله، \par ففى الحديث عن ابى عبدالله عليه السلام قال: ان الله عز و جل اوحى الى نبى من الانبياء فى مملكه جبار ان ائت هذا الجبار فقل له انى لم استعملك على سفك الدماء، و اتخاذ الاموال و انما استعملتك على اصوات المظلومين فانى لم ادع ظلامتهم و ان كانوا كفارا، \par و عنه عليه السلام قال: كان ابى يقول: اتقوا الظلم فان دعوه المظلوم تصعد الى السماء، \par و عنه عليه السلام من عذر ظالما بظلمه سلط الله عليه من يظلمه و ان دعا لم يستحب له و لم ياجره الله على ظلامته، و الاخبار فى هذا المعنى كثيره. \par
001    14    رحمه الله قريب من المحسنين و تبعيد العون عدم حصوله للظالمين، فانهم قد يعبرون بالعبد عن العدم فيقال: هذا الامر بعيد اى غير حاصل، و نظيره تعبيرهم بالقله عن العدم، يقال فلان قليل الخير اى لا يكاد يفعله، \par ففى الحديث عن ابى عبدالله عليه السلام قال: ان الله عز و جل اوحى الى نبى من الانبياء فى مملكه جبار ان ائت هذا الجبار فقل له انى لم استعملك على سفك الدماء، و اتخاذ الاموال و انما استعملتك على اصوات المظلومين فانى لم ادع ظلامتهم و ان كانوا كفارا، \par و عنه عليه السلام قال: كان ابى يقول: اتقوا الظلم فان دعوه المظلوم تصعد الى السماء، \par و عنه عليه السلام من عذر ظالما بظلمه سلط الله عليه من يظلمه و ان دعا لم يستحب له و لم ياجره الله على ظلامته، و الاخبار فى هذا المعنى كثيره. \par
005    14    (كنايه فلان بن فلان، و معنى مفردات هذه الجملات) \par (قد علمت يا الهى! ما نالنى من فلان ابن فلان مما حظرت، و انتهكه منى مما حجزت عليه، بطرا فى نعمتك عنده، و اغترارا بنكيرك عليه، \par قد للتحقيق اى قد تحقق علمك و وقع بما نالنى، و ناله يناله نيلا: اصابه، و فلان بن فلان: كنايه عن نحو زيد بن عمرو، و حظره حظرا من باب قتل، منعه، و انتهك الرجل الحرمه: تناولها بما لا يحل، و الحجز و الحجر بالمعجمه و المهمله: كلاهما بمعنى المنع؟ و البطر محركه: الطغيان بالنعمه و التجبر، و سوء احتمال الغنى، و الاغترار بالشى ء: عدم الخوف منه، و ترك التحفظ منه، و النكير: فعيل بمعنى الانكار، تقول انكرت عليه فعله اذا نهيته عنه او عاقبته عليه، \par
006    14    اللهم فصل على محمد و آله، و خذ ظالمى و عدوى عن ظلمى بقوتك، و افلل حده عنى بقدرتك، و اجعل له شغلا فيما يليه، و عجزا عما يناويه) \par و خذه عن ظلمى \par
006    14    اى احبسه و امنعه، و فل حد السيف: ثلمه اى كسره، و وليه يليه بكسرتين وليا كفلس اى قرب منه، تقول جلست مما يليه اى يقاربه اى اجعل له شغلا فيما يقرب منه و يدانيه ليشتغل به عنى، فالضمير فى يليه راجع الى العدو، و العجز: عدم القدره عما من شانه ان يقدر، ناواه مناواه بالهمزه من قاتل اى عاداه، و يحتمل ان يكون معنى يناويه: يحاوله و يطلبه: نويت الشى ء اذا جديت فى طلبه. \par
007    14    اللهم و صل على محمد و آله، و لا تسوغ له ظلمى، و احسن عليه عونى، و اعصمنى من مثل افعاله، و لا تجعلنى فى مثل حاله، \par لا تسوغ له ظلمى اى لا تسهله و تيسره عليه، من ساغ الشراب و الطعام يسوغ سوغا من باب قال: سهل مدخله فى الحلق، و سوغته اى ابحته و جوزته، و احسن عونى، العون هنا اسم بمعنى المعونه اى اوقع معونتى عليه على الوجه الذى تقتضيه مصلحتى من الانتصار عليه و عدم التضرر بظلمه اذ الاحسان فى الفعل: ايقاعه على ما ينبغى، و عصمه يعصمه عصما من باب ضرب: منعه و وقاه، و اعتصمت بالله: امتنعت به، اى امنعنى وقنى بعدم الاعداد: الارتكاب مثل افعاله، و احسم عنى الاسباب التى اصير بها فى مثل حاله من ظلم العباد، \par
008    14    (لم جعل العدوى شفاء؟ و معنى لغات هذه الفقرات) \par اللهم صل على محمد و آله، و اعدنى عليه عدوى حاضره تكون من غيظى به شفاء، و من حنقى عليه وفاء، \par و تعاطى العدو ان و الفساد كيلا اكون من المنكرين للمنكر الفاعلين له، و اعداه عليه: نصره و اعانه، و العدوى بالفتح: النصره و المعونه، اى انصرنى عليه نصره حاضره اى حاصله الان غير غائبه انتظر حضورها و حصولها، و جمله تكون فى محل نصب صفه ثانيه للعدوى، و من فى قوله: من غيظى متعلقه بشفا، و قوله من حنقى متعلقه بوفاء اى تكون شفاء من غيظى به، و وفاء من حنقى عليه، و الغيظ: الغضب الشديد، و لا يكون الغيظ الا بوصول مكروه الى المغتاظ، و لما كان الغضب الكامن كالداء فاذا زال ما يطلبه \par الانسان من عدوه و زال غيظه به كان كانه برى ء من دائه فلذلك جعل العدوى شفاء، و الحنق محركه: الغيظ، و قيل شدته و الوفاء مصدر وفاه حقه اذا اعطاه اياه وافيا كاوفاه ايفاء اى تكون وفاء بحنقى من شده غيظى عليه \par
009    14    اللهم صل على محمد و آله، و عوضنى من ظلمه لى عفوك، و ابدلنى بسوء صنيعه بى رحمتك فكل مكروه جلل دون سخطك. و كل مرزئه سواء مع موجدتك، \par و عوضته تعويضا، اذا اعطيته بدل ما ذهب منه، اى اعطنى بدل ما ذهب منى بظلمه عفوك عنى، و اجعل رحمتك الى مكان سوء صنيعه بى، قال فى القاموس: صنع اليه معروفا كمنع صنعا بالضم و صنع قبيحا: فعله، و قال الجوهرى: الصنع بالضم مصدر قولك صنع اليه معروفا و صنع به صنيعا قبيحا اى فعل، انتهى و الفاء، من قوله: فكل مكروه للسببيه اى لان كل مكروه جلل دون سخطك، و الجلل محركه: الامر العظيم و الهين اليسير ضد، و المراد به هنا المعنى الثانى، اى كل مكروه هين غير سخطك او ما لم يتجاوز الى سخطك، و قد تقدم الكلام على تحقيق معنى دون فليرجع اليه و المرزئه بفتح الميم و كسر الزاى مهموزه: المصيبه، و سواء بالفتح و المد اى سهله من قولهم: ارض سواء اى مستويه يسهل سلوكها، و منه ارض الكوفه ارض سواء سهله معروفه، و الموجده بفتح الميم و كسر الجيم: الغضب، و جد عليه و جدا بالفتح و موجده اى غضب، و مع هنا لمجرد الاجتماع من غير ملاحظه الزمان و المكان اى كل مصيبه سهل، او عدمه و وجوده سواء لا يعبا به او هو هين حقير مع حصول غضبك، و فى نسخه مع مغفرتك، فالمعنى كل مصيبه هنيئه على مع حصول مغفرتك لى اى لا ابالى بالمصائب اذا غفرت لى، \par
010    14    اللهم فكما كرهت الى ان اظلم فقنى من ان اظلم \par و قوله عليه السلام: اللهم فكما كرهت الى ان اظلم فقنى من ان اظلم، اى كما بغضت الى ان يظلمنى احد فاحفظنى من ان اظلم احدا. \par
011    14    (الشكوى الى الله تعالى و الاستعانه دون احد من الخلق هو عين الصبر) \par (اللهم لا اشكو الى احد سواك، و لا استعين بحاكم غيرك، حاشاك، فصل على محمد و آله، و صل دعائى بالاجابه، و اقرن شكايتى بالتغيير) حصر عليه السلام شكواه اليه تعالى \par
011    14    و استغانته به: استنزالا لرحمته سبحانه بالالتجاء بمقام الصبر الذى هو ترك الشكوى الى الخلق و الاستعانه بهم، و دفعا لتوهم السامعين منافاه دعائه على ظالمه للصبر المحمود من مثله فان الشكوى الى الله تعالى و الاستعانه دون احد من الخلق هو عين الصبر على البلوى حتى ياذن الله بازاله الشكوى، و هذا كما حكى عن يعقوب عليه السلام حين قالوا له: تالله تفتئو تذكر يوسف حتى تكون حرضا او تكون من الهالكين، قال انما اشكو بثى و حزنى الى الله فانهم لما قالوا له عجبا من دعواك الصبر و انت لا تزال تذكر يوسف سرا و علانيه حتى تكون دنف الجسم مخبول العقل او تكون ميتا من الهالكين، قال هذا الحزن و الذكر لا ينافيان الصبر لانه ترك الشكوى الى الخلق و انا لا اشكو الى الخلق و انما اشكو بثى و حزنى الى الله ليزيل عنى الشكوى و يرحمنى، و قوله: حاشاك، اى سبحانك اى انزهك تنزيها لا يقائك عن ان استعين بحاكم غيرك، و وصل الشى ء بالشى ء وصلا من باب وعد: جعله متصلا به، و قرنه به قرنا من باب قتل بمعناه، و غيرت الشى ء تغييرا ازلته عما كان عليه فتغير هو، و المعنى و اجعل دعائى متصلا بالاجابه حتى لا تكون بينهما فتره، و اجعل شكايتى مقرونه بازالتها، و الغرض سوال تعجيل اجابه دعائه و سرعه ازاله شكايته. \par
012    14    (من اعظم ما توعد الله به الظالمين و تهددهم قوله تعالى..) \par (اللهم لا تفتنى بالقنوط من انصافك، و لا تفتنه بالامن من انكارك، فيصر على ظلمى، و يحاصرنى بحقى، و عرفه عما قليل ما اوعدت الظالمين، و عرفنى ما وعدت من اجابه المضطرين) الفتنه: المحنه و الابتلاء بخير او شر، قال تعالى: و نبلوكم بالشر و الخير فتنه و اصله من فتنت الذهب بالنار اذا احرقته ليعلم انه خالص او مشوب، و القنوط: الياس، و الانصاف: مصدر انصفت الرجل اذا عاملته بالعدل و القسط، و الاسم النصفه: بفتحتين، و الامن: عدم توقع مكروه فهو بمعنى الاطمينان، و الانكار هنا مصدر انكرت عليه فعله اذا زجرته عنه و عاقبته عليه، و المعنى لا تمتحنى بالياس من انصافك لى منه. و لا تمتحنه بعدم الخوف من عقوبتك و انتقامك. \par
012    14    و استشكل بعضهم ذلك بان عدم انصاف المظلوم من الظالم محال على الله تعالى فكيف يجوز الياس من انصافه سبحانه؟ \par و اجاب بحمله على الياس منه فى الدنيا، و قال آخر: القنوط من انصافه تعالى عباره عن طول مده الظلم و تماديه فكانه عليه السلام سال ان لا يبتليه بامتداد الظلم و تاخير الانتقام من ظالمه، \par و لا يخفى ان الاستشكال ساقط راسا لان القنوط من انصاف الله تعالى كفر و لا مانع من ان يدعو الانسان ربه ان لا يبتليه بالكفر، فان كان الاستشكال نظرا الى منصب الامامه و مقام الداعى عليه السلام المقطوع له بان الله لا يبتليه بذلك ابدا فغير ممتنع ان يدعو النبى او الامام عليهماالسلام بان يفعل الله به ما يعلم انه لابد من ان يفعله كقوله تعالى: و قال رب احكم بالحق و بان لا يفعل به ما يعلم انه واجب ان لا يفعله الله تعالى كقول ابراهيم عليه السلام: و لا تخزتى يوم يبعثون و ذلك كله على سبيل الانقطاع اليه تعالى و اظهار الفقر الى مسئله و الاستعانه على كل حال فلا اشكال اصلا، و اصر على فعله اصرارا: دوامه و لازمه اى فيدوم على ظلمى و يلازمه، و يحاصرنى من الحصر بمعنى التضيق و الحبس و منه محاصره العدو، و عرفه الامر تعريفا: اعلمه اياه، و معنى عرفه ما اوعدت الظالمين اى اذقه اياه، و انزله به ليعرفه و يعلمه يقينا، و عما قليل اى عن زمان قليل قصير. و ما، مزيده بين الجار و المجرور لتاكيد معنى القله، و قيل هى نكره موصوفه اى شى ء قليل، و اوعدت الظالمين اى تهددتهم به من العذاب و العقاب، و من اعظم ما توعد الله به الظالمين و تهددهم قوله تعالى: و سيعلم الذين ظلموا اى منقلب ينقلبون فانه تهديد شديد و وعيد اكيد لما فى سيعلم تهويل متعلقه، و فى الذين ظلموا من الاطلاق و التعميم، و فى اى منقلب ينقلبون من الابهام و التهويل، و وعده فى اجابه المضطرين اشاره الى قوله تعالى: ام من يجيب المضطر اذا \par
012    14    دعاه و يكشف السوء فانه تعالى لما انكر كون هذه الصفه و القدره لغيره كانه وعد المضطرين بانه المتكفل المتفرد باجابتهم. \par
013    14    (تنبيهان...) \par (اللهم صل على محمد و آله، و وفقنى لقبول ما قضيت لى و على، و رضنى بما اخذت لى و منى، و اهدنى للتى هى اقوم، و استعملنى بما هو اسلم) وفقنى اى اجعلنى موافقا غير مخالف لقبول ما حكمت و قدرت، و قبول الشى ء: الرضا به و محبته و الميل اليه، ولى و على، عباره عما يوثره و يكرهه يقولون هذا لك و هذا عليك فتستعمل اللام فيما يوثره و على فيما يكره قال الشاعر: فيوم علينا و يوم لنا، و يوم نساء و يوم نسر، و انما استعملت على فى ذلك لان الكلف و المشاق تخفض الانسان و تضعه فكانها تعلوه و تتفرعه اى وفقنى للرضا بما قضيته مما احبه و اكرهه، و رضنى اى اجعلنى راضيا بما اخذت لى من غيرى و اخذت منى مما لا احب اخذه منى حتى اكون راضيا بالقضاء فى السراء و الضراء و الاخذ و العطا، و هو سوال لمقام الرضا بالقضاء الذى هو راس الطاعه و ارفع مقامات السالكين. \par فعن على بن الحسين عليهماالسلام و هو صاحب الدعاء: الصبر و الرضا عن الله راس طاعه الله، \par و عن الصادق عليه السلام: راس طاعه الله الصبر و الرضا عن الله فيما احب العبد او كره، \par و عن على بن الحسين عليهماالسلام: الزهد عشره اجزاء اعلى درجه الزهد ادنى درجه الورع و اعلى درجه الورع ادنى درجه اليقين و اعلى درجه اليقين ادنى درجه الرضا، فاشار عليه السلام الى ان الرضا فوق الجميع و من ثم كان مقام الرضا فوق جميع مقامات السالكين. \par تنبيهان: \par الاول- اعلم ان رضا العبد و محبته لما يوثره و يحبه سهل لانه موافق لطبعه، و اما رضاه بما يكره فصعب لانه مخالف لطبعه و ميله الى شى ء و ضده مشكل، و من ثمه ذهب جماعه الى ان الرضا بما يستكرهه الطبع و يخالف هوى النفس كالمحن و المصائب غير ممكن و غايه ما يمكن عليه: الصبر عليه، \par
013    14    و اجيب بان الرضا ثمره المحبه الكامله و محبه العبد للرب اذا بلغت حد الكمال يمكن ان يرجح ارادته على اراده نفسه بل يمكن ان لا يرى لنفسه مرادا غير مراده تعالى لاستقراره فى بحر المحبه و لان فعل المحبوب مثله محبوب، او لانه لا يجد فى نفسه الم ما يكرهه لاستغراق قلبه فى محبته تعالى و غفلته عن نفسه فضلا عن الامور الموافقه او المخافقه لها كما ان المجاهد لتوغله فى الجهاد قد لا يجد الم الجراح، و بالجمله هو امر ممكن الا انه صعب نادر. \par الثانى- الرضا بالشى ء لا ينافى الدعاء لرفعه، خلافا لطائفه من المتصوفه المبتدعه حيث قالو: ان شرط الرضا ترك الدعاء لرفع البلاء و طلب النعماء لان طلب رفع امر و ارد منه تعالى و حصول غيره ينافى الرضا بما حكم به، و هولاء فى طرف الافراط، كما ان الجماعه الاولى فى طرف التفريط، \par و اجيب عنه اولا بالنقض و هو ان دعاء الانبياء و الاوصياء و حثهم عليه امر مشهور و فى الكتب السماويه و غيرها مسطور مذكور لا ينكره احد من اهل الاسلام، و ثانيا بالمنع لانا لا نسلم ان الطلب المذكور ينافى الرضا و انما المنافى له استكراه النفس للواردات من عند الله تعالى و الطلب لا يستلزم الاستكراه، و ثالثا بالحل و هو ان الدعاء عباده امر الله تعالى بها غير مره لتضمينها انكسار القلب و تواضعه و خشوعه، و مخالفه امر الله تعالى تنافى الرضا، قوله عليه السلام: و اهدنى للتى هى اقوم اى للحاله او الخصله او الطريقه او الحكمه التى هى اقوم الحالات او الخصال او الطرق او الحكم اى اعدلها و اكثرها استقامه من قام الامر و استقام بمعنى اعتدل و فى حذف الموصوف فخامه و بلاغه لا توجد مع الاثبات لما فى ابهام الموصوف بحذفه من التعميم و ذهاب الوهم كل مذهب و ذلك مفقود مع ايضاحه، و هو اقتباس من قوله تعالى: ان هذا القرآن يهدى للتى هى اقوم و قوله عليه السلام: و استعملنى بالذى هو اسلم اى اجعلنى عاملا بالعمل الذى هو اكثر الاعمال سلامه من الافات المبطله للعمل، و حذف الموصوف هنا ليس لقصد التعميم كما فى الفقره السابقه بل للايذان بالغنى عن التصريح به لغايه ظهوره لا سيما بعد ذكر الاستعمال. \par
014    14    (تاييد الله تعالى عبده: تقويه امره من داخل بالبصيره و من خارج..) \par (اللهم و ان كانت الخيره لى عندك فى تاخير الاخذ لى و ترك الانتقام ممن ظلمنى الى يوم الفصل و مجمع الخصم فصل على محمد و آله، و ايدنى منك بنيه صادقه و صبر دائم، \par الخيره بكسر الخاء و سكون الياء المثناه من تحت اسم من الاختيار كالفديه اسم من الاقتداء و بفتح الياء بمعنى الاختيار و قيل هى بالسكون اسم من خار الله ذلك اى اعطاك ما هو خير لك و بالفتح اسم من اختاره الله، و قيل هما بمعنى واحد اى ان كان الخير لى و الاختيار لى عندك اى فى حكمك، قال القيومى فى المصباح و تكون عند بمعنى الحكم يقال هذا عندى افضل من هذا اى فى حكمى، فى تاخير الاخذ لى اى استرجاع حقى منه او عقابه لاجلى، من اخذه الله بذنبه: عاقبه عليه، و ترك الانتقام اى اسقاط المعاقبه، و يوم الفصل: يوم القيمه لان الله تعالى يفصل فيه الحكم بين الخلائق، او لوقوع الفصل فيه بين اعمال الخير و اعمال الشر، و المجمع: محل الجمع او زمانه، و الخصم: المدعى على غيره حقا من الحقوق المنازع له فيه و يعبر به عن الواحد. و الاثنين و الجماعه بلفظ واحد لان اصله المصدر فيقال رجل خصم و رجلان خصم و رجال خصم، و فى لغه يطابق فى التثنيه و الجمع فيقال: خصمان و خصوم و قد ورد التنزيل باللغتين قال تعالى: و هل اتيك نبا الخصم اذ تسوروا المحراب اذ دخلوا على داود ففزع منهم قالوا لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض و المراد به فى الدعاء: الجماعه اى مجمع الخصوم، و التاييد: التقويه، و تاييد الله تعالى عبده: تقويه امره من داخل بالبصيره و من خارج بقوه البطش و الاول هو المطلوب هنا، و النيه بالتشديد اسم من من نواه ينويه اى قصده، و صادقه اى حسنه جميله و يعبر عن كل فعل فاضل ظاهرا و باطنا بالصدق لان الصدق فى الحديث مستحسن جيد فصاروا يستعملونه فى مطلق الجوده، و منه رجل صدق و لسان صدق، و الصبر: حبس النفس عن الجزع، و الدائم: الثابت من دام يدوم دوما و دواما: ثبت، اى و ايدنى بصبر ثابت على ظلمه لى فلا اجزع منه، \par
015    14    و اعذنى من سوء الرغبه و هلع اهل الحرص \par و قوله عليه السلام: و اعذنى من سوء الرغبه و هلع اهل الحرص، عاذ بالله: اعتصم و امتنع، و اعاذه الله: عصمه و منعه و ساء الشى ء و يسوء سوء بالضم: قبح، و الرغبه: السوال و الطلب، و قد تطلق الرغبه \par
015    14    على الشره و الحرص، و قيل سعه الامل و طلب الكثير، و الهلع بالتحريك: الحرص، و قيل الجزع و قله الصبر، و الحرص بالكسر: الاجتهاد فى الطلب و الرغبه المذمومه اى و افض على منك قوه باطنيه اقوى بها على الامتناع من قبيح الطلب و سيى ء الرغبه و السوال و شده الجزع و الضجر كما يفعله ارباب الحرص المجتهدون فى طلب الدنيا. \par (حكى الزمحشرى ان عامر.. مر برجل قد صلبه الحجاج فقال..) \par (و صور فى قلبى مثال ما ادخرت لى من ثوابك، و اعددت لخصمى من جزائك و عقابك، و اجعل ذلك سببا لقناعتى بما قضيت، و ثقتى بما تخيرت، \par صورت الشى ء: مثلت صورته و شكله، و المراد بالقلب هنا: العقل لانه محل التصور كثيرا ما يطلق عليه لغه و عرفا، و المثال بالكسر فى الاصل اسم من ماثله مماثله اذا شابهه ثم استعمل بمعنى الصوره و الشكل فقالوا هذا مثاله اى صورته و شكله، و ادخرت الشى ء على افتعلت اى ذخرته اذا اعددته لوقت الحاجه، و قنع بالشى ء من باب تعب قناعه: رضى به، و وثق به يثق بكسرهما ثقه و وثوقا: اعتمد على وفائه، و تخير الشى ء: اختاره، و المعنى: اجعل صوره ما اعددته الى وقت الحاجه اليه من ثوابك و جزائك على الصبر على مظلمتى، و هياته لظالمى من عقابك و انتقامك حاصله فى عقلى، و صير ذلك سببا لحصول رضاى بالذى قضيته و حكمت به لى و اعتمادى على ما اخترته لى من تاخير الاخذلى و ترك الانتقام ممن ظلمنى الى يوم الفصل و مجمع الخصم، \par حكى الزمخشرى فى ربيع الابرار ان عامر بن بهد له مر برجل قد صلبه الحجاج فقال يا رب حلمك عن الظالمين قد اضر بالمظلومين فراى فى منامه ان القيامه قد قامت و كانه قد دخل الجنه فراى المصلوب فيها فى اعلى عليين و اذا مناد ينادى: حلمى عن الظالمين احل المظلومين فى اعلى عليين، \par
016    14    آمين رب العالمين، انك ذو الفضل العظيم، و انت على كل شى ء قدير \par قوله عليه السلام: آمين اى افعل ذلك او استجب و اعطنا ما سالناك، و حذف حرف النداء من: رب العالمين، استشعارا لا قباله تعالى او لقربه منه اذ كان اقرب من حبل الوريد و قد اسلفنا الكلام على هذه العباره و قوله عليه السلام: \par
016    14    انك ذو الفضل العظيم، و انت على كل شى ء قدير، تعليل للدعاء و السوال، او لاعطاء المسول و مزيد استدعاء للاجابه، و لما كان كل خير منه تعالى و احسان فى الدين و الدنيا ابتداء منه و تفضلا من غير استحقاق من المحسن اليه صدق انه ذو الفضل العظيم و المن الجسيم، و قوله: و انت على كل شى ء قدير، تعليل لاعطاء المسئول فان اتصافه سبحانه بالقدره الذاتيه الشامله لجميع المقدورات بحيث لا يشذ عن ملكه شى ء من الاشياء يستدعى اندراج قدرته على اعطاء هذا المسئول و ابلاغ هذا المامول فى تلك الكليه فلا غر و ان اجاب و اعطى و اثاب و الله تعالى اعلم. \par
001    15    الدعاء الخامس عشر: من ادعيه الصحيفه السجاديه عليه آلاف الثناء و التحيه، و هو دعائه عليه السلام: اذا مرض، او نزل به كرب، او بليه \par \par
001    15    (معنى السلامه، لغه و اصطلاحا، و ان اولى بكذا يستعمل بمعنيين) \par (اللهم لك الحمد على ما لم ازل اتصرف فيه من سلامه بدنى، و لك الحمد على ما احدثت بى من عله فى جسدى، \par قدم الجار و المجرور الذى هو الخبر من قوله: لك الحمد، فى الموضعين للحصر اى لك الحمد وحدك من غير شريك اصلا و لا مدخل فيه لاحد، و لم ازل اى لم ابرح، و المراد بها ملازمه الشى ء و الحال الدائم و لذلك قيل هى لثبوت خبرها لاسمها على الاستمرار مذ قبله، و اتصرف اى اتقلب قال فى القاموس: صرفته فى الامر تصريفا فتصرف قلبته فتقلب، و من فى الموضعين بيانيه، و السلامه لغه: الخلوص من الافات، و اصطلاحا: هيئه يكون بها بدن الانسان فى مزاجه و تركيبه بحيث يصدر عنه الافعال كلها صحيحه فهى بهذا المعنى مرادفه للصحه، و حدث الشى ء حدوثا من باب قعد: تجدد وجوده بعد ان لم يكن فهو حادث و حديث، و منه يقال حدث فيه عيب اذا تجدد و كان معدوما و يتعدى بالالف فيقال: احدثته، و العله: عباره عن معنى يحل بالمحل فيتغير به حال المحل و منه سمى المرض عله لانه بحلوله يتغير حال الشخص من القوه الى الضعف، و البدن و الجسدهما مترادفان بمعنى جسم الانسان، \par
002    15    فما ادرى يا الهى! اى الحالين احق بالشكر لك، و اى الوقتين اولى بالحمد لك \par و درى دريا من باب رمى و درايه: علمه، و اى اسم استفهام و هو مبتداء و احق خبره، و اولى بكذا يستعمل بمعنيين: احدهما- اختصاصه بذلك من غير مشاركه نحو زيد احق او اولى بما له اى لا حق لغيره، و الثانى- ان يكون افعل تفضيل فيقتضى اشتراكه مع غيره و ترجيحه على غيره، كقولهم: زيد احسن وجها من فلان و معناه ثبوت الحسن لهما و ترجيحه للاول، و المعنى الثانى هو المراد هنا، و انما تردد عليه السلام فى ترجيح احد الحالين و وقتيهما على الاخر فى الشكر و الحمد لاقتضاء كل منهما شكره تعالى و حمده لما ترتب عليه من الرغائب و الفوائد كما شرحه عليه السلام بقوله: اوقت الصحه... \par
003    15    (قال بعض العلماء: تمحيص الذنوب بالمرض باعتبار امرين..) \par (اوقت الصحه التى هناتنى فيها طيبات رزقك، و نشطتنى بها لابتغاء مرضاتك و فضلك، و قويتنى معها على ما وفقتنى له من طاعتك، \par هنانى الطعام يهنئنى من باب نفع: ساغ ولذ، و هناه بالتثقيل: سوغه و طيبات الرزق، مستلذاته، و فسر قوله تعالى: كلوا من طيبات ما رزقناكم بالشهى اللذيذ، و قيل: المباح الحلال، و قيل المباح الذى يستلذ اكله، و الضمير المونث من قوله: فيها، يحتمل عوده الى الوقت لاكتسابه التانيث من المضاف اليه كقول الشاعر: طول اليالى اسرعت فى نقصى، و قول الاخر: و ما حب الديار شغفن، قلبى، و هو كثير فى فصيح الكلام، و يحتمل كونه للصحه، و نشط ينشط من باب تعب: خف و اسرع و طاب نفسه لعمله، و يتعدى بالثقيل فيقال، نشطته تنشيطا، و الباء من بها: اما للظرفيه او للسببيه او الاستعانه، و بغيت الشى ء ابغيه بغيا و ابتغيته ابتغاء: طلبته، و المرضاه: الرضوان كالمغفره بمعنى الغفران، و قويتنى معها اى مقارنا لها اى لوقت الصحه او للصحه، \par
004    15    ام وقت العله التى محصتنى بها، و النعم التى اتحفتنى بها \par و التمحيص: التخليص من الذنوب. \par و فى الحديث عن النبى صلى الله عليه و آله: ما من مسلم عرض له مرض الا حط الله به خطاياه كما تحط الشجره ورقها، \par و عن اميرالمومنين عليه السلام: ان المرض يحط السيئات و يحتها حت الاوراق، \par و عن ابى عبدالله عليه السلام حمى ليله كفاره لما قبلها و ما بعدها، \par و فى خبر: ما يزال الاوصاب و المصائب بالعبد حتى تتركه كالفضه المصفاه. \par و فى خبر آخر: ان المريض يخرج من مرضه نقيا من الذنوب كيوم ولدته امه و يتساقط عنه خطاياه كما يتساقط الورق من الشجر فى الخريف. \par قال بعض العلماء: تمحيص الذنوب بالمرض باعتبار امرين: احدهما- ان المريض تنكسر شهوته و غضبه اللذان هما مبدا للذنوب و المعاصى و مادتها، و الثانى- ان من شان المرض ان يرجع الانسان فيه الى ربه بالتوبه و الندم على المعصيه و العزم على ترك مثلها \par
004    15    كما قال تعالى: و اذا مس الانسان الضر دعانا لجنبه او قاعدا او قائما، الايه، فما كان من السيئات و الذنوب حالات غير متمكنه من جوهر النفس فانه يسرع زوالها منها، و ما صار ملكه فربما يزول على طول المرض و دوام الانابه الى الله تعالى، انتهى، و اتحفتنى بها اى بررتنى و اكرمتنى يقال اتحفه اذا وصله بتحفه بالضم و هى البر و اللطف، و اراد عليه السلام بالنعم: المثوبات و الاجور المترتبه على المرض المتسببه عنه. \par (فى كلام بعض السلف: ان فى العلل لنعما لا ينبغى للعقلاء ان يجحدوها..) \par و فى الحديث عن النبى صلى الله عليه و آله: ايكم يحب ان يصح فلا يسقم؟ قالوا كلنا يا رسول الله، قال: تحبون ان تكونوا كالحمير الصواله؟ الا تحبون ان تكونوا اصحاب بلايا و اصحاب كفارات؟ و الذى بعثنى بالحق ان الرجل ليكون له الدرجه فى الجنه فلا يبلغها بشى ء من عمله فيبتليه الله ليبلغ درجه لا يبلغها بعمله. \par و فى كلام بعض السلف: ان فى العلل لنعما لا ينبغى للعقلاء ان يجحدوها: منها تمحيص الذنوب، و التعرض لثواب الصبر، و اليقظه من الغفله، و ادكار النعمه فى حال الصحه و استدعاء التوبه و حثها على الصدقه. \par فان قلت: قد روى عن اميرالمومنين عليه السلام انه قال لبعض اصحابه فى عله اعتلها: جعل الله ما كان من شكواك حطا لسيئاتك فان المرض لا اجر فيه ولكنه يحط السيئات و يحتها حت الاوراق و انما الاجر فى القول باللسان، و العمل بالايدى و الاقدام، و ان الله يدخل بصدق النيه و السريره الصالحه من يشاء من عباده الجنه فان هذا الكلام منه عليه السلام نص على انه لا مثوبه و لا اجر فى المرض فكيف تترتب عليه المثوبات، و تتسبب عنه الاجور التى عبر عنها بالنعم؟ \par قلت ترتب المثوبات و الاجور عليه يكون باحتساب المشقه فيه لله تعالى بصدق نيه العبد مع صلاح سريرته، فان ذلك يكون معد الافاضه الاجر و الثواب عليه، و يدخل ذلك فى عداد الملكات المقرونه بنيه القربه الى الله تعالى، و الى هذا المعنى اشار عليه السلام بقوله: و ان \par
004    15    الله يدخل بصدق النيه و السريره الصالحه من يشاء من عباده الجنه، و قد تتسبب ايضا عنه باعتبار الصبر عليه و التضرع الى الله تعالى كما ورد فى حديث آخر و هو ما روى عن ابى عبدالله عليه السلام قال عاد اميرالمومنين عليه السلام سلمان الفارسى فقال يا اباعبدالله كيف اصبحت من علتك؟ فقال يا اميرالمومنين احمد الله كثيرا و اشكو اليك كثره الضجر، قال فلا تضجر يا اباعبدالله: فما من احد من شيعتنا يصيبه وجع الا بذنب قد سبق منه و ذلك الوجع تطهير له، قال سلمان فان كان الامر على ما ذكرت فليس لنا فى ذلك شى ء خلا التطهير، قال بلى يا سلمان لكم الاجر بالصبر عليه و التضرع الى الله عز اسمه و الدعاء بهما تكتب لكم الحسنات، و ترفع لكم الدرجات و ما الوجع خاصه فهو تطهير و كفاره، فقبل سلمان، بين عينيه و بكى و قال من كان يميز لنا هذه الاشياء لولاك؟ يا اميرالمومنين: فهذا الحديث صريح فى المطلوب. \par (ان الانسان لا يذكر العافيه و لا يعرف قدرها الا عند المرض) \par (تخفيفا لما ثقل به على ظهرى من الخطيئات، و تطهيرا لما انغمست فيه من السيئات، و تنبيها لتناول التوبه، و تذكيرا لمحو الحوبه بقديم النعمه) اى لاجل التخفيف فهو مفعول له، و اللام فى قوله عليه السلام: لما ثقل للتعليل اى تخفيفا عنى لاجل ما ثقل على ظهرى، و فى قوله: لما انغمست محتمله للتعليل ايضا اى تطهيرا لى لاجل ما انغمست فيه، و ان تكون بمعنى من اى تطهيرا مما انغمست فيه، و فى قوله: لتناول التوبه اما للتعليل ايضا اى تنبيها لاجل تناول التوبه، و اما بمعنى على، اى تنبيها على تناول التوبه، و فى قوله لمحو الحوبه للتعليل، و الحوبه بالفتح: الخطيئه، و الباء من قوله بقديم النعمه متعلقه بالتذكير اى تذكيرا بقديم النعمه لاجل محو الحوبه، و المراد بقديم النعمه: النعمه العافيه المتقدمه على المرض فان الانسان لا يذكر العافيه و لا يعرف قدرها الا عند المرض، كما ورد فى الحديث: نعمتان مجهولتان: الامن و العافيه، و لما كان جهل النعمه خطيئه و كفرا بها و كان ذكرها شكرا لها و ازالته للجهل بها كان التذكير بها سببا لمحو الحوبه التى هى عباره عن جهلها. \par
005    15    (الفكر: ترتيب امور معلومه فى الذهن لتودى الى مطلوب) \par (يكون علما او ظنا) \par (و فى خلال ذلك ما كتب لى الكاتبان من زكى الاعمال، ما لا قلب فكر فيه، و لا لسان نطق به، و لا جارحه تكلفته، بل افضالا منك على، و احسانا من صنيعك الى) الواو للحال، و الخلال جمع خلل بفتحتين مثل جبل و جبال و هو الفرجه بين الشيئين و يكون مفردا ايضا بمعنى بين يقال خلال ذلك اى بين ذلك اى و فى اثناء ما ذكر من العله و النعم التى اتحفتنى بها ما كتبه لى الكاتبان من زكى الاعمال اى طاهرها من زكا بمعنى طهر، و منه قوله تعالى: ما زكى منكم من احد اى ما طهر، و منه: نفسا زكيه اى طاهره لم تات ما يوجب قتلها، او صالح الاعمال من زكا الرجل يزكو اذا صلح و زكيه بالتثقيل نسبه الى الزكاه و هو الصلاح فهو زكى، و فكر فى الشى ء من باب ضرب و افكر بالالف و تفكر و فكر تفكيرا: اعمل فيه الفكر بالكسر و هو ترتيب امور معلومه فى الذهن لتودى الى مطلوب يكون علما او ظنا، و قيل: التفكر: تصرف القلب فى معانى الاشياء لدرك المطلوب، و بل حرف اضراب و معناه هنا: الانتقال من غرض الى آخر لا الابطال و هى حرف ابتداء لا عاطفه على الصحيح لكون متلوها جمله، و افضالا منصوب على المصدريه اى بل افضلت افضالا كائنا ابتداء منك على و احسنت احسانا كائنا من صنيعك الى. \par و قد ورد بمضمون هذه العباره من الدعاء احاديث كثيره: منها ما رواه ثقه الاسلام فى الكافى بسند صحيح عن ابى عبدالله عليه السلام قال ان رسول الله صلى الله عليه و آله رفع راسه الى السماء فتبسم فقيل له يا رسول الله رايناك رفعت راسك الى السماء فتبسمت، قال نعم عجبت لملكين هبطا من السماء الى الارض يلتمسان عبدا صالحا مومنا فى مصلى كان يصلى فيه ليكتبا له عمله فى يومه و ليلته فلم يجداه فى مصلاه فعرجا الى السماء فقالا ربنا عبدك فلان المومن التمسناه فى مصلاء لنكتب له عمله ليومه و ليلته فلم نصبه فوجدناه فى حبالك، فقال الله عز و جل اكتبا لعبدى مثل ما كان يعمله فى صحته من الخير فى يومه و ليلته مادام فى حبالى فان على \par
005    15    ان اكتب له اجر ما كان يعمله اذ حبسته عنه. \par و عنه عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه و آله يقول الله عز و جل للملك الموكل بالمومن اذ مرض اكتب له ما كنت تكتب له فى صحته، فانى انا الذى صيرته فى حبالى. \par و عنه عليه السلام: قال: اذا صعد ملكا العبد المريض الى السماء عند كل مساء يقول الرب تبارك و تعالى ماذا كتبتما لعبدى فى مرضه؟ فيقولان الشكايه فيقول ما انصفت عبدى ان حبسته فى حبس من حبسى ثم امنعه الشكايه اكتبا بعبدى مثل ما كنتما تكتبان له من الخير فى صحته و لا تكتبا عليه سيئه حتى اطلقه من حبسى فانه فى حبس من حبسى. \par
006    15    (طلب التيسير هنا يحتمل امرين: احدهما: افاضه قوه...) \par (اللهم فصل على محمد و آله و حبب الى ما رضيت لى، و يسر لى ما احللت بى، و طهرنى من دنس ما اسلفت، و امح عنى شر ما قدمت) الفاء فصيحه اى اذا كان الامر كذلك فصل على محمد و آله، و حبب الى اى اجعل ما رضيته لى و اخترته لى محبوبا عندى حتى اوثره على سواه و اميل اليه طبعا لما فيه من الفوائد المذكوره، و انما سئل ذلك عليه السلام لان المرض على خلاف هوى النفس، و محبه الانسان للعافيه و السلامه و كراهيته للمرض و البلاء بحسب الطبع، و العقل و ان حكم بترجيح المرض على الصحه لما فيه من الفائده لكن الحب الطبيعى النفسانى اشد من الحب العقلى فسئل عليه السلام ان يكون طبعه تابعا لعقله فى حبه فلا يكره بالطبع ما رضى الله تعالى و اختاره له، و يسر الشى ء تيسيرا: سهله، و احللته به انزلته، من حل بالمكان: نزل به. \par و طلب التيسير هنا يحتمل معنيين: \par احدهما- افاضه قوه عليه يستعد بها التحمل ما احله به من المرض بجميل الصبر و حسن الثبات فلا يضجر من مقدوره تعالى بل يرى ذلك هينا يسيرا فى جنب ما يتصوره من الفوائد المترتبه عليه. \par الثانى- افاضه قوه مزاجيه لا يتاثر معها مزاجه و بدنه مما احله به كثير تاثر بل \par
006    15    يقوى عليه و لا يضعف عنه كما يقوى القوى على الحمل الثقيل. \par و قوله عليه السلام: و طهرنى من دنس ما اسلفت، طهر الشى ء تطهيرا: نقاه من الدنس و النجس، و الدنس محركه: الوسخ و هو استعاره للمعاصى و الذنوب لان عرض المقترف بها يتلوث و يتدنس بها كما يتلوث بدنه بالاوساخ و التطهير ترشيح، و اسلفته: قدمته، من سلف سلوفا من باب قعد اذا مضى و تقدم، و محاه محوا من باب قتل: ازاله و اذهب اثره، و المراد بالشر هنا: القبيح اى قبيح ما قدمته من الاعمال. \par (العافيه متناوله لدفع المكروهات فى البدن و الباطن و الدين و الدنيا) \par (و اوجدنى حلاوه العافيه، و اذقنى برد السلامه، و اجعل مخرجى عن علتى الى عفوك، و متحولى عن صرعتى الى تجاوزك، و خلاصى من كربى الى روحك، و سلامتى من هذه الشده الى فرجك) او جده الله مطلوبه: اظفره به، و حلاوه العافيه اى راحتها و لذتها استعار لفظ الحلاوه التى هى حقيقه فى الكيفيه المخصوصه بالاجسام للراحه الحاصله من العافيه بجامع التلذذ و هى استعاره مطلقه، و العافيه اسم من عافاه الله: محا عنه الاسقام، و قد توضع موضع المصدر فيقال عافاه الله عافيه و هى مصدر جائت على فاعله و مثله: ناشئه الليل اى نشو الليل، و الخاتمه بمعنى الختم، قال النووى: العافيه متناوله لدفع جميع المكروهات فى البدن و الباطن و الدين و الدنيا و الاخره، و قال الطيبى: هى جامع لانواع خير الدارين، و الذوق: ادراك طعم الشى ء بواسطه الرطوبه المنبثه بالعصب المفروش على جرم اللسان يقال ذقت الطعام اذوقه ذوقا و ذوقانا و مذاقا: اذا عرفته بتلك الواسطه، و يتعدى الى ثان بالهمزه فيقال اذاقنى الطعام، و الاصل فيه ان يتعلق بالاجسام ثم استعمل فى المعانى مجازا استعمالا فاشيا، و برد السلامه: استعاره لطيبها و هناتها بجامع اللذه، و المخرج: مصدر ميمى يقال خرج من المكان خروجا و مخرجا و وجدت للامر مخرجا اى مخلصا، و المتحول: مصدر ميمى ايضا من تحول من مكانه بمعنى انتقل عنه، و الصرعه بالفتح: للمره من الصرع و هو الطرح على الارض و بالكسر للنوع منه، و قد \par
006    15    وردت الروايه فى الدعاء بالوجهين و المراد بها هنا: انطراحه و سقوطه على الارض بسبب المرض، و الخلاص مصدر خلص الشى ء من التلف خلاصا و خلوصا و مخلصا: سلم و نجا، و الكرب: المشقه و الغم، و الروح بالفتح: الراحه و الرحمه، و الفرج بفتحتين اسم من فرج الله الغم بالتشديد: كشفه. \par
007    15    (قال بعص ارباب القلوب: من تحقق باسمه الوهاب) \par (لم يجد فى باطنه حاجه الى مخلوق و لا..) \par (انك المتفضل بالاحسان، المتطول بالامتنان، الوهاب الكريم ذو الجلال و الاكرام) المتفضل: المبتدى بما لا يلزمه، من تفضل عليه، و افضل افضالا اذا فعل معه من الجميل ما لا يلزمه ابتداء، و كذلك تطول عليه، و لما كان الله تعالى مبتدئا بما لا يلزمه كان احسانه و امتنانه تفضلا و تطولا، و الامتنان افتعال من المنه و هى النعمه الثقيله، و الوهاب من ابنيه المبالغه من الهبه و هى العطيه الخالصه من الاغراض و الاعواض فاذا كثرت العطايا و الصلات سمى صاحبها وهابا و لم تتصور الهبه الخالصه الا من الله تعالى لانه وهب لكل محتاج ما يحتاج من غير عوض. \par قال بعض ارباب القلوب: من تحقق باسمه الوهاب لم يجد فى باطنه حاجه الى مخلوق و لا يخطر بباله سوال غير الله تعالى و لا يلقى بباطنه الا الله تعالى، و الكريم: الجواد المعطى الذى لا ينفد عطائه، و ذو الجلال و الاكرام اى ذو العظمه و التكريم، و قيل معناه ذو الاستغناء المطلق و الفضل التام، و قيل ذو العظمه و الكبرياء، و قيل معناه: انه اهل ان يعظم و ينزه عما لا يليق بصفاته، كما يقول الانسان لغيره: انا اجلك عن كذا و اكرمك عنه، كقوله تعالى: هو اهل التقوى: اى اهل ان يتقى، و بالجمله فهذه الصفه عظائم صفاته تعالى. \par فعنه صلى الله عليه و آله: الظوابيا ذا الجلال و الاكرام، اى اكثروا من قوله و ثابروا عليه. \par و عنه صلى الله عليه و آله مر برجل و هو يصلى و يقول يا ذا الجلال و الاكرام فقال قد استجيب لك. و قيل انه اسم الله الاعظم و الله اعلم. \par
007    15    انتهى الجزء الاول من (تلخيص الرياض) و يتلوه الجزء الثانى انشاء الله و يبدء بشرح الدعاء السادس عشر، و هو دعائه عليه السلام اذا استقال من ذنوبه او تضرع فى طلب العفو عن عيوبه. \par و قد وقع الفراغ فى ليله الجمعه خامس عشر شهر جمادى الثانيه من شهور السنه الاحدى و الثمانين بعد الثلاثمائه و الالف من الهجره النبويه على هاجرها آلاف الثناء و التحيه، و صلى الله على محمد و آله الطاهرين و الحمد لله رب العالمين فى كل وقت و حين. \par
001    16    الدعاء السادس عشر: \par من ادعيه الصحيفه السجاديه، و هو دعائه عليه السلام اذا استقال من ذنوبه، او تضرع فى طلب العفو عن عيوبه \par \par
001    16    بسم الله الرحمن الرحيم \par (معنى الاقاله، و عرف الذنب بانه ما يحجب العبد عن الله، و...) \par كان من دعائه عليه السلام اذا استقال من ذنوبه، او تضرع فى طلب العفو عن عيوبه، استقال اى سئل الاقاله و هى التجاوز عن الذنب، و اصلها من اقال عثرته اذا رفعه من سقوطه، و منه الاقاله فى البيع لانها رفع العقد، و اقاله العثره: استعاره للتجاوز عن الذنوب، و منه اقيلوا ذوى المروات عثراتهم، و الذنوب جمع ذنب و هو الاثم، و عرف بانه ما يحجب العبد عن الله، و تضرع: تذلل و ابتهل و بالغ فى السوال، من ضرع له يضرع بالفتح فيهما ضراعه اى ذل، و العفو: المحو، و عدى بعن لتضمينه معنى التجاوز، و العيوب جمع عيب و هو الوصمه و هو فى الاصل مصدر عابه يعيبه لكنه استعمل اسما فجمع على عيوب. \par (الفرق بين الخاطى و المخطى، و معنى قوله تعالى: ثم اذا مسكم الضر...) \par
001    16    اللهم يامن برحمته يستغيث المذنبون، \par قدم الجار و المجرور على الفعل فى المواضع الثلاثه لافاده القصر، و استغاث به: طلب اغاثته اى نصره و اعانته و كشف شدته، يقال: اغاثهم الله برحمته اى كشف شدتهم و خص الرحمه امالانها بمعنى ترك عقوبه من يستحقها فناسب استغاثه المذنبين بها، و اما بمعنى اراده ايصال الخير فهى متقدمه على المغفره و العفو فلا يغفر و لا يعفو حتى رحم، فاستغاثوا بها لترتب المغفره عليها، \par
002    16    و يامن الى ذكر احسانه يفزع المضطرون، \par و الذكر فى اللغه: التنبيه للشى ء، و اذا ذكرت شيئا فقد نبهت له، و من ذكرك شيئا فقد نبهك عليه، و احسانه تعالى: تفضله و تطوله، \par و فزع اليه يفزع من باب فرح: لجا اليه، و اعتصم به، قال فى المحكم: فزع الى القوم: استغاثهم، و المضطر مفتعل من الضروره و هو الذى اشتد ضره و بلغ منه كل مبلغ، و المعنى ان كل مضطر لايفزع و لا يلجا الا الى ذكر احسانه تعالى اليه يكشف ضره، كما قال سبحانه: ثم اذا مسكم الضر فاليه تجارون اى تتضرعون، و الجوار: رفع الصوت بالدعاء و الاستغاثه، \par
003    16    و يا من لخيفته ينتحب الخاطئون \par و الخيفه: الخوف، و الانتحاب: اشد البكاء يقال نحب نحبا من باب منع و انتحب انتحابا و الاسم النحيب، و الخاطئون: اصحاب الخطايا من خطى ء من باب علم اذا تعمد الذنب من الخطاء المقابل للصواب دون المقابل للعمد يقال خطى ء: اذا تعمد ما نهى عنه فهو خاطى ء، و اخطا اذا اراد الصواب فصار الى غيره فهو مخطى. \par
004    16    (يا انس كل مستوحش غريب، و يا فرج كل مكروب كئيب، و ياغوث كل مخذول فريد، و يا عضد كل محتاج طريد) \par انس يانس انسا من باب علم و فى لغه من باب ضرب اذا سكن قلبه و لم ينفر و الانس بالضم اسم منه، و استوحش: وجد الوحشه و هى خلاف الانس، و الغريب فعيل بمعنى فاعل من غرب الشخص بالضم غرابه: بعد عن وطنه، و الاسم الغربه بالضم، و الفرج بفتحتين: انكشاف الكرب و الهم من فرج الله الهم: كشفه، و رجل مكروب محزون مهموم، و كئب من باب تعب كابه بمد الهمزه: حزن اشد الحزن فهو كئيب، و الغوث اسم من اغاثه اذا اعانه و نصره، و خذله يخذله من باب قتل: ترك نصره و اعانته فهو مخذول و الاسم الخذلان بالكسر، و الفريد: المنفرد، و العضد: ما بين المرفق الى الكتف ثم استعير للمعين و الناصر، و فى التنزيل: و ما كنت متخذ المضلين عضدا و الطريد فعيل بمعنى مفعول من طرده طردا من باب قتل اذا ابعده. \par و هذه الاعتبارات الاربعه راجعه الى معنى واحد و هو كونه تعالى ملجا كل مضطر فى ضرورته: من وحشه، و غربه، و كابه، و كربه، و خذلان، و انفراد، و احتياج \par
004    16    و ابعاد، فالمستوحش الغريب اذا ضاق به الامر فزع اليه فى ايناس وحشته و غربته، و المكروب الكئيب اذا امضه الهم لجا اليه فى كشف كابته و كربته، و المخذول الفريد اذا بلغت منه الشده ضرع اليه فى نصرته و اعانته، و المحتاج الطريد اذا تناهت به الحال عول عليه فى كفايته و اعانته. \par و قد تفسر هذه الفقرات بمعنى هو من مشرب اهل التوحيد و العرفان اقرب: فيقال ان كل ما يتصور ان يانس به كل ذى وحشه و يفرج به كرب كل ذى كرب و يغاث به كل مخذول و يعضد به كل طريد انما هو لمعه من نور رحمته و رشحه من بحار لطفه و رافته اذ ليس فى الوجود الاذاته و صفاته و آثاره، فتحقق انه انس كل مستوحش، و فرج كل مكروب، و غوث كل مخذول، و عضد كل مطرود، و الله اعلم. \par
006    16    (معنى اتساع رحمته تعالى لكل شى ء) \par (انت الذى وسعت كل شى ء رحمه و علما، و انت الذى جعلت لكل مخلوق فى نعمك سهما) \par وسع الاناء المتاع بالكسر يسعه بالفتح اى اتسع له، \par قال الزمخشرى: فان قلت: تعالى الله عن المكان فكيف صح ان يقال وسع كل شى ء؟ \par قلت: الرحمه و العلم هما اللذان وسعا كلشى ء فى المعنى، و الاصل: وسع كل شى ء رحمتك و علمك و لكن ازيل الكلام عن اصله بان اسند الفعل الى صاحب الرحمه و العلم و اخرجا منصوبين على التمييز للاغراق فى وصفه بالرحمه و العلم كان ذاته رحمه و علم واسعان كلشى ء، انتهى. \par و المعنى انه لا اختصاص لرحمتك بشى ء دون شى ء بل شملت جميع الاشياء و لا يختص علمك بمعلوم دون آخر بل انت عالم بكل معلوم، و تقديم الرحمه لانها المقصوده بالذات هاهنا كما فى آيه المومن المقتبس منها و هى قوله تعالى: ربنا وسعت كل شى ء رحمه و علما \par
005    16    (معنى اتساع رحمته تعالى لكل شى ء) \par (انت الذى وسعت كل شى ء رحمه و علما، و انت الذى جعلت لكل مخلوق فى نعمك سهما) \par وسع الاناء المتاع بالكسر يسعه بالفتح اى اتسع له، \par قال الزمخشرى: فان قلت: تعالى الله عن المكان فكيف صح ان يقال وسع كل شى ء؟ \par قلت: الرحمه و العلم هما اللذان وسعا كلشى ء فى المعنى، و الاصل: وسع كل شى ء رحمتك و علمك و لكن ازيل الكلام عن اصله بان اسند الفعل الى صاحب الرحمه و العلم و اخرجا منصوبين على التمييز للاغراق فى وصفه بالرحمه و العلم كان ذاته رحمه و علم واسعان كلشى ء، انتهى. \par و المعنى انه لا اختصاص لرحمتك بشى ء دون شى ء بل شملت جميع الاشياء و لا يختص علمك بمعلوم دون آخر بل انت عالم بكل معلوم، و تقديم الرحمه لانها المقصوده بالذات هاهنا كما فى آيه المومن المقتبس منها و هى قوله تعالى: ربنا وسعت كل شى ء رحمه و علما \par
006    16    قال اكثر المحققين: معنى اتساع رحمته لكل شى ء ان رحمته تعالى فى الدنيا تعم الكل فما من مسلم و لا كافر و لا مطيع و لا عاص بل ما من مكلف و غيره الا و هو متقلب فى نعمته، و اما فى الاخره فهى مختصه بالمومنين، و قيل: الرحمه عباره عن اراده الخير و لا حى الا و قد خلق الله تعالى للرحمه و الخير و اللذه و ان حصل هناك الم فله اعواض كثيره، و السهم: النصيب، قيل و لما كان سبوغ نعمه تعالى دائما لاثار قدرته التى استلزمت طبائعها الحاجه اليه فوجب لها فيض جوده، اذ كل ممكن مفتقر الى كرمه وجوده فى حال وجوده صدق انه تعالى جعل لكل مخلوق فى نعمه سهما، و قيل: الوجود خير من العدم فلا موجود الا و هو مشمول بنعمته، و الظاهر ان المراد بالفقره الثانيه اخص من المراد بالفقره الاولى فيكون المراد بقوله: وسعت كل شى ء رحمه: الرحمه العامه اعنى افاضه الوجود على الممكنات، و بقوله: جعلت لكل مخلوق فى نعمك سهما تخصيص كل ممكن بحصه من تلك الرحمه اعنى الوجود الخاص و ما يتبعه من وجود كمالاته كما قال: ربنا الذى اعطى كل شى ء خلقه ثم هدى او يكون المراد برحمته التى وسعت كل شى ء ما يعم الكل فى الاطوار كلها حسبما فى قوله تعالى: و رحمتى وسعت كل شى ء و يجعله لكل مخلوق فى نعمه سهما ما يفيض على \par
005    16    قال اكثر المحققين: معنى اتساع رحمته لكل شى ء ان رحمته تعالى فى الدنيا تعم الكل فما من مسلم و لا كافر و لا مطيع و لا عاص بل ما من مكلف و غيره الا و هو متقلب فى نعمته، و اما فى الاخره فهى مختصه بالمومنين، و قيل: الرحمه عباره عن اراده الخير و لا حى الا و قد خلق الله تعالى للرحمه و الخير و اللذه و ان حصل هناك الم فله اعواض كثيره، و السهم: النصيب، قيل و لما كان سبوغ نعمه تعالى دائما لاثار قدرته التى استلزمت طبائعها الحاجه اليه فوجب لها فيض جوده، اذ كل ممكن مفتقر الى كرمه وجوده فى حال وجوده صدق انه تعالى جعل لكل مخلوق فى نعمه سهما، و قيل: الوجود خير من العدم فلا موجود الا و هو مشمول بنعمته، و الظاهر ان المراد بالفقره الثانيه اخص من المراد بالفقره الاولى فيكون المراد بقوله: وسعت كل شى ء رحمه: الرحمه العامه اعنى افاضه الوجود على الممكنات، و بقوله: جعلت لكل مخلوق فى نعمك سهما تخصيص كل ممكن بحصه من تلك الرحمه اعنى الوجود الخاص و ما يتبعه من وجود كمالاته كما قال: ربنا الذى اعطى كل شى ء خلقه ثم هدى او يكون المراد برحمته التى وسعت كل شى ء ما يعم الكل فى الاطوار كلها حسبما فى قوله تعالى: و رحمتى وسعت كل شى ء و يجعله لكل مخلوق فى نعمه سهما ما يفيض على \par
006    16    الكل بعد الخروج الى طور الوجود من النعم كما يدل عليه لفظ كل مخلوق فبين انه تعالى خالق لجميع الاشياء منعم عليها بجميع ما يليق بها بطريق التفضل، و اتى بلفظ النعم مجموعا ايذانا بتنوعها لان منها: ما هو محسوس و غير محسوس ، و معلوم و غير معلوم الى غير ذلك. \par
005    16    الكل بعد الخروج الى طور الوجود من النعم كما يدل عليه لفظ كل مخلوق فبين انه تعالى خالق لجميع الاشياء منعم عليها بجميع ما يليق بها بطريق التفضل، و اتى بلفظ النعم مجموعا ايذانا بتنوعها لان منها: ما هو محسوس و غير محسوس ، و معلوم و غير معلوم الى غير ذلك. \par
008    16    (معنى عفوه تعالى اعلى من عقابه، و سعى الرحمه امام الغضب عباره..) \par (و انت الذى عفوه اعلى من عقابه، و انت الذى تسعى رحمته امام غضبه) \par اعلى اى اغلب من علافلان فلانا بمعنى غلبه و قهره، و منه قوله تعالى: لا تخف انك انت الاعلى اى انت الغالب عليهم و القاهر لهم، و لما كان العفو خيرا و هو مطلوب بالذات و العقاب شرا و هو مطلوب بالعرض و ما بالذات راجح غالب كان عفوه تعالى اعلى من عقابه. \par روى ان حبيب بن الحرث قال لرسول الله صلى الله عليه و آله انى رجل مقراف للذنوب فقال صلى الله عليه و آله له فتب الى الله يا حبيب! فقال: انى اتوب ثم اعود قال كلما اذنبت فتب حتى قال: عفو الله اكثر من ذنوبك يا حبيب! و هو نص فى ان الذنوب و المعاصى المقتضيه للعقاب و الانتقام لاتغلب العفو و ان كثرت بل هو غالبها فكان عفوه تعالى اعلى من عقابه و فى التنزيل: و ما اصابكم من مصيبه فبما كسبت ايديكم و يعفو عن كثير و فى الحديث: ليغفرن الله تعالى يوم القيمه مغفره ما خطرت قط على قلب احد حتى ان ابليس ليتطاول لها رجاء ان تصيبه، و سعى يسعى سعيا من باب ابى: عدا فى مشيه و الامام بالفتح نقيض الوراء، و سعى الرحمه امام الغضب عباره عن سبقها له كما ورد فى دعاء آخر: سبقت رحمتك غضبك، و لما كانت الرحمه مقصوده اولا و بالذات و الغضب مقصودا بالعرض و التبع لانه مقتضى معاصى العباد و ما بالذات متقدم على ما بالتبع كانت الرحمه سابقه للغضب. \par
007    16    (معنى عفوه تعالى اعلى من عقابه، و سعى الرحمه امام الغضب عباره..) \par (و انت الذى عفوه اعلى من عقابه، و انت الذى تسعى رحمته امام غضبه) \par اعلى اى اغلب من علافلان فلانا بمعنى غلبه و قهره، و منه قوله تعالى: لا تخف انك انت الاعلى اى انت الغالب عليهم و القاهر لهم، و لما كان العفو خيرا و هو مطلوب بالذات و العقاب شرا و هو مطلوب بالعرض و ما بالذات راجح غالب كان عفوه تعالى اعلى من عقابه. \par روى ان حبيب بن الحرث قال لرسول الله صلى الله عليه و آله انى رجل مقراف للذنوب فقال صلى الله عليه و آله له فتب الى الله يا حبيب! فقال: انى اتوب ثم اعود قال كلما اذنبت فتب حتى قال: عفو الله اكثر من ذنوبك يا حبيب! و هو نص فى ان الذنوب و المعاصى المقتضيه للعقاب و الانتقام لاتغلب العفو و ان كثرت بل هو غالبها فكان عفوه تعالى اعلى من عقابه و فى التنزيل: و ما اصابكم من مصيبه فبما كسبت ايديكم و يعفو عن كثير و فى الحديث: ليغفرن الله تعالى يوم القيمه مغفره ما خطرت قط على قلب احد حتى ان ابليس ليتطاول لها رجاء ان تصيبه، و سعى يسعى سعيا من باب ابى: عدا فى مشيه و الامام بالفتح نقيض الوراء، و سعى الرحمه امام الغضب عباره عن سبقها له كما ورد فى دعاء آخر: سبقت رحمتك غضبك، و لما كانت الرحمه مقصوده اولا و بالذات و الغضب مقصودا بالعرض و التبع لانه مقتضى معاصى العباد و ما بالذات متقدم على ما بالتبع كانت الرحمه سابقه للغضب. \par
010    16    (انه تعالى يعطى كل آن عطايا لا تتناهى) \par (و انت الذى عطائه اكثر من منعه، و انت الذى اتسع الخلائق كلهم فى وسعه) \par لما كانت نعم الله تعالى المستفيضه عن جوده و عطائه على خلقه غير منحصره و لا معدوده كما قال سبحانه: و ان تعدوا نعمه الله لا تحصوها و كان منعه لا عن بخل و لا ضيق بل لحكمه و مصلحه ظاهره او خفيه لا جرم كان عطائه اكثر من منعه. \par و بيان ذلك: ان ما من فرد من افراد الناس و ان كان فى اقصى مراتب الفقر و الافلاس ممنوا باصناف العناء مبتلى بانواع البلاء الا و هو بحيث لو تاملته الفيته متقلبا فى نعم لا تحد و منن لا تحصى و لا تعد كانه قد اعطى كل ساعه فان من النعماء ما حواه حيطه الامكان، و ان كنت فى ريب من ذلك فقدر انه ملك ملك من اقطار العالم و دانت له جميع الامم، و اذعنت لطاعته القلوب، و خضعت لهيبته الرقاب، و فاز بكل حرام، و نال كل منال، و حاز ما فى جميع الدنيا من اصناف الاموال من غير ند يزاحمه و لا شريك يساهمه، بل قدر ان جميع ما فيها من حجر و مدر يواقيت غاليه و نفايس درر ثم قدر انه وقع من فقد مشروب او مطعوم الى حاله بلغت نفسه الحلقوم فهل كان يشترى و هو فى تلك الحال بجميع ما له من الملك و المال لقمه تنجيه او شربه ترويه ام يختار الهلاك فتذهب الاموال و الاملاك بغير بدل تبقى عليه و لا نفع يول اليه؟ كلا بل يبدل لذلك كل ما تحويه اليدان كائنا ما كان و ليس فى صفقته شائبه خسران. \par فاذن تلك اللقمه او الشربه خير مما فى الدنيا بالفى رتبه مع انهما على طرف التمام ينالها متى شاء من الليالى و الايام، او قدر انه احتبس منه النفس فشاهد الموت و ايقن بالفوت اما كان يعطى ذلك كله بمقابله نفس و احد؟ بل يعطى و هو لرايه حامد فاذن هو خير من اموال الدنيا بجملتها و مطالبها برمتها مع انه قد ابيح له فى كل آن من غير منع و لا حرمان، هذا من الظهور و الجلاء بحيث لا يخفى على احد \par
009    16    (انه تعالى يعطى كل آن عطايا لا تتناهى) \par (و انت الذى عطائه اكثر من منعه، و انت الذى اتسع الخلائق كلهم فى وسعه) \par لما كانت نعم الله تعالى المستفيضه عن جوده و عطائه على خلقه غير منحصره و لا معدوده كما قال سبحانه: و ان تعدوا نعمه الله لا تحصوها و كان منعه لا عن بخل و لا ضيق بل لحكمه و مصلحه ظاهره او خفيه لا جرم كان عطائه اكثر من منعه. \par و بيان ذلك: ان ما من فرد من افراد الناس و ان كان فى اقصى مراتب الفقر و الافلاس ممنوا باصناف العناء مبتلى بانواع البلاء الا و هو بحيث لو تاملته الفيته متقلبا فى نعم لا تحد و منن لا تحصى و لا تعد كانه قد اعطى كل ساعه فان من النعماء ما حواه حيطه الامكان، و ان كنت فى ريب من ذلك فقدر انه ملك ملك من اقطار العالم و دانت له جميع الامم، و اذعنت لطاعته القلوب، و خضعت لهيبته الرقاب، و فاز بكل حرام، و نال كل منال، و حاز ما فى جميع الدنيا من اصناف الاموال من غير ند يزاحمه و لا شريك يساهمه، بل قدر ان جميع ما فيها من حجر و مدر يواقيت غاليه و نفايس درر ثم قدر انه وقع من فقد مشروب او مطعوم الى حاله بلغت نفسه الحلقوم فهل كان يشترى و هو فى تلك الحال بجميع ما له من الملك و المال لقمه تنجيه او شربه ترويه ام يختار الهلاك فتذهب الاموال و الاملاك بغير بدل تبقى عليه و لا نفع يول اليه؟ كلا بل يبدل لذلك كل ما تحويه اليدان كائنا ما كان و ليس فى صفقته شائبه خسران. \par فاذن تلك اللقمه او الشربه خير مما فى الدنيا بالفى رتبه مع انهما على طرف التمام ينالها متى شاء من الليالى و الايام، او قدر انه احتبس منه النفس فشاهد الموت و ايقن بالفوت اما كان يعطى ذلك كله بمقابله نفس و احد؟ بل يعطى و هو لرايه حامد فاذن هو خير من اموال الدنيا بجملتها و مطالبها برمتها مع انه قد ابيح له فى كل آن من غير منع و لا حرمان، هذا من الظهور و الجلاء بحيث لا يخفى على احد \par
010    16    من العقلاء، و كم له سبحانه من نعم جليله و دقيقه لا يحيط بها نطاق التعبير و لا يعلمها الا العليم الخبير فاتضح انه تعالى يعطى كل آن عطايا لا تتناهى. \par و اما منعه سبحانه و ان كان فى الظاهر منعا فهو لكونه لا عن بخل و لا ضيق بل لحكمه بالغه عين العطاء و الاحسان و الفضل و الامتنان كما ورد فى الحديث القدسى: \par ان من عبادى من لا يصلحه الا الفقر و لو اغنيته لافسده ذلك. \par و فى حديث آخر: و ان من عبادى المومنين لعبادا لا يصلح لهم امر دينهم الا بالفاقه و المسكنه و السقم فى ابدانهم فابلوهم بالفاقه و المسكنه و السقم فيصلح عليه امر دينهم و انا اعلم بما يصلح عليه امر دين عبادى المومنين. فتراه سبحانه كيف بين من حكمه منعه ما يقضى العقل انه عين الجود، و مع ذلك فالاستقراء دال على ان الخير غالب كالصحه و الشبع و السمع و البصر الى غير ذلك حتى انه ما احله سبحانه لعباده اكثر مما حرم عليهم فان الواجب و المندوب و المباح و المكروه يصدق على جميعها اسم الحلال و هى اكثر من الحرام الذى هو قسم واحد من الاحكام و ما ذلك الا لجوده الكامل و عطائه الشامل فسبحان من لا تزيده كثره العطاء الا كرما وجودا، قوله عليه السلام: و انت الذى اتسع الخلائق كلهم فى وسعه، اتسع مطاوع وسع الاناء المتاع فاتسع هو فيه مثل قولنا كسرت الاناء فانكسر فقولنا انكسر مطاوع لكسرت و معناه انه قبل الفعل اى الاثر و هو الكسر و لم يمتنع من قبوله فكانه طاوع الاول، و الوسع مثلثه: الجده و الغنى كالسعه و الهاء عوض عن الواو، و من الاسماء الحسنى: الواسع، اى الذى وسع رزقه جميع خلقه و رحمته كل شى ء. \par
009    16    من العقلاء، و كم له سبحانه من نعم جليله و دقيقه لا يحيط بها نطاق التعبير و لا يعلمها الا العليم الخبير فاتضح انه تعالى يعطى كل آن عطايا لا تتناهى. \par و اما منعه سبحانه و ان كان فى الظاهر منعا فهو لكونه لا عن بخل و لا ضيق بل لحكمه بالغه عين العطاء و الاحسان و الفضل و الامتنان كما ورد فى الحديث القدسى: \par ان من عبادى من لا يصلحه الا الفقر و لو اغنيته لافسده ذلك. \par و فى حديث آخر: و ان من عبادى المومنين لعبادا لا يصلح لهم امر دينهم الا بالفاقه و المسكنه و السقم فى ابدانهم فابلوهم بالفاقه و المسكنه و السقم فيصلح عليه امر دينهم و انا اعلم بما يصلح عليه امر دين عبادى المومنين. فتراه سبحانه كيف بين من حكمه منعه ما يقضى العقل انه عين الجود، و مع ذلك فالاستقراء دال على ان الخير غالب كالصحه و الشبع و السمع و البصر الى غير ذلك حتى انه ما احله سبحانه لعباده اكثر مما حرم عليهم فان الواجب و المندوب و المباح و المكروه يصدق على جميعها اسم الحلال و هى اكثر من الحرام الذى هو قسم واحد من الاحكام و ما ذلك الا لجوده الكامل و عطائه الشامل فسبحان من لا تزيده كثره العطاء الا كرما وجودا، قوله عليه السلام: و انت الذى اتسع الخلائق كلهم فى وسعه، اتسع مطاوع وسع الاناء المتاع فاتسع هو فيه مثل قولنا كسرت الاناء فانكسر فقولنا انكسر مطاوع لكسرت و معناه انه قبل الفعل اى الاثر و هو الكسر و لم يمتنع من قبوله فكانه طاوع الاول، و الوسع مثلثه: الجده و الغنى كالسعه و الهاء عوض عن الواو، و من الاسماء الحسنى: الواسع، اى الذى وسع رزقه جميع خلقه و رحمته كل شى ء. \par
012    16    (و انت الذى لا يرغب فى جزاء من اعطاه، و انت الذى لا يفرط فى عقاب من عصاه) \par الجزاء بالمد: المكافاه على الشى ء، و لما كان تعالى هو الغنى المطلق فى كل شى ء عن كل شى ء صدق انه لم يعط من اعطاه رغبه فى جزائه بل بمحض جوده و هو \par
011    16    (و انت الذى لا يرغب فى جزاء من اعطاه، و انت الذى لا يفرط فى عقاب من عصاه) \par الجزاء بالمد: المكافاه على الشى ء، و لما كان تعالى هو الغنى المطلق فى كل شى ء عن كل شى ء صدق انه لم يعط من اعطاه رغبه فى جزائه بل بمحض جوده و هو \par
012    16    فيضان الخير عنه على كل قابل بقدر ما يقبله من غير بخل و لا منع و لا شائبه غرض و لا ضميمه عله و بهذا الاعتبار كان كل شى ء مربوبا له و هو رب كل شى ء، و كل عبد فقير و هو مغنيه و مقنيه و فيه تنزيه له تعالى عن صفه المخلوقين لان الرغبه فى الجزاء من لوازم الاحتياج الذى هو من صفات المخلوق لا الخالق و اذ لا احتياج فلا رغبه فى الجزاء، و افرط فى الامر يفرط افراطا: اسرف و تجاوز الحد و لما كان تعالى قائما بالقسط عدلا فى الحكم لم يكن ليفرط فى عقاب من عصاه بل عقابه بقدر المعصيه حسبما يقتضيه عصيان العاصى كما قال سبحانه: من جاء بالحسنه فله عشرا مثالها و من جاء بالسيئه فلا يجزى الا مثلها و هم لا يظلمون. \par فان قلت: كيف يكون عقابه على قدر الاستحقاق و كفر الكافر منقطع و عذابه موبد؟ \par قلت: ان الكافر على عزم الكفر لو عاش ابدا فاستحق العقاب الابدى بناء على ذلك الاعتقاد. \par
011    16    فيضان الخير عنه على كل قابل بقدر ما يقبله من غير بخل و لا منع و لا شائبه غرض و لا ضميمه عله و بهذا الاعتبار كان كل شى ء مربوبا له و هو رب كل شى ء، و كل عبد فقير و هو مغنيه و مقنيه و فيه تنزيه له تعالى عن صفه المخلوقين لان الرغبه فى الجزاء من لوازم الاحتياج الذى هو من صفات المخلوق لا الخالق و اذ لا احتياج فلا رغبه فى الجزاء، و افرط فى الامر يفرط افراطا: اسرف و تجاوز الحد و لما كان تعالى قائما بالقسط عدلا فى الحكم لم يكن ليفرط فى عقاب من عصاه بل عقابه بقدر المعصيه حسبما يقتضيه عصيان العاصى كما قال سبحانه: من جاء بالحسنه فله عشرا مثالها و من جاء بالسيئه فلا يجزى الا مثلها و هم لا يظلمون. \par فان قلت: كيف يكون عقابه على قدر الاستحقاق و كفر الكافر منقطع و عذابه موبد؟ \par قلت: ان الكافر على عزم الكفر لو عاش ابدا فاستحق العقاب الابدى بناء على ذلك الاعتقاد. \par
013    16    (معنى لبيك و سعديك) \par (و انا، يا الهى عبدك الذى امرته بالدعاء فقال: لبيك و سعديك، ها اناذا يا رب مطروح بين يديك) \par امرته بالدعاء اشاره الى قوله تعالى: ادعونى استجب لكم و لبيك مثنى مصدر لب بالمكان اذا اقام به والاصل: الب لك لبين اى اقيم على طاعتك لبا كثيرا متتاليا متكررا و ليس المراد خصوص الاثنين، و جعلت التثنيه داله على التكثير لانها اول تضعيف للعدد، و سعديك تابعه لبيك اى اسعدك اسعادا بعد اسعادى كلما دعوتنى اجبتك و ساعدتك و لا تستعمل بدونها و تستعمل لبيك بدونها، و طرحته طرحا من باب \par
013    16    نفع، رميت به و القيته فهو مطروح و بين اليدين عباره عن الامام بمعنى قدام لان ما بين يدى الانسان امامه و قدامه. \par
014    16    (كل ذنب عمله عبدوان كان عالما فهو جاهل..) \par (انا الذى اوقرت الخطايا ظهره، و انا الذى افنت الذنوب عمره، و انا الذى بجهله عصاك و لم تكن اهلا منه لذاك) \par اوقرت اى اثقلت من الوقر بمعنى الثقل يقال اوقره الدين اذا كثر عليه، و فنى الشى ء كرضى فناء بالمد: عدم، و يعدى بالهمزه فيقال: افنيته، و بجهله متعلق بعصاك و الباء للسببيه اى بسبب جهله و ليس المراد بالجهل هنا عدم العلم بل عدم التفكر فى العاقبه كما يفعله الجاهل و يعبر عن هذا المعنى للجهل بالسفه و هو خفه تعرض للانسان من رغبه او رهبه او غضب او نحوه تحمله على عدم التفكر فى العاقبه فيعمل بخلاف طور العقل و موجب الشرع، و بهذا المعنى فسرا كثر المفسرين قوله تعالى: انما التوبه على الله للذين يعملون السوء بجهاله قال القاضى اى متلبسين بهاسفها فان ارتكاب الذنب سفه و تجاهل و عن مجاهد: من عصى الله تعالى فهو جاهل حتى ينزع من جهالته، قال العلامه الطبرسى فى مجمع البيان: و هو المروى عن ابى عبدالله عليه السلام فانه قال كل ذنب عمله عبد و ان كان عالما فهو جاهل حين خاطر بنفسه فى معصيه ربه فقد حكى الله سبحانه قول يوسف فى اخوته: هل علمتم ما فعلتم بيوسف و اخيه اذ انتم جاهلون فنسبهم الى الجهل لمخاطرتهم بانفسهم فى معصيه الله تعالى، و قال النيشابورى: قال اكثر المفسرين: كل من عصى الله فهو جاهل و فعله جهاله، و لهذا قال موسى: اعوذ بالله ان اكون من الجاهلين لانه حيث لم يستعمل ما معه من العلم بالعقاب و الثواب فكانه لاعلم له و بهذا التفسير تكون المعصيه مع العلم بانها معصيه جهاله، قوله عليه السلام و لم تكن اهلا منه لذاك، الواو للحال اى و الحال انك لم تكن مستوجبا منه للعصيان، يقال هو اهل لكذا اى مستوجب له للواحد و الجمع. \par
015    16    (الفرق بين بكى و بكاء بالقصر و المد) \par (هل انت يا الهى راحم من دعاك؟ فابلغ فى الدعاء، ام انت غافر لمن بكاك فاسرع فى البكاء ام انت متجاوز عمن عفر لك وجهه تذللا؟ ام انت مغن من شكى اليك فقره توكلا؟) \par هذا الاستفهام يمتنع حمله على حقيقته فالمراد منه طلب ايجاب الرحمه و سوال تحققها سريعا قال الزمخشرى فى قوله تعالى: و قيل للناس هم انتم مجتمعون المراد منه استعجالهم و استحثاثهم كما يقول الرجل لغلامه: هل انت منطلق؟ اذا اراد ان يحرك منه و يحثه على الانطلاق، فابلغ: فعل مضارع منصوب بان مضمره بعد فاء السببيه فى جواب الاستفهام، قوله عليه السلام: ام انت غافر لمن بكاك، ام حرف عطف و هى هنا منقطعه و معناها الاضراب كبل و تقتضى مع ذلك استفهاما و التقدير: ام هل انت غافر لمن بكاك؟ و بكى يبكى بكى و بكاء بالقصر و المد مع ضم الباء فيهما، و قيل: القصر مع خروج الدموع و المد على اراده الصوت و قد جمع الشاعر اللغتين فقال: \par بكت عينى و حق لها بكاها \par و ما يغنى البكاء و لا العويل \par يقال: بكاه و بكى عليه و بكى له و بكاه بالتشديد بمعنى، و المراد من البكاء على الله: البكاء على ما فاته من طاعته، او على ما ارتكبه من عصيانه، و اسرع فى مشيه و غيره: عجل. و قوله عليه السلام ام انت متجاوز... هذه كالتى قبلها. \par
018    16    (المراد بوصف نفسه بالرحمه: اثبات الرحمه لنفسه باعتبار غايتها) \par (الهى لا تخيب من لا يجد معطيا غيرك، و لا تخذل من لا يستغنى عنك باحد دونك، الهى فصل على محمد و آله، و لا تعرض عنى و قد اقبلت عليك و لا تحرمنى و قد رغبت اليك، و لا تجبهنى بالرد و قد انتصبت بين يديك، انت الذى و صفت نفسك بالرحمه، فصل على محمد و آله و ارحمنى، و انت الذى سميت نفسك بالعفو فاعف عنى، \par خاب يخيب خيبا: لم يظفر بما طلب، و خيبه الله بالتشديد جعله خائبا، و خذله من باب قتل: ترك نصره و اعانته، و الاسم: الخذلان بالكسر، و استغنيت بالشى ء : اكتفيت به، و هذا من قبيل الدعاء بما يعلم الانسان انه حاصل له قبل الدعاء من فضل الله، اما لاستدامته، و اما لاعتداد تلك النعمه، و اما لاظهار الانقطاع اليه، و بث الفقر الى مسئلته، و يجرى ذلك مجرى قوله تعالى: ربنا لاتواخذنا ان نسينا او اخطانا \par و قال رب احكم بالحق ربنا و آتنا ما وعدتنا على رسلك اذ من المعلوم المحقق ان الله سبحانه لا يخيب و لا يخذل المنقطع اليه بنص: و من يتوكل على الله فهو حسبه اى كافيه فى جميع اموره، و اعرض عنه: صد و ولى. \par و الاقبال اليه تعالى: كنايه عن الانابه و الرجوع اليه سبحانه، و حرمه: منعه، و رغب اليه: سئله، و فى القاموس: جبهه كمنعه: ضرب جبهته، و رده اولقيه بما يكره و هو هنا مجاز عن السخط و الغضب، و انتصب اى قام و هو مطاوع نصب يقال: نصبته فانتصب \par اى اقمته فقام، و قد يتكلم بالمطاوع و ان لم يكن معه مطاوع كقولك انكسر الاناء و هو فى كلامهم كثير، و الوصف لغه ذكر ما فى الموصوف من الصفه اى المعنى القائم به، و هذا المعنى لا يصح فى الواجب تعالى لان صفاته ليست معانى قائمه به خلافا للاشاعره فى الصفات الذاتيه و اجماعا فى غيرها فالمراد بوصف نفسه بالرحمه اثبات الرحمه لنفسه باعتبار غايتها على ما هو المشهور، و سميته زيدا و سميته بزيد: جعلته اسما له، و العفو كصبور: الكثير العفو لان فعولا من صيغ المبالغه، \par
017    16    (المراد بوصف نفسه بالرحمه: اثبات الرحمه لنفسه باعتبار غايتها) \par (الهى لا تخيب من لا يجد معطيا غيرك، و لا تخذل من لا يستغنى عنك باحد دونك، الهى فصل على محمد و آله، و لا تعرض عنى و قد اقبلت عليك و لا تحرمنى و قد رغبت اليك، و لا تجبهنى بالرد و قد انتصبت بين يديك، انت الذى و صفت نفسك بالرحمه، فصل على محمد و آله و ارحمنى، و انت الذى سميت نفسك بالعفو فاعف عنى، \par خاب يخيب خيبا: لم يظفر بما طلب، و خيبه الله بالتشديد جعله خائبا، و خذله من باب قتل: ترك نصره و اعانته، و الاسم: الخذلان بالكسر، و استغنيت بالشى ء : اكتفيت به، و هذا من قبيل الدعاء بما يعلم الانسان انه حاصل له قبل الدعاء من فضل الله، اما لاستدامته، و اما لاعتداد تلك النعمه، و اما لاظهار الانقطاع اليه، و بث الفقر الى مسئلته، و يجرى ذلك مجرى قوله تعالى: ربنا لاتواخذنا ان نسينا او اخطانا \par و قال رب احكم بالحق ربنا و آتنا ما وعدتنا على رسلك اذ من المعلوم المحقق ان الله سبحانه لا يخيب و لا يخذل المنقطع اليه بنص: و من يتوكل على الله فهو حسبه اى كافيه فى جميع اموره، و اعرض عنه: صد و ولى. \par و الاقبال اليه تعالى: كنايه عن الانابه و الرجوع اليه سبحانه، و حرمه: منعه، و رغب اليه: سئله، و فى القاموس: جبهه كمنعه: ضرب جبهته، و رده اولقيه بما يكره و هو هنا مجاز عن السخط و الغضب، و انتصب اى قام و هو مطاوع نصب يقال: نصبته فانتصب \par اى اقمته فقام، و قد يتكلم بالمطاوع و ان لم يكن معه مطاوع كقولك انكسر الاناء و هو فى كلامهم كثير، و الوصف لغه ذكر ما فى الموصوف من الصفه اى المعنى القائم به، و هذا المعنى لا يصح فى الواجب تعالى لان صفاته ليست معانى قائمه به خلافا للاشاعره فى الصفات الذاتيه و اجماعا فى غيرها فالمراد بوصف نفسه بالرحمه اثبات الرحمه لنفسه باعتبار غايتها على ما هو المشهور، و سميته زيدا و سميته بزيد: جعلته اسما له، و العفو كصبور: الكثير العفو لان فعولا من صيغ المبالغه، \par
016    16    (المراد بوصف نفسه بالرحمه: اثبات الرحمه لنفسه باعتبار غايتها) \par (الهى لا تخيب من لا يجد معطيا غيرك، و لا تخذل من لا يستغنى عنك باحد دونك، الهى فصل على محمد و آله، و لا تعرض عنى و قد اقبلت عليك و لا تحرمنى و قد رغبت اليك، و لا تجبهنى بالرد و قد انتصبت بين يديك، انت الذى و صفت نفسك بالرحمه، فصل على محمد و آله و ارحمنى، و انت الذى سميت نفسك بالعفو فاعف عنى، \par خاب يخيب خيبا: لم يظفر بما طلب، و خيبه الله بالتشديد جعله خائبا، و خذله من باب قتل: ترك نصره و اعانته، و الاسم: الخذلان بالكسر، و استغنيت بالشى ء : اكتفيت به، و هذا من قبيل الدعاء بما يعلم الانسان انه حاصل له قبل الدعاء من فضل الله، اما لاستدامته، و اما لاعتداد تلك النعمه، و اما لاظهار الانقطاع اليه، و بث الفقر الى مسئلته، و يجرى ذلك مجرى قوله تعالى: ربنا لاتواخذنا ان نسينا او اخطانا \par و قال رب احكم بالحق ربنا و آتنا ما وعدتنا على رسلك اذ من المعلوم المحقق ان الله سبحانه لا يخيب و لا يخذل المنقطع اليه بنص: و من يتوكل على الله فهو حسبه اى كافيه فى جميع اموره، و اعرض عنه: صد و ولى. \par و الاقبال اليه تعالى: كنايه عن الانابه و الرجوع اليه سبحانه، و حرمه: منعه، و رغب اليه: سئله، و فى القاموس: جبهه كمنعه: ضرب جبهته، و رده اولقيه بما يكره و هو هنا مجاز عن السخط و الغضب، و انتصب اى قام و هو مطاوع نصب يقال: نصبته فانتصب \par اى اقمته فقام، و قد يتكلم بالمطاوع و ان لم يكن معه مطاوع كقولك انكسر الاناء و هو فى كلامهم كثير، و الوصف لغه ذكر ما فى الموصوف من الصفه اى المعنى القائم به، و هذا المعنى لا يصح فى الواجب تعالى لان صفاته ليست معانى قائمه به خلافا للاشاعره فى الصفات الذاتيه و اجماعا فى غيرها فالمراد بوصف نفسه بالرحمه اثبات الرحمه لنفسه باعتبار غايتها على ما هو المشهور، و سميته زيدا و سميته بزيد: جعلته اسما له، و العفو كصبور: الكثير العفو لان فعولا من صيغ المبالغه، \par
019    16    قد ترى يا الهى! فيض دمعى من \par
019    16    خيفتك، و وجيب قلبى من خشيتك، و انتقاض «انتفاض» جوارحى من هيبتك \par قوله عليه السلام: قد ترى يا الهى فيض دمعى. قد هنا للتكثير مثلها فى قوله تعالى: قد نرى تقلب وجهك فى السماء قال الزمخشرى اى ربما نرى و معناه كثره الرويه، و الخيفه: الخوف، و وجب القلب يجيب وجبا و وجيبا: رجف و خفق و الانتفاض بالفاء و الضاء المعجمه كما فى احدى الروايتين: التحرك الى ارتعاش جوارحى، و اما الانتقاض بالقاف و الضاد المعجمه كما فى الروايه الاخرى فهو بمعنى الانفكاك و الانحلال، و معنى انتقاض جوارحى: ضعفها و انحلالها بعد القوه. \par
020    16    (الحياء.. نوعان: نفسانى.. و ايمانى، و الحسد فى ثلثه اجناس..) \par (كل ذلك حياء منى بسوء عملى، و لذاك خمد صوتى عن الجار اليك، و كل لسانى عن مناجاتك \par الحياء: انقباض النفس من امر حذرا من اللوم فيه و هو نوعان: نفسانى: و هو الذى خلقه الله فى النفوس كلها كالحياء عن كشف العوره و الجماع بين الناس، و ايمانى: و هو ان يمنع المومنين من فعل المعاصى خوفا من الله تعالى و هو المراد هنا، \par
021    16    يا الهى فلك الحمد فكم من عائبه سترتها على فلم تفضحنى، و كم من ذنب غطيته على فلم تشهرنى، و كم من شائبه الممت بها فلم تهتك عنى سترها، و لم تقلدنى مكروه شنارها، و لم تبد سوآتها لمن يلتمس معائبى من جيرتى، و حسده نعمتك عندى، \par و كم: خبريه بمعنى كثير و من لبيان الجنس على الصحيح لازائده، و العائبه: مصدر بمعنى العيب، و شهره شهره بالضم من باب منع: اظهره و اعلنه، و الشائبه: واحده الشوائب: و هى الاقذار و الادناس، و الم بالذنب الماما: فعله، و هتك الستر من باب ضرب: خرقه، و قلدت المرئه قلاده: جعلتها فى عنقها، و المعنى لم تلزمنى مكروه شنارها فاشتهر به و ان كنت مستحقا لالزامى اياه الزام القلاده للعنق، و الشنار بالفتح: العيب و العار. و قيل عيب فيه عار، و قال فى القاموس هو اقبح العيب و العار، و السوآت جمع سوءه بالفتح قال ابن الاثير فى النهايه: السوءه فى الاصل: الفرج ثم نقل الى كل ما يستحى منه اذا ظهر من قول و فعل، و التمس الشى ء: طلبه، و المعايب: العيوب جمع معابه و هى العيب كمنائر جمع مناره و الجيره جمع جار و يجمع على جيران ايضا، و انما خص الجيره بالتماس المعايب لان الحسد فيهم اكثر. \par و قد قيل: الحسد فى ثلاثه اجناس من الناس: الجيران فى المنزل، و الشركاء فى العمل و القربات فى النسب، و ذلك لما يكون بين هولاء من المناظره و المباهاه و طلب تفوق كل واحد منهم على الاخر، و الحسده: جمع حاسد، \par
022    16    ثم لم ينهنى ذلك عن ان جريت الى سوء ما عهدت منى \par قوله عليه السلام: ثم لم ينهنى ذلك... ثم هنا لاستبعاد عدم النهى بعد وضوح ما ذكر من حسن صنيعه تعالى اليه من ستر معايبه الكثيره و قد كان مقتضاه ان ينتهى و يقف عن كل ما لا يرضاه سبحانه \par قال الرضى: قد تكون ثم، فى الجمل خاصه لاستبعاد مضمون ما بعدها عن مضمون ما قبلها و عدم مناسبته له كقوله تعالى: خلق السموات و الارض و جعل الظلمات و النور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون فالاشراك بخالق السموات و الارض مستبعد غير مناسب و نهاه عن الشى ء ينهاه نهيا فانتهى: كفه، و جريت الى كذا اجرى جريا: قصدت و اسرعت، و عهدته: عرفته، و الامر كما تعهداى تعرف، و هو قريب العهد بكذا اى قريب العلم و الحال فقوله ما عهدت منى اى ما علمته منى لان المعرفه لا تطلق عليه سبحانه. \par
023    16    (الجهل على ثلثه اضرب) \par (فمن اجهل منى، يا الهى! برشده؟ و من اغفل منى عن حظه؟ و من ابعد منى من استصلاح نفسه حين انفق ما اجريت على من رزقك فيما نهيتنى عنه من معصيته) \par الفاء فصيحه اى اذا كان هذا حالى فمن اجهل منى؟ و الجهل هنا بمعنى فعل الشى ء بخلاف ما حقه ان يفعل، قال الراغب: الجهل على ثلثه اضرب. \par الاول- خلو النفس عن العلم، هذا هو الاصل. \par و الثانى- اعتقاد الشى ء بخلاف ما هو عليه. \par و الثالث- فعل الشى ء بخلاف ما حقه ان يفعل سواء اعتقد فيه اعتقادا صحيحا او فاسدا كمن ترك الصلوه متعمدا و على ذلك قوله تعالى حكايه عن موسى عليه السلام: اعوذ بالله ان اكون من الجاهلين فجعل فعل الهزء جهلا انتهى. و الرشد بالضم: خلاف الغى، و الرشد بفتحتين مثله، و الغفله: غيبه الشى ء عن بال الانسان و عدم تذكره له، و قد تستعمل فيمن تركه اهمالا و اعراضا كقوله تعالى: و هم فى غفله معرضون و الحظ: النصيب، قيل مطلقا، و قيل خاص بالنصيب من الخير و الفضل و هو المراد هنا. و اجريت عليه رزقا: جعلته جاريا اى دارا متصلا. \par و اعلم ان انفاق الرزق فى معصيه الله تعالى من كفران النعمه فان شكر الانسان نعمه الله عليه بان لايستعين بها على معصيته، و من كلام اميرالمومنين عليه السلام ان اقل ما يلزمكم الله ان لاتستعينوا بنعمته على معصيته و ذلك ان العدل ان يستعان بنعمته على طاعته فان لم يفعل ذلك فلا اقل من ان تستعمل فى الامور المباحه دون الاستعانه بها على معصيته. \par (المراد بدعوته تعالى.. و بدعوه الشيطان..) \par (و من ابعد غورا فى الباطل، و اشد اقداما على السوء منى حين اقف بين دعوتك و دعوه الشيطان فاتبع دعوته على غير عمى منى فى معرفه به و لا نسيان من حفظى له؟ و انا حينئذ موقن بان منتهى دعوتك الى الجنه، و منتهى دعوته الى النار) \par غور كل شى ء: قعره و عمقه، و غار فى الامر: اذا دقق النظر فيه كانه وصل الى غوره يقال: فلان بعيد الغور اذا كان متعمق النظر عارفا بالامور، فغورا فى الدعاء يحتمل ان يكون اسما بمعنى القعر و العمق، و يحتمل ان يكون مصدرا بمعنى الوصول الى الغور، و اقدم: اجترء، و السوء فى الاصل مصدر سائه يسوئه سوءا: اذا حزنه، يطلق على جميع المعاصى سواء كانت من اعمال الجوارح او افعال القلوب لاشتراكها كلها فى انها تسوء صاحبها بعواقبها، و المراد بالوقوف بين الدعوتين: استعداده لقبول كل منهما فان الانسان خلق مستعدا للهدايه و الضلال، و الدعوه اسم من دعاه اذا طلب اقباله، و المراد بدعوته تعالى: الادله العقليه و الشرعيه التى بينها للمكلفين ليهتدوا بها الى معرفته و توحيده و طاعته، و بدعوه الشيطان: تسويله و وسوسته و تزيينه ما حرم الله، و تبعت القوم تبعا بالتحريك و اتبعتهم على افتعلت: مشيت خلفهم، و هو هنا كنايه عن اجابه الدعوه كما قال و ما كان لى عليكم من سلطان الا ان دعوتكم فاستجبتم لى. \par و حقيقه دعوه الشيطان و اتباعها: ان الانسان بينا هو ذاهل عن الشى ء ذكره الشيطان ذلك فيحدث له ميل جازم يترتب الفعل على حصول ذلك الميل فكانت دعوه الشيطان هو ذلك التذكير و اجابتها حصول ذلك الميل الذى هو من شان النفس. \par و على من قوله على غير عمى منى بمعنى مع اى مع غير عمى منى كقوله تعالى: ان ربك لذو مغفره للناس على ظلمهم و المراد بالعمى هنا: الجهل، و هو عمى البصيره استعاره من عمى البصر اذ العمى حقيقه عباره عن عدم ملكه البصر، و وجه الشبه ان الاعمى كما لا يهتدى لمقاصد المحسوسه بالبصر لعدمه كذلك اعمى البصيره لا يهتدى لمقاصده المعقوله لعدم عقله لوجوه رشده، و المنتهى مصدر ميمى بمعنى النهايه يقال انتهى الامر اى بلغ الغايه و هو اقصى ما يمكن ان يبلغه، و المعنى ان غايه دعوتك المصير الى الجنه و غايه دعوته المصير الى النار و بيان ذلك: \par انه لما كان الغايه من وجود الخلق ان يكونوا عبادالله كما قال تعالى: و ما خلقت الجن و الانس الا ليعبدون و ما كان المقصود من العباده انما هو الوصول الى جناب عزته و الطيران فى حظائر القدس باجنحه الكمال مع الملائكه المقربين كان ذلك هو غايه الانسان المطلوبه منه و المقصوره له و المامور بالتوجه اليها بوجه الحقيقى فان سعى لها سعيها باتباع دعوه الله تعالى ادركها و فاز بحلول جناب النعيم و كانت غايته، و ان قصر فى طلبها و انحرف عن سواء الصراط الموصل اليها باتباع دعوه الشيطان كان فى النار من الهاوين و كانت غايته فدخلها مع الداخلين. \par
024    16    (المراد بدعوته تعالى.. و بدعوه الشيطان..) \par (و من ابعد غورا فى الباطل، و اشد اقداما على السوء منى حين اقف بين دعوتك و دعوه الشيطان فاتبع دعوته على غير عمى منى فى معرفه به و لا نسيان من حفظى له؟ و انا حينئذ موقن بان منتهى دعوتك الى الجنه، و منتهى دعوته الى النار) \par
024    16    غور كل شى ء: قعره و عمقه، و غار فى الامر: اذا دقق النظر فيه كانه وصل الى غوره يقال: فلان بعيد الغور اذا كان متعمق النظر عارفا بالامور، فغورا فى الدعاء يحتمل ان يكون اسما بمعنى القعر و العمق، و يحتمل ان يكون مصدرا بمعنى الوصول الى الغور، و اقدم: اجترء، و السوء فى الاصل مصدر سائه يسوئه سوءا: اذا حزنه، يطلق على جميع المعاصى سواء كانت من اعمال الجوارح او افعال القلوب لاشتراكها كلها فى انها تسوء صاحبها بعواقبها، و المراد بالوقوف بين الدعوتين: استعداده لقبول كل منهما فان الانسان خلق مستعدا للهدايه و الضلال، و الدعوه اسم من دعاه اذا طلب اقباله، و المراد بدعوته تعالى: الادله العقليه و الشرعيه التى بينها للمكلفين ليهتدوا بها الى معرفته و توحيده و طاعته، و بدعوه الشيطان: تسويله و وسوسته و تزيينه ما حرم الله، و تبعت القوم تبعا بالتحريك و اتبعتهم على افتعلت: مشيت خلفهم، و هو هنا كنايه عن اجابه الدعوه كما قال و ما كان لى عليكم من سلطان الا ان دعوتكم فاستجبتم لى. \par و حقيقه دعوه الشيطان و اتباعها: ان الانسان بينا هو ذاهل عن الشى ء ذكره الشيطان ذلك فيحدث له ميل جازم يترتب الفعل على حصول ذلك الميل فكانت دعوه الشيطان هو ذلك التذكير و اجابتها حصول ذلك الميل الذى هو من شان النفس. \par و على من قوله على غير عمى منى بمعنى مع اى مع غير عمى منى كقوله تعالى: ان ربك لذو مغفره للناس على ظلمهم و المراد بالعمى هنا: الجهل، و هو عمى البصيره استعاره من عمى البصر اذ العمى حقيقه عباره عن عدم ملكه البصر، و وجه الشبه ان الاعمى كما لا يهتدى لمقاصد المحسوسه بالبصر لعدمه كذلك اعمى البصيره لا يهتدى لمقاصده المعقوله لعدم عقله لوجوه رشده، و المنتهى مصدر ميمى بمعنى النهايه يقال انتهى الامر اى بلغ الغايه و هو اقصى ما يمكن ان يبلغه، و المعنى ان غايه دعوتك المصير الى الجنه و غايه دعوته المصير الى النار و بيان ذلك: \par انه لما كان الغايه من وجود الخلق ان يكونوا عبادالله كما قال تعالى: و ما خلقت الجن \par
024    16    و الانس الا ليعبدون و ما كان المقصود من العباده انما هو الوصول الى جناب عزته و الطيران فى حظائر القدس باجنحه الكمال مع الملائكه المقربين كان ذلك هو غايه الانسان المطلوبه منه و المقصوره له و المامور بالتوجه اليها بوجه الحقيقى فان سعى لها سعيها باتباع دعوه الله تعالى ادركها و فاز بحلول جناب النعيم و كانت غايته، و ان قصر فى طلبها و انحرف عن سواء الصراط الموصل اليها باتباع دعوه الشيطان كان فى النار من الهاوين و كانت غايته فدخلها مع الداخلين. \par
025    16    (السبب فى التعجب من الامر: هو عدم اطلاع النفس على اسبابه...) \par (سبحانك!! ما اعجب ما اشهد به على نفسى، و اعدده من مكتوم امرى) سبحانك: تعجب من شده اجترائه على الله تعالى بما ذكره من نفسه و اعترف به سابقا، و تنزيه لساحه كبريائه و جبروته عما لا يليق به من ذلك، ثم كرر التعجب صريحا لفظاعه ما شهد به على نفسه و عدده من مكتوم امره مما سبق، و عدده تعديدا: مبالغه فى عده عدا بمعنى احصاه و كانه لاحظ كثره المعدود. \par و اعلم ان السبب فى التعجب من الامر: هو عدم اطلاع النفس على اسبابه لغموضها، و لذلك قيل: اذا ظهر السبب بطل العجب، و من اجل ذلك وضع اهل اللغه قولهم: ما افعله، صيغه للتعجب نحو ما احسن زيدا اذ التقدير فيها السوال عن اسباب حسنه، و كلما كان الامر اغرب و اسبابه اخفى كان اعجب، و لذلك جاء بصيغه التعجب من العجب فقال: ما اعجب ما اشهد به على نفسى. \par اذا عرفت ذلك فحاله فى افناء الذنوب عمره، و عصيان ربه، و ستر الله عليه عيوبه و ذنوبه و شوائبه ثم كون ذلك لم ينهه عن الاسراع الى المعاصى، ثم شده جهله برشده و غفلته عن حظه، و بعد استصلاح نفسه حين ينفق نعمه الله فى معصيته، و بعد غوره فى الباطل و شده اقدامه على السوء حين يجيب دعوه الشيطان دون دعوه الله مع معرفته بالشيطان \par
025    16    و ذكره له و هو عالم علم يقين بان دعوه الله ينتهى به الى الجنه و دعوه الشيطان ينتهى به الى النار: من العجب العجاب الذى لا يهتدى بسببه. \par كل ذلك منه عليه السلام استنزال لرحمه الله تعالى بالاقرار المستلزم للعفو، فقد قيل: من اقر فقد استوجب العفو. و قد اسلفنا الكلام مبسوطا فى وجه اعتراف المعصومين عليه السلام بالذنوب و المعاصى فلا وجه لا عادته. \par
026    16    (ان العفو مقتضى الرحمه و هى ذاتيه له تعالى) \par (و العقوبه مقتضى الغضب و هو..) \par (و اعجب من ذلك اناتك عنى و ابطاوك عن معاجلتى، و ليس ذلك من كرمى عليك، بل تانيا منك لى، و تفضلا منك على لان ارتدع عن معصيتك المسخلطه، و اقلع عن سيئاتى المخلقه، و لان عفوك عنى احب اليك من عقوبتى \par ذلك اشاره الى ما شهد به على نفسه و عدده من مكتوم امره، و ما فيه من معنى البعد اشعار بفخامته و فظاعته و بعده فى مرتبه العجب، والاناه على وزن حصاه اسم من تانى فى الامر اذا تمكث و لم يعجل و عداها بعن لتضمينها معنى الصفح او التجاوز، و عاجله بذنبه: عاقبه عليه سريعا و لم يمهله، و كرم الشى ء كرما: عز فهو كريم، و ردعته عن الشى ء من باب نفع: منعته و زجرته فارتدع، و المسخطه: اسم فاعل من اسخطه بمعنى اغضبه، و اقلع عن الامر اقلاعا: تركه، و المخلقه اسم فاعل من اخلق الثوب اذا لبسه حتى ابلاه، يقال: اخلقت الذنوب وجهه كانها اذهبت نضارته و بهجته، كما يقال للسائل اخلق السوال وجهه و هو كنايه عن الاذلال و الاهانه. \par و انما كان عفو الله تعالى احب اليه من عقوبته لان العفو مقتضى الرحمه و هى ذاتيه له تعالى و العقوبه مقتضى الغضب و هو مطلوب بالعرض لانه من تبعات افعال العباد \par و لوازم سيئاتهم و معاصيهم حتى لو لم يكن كفر و لا معصيه لم يكن غضب و لم يخلق جحيم فهو سبحانه يمهل عبده و لا يبادر بعقوبته ليقلع عن سيئاته و يتوب اليه فيستحق بذلك عفوه و غفرانه فلا يعاقبه لكون العفو احب اليه من العقوبه، \par
027    16    بل انا، يا الهى! اكثر ذنوبا، و اقبح آثارا، و اشنع افعالا، و اشد فى الباطل تهورا، و اضعف عند طاعتك تيقظا، و اقل لوعيدك انتباها و ارتقابا من ان احصى لك عيوبى، او اقدر على ذكر ذنوبى). \par و الاثار جمع اثر كسبب و اسباب و هو هنا اما اسم من اثرت الحديث اثرا بالسكون من باب قتل بمعنى نقلته، فتكون الاثار بمعنى الاشياء الماثوره عنه و اما بمعنى العلامه و السمه اى اقبح سمات. و المراد بها، اتسم به من الاعمال، و قيل: الاثار: هى الاعمال التى تبقى بعد عامله سنه يقتدى فيها به، حسنه كانت كعلم علمه، او كتاب الفه، او مسجد بناه و غير ذلك من وجوه البر، او سيئه كتاسيس قوانين الظلم و العدوان و ترتيب مبادى الشر و الفساد، و بذلك قوله تعالى: و نكتب ما قدموا و آثارهم و اصله من الاثر الذى هو بقيه الشى ء، و شنع الشى ء بالضم شناعه: قبح فهو شنيع، و الباطل: هو الذى لا يكون صحيحا باصله و لذلك اطلق على كل ما خالف الحق، و تهور الرجل تهورا: وقع فى الامر بقله مبالاه، و تيقظ للامر: تنبه له و فطن، و الوعيد: التهديد، و ارتقبه ارتقابا: انتظره. \par
028    16    (معنى الطمع، و الصلاح، و الرجاء) \par (و انما اوبخ بهذا نفسى طمعا فى رافتك التى بها صلاح امر المذنبين و رجاء لرحمتك التى بها فكاك رقاب الخاطئين) \par و بخته توبيخا: لمته، و قال الفارابى: و بخته: عيرته، و الطمع: اكثر ما يستعمل فى تعلق النفس بمحبوب يقرب حصوله، و الرافه: اشد الرحمه، و الصلاح: حصول الشى ء على الحاله المستقيمه النافعه و هو نقيض الفساد و هو خروج الشى ء من ان يكون منتفعا به، و الرجاء: تعلق النفس بمحبوب فى المستقبل، و فككت الرهن: خلصته و الاسم: الفكاك بالفتح و الكسر لغه حكاها ابن السكيت و اثبتها صاحب القاموس و منعها الاصمعى و الفراء و فكاك الرقاب: استعاره فى خلاصها من العذاب. \par (ان للعارفين فى سلوك سبيل الله و.. مقامات خمسه) \par هدايه: اعلم ان توبيخ النفس و معاتبتها باب عظيم من ابواب المرابطه فى \par
028    16    سبيل الله فان للعارفين فى سلوك سبيل الله و مرابطيهم مع انفسهم مقامات خمسه: و هى المشارطه، ثم المراقبه، ثم المحاسبه ثم المعاتبه ثم المعاقبه و ضربوا لذلك مثالا: \par فقالوا: ينبغى ان تكون حال الانسان مع نفسه كحاله مع شريكه اذا سلم اليه مالا ليتجر به فالعقل هو التاجر فى طريق الاخره و مطلبه و ربحه: تزكيه النفس اذ بها فلاحها كما قال تعالى: قد افلح من زكيها فالعقل يستعين بالنفس فى هذه التجاره اذ يستصرخها فيما يزكيها كما يستعين الانسان بشريكه و كما ان الشريك يصير خصما منازعا يجاذبه فى الربح فيحتاج ان يشارطه اولا و يراقبه ثانيا و يحاسبه ثالثا و يعاقبه رابعا، فكذلك العقل يحتاج الى هذه المقامات الخمس: \par الاولى- المشارطه و هى ان يشارط النفس اولا فيوظف عليها الوظائف و يامرها بسلوك طريق الحق و يرشدها اليه و يحرم عليها سلوك غيره كما يشترط التاجر على شريكه. \par الثانيه- المراقبه و هى ان لايغفل عنها لحظه فلخطه عند خوضها فى الاعمال و يلاحظها بالعين الكالئه فان الانسان ان غفل عن نفسه و اهملها لم يرمنها الا الخيانه و تضييع راس المال كالعبد الخائن اذا انفرد بمال سيده. \par الثالثه- المحاسبه و هى ان يحاسبها بعد الفراغ من العمل و يطالبها بالوفاء بما شرط عليها اولا فان هذه تجاره ربحها: الفردوس الاعلى فتدقيق الحساب فى هذا اهم من التدقيق فى ارباح الدنيا لحقارتها بالنسبه الى نعيم الاخره فلا ينبغى ان يترك مناقشتها فى ذره من حركاتها و سكناتها و خطراتها و لحظاتها فان كل نفس من انفاس العمر جوهره نفيسه لاعوض لها، يمكن ان يشترى به كنزا من كنوز الاخره لا يتناهى نعيمه و لا يظعن مقيمه، قالوا: و ينبغى للانسان ان يخلو عقيب فريضه كل صبح بنفسه و يقول لها اى نفس! ما لى بضاعه الا العمر و مهما فنى فقد فنى راس مالى و وقع الياس من التجاره و طلب الربح و هذا يوم جديد قد امهلنى الله فيه و لو توفاتى لقلت: رب ارجعونى لعلى \par
028    16    اعمل صالحا فيما تركت فاحسبى انك توفيت ثم رددت فاياك و تضييع هذا اليوم و الغفله فيه. \par الرابعه- المعاتبه و التوبيخ، و قد علمت ان لك نفسا اماره بالسوء مياله الى الشر و قد امرت بتقويمها وقودها بسلاسل القهر الى عباده ربها و طاعه خالقها، فسبيل المعاتبه و التوبيخ ان تعدد للنفس عيوبها و تذكر لها ما هى عليه من الجهل فى ارتكاب المعاصى و انحرافها عن سلوك سبيل الله لتذل و تنكر فتضعف سوره شهوتها و تستعد بذلك الى استنزال رحمه الله تعالى و رافته كما ارشدك سيدالعابدين و امام المتقين فى هذا الدعاء قال بعض العارفين: اعلم ان النفس شرور جموح فان اهملتها لم تظفر بها بعد ذلك و ان لازمتها بالتوبيخ و المعاتبه و الائمه كانت نفسك هى النفس اللوامه. \par الخامسه- المعاقبه و المجاهده و ذلك اذاراى نفسه قد قارفت معصيه او همت بها فينبغى ان يعاقبها بالتضييق عليها فى الامور المباحه و ياخذها بالصبر عنها و اذا رآهاتو انت و كسلت عن شى ء من الفضائل و ورد من الاوراد فينبغى ان يود بها بتثقيل الاوراد عليها و يلزمها فنونا من الطاعات جبرا لمافات. \par قال بعض ارباب العرفان: ان هذه النفس فى غايه الخساسه و الدنائه و نهايه الجهل و الغباوه و ينبهك على ذلك انها اذا همت بمعصيه او انبعثت لشهوه لو تشفعت اليها بالله سبحانه ثم برسوله و بجميع انبيائه ثم بكتبه و السلف الصالح من عباده و عرضت عليها الموت و القبر و القيامه و الجنه و النار لا تكاد تعطى القياد و لا تترك الشهوه ثم ان منعتها رغيفا سكنت و ذلت و لانت بعد الصعوبه و الجماح و تركت الشهوه. \par
029    16    (لفظ الارقاق استعاره فى.. و الاعتاق استعاره..) \par (اللهم و هذه رقبتى قد ارقتها الذنوب فصل على محمد و آله، و اعتقها \par
029    16    بعفوك، و هذا ظهرى قد اثقلته الخطايا، فصل على محمد و آله، و خفف عنه بمنك) \par الرق بالكسر: العبوديه و هو مصدر رق الشخص يرق من باب ضرب فهو رقيق و يتعدى بالهمزه فيقال: ارقه فهو مرق و قد يتعدى بالحركه ايضا فيقال: رقه يرقه من باب قتل فهو مرقوق، و اعتقه: خلصه من الرق فهو معتق و لا يقال عتقه فهو معتوق و لفظ الارقاق استعاره فى تمكن هيئات الذنوب من نفسه و الاعتاق استعاره لمحو تلك الهيئات منها، و كذا الكلام فيما بعده، و لما كان المعتاد فى الاثقال حملها على الظهر خص الظهر باثقال الخطايا كما قال تعالى: و هم يحملون اوزارهم على ظهورهم قال فى الكشاف: هو كقوله تعالى: فبما كسبت ايديكم لانه اعتيد حمل الاثقال على الظهور كما الف الكسب بالايدى، و الخطايا جمع خطيئه و هى الذنب \par
030    16    (مفاد هذا الفصل من الدعاء: نفى استيجاب العبد عفوه تعالى على كل حال) \par (يا الهى لو بكيت اليك حتى تسقط اشفار عينى، و انتحبت حتى ينقطع صوتى، و قمت لك حتى تتنشر قدماى، و ركعت لك حتى ينخلع صلبى و سجدت لك حتى تتفقا حدقتاى، و اكلت تراب الارض طول عمرى، و شربت ماء الرماد آخر دهرى، و ذكر تك فى خلال ذلك حتى يكل لسانى ثم لم ارفع طرفى الى آفاق السماء استحياء منك ما استوجبت بذلك محو سيئه واحده من سيئاتى) \par «الى» من قوله: بكيت اليك اما بمعنى اللام كما فى قوله تعالى: و الامر اليك اى بكيت لك، و اما على تضمين معنى الانابه اى بكيت منيبا اليك، و اشفار العين: منابت الهدب جمع شفر بالضم كقفل و اقفال و قد يفتح، قال ابن قتيبه: و العامه تجعل اشفار العين الشعر و هو غلط و انما الاشفار جروف العين التى ينبت عليها الشعر و الشعر: الهدب، و النحب و النحيب و الانتحاب: البكاء بصوت طويل و مد قاله فى النهايه، و قال فى القاموس: النحيب: اشد البكاء، و انتحب: تنفس شديدا، و فى \par
030    16    الاساس: نحب الباكى ينحب نحيبا و انتحب انتحابا: جدفى بكائه، و انتشر العصب و تنشر: انتفخ، خلع مفصله فانخلع اى ازاله عن مكانه، و الصلب بالضم: الظهر، وفقا عينه من باب منع: خسفها فانفقات و تفقات، و الحدقه: سواد العين و تطلق على جمله العين و ماء الرماد اى المشوب بالرماد، و آخر دهرى اى ابدا، و انما فسروا آخر الدهر بمعنى ابدا و ان كان الابد استمرار الوجود فى ازمنه مقدره غير متناهيه فى جانب المستقبل لانهم لا يريدون بالابد فى مثل هذا المقام الامده العمر، قال الرمانى: اذا قلت: لا اكلمه ابدا، فالابد من لدن تكلمت الى آخر عمرك، و الطرف: نظر العين، قال فى القاموس: الطرف: العين. و الافاق جمع افق بضمتين وهو الناحيه من السماء و الارض و عدم رفع النظر الى آفاق السماء اما كنايه عن غض الطرف و الاطراق من الحياء فان الانسان اذا استحيا كسر طرفه و اطرق براسه راميا ببصره الى الارض، و اما لان السماء موضع عرشه سبحانه و مسكن ملائكته، و مصعد الكلم الطيب و العمل الصالح فهو يستحيى ان ينظر الى آفاقها. \par و اعلم ان مفاد هذا الفصل من الدعاء نفى استيجاب العبد عفوه تعالى على كل حال. \par
031    16    (انه سبحانه اوجب للعبد على نفسه قبول توبته تفضلا منه و كرما لا وجوبا.) \par (و ان كنت تغفر لى حين استوجب مغفرتك، و تعفو عنى حين استحق عفوك فان ذلك غير واجب لى باستحقاق، و لا انا اهل له باستيجاب، اذا كان \par
031    16    جزائى منك فى اول ما عصيتك النار، فان تعذبنى فانت غير ظالم لى) \par كنت، هنا تفيد الاستمرار و الدوام فان كان تختص باستمرار خبرها لاسمها، و استوجب مغفرتك اى استيجاب تفضل و كرم و احسان، و كذلك قوله: حين استحق، فانه سبحانه اوجب للعبد على نفسه قبول توبته تفضلا منه و كرما كما قال: انما التوبه على الله للذين يعملون السوء بجهاله ثم يتوبون من قريب فان على هنا مفادها الوجوب اى واجبه على الله وجوب كرم لا وجوبا يستحق بتركه الذم فالعبد بهذا الاعتبار يستوجب منه تعالى المغفره، و يستحق العفو لا باعتبار ان ذلك له حق واجب يستوجبه و يستحقه فلا منافاه بين نفى الاستيجاب اولا و اثباته ثانيا، قوله عليه السلام: اذ كان جزائى فى اول ما عصيتك النار، فيه اشاره الى قوله تعالى: و من يعص الله و رسوله و يتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها و له عذاب مهين و انما كان الجزاء فى اول وقت العصيان النار، لان الجزاء مسبب عن العمل فمتى وجد السبب وجب وجود المسبب فكان مقتضى العدل انه متى حصل العصيان حصل جزائه، لكنه سبحانه تانى عباده و امهلهم ليستغفروه و ينيبوا اليه فيغفر لهم بمقتضى رحمته التى وسعت كل شى ء. \par
032    16    (الهى فاذ قد تغمدتنى، بسترك فلم تفضحنى، و تانيتنى بكرمك فلم تعاجلنى، و حلمت عنى بتفضلك فلم تغير نعمتك على، و لم تكدر معروفك عندى فارحم طول تضرعى و شده مسكنتى و سوء موقفى \par غمده الله برحمته: ستره بها، و فى القاموس: تغمده الله برحمته: غمره بها و فلانا: ستر ما كان منه، و تانى فى الامر: تمكث و لم يعجل، و الموقف، هنا مصدر ميمى بمعنى الوقوف و انما اضاف السوء اليه لانه موقف عاص خائف من مولاه و هو وقوف يسوء صاحبه، \par
033    16    اللهم صلى على محمد و آله وقنى من المعاصى و استعملنى بالطاعه، و ارزقنى حسن الانابه، و طهرنى بالتوبه، و ايدنى بالعصمه، و استصلحنى بالعافيه، و اذقنى حلاوه المغفره، و اجعلنى طليق عفوك، و عتيق رحمتك، و اكتب لى امانا من سخطك، و بشرنى بذلك فى العاجل دون الاجل، بشرى اعرفها و عرفنى فيه علامه اتبينها) \par و وقاه الله يقيه وقايه: حفظه منه. و عداه الى الثانى بمن لتضمينه معنى الحفظ والصون، و استعملنى اى وفقنى فى العمل بالطاعه، و الانابه: الرجوع الى الله تعالى، و ايده تائيدا: قواه، و العصمه فى اللغه اسم من عصمه الله من المكروه يعصمه من باب ضرب بمعنى حفظه و وقاه، و فى العرف: فيض الهى يقوى به العبد على تحرى الخير و تجنب الشر، ذكره الراغب، و عند المتكلمين عباره عن ان لا يخلق الله فى العبد ذنبا و هذا قريب منه، و قال الحكماء: هى ملكه تمنع الفجور و يحصل بها العلم بمثالب المعاصى و مناقب الطاعات، و قيل: ملكه اجتناب المعاصى مع التمكن منها، و الطليق فعيل بمعنى مفعول من اطلقت الاسر اذا حللت اساره و خليت عنه فانطلق و العتيق مثله من اعتقت العبد اذا خلصته من الرق، و العاجل: الدنيا، و الاجل: الاخره، و تبين فلان الشى ء: عرفه معرفه واضحه من بان الامر: اذا تضح و انكشف. \par فان قلت: ما المراد بهذا التبشير و التعريف فى العاجل؟ \par قلت: يحتمل ان يريد به ان يرى فى منامه ما يتحقق به اجابه دعوته، فان الرويا الصالحه مبشره، و قد روى عن ابيجعفر عليه السلام فى قوله تعالى: الذين آمنوا و كانوا يتقون لهم البشرى فى الحيوه الدنيا و فى الاخر ان البشرى فى الدنيا: الرويا الصالحه يراها \par
033    16    المومن لنفسه او ترى له و فى الاخره بالجنه و هى ما تبشرهم الملائكه عند خروجهم من القبور و فى القيمه الى ان يدخلوا الجنه يبشرونهم بها حالا بعد حال. \par و عن ابى الدرداء سالت النبى صلى الله عليه و آله عن قول الله تعالى: لهم البشرى فى الحيوه الدنيا، قال ما سالنى عنها احد قبلك! هى الرويا الصالحه يراها المسلم او ترى له، قال بعض العلماء: و انما كانت الرويا الصالحه توجب البشاره لانهاد دليل صفاء القلب و اتصال النفس الى عالم القدسى و الاطلاع على بعض ما هنا لك. \par و يحتمل ان يكون مراده ان يوفقه سبحانه للاستعداد الى مشاهده احواله و سعادته التى يوول اليها فى الاخره فيراها بعين بصيرته و هو فى هذا الدار فيتحقق انه سبحانه قد اطلق ربقته، و اعتق رقبته، و اوجب له امانه. و بلغه رضوانه، و عبر عن هذا المعنى بالبشر لما يقتضيه من السرور الذى لا اسر منه، و من هنا قالوا: ان العارف و ان كان فى الدنيا بجسده فهو فى مشاهدته بعين بصيرته لاحوال الجنه و سعادتها و احوال النار و شقاوتها كالذين شاهدوا الجنه بعين جسمهم و تنعموا فيها و كالذين شاهدوا النار و عذبوا فيها و هى مرتبه اليقين \par
034    16    (سميت الايه القرانيه آيه لكونها علامه على صدق من اتى بها) \par (ان ذلك لايضيق عليك فى وسعك، و لا يتكادك فى قدرتك، و لا يتصعدك، فى اناتك، و لا يودك فى جزيل هباتك التى دلت عليها آياتك انك تفعل ما تشاء، و تحكم ما تريد، انك على كل شى ء قدير) \par ضاق عليه الامر: شق و تعسر، و الوسع بالضم: الطاقه و القوه، و تكاده الامر: على تفاعل و تفعل، و تصعده و تصاعده كذلك: اشتد اليه و صعب، و الاناه: الحلم، و اده الشى ء: ثقل عليه، و الايات: جمع آيه و هى العلامه، و يحتمل ان يراد بها هنا الايات القرآنيه المتضمنه لبيان سعه جوده و كرمه، و سميت الايه القرآنيه آيه لكونها علامه على صدق من اتى بها، و يحتمل ان يكون المراد بها: العلامات و الاثار الداله على جزيل احسانه و جميل امتنانه و هى اكثر من ان تحصى و اوفر من ان تستقصى. \par
001    17    الدعاء السابع عشر: \par من ادعيه الصحيفه السجاديه، و هو دعائه عليه السلام: فى الاستعاذه من الشيطان و كيده. \par \par
001    17    بسم الله الرحمن الرحيم \par (سبع شبهات للشيطان على شكل مناظره بينه و بين الملائكه) \par قد يسئل وجه الحكمه فى خلق الشيطان و تسلطه على آدم و ذريته و هى مسئله مهمه لاباس بذكر ما حضرنا فيها فنقول: \par نقل الشهرستانى فى كتاب الملل و النحل: ان اول شبهه وقعت فى البريه شبهه ابليس لعنه الله و مصدرها استبداده بالراى فى مقابله النص، و اختياره الهوى فى معارضه الامر و استكباره بالماده التى خلق منها- و هى النار- على ماده آدم- و هى الطين- و انشعبت هذه الشبهه سبع شبهات و سرت فى اذهان الناس حتى صارت مذاهب بدعه و ضلال و تلك الشبهات مسطوره فى شرح الاناجيل الاربعه و مذكوره فى التوريه متفرعه على شكل مناظره بينه و بين الملائكه بعد الامر بالسجود و الامتناع منه، قال كما نقل عنه انى سلمت ان البارى تعالى الهى و اله الخلق عالم قادر و انه مهما اراد شيئا قال له كن فيكون و هو حكيم فى فعله الا انه يتوجه على وجه حكمته اسئله: \par قالت الملائكه ما هى؟ و كم هى؟ \par قال لعنه الله: هى سبع: \par الاولى- انه علم قبل خلقى انه اى شى ء يصدر عنى و يحصل منى فلم خلقنى اولا و ما الحكمه فى خلقه؟ \par الثانيه- اذ خلقنى على مقتضى ارادته و مشيته فلم كلفنى بمعرفته و طاعته و ما الحكمه فى التكليف بعدان لا ينتفع بطاعه و لا يتضرر بمعصيه؟ \par
001    17    الثالثه- اذ خلقنى و كلفنى فالتزمت تكليفه بالمعرفه و الطاعه فعرفت و اطعت فلم كلفنى بطاعه آدم و السجود له و ما الحكمه فى هذا التكليف على الخصوص بعد ان لايزيد ذلك فى معرفتى و طاعتى؟ \par الرابعه- اذ خلقنى و كلفنى على الاطلاق، و كلفنى بهذا التكليف على الخصوص فاذ لم اسجد فلم لعنى و اخرجنى من الجنه و ما الحكمه فى ذلك بعد ان لم ارتكب قبيحا الاقولى لا اسجد الالك؟ \par الخامسه- اذ خلقنى و كلفنى مطلقا و خصوصا فلم اطع فلعننى و طردنى فلم طرقنى الى آدم حتى دخلت الجنه ثانيا و غدرته بوسوستى فاكل من الشجره المنهى عنها و اخرجه من الجنه معى و ما الحكمه فى ذلك بعد انه لو منعنى من دخول الجنه استراح منى آدم و بقى خالدا فيها؟ \par السادسه- اذ خلقنى و كلفنى عموما و خصوصا و لعننى ثم طرقنى الى الجنه و كانت الخصومه بينى و بين آدم فلم سلطنى على اولاده حتى اراهم من حيث لا يرونى و توثر فيهم و سوستى و لا يوثر فى حولهم و قوتهم و قدرتهم و استطاعتهم و ما الحكمه فى ذلك بعد ان لو خلقهم على الفطره دون من يحتالهم عنها فيعيشون طاهرين سامعين مطيعين كان احرى بهم و اليق بالحكمه. \par السابعه- سلمت هذا كله خلقنى و كلفنى مطلقا و مقيدا فاذ لم اطع لعننى و طردنى و اذا اردت دخول الجنه مكننى و طرقنى و اذ عملت عملى اخرجنى ثم سلطنى على بنى آدم فلم اذا استمهلته امهلنى فقلت: انظرنى الى يوم يبعثون قال انك من المنظرين الى يوم الوقت المعلوم و ما الحكمه فى ذلك بعد ان لو اهلكنى فى الحال استراح الخلق منى و ما بقى شر ما فى العالم اليس بقاء العالم على بقاء الخير خيرا من امتزاجه بالشر؟ قال هذه حجتى على ما ادعيه فى كل مسئله. \par
001    17    (الجواب الالهى تعالى و تبارك على الاجمال) \par قال شارح الانجيل: فاوحى الله الى الملائكه عليهم السلام قولوا له: انك فى تسليمك الاول: انى الهك و اله الخلق غير صادق و لا مخلص اذ لو صدقت انى اله العالمين ما حكمت على بلم فانا الله لا اله الا انا لا اسئل عما افعل و الخلق مسئولون. \par قال الفخر الرازى: لو اجتمع الاولون و الاخرون من الخلائق لم يجدوا من هذه الشبهات مخلصا الا الجواب الالهى، انتهى \par (الاجوبه الحكميه عن تلك الشبهات على التفصيل) \par و تعقبه بعض المتاخرين من علمائنا المتبحرين فقال: ان غرض الفخر الرازى اثبات مذهب اصحابه من القول بالفاعل المختار و نفى التخصيص فى الافعال و ذلك مما ينسد به باب اثبات المطالب بالبراهين كاثبات الصانع و صفاته و افعاله و اثبات البعث و الرساله اذمع تمكين هذه الاراده الجزا فيه لم يبق اعتماد على شى ء من اليقينيات فيجوز ان يخلق الفاعل المختار بالاراده التى يعتقدها هولاء الجدليون فينا امرا يرينا الاشياء لا على ما هى عليه، فاقول: ان لكل شبهه من هذه الشبهات التى اوردها اللعين جوابا برهانيا حقا ينتفع به من له قلب سليم او القى السمع و هو شهيد و لا ينفع المريض النفس و الجدلى الذى غرضه ليس الا المماراه و المجادله فلا يمكن الزامه الابضرب من الجدل و لهذا اجيب اللعين من قبل الله تعالى بما يسكته، و هو بيان حاله و ما عليه من كفره و ظلمه جوهره عن ادراك الحق كما هو و ان ليس غرضه فى ابداء هذه الشبهات الا الاعتراض و اغواء من يتبعه من الجهال الناقصين او الغاوين الذين هم جنود ابليس اجمعون، فقيل له انك لست بصادق فى دعواك معرفه الله تعالى و ربوبيته، و لو صدقت فيها لم تكن معترضا على فعله. \par و اما الجواب الحكميه عن تلك الشبهات على التفصيل لمن هو اهلها و مستحقها فهى هذه: \par
001    17    اما الشبهه الاولى: و هى السوال عن الحكمه و الغايه فى خلق ابليس فالجواب عنها: انه من حيث انه من جمله الموجودات على الا طلاق فمصدره و غايته ليس الا ذاته تعالى التى تقتضى وجود كل ما يمكن وجوده و يفيض عنها الوجود على كل قابل و منفعل و اما حيثيه كونه موجودا ظلمانيا و ذاتا شريره و جوهرا خبيثا فليس ذلك بجعل جاعل بل هو من لوازم هويته النازله فى آخر مراتب النفوس و هى المتعلقه بما دون الاجرام السماويه و هو الجرم النارى الشديده القوه فلا جرم غلبت عليه الانانيه و الاستكبار و الافتخار و الاباء عن الخضوع و الانكسار. \par و اما الشبهه الثانيه: و هى السوال عن حكمه التكليف بالمعرفه و الطاعه فالجواب عنها ان الغايه فى ذلك تخليص النفوس من اسر الشهوات و سجن الظلمات و نقلها من حدود البهيميه و السبعيه الى حدود الانسانيه و الملكيه و تطهيرها و تهذيبها بنور العلم و قوه العمل من دون الكفر و المعصيه و رجس الجهل و الظلمه، و لا ينافى عموم التكليف عدم تاثيره فى النفوس الجاسيه و القلوب القاسيه كما ان الغايه فى انزال الغيث: اخراج الحبوب و انبات الثمار و الاقوات منها و عدم تاثيره فى الصخور القاسيه و الاراضى الخبيثه لا ينافى عموم النزول، و الله اجل من ان يعود اليه فائده فى هدايه الخلق كما فى اعطائه اصل خلقه بل هو الذى اعطى كل شى ء خلقه ثم هدى من غير غرض او عوض فى فضله وجوده. \par و اما الشبهه الثالثه: و هى السوال عن فائده تكليفه بالسجود لادم و الحكمه فيه، \par
001    17    فالجواب عنها: اولا ينبغى ان يعلم ان الله سبحانه فى كل ما يفعله او يامر به حكمه بل حكما كثيره لانه تعالى منزه عن فعل العبث و الاتفاق و الجزاف و ان خفى علينا وجه الحكمه فى كثير من الامور على التفصيل بعد ان علمنا القانون الكلى فى ذلك على الاجمال و خفاء الشى ء علينا لا يوجب انتفائه، و هذا يصلح للجواب من هذه الشبهه و نظائرها، و ثانيا: ان التكليف بالسجود كان عاما للملائكه و كان هو معهم فى ذلك الوقت فعمه الامر بها تبعا و بالقصد الثانى لكنه لما تمردو عصى و استكبر و ابى بعد ما اعتقد بنفسه انه من المامورين صار مطرودا ملعونا، و ثالثا: ان الاوامر الالهيه و التكاليف الشرعيه ما يمتحن به جواهر النفوس و يعلن ما فى بواطنهم و يبرز ما فى مكامن صدورهم من الخير و الشر و الشقاوه فتتم به الحجه و تظهر المحجه ليهلك من هلك عن بينه و يحيى من حى عن بينه. \par و اما الشبهه الرابعه: و هى السوال عن لميه تعذيب الكفار و المنافقين و ايلامهم بالعقوبه و ابعادهم عن دار الرحمه و الكرامه فالجواب عنها: ان العقوبات الاخرويه من الله تعالى ليس باعثها الغضب و الانتقام و ازاله الغيظ و نحوها تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، و انما هى لوازم و تبعات ساق اليها اسباب داخليه نفسانيه و احوال باطنيه انتهت الى التعذيب بنتايجها من الهوى الى الهاويه و السقوط فى اسفل درك الجحيم و مصاحبه الموذيات من العقارب و الحيات و غيرها من المولمات. \par و مثالها فى هذا العالم: الامراض الوارده على البدن الموجبه للاوجاع و الالام بواسطه نهمه سابقه فكما ان وجع البدن لازم من لوازم ما ساق اليه الاحوال الماضيه و الافعال السابقه من كثره الاكل و افراط الشهوه و نحو هما من غير ان يكون ها هنا معذب خارجى فكذلك حال العواقب الاخرويه و ما يوجب العذاب الدائم لبعض النفوس الجاحده للحق المعرضه عن الايات و هى: نارالله الموقده التى تطلع على الافئده \par و اما التى دلت عليه الايات و الاخبار الوارده فى الكتب الالهيه و الشرايع الحقه \par
001    17    من العقوبات الجسمانيه الوارده على بدن المسى ء من خارج على ما يوصف فى التفاسير فهى ايضا منشاها امور باطنيه و هيات نفسانيه برزت من الباطن الى الظاهر، و تصورت بصوره النيران و العقارب و الحيات و المقامع من حديد و غيرها، و هكذا حصول الاجسام و الاشكال و الاشخاص فى الاخره كما حقق فى مباحث المعاد الجسمانى و كيفيه تجسم الاعمال، و دل عليه كثير من الايات: مثل قوله تعالى: و ان جهنم لمحيطه بالكافرين و قوله تعالى: و برزت الجحيم لمن يرى و قوله تعالى: كلا لو تعلمون علم اليقين لترون الجحيم ثم لترونها عين اليقين و قوله تعالى: اذا بعثر ما فى القبور و حصل ما فى الصدور ثم اذا سلم معاقب من خارج فان ذلك ايضا مصلحه عظيمه لان التخويف و الانذار بالعقوبه نافع فى اكثر الاشخاص و الايفاء بذلك التخويف بتعذيب المجرم المسى ء تاكيد للتخويف و مقتض لازدياد النفع، ثم هذا التعذيب و ان كان شرا بالقياس الى الشخص المعذب لكنه خير بالقياس الى اكثر افراد النوع فيكون من جمله الخير الكثير الذى يلزم الشر القليل كما فى قطع العضو لاصلاح البدن و ساير الاعضاء. \par و اما الشبهه الخامسه: و هى السوال عن فائده تمكين الشيطان من الدخول الى آدم فى الجنه حتى غره بوسوسته فاكل ما نهى عنه فاخرج به من الجنه، فالجواب عنها: ان الحكمه فى ذلك و المنفعه عظيمه فانه لو بقى فى الجنه ابدا لكان بقى هو وحده فى نزلته التى كان عليها فى اول الفطره من غير استكمال و اكتساب فطره اخرى فوق الاولى و اذا هبط الى الارض خرج من صلبه اولاد لاتحصى يعبدون الله و يطيعونه الى يوم القيمه و يرتقى منهم عدد كثير فى كل زمان الى درجات الجنان بقوتى العلم و العباده، اى حكمه و فائده اعظم و اجل و ارفع و اعلى من وجود الانبياء و الاولياء و من جملتهم سيد المرسلين و اولاده المعصومين صلوات الله عليهم اجمعين و على ساير الانبياء و المرسلين؟ \par
001    17    و لو لم يكن فى هبوطه الى الارض مع ابليس الا ابتلائه مده الدنيا و اكتسابه درجه الاصطفاء لكانت الحكمه عظيمه و الخير جليلا. \par و اما الشبهه السادسه: و هى السوال عن وجه الحكمه فى تسليطه و هو العدو المبين على ذريه آدم بالاغواء و الوسوسه بحيث يراهم من حيث لايرونه، فالجواب عنها: ان نفوس افراد البشر فى اول الفطره ناقصه بالقوه و مع ذلك بعضها خيره نورانيه شريفه بالقوه مائله الى الامور القدسيه عظيمه الرغبه الى الاخره و بعضها خسيسه الجواهر ظلمانيه شريره بالقوه مائله الى الجسمانيات عظيمه فى ايثار الشهوه و الغضب فلو لم يكن الاغواء و لا طاعه النفس و الهوى لكان ذلك منافيا للحكمه لبقائهم على طبقه واحده من نفوس سليمه ساذجه فلا تتمشى عماره الدنيا بعدم النفوس الجاسيه الغلاظ العماله فى الارض لاغراض دنيه عاجله، الاترى الى ماروى من قوله تعالى فى الحديث القدسى : انى جعلت معصيه آدم سببا لعماره العالم، و ماروى ايضا فى الخبر: لو لا انكم تذنبون لذهب الله بكم و جاء بقوم يذنبون. \par و اما الشبهه السابعه: و هى السوال عن الفائده فى امهاله الى يوم الوقت المعلوم فالجواب عنها بمثل ما ذكرناه فان بقائه تابع لبقاء النوع البشرى بتعاقب الافراد و هى مستمر الى يوم القيمه فكذلك وجب استمراره لاجل ادائه الفائده التى ذكرناها فى وجوده و وجود وسوسته الى يوم الدين، و قوله: اليس بقاء العالم على الخير خيرا من امتزاجه بالشر؟ قلنا فاذن لم يكن دنيا فالدنيا ممزوجه بالشر و لو كان كلها خيرا لكان وجودها خيرا من عدمها لكنها جسر يعبر به الناس الى الاخره، و وسيله الى الخير الاخروى الدائم، و العالم الذى لا يتطرق اليه الشرور و الافات عالم آخر اليه رجعى الطاهرات من نفوسنا. \par و هذا اللعين مع اشتهاره بالعلم فى غايه الجهل المركب بالعناد كما يظهر من ايراده تلك الشبهات و كل من له مرتبه متوسطه فى الحكمه يعلم دفعها و حلها فضلا عن الراسخ القدم فى الحكمه المنشرح الصدر بنور الايمان و المعرفه و مع ذلك ذكر الفخر الرازى ما نقلناه عنه انه: لو اجتمع الخلايق كلهم لم يجدوا مخلصا من هذه \par
001    17    الشبهات الا بما سماه الجواب الالهى من القول بابطال الحكمه و انكار الغايه و نفى المرجح و السبب الذاتى لوجود الاشياء شغفا بمذهب اصحابه و ترويجا له من القول بالفاعل المختار و الاراده الجزافيه، و ذلك لقصوره و قصورهم عن ادراك الحكمه العليه و عجزهم عن دفع الاوهام و الشبهات فى الامور العقليه، و الله يقول الحق و هو يهدى السبيل. \par (السوال و الجواب فى استعاذه المعصومين عليهم السلام) \par قد يقال: ان الشيطان ليس له سلطان على عباد الله المخلصين لقوله تعالى: ان عبادى ليس لك عليهم سلطان و قول الشيطان: الا عبادك منهم المخلصين فما الفائده فى امره سبحانه سيد انبيائه و اخلص اصفيائه لقوله: فاذا قرات القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم و قوله: اعوذ برب الناس و كيف استعاذ منه ساير الانبياء و المرسلين و الائمه المعصومين؟ \par و الجواب ان الكلام فى صحه الاستعاذه كالكلام فى ساير الادعيه و العبادات التى جعلها الله سببا و واسطه لحصول الكمالات العاجله و الاجله للعبد فجعل الاستعاذه سببا لدفع سلطان الشيطان كما جعل الدعاء و العباده سببا لجلب رضوان الرحمن. \par
001    17    (المراد بامانى الشيطان و مواعيده..) \par قال صلوات الله و سلامه عليه و على آبائه و ابنائه الطاهرين: \par (اللهم انا نعوذ بك من نزغات الشيطان الرجيم، و كيده و مكايده و من الثقه بامانيه و مواعيده و غروره و مصايده). \par آثر عليه السلام صيغه المتكلم مع غيره فى الاستعاذه اشعارا باشتراك ساير الموحدين له فى وجوب الاستعاذه به تعالى، او تعميما للسعى فى صلاح حاله و حال جميع اهل ملته، او لملاحظه دخول جميع قواه و حواسه الظاهره و الباطنه، و صيغه المضارع للدلاله على الاستمرار، و النزغات: جمع نزغه و هى فعله من النزغ يقال نزغ الشيطان بين القوم من باب نفع اى افسد، و نزغه الشيطان ايضا وسوس اليه، و الالف و اللام فى الشيطان \par
001    17    للجنس ليفيد الاستعاذه من هذا الجنس مطلقا مرئيا او غير مرئى و لذلك جمع ضميره فى قوله تعالى: «ان الذين اتقوا اذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فاذا هم مبصرون و اخوانهم يمدونهم فى الغى لايقصرون» اى اخوان الشياطين فاعاد الضمير جمعا باعتبار الجنس لان الجنس يدل على الكثره باعتبار انه مفهوم كلى لايمنع شركه الكثير فيه، و لا ينافى ذلك افراد ضميره فى الدعاء و لا وصفه بالمفرد لانه باعتبار اللفظ و الرجيم: فعيل من الرجم و هو لغه: الرمى بالحجاره و وصف به الشيطان لانه يرمى بالسب و الشهب، و الكيد: السعى فى فساد الحال على جهه الاحتيال- و المكائد: جمع مكيده و هى اسم من كاده يكيده، و عطفه على كيده للتنصيص على انواعه المختلفه و وثق به يثق بكسر هما ثقه و وثوقا: ائتمنه و اطمان الى قوله، و الامانى بالتشديد و قد يخفف جمع امنيه و هى اسم من تمنى الشى ء اذا طلب حصوله ممكنا كان او ممتنعا و قد يطلق على حديث النفس بما يكون و ما لا يكون، و المراد بامانى الشيطان: الاهواء الباطله التى يلقيها فى قلب الانسان فيمنيه طول البقاء و انه ينال من الدنيا مقصوده، و يستولى على اعدائه و يشوش بذلك فكره فى استخراج الحيل الدقيقه و الوسائل اللطيفه فى تحصيل مطالبه الشهويه و الغضبيه فيصده عن الطاعه و يلقيه فى المعصيه و تسويف التوبه، و المواعيد: جمع ميعاد مصدر بمعنى الوعد، نص عليه الزمخشرى فى الاساس قال: قد اخلف وعده وعدته و موعده و موعدته و موعوده و ميعاده، و هذا الوقت و المكان ميعادهم. انتهى، فيكون الميعاد مصدرا و اسم زمان و اسم مكان او مصدر بمعنى المواعده نص عليه الجوهرى فى الصحاح قال: و الميعاد: المواعده و الوقت و الموضع، لا يقال: المواعده انما تكون من الطرفين و المستعاذ منه انما هو وعد الشيطان، لانا نقول: الطاعه فى القبول من الموعود بمنزله المواعده فكانه استعاذ من وعد الشيطان و الطاعه له فى قبول وعده، فهو كقوله تعالى: و واعدنا موسى قال ابواسحاق: لما كانت الطاعه فى القبول بمنزله المواعده فهو من الله وعد و من موسى قبول و اتباع اجرى مجرى المواعده، و يحتمل ان يكون المواعيد: جمع موعود او موعوده \par
001    17    مصدرين بمعنى الوعد. \par و الوعد من الشيطان: اما بالقاء الخواطر الفاسده او بالسنه اوليائه من شياطين الجن و الانس، فمن مواعيده الباطله: ان يعد الغفران مع ارتكاب الكبائر كما قال تعالى: ياخذون عرض هذا الادنى و يقولون سيغفر لنا و ربما وعد من لا يقين له بانه لاقيامه و لا حساب و لا جزاء و لا عقاب فاجتهدوا فى استيفاء اللذات العاجله و اغتنموا فرصه الحيوه الزائله، و لقد سمعت بعض من كان على ظاهر الاسلام يقول: انه لم ياتنا ممن مات خبر نتحقق معه امر الخطاب و العقاب و انما هو شى ء يقال فلا ينبغى للعاقل ان يترك لذاته الدنيويه خوفا من امر غير متحقق فربما اذا مات لم يجد مما خافه شيئا اليس يكون قد فاته من لذات الدنيا ما لا يمكنه تلافيه، فنهيته عن مثل هذا الكلام فاعرض عنى. \par و من مواعيد الشيطان الكاذبه: ما اخبرنا به الله سبحانه فى قوله: الشيطان يعدكم الفقر فان وعده بالفقر من خفى حيله، و بيانه: انه لما كان البخل صفه مذمومه عند كل احد لم يمكنه ان يجره ابتداء اليها الا بتقديم مقدمه هى الوعد بالفقر ليمسك عن انفاق الجيد من ماله فاذا اطاعه زاد فيمنعه من الانفاق بالكليه، و ربما تدرج الى ان يمنع الحقوق الواجبه فلا يودى الزكوه و لا يصل الرحم و لا يرد الوديعه فاذا صار هكذا ذهب وقع الذنوب من قلبه فيقدم على المعاصى كلها، و الغرور: ايهام النفع فيما فيه ضرر، و قيل هو استغفال النفس و امالتها الى ما يوافق الهوى و يميل اليه الطبع عن شبهه و خدعه، و غرور الشيطان يعود الى ايهام النفع فيما يخالف امر الله تعالى بالوسوسه كما فعل بآدم عليه السلام حسبما حكاه الله سبحانه بقوله: فوسوس اليه الشيطان قال يا آدم هل ادلك على شجره الخلدو ملك لا يبلى و المصايد: جمع مصيده بكسر الميم و سكون الصاد و هى آله الصيد، و المراد بها هنا: الشهوات و اللذات الدنيويه \par
001    17    استعار لها لفظ المصايد لمشابهتها اياها فى استلزام الحصول فيها للبعد عن السلامه و الحصول فى العذاب، و قد وقع فى اكثر النسخ همز المكائد و المصائد و قد علمت ان حرف العله الواقعه بعد الالف فى مثل هذا الجمع اذا كانت اصليه لم تقلب همزه، و ما سمع من ذلك مهموزا فضعيف كهمز معايش و الصواب ما وقع فى نسخه ابن ادريس من ضبطهما بالياء من غير همز. \par
002    17    (الاشاره الى ما يدعو اليه الشيطان من وجوه الشر) \par (و ان يطمع نفسه فى اضلالنا عن طاعتك، و امتهاننا بمعصيتك او ان يحسن عندنا ما حسن لنا، او ان يثقل علينا ما كره الينا) \par اطمع نفسه فى الشى ء: قدر فى نفسه حصوله، و الغرض سوال اخلاصه سبحانه له بطاعته و تخليصه من ربق الاهواء ليكون من عباده المخلصين الذين علم ابليس ان كيده لا يوثر فيهم فلم يحدث نفسه باضلالهم فاستثناهم من جمله بنى آدم حيث قال: «فبعزتك لاغوينهم اجمعين الا عبادك منهم المخلصين» و الامتهان: افتعال من المهن مهن مهنا من بابى قتل و نفع: خدم غيره، و امتهنه: استخدمه، و حسن الشى ء عنده يحسن بالضم فيهما: لايم طبعه، و حسنه له تحسينا: زينه حتى مال اليه طبعه و الثقل فى الاصل للحمل يقال: ثقل عليه الحمل بالضم يثقل ثقلا، ثم توسع فيه و استعمل فى كل ما لا يلايم الطبع، و كره اليه الشى ء. قبحه له- و فى ذلك اشاره الى ما يدعو اليه الشيطان من وجوه الشر فانه يحسن للانسان معاصى الله تعالى و يكره اليه طاعاته فيخيل اليه حصر اللذات فى الشهوات و الجاه حتى ينفق ماله فى المحرمات و يخوفه بالفقر حتى يمنع الزكوه، و يسهل عليه تحمل المشاق فى طلب الدنيا و يثقل عليه القيام الى الصلوه و يحسن اليه امضاء الغضب و يريه ان كظم الغيظ عجز و ذله و له ابواب يطول شرحها. \par
003    17    (لما كان العبد لا يستقل بمقاومه الشيطان..) \par (لابد من ان يفزع الى من..) \par (اللهم اخساه عنا بعبادتك، و اكبته بدوبنا فى محبتك، و اجعل بيننا و بينه سترا لا يهتكه و ردما مصمتا لا يفتقه). \par خسا الكلب من باب نفع خساو خسوا: طرده، و كبت الله العدو من باب ضرب: رده بغيظه و اهانه، و كبته ايضا: صرعه و اخزاه و صرفه و كسره و اهلكه، و داب الرجل فى العمل من باب نفع دوبا: اجتهد فيه، و هتك الستر من باب ضرب هتكا: هو ان يجذبه حتى ينزعه من مكانه او يشقه حتى يظهر ما ورائه، و الردم: الحاجز الحصين، و قيل: هو السد المتراكم بعضه فوق بعض و شى ء مصمت لا جوف له، و باب مصمت: مغلق، و فتقت الثوب فتقا من باب قتل: نقضت خيا طته حتى فصلت بعضه من بعض. \par و اعلم انه لما كان العبد لايستقل بمقاومه الشيطان لمعارضه الوهم و الخيال العقل و جذب ساير القوى الى عالم السفل لم يكن له بد من ان يفزع الى من سلطه عليه ابتلاء ليعيذه منه و من دواعيه و ان يطرده عنه و يرده و يحول بينه و بينه ثم لما كان خسا الشيطان و طرده لا يمكن الا بقهر الوهم و ساير القوى البدنيه عن مقتضيات طباعها و كانت عبادته تعالى اعظم ما قهر به ذلك لما اشتملت عليه من الا و امر و النواهى الا لهيه الموجبه لانقهار النفس و انقيادها توسل اليه سبحانه فى ان يخسا الشيطان بالتوفيق لعبادته. \par و لما كانت محبه الشى ء موجبه لعدم التفات المحب الى غيره كائنا من كان فضلا عن عدوه الذى يرومه صرفه عنه و مستلزمه لعداوه عدو المحبوب و كان ذلك موجبا لكبت العدو ساله سبحانه ان يكبته بالتوفيق للاجتهاد فى محبته. \par روى فى خبر ان الشيطان قال: يا رب ان عبادك يحبونك و يعصونك و يبغضونى و يطيعونى، فاجيب بانى قد عفوت عنهم ما اطاعوك بما ابغضوك و قبلت منهم ايمانهم و ان لم يطيعونى بما احبونى. \par و المراد بالستر و الردم المسئولين: اما تقوى الله تعالى و الاخلاص فى طاعته، \par
003    17    فان دواعى الشيطان تضمحل عندهما فلا ينفذ فيهما كيده و لا يطيق نقضهما ايده، و اما ستروردم ملكوتيان يحولان بينه و بين الشيطان فلا يخطر للشيطان معهما اغواء و اضلال كما جعل بين رسوله صلى الله عليه و آله و بين اعدائه حجابا مستورا عند قرائه القرآن حيث قال سبحانه: «و اذا قرات القرآن جعلنا بينك و بين الذين لا يومنون بالاخره حجابا مستورا». \par
004    17    (البديع الادماج و معناه) \par (اللهم صل على محمد و آله، و اشغله عنا ببعض اعدائك، و اعصمنا منه بحسن رعايتك، و اكفناختره، و ولنا ظهره، و اقطع عنا اثره). \par شغلت زيدا بكذا من باب نفع جعلته له شغلا، و شغلنى الامر: صارلى شغلا و لما كان الشغل لا يتعلق بالذوات تحتم هنا تقدير مضاف اى اشغله عنا بملازمه بعض اعدائك، و هذه الفقره من البديع الادماج، و هو ان يضمن المتكلم كلاما ساقه لمعنى معنى آخر بشرط ان لايشعر فى كلامه بانه مسوق لاجله كقوله تعالى: له الحمد فى الاولى و الاخره فانه مسوق لتفرده تعالى بوصف الحمد و ادمج فيه الاشاره الى البعث و الجزاء، و هكذا عباره الدعاء فانها سيقت لسوال شغل الشيطان عنه حتى لا يشتغل به و ادمج فيها الدعاء على اعداء الله سبحانه، و عصمه الله من المكروه من باب ضرب: حفظه و وقاه و منعه، و الرعايه بالكسر: اسم من رعاه يرعاه بمعنى حفظه، و كفاه الله السوء يكفيه: دفعه عنه، و الختر: الخديعه و اقبح الغدر، و التوليه: جعل الشى ء يلى غيره يقال: و لاه ظهره اذا جعله يليه و هو كنايه عن الانهزام لان المنهزم يجعل ظهره مما يلى المنهزم عنه، و منه قوله تعالى: «و ان يقاتلوكم يولوكم الادبار ثم لا ينصرون» فقوله عليه السلام: و ولنا ظهره اى اهزمه عنا، و الاثر بالتحريك و بالكسر ساكنا رسم رجل الماشى فى الارض و هو كنايه عن سواله منعه من وصوله اليه \par
004    17    لانه اذا لم يصل اليه انقطع مشيه اليه فانقطع اثره. \par
005    17    (ان عيسى (ع) يرى موضع الشيطان من بنى آدم) \par (اللهم صل على محمد و آله و امتعنا من الهدى بمثل ضلالته، و زودنا من التقوى ضد غوايته، و اسلك بنا من التقى خلاف سبيله من الردى، \par امتعه الله بكذا و متعه بالتثقيل: اطال له الانتفاع به و وجه المثليه: الثبوت و الدوام و الكثره اى امتعنا من الهدى بهدى ثابت دائم كثير مثل ثبوت ضلالته و دوامها و كثرتها، و الزاد: طعام المسافر المتخذ لسفره، و زودته: اعطيته زادا و لما كان التقوى مما تتقوى به النفس على الوصول الى جناب القدس فى السفر الاخروى كما تتقوى الطبيعه بالزاد على الحركه الحسيه فى السفر الدنيوى استعار لها لفظ الزاد، و الضد بالكسر: المثل و المخالف ضد، قال ابوعمرو: الضد: مثل الشى ء و الضد خلافه. و هو هنا محتمل للمعنيين فان جعلته بمعنى المثل كان وجه الشبه ما ذكرناه فى الفقره الاولى. و ان جعلته بمعنى الخلاف كان المعنى: و زودنا من التقوى تقوى مخالفه لغوايته فى جميع الاحوال فاذا اوجبت غوايته الهلاك اوجبت تقوانا النجات، و اذا اثمرت غوايته الضلال و الاضلال اثمرت تقوانا الهدى و الارشاد، و الغوايه بالفتح اسم من غوى من باب ضرب: انهمك فى الجهل و هو خلاف الرشد، و غوى ايضا: ضل و خاب، و سلكت الطريق سلوكا من باب قعد: ذهبت فيه يتعدى بنفسه و بالباء ايضا فتقول: سلكت زيدا الطريق و سلكت به الطريق، و التقى و التقوى فى اللغه بمعنى اتخاذ الوقايه و يستعملان بحسب العرف الشرعى بمعنى خشيه الله، و منه قوله تعالى: يا ايها الناس اتقوا ربكم و قد تقدم الكلام على مراتب التقوى فى الروضه الرابعه و السبيل: الطريق، و الردى الهلاك و المراد به: الهلاك الاخروى، \par
006    17    اللهم لاتجعل له فى قلوبنا مدخلا، و لا توطنن له فيما لدينا منزلا \par و المدخل بفتح الميم اما مصدر ميمى بمعنى الدخول او اسم لموضع الدخول يقال: هذا مدخل البيت اى موضع الدخول اليه: و النوطين: التمهيد \par
006    17    و منه وطن نفسه على الامر اذا مهدها لفعله \par يروى ان عيسى عليه السلام دعا ربه ان يريه موضع الشيطان من بنى آدم فاراه ذلك فاذا راسه مثل راس الحيه واضع راسه على قلبه فاذا ذكر الله خنس و اذا لم يذكره وضع راسه على جثه قلبه. \par و قال صلى الله عليه و آله: لولا ان الشياطين يحومون على قلوب بنى آدم لنظروا الى ملكوت السموات. \par
008    17    (ان الشيطان يدفع لك تسعه و تسعين بابا من الخير حتى...) \par (اللهم و ما سول لنا من باطل فعرفناه، و اذا عرفتنا فقناه، و بصرنا ما نكايده به و الهمنا ما نعده له، و ايقظنا عن سنه الغفله بالركون اليه، و احسن بتوفيقك عوننا عليه، اللهم و اشرب قلوبنا انكار عمله، و الطف لنا فى نقض حيله \par التسويل: تحسين الشى ء و تزيينه و تحبيبه الى الانسان ليفعله او يقوله، و الباطل ما خالف الحق: من عقيده او قول او عمل، و عرفته الامر تعريفا: اعلمته اياه، و وقاه الله السوء: حفظه وصانه عنه، بصرته كذا او بصرته بكذا تبصيرا: اعلمته اياه و هو من بصرت بالشى ء بالضم و الكسر لغه بصرا بفتحتين: علمته فانا بصير به يتعدى بالباء فى اللغه الفصحى و قد يتعدى بنفسه فيقال بصرت الشى ء كما يقال بصرت به، و هو ذو بصر و بصيره اى علم و خبره، و كايده: خادعه و ما كره و يكون بمعنى كاده ايضا، و الهمه الله الخير: القاه فى روعه بطريق الفيض، و اعد الشى ء اعدادا: هياه. \par وصى بعض الصالحين فقال: كن من الشيطان كالغريب يقصده كلب الراعى فيفزع الى الراعى فان الشيطان يدفع لك تسعه و تسعين بابا من الخير حتى يصطادك عند تمام الماه فقابله بالاضداد: فان دعاك الى الدنيا، فقل هى فانيه. \par و ان دعاك الى الشهوات، فقل هى ندامه. \par و ان دعاك الى الكبر، فقابله بمعرفه اصلك و فرعك: تراب صلصال، و حما مسنون. و ماء مهين. \par و ان دعاك الى العجب، فقل كيف اعجب بما ليس منى انما هو توفيق و عصمه و العجب ممن يعجب بعمله و لا يدرى بما يختم له، هكذا يبصر الله اوليائه ما يكايدون به الشيطان و يلهمهم ما يعدونه له من العلم و العرفان، و السنه: ما يتقدم من النوم من الفتور و الغفله: غيبه الشى ء عن البال، شبهها بالقوم و اثبت لها السنه تخييلا و ركنت الى زيد ركونا من باب تعب فى اللغه الفصحى ملت و سكنت اليه و اعتمدت عليه، و العون: الظهير على الامر. \par و اعلم ان الشيطان لعنه الله كثيرا ما يزين الباطل فيريه فى صوره الحق حتى انه ليدعو الى خير لتفويت خير اعظم منه اوجر شر لا يفى به، و عقل العبد عاجز عن ادراك ذلك من دون اعانه الله تعالى فوجب الرجرع فى جلب كل خير و دفع كل شر و تميز كل باطل من حق: الى القادر المطلق الذى لا يعجزه شى ء اذلا خلاص للعقل من ظلمات الشبهات و لا نجاه لسفينه الفكر من امواج الضلالات الا باعانه رب الارض و السموات. \par (اذا مال العقل نحومو لم جميل، و الهوى نحو ملذ قبيح...) \par (بادر نور الله الى نصره العقل و..) \par قال بعض العلماء: ربما تشبه الهوى بالعقل فيتعلق بشبهه مرخزفه و معذره مموهه كالعاشق اذا سئل عن عشقه و المتناول لطعام ردى اذا سئل عن فعله، ثم اذا مال العقل نحومو لم جميل و الهوى نحو ملذ قبيح فتنازعا بحسب غرضيهما و تحاكما الى القوه المدبره بادر نور الله الى نصره العقل، و وساوس الشيطان الى نصره الهوى كما قال الله تعالى: الله ولى الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات الى النور و الذين كفروا \par اوليائهم الطاغوت يخرجونهم من النور الى الظلمات فمتى كانت القوه المدبره من اولياء الشيطان لم ير نور الحق فعميت عن نفع الاجل و اغترت بلذه العاجل فجنحت الى الهوى كما قال تعالى: افرايت من اتخذ الهه هواه و اضله الله على علم و متى كانت من حزب الله و اوليائه اهتدت بنوره فاستهانت بلذه العاجل و طلبت سعاده الاجل كما قال تعالى: و اما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله انه سميع عليم ان الذين اتقوا اذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فاذا هم مبصرون و اشرب قلبه حب الشى ء: خالطه و داخله فقبله و سكن اليه كما يداخل الصبغ الثوب و الشراب اعماق البدن، و انكرت عليه عمله: عتبته و قبحته، و لطف الله له: اوصل اليه مراده بلطف اى رفق، و الحيل كعنب: جمع حيله و هى اسم من الاحتيال، و المراد بنقض حيله: ابطالها حتى لا توثر فيه، يقال: نقضت ما ابرمه: اذا ابطلته، \par
007    17    (ان الشيطان يدفع لك تسعه و تسعين بابا من الخير حتى...) \par (اللهم و ما سول لنا من باطل فعرفناه، و اذا عرفتنا فقناه، و بصرنا ما نكايده به و الهمنا ما نعده له، و ايقظنا عن سنه الغفله بالركون اليه، و احسن بتوفيقك عوننا عليه، اللهم و اشرب قلوبنا انكار عمله، و الطف لنا فى نقض حيله \par التسويل: تحسين الشى ء و تزيينه و تحبيبه الى الانسان ليفعله او يقوله، و الباطل ما خالف الحق: من عقيده او قول او عمل، و عرفته الامر تعريفا: اعلمته اياه، و وقاه الله السوء: حفظه وصانه عنه، بصرته كذا او بصرته بكذا تبصيرا: اعلمته اياه و هو من بصرت بالشى ء بالضم و الكسر لغه بصرا بفتحتين: علمته فانا بصير به يتعدى بالباء فى اللغه الفصحى و قد يتعدى بنفسه فيقال بصرت الشى ء كما يقال بصرت به، و هو ذو بصر و بصيره اى علم و خبره، و كايده: خادعه و ما كره و يكون بمعنى كاده ايضا، و الهمه الله الخير: القاه فى روعه بطريق الفيض، و اعد الشى ء اعدادا: هياه. \par وصى بعض الصالحين فقال: كن من الشيطان كالغريب يقصده كلب الراعى فيفزع الى الراعى فان الشيطان يدفع لك تسعه و تسعين بابا من الخير حتى يصطادك عند تمام الماه فقابله بالاضداد: فان دعاك الى الدنيا، فقل هى فانيه. \par و ان دعاك الى الشهوات، فقل هى ندامه. \par و ان دعاك الى الكبر، فقابله بمعرفه اصلك و فرعك: تراب صلصال، و حما مسنون. و ماء مهين. \par و ان دعاك الى العجب، فقل كيف اعجب بما ليس منى انما هو توفيق و عصمه و العجب ممن يعجب بعمله و لا يدرى بما يختم له، هكذا يبصر الله اوليائه ما يكايدون به الشيطان و يلهمهم ما يعدونه له من العلم و العرفان، و السنه: ما يتقدم من النوم من الفتور و الغفله: غيبه الشى ء عن البال، شبهها بالقوم و اثبت لها السنه تخييلا و ركنت الى زيد ركونا من باب تعب فى اللغه الفصحى ملت و سكنت اليه و اعتمدت عليه، و العون: الظهير على الامر. \par و اعلم ان الشيطان لعنه الله كثيرا ما يزين الباطل فيريه فى صوره الحق حتى انه ليدعو الى خير لتفويت خير اعظم منه اوجر شر لا يفى به، و عقل العبد عاجز عن ادراك ذلك من دون اعانه الله تعالى فوجب الرجرع فى جلب كل خير و دفع كل شر و تميز كل باطل من حق: الى القادر المطلق الذى لا يعجزه شى ء اذلا خلاص للعقل من ظلمات الشبهات و لا نجاه لسفينه الفكر من امواج الضلالات الا باعانه رب الارض و السموات. \par (اذا مال العقل نحومو لم جميل، و الهوى نحو ملذ قبيح...) \par (بادر نور الله الى نصره العقل و..) \par قال بعض العلماء: ربما تشبه الهوى بالعقل فيتعلق بشبهه مرخزفه و معذره مموهه كالعاشق اذا سئل عن عشقه و المتناول لطعام ردى اذا سئل عن فعله، ثم اذا مال العقل نحومو لم جميل و الهوى نحو ملذ قبيح فتنازعا بحسب غرضيهما و تحاكما الى القوه المدبره بادر نور الله الى نصره العقل، و وساوس الشيطان الى نصره الهوى كما قال الله تعالى: الله ولى الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات الى النور و الذين كفروا \par اوليائهم الطاغوت يخرجونهم من النور الى الظلمات فمتى كانت القوه المدبره من اولياء الشيطان لم ير نور الحق فعميت عن نفع الاجل و اغترت بلذه العاجل فجنحت الى الهوى كما قال تعالى: افرايت من اتخذ الهه هواه و اضله الله على علم و متى كانت من حزب الله و اوليائه اهتدت بنوره فاستهانت بلذه العاجل و طلبت سعاده الاجل كما قال تعالى: و اما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله انه سميع عليم ان الذين اتقوا اذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فاذا هم مبصرون و اشرب قلبه حب الشى ء: خالطه و داخله فقبله و سكن اليه كما يداخل الصبغ الثوب و الشراب اعماق البدن، و انكرت عليه عمله: عتبته و قبحته، و لطف الله له: اوصل اليه مراده بلطف اى رفق، و الحيل كعنب: جمع حيله و هى اسم من الاحتيال، و المراد بنقض حيله: ابطالها حتى لا توثر فيه، يقال: نقضت ما ابرمه: اذا ابطلته، \par
009    17    اللهم صل على محمد و آله، و حول سلطانه عنا و اقطع رجائه منا، و ادراه عن الولوع بنا) \par و حولته تحويلا: نقلته من موضع الى موضع. و سلطانه اى تسلطه و تصرفه بالاغواء المستتبع للاجابه و الافلا سلطان له على احد بالقسر و الالجاء كما قال: و ما كان لى عليكم من سلطان الا ان دعوتكم فاستجبتم لى و اقطع رجائه اى آيسه منا حتى لا يطمع على حال فى اغوائنا، و درات الشى ء درءا من باب نفع: دفعته، و ولع بالشى يولع كوجل يوجل من باب علم يعلم و لعا محركه و ولوعا: علق به و اولع به بالبناء للمفعول اغرى به فهو مولع به بفتح اللام اى مغرى. \par
010    17    (المراد من الارحام و معنى الجيران لغه و شرعا) \par (اللهم صل على محمد و آله، و اجعل آبائنا و امهاتنا و اولادنا و اهالينا و ذوى ارحامنا و قراباتنا و جيراننا من المومنين و المومنات منه فى حرز حارز. و حصن حافظ، و كهف مانع، و البسهم منه جننا و اقيه و اعطهم عليه اسلحه ماضيه). \par الاباء: جمع اب محذوف اللام و هى و اولانه يثنى على ابوين و الامهات جمع ام و هى الوالده قيل اصلها امهه و لهذا تجمع على امهات و اجيب بزياده الهاء و ان الاصل امات، قال ابن جنى: دعوى الزياده «اسهل من دعوى الحذف، و كثر فى الناس امهات و فى غير الناس امات للفرق بينهما، قال الفيومى: و الوجه: ما اورده فى البارع ان فى الام اربع لغات ام بضم الهمزه و كسرها و امه و امهه فالامهات و الامات لغتان ليست احديهما اصلا للاخرى و لا حاجه الى دعوى حذف و لازياده، و الاولاد: جمع ولد بفتحتين فعل بمعنى مفعول يطلق على الذكر و الانثى و المثنى و المجموع، و الولد على وزن قفل لغه فيه، و قيس تجعل المضموم جمع المفتوح مثل اسد و اسد، و الاهالى جمع اهل، قال الجوهرى: زادوا فيه الياء على غير قياس كما جمعوا ليلا على ليالى. و الاصل فى الاهل: القرابه و قد اطلق على الاتباع، و قال فى القاموس: اهل الرجل عشيرته و ذوو قرباه، و ذوى: جمع ذو بمعنى صاحب، و الارحام: جمع رحم بمعنى القرابه منقول من الرحم الذى هو موضع تكوين الولد. \par قال شيخنا البهائى قدس الله سره: قصر بعض العلماء الرحم على من يحرم نكاحه و الظاهر انه كل من عرف بنسبه و ان بعد، و يويده ما رواه على بن ابراهيم فى تفسير قوله تعالى: فهل عسيتم ان توليتم ان تفسدوا فى الارض و تقطعوا ارحامكم انها نزلت فى بنى اميه و ما صدر منهم بالنسبه الى ائمه اهل البيت عليهم السلام، و الجيران: جمع جار و هو فى اللغه: المجاور فى المسكن اى الملا صق فيه، و شرعا قيل مرجعه الى العرف، و قيل الى اربعين دارا من كل جانب و هو المروى من طرق العامه و الخاصه. \par
010    17    روت عايشه عن النبى صلى الله عليه و آله انه قال: الجار الى اربعين دارا، و روى فى الكافى بسند حسن او صحيح عن ابيجعفر عليه السلام قال: حد الجوار اربعون دارا من كل جانب: من بين يديه و من خلفه و عن يمينه و عن شماله، و الحرز بالكسر و السكون المكان الحصين الذى يحفظ فيه، و الحصن: المكان الذى لايقدر عليه لارتفاعه، و الكهف الغار الواسع فى الجبل كانه بيت منقور، قال فى الاساس: و من المجاز فلان كهف قوم: ملجاهم: و الجنن جمع جنه، و الجنه بالضم: ما استترت به من سلاح، و الاسلحه: جمع سلاح و هو ما يقاتل به فى الحرب و يدافع، و ماضيه اى قاطعه. \par و اعلم ان المراد بجعلهم فى حرز حارز و حصن حافظ و كهف مانع: ان يوفقهم لطاعته و عبادته و تقواه التى لايستطيع الشيطان الوصول اليهم معها فاستعار هذه الالفاظ للطاعه و العباده و التقوى باعتبار كونها ملجا من كيد الشيطان و وساوسه، كما ان المجعول فى حرز و حصن و كهف محفوظ فيها من غوائل العدو. \par
011    17    (الاشاره الى التوحيد المطلق الكامل) \par (و بيان المراد بحقيقه العبوديه) \par (اللهم و اعمم بذلك من شهد لك بالربوبيه، و اخلص لك بالوحدانيه و عاداه لك بحقيقه العبوديه و استظهر بك عليه فى معرفه العلوم الربانيه.) \par عمهم عموما من باب قعد: شملهم و استوعبهم، و شهد لك بالربوبيه اى اقر لك بانك رب كل شى ء و مالكه، و اخلص لك بالوحدانيه اى لم يعتبر معك غيرك مطلقا و هو التوحيد المطلق الكامل الذى اشار اليه اميرالمومنين عليه السلام بقوله: و كمال توحيده: الاخلاص له و الضمير فى عاداه راجع الى الشيطان، و المعاداه تجرى كل من الشخصين اغتيال الاخر و مضادته فيما يودى الى مصالحه. فالمراد بمعاداه الشيطان. مضادته و مخالفته فى جميع ما يزينه و يوسوس به و الكون منه على حذر فى جميع الاحوال، و قد امرنا الله سبحانه بمعاداته فقال: ان الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا \par والمراد بحقيقه العبوديه هنا: خالصها و محضها و هو عباره عن صيروره العبد \par
011    17    خالصا محضا لم يبق له جهه انانيه او نظرو التفات الى ما سوى المعبود الحق الاول، و استظهرت به: استعنت، و فى للظرفيه المجازيه لكون المعرفه شاغله للمستظهر مشتمله عليه اشتمال الظرف على الظروف، او للتعليل اى لاجل معرفه العلوم الربانيه المنسوبه الى الرب بزياده الالف و النون اى المتعلقه بمعرفته تعالى. \par و لما كان مقصود الشيطان اولا اضلال العبد فى الاعتقاد و اغوائه عن معرفه ربه و صفاته على ما يجب اعتقاده خص عليه السلام بالذكر الطالب لمعرفه العلوم الربانيه المستظهر به تعالى على الشيطان فى تحصيلها و تحقيقها حتى لا يصده عنها او يلحد فيها. \par
012    17    اللهم احلل ما عقد، و افتق مارتق، و افسخ ما دبر، و ثبطه اذا عزم و انقض ما ابرم، \par حل العقده حلامن باب قتل: نقضها، و عقد الحبل عقدا من باب ضرب: شده، و فتقه فتقا من باب قتل: شقه، و رتقه رتقا: من باب قتل: ضمه و لامه و الحمه، و فسخ الراى من باب نفع: نقضه، و فسخ تدبيره: افسده، و دبر الامر تدبيرا: قرره عن فكر و رويه كانه نظر فى دبره و هو عاقبته و آخرته، و ثبطه عن الامر تثبيطا: عوقه و اقعده عنه و هو ضد التحريص، و عزم على الشى ء: عقد ضميره على فعله، و قيل: العزم و العزيمه: الاراده الموكده، و نقض الحبل نقضا من باب قتل: حل برمه، و منه نقضت ما ابرمه اذا ابطلته و اصل الابرام فتل الحبل من طاقين حتى يصيرا واحدا ثم استعمل فى احكام الشى ء و تدبيره استعاره، \par
013    17    (المراد بجند الشيطان، و ابطال كيده) \par اللهم و اهزم جنده، و ابطل كيده، و اهدم كهفه، و ارغم انفه، و هزمت الجيش هزما من باب ضرب: كسرته فانهزم و الاسم: الهزيمه. و الجند بالضم: الانصار و الاعوان و المراد بجنده شياطين الجن و الانس كل من خالف الحق و نابذه و اتبع الشيطان و تلقف عنه فصار فى قوته ان يلبس الحق صوره الباطل، و ابطل الشى ء: افسده و اسقط حكمه، و \par الكيد: المكر و الخديعه، و هدمت البناء هدما من باب ضرب اسقطته فانهدم. و الكهف: الملجا، و رغم انفه رغما من باب قتل و فى لغه من باب تعب و هو كنايه عن الذل و الهوان كانه لصق بالرغام بالفتح و هو التراب و يتعدى بالهمزه فيقال: ارغم الله انفه، و فعلته على رغم انفه بالفتح و الضم اى على كره منه، \par
014    17    اللهم اجعلنا فى نظم اعدائه و اعزلنا عن عداد اوليائه، لا نطيع له اذا استهوانا، و لا نستجيب له اذا دعانا، نامر بمناواته من اطاع امرنا، و نعظ عن متابعته من اتبع زجرنا). \par و النظم: الجماعه، يقال جائنا نظم من جراد اى صف منه و اصله من نظم اللولو نظما من باب ضرب: جعله فى سلك اى اجعلنا فى صف اعدائه و جماعتهم الذين كانهم نظموا فى سلك واحد. \par و من فسر النظم بالسلك فقد اخطا فان السلك لايقال له نظم بل نظام، و عزلت الشى ء عن غيره عزلا: نحيته عنه، و فلان فى عداد الصالحين اى يعد منهم اى نحنا و جنبنا من ان نعد فى اوليائه، و تعديه نطيع باللام مع انه متعد بنفسه لتضمينه معنى ننقاد اى لاننقاد له مطيعين فهو كقولهم: سمع الله لمن حمده، و انما اصل سمع ان يتعدى بنفسه لكنهم عدوه باللام لتضمينه معنى استجاب، و استهواه الشيطان: استماله و زين له هواه و استجاب له: اذا دعاه الى شى ء فاطاعه، و دعانا اى نادانا و طلب اقبالنا اليه، و مناواته اى معاداته، و الوعظ: النصح و عداه بعن لتضمينه معنى الزجر، و الاسم الموعظه، و تابعه على كذا متابعه: وافقه عليه، و اتبع زجرنا اى قبله و عمل به، و منه حديث: فاتبعوا القرآن اى ائتموا به و عملوا بما فيه، و زجرته زجرا: منعته و نهيته. \par
016    17    (معنى الخاتم بالفتح و الكسر، و المراد من اهل البيت عليهم السلام) \par (اللهم صل على محمد خاتم النبيين و سيد المرسلين و على اهل بيته الطيبين الطاهرين، و اعذنا و اهالينا و اخواننا و جميع المومنين و المومنات مما استعذنا منه، و اجرنا مما استجرنا بك من خوفه، و اسمع لنا ما دعونا به، و اعطنا ما اغفلناه، و احفظ لنا ما نسيناه، و صيرنا بذلك فى درجات الصالحين و مراتب المومنين، آمين رب العالمين) \par خاتم القوم بالفتح و الكسر اى آخرهم الذى ختموا به، و خاتم النبيين: من \par
015    17    (معنى الخاتم بالفتح و الكسر، و المراد من اهل البيت عليهم السلام) \par (اللهم صل على محمد خاتم النبيين و سيد المرسلين و على اهل بيته الطيبين الطاهرين، و اعذنا و اهالينا و اخواننا و جميع المومنين و المومنات مما استعذنا منه، و اجرنا مما استجرنا بك من خوفه، و اسمع لنا ما دعونا به، و اعطنا ما اغفلناه، و احفظ لنا ما نسيناه، و صيرنا بذلك فى درجات الصالحين و مراتب المومنين، آمين رب العالمين) \par خاتم القوم بالفتح و الكسر اى آخرهم الذى ختموا به، و خاتم النبيين: من \par
016    17    اغلق به باب النبوه و لا يقدح فيه نزول عيسى بعده عليهماالسلام لان معنى كونه خاتم النبيين انه لاينبى احد بعده، و عيسى عليه السلام ممن نبى ء قبله، و حين ينزل انما ينزل على شريعه محمد صلى الله عليه و آله مصليا الى قبلته كانه بعض امته، و ساد فلان قومه يسودهم سوددا بالضم و سياده: اذا صار رئيسهم، و قال بعض اهل اللغه: السيد: المالك او من فى حكمه الذى تجب طاعته و لهذا يقال: سيد الغلام و لا يقال سيد الثوب و قد اسلفنا الكلام على الفرق بين النبى و الرسول. \par و اهل بيته عليهم السلام: هم اهل العباء المنزل فى شانهم: انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت و يطهركم تطهيرا قال ابوسعيد الخدرى و انس بن مالك و واثله بن الاسفع و عايشه و ام سلمه: ان الايه مختصه برسول الله و على و فاطمه و الحسن و الحسين عليهم السلام، و قد تواترت الاخبار من طرق الخاصه و العامه: ان رسول الله صلى الله عليه و آله جعل على على و فاطمه و الحسن و الحسين عليهم السلام كساء و قرا الايه و قال: اللهم هولاء اهل بيتى اذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا. \par و يدخل فى اهل البيت باقى الائمه المعصومين صلوات الله عليهم اجماعا من الاماميه لماصح من حديث ان مثل اهل بيتى مثل سفينه نوح من ركبها نجا و من تخلف عنها هلك. \par و روى ثقه الاسلام فى الكافى بسنده عن ابى عبدالله عليه السلام فى قوله تعالى: انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت و يطهركم تطهيرا يعنى الائمه و ولايتهم من دخل فيها دخل فى بيت النبى صلى الله عليه و آله. \par و الطيب: ما تستلذه الحواس و النفس من طاب الشى ء يطيب طيبا اذا كان لذيذا او حلالا فهو طيب، فاذا اطلق على الله تعالى كما فى حديث: ان الله طيب لا يقبل الا طيبا فالمراد به المنزه عن النقايص المقدس عن الافات و العيوب، المتصف بجميع صفات الكمال، و اذا اطلق على الانسان فالمراد به: من تزكى عن نجاسه المولد و الجهل و الفسق و تحلى بالعلم و محاسن الاخلاق و الافعال الطاهر النقى من دنس الميلاد و الذنوب و الاقذار و الانجاس. \par
015    17    اغلق به باب النبوه و لا يقدح فيه نزول عيسى بعده عليهماالسلام لان معنى كونه خاتم النبيين انه لاينبى احد بعده، و عيسى عليه السلام ممن نبى ء قبله، و حين ينزل انما ينزل على شريعه محمد صلى الله عليه و آله مصليا الى قبلته كانه بعض امته، و ساد فلان قومه يسودهم سوددا بالضم و سياده: اذا صار رئيسهم، و قال بعض اهل اللغه: السيد: المالك او من فى حكمه الذى تجب طاعته و لهذا يقال: سيد الغلام و لا يقال سيد الثوب و قد اسلفنا الكلام على الفرق بين النبى و الرسول. \par و اهل بيته عليهم السلام: هم اهل العباء المنزل فى شانهم: انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت و يطهركم تطهيرا قال ابوسعيد الخدرى و انس بن مالك و واثله بن الاسفع و عايشه و ام سلمه: ان الايه مختصه برسول الله و على و فاطمه و الحسن و الحسين عليهم السلام، و قد تواترت الاخبار من طرق الخاصه و العامه: ان رسول الله صلى الله عليه و آله جعل على على و فاطمه و الحسن و الحسين عليهم السلام كساء و قرا الايه و قال: اللهم هولاء اهل بيتى اذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا. \par و يدخل فى اهل البيت باقى الائمه المعصومين صلوات الله عليهم اجماعا من الاماميه لماصح من حديث ان مثل اهل بيتى مثل سفينه نوح من ركبها نجا و من تخلف عنها هلك. \par و روى ثقه الاسلام فى الكافى بسنده عن ابى عبدالله عليه السلام فى قوله تعالى: انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت و يطهركم تطهيرا يعنى الائمه و ولايتهم من دخل فيها دخل فى بيت النبى صلى الله عليه و آله. \par و الطيب: ما تستلذه الحواس و النفس من طاب الشى ء يطيب طيبا اذا كان لذيذا او حلالا فهو طيب، فاذا اطلق على الله تعالى كما فى حديث: ان الله طيب لا يقبل الا طيبا فالمراد به المنزه عن النقايص المقدس عن الافات و العيوب، المتصف بجميع صفات الكمال، و اذا اطلق على الانسان فالمراد به: من تزكى عن نجاسه المولد و الجهل و الفسق و تحلى بالعلم و محاسن الاخلاق و الافعال الطاهر النقى من دنس الميلاد و الذنوب و الاقذار و الانجاس. \par
016    17    قال بعض العارفين: ان الشيطان قاسم اباك و امك انه لهما لمن الناصحين و قد رايت ما فعل بهما، و اما انت فقد اقسم على غوايتك كما قال الله تعالى حاكيا عنه: بعزتك لاغوينهم اجمعين فماذا ترى يصنع بك، و اسمع لنا اى استجب لنا و منه قول المصلى: سمع الله لمن حمده اى اجاب دعاء من حمده، و دعونا به اى سالناه و اغفلناه اى غفلنا عنه و اغفلت الشى ء اذا تركته على ذكر منك اى اعطنا ما اغفلنا سواله، و الحفظ: ضد السهو و النسيان و يعبر عنه بضبط الشى ء فى النفس و مرجعه العلم فحفظه تعالى يعود الى علمه بالاشياء اى افعل بنا من الخير ما لم يعزب عن علمك مما نسينا ان ندعوك به و نرغب اليه فى فعله بنا، و صيرنا اى اجعلنا و الدرجات: جمع درجه محركه و هى المرقاه و استعيرت للمنزله الرفيعه المعنويه، و الصالحون: القائمون بحقوق الله و حقوق العباد، و المراتب: المنازل الرفيعه، و آمين بالمد و الفتح بناءا اى اللهم استجب، و قد تقدم الكلام عليها. \par
015    17    قال بعض العارفين: ان الشيطان قاسم اباك و امك انه لهما لمن الناصحين و قد رايت ما فعل بهما، و اما انت فقد اقسم على غوايتك كما قال الله تعالى حاكيا عنه: بعزتك لاغوينهم اجمعين فماذا ترى يصنع بك، و اسمع لنا اى استجب لنا و منه قول المصلى: سمع الله لمن حمده اى اجاب دعاء من حمده، و دعونا به اى سالناه و اغفلناه اى غفلنا عنه و اغفلت الشى ء اذا تركته على ذكر منك اى اعطنا ما اغفلنا سواله، و الحفظ: ضد السهو و النسيان و يعبر عنه بضبط الشى ء فى النفس و مرجعه العلم فحفظه تعالى يعود الى علمه بالاشياء اى افعل بنا من الخير ما لم يعزب عن علمك مما نسينا ان ندعوك به و نرغب اليه فى فعله بنا، و صيرنا اى اجعلنا و الدرجات: جمع درجه محركه و هى المرقاه و استعيرت للمنزله الرفيعه المعنويه، و الصالحون: القائمون بحقوق الله و حقوق العباد، و المراتب: المنازل الرفيعه، و آمين بالمد و الفتح بناءا اى اللهم استجب، و قد تقدم الكلام عليها. \par
001    18    الدعاء الثامن عشر: \par من ادعيه الصحيفه السجاديه: دعائه عليه السلام: اذا دفع عنه ما يحذر، او عجل له مطلبه صلوات الله عليه \par \par
001    18    (خشيته عليه السلام من ان يكون تعجيل العافيه له موجبا) \par (الحرمان الجزاء..) \par (اللهم لك الحمد على حسن قضائك، و بما صرفت عنى من بلائك، فلا تجعل حظى من رحمتك ما عجلت لى من عافيتك، فاكون قد شقيت بما احببت و سعد غيرى بما كرهت) \par المراد بقضائه سبحانه: حكمه بوجود ما قدره فى الازل، و بحسنه: كونه على وفق الحكمه و المصلحه هذا ان حملناه على العموم، و يدخل فيه قضائه له بتعجيل مطلبه، و ان حملناه على خصوص قضائه بانجاح مسئوله و مطلبه فالمراد بحسنه: كونه على وفق ما اراد من تيسيره و تعجيله مع كونه على وفق المصلحه و الحكمه، \par و لما كان الحمد سببا للمزيد كما قال تعالى: لئن شكرتم لازيدنكم جعل طلب عدم الاقتصار على المحمود عليه مترتبا على الحمد، كانه قال اذا حمدتك على حسن قضائك و صرف بلائك فلا تجعل نصيبى من رحمتك ما اسرعت بقضائه لى من عافيتك التى هى تعجيل قضاء هذا المطلوب او صرف هذا المكروه فحسب فان الجعل مبنى على دوام الملابسه و استمرار الاستقرار. \par و لما كانت المحن فى هذه الدار من منح الله سبحانه على عباده المومنين لما يترتب عليها من حط الذنوب و رفع الدرجات كما روى عن ابى عبدالله عليه السلام: ما احب الله قوما الا ابتلاهم، خشى عليه السلام ان يكون تعجيل العافيه له موجبا لحرمان الجزاء المترتب \par
001    18    على الصبر على البلاء فسئل عليه السلام ان لا يجعل خظه من رحمته مقصورا على هذه العافيه المعجله فيكون قد فاته من السعاده الاخرويه ما ادركه غيره من المبتلين الذين صبروا على البلاء ففازوا بعظيم الجزاء. \par (بعض الاخبار الوارده فى ابتلاء المومن،) \par (و ما ذكروا لذلك وجوها من الحكمه) \par هدايه: ورد فى ابتلاء المومن فى هذه الدار اخبار كثيره دلت على ان ابتلائه بالمكاره الجسمانيه و الروحانيه من كرامه الله تعالى به و حبه له لا من هوانه عليه فمن ذلك استفاض من طرق الخاصه و العامه: \par ان البلاء موكل بالانبياء فالاوصياء ثم الامثل فالامثل. \par و عن ابيجعفر عليه السلام: اشد الناس بلاء: الانبياء ثم الاوصياء ثم الاماثل. \par و عن ابيعبدالله عليه السلام: ان لله عبادا فى الارض من خالص عباده ما تتنزل من السماء تحفه الى الارض الا صرفها عنهم الى غيرهم و لا تنزل بليه الا صرفها اليهم. \par و عنه عليه السلام: ان الله ليتعاهد عبده المومن بالبلاء كما يتعاهد الغائب اهله بالطرف و انه ليحميه الدنيا كما يحمى طبيب المريض. \par و عنه عليه السلام: ان الله اذا احب عبدا غته بالبلاء غتا اى غمسه فيه. \par و عنه عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه و آله: ان عظيم البلاء يكافى به عظيم الجزاء فاذا احب الله عبدا ابتلاه بعظيم البلاء. \par و عنه عليه السلام: انما المومن بمنزله كفه الميزان كلما زيد فى ايمانه زيد فى بلائه. \par و عنه عليه السلام: ان فى الجنه منزله لا يبلغها عبد الا بالابتلاء فى جسده. \par و عنه عليه السلام: لو يعلم المومن ما له فى الاجر من المصائب لتمنى انه قرض بالمقاريض. \par الى غير ذلك من الاخبار، و قد ذكروا لذلك وجوها من الحكمه: \par منها- انه كفاره للذنوب. \par
001    18    و منها- انه لاختيار صبره و ادراجه فى الصابرين. \par منها- انه لتزهيده فى الدنيا، و تنفيره عنها لئلا يفتتن بها و يطمئن اليها فلا يشق عليه الخروج منها. \par منها- انه لاضعاف نفسه عن الصفات البشريه او قطعها عن مواد العلايق الجسمانيه لتنقطع علاقته بدنياه و يرجع بكله الى مولاه و يالف الاقبال عليه فى السراء و يستديم المسول بين يديه فى السراء الى ان يرتقى بذلك الى اعلى درجات المحبين و اقصى مراتب المقربين. \par منها- اكرامه بالدرجه التى لايبلغها قط بكسبه كدرجه الشهاده التى لايبلغها الشهيد بكسب نفسه، و انما يبلغها بالابتلاء بالقتل فى سبيل الله. \par
002    18    (المبيت: الكينونه بالليل، و اشتباه الفراء فى معناه) \par (و ان يكن ما ظللت فيه اوبت فيه من هذه العافيه بين يدى بلاء لا ينقطع و وزر لا يرتفع فقدم لى ما اخرت، و اخر عنى ما قدمت فغير كثير ما عاقبته الفناء، و غير قليل ما عاقبته البقاء و صل على محمد و آله) \par الظلول: الكينونه بالنهار، و المبيت: الكينونه بالليل، يقال ظل يظل ظلولا من باب تعب، و بات يبيت بيتا و بيتوته و مباتا، و ظل يفعل كذا اذا فعله نهارا و بات يفعل كذا: اذا فعله ليلا، و لا يقال: بات بمعنى نام و لا يشترط فيه عدم النوم ايضا. \par فقول الفراء: بات الرجل: اذا سهر الليل كله فى طاعه او معصيه، خطاء صريح بل هو اعم من ان يكون حصل منه نوم اولا، الا ترى؟ الى قولهم: بات فلان عند امراته اذا حصل عندها ليلا سواء وقع منه نوم اولا، و قول بعضهم: لا يكون المبيت الا مع سهر الليل لقوله تعالى: و الذين يبيتون لربهم سجدا و قياما و قولهم: بانه يرعى النجوم، ليس بشى ء لان السهر انما استفيد من الخبر اذا الساجد و القائم ليلا وراعى النجوم لا يكون الا ساهرا. \par
002    18    و اما يبيتون و بات فلا يدل الا على الكينونه بالليل مطلقا فكما يصح ان تقول: بات زيد ساهرا يصح ان تقول: بات زيد نائما، فقوله عليه السلام: ظللت فيه اوبت فيه اى كنت فيه نهارا او كنت فيه ليلا من هذه العافيه، و بين يدى بلاء اى امامه ماخوذ من بين يدى الانسان، و الوزر بالكسر: الاثم، و لا يرتفع اى لاينتقل و لا يزول، و قوله عليه السلام: فقدم لى.. اى ما اخرته من البلاء ليكون فى الدنيا الظاعن مقيمها، و اخر عنى ما قدمت من العافيه ليكون فى الاخره الدائمه نعيمها. \par
001    19    الدعاء التاسع عشر: \par من ادعيه الصحيفه السجاديه: و هو دعائه عليه السلام: عند الاستسقاء بعد الجدب \par \par
001    19    بسم الله الرحمن الرحيم \par (معنى الاستسقاء، و كيفيه صلوه الاستسقاء) \par الاستسقاء: استفعال بمعنى طلب السقى مثل الاستمطار لطلب المطر، و استسقيت فلانا: اذا طلبت منه ان يسقيك، و قد صار حقيقه شرعيه على طلب الغيث بالدعاء و الاستغفار و الجدب: المحل و هو انقطاع المطر و يبس الارض اى بعد حصوله. \par و الاستسقاء انواع: ادناه الدعاء بلاصلوه و لا خلف صلوه، و اوسطه: الدعاء خلف صلوه، و افضله: الاستسقاء بركعتين و خطبتين و كيفيته: \par ان يامر الخطيب يوم الجمعه الناس بالتوبه و رد المظالم و تطهير الاخلاق من الرذائل و صوم ثلثه ايام بعد الجمعه، و يخرج الناس فى اليوم الثالث و هو يوم الاثنين فان لم يكونوا بمكه اصحروا و ان كانوا بها صلوا بالمسجد الحرام. \par و يستحب لهم الخروج حفاه و نعالهم بايديهم فى ثياب بذله متخشعين مخبتين مستغفرين و يخرج الامام خاشعا مبتذلا متنظفا لا متطيبا. \par و يستحب الخروج بذوى الزهد و الصلاح و الشيوخ و الاطفال و البهايم و العجايز لا الشواب و الفساق و اهل الخلاف و الكفار و لو اهل ذمه، و يفرق بين الاطفال و الامهات، و ينادى الموذنون بدل الاذان: الصلوه ثلاثا. \par و وقتها من طلوع الشمس الى الزوال فيصلى الامام بالناس ركعتين يقرء فى الاولى بعد الحمد سوره بالجهر ثم يكبر خمسا و يقنت عقيب كل تكبيره بالاستغفار و سوال الله تعالى طلب الغيث و توفير المياه و انزال الرحمه، و من الماثور فيه: اللهم اسق عبادك \par
001    19    و امائك و بهائمك و انشر رحمتك و احى بلادك الميته، ثم يكبر السادسه و يركع و يسجد السجدتين ثم يقوم الى الركعه الثانيه فيقرء بعد الحمد سوره ثم يكبرا اربعا و يقنت عقيب كل تكبيره كما فى الاولى ثم يكبر و يركع و يسجد و يتشهد، فاذا سلم صعد المنبر و حول ردائه فيجعل الذى على يمينه على يساره و الذى على يساره على يمينه و يتركه محولا حتى ينزعه، و يخطب بخطبتين فاذا فرغ استقبل القبله و كبر الله مائه مره ثم يلتفت عن يمينه و يهلل الله ماه مره ثم يلتفت عن يساره و يسبح الله مائه مره ثم يستدبر القبله و يستقبل الناس و يحمد الله مائه رافعا بكل ذلك صوته و الناس يتابعونه فى الاذكار دون الالتفات الى الجهات فان سقوا و الا عادوا ثانيا و ثالثا من غير قنوط بانين على الصوم الاول ان لم يفطروا بعده و الا فبصوم مستانف، و يصح من المسافر و فى كل وقت و من الرجل وحده و لو فى بيته. \par
001    19    (الفرق بين السقى و الاسقاء) \par قال عليه السلام: \par (اللهم اسقنا الغيث، و انشر علينا رحمتك بغيثك المغدق من السحاب المنساق لنبات ارضك المونق فى جميع الافاق) \par سقانا الله الغيث و اسقانا و الاسم: السقياء بالضم و قال الراغب: الاسقاء ابلغ من السقى لان الاسقاء ان تجعل له ما يستسقى منه و يشرب و السقى ان تعطيه ما يشرب، و قيل: سقيته اذا كان بيدك، و اسقيته: اذا دللته على الماء و قيل: السقى لما لاكلفه فيه و لهذا ذكر فى شراب الجنه نحو: و سقاهم ربهم شرابا طهورا و الاسقاء لما فيه كلفه و لهذا ذكر فى ماء الدنيا نحو: لاسقيناهم ماء غدقا و الغيث: المطر، و انشر علينا رحمتك اى ابسط علينا بركات الغيث و منافعه فى كل شى ء: من السهل و الجبل و النبات و الحيوان، و غدق المطر غدقا من باب تعب و اغدق اغداقا: كثر مائه و قطره، و السحاب بالفتح: الغيم و المنساق: منفعل: من انساق مطاوع ساقه. و انسياقه باعتبار \par
001    19    سوق الله تعالى له بالرياح اى صرفه له الى حيث يشاء كما قال سبحانه: حتى اذا اقلت سحابا ثقالا سقناه الى بلدميت فانزلنا به الماء و قال تعالى: و الله الذى ارسل الرياح فتثير سحابا فسقناه الى بلدميت فاحيينا به الارض بعد موتها و انق الشى ء انقا من باب تعب: راع حسنه و اعجب و يتعدى بالهمزه فيقال: انقنى فهو مونق كاعجبنى فهو معجب وزنا و معنى، و الافاق جمع افق بضمتين و هو الناحيه اى فى جميع نواحى الارض. \par
002    19    (فائده اشهاد الملائكه و احضارهم: توقع مزيد الرحمه و...) \par (و امنن على عبادك بايناع الثمره، و احى بلادك ببلوغ الزهره، و اشهد ملائكتك الكرام السفره بسقى منك نافع، دائم غزره، واسع درره، و ابل سريع عاجل). \par امنن اى انعم من المن بمعنى الانعام و الاحسان، و ينعت الثمار ينعا من بابى نفع و ضرب: ادركت و نضجت، و زهر النبات. نوره، الواحده زهره مثل تمر و تمره، و اشهد اى احضر من شهد المجلس اذا حضره، و منه: ما اشهدتم خلق السموات و الارض اى احضرتهم، و السفره: الكتبه من الملائكه الذين ينسخون الكتب من اللوح المحفوظ على انه جمع سافر من السفر و هو الكتب. \par و فائده اشهاد الملائكه و احضارهم: توقع مزيد الرحمه و البركه و قبول الدعاء فان لحضور الملاء الاعلى و الارواح المقدسه الذين حيوتهم بمعرفه الله و طاعته و لذتهم بذكره، مدخلا عظيما فى استنزال البركات و استدرار الخيرات و قبول الدعوات و اذا كان فى حضور اهل الطاعه من سكان الارض تاثير فى القبول و استنزال الرحمه فما ظنك بحضور اهل الطاعه و العصمه من سكان السموات، و دام الشى ء يدوم دواما: ثبت و استمر استمرارا لاينقطع، هذا اصل الدوام فى اللغه ثم اطلق على طول المده فيقال: دام الشى ء اذا طال زمانه، و الغزر بفتح الغين المعجمه و ضمها ثم الزاى ثم الراء المهمله مصدر غزر الماء ككرم اذا كثر، و الدرر بكسر الدال المهمله على وزن عنب جمع \par
002    19    دره بالكسر، و الوابل و الوبل: المطر الشديد، الضخم القطر. \par
003    19    (معنى الهنى ء و المرئى، و قول الهروى فيهما) \par (تحيى به ما قدمات، و ترد به ما قدفات، و تخرج به ما هو آت، و توسع به فى الاقوات، سحابا متراكما هنيئا مريئا طبقا مجلجلا غير ملث و دقه، و لا خلب برقه) \par ترد به اى ترجع، و المراد برد ما قد فات: تدارك ما قد مضى وقت حصوله من المنافع و جبران ما نقص منه، و باخراج ما هو آت: ايجاد ما لم يوجد بعد من الارزاق المتسببه عن السقى، و الاقوات: جمع قوت و هو ما يوكل ليمسك الرمق، و المتراكم: بعضه فوق بعض، و الهنى ء: السايغ اللذيذ، و المرى ء مهموزا: المحمود العاقبه، قال الهروى: الهنى ء: ما لا تعب فيه و لا اثم، و المرى ء: ما لاداء فيه، و الطبق بالتحريك العام الشامل الكثير كانه يطبق الارض و يغطيها بالماء، و الطيب: ما تستلذه الحواس و النفس، و المجلجل: السحاب الذى يسمع منه صوت الرعد، و الث السحاب: دام فهو ملث و اصله من الث فلان بالمكان: اذا قام لايبرح، و الودق: المطر، و البرق الخلب: الذى لاغيث فيه كانه خادع من الخلابه بالكسر و هى الخديعه بالقول الطيب، قال فى الاساس: برق خلب: لاغيث معه. \par
004    19    (المغيث فى الحقيقه انما هو الله تعالى و هو من الغوث و لا..) \par (اللهم اسقنا غيثا مغيثا مريعا ممرعا عريضا واسعا غزيرا ترد به النهيض و تجبربه المهيض). \par اغاث الله الخلق برحمته: كشف شدتهم، و منه: اغاثهم المطر اى رفع ما كان بهم من القحط و هو الاسناد المجازى و المغيث فى الحقيقه انما هو الله تعالى و هو من الغوث بالوا و لا من الغيث بالياء فان الفعل منه غاث بدون الف يقال غاث الله البلاد غيثا من باب ضرب: انزل بها الغيث، و غاث الغيث الارض: نزل بها، و هذا المعنى ليس مرادا هنا، و المريع بفتح الميم فى النسخ العامه: المخصب الناجع من مرع الوادى مراعه ككرم كرامه اى اخصب بكثره الكلاء، و الممرع بمعنى المخصب \par
004    19    ايضا يقال: امرع المكان امراعا كما يقال مرع مراعه اذا اخصب، والعريض: الكثير الدائم مستعار مماله عرض متسع للاشعار بكثرته و استمراره، و هو ابلغ من الطويل اذا لطول اطول الامتدادين فاذا كان عرضه كذلك فما ظنك بطوله، و منه قوله تعالى: و اذا مسه الشر فذو دعاء عريض و بالغين المعجمه: الطرى، و يقال لماء المطر غريض لطراوته، و الواسع، الذى وسع غيثه كل مكان و خصبه كل جدب، و الغزير الكثير الماء و القطر، و النهيض: فعيل بمعنى فاعل و هو صفه لموصوف حذف للعلم به اى النبت النهيض يقال نهض النبت ينهض اى استوى، و المراد برده: اعادته الى ما كان عليه من الاستواء لانه بعد استوائه انخفض و انجدل على الارض لعدم المطر و السقى و جبرت العظم جبرا من باب قتل: اصلحته فجبر هو جبرا ايضا و جبورا: صلح يستعمل لازما و متعديا، و المهيض. مفعول من هاض العظم يهيضه هيضا: كسره بعد الجبور و هو اشد ما يكون من الكسر، شبه النبات المنكسر للقحط بالعظم المكسور فاستعار له لفظه المهيض تصريحا بالاستعاره و قرنها بذكر الجبر الذى هو من لوازم المستعار منه ترشيحا. \par
005    19    (اختلف فى التسعيرا هو من فعل الله سبحانه ام من فعل العبد؟) \par (اللهم اسقنا سقيا تسيل منه الظراب، و تملاء منه الجباب، و تفجر به الانهار و تنبت به الاشجار، و ترخص به الاسعار فى جميع الامصار، و تنعش به البهائم و الخلق، و تكمل لنا به طيبات الرزق، و تنبت لنا به الزرع، و تدربه الضرع و تزيدنا به قوه الى قوتنا) \par سال الماء يسيل سيلا من باب باع: جرى و اسلته اساله: اجريته، و الظراب: جمع ظرب على وزن كتف و هو الجبل الصغير او المنبسط على الارض، و الجباب جمع جب بالضم و هوا لبئر او الكثيره الماء البعيده القعر، و فجرت الماء فجرا من باب قتل و فجرته تفجيرا فانفجر و تفجر: اجريته فجرى، و قيل هو ان تفتح له طريقا ليخرج من منبعه و يسيل جاريا، و الانهار: جمع نهر بالتحريك لغه فى النهر بالسكون مثل سبب \par
005    19    و اسباب، و الساكن يجمع على نهر بضمتين و انهر و هو المجرى الواسع من مجارى الماء و الرخص بالضم: ضد الغلاء، و الاسعار جمع سعر بالكسر و هو تقدير اثمان الاشياء و ارتفاعه غلاء، و انحطاطه رخص. \par فائده: اختلف فى التسعير: فقيل هو من فعل الله سبحانه، و هو ما ذهبت اليه الاشاعره بناء على اصلهم من انه لا فاعل الا الله تعالى. و لما ورد فى الحديث حين وقع غلاء فى المدينه فاجتمع اهلها اليه صلى الله عليه و آله و قالوا: سعر لنا يا رسول الله،! فقال: المسعر هو الله. \par و اختلف المعتزله فى هذه المسئله فقال بعضهم هو فعل مباشر من العبد اذ ليس ذلك الا مواضعه منهم على البيع و الشرى بثمن مخصوص، و قال آخرون هو متولد من فعل الله تعالى و هو تقليل الاجناس و تكثر الرغبات باسباب هى من فعله تعالى. \par و الذى نذهب اليه معاشر الاماميه: ان خروج السعر عن مجرى عادته ترقيا او نزولا ان استند الى اسباب غير مستنده الى العبد و اختياره نسب الى الله تعالى حتى توافق ارادات عامه الناس و رغباتهم، و الانسب الى العبد كجبر السلطان الرعيه على سعر مخصوص. \par و ما ورد فى الحديث النبوى المذكور محمول على انه لا ينبغى التسعير بل يفوض الى الله ليقرره بمقتضى حكمته الكامله و رحمته الشامله لا ان كل تسعير وقع منسوب الى الله تعالى اذ لو كان هذا مراده صلى الله عليه و آله لم يكن اجابته الى سوالهم منافيا له و لا كان قوله: المسعر هو الله عذرا عن ترك التسعير. \par و ما ورد من الاخبار عن اهل البيت عليهم السلام فى هذا المعنى كما روى عن على بن الحسين عليهماالسلام انه قال: ان الله و كل ملكا بالسعر يدبره بامره. \par و عن ابيعبدالله عليه السلام ان الله و كل بالاسعار ملكا يدبرها بامره، فالمراد بالسعر ما لم يكن للعبد فى اسبابه مدخل و الله اعلم. \par و الامصار: جمع مصر بالكسر و هو البلد العظيم، و نعشه نعشا من باب منع: جبره بعد فقر و اصله من نعشت العاثر اذا رفعته عن عثرته، و البهائم جمع بهيمه و هى كل \par
005    19    ذات اربع من دواب البحر و البر، و المراد بالخلق: الناس كما يوذن به ايراده فى مقابله البهايم، و كمل الشى ء كمولا من باب قعد و الاسم الكمال و يستعمل فى الذوات و الصفات: يقال كمل، اذا تمت اجزائه و كملت محاسنه، و الزرع: ما استنبت بالبذر تسميه بالمصدر و منه يقال: حصدت الزرع اى النبات، و در اللبن درا من باب ضرب و قتل: كثر، و ادره الله: كثره، و الضرع لكل ذات ظلف و خف كالثدى للمرئه، و قوله عليه السلام: و تزيدنا قوه الى قوتنا، تلميح الى قوله تعالى حكايه عن هود: و يا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا اليه يرسل السماء عليكم مدرارا و يزدكم قوه الى قوتكم \par
006    19    (الفرق بين الظل و الفى ء، و معنى بركات السموات و الارض) \par (اللهم لا تجعل ظله علينا سموما، و لا تجعل برده علينا حسوما، و لا تجعل صوبه علينا رجوما، و لا تجعل مائه علينا اجاجا، الظل: قيل هو الفى الحاصل من حاجز بينك و بين الشمس مطلقا، و قيل مخصوص بما كان منه الى الزوال، و ما بعده هو الفى ء، و قال ابن قتيبه فى اول ادب الكاتب: يذهبون يعنى العوام الى ان الظل و الفى ء بمعنى و ليس كذلك بل الظل يكون غدوه و عشيه و من اول النهار الى آخره، و معنى الظل: الستر و منه انا فى ظلك، و منه ظل الجنه و ظل شجرها انما هو سترها و نواحيها، و ظل الليل: سواده لانه يستر كل شى ء، و ظل الشمس: ما سترت الشخوص من مسقطها، و اما الفى ء فلا يكون الا بعد الزوال و لا يقال لما قبل الزوال فى ء و انما سمى ما بعد الزوال فيئا لانه ظل فاء من جانب الى جانب، و الفى ء: الرجوع، انتهى. \par و السموم بالفتح: الريح الحاره تكون غالبا بالنهار، و قيل هو مطلق الريح الحاره التى تدخل فى مسام البدن، و فسر عذاب يوم الظله بانه غيم تحته سموم، و الحسوم: مصدر كالصعود و الهبوط يقال: حسمه حسما و حسوما من باب ضرب بمعنى قطعه و منه \par قيل للسيف حسام لانه قاطع اى لاتجعل برده علينا قطعا اى قاطعا، و المراد بالقطع: الهلاك و الاستيصال يقال: قطعه الله اى اهلكه و استاصله، و فسر الحسوم من قوله تعالى: سبع ليال و ثمانيه ايام حسوما اى ولاء متتابعه كانه تتابع عليهم الشر حتى استاصلهم، و الصوب بالفتح: نزول المطر، و يطلق على المطر نفسه، و رجمه رجما من باب قتل رمى بالحجاره و الرجوم بالضم جمع رجم و هو اسم ما يرجم به، قال ابن الاثير فى النهايه: و يجوز ان يكون مصدرا لاجمعا و كونه جمعا انسب بحمل الصوب على معنى المطر نفسه او مصدرا بحمله على معنى النزول و ان حملته على معنى النزول و جعلت الرجوم جمعا فهو على حذف مضاف اى ذا رجوم اى لا تجعل نزول مطره علينا ذا حجاره او نحوها يرجمنا بها او رميا بالحجاره. او لا تجعل مطره علينا حجاره اى اجعله مطر رحمه لا مطر عذاب كما عذبت قوما من قبلنا بامطار الحجاره عليهم كما قال تعالى: و امطرنا عليها حجاره من سجيل و الاجاج بالضم: الشديد الملوحه لايمكن شربه، و قيل هو المر الشديد المراره الغليظ الذى لايطاق شربه، \par
007    19    اللهم صل على محمد و آل محمد، و ارزقنا من بركات السموات و الارض، انك على كل شى ء قدير.) \par و البركات: جمع بركه بالتحريك و هى بمعنى الزياده و النماء، و يطلق على مطلق الخير، و بركات السموات و الارض خيراتها الناميه بانزال المطر من السماء، و باخراج النبات و الثمار من الارض، و قيل: بركات السماء: اجابه الدعاء، و بركات الارض تيسير الحوائج و بكل من المعنيين فسر قوله تعالى: و لو ان اهل القرى آمنوا و اتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء و الارض و القدير: هو الفعال لكل ما يشاء، و لذلك لم يوصف به غير البارى جل جلاله. \par
001    20    الدعاء العشرون: \par من ادعيه الصحيفه السجاديه و هو دعائه عليه السلام فى مكارم الاخلاق و مرضى الافعال \par \par
001    20    (معنى الايمان لغه و شرعا، و ان العمل ليس داخلا فيه،) \par (و بيان محليه القلب للايمان...) \par قال صلوات الله عليه: \par (اللهم صل على محمد و آله، و بلغ بايمانى اكمل الايمان، و اجعل يقينى افضل اليقين و انته نيتى الى احسن النيات، و بعملى الى احسن الاعمال). \par بدا عليه السلام دعائه بالصلوه على النبى صلى الله عليه و آله للاستعداد به لقبول الدعاء و لما روى و بلغ المكان بلوغا من باب قعد: و صله و يتعدى بالباء و الهمزه و التضعيف فالباء من قوله بايمانى زائده للتاكيد و هى كثيرا ما تزاد فى المفعول نحو: و لا تلقوا بايديكم الى التهلكه و هزى اليك بجذغ النخله. \par و الايمان: افعال من الامن الذى هو خلاف الخوف، ثم استعمل بمعنى التصديق فالهمزه فيه اما للصيروره كان المصداق صار ذا امن من ان يكون مكذبا. او للتعديه كانه جعل المصدق آمنا من التكذيب و المخالفه، و يعدى بالباء لاعتبار معنى الاقرار و الاعتراف نحو: يومنون بالغيب و باللام لاعتبار معنى الاذعان نحو: و ما انت بمومن لنا هذا معناه اللغوى. \par
001    20    و اما فى الشرع: هو التصديق بالله و رسوله و بما جاء به اجمالا و الولايه لاهلها، لدلاله الايات و الاخبار عليه نحو: قوله تعالى: اولئك كتب فى قلوبهم الايمان و لما يدخل الايمان فى قلوبكم و قلبه مطمئن بالايمان دلت على انه امر قلبى. \par و قوله تعالى: ان طائفتان من المومنين اقتتلوا يا ايها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص فى القتلى الذين آمنوا و لم يلبسوا ايمانهم بظلم دل اقتران الايمان بالمعاصى فيها على ان العمل غير داخل فى حقيقته. \par و قوله تعالى: و الذين آمنوا و عملوا الصالحات دل على التغاير فان العمل ليس داخلا فيه لان الشى ء لايعطف على نفسه و لا الجزء على كله، و قول الرسول صلى الله عليه و آله: يا معشر من اسلم بلسانه و لم يخلص الايمان الى قلبه لا تذموا المسلمين، و قول الصادق عليه السلام: الايمان ما قر فى القلوب و الاسلام ما عليه المناكح، و قوله عليه السلام: يبتلى المومن على قدر ايمانه و حسن اعماله، دلت على محليه القلب للايمان و مغايرته للعمل على ان كون الايمان عباره عن التصديق المخصوص المذكور لايفتقر الى نقله عن معناه اللغوى الذى هو التصديق مطلقا لان التصديق المخصوص فرد منه بخلاف ما اذا كان المراد غيره من المعانى المذكوره فانه يستلزم النقل و هو خلاف الاصل و لو كان منقولا لتبين للامه نقله بالتوقيف كما تبين نقل الصلوه و الزكوه و نحوهما و الا اشتهر اشتهار نظائره بل هو كان بذلك اولى. \par (رد قول المحقق الطوسى: من ان الايمان مركب) \par (من الاقرار و التصديق) \par و اما ما ذهب اليه المحقق الطوسى من اصحابنا من ان الايمان مركب من الاقرار و التصديق، و استدل على ان الاول وحده و هو الاقرار باللسان ليس بايمان بقوله تعالى: \par
001    20    قالت الاعراب آمنا قل لم تومنوا و لكن قولوا اسلمنا فقد اثبت الاقرار اللسانى و نفى الايمان فعلم ان الايمان ليس هو الاقرار باللسان، و على ان الثانى وحده و هو التصديق ليس بايمان بقوله تعالى: و جحدوا بها و استيقنتها انفسهم اثبت للكفار الاستيقان النفسى و هو التصديق فلو كان الايمان نفس التصديق لزم اجتماع الكفر و الايمان فى شخص واحد فى آن واحد و لا شك انهما متقابلان لايمكن اجتماعهما كذلك. \par ففيه اولا: ان التصديق لما كان مقرونا بالانكار كان غير معتبر لان التصريح بالنقيض ربما كان مانعا من القبول و الاعتبار و لذلك اشترط فيه عدم الانكار باللسان. \par و ثانيا: ان هذه الايه انما تدل على ان التصديق وحده ليس بايمان و لا تدل على ان الاقرار باللسان جزء من الايمان لجواز ان يكون شرطا له و المشروط ينتفى بانتفاء الشرط كما ان الكل ينتفى بانتفاء الجزء. \par و من ثم حمل المتكلمون القائلون بان الايمان نفس التصديق: الاخبار الداله على جزئيه اعمال الجوارح للايمان على انها للكمال بمعنى ان العمل ليس جزء للايمان بحيث يعدم الايمان بعدم العمل، بل اضافه العمل اليه اضافه كمال، و كذا حملوا الاخبار الداله على جزئيه الاقرار باللسان على انه شرط فى الايمان لاجزء منه. \par و عليهذا حملوا الاخبار المختلفه الداله بعضها على ان الايمان نفس التصديق و العمل، و بعضها على انه التصديق و الاقرار ثم كون الاقرار باللسان شرطا فى كون التصديق القلبى ايمانا هو مذهب طائفه من العامه ايضا قال التفتازانى فى شرح العقايد: فرقه تقول: الاقرار شرط لصحته، و قال الدوانى فى شرحه للعقايد العضديه: و التلفظ بكلمتى الشهاده مع القدره عليه شرط فمن اخل به فهو كافر مخلد فى النار انتهى و قال بعض اصحابنا: انما يشترط عدم الانكار باللسان و اما كون الاقرار باللسان شرطا فى قبول الايمان القلبى فلا. \par
001    20    (البحث فى ان الايمان هل يقبل الزياده و النقصان ام لا؟) \par تبصره: اختلف فى الايمان هل يقبل الزياده و النقصان ام لا؟ فذهب الى كل طايفه، و قال كثير من المتكلمين هو بحث لفظى لانه فرع تفسير الايمان فان قلنا: هو التصديق فلا يقبلهما لان الواجب هو اليقين و انه لا يقبل التفاوت لابحسب ذاته و لا بحسب متعلقه، اما الاول فلان التفاوت انما هو لاحتمال النقيض و هو ولو بابعد وجه ينافى اليقين فلا يجامعه و اما الثانى فلانه جميع ما علم بالضروره مجى ء الرسول به و الجميع من حيث هو جميع لايتصور فيه تعدد و الا لم يكن جميعا. \par و ان قلنا هو العمل وحده او مع التصديق فيقبلهما و هو ظاهر و ما ورد فى الكتاب و السنه مما يدل على قبوله اياهما فباعتبار الاعمال فيزيد بزيادتها و ينقص بنقصانها. \par و قال المحققون من الفريقين: الحق ان التصديق بقبل الزياده و النقصان بحسب ذاته و بحسب متعلقه: \par اما الاول فلان التصديق من الكيفيات النفسانيه المتفاوته قوه و ضعفا فيجوز ان يكون التفاوت فيه بالقوه و الضعف بلا احتمال للنقيض، و للفرق الظاهر بين ايمان النبى و آحاد الامه. \par و اما الثانى فلان التصديق التفصيلى فى افراد ما علم مجى ء الرسول به جزء من الايمان يثاب عليه ثوابه على تصديقه بالاجمال فكان قابلا للزياده و قوله: و لكن ليطمئن قلبى ناظر الى الاول لان عين اليقين اقوى من علم اليقين و لهذا قال اميرالمومنين عليه السلام لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا، و قوله تعالى: و اذا تليت عليهم آياته زادتهم ايمانا ناظر الى الثانى، اذا عرفت ذلك فقوله عليه السلام: بلغ بايمانى اكمل الايمان يحتمل ان يكون المراد به نفس التصديق و هو اصل الايمان الكامل، و ان يكون المراد به الايمان الكامل و هو التصديق مع العمل فان لكل منهما درجات و مراتب متكثره متفاوته بعضها فوق بعض، و ادناها فى التصديق: اصل المعرفه لان زواله يوجب الكفر، و فى العمل: القيام بالمفروضات و اجتناب المنهيات، و اعلاها فيهما غايه الكمال للبشر و هى \par
001    20    فى التصديق كمرتبه عين اليقين او اعلى منها و هى مرتبه حق اليقين و فى العمل: صرف جميع الجوارح فى جميع ما خلقت له. \par و قد وردت اخبار كثيره فى ان الايمان درجات: \par فعن ابى عبدالله عليه السلام: ان الايمان عشر درجات بمنزله السلم يصعد منه مرقاه بعد مرقاه. \par و عن الزبيرى عن ابيعبدالله عليه السلام قال: قلت له ان للايمان درجات و منازل يتفاضل المومنون فيها عند الله؟ قال نعم. \par و عنه عليه السلام: ان للايمان حالات و درجات و طبقات و منازل: فمنه التام المنتهى تمامه، و منه الناقص البين نقصانه، و منه الراجح الزائد رجحانه. \par قال بعض الشارحين: التام المنتهى تمامه: كايمان الانبياء و الاوصياء، و الناقص البين نقصانه: هو ادنى المراتب الذى دونه الكفر، و الراجح الزائد رجحانه على مراتب غير محصوره باعتبار التفاوت فى الكميه و الكيفيه و الله اعلم. \par (كلام نفيس فى الايمان) \par لبعض محققى المفسرين كلام نفيس فى الايمان لاباس بايراده هنا لكمال تعلقه بالمقام قال: ان للايمان وجودا فى الاعيان، و وجودا فى الاذهان، و وجودا فى العباره و لا ريب ان الوجود العينى لكل شى ء هو الاصل و باقى الوجودات فرع و تابع فالوجود العينى للايمان هو النور الحاصل للقلب بسبب ارتفاع الحجاب بينه و بين الحق جل ذكره، الله ولى الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات الى النور و هذا النور قابل للقوه و الضعف و الزياده و النقصان كساير الانوار، و اذا تليت عليهم آياته زادتهم ايمانا كلما ارتفع حجاب ازداد نور فيتقوى الايمان و يتكامل الى ان ينبسط نوره فينشرح الصدر و يطلع على حقايق الاشياء، و تتجلى له الغيوب و غيوب الغيوب و يعرف كل شى ء فى موضعه فيظهر له صدق الانبياء عليهم السلام و لا سيما محمدا خاتم \par
001    20    النبيين صلوات الله عليه و على آله الطاهرين فى جميع ما اخبروا عنه اجمالا او تفصيلا على حسب نوره و بمقدار انشراح صدره و تنبعث من قلبه داعيه العمل بكل مامور و الاجتناب لكل محظور فينضاف الى نور معرفته انوار الاخلاق الفاضله و الملكات الحميده، نورهم يسعى بين ايديهم و بايمانهم نور على نور يهدى الله لنوره من يشاء. \par و اما الوجود الذهنى: فملاحظه المومن لهذا النور و مطالعته له و لمواقعه. \par و اما الوجود اللفظى فخلاصته ما اصطلح عليه الشارع شهاده ان لا اله الا الله و ان محمدا رسول الله و لا يخفى ان مجرد التلفظ بقولنا لا اله الا الله محمد رسول الله من غير النور المذكور لا يفيد الا كما يفيد العطشان التلفظ بالماء الزلال الا ان التعبير لما لم يتيسر الا بواسطه النطق المفصح عن كل خفى و المعرب عن كل مشتبه كان للتلفظ بكلمه الشهاده و لعدمه مدخل عظيم فى الحكم بايمان المرء و كفره فصح جعل ذلك و ما ينخرط فى سلكه من العلامات كعدم لبس الغيار و شد الزنار دليلا عليهما و تفويض امر الباطن الى عالم الخفيات المطلع على السراير و النيات انتهى. \par و كلامه فى الوجود العينى للايمان ماخوذ من قول اميرالمومنين عليه السلام: ان الايمان يبدو لمظه فى القلب كلما ازداد الايمان ازدادت اللمظه قال الشيخ كمال الدين رحمه الله عليه اراد: ان الايمان و هو التصديق بوجود الصانع تعالى اول ما يكون فى القلب يكون حاله ثم لايزال يتاكد بالبراهين و الاعمال الصالحه الى ان يصير ملكه تامه و لفظ اللمظه استعاره لما يبدو من نور الايمان فى القلب اول كونه ملاحظه لشبهه باللمظه من البياض و النكته من نور الشمس. انتهى. قال فى القاموس: الملمظه بالضم: النقطه من البياض. \par (الفرق بين الاسلام و الايمان) \par تنبيه: ظاهر معظم الاخبار الوارده عن اهل البيت عليهم السلام: ان الاسلام \par \par
001    20    يصدق على مجرد الاقرار باللسان من غير تصديق سواء كان معه الاقرار بالولايه او لم يكن و على التصديق المجرد عن الولايه و ان لم يكن معه الاقرار باللسان، و على كليهما مجردا عن الولايه او معها. \par و الايمان يصدق على التصديق بجميع ما جاء به الرسول الداخل فيه الولايه سواء كان معه عمل بما يقتضيه ذلك التصديق او لم يكن و ان كان المقرون بالعمل هو الفرد الكامل من الايمان بل هو الايمان المعبر عند اصحاب العصمه عليهم السلام كما يشعر به كثير من اخبارهم عليهم السلام فيكون الايمان على هذا اخص من الاسلام فهو كالنوع و الاسلام كالجنس و الله اعلم. \par (اليقين و الفرق بينه و بين العلم و مراتب اليقين) \par قوله عليه السلام: و اجعل يقينى افضل اليقين، اليقين: لغه: العلم الذى لاشك معه و اصطلاحا: قيل هو العلم الحاصل عن نظرو استدلال و لهذا لا يسمى علم الله تعالى يقينا \par و قيل هو غايه الكمال فى القوه النظريه التى لا يحتمل النقيض سواء حصلت بالبراهين او بالمجاهدات و الرياضات النفسانيه و الهدايات الخاصه بالاولياء على حسب مراتبه و قال المحقق الطوسى فى بعض رسائله: اليقين اعتقاد جازم مطابق ثابت لايمكن زواله و هو فى الحقيقه مولف من علمين: العلم بالمعلوم، و العلم بان خلاف ذلك محال و له مراتب: علم اليقين و عين اليقين، و حق اليقين، و القرآن ناطق بذلك: قال تعالى: لو تعلمون علم اليقين لترون الجحيم ثم لترونها عين اليقين و قال تعالى: و تصيله جحيم ان هذا لهو حق اليقين و هذه المراتب مرتبه فى الفضل و الكمال و هى مثل مراتب معرفه النار. \par فالعلم بالنار مثلا بتوسط النار و الدخان هو علم اليقين و هو العلم الحاصل لاهل النظر و الاستدلال بالبراهين القاطعه. \par و العلم بمعاينه جرم النار المفيض للنور هو عين اليقين و هو العلم الحاصل بالكشف للخلص من المومنين الذين اطمانت قلوبهم بالله و تيقنوا بمعاينه القلوب ان الله نور \par
001    20    السموات و الارض كما وصف به نفسه. \par و العلم بالنار بالوقوع فيها و الاحتراق بها و معرفه كيفيتها التى لا تفصح عنها العباره هو حق اليقين و هو العلم الحاصل بالاتصال المعنوى لاهل الشهود و الفناء فى الله و هذه المرتبه هى الدرجه العلى و المنزله الفضلى التى سالها الداعى عليه السلام. \par (اليقين: يقينان: احدهما ينفى الشك.. و الاخر نور مشرق..) \par قال الشيخ بيان الحق ابوالقاسم محمود بن ابى الحسن النيسابورى فى كتاب خلق الانسان: قالوا: ان اليقين يقينان: \par احدهما ينفى الشك و هذا لا يغلب الشهوه و هو يقين التوحيد. \par و الاخر: نور مشرق للصدر غالب للشهوات مبطل للاختيار صارت لصاحبه امور الدنيا و الاخره و احوال الملكوت معاينه، و اصبحت لامره خاضعه طائعه و على هذا جاء عن الله فى الزبور المنزل على داود عليه السلام: لو صدق يقينكم ثم قلتم للجبل انتقل فقع فى البحر لوقع، و ذلك ان القلب اذا و صل الى الله تعالى و امتلاء من عظمته و اشرق بنور جلاله و هيبته فبعد ذلك اينما وقع البصر دار الفكر حوالى ما امتلاء به القلب اذا وصل الى الله و امتلاء من عظمته من العمل الصرف الصافى الخالص غير الممزوج بالشبهات المكدر بالشائبات بمنزله الشمس اذا در قرنها و استوى حاجبها و اشرق ضيائها فحيث ما سرت من بلاد الله فضوئها معك يريك الاشياء بالوانها و هيئآتها و مقاديرها و اشكالها فكذلك شمس اليقين اذا اشرقت و استضائت بنورها النفس اراه ذلك امر الملكوت و احوال الدنيا و الاخره و بواطن الاشياء و الاسرار التى فى الغيوب مما كشفها الله لانبيائه و اطلع عليها قلوب خيرته و اصفيائه. \par
001    20    قلت: و مما يويد هذا المعنى ما رواه ثقه الاسلام فى الصحيح باسناده عن اسحق بن عمار قال سمعت اباعبدالله عليه السلام يقول: ان رسول الله صلى الله عليه و آله صلى بالناس الصبح فنظر الى شاب فى المسجد و هو يخفق و يهوى براسه مصفرا لونه قد نحف جسمه و غارت عيناه فى راسه فقال له رسول الله صلى الله عليه و آله: كيف اصبحت يا فلان؟ قال: اصبحت يا رسول الله موقنا فعجب رسول الله صلى الله عليه و آله من قوله: و قال: ان لكل يقين حقيقه فما حقيقه يقينك؟ فقال: ان يقينى يا رسول الله هو الذى احزننى و اسهر ليلى و اظما هو اجرى فعزفت نفسى عن الدنيا و ما فيها حتى كانى انظر الى عرش ربى و قد نصب للحساب و حشر الخلائق لذلك و انا فيهم، و كانى انظر الى اهل الجنه يتنعمون فى الجنه و يتعارفون على الارائك متكئون، و كانى انظر الى اهل النار و هم فيها معذبون مصطر خون و كانى الان اسمع زفير النار يدور فى مسامعى فقال رسول الله صلى الله عليه و آله: هذا عبد نور الله قلبه بالايمان ثم قال له الزم ما انت عليه فقال الشاب ادع لى يا رسول الله ان ارزق الشهاده معك فدعا له رسول الله صلى الله عليه و آله فلم يلبث ان خرج فى بعض غزوات النبى صلى الله عليه و آله فاستهشد بعد تسعه نفر و كان هو العاشر. و هذا الشاب هو حارثه بن مالك بن النعمان الانصارى، كما وردت به روايه اخرى. \par (مما يدل على التفاوت فى اليقين حتى فى الانبياء عليهم السلام...) \par و مما يدل على التفاوت فى اليقين حتى فى الانبياء عليهم السلام: ما روى فى كتاب مصباح الشريعه عن الصادق عليه السلام: انه قال: اليقين يوصل العبد الى كل حال سنى و مقام عجيب كذلك اخبر رسول الله صلى الله عليه و آله عن عظم شان اليقين حين ذكر عنده ان عيسى بن مريم عليهما السلام كان يمشى على الماء فقال لو ازداد يقينه لمشى فى الهواء فدل بهذا ان الانبياء عليهم السلام مع جلاله محلهم من الله كانت تتفاضل على حقيقه اليقين لا غير و لا نهايه لزياده اليقين على الابد. \par و عن الصادق عليه السلام: ان الايمان افضل من الاسلام و ان اليقين افضل من الايمان و ما شى ء اعز من اليقين. \par
001    20    و عن الرضا عليه السلام بسند صحيح قال: الايمان فوق الاسلام بدرجه و اليقين فوق التقوى بدرجه و لم يقسم بين العباد شى ء اقل من اليقين. \par و عن ابيعبدالله عليه السلام ان العمل الدائم القليل على اليقين افضل عند الله من العمل الكثير على غير يقين. و الاخبار فى هذا المعنى كثيره. \par (النيه تنقسم باعتبار غايتها: الى قبيح و حسن و احسن) \par قوله عليه السلام: و انته بنيتى الى احسن النيات،: اجعلها منتهيه الى احسن النيات اى بالغه اليه و النيه بالتشديد اسم من نويت الشى ء انويه اى قصدته، و التخفيف فيها لغه، و الظاهر ان المراد بالنيه فى الدعاء هو مطلق القصد الى ايقاع فعل معين لعله غائيه و لما كانت النيه بهذا المعنى تنقسم باعتبار غايتها الى قبيح و حسن و احسن سئل عليه السلام ان يبلغ بنيته احسن النيات فالقبيح: ما كان غايته امرا دنيويا و حظا عاجلا و ليس له فى الاخره من نصيب كنيه اهل الرياء و النفاق و نحوهم، و الحسن: ما كان غايته امرا اخرويا من رغبه فى ثواب او رهبه من عقاب، و الاحسن: ما كان غايته وجه الله تعالى لا غير، و يعبر عنه بالنيه الصادقه. \par (قال بعضهم.. يمكن ان تجعل العادات عبادات..) \par تبصره: روى فى مصباح الشريعه عن الصادق عليه السلام انه قال: لابد للعبد من خالص النيه فى كل حركه و سكون، لانه اذا لم يكن بهذا المعنى يكون غافلا، و الغافلون قد وصفهم الله تعالى فقال: ان هم الا كالانعام بل هم اضل و قال: اولئك هم الغافلون. \par و شرح ذلك بعض العلماء فقال: يجب ان يكون للعبد فى كل شى ء يفعله و عمل يعمله نيه و اخلاص حتى فى مطعمه و مشربه و ملبسه و نومه و نكاحه فان ذلك كله من اعماله التى يسئل عنها و يجازى عليها فان كانت لله و فى الله كانت فى ميزان حسناته و ان \par
001    20    كانت فى سبيل الهوى و لغير الله كانت فى ميزان سيئاته و كان صاحبها فى الدنيا على مثال البهائم الراتعه و الانعام المهمله السارحه و لا يكون على الحقيقه انسانا مكلفا موقفا و كان من الذين ذكرهم الله بقوله: اغفلنا قلبه عن ذكرنا اى وجدناه غافلا كقولك دخلت بلده فاعمرتها اى وجدتها عامره او اخربتها اى وجدتها خرابا فهو غافل عما ياتيه و يذره و متبع هواه فيما يورده و يصدره و كان امره فرطا بغير نيه فى اوله و لا صحه فى آخره. \par قال بعضهم: و من هما يعلم انه يمكن ان تجعل العادات عبادات كالاكل و الشرب اذا نوى بهما: القوه على الطاعه و كالتطيب ان قصد به اقامه السنه لا استيفاء اللذات و تودد النسوان اذ هو معصيه. \par ففى الخبر: من تطيب لله جاء يوم القيمه و ريحه اطيب من ريح المسك و من تطيب لغير الله جاء يوم القيمه و ريحه انتن من الجيفه، فاجتهد فى تصيير ذلك ملكه للنفس. \par (البحث فى النيه، و كلام على (ع) تخليص النيه من الفساد اشد..) \par ارشاد: قال بعض العارفين: قد يسمع الجاهل ما ذكره اصحاب القلوب من المبالغه و التاكيد فى امر النيه و ان العمل بدونها لا طائل تحته كما قال سيد البشر صلى الله عليه و آله: انما الاعمال بالنيات، فيظن ان قوله عند تسبيحه و تدريسه: اسبح قربه الى الله و ادرس قربه الى الله محضرا معنى هذه الالفاظ على خاطره هو النيه و هيهات انما ذلك تحريك لسان و حديث نفس او فكر و انتقال من خاطر الى خاطر، و النيه عن جميع ذلك بمعزل. \par انما النيه: انبعاث النفس و انعطافها و توجهها و ميلها الى فعل ما فيه غرضها و بغيتها اما عاجلا و اما آجلا و هذا الانبعاث و الميل اذا لم يكن حاصلا لها لم يمكنها اختراعه \par
001    20    و اكتسابه بمجرد الاراده المتخيله و النطق بتلك الالفاظ و ما ذاك الا كقول الشبعان: اشتهى الطعام و اميل اليه قاصدا حصول الميل و الاشتهاء، و كقول الفارغ اعشق فلانا و احبه و انقاد له و اطيعه بل لاسبيل الى اكتساب صرف القلب الى الشى ء و ميله اليه و اقباله عليه الا بتحصيل الاسباب الموجبه لذلك الميل و الانبعاث و اجتناب الامور المنا فيه لذلك المضاده له فان النفس انما تنبعث الى الفعل و تقصده و تميل اليه تحصيلا للغرض الملايم لها بحسب اعتقادها و ما يغلب عليها من الاحوال فاذا غلبت شهوه النكاح و اشتد توقان النفس اليه لا يمكن المواقعه على قصد الولد بل لا يمكن الاعلى نيه قضاء الشهوه فحسب، و ان قال بلسانه افعل السنه و اطلب الولد قربه الى الله. \par و قس على ذلك قول المصلى عند نيه الصلوه اذا كان منهمكا فى امور الدنيا و التها لك عليها و الانبعاث فى طلبها فانه لايتيسر له توجيه قلبه بكليه الى الصلوه و تحصيل الميل الصارف اليها و الاقبال الحقيقى عليها بل يكون دخوله فيها دخول بتكلف لها متبرم بها و يكون قوله اصلى قربه الى الله كقول الشبعان اشتهى الطعام و قول الفارغ اعشق فلانا مثلا. \par و الحاصل: انه لا تحصل النيه الكامله المعتد بها فى العبادات و غيرها اذا اريدت بها القربه من دون ذلك الميل و الاقبال و قمع ما يضاده من الصوارف و الاشغال و هو لا يتيسر الا بصرف القلب عن الامور الدنيويه و تطهير النفس عن الصفات الذميمه الدنيه، و قطع النظر عن الحظوظ العاجله بالكليه، و توجيه القلب الى المولى و قصده دون جميع ما سواه بالنيه و ذلك لايتيسر الا لمن نور الله قلبه بالعرفان و اليقين و هداه صراط عباده المخلصين. \par و لذلك قال اميرالمومنين و سيد الوصيين: تخليص النيه من الفساد اشد على العالمين من طول الجهاد، و من هنا يظهر سر قوله صلى الله عليه و آله: نيه المومن خير من عمله، \par
001    20    فان النيه على هذا الوجه اشق من العمل بكثير فيكون افضل منه و يتبين لك ان قوله صلى الله عليه و آله افضل الاعمال احمزها غير مناف لحديث: نيه المومن خير من عمله بل كان كالموكد و المقرر له و الله ولى التوفيق. \par (معنى الاخلاص، و عبارات القوم فى تعريفه) \par قال بعض المحققين من علمائنا المتاخرين: النطق لا تعلق له بالنيه اصلافان القصد الى فعل من الافعال لا يعقل توقفه على اللفظ بوجه من الوجوه و لا ريب فى عدم استحبابه ايضا لان الوظائف الشرعيه موقوفه على الشرع و مع فقده فلا توظيف بل كان فعله على وجه العباده ادخالا فى الدين ما ليس منه فيكون تشريعا محرما، قوله عليه السلام: و بعملى الى احسن الاعمال، العمل: كل ما صدر من الحيوان بقصده قلبيا او قالبيا فهو اخص من الفعل و قد تقدم الكلام على ذلك. \par و اعلم ان قبح العمل و حسنه و احسنيته متفرع على النيه فى ذلك كما قال صلى الله عليه و آله: انما الاعمال بالنيات، فالمراد باحسن الاعمال ما كان عن نيه صادقه و هو ما تجردت فيه النيه عن ملاحظه غير وجه الله تعالى و رضاه. \par روى عن الصادق عليه السلام فى قوله تعالى: ليبلوكم ايكم احسن عملا قال: ليس يعنى اكثركم عملا و لكن اصوبكم عملا. و انما الاصابه: خشيه الله و النيه الصادقه، ثم قال: العمل الخالص الذى لا تريد ان يمدحك عليه احد الا الله، و هذا هو معنى الاخلاص و للقوم فى تعريفه عبارات: \par فقيل: هو تصفيه العمل عن ملاحظه المخلوقين حتى عن ملاحظه النفس فلا يشهد غير الله. \par و قيل: هو تنزيه العمل عن ان يكون لغير الله فيه نصيب. \par
001    20    و قيل: هو اخراج الخلق عن معامله الحق. \par و قيل: هو ستر العمل عن الخلايق و تصفيته من العلايق. \par و قيل: ان لا يريد عامله عليه عوضا فى الدارين، و هذه درجه رفيعه عزيزه المنال، و قد اشار اليها اميرالمومنين و سيد الموحدين صلوات الله عليه بقوله: ما عبدتك خوفا من نارك، و لا طمعا فى جنتك و لكن وجدتك اهلا للعباده فعبدتك، و لعزه هذه المرتبه قال بعض ارباب القلوب: طوبى لمن صحت له خطوه واحده لا يريد بها الا الله. \par (البحث فى ان العباده اذا قصد بفعلها تحصيل الثواب) \par (او النجاه من العقاب هل تكون باطله ام لا؟) \par ذهب جم غفير من علماء الاسلام الى بطلان العباده اذا قصد بفعلها تحصيل الثواب او النجاه من العقاب قائلين ان ذلك ينافى الاخلاص الذى هو اراده وجه الله تعالى لاغير و ان من قصد ذلك فانما قصد جلب نفع اودفع ضرر لا وجه الله سبحانه كما ان من اثنى على احد طمعا فى نعمته او خوفا من نقمته لم يعد مخلصا فى ثنائه عليه و ممن بالغ فى ذلك: السيد الجليل على بن طاووس قدس سره بل يستفاد من كلام الشهيد الاول فى قواعده انه مذهب اكثر اصحابنا رضوان الله عليهم. \par و نقل الفخر الرازى فى التفسير الكبير: اتفاق المتكلمين على ان من عبدالله لاجل الخوف من العقاب او الطمع فى الثواب لم تصح عبادته و جزم فى اوائل تفسير الفاتحه بانه لو قال: اصلى لثواب الله او الهرب من عقابه فسدت صلوته. \par و ذهب آخرون الى ان القصد المذكور غير مفسد للعباده و منعوا خروجها به عن درجه الاخلاص و منافاته له قائلين ان اراده ثواب الله و النجاه من عقابه ليست امرا مخالفا لاراده وجه الله سبحانه كيف؟ و قد قال تعالى فى مقام المدح لاصفيائه: كانوا يسارعون فى الخيرات و يدعوننا رغبا و رهبا اى للرغبه فى الثواب و الرهبه من العقاب، و قال سبحانه: و ادعوه خوفا و طمعا \par
001    20    و اعترض قولهم: بان دعوى عدم المخالفه كلام ظاهرى للفرق الظاهر بين طاعه المحبوب لمحض محبته و بين طاعته لغرض آخر، و اما الاعتضاد بالايتين ففيه ان كثيرا من المفسرين ذكروا ان المعنى: راغبين فى الاجابه راهبين من الردو الخيبه. \par قال شيخنا البهائى رحمه الله: و الاولى ان يستدل على ذلك بما رواه ثقه الاسلام فى الكافى بطريق حسن عن هارون بن خارجه عن الامام ابى عبدالله عليه السلام انه قال: العباد ثلثه: قوم عبدوا الله عز و جل خوفا فتلك عباده العبيد، و قوم عبدوا الله تبارك و تعالى طلبا للثواب فتلك عباده الاجراء و قوم عبدوا الله عز و جل حبا له فتلك عباده الاحرار و هى افضل العباده، يعطى ان العباده على الوجهين السابقين لا تخلومن فضل ايضا فتكون صحيحه و هو المطلوب. \par (البحث فى ان قصد الضمائم اللازمه للعباد كالخلاص من النفقه) \par (بعتق العبد فى الكفاره.. مفسد للعباده ام لا؟) \par ثم المفهوم من كلام القائلين ببطلان العباده بقصد تحصيل الثواب او دفع العقاب الحكم بفسادها و ان انضم اليه قصد وجه الله سبحانه اما بقيه الضمايم اللازمه للعباده كالخلاص من النفقه بعتق العبد فى الكفاره، و الحميه بالصوم، و التبرد فى الوضوء و اعلام الماموم الدخول فى الصلوه بالتكبير، و مماطله الغريم بالتشاغل بالصلوه و ملازمته بالطواف و السعى، و حفظ المتاع بالقيام لصلوه الليل و امثال ذلك فالظاهر ان قصدها عندهم مفسد ايضا بالطريق الاولى. \par و اما القائلون بعدم الفساد بقصد الثواب و دفع العقاب فقد اختلفوا فى الافساد بهذه الضمايم فاكثرهم على عدمه و به قطع الشيخ فى المبسوط، و المحقق فى المعتبر، و العلامه فى التحرير و المنتهى لانها لازمه الحصول قصدت او لم تقصد فلا يضر قصدها، و فيه: ان لزوم حصولها لايستلزم صحه قصد حصولها، و المتاخرون من اصحابنا حكموا بفساد العباده بقصدها، و هو مذهب العلامه فى النهايه و القواعد و ولده فخر المحققين فى الشرح و شيخنا الشهيد فى البيان لغوات الاخلاص، قال شيخنا البهائى و هو الاصح. \par
001    20    و استقرب بعض علمائنا المتاخرين القول بالتفصيل و هو ان العباده ان كانت هى المقصوده بالذات و الضميمه مقصوده تبعا صحت و ان انعكس الامر او تساويا بطلت، قال شيخنا البهائى: و اعلم ان الضميمه ان كانت راجحه و لا حظ القاصد رجحانها وجوبا اوندبا كالحميه فى الصوم لوجوب حفظ البدن و الاعلام بالدخول فى الصلوه للتعاون على البر فينبغى ان لا تكون مضره اذ هى حينئذ موكده، و انما الكلام فى الضمائم الغير الملحوظه الرجحان فصوم من ضم قصد الحميه مثلا صحيح مستحبا كان الصوم او واجبا، معينا كان الواجب او غير معين، و لكن فى النفس من صحه غير المعين شى ء و عدمها محتمل، انتهى كلامه. \par و اما ضميمه الرياء فالظاهر انه لاخلاف فى بطلان العباده بها عند اصحابنا، قال المحقق الشيخ على: ضم الرياء الى القربه يبطل العباده قولا واحدا الا ما يحكى عن المرتضى انه يسقط الطلب عن المكلف و لا يستحق بها ثوابا و ليس بشى ء انتهى. \par
002    20    (قال بعض العارفين: ان عون الله للعبد بقدرنيه العبد) \par (اللهم وفر بلطفك نيتى، و صحح بما عندك يقينى، و استصلح بقدرتك ما فسدمنى) \par وفر الشى ء يفر من باب و عدو فورا: تم و كمل، و وفرته وفرا من باب وعد ايضا: اتممته و اكملته يتعدى و لا يتعدى، و المعنى اجعل نيتى تامه كامله بكونها خالصه لوجهك الكريم من غير نقص فانها بشوب غرض آخر. \par قال بعض العارفين: ان عون الله للعبد بقدر نيه العبد فمن تمت نيته تم عون الله له بقدرها، و قد قال الله عز من قائل: ان يريد اصلاحا يوفق الله بينهما فجعل سبب التوفيق اراده الاصلاح، و يجوز ان يكون توفير النيه بمعنى صيانتها و وقايتها من وفرت عرضه وفرا و وفرته توفيرا اى صنته و وقيته من العيب، و المعنى صن نيتى وقها من ان تثلب اوتعاب برياء و نحوه، و قوله عليه السلام: بلطفك، يحتمل ان يراد به المعنى \par
002    20    العرفى المشهور للطف و هو ما يقرب به العبد من الطاعه و يبعد عن المعصيه، و يحتمل ان يراد به: تصرفه تعالى فى الذوات و الصفات تصرفا خفيا بفعل الاسباب المعده لها لافاضه كمالاتها، قوله عليه السلام: و صحح بما عندك يقينى، اى اجعل يقينى صحيحا ثابتا مستقرا لا يعتريه شك. \par و عن ابى عبدالله عليه السلام: من صحه يقين المرء المسلم ان لا يرضى الناس بسخط الله و لا يلومهم على ما لم يوته الله. \par و عنه عليه السلام: حد اليقين: ان لا تخاف مع الله شيئا، قوله عليه السلام: و استصلح بقدرتك ما فسدمنى، معنى الصلاح: حصول الشى ء على الحاله المستقيمه النافعه و نقيضه الفساد: و هو خروجه عن تلك الحاله. \par
003    20    (المراد بالمسئول عنه غدا.. و فائده السوال مع علمه تعالى بذلك) \par (اللهم صل على محمد و آله، و اكفنى ما يشغلنى الاهتمام به، و استعملنى بما تسئلنى غدا عنه، و استفرغ ايامى فيما خلقتنى له) \par الكفايه: قيام شخص مقام آخر فى قضاء حوائجه، و اهتم بالامر: اعتنى به اى تول كفايتى فى كل امر يشغلنى اهتمامى و اعتنائى به عن طاعتك و عبادتك حتى لا يكون لى توجه و التفات الى غير وجهك الكريم. و استعملته: جعلته عاملا، و الغد: اليوم الذى ياتى بعد يومك على اثره ثم توسعوا فيه حتى اطلق على البعيد المترقب كما وقع هنا فان المراد به: يوم الحساب، و المراد بالمسئول عنه غدا هو الاعمال التى يثاب او يعاقب الانسان على فعلها او على تركها، كما قال تعالى: و لتسئلن عما كنتم تعملون. \par قالوا: و فائده السوال مع علمه تعالى بذلك: اظهار المعدله و قطع المعذره فتعلم الخلائق انه سبحانه لا يظلم احدا و يزداد سرور اهل الايمان بالثناء الجميل عليهم بما يظهر من افعالهم الحسنه و يزداد غم الكفار بما يظهر من افعالهم القبيحه، و استفرغ ايامى، اى اجعل ايامى كلها مبذوله فيما خلقتنى له يقال: استفرغ مجهوده \par
003    20    اى استقصى طاقته، و فيما خلقتنى له، اى فى عبادتك كما قال تعالى: و ما خلقت الجن و الانس الا ليعبدون. \par (معنى الفتنه، و النظر، و الكبر، و العباده) \par (و اغننى و اوسع على فى رزقك، و لا تفتنى بالنظر، و اعزنى و لا تبتلينى بالكبر، و عبدنى لك و لا تفسد عبادتى بالعجب، و اجر للناس على يدى الخير و لا تمحقه بالمن، وهب لى معالى الاخلاق، و اعصمنى من الفخر). \par اغننى اى اعطنى ما استغنى به عن الناس، او ارزقنى غنى النفس عما فى ايدى الخلق، و اوسع على فى رزقك، اى اجعل رزقك واسعا، و فتنه من باب ضرب: اوقعه فى الفتنه و هى الضلال عن الحق و الخروج عن الطاعه، و انما يكون ذلك منه تعالى بسبب اللطف و التوفيق فقصد بنفى اللازم نفى الملزوم من باب الكنايه، و النظر، قيل هو بمعنى الانتظار اى لا تفتنى بانتظار حصول الرزق بل عجل لى بالغنى و السعه، و قيل هو بمعنى الابصار اى لا تفتنى بالنظر و الالتفات الى ما فى ايدى الناس من متاع الدنيا كما قال تعالى: و لا تمدن عينيك الى ما متعنابه ازواجا منهم زهره الحيوه الدنيا لنفتنهم فيه و رزق ربك خير و ابقى و اعزه الله: جعله عزيزا اى منيعا لا يغلب و لا يقهر، و اعزه ايضا: اكرمه، و ابتلاه: اختبره، و الابتلاء يكون بالخير لامتحان الشكر و يكون بالشر لامتحان الصبر، و الكبر بكسر الكاف و سكون الباء الموحده: اسم من التكبر و هو العظمه و التجبر. \par قال الراغب: الكبر ظن الانسان بنفسه انه اكبر من غيره، و التكبر: اظهاره ذلك من نفسه، قوله عليه السلام و عبدنى لك، اى ذللنى من قولهم بغير معبد اى مذلل، و منه العباده و هى التذلل للغير عن اختيار لغايه تعظيمه، و العبوديه ادنى منها، و قيل \par
003    20    العباده: فعل ما يرضى الله، و العبوديه: الرضا بما فعله الله تعالى، و افساد الشى ء: اخراجه عن ان ينتفع به. \par (الكلام فى العجب، و فى ان له درجات..) \par و العجب فى العباده: استعظام العمل الصالح و استكباره و الابتهاج له و الادلال به وان يرى نفسه خارجا عن حد التقصير و هذا هو العجب المفسد للعباده لانه حجاب للقلب عن الرب و مانع له عن رويه منته و نعمته و توفيقه و معونته، و صاد له عن الوصول الى حقيقه توحيده و الاخلاص فى ربوبيته و قد تقدم الكلام على حقيقه العجب و انواعه. \par روى ثقه الاسلام فى الكافى بسنده عن على بن سويد عن ابى الحسن عليه السلام قال سئلته عن العجب الذى يفسد العمل، فقال: للعجب درجات: \par منها- ان يزين للعبد سوء عمله فيراه حسنا فيعجبه و يحسب انه يحسن صنعا. \par و منها- ان يومن العبد بربه فيمن على الله عزوجل، و لله عليه فيه المن. و عن ابى عبدالله عليه السلام قال: قال الله عز و جل لداود يا داود! بشر المذنبين و انذر الصديقين قال: كيف ابشر المذنبين و انذر الصديقين؟ قال: يا داود! بشر المذنبين انى اقبل التوبه و اعفو عن الذنب، و انذر الصديقين الا يعجبوا باعما لهم فانه ليس عبد انصبه للحساب الا هلك. \par و عنه عليه السلام: ان الرجل ليذنب الذنب فيندم عليه و يعمل العمل فيسره ذلك فيتراخى عن حاله تلك فلان يكون على حاله تلك خير له مما دخل فيه. \par و عنه عليه السلام: اول ما يفعل بالعجب نزع ما اعجب به ليعلم انه عاجز حقير و يشهد على نفسه بالعجز لتكون الحجه عليه. \par
003    20    (الخير: كلى يندرج تحته جميع الاعمال الصالحه، و المراد به هنا..) \par قوله، و اجر الناس على يدى الخير، الخير كلى يندرج تحته جميع الاعمال الصالحه و المراد به هنا: الاحسان الى الناس و اعطاء فضل المال الى غير ذلك من مكارم الاعمال و محاسن الافعال التى يتعدى نفعها الى الغير، و المراد با جرائها على يديه: جعله واسطه و سببا فى ايصال الخير الى الغير تحريا للثواب المترتب على ذلك و حبا للمعروف و فعله. \par فعن ابى جعفر عليه السلام: ان من احب عباد الله الى الله لمن حبب اليه المعروف و حبب اليه فعاله. \par و عن ابى عبدالله عليه السلام: لو حرى المعروف على ثمانين كفا لا جروا كلهم فيه من غير ان ينقص صاحبه من اجره شيئا. \par و الاخبار فى هذا المعنى اكثر من ان تحصى، و محقه محقا من باب نفع: نقصه و اذهب منه البركه، و قيل هو اذهاب الشى ء كله حتى لا يرى له اثر، و منه يمحق الله الربا و المراد بمحقه: محق اجره و ابطال ثوابه، و المن: ان يعتد المحسن على من احسن اليه باحسانه و يريه انه اوجب عليه بذلك حقا، و هو مذموم جدا مبطل لاجر الاحسان قال تعالى: يا ايها الذين آمنوا لاتبطلوا صدقاتكم بالمن و الاذى و ذلك لما فيه من انكسار قلب الفقير، و من تنفير ذوى الحاجه عن معروفه و من عدم الاعتراف بان النعمه نعمه الله و العباد عباده و اذا كان العبد فى هذه الدرجه محروما من مطالعه الاسباب الربانيه الحقه فكان فى درجه البهائم التى لا يترقى نظرها من المحسوس الى المعقول و من الموثر الى الموثرات. \par و اعلم ان المراد بمحقه و ابطاله بالمن: عدم استحقاق الثواب عليه راسا لاتيانه به على غير الوجه المامور به و هو ايقاعه على الوجه الذى لا يستحق عليه الثواب لا ان الاحسان اوجب اجرا و ثوابا ثم ان ذلك المن ازالهما و ابطلهما كما ذهبت اليه المعتزله جريا على مذهبهم من الاحباط. \par
003    20    (اختلاف العلماء فى تعريف حسن الخلق) \par قوله عليه السلام: وهب لى معالى الاخلاق، اى افض على قوه و استعدادا لقبول معالى الاخلاق، و المعالى: جمع معلاه اسم من العلاء و هو الرفعه و الشرف كالمكرمه، من الكرم و الاضافه بمعنى من اى المعالى من الاخلاق و هى جمع خلق بالضم و هو ملكه نفسانيه يقتدر معها على الاتيان بالفعل بسهوله والمراد بمعالى الاخلاق محاسنها و مكارمها. \par و اختلف العلماء: فى تعريف حسن الخلق، فقيل: هو بسط الوجه و كف الاذى و بذل الندى، و قيل: هو صدق التحمل و ترك التجمل و حب الاخره و بغض الدنيا، و قيل: هو ان لا يظلم صاحبه و لا يمنع و لا يجفو احدا و ان ظلم غفر و ان منع شكر و ان ابتلى صبر. \par والحق ان كل ذلك تعريف له بالاثار و الافعال التابعه له الداله عليه و انه ملكه يسهل على صاحبها فعل الجميل و تجنب القبيح و يعرف ذلك بمخالطه الناس بالمعروف و الصدق و الصله و التودد و اللطف و المبره و حسن الصحبه و العشره و المراعات و المواسات و الرفق و الحلم و الصبر و الاحتمال لهم و الاشفاق عليهم، و هو حسن الصوره الباطنه التى هى صوره النفس الناطقه كما ان حسن الخلق بالفتح هو حسن الصوره الظاهره الا ان حسن هذه الصوره الظاهره ليس بقدرتنا و اختيارنا بخلاف حسن الصوره الباطنه فانه من فيض الحق و قد يكون مكتسبا و لهذا تكرر فى الدعاء سواله من الله تعالى و تظافرت الاخبار بالحث عليه و بتحصيله و الترغيب فيه بمدحه فمن ذلك: \par ما رواه ثقه الاسلام فى الكافى بسنده عن على بن الحسين عليهماالسلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله: ما يوضع فى ميزان امرء يوم القيمه افضل من حسن الخلق. \par و عن ابى عبدالله عليه السلام: ان صاحب الخلق الحسن له مثل اجر الصائم القائم . \par و عنه عليه السلام: قال قال رسول الله صلى الله عليه و آله: اكثر ما تلج به امتى الجنه: تقوى الله و حسن الخلق. \par و عنه عليه السلام: ان الخلق الحسن يميث الخطيئه كما تميث الشمس الجليد. \par
003    20    و عن ابيجعفر عليه السلام قال: ان اكمل المومنين ايمانا احسنهم خلقا. و الروايات فى هذا المعنى كثيره جدا. \par (بعض الاخبار الوارده فى ذم الفخر) \par قوله عليه السلام: و اعصمنى من الفخر، عصمه الله من المكروه يعصمه من باب ضرب: حفظه و وقاه، و الاسم: العصمه بالكسر، و الفخر: ادعاء العظمه و الكبر و الشرف، و قيل هو التطاول على الناس بتعديد المناقب، و لما كان الحصول على معالى الاخلاق ربما جمحت به النفس الاماره الى الفخر المذموم سئل عليه السلام عصمته منه، و قد ورد فى ذم الفخر اخبار عديده: \par قال اميرالمومنين عليه السلام: ما لابن آدم و الفخر اوله نطفه و آخره جيفه لا يرزق نفسه و لا يدفع حتفه. \par و عن ابيعبدالله عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه و آله: آفه الحسب: الافتخار اى ان الافتخار يهدم الحسب و هو شرف الانسان و مكارمه كالشجاعه و السخاء و حسن الخلق و بهذا الحديث يظهر سر سوال زين العابدين عليه السلام العصمه من الفخر بعد سواله معالى الاخلاق و من الاحاديث المشهوره: \par قوله صلى الله عليه و آله: انا سيد ولد آدم و لا فخر، اى لا افتخر بذلك لانى لم انله من قبل نفسى بل بفضل ربى، اولا اقوله تبجحا و لكن شكرا لله و تحدثا بنعمته و تبليغا الى الامه ما يجب معرفته و الايمان به و الله اعلم. \par
004    20    (الغرض من الدعاء فى هاتين الفقرتين امور..) \par (اللهم صل على محمد و آله، و لا ترفعنى فى الناس درجه الا حططتنى عند نفسى مثلها، و لا تحدث لى عزا ظاهرا الا احدثت لى ذله باطنه عند نفسى بقدرها) \par الدرجه: المنزله و المراد بهاهنا: المزيه فى الفضل و الشرف (الا حططتنى اى الا وضعتنى) و حدث الشى ء حدوثا من باب قعد: تجدد وجوده بعد ان كان معدوما \par اى لاتوجد عزا ظاهرا فى جميع الاحوال الا حال ايجادك لى ذله باطنه عند نفسى (بقدرها) و اعاد الضمير الى العز مونثا و هو مذكر ذهابا الى المعنى لان العز فى معنى الدرجه و المنزله. \par و اعلم ان الغرض من الدعءفىاتين الفقرتين امور: \par احدها- وقايته و حفظه من الكبر و العجب اللذين كثيرا ما ينشئان عن حصول الرفعه و العز الظاهرين فيما بين الناس، و لذلك ما روى عنه عليه السلام انه قال: كفى بالمرء فتنه ان يشار اليه بالاصابع فى دين او دنياه \par و عن اميرالمومنين عليه السلام: ما ارى شيئا اضر بقلوب الرجال من خفق النعال وراء ظهورهم. \par الثانى- تجليته بالتواضع عند حصول الرفعه و العز له فان احسن التواضع ما كان عن رفعه كما ان احسن العفو ما كان عن قدره و لذلك: \par قال صلى الله عليه و آله: طوبى لمن تواضع فى غير منقصه و ذل فى نفسه من غير مسكنه \par الثالث- حفظ تلك الدرجه الرفيعه و العز الظاهر من الزوال بل زيادتهما فان التواضع عند حصول الرفعه كالشكر عند حصول النعمه، و فى قوله تعالى: فاهبط منها فما يكون لك ان تتكبر فيها دلاله ظاهره على ان الانحطاط عن رفيع الدرجات انما يكون بالتكبر. \par و فى الحديث الصحيح عنه صلى الله عليه و آله: من تواضع لله رفعه الله و من تكبر خفضه الله و روى ثقه الاسلام فى الصحيح عن ابيعبدالله عليه السلام: ان فى السماء ملكين موكلين بالعباد فمن تواضع لله رفعاه، و من تكبر وضعاه. \par و عن النبى صلى الله عليه و آله: ان التواضع يزيد صاحبه رفعه فتواضعوا يرفعكم الله عن عمرو بن شيبه قال: كنت بمكه بين الصفا والمروه فرايت رجلا راكبا بغله و بين يديه غلمان فاذا هم يعنفون بالناس ثم عدت بعد حين فدخلت بغداد فكنت على الجسر فاذا انا برجل حاف حاسر طويل الشعر فجعلت انظر اليه و اتامله فقال لى مالك تنظر الى \par
004    20    فقلت له شبهتك برجل رايته بمكه و وصفت له الصفه فقال: انا ذلك الرجل. فقلت ما فعل الله بك؟ فقال: انى ترفعت فى موضع تتواضع فيه الناس فوضعنى الله حيث تترفع الناس، و انما سئل عليه السلام ان يكون حطه و اذلاله فى نفسه بمقدار تلك الرفعه و العز ليكون تواضعه مساويا لدرجته و مرتبته فى الناس حتى لا يكون زائدا عليها فيحمل على التملق و الضعه، و لا ناقصا عنها فتشوبه شائبه تكبر و تجبر، و الله اعلم بمقاصد اوليائه. \par
005    20    (مدار هذه الفقرات الثلث من الدعاء) \par (على طلب الاستقامه فى الاعتقاد و الاخلاق و الاعمال) \par (اللهم صل على محمد و آل محمد، و متعنى بهدى صالح لا استبدل به، و طريقه حق لا ازيغ عنها، و نيه رشد لا اشك فيها). \par متعه بالشى ء تمتيعا: نفعه به فتمتع هو، و قال فى المحكم: متعه الله و امتعه: ابقاه ليستمتع به، و الهدى بضم الهاء مقصورا مصدر من هدى كالسرى و البكى و هو يطلق على معنيين: احدهما: ان يكون بمعنى الهدايه و هى الدلاله بلطف على ما يوصل الى المطلوب و يوصف بالمتعدى و هو المضاف الى الله تعالى، و الثانى: ان يكون بمعنى التوجه الى ما يوصل الى المطلوب و يوصف باللازم و هو المضاف الى العبد، و كل من المعنيين محتمل هنا الا ان الثانى انسب بالاستبدال كما لا يخفى، و الصالح: المستقيم المنتفع به. و كان المراد به الموصل الى المطلوب اذا الوصول غير معتبر فى مطلق الهدى بالمعنيين على الصحيح، و استبدل بالشى ء: اتخذ و اختار منه بدلا، و رايت فى بعض النسخ كان قد ضبط هدى بفتح الهاء و سكون الدال و بعدها ياء مثناه على وزن فلس بمعنى السيره و هى الطريقه و الهيئه و وصفه بالصلاح بهذا المعنى اعرف من وصف الهدى مقصورا به، و منه الحديث: الهدى الصالح و الصمت الصالح جزء من خمسه و عشرين جزءا من النبوه، و هو بفتح الهاء و سكون الدال اتفاقا، ثم رايته كذلك فى نسخه قديمه فثبتت الروايه به و لله الحمد، و الطريقه: المذهب و الحاله، و الحق لغه: نقيض الباطل، و اصطلاحا: الحكم المطابق للواقع و يقابله الباطل. و قد يراد بالحق: الاقبال على الله \par
005    20    تعالى بلزوم الاعمال الصالحه المطابقه للعقائد المطابقه للواقع، و بالباطل: الالتفات عنه الى غير ذلك مما لا يجرى نفعا فى الاخره و به فسر. \par قول اميرالمومنين عليه السلام: من ينفعه الحق يضره الباطل و الزيغ: الميل، و النيه: عزم القلب على امر من الامور، و تطلق على الوجه الذى ينويه الانسان، و لا يبعد اراده هذا المعنى هنا، و الرشد: الصواب، و الشك لغه: خلاف اليقين و هو التردد بين شيئين سواء استوى طرفاه او رجح احدهما على الاخر، و اصطلاحا: هو التردد بين شيئين على حد سواء و ان رجح فالراجح ظن و المرجوح و هم، و يقال: الشك: اضطراب القلب و النفس، و هذا المعنى هو المراد هنا، اذا المراد بنيه الرشد التى لا شك فيها: النيه الصائبه الصحيحه المستقيمه التى لا اضطراب للقلب و النفس فيها لا كنيه: من يعبد الله على حرف فان اصابه خير اطمان به و ان اصابته فتنه انقلب على وجهه خسر الدنيا و الاخره ذلك هو الخسر ان المبين و مدار هذه الفقرات الثلث من الدعاء على طلب الاستقامه فى الاعتقاد و الاخلاق و الاعمال. \par (طلب العمر مادام بذله فى طاعه الله، و طلب الموت مادام..) \par (و عمرنى ما كان عمرى بذله فى طاعتك، فاذا كان عمرى مرتعا للشيطان فاقبضنى اليك قبل ان يسبق مقتك الى، او يستحكم غضبك على) \par عمره الله يعمره من باب قتل و عمره تعميرا: ابقاه، و العمر بالضم و بضمتين و بالفتح الحيوه، و البذله بالكسر على وزن سدره: ما يمتهن و لا يصان من الثياب فى الخدمه و الفتح فيها لغه، قيل: و هى هنا استعاره للعمر، شبه الحيوه المصروفه فى طاعه الله بالثوب المستعمل فى الخدمه بجامع الامتهان و الابتذال فاستعار لها لفظ البذله و هى استعاره مطلقه لكنها فى غايه الحسن لغرابه التشبيه فيها، و رتعت الماشيه ترتع رتعا من باب نفع و رتوعا: رعت كيف شائت و جائت و ذهبت فى المرعى، و المرتع بالفتح: موضع الرتوع و هو مستعار للعمر المصروف فى طاعه الشيطان باعتبار كونه مباحا \par
005    20    مطلقا له يضله و يغويه فيه كيف شاء كالمرتع المباح للماشيه الذى ترعى فيه كيف شائت و قبضه الله من باب ضرب: اماته، و مقته مقتا من باب قتل: ابغضه اشد البغض عن امر قبيح، و احكمت الشى ء احكاما: اتقنه فاستحكم هو صار كذلك، و المراد باستحكام الغضب: تحققه و ثبوته، و اعلم ان قوله: فاذا كان عمرى مرتعا للشيطان، من باب التعبير بالفعل عن مشارفته و التقدير: فاذا شارف عمرى عن ان يكون مرتعا للشيطان. \par
006    20    (طلب الاصلاح و التحسين و التتميم فى خصله..) \par (و عايبه.. و اكرومه..) \par (اللهم لا تدع خصله تعاب منى الا اصلحتها، و لا عايبه اونب بها الا حسنتها، و لا اكرومه فى ناقصه الا اتممتها) \par ودعته ادعه ودعا: تركته، و الخصله: الخله و الحاله، و جمله تعاب فى محل نصب صفه لخصله، و العايبه بالياء على القياس و هو الواقع فى النسخ المقبره و لا عبره بما وقع فى بعض النسخ من الهمز و هى كل خصله ذات عيب من عاب الشى ء لازما اذا صار ذاعيب و انبه تانيبا: عنفه و لامه، و قيل هو المبالغه فى التعنيف و التوبيخ و اونب بها بالبناء للمجهول اى اعنف و الام عليها: و الاكرومه بضم الهمزه: اسم من الكرم كالاعجوبه اسم من العجب، و فى القاموس: هى فعل الكرم: و حاصل الكلام: كلما كانت فى من خصله تعاب فاصلحها، و من عايبه اونب بها فحسنها، و من اكرومه ناقصه فاتممها. \par
007    20    (لا ينبغى متابعه الغير فى امر من الامور مع تجويز) \par (كون ذلك الامر خطاء بل...) \par (اللهم صل على محمد و آل محمد، و ابدلنى من بغضه اهل الشنآن المحبه و من حسد اهل البغى، الموده و من ظنه اهل الصلاح الثقه، و من عداوه الادنين الولايه و من عقوق ذوى الارحام المبره و من خذلان الاقربين النصره و من حب المدارين تصحيح المقه و من رد الملابسين كرم العشره، و من مراره خوف الظالمين حلاوه الامنه). \par
007    20    ابدلت كذا من كذا ابد الا: اذهبت الاول و جعلت الثانى مكانه، و من بدليه اى اجعل المحبه بدلا من بغضه اهل الشنآن، او ابتدائيه على القول بانكار مجيى ء من للبدل لان ابتداء الابدال حصل من البغضه، و البغضه بالكسر: شده البغض، و الشنآن بالتحريك و التسكين: البغض، و قرء بهما قوله تعالى: شنان قوم و البغى: الظلم و التعدى و الاستطاله و السعى فى الفساد و طلب الشر، و لما كان الحاسدون ظالمين طالبين للمحسود شرا يتمنى زوال نعمته جعلهم عليه السلام اهل البغى، و الظنه بالكسر: التهمه و هى اسم من ظنه: اذا اتهمته، و الثقه: الاثتمان، يقال: وثق به يثق ثقه و وثوقا اى ائتمنه. \par فان قلت: كيف نسب الظنه الى اهل الصلاح، و سوء الظن بالمسلمين و اتهامهم محظور. \par فعن البنى صلى الله عليه و آله: ان الله حرم من المسلم دمه و عرضه و ان يظن به ظن السوء و عن ابيعبدالله عليه السلام: اذا اتهم المومن اخاه انماث الايمان من قلبه كما ينماث الملح فى الماء، بل مقتضى الصلاح حسن الظن بالمومن و عدم اتهامه كما. \par روى عن اميرالمومنين عليه السلام: ضع امر اخيك على احسنه حتى ياتيك ما يقلبك عنه و لا تظنن بكلمه خرجت من اخيك سوءا و انت تجد لها فى الخير محملا. \par و لذلك قال العلماء: افعال المومنين محموله على الصحه؟ \par قلت: ليس المراد بالظنه هنا الاعدم الثقه و الطمانينه بكل احد، و ليس المراد بها الاتهام بما ينافى العداله فان من شان اهل الراى و الصلاح ان لا يثقوا بكل احد و لا يركنوا الى كل شخص تفاديا عن الغرور و اخذا بفضيله الحزم و لذلك. \par قال اميرالمومنين عليه السلام: الطمانينه الى كل احد قبل الاختبار عجز، و فى كلامهم اذا كان العذر طبعا فالثقه بكل احد عجز، و على هذا المعنى حمل الخبر المشهور: الحزم سوء الظن بالناس. \par و روى ثقه الاسلام فى الكافى عن ابيعبدالله عليه السلام: الحزم مسائه الظن. \par
007    20    قال بعض الشارحين: يعنى ان جوده الراى و احكام الامر و الاخذ بالثقه يقتضى سوء الظن بالناس يعنى تجويز السوء منهم و التثبت فيما ياتون به حتى يتبين الحق من الباطل و الصدق من الكذب و العلم من الشبهه و لو وجب القبول منهم و الثقه بهم من غير حزم و لم يجز نسبه السوء اليهم لوقع الهرج و المرج و بطل الدين و رجع كما كان قبل البعثه. \par و بالجمله فالحزم يوجب ان يبنى الحال عى تجويز السوء منهم حتى يتبين الحق و يحصل الاذعان به، و فيه تنبيه على انه لا ينبغى متابعه الغير فى امر من الامور مع تجويز كون ذلك الامر خطاء بل لابد من كمال الاحتياط فيه. \par و انما قلنا على جواز السوء منهم لانه الذى يقتضيه الحزم و الاحتياط فلا ينافى ماورد من النهى عن مسائه الظن بالخلق لان ما ذكرنا من باب التجويز العقلى الذى هو قضيه الحزم، و ما ورد النهى عنه من باب الاعتقاد الفاسد او القول بالشى ء رجما بالغيب. \par (مدار هذا الفصل من الدعاء على طلب الالفه) \par (بينه و بين الناس) \par و الادنين: الاقارب جمع ادنى من الدناوه بمعنى القرابه، يقال بينهما دناوه اى قرابه، و الولايه: ضد العداوه، و العقوق: قطيعه الرحم من العق بمعنى القطع، قال الازهرى: و اصل العق: الشق و القطع، و قال صاحب المحكم عق والده يعقه عقا: شق عصا طاعته، و قد يعم بلفظ العقوق جميع الرحم. \par و الارحام: جمع رحم و هى فى الاصل: منبت الولد و وعائه فى البطن ثم سميت القرابه من جهه الولاده رحما، و منها ذو الرحم: خلاف الاجنبى، و المبره: البرو هو ضد العقوق فيكون بمعنى الصله. \par قال بعض العلماء: قطيعه الرحم و عقوقها هو ترك الاحسان الى الاقربين و التعطف عليهم و الرفق بهم و الرعايه لاحوالهم و برها و صلتها لها درجات متفاوتات بعضها فوق بعض و ادناها الكلام و ترك المهاجره، و يختلف ذلك باختلاف القدره عليها و الحاجه \par
007    20    اليها: فمن الصله ما يجب و منها ما يستحب، و من وصل بعض الصله و لم يبلغ اقصاها، و من قصر عما يقدر عليه هل هو و اصل او قاطع، فيه تامل و الاقرب عدم القطع لصدق الصله فى الجمله، و الخذلان بالكسر: اسم من خذله من باب قتل: اذا ترك نصره و اعانته و تاخر عنه، و المدارين: جمع مدار اسم فاعل من داراه يداريه مداراه اى لاطفه و لاينه و احتمل منه كيلا ينفر عنه، المقه: المحبه، و الهاء فيها عوض من الواو يقال: و مقه يمقه بالكسر فيهما و مقا و مقه اى احبه فهو و امق، قوله عليه السلام: و من رد الملابسين كرم العشره، الرد يكون اهانه و يكون اكراما فان عدى بنفسه او بعلى كان اهانه يقال: رد الشى ء اذا لم يقبله ورد عليه اذا خطاه و ان عدى بالى كان اكراما و منه: فرددناه الى امه و المراد به هنا المعنى الاول، و الملابسين: جمع ملابس من لابست فلانا اى خالطته و عرفت باطنه، و العشره بالكسر: اسم من المعاشر و التعاشر هى المخالطه، و كرم العشره عباره عن حسنها و لطفها فان العرب تستعمل الكرم فى كل شى ء حسن ممدوح، و المعنى ابدلنى من عدم قبول المخالطين لى او من تخطئتهم لى حسن معاشرتهم او من ردى لهم حسن معاشرتى اياهم، و الامنه بالتحريك: الامن. و مدار هذا الفصل من الدعاء على طلب الالفه بينه و بين الناس من الاجانب و الاقارب، و هى من اعز المطالب شرعا و عرفا لاقتضائها صلاح حال الدنيا و الاخره، و لذلك عظم الله تعالى المنه بايقاع الالفه بين اهل المله فقال: لو انفقت ما فى الارض جميعا ما الفت بين قلوبهم و لكن الله الف بينهم و ذلك انهم بالالفه يكونون بمنزله عبد واحد فى طاعه مولاه و لاجلها شرع الله تعالى: اجتماع الخلق: على الصلوه فى المساجد فى كل يوم خمس مرات و فى كل اسبوع مره فى المسجد الاعظم و فى كل سنه مرتين فى الاعياد و فى العمر مره بمكه لاجتماع اهل البلدان النائيه كل ذلك ليتاكد باجتماعهم الالفه و الاتحاد و تقع بسببه المحبه و الوداد. \par و الاخبار فى هذا المعنى كثيره جدا فمن ذلك ما رواه ثقه الاسلام فى الكافى بسند صحيح عن ابى عبدالله عليه السلام انه كان يقول لاصحابه: اتقوا الله و كونوا اخوه \par
007    20    برره متحابين فى الله متواصلين متراحمين تزاوروا و تلاقوا و تذاكروا امرنا و احيوه. \par و بسند صحيح عنه عليه السلام: انه قال: يحق على المسلمين الاجتهاد فى التواصل و التعاون على التعاطف و المواساه لاهل الحاجه و تعاطف بعضهم على بعض حتى تكونوا كما امركم الله عزوجل: رحماء بينهم متراحمين مغتمين لما غاب عنكم من امرهم على ما مضى عليه معشر الانصار على عهد رسول الله صلى الله عليه و آله. \par
008    20    (المكر و الخديعه ضربان: احدهما مذموم..) \par (و الثانى عكس ذلك) \par (اللهم صل على محمد و آله، و اجعلنى يدا على من ظلمنى، و لسانا على من خاصمنى، و ظفرا بمن عاندنى، و هب لى مكرا على من كايدنى، و قدره على من اضطهدنى، و تكذيبا لمن قصبنى، و سلامه ممن توعدنى و وفقنى لطاعه من سددنى، و متابعه من ارشدنى). \par اليد: منع الظلم، و القوه و القدره، و السلطان، و الغلبه، قيل و منه قوله تعالى حتى يعطوا الجزيه عن يد اى عن قدره عليهم، و اللسان هنا مجاز عن الحجه، و ظفر بعدوه و عليه من باب تعب: غلبه، و عاند فلان عنادا: اذا ركب الخلاف و العصيان، و فى الاساس: رجل عنيد و معاند: يعرف الحق فياباه و يكون منه فى شق من العند و هو الجانب، و المكر: الخديعه، قال الراغب: المكر و الخديعه متقاربان و هما اسمان لكل فعل يقصد فاعله فى باطنه خلاف ما يقتضيه ظاهره، و ذلك ضربان: احدهما مذموم و هو الاشهر عند الناس و ذلك ان يقصد فاعله انزال مكروه بالمخدوع و اياه قصد النبى صلى الله عليه و آله المكر و الخديعه فى النار و المعنى يوديان بقاصدهما الى النار، و الثانى: عكس ذلك و هو ان يقصد فاعلهما الى استجرار المخدوع و الممكور به الى مصلحه لهما كما يفعل بالصبى اذا امتنع من فعل خير. \par قال بعض الحكماء: المكر و الخديعه محتاج اليهما فى هذا العالم و ذلك ان \par
008    20    السفيه يميل الى الباطل و لا يقبل الحق و لا يميل اليه لمنافاته لطبعه فيحتاج ان يخدع عن باطله بزخارف مموهه خدعه الصبى عن الثدى عند الانفطام، و ليس هذا حثا على الخبث بل هو حث على جذب الناس الى الخير بالاحتيال و يكون المكرضربين: سيئا و حسنا، قال الله تعالى: و لا يحيق المكر السى ء الا باهله و قال: افا من الذين مكر و السيئات فخص السى ء من المكر تنبيها على جواز المكر الحسن و وصف نفسه بالمكر الحسن فقال: و مكروا و مكر الله و الله خير الماكرين انتهى. \par و على هذا فالمكر المطلوب هو المكر الحسن، و الكيد و المكر فى اللغه بمعنى واحد، و قال الراغب الكيد: اراده متضمنه لاستتار ما يراد عمن يراد به لكن اكثر ما يستعمل ذلك فى الشر و متى قصد به شر فمذموم و متى قصد به خير فممدوح، و على الوجه الممدوح قال تعالى: كذلك كدنا ليوسف انتهى و المراد به هنا: الاول، و الاضطهاد: افتعال من الضهد و الطاء مبدله من التاء يقال: ضهده و اضطهده اذا قهره فهو مضهود و مضطهد، و قصبه قصبا من باب قتل: عابه و شتمه، و توعده: تهدده، و الاسم منه الوعيد. \par (ان من الظلم و الاسائه ما يحسن العفو عنه، و منه ما لا يحسن) \par فان قلت: فى هذا الفصل من الدعاء ما ينا فى مكارم الاخلاق فانه عليه السلام سئل الاستعداد للقوه على الانتقام ممن اساء اليه، و حسن الخلق و كرمه يقتضى العفو و الاعراض بل مقابله الاسائه بالاحسان، كما روى من الخبر المشهور بين الخاص و العام ان جبرئيل عليه السلام جاء الى النبى صلى الله عليه و آله فقال اتيتك يا محمد! بمكارم الاخلاق و اجمعها قال و ما تلك؟ قال: خذ العفو و امر بالعرف و اعرض عن الجاهلين يا محمد! هى ان تصل من قطعك، و تعطى من حرمك، و تعفو عمن ظلمك، فاحسن صلى الله عليه و آله تقبله و تلقيه حتى نزل قوله تعالى ثناءا عليه: و انك لعلى خلق عظيم و الاخبار و الاثار فى \par
008    20    هذا المعنى اكثر من ان تحصر و اشهر من ان تذكر؟ \par قلت: ليس فى الدعاء ما ينافى الخبر، و بيان ذلك ان من الظلم و الاسائه ما يحسن العفو عنه، و منه ما لا يحسن الادفاعه فالاول: ما ليس على الانسان فى تحمله و التغاضى عنه ذله و غضاضه و لا عار و دنائه فهذا مما يحسن العفو عنه و الحلم عليه و هو الذى يقتضيه حسن الخلق و كرمه، و الثانى: ما ادى اليه دنيه و عار فهذا مما لا يحسن الا دفاعه و الكف عنه و هو مسمى باباء الضيم و انفه العار، و حمايه الحريم، و الاخذ بالثار و عن هذا قال اميرالمومنين عليه السلام: لاخير فيمن لا يغضب اذا اغضب، و قال تعالى حاكيا عن نبيه لوط عليه السلام فى التاسف على عجزه عن دفاعه: لو ان لى بكم قوه او آوى الى ركن شديد اذا عرفت ذلك فما سئله عليه السلام من اليد و اللسان و الظفر و الاقتدار انما اراد به ما يقتضيه اباء الضيم و انفه العار و هو من اعلى معالى الاخلاق لامناف لها، قوله عليه السلام: و وفقنى لطاعه من سددنى و متابعه من ارشدنى، سدده تسديدا: قومه و اداه للسداد و هو الصواب من القول و العمل. و ارشده ارشادا: اهداه الى ما فيه صلاحه عاجلا و آجلا. \par
009    20    (مدار هذا الفصل: على طلب الاستعداد) \par (لمقابله الاسائه بالاحسان و..) \par (اللهم صل على محمد و آله و سددنى لان اعارض من غشنى بالنصح، و اجزى من هجرنى بالبر، و اثيب من حرمنى بالبذل، و اكافى من قطعنى بالصله و اخالف من اغتابنى الى حسن الذكر، و ان اشكر الحسنه و اغضى عن السيئه). \par قال الزمخشرى فى الاساس: اللهم سددنى اى وفقنى، و عارض الشى ء بالشى ء معارضه : قابله به، و غشه غشا من باب قتل لم ينصحه و زين له غير المصلحه و الاسم الغش بالكسر، و نصحت لزيد انصح من باب منع نصحا بالضم و الاسم النصيحه و هى كلمه جامعه معناها اراده الخير للمنصوح له قولا او فعلا من نصحت العسل اذا صفيته من الشمع شبهوا تخليص القول او الفعل من الغش بتخليص العسل من الشمع، و جزيته بفعله و \par
009    20    على فعله: اذا فعلت معه ما يقابل فعله، و هجرته هجرا من باب قتل: تركته و رفضته فهو مهجور، و البر بالكسر: الصله و الخير و الفضل و ضد القطيعه و العقوق، و اثابه يثيبه اثابه: جازاه على صنيعه و الاسم الثواب و يكون فى الخير و الشر، و الاول اكثر، و حرمه معروفه من باب ضرب يتعدى الى مفعولين حرما و حرمانا بكسر هما: منعه اياه، و لم يذكر المفعول الثانى لان القصد الاعلام بمجرد ايقاع الفعل فالمعنى من حصل منه الحرمان لى فالمفعول غير منوى و بذل بذلا من باب قتل: سمح و اعطى عن طيب نفس، و كافيته على صنيعه: جازيته يهمز و لا يهمز، و القطع و القطيعه: ضد الوصل و اغتابه اغتيابا: اذا ذكره بما يكره من العيوب و هو حق و الاسم الغيبه بالكسر فان كان باطلا فهو البهت و البهتان، و ذكر الشى ء بالكسر: اجرائه على اللسان، و المراد بحسن الذكر: الثناء على الانسان فى غيبته و وصفه بما يسره من تعديد محاسنه، و الحسنه من الصفات الجاريه مجرى الاسماء و هى كل ما يتعلق به المدح فى العاجل و الثواب فى الاجل و ضدها: السيئه، و اغضى الرجل عينه اغضاء: قارب بين جفنيه ثم استعمل فى الحلم فقيل: اغضى عن الذنب: اذا امسك عفوا عنه، و مدار هذا الفصل على طلب الاستعداد لمقابله الاسائه بالاحسان، و ابدال الانتقام بالانعام و هو من اشرف مكارم الاخلاق على الاطلاق. \par كما رواه ثقه الاسلام فى الصحيح عن ابى عبدالله عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه و آله فى خطبه الا اخبركم بخير خلايق الدنيا و الاخره؟ العفو عمن ظلمك، و تصل من قطعك، و الاحسان الى من اساء اليك و اعطاء من حرمك. \par و روى ثقه الاسلام ايضا بسند صحيح عن ابى حمزه الثمالى عن على بن الحسين عليهماالسلام قال سمعت يقول: اذا كان يوم القيمه جمع الله تبارك و تعالى الاولين و الاخرين فى صعيد واحد ثم ينادى مناد اين اهل الفضل؟ قال فيقوم عنق من الناس فتلقاهم الملائكه فيقولون و ما كان فضلكم؟ فيقولون: كنا نصل من قطعنا، و نعطى من حرمنا، و نعفوا عمن ظلمنا، فيقال لهم صدقتم ادخلوا الجنه. و الاخبار فى هذا المعنى كثيره جدا. \par
010    20    (بعض ما قيل فى معنى التقوى) \par (اللهم صل على محمد و آله، و حلنى بحليه الصالحين، و البسنى زينه المتقين، فى بسط العدل، و كظم الغيظ، و اطفاء النائره، و ضم اهل الفرقه و اصلاح ذات البين، و افشاء العارفه، و ستر العائبه، و لين العريكه، و خفض الجناح، و حسن السيره، و سكون الريح، و طيب المخالقه، و السبق الى الفضيله، و ايثار التفضل، و ترك التعيير، و الافضال على غير المستحق، و القول بالحق و ان عز، و استقلال الخير و ان كثر من قولى و فعلى، و استكثار الشر و ان قل من قولى و فعلى، و اكمل ذلك لى بدوام الطاعه، و لزوم الجماعه و رفض اهل البدع، و مستعمل الراى المخترع). \par حليت المرئه تحليه: البستها الحلى، و السيف: جعلت له حليه، و تعديته بالباء لتضمينه معنى التزيين، و الحلى كظبى و الحليه بالكسر: ما يزين به من مصوغ المعدنيات او الحجاره و الحليه بالكسر: السيماء و الصفه ايضا، و الصالحون: هم القائمون بما يلزمهم من حقوق الله تعالى و حقوق الناس، و المتقون: جمع متقى: اسم فاعل من باب الافتعال من الوقايه و هى فرط الصيانه، و التقوى فى عرف الشرع عباره عن كمال التوقى عما يضر فى الاخره، و قيل: هى اجتناب ما حرم الله و اداء ما فرض الله، و قيل: المتقى: من يترك ما لا باس به حذرا من الوقوع فيما فيه باس، و قد تقدم الكلام على مراتب التقوى و فى للمصاحبه اى مع بسط العدل نحو: ادخلوا فى امم اى معهم و المعنى حلنى بحليتهم و البسنى زينتهم مع توفيقى لبسط العدل، و بسط الثوب بسطا من باب قتل نشره، ثم استعير للشمول بالعدل و بثه فى الخلق. \par (البحث فى العدل) \par و لما كان العدل اصل كل خير و عليه مدار كل امر و به قامت السموات و الارض، و هو ميزان الله القسط فى الدنيا و الاخره قدمه فى الطلب على ساير المكارم \par
010    20    المطلوبه اهتماما بشانه، و تنبيها على علو مكانه، و هو اما بالقوه فهيئه نفسانيه يطلب بها التوسط بين الافراط و التفريط، و اما بالفعل: فالامر المتوسط بين طرفى الافراط و التفريط، فباعتبار الاول قيل هو اصل الفضائل كلها من حيث ان صاحبه يكتسب به جميع الفضائل، و باعتبار الثانى قيل هو الفضائل كلها من حيث انه لا يخرج شى ء من الفضائل عنه. \par و بيانه: ان الفضائل كلها ملكات متوسطه بين طرفى افراط و تفريط فالمتوسط منها هو العدل كالحكمه النظريه المتوسطه بين الجربزه و الغباوه، و العفه المتوسطه بين خمود الشهوه و الفجور، و الشجاعه المتوسطه بين الجبن و التهور. و السخاء بين التبذير و البخل، و قس على ذلك ساير الاخلاق الفاضله، فالاوساط بين هذه الاطراف المتضاده هى الفضائل، و لكل منها طرفا تفريط و افراط هما مذمومان و الخروج الى احدهما هو الجور الذى هو ضد العدل و الاطراف المتضاده هى الرذائل. \par ثم هذا الحكم فى العدل جار فى باب العقايد ايضا: كالتوحيد المتوسط بين التعطيل و الشرك و التعويل على الامر بين الجبر و التفويض، و فى باب الاعمال: كاداء الواجبات و السنن المتوسطه بين البطاله و الترهب، و فى باب الاقوال: كالبلاغه المتوسطه بين العى و الهذر فتبين انه لا يخرج شى ء من الفضائل عنه قولا و عملا و اعتقادا و لذلك قالوا: هو ميزان الله المبرء من كل زله و صراطه المستقيم المودى بسالكه اليه و به يستتب امر العالم، قال الله تعالى: الله الذى انزل الكتاب بالحق و الميزان قال: و السماء رفعها و وضع الميزان عبر بالميزان عن العدل لانه من اثره، و من اظهر افعاله للحاسه اذ كان العدل مراعاه الاستقامه على حاق الوسط فى طرفى الافراط و التفريط اللذين هما ككفتى الميزان مهما رجحت احديهما فالنقصان \par
010    20    لازم و الخسران قائم، و قال عليه السلام: بالعدل قامت السموات و الارض، اذ لو كان شى ء من موجودات العالم و اصولها زايدا على الاخر افراطا او ناقصا عنه تفريطا لم يكن منتظما هذا النظام. \par (الذين يجب على الانسان استعمال العدل معهم خمسه) \par و بيان ذلك: ان مقادير العناصر لو لم تكن متكافئه متعادله بحسب الكميه و الكيفيه لاستولى الغالب على المغلوب وانتقلت الطبايع كلها الى طبيعه الجرم الغالب، و لو كان بعد الشمس من الارض اقل مما هو الان لاحترق كل ما فى هذا العالم، و لو كان اكثر لاستولى البرد و الجمود، و كذا القول فى مقادير حركات الكواكب و مراتب سرعتها و بطوها فان كلا منها مقدر على ما يليق بنظام العالم و قوامه و قيامه، و لهذا المعنى وصف الله سبحانه بالعدل اذ كان معنى عدله: وضعه لكل موجود فى مرتبته و هبته له ما يستحقه من غير زياده و نقصان مضبوطا بنظام الحكمه. \par ثم الصراط المستقيم المودى بسالكه الى الله تعالى: اما علم او عمل، فالعلم طريق القوه النظريه و العمل طريق القوه العمليه و كل منهما متوسط بين رذيلتين هما طرفا الافراط و التفريط و الوسط منهما هو العدل فهو الصراط المستقيم الذى لا ميل له الى احد الجانبين، و لذلك قال العسكرى عليه السلام: الصراط المستقيم فى الدنيا هو ما قصر عن الغلو و ارتفع عن التقصير فلم يعدل الى شى ء من الباطل و فى الاخره هو طريق المومنين الى الجنه، فمن استقام على هذا الصراط مر على صراط الاخره مستويا و دخل الجنه آمنا، قالوا: و من فضيله العدل ان الجور الذى هو ضده لا يستتب الا به فلو ان لصوصا تشارطوا فيما بينهم شرطا فلم يراعوا العداله لم ينتظم امرهم، و من فضله ان كل نفس تتلذذ بسماعه و تتالم من ضده، و لذلك يكره العرج و العور و يتشام به: \par \par
010    20    و الذين يجب على الانسان استعمال العدل معهم خمسه: \par الاول- رب العزه تعالى و تقدس و ذلك بمعرفه توحيده و احكامه و القيام بها. \par الثانى- قوى النفس و ذلك بان يجعل هواه مستسلما لعقله فقد قيل: اعدل الناس من انصفه عقله من هواه. \par الثالث- اسلافه الماضون فى انفاذ وصاياهم، و الدعاء لهم. \par الرابع- معاملوه و احبائه فى اداء الحقوق و الانصاف فى المعاملات من المبايعات و المقارضات و الكرامات. \par الخامس- عامه الناس على سبيل الحكم و ذلك اذا تولى الحكم بينهم، اما اذ ان كان الحكم بينه و بين غيره و كان الحق له فالفضل اشرف من العدل، و قد نص الله سبحانه على الامرين فقال فى الحكم بين الناس: ان الله يامركم ان تودوا الامانات الى اهلها و اذا حكمتم بين الناس ان تحكموا بالعدل و قال فيمن له الحق: و ان تعفو اقرب للتقوى و لا تنسوا الفضل بينكم. \par (من معالى الاخلاق و مكارم الخصال: كظم الغيظ.) \par (و الفرق بين الغيظ و الغضب) \par قوله عليه السلام: و كظم الغيظ، كظم غيظه كظما من باب ضرب اذا امسك على ما فى نفسه منه و لم يظهره لا بقول و لا بفعل، و اصله من كظم القربه اذا ملاها و شد فاها، كانه كتم غيظه على امتلائه و رده فى جوفه و كفه عن الامضاء، و الفرق بين الغيظ و الغضب: ان الغضب ضد الرضا و هو اراده العقاب المستحق بالمعاصى و ليس كذلك الغيظ لانه هيجان الطبع ينكره ما يكون من المكروه و لذلك يقال: غضب الله على الكفار و لا يقال اغتاظ و هو من معالى الاخلاق و مكارم الخصال و لو لم يرد فى فضله الا نص قوله تعالى: و العافين عن الناس و الله يحب المحسنين لكفى، و الاخبار فى الحث عليه و الارشاد اليه \par
010    20    اكثر من ان تحصى فمن ذلك: \par ما رواه ثقه الاسلام بسنده الى على بن الحسين صاحب الدعاء عليهماالسلام قال قال رسول الله صلى الله عليه و آله: من احب السبيل الى الله تعالى جرعتان: جرعه غيظ تردها بحلم و جرعه مصيبه تردها بصبر. \par و عن ابيجعفر عليه السلام: قال: من كظم غيظا و هو يقدر على امضائه حشا الله قلبه امنا و ايمانا يوم القيمه. \par و عن ابيعبدالله عليه السلام: من كظم غيظا و لو شاء ان يمضيه امضاه ملاء الله قلبه يوم القيمه رضاه. \par و عنه عليه السلام: ما من جرعه يتجرعها العبد احب الى الله من جرعه غيظ يتجرعها عند ترددها فى قلبه اما بصبر او بحلم. \par (توسيط الامر. باصلاح ذات البين بين الامر بالتقوى) \par (و بين الامر بالطاعه..) \par قوله عليه السلام: و اطفاء النائره، طفات اى خمدت: و النائره: الفتنه، و العداوه قوله عليه السلام: و ضم اهل الفرقه ضممته ضما فانضم: جمعته جمعا فانجمع، و الفرقه بالضم: اسم من افترق القوم اذا انفصل بعضهم عن بعض بالابدان، و قد يستعمل فى تفرق القلوب و انحراف بعضها مجازا و هو المراد هنا، فضم اهل الفرقه عباره عن التاليف بين ارباب القلوب المتنافره و ايقاع المحبه بين الانفس المتباغضه لينعقد حبل الفتهم التى هى من اعظم الاسباب فى استعدادهم لسعادتى الدنيا و الاخره، و لذلك عظم الله تعالى المنه بايقاع التاليف بين اهل المله فقال تعالى: لو انفقت ما فى الارض جميعا ما الفت بين قلوبهم و لكن الله الف بينهم قوله عليه السلام: و اصلاح ذات البين، اى اصلاح الفساد بين القوم، و المراد اسكان النائره، و اصلاح ذات البين من اشرف معالى الاخلاق، و قد نص الله عليه بقوله: فاتقوا الله و اصلحوا ذات بينكم و اطيعوا الله و رسوله ان كنتم مومنين قال بعض المفسرين: توسيط الامر باصلاح ذات البين بين الامر بالتقوى و الامر بالطاعه \par
010    20    لاظهار كمال العنايه بالاصلاح. \par و فى الحديث عنه صلى الله عليه و آله انه قال: اصلاح ذات البين افضل من عامه الصلوه و الصيام قوله عليه السلام: و افشاء العارفه و ستر العائبه، فشاالامر: ظهر و انتشر، و العارفه: المعروف و هو الخير و الاحسان و الجميل و كل ما يحسن فى العقل و الشرع، و العائبه فاعله من عاب الشى ء لازما اى صار ذاعيب اى الخصله ذات العيب و المراد نشر محاسن المسلمين و ستر معائبهم، قوله: و لين العريكه و خفض الجناح: العريكه: الطبيعه يقال فلان لين العريكه اذا كان سلسا مطاوعا منقادا قليل الخلاف و النفور، و فى صفته صلى الله عليه و آله: اصدق الناس لهجه و الينهم عريكه، و على هذا فهو استعاره لخفض الجناح المستعار للتواضع. \par (اذا هبت رياحك فاغتنمها- فعقبى كل خافقه سكون) \par قوله عليه السلام: و حسن السيره، و سكون الريح، و طيب المخالقه، السيره بالكسر: الطريقه، و سكون الريح: كنايه عن الوقار، رجل ساكن الريح اى وقور، لما كانت الريح معروفه بسرعه الحركه و الخفه كان سكونها كنايه عن الوقار الذى هو الرزانه فاستعير لفظ الريح للطيش و العجله بجامع سرعه الحركه، و كثيرا ما يستعمل سكون الريح فى الذم مرادا بالريح: الدوله و الغلبه و النصره، و منه قوله تعالى: فتذهب ريحكم اى دولتكم و صولتكم استعيرت الريح للدوله من حيث انها تمشى امرها و نفاذه مشبهه لها فى هبوبها و جريانها: تقول العرب: هبت ريح فلان: اذا دالت له الدوله و نفذ امره، و سكنت ريحه: اذا ادبر امره و عليه قول الشاعر: \par اذا هبت رياحك فاغتنمها \par فعقبى كل خافقه سكون \par و لا تبخل اذا ايسرت يوما \par فما تدرى السكون متى تكون \par و المخالقه مفاعله من الخلق بالضم يقال: خالقهم اى عاشرهم بخلق حسن، و منه خالق المومن و خالق الفاجر و خالق الناس، و لا تخالفهم، قوله عليه السلام: و السبق الى الفضيله، سبق سبقا من باب ضرب: تقدم و خلف غيره، قال الفيومى: و قد يكون للسابق لاحق: كالسابق من الخيل، و قد لا يكون كمن احرز قصبه السبق فانه سابق اليها و منفرد \par
010    20    بها و لا يكون له لا حق، و الفضيله و الفضل: الخير و هما خلاف النقيصه و النقص، و قال فى القاموس: الفضيله: الدرجه الرفيعه فى الفضل. \par و انما سئل عليه السلام السبق الى الفضيله لفضيله السبق قال تعالى: و السابقون السابقون اولئك المقربون و السابقون: قيل هم الذين سبقوا الى الايمان و الطاعه عند ظهور الحق من غير تلعثم و توان، و قيل هم الذين سبقوا فى حيازه الفضائل و الكمالات، و قيل المسارعون فى الخيرات، و انما كان السابق الى الخير افضل لانه يقتدى به فى الخير فكان كمن سن سنه حسنه. \par و فى الحديث: من سن سنه حسنه فله اجرها و اجر من عمل بها الى يوم القيمه، قوله عليه السلام: و ايثار التفضل، الايثار: الاختيار و التفضيل، يقال آثرت ذلك اى اخترته و فضلته، و التفضل: فعل ما لا يلزم من الاحسان و يعبر عنه بالتطول و ليس هو مطلق الاحسان بل الاحسان قد يكون جزاء كقوله تعالى: هل جزاء الاحسان الا الاحسان؟ و قد يكون تفضلا و ذلك اذا كان ابتداء من غير عله. \par (لا ينبغى تعيير مومن و لو كان معصيه سيما) \par (على روس الخلايق) \par قوله عليه السلام: و ترك التعيير، هو تفعيل من العار و هو كل شى ء يلزم منه عيب يقال: عيرته كذا و عيرته به اذا نسبته الى العار فيه، روى ثقه الاسلام فى الكافى بسند صحيح عن ابى عبدالله عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه و آله: من عير مومنا بذنب لم يمت حتى يركبه، و فيه شاهد على ذم التعيير المسئول تركه فى الدعاء، قال العلماء لا ينبغى تعيير مومن بشى ء و لو كان معصيه سيما على روس الخلايق، و لا ينافى وجوب الامر بالمعروف و النهى عن المنكر لان المطلوب منهما ان يكونا على سبيل النصح الا اذا علم انه لاينفعه فينبغى التشديد عليه على النحو المقرر، قوله عليه السلام: و الافضال على غير المستحق، عطف على التعيير اى و ترك الافضال على غير المستحق يقال افضل \par
010    20    عليه افضالا و تفضل: اذا تطول و احسن ابتداء، و استحق فلان الامر: استوجبه فهو مستحق و الامر مستحق بالفتح اسم مفعول، و المراد بغير المستحق هنا: من لا يستوجب الافضال عليه و لم يكن اهلاله، و انما سئل عليه السلام ترك الافضال عليه لانه من الخلق المذموم اذ كان اسرافا و تبذيرا و وضعا للمعروف فى غير اهله و محله. \par فى الصحيح عن ابيعبدالله عليه السلام: اذا اردت ان تعلم اشقى الرجل ام سعيد؟ فانظر سيبه و معروفه الى من يصنعه فان كان يصنعه الى من هو اهله فاعلم انه الى خير و ان كان يصنعه الى غير اهله فاعلم انه ليس له عندالله خير، قوله عليه السلام: و القول بالحق و ان عز، القول: الكلام، و المراد بالحق هنا خلاف الباطل و هو الحكم المطابق للواقع، و عز: اما ماضى يعز بفتح العين بمعنى شق و اشتد، و اما ماضى يعز بكسر العين بمعنى قل حتى لا يكاد يوجد، قوله عليه السلام: و استقلال الخير و ان كثر من قولى و فعلى، استقل الشى ء: عده قليلا و هو سوال للتوفيق للاعتراف بالتقصير فى ما آتاه و ياتيه من الخيرات قولا و فعلا ليخرج من العجب و الكسل فى كسب الخير مع ما فيه من الاعتراف بالحاجه و الذل و العبوديه لان من استقل خير نفسه كان فى مقام الذل و الحاجه و الانكسار و لا عبوديه اشرف منها، قوله عليه السلام: و استكثار الشر و ان قل من فعلى و قولى، سوال للوقايه من التهاون بما يكتسبه او اكتسبه من الشر قولا و فعلا. \par فى الحديث عن ابى الحسن الرضا عليه السلام: لا تستكثروا كثير الخير و لا تستقلوا قليل الذنوب فان قليل الذنوب يجتمع حتى يكون كثيرا. \par (الامر بلزوم طريقه السواد الاعظم اى اكثر المسلمين المتفقين...) \par قوله عليه السلام: و اكمل ذلك لى بدوام الطاعه، كمل الشى ء كمولا من باب قعد و الاسم الكمال و يستعمل فى الذوات و الصفات، و دام الشى ء يدوم دواما: اذا استمر و لم ينقطع، و الطاعه: موافقه الامر، و انما جعل دوامها كما لا لما ذكر لان خلاف الطاعه و ارتكاب المعصيه نقص فى جميع المحاسن، قوله عليه السلام و لزوم الجماعه، لزمته الزمه لزوما من باب علم: تعلقت به و لم افارقه، و الجماعه لغه: ما اجتمع من الناس و غيرهم، و المراد بها هنا: المومنون المتفقون على مذهب الحق الذى اجتمع عليه \par
010    20    ائمه اهل البيت عليهم السلام و شيعتهم كما رواه البرقى فى محاسنه بسنده عن ابى عبدالله عليه السلام قال سئل رسول الله صلى الله عليه و آله عن جماعه امه فقال جماعه امتى اهل الحق و ان قلوا. \par و بسنده عن يحيى بن عبدالله رفعه قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه و آله ما جماعه امتك؟ قال من كان على الحق و ان كانوا عشره. \par و فى كلام اميرالمومنين عليه السلام: و الزموا السواد الاعظم فان يدالله على الجماعه و اياكم و الفرقه فان الشاذ من الناس للشيطان كما ان الشاذ من الغنم للذئب قال الشيخ كمال الدين رحمه الله: امر بلزوم طريقه السواد الاعظم اى اكثر المسلمين المتفقين على راى واحد، و رغب فى لزوم طريقتهم بان يد الله على الجماعه فتجوز بلفظ البد فى قدره الله و حراسته للجماعه اذ كانوا امنع و ابعد من الانفعال للعدو و آمن من الغلط لكثره آرائهم و اتفاقها فلا تكاد تتفق على امر لامصلحه فيه مع كثرتها و اختلافها، و حذر من الفرقه و الشذوذ عن الجماعه بان الشاذ من الناس اى المنفرد المستبد برايه للشيطان اى محل تطرق الشيطان لانفراده. \par و روى البرقى باسناده عن ابيعبدالله عن آبائه عليهم السلام قال قال اميرالمومنين عليه السلام: ثلث موبقات: نكث الصفقه. و ترك السنه، و فراق الجماعه. \par و روى ثقه الاسلام فى الكافى عن ابيعبدالله عليه السلام قال: من فارق جماعه المسلمين قدر شبر فقد خلع ربقه الاسلام من عنقه، قال بعض الشارحين: المراد بهم الائمه عليهم السلام او الاعم منهم بشرط ان لا يكونوا من اهل البدعه، و بالمفارقه على وجه الاستنكاف و الاستكبار و الشنئان او المراد بها: ترك السنه و اتباع البدعه انتهى. \par (بيان الصادق عليه السلام: خطبه رسول الله صلى الله عليه و آله) \par (فى مسجد الخيف، لسفيان) \par و روى فى الكافى ايضا بسنده عن الحكم بن مسكين عن رجل من قريش من \par
010    20    اهل مكه قال: قال سفيان الثورى اذهب بنا الى جعفر بن محمد قال فذهبت معه اليه فوجدناه قد ركب دابته فقال له سفيان يا اباعبدالله حدثنا بحديث خطبه رسول الله صلى الله عليه و آله فى مسجد الخيف قال دعنى حتى اذهب فى حاجتى فانى قد ركبت فاذا جئت حدثتك فقال: اسئلك بقرابتك من رسول الله صلى الله عليه و آله لما حدثتنى قال: فنزل، فقال له سفيان مر لى بدواه و قرطاس حتى اثبته فدعا به ثم قال: اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم خطبه رسول الله صلى الله عليه و آله فى مسجد الخيف: نصر الله عبدا سمع مقالتى فوعاها و بلغها من لم تبلغه يا ايها الناس ليبلغ الشاهد الغائب فرب حامل فقه ليس بفقيه و رب حامل فقه الى من هو افقه منه: ثلث لايغل عليهن قلب امرء مسلم: اخلاص العمل لله، و النصيحه لائمه المسلمين، و اللزوم لجماعتهم فان دعوتهم محيطه من ورائهم، المومنون اخوه تتكافو دمائهم و هم يد على من سواهم، يسعى بذمتهم ادناهم فكتبه سفيان ثم عرضه عليه و ركب ابوعبدالله عليه السلام و جئت انا و سفيان فلما كنا فى بعض الطريق قال لى كما انت حتى انظر فى هذا الحديث فقلت له قد و الله الزم ابوعبدالله رقبتك شيئا لا يذهب من رقبتك ابدا فقال: اى شى ء ذلك فقلت: ثلث لا يغل عليهن قلب امرء مسلم: اخلاص العمل لله قد عرفناه، و النصيحه لائمه المسلمين من هولاء الائمه الذين تجب علينا نصيحتهم: معويه بن ابى سفيان و يزيد بن معاويه و مروان بن الحكم و كل من لا تجوز شهادته عندنا و لا تجوز الصلوه خلفهم؟ و قوله: و اللزوم لجماعتهم فاى الجماعه؟ مرجى ء يقول من لم يصل و لم \par
010    20    يصم و لم يغتسل من جنابه و هدم الكعبه و نكح امه فهو على دين جبرئيل و ميكائيل، او قدرى يقول: لا يكون ما شاء الله عز و جل و يكون ما شاء ابليس. او حرورى يبرا من على بن ابيطالب و شهد عليه بالكفر، او جهمى يقول: انما هى معرفه الله وحده ليس الايمان شيئا غيرها؟ قال: ويحك و اى شى ء يقولون؟ فقلت يقولون ان على بن ابيطالب و الله الامام الذى يجب علينا نصيحته و لزوم جماعته اهل بيته قال فاخذ الكتاب فخرقه ثم قال: لاتخبر بها احدا. \par (رد ابوحنيفه على النبى (ص) اربعماه حديث او اكثر) \par قوله عليه السلام: و رفض اهل البدع: رفضت الشى ء رفضا من باب ضرب و فى لغه من باب قتل: تركته و البدع: جمع بدعه بالكسر كسدره و سدر و هى اسم من الابتداع بمعنى الاحداث و الاختراع كالرفعه من الارتفاع ثم غلب استعمالها فى محدثات الامور المخالفه للشريعه بعد عهد النبى صلى الله عليه و آله و قد تقدم الكلام عليها قوله عليه السلام: و مستعمل الراى المخترع، عطف على اهل البدع المضاف اليه الرفض، و استعمل رايه و اعمل: عمل به، و الراى لغه: العقل و التدبير و الاعتقاد، و عرفا تطلق تاره على \par
010    20    القياس و هو مساواه فرع لاصل فى عله حكمه، قال صاحب القاموس: و اصحاب الراى اصحاب القياس لانهم يقولون برايهم فيما لم يجدوا فيه حديثا او اثرا، و تاره على استحسان العقل و ان عارض النص و خالفه كما قال به ابوحنيفه و فسر بانه دليل ينقدح فى نفس المجتهد و ربما قصرت عنه عباراته. \par حكى الزمخشرى فى ربيع الابرار قال يوسف بن اسباط: رد ابوحنيفه على النبى صلى الله عليه و آله اربعماه حديث او اكثر، قيل مثل ماذا؟ قال قال رسول الله صلى الله عليه و آله للفرس سهمان و قال ابوحنيفه لا اجعل سهم بهيمه اكثر من سهم المومن، و اشعر رسول الله صلى الله عليه و آله و اصحابه البدن، و قال ابوحنيفه: الاشعار مثله، و قال رسول الله صلى الله عليه و آله: البيعان بالخيار ما لم يفترقا و قال ابوحنيفه اذا اوجب البيع فلاخيار، و كان صلى الله عليه و آله يقرع بين نسائه اذا اراد سفرا و قال ابوحنيفه القرعه قمار انتهى و المخترع اسم مفعول من اخترع الدليل او الحكم و ما اشبهه اى ارتجله و ابتكره و لم يسبق اليه. \par روى ثقه الاسلام فى الكافى عن ابيعبدالله عليه السلام انه قال: ان اصحاب المقاييس طلبوا العلم بالمقاييس فلم تزدهم المقاييس من الحق الا بعدا و ان دين الله لا يصاب بالمقاييس. \par و عن ابيجعفر عليه السلام: من افتى الناس برايه فقد دان الله بما لا يعلم و من دان الله بما لا يعلم فقد ضاد الله حيث احل و حرم فيما لا يعلم. \par و عن ابى بصير قال قلت لابى عبدالله عليه السلام ترد علينا اشياء ليس نعرفها فى كتاب الله و لا سنه فننظر فيها، فقال: لا، اما انك ان اصبت لم توجر و ان اخطات كذبت على الله عز و جل، و الاخبار فى هذا المعنى كثيره جدا و بطلان القياس و الراى من ضروريات مذهب اهل البيت عليهم السلام. \par
011    20    (الكسل عن العباده من صفات الجاهل المحبوس) \par (فى سجن الطبيعه البشريه و..) \par (اللهم صل على محمد و آله، و اجعل اوسع رزقك على اذا كبرت، و اقوى قوتك فى اذا نصبت، و لا تبتلينى بالكسل عن عبادتك، و لا العمى عن سبيلك، و لا بالتعرض لخلاف محبتك، و لا مجامعه من تفرق عينك، و لا مفارقه من اجتمع اليك) \par انما سئل عليه السلام: جعل اوسع الرزق عليه وقت الكبر ليستغنى عن تكلف تحصيله و مشقه تدبيره فى الوقت المقتضى لضعف البنيه عن كثير الحركه، و سئل جعل اقوى القوه فيه وقت الاعياء ليقاوم ما يوجبه الاعياء من الضعف و انحلال القوى و هو ظاهر، و الكسل بالتحريك: وقوف الاعضاء و فتورها عن اعمالها بسبب تحلل الروح و ضعفه و رجوعه الى الاستراحه، و فى القاموس: الكسل: التثاقل عن الشى ء و الفتور فيه، قال بعض العارفين: الكسل عن العباده من صفات الجاهل المحبوس فى سجن الطبيعه البشريه، و المغلول باغلال لواحق القوه الشهويه، و المصفود بصفاد عوارض القوى البدنيه فهو ثقيل لا تحركه ريح النشاط الى الدرجه العليا و لا تعرج به اربحيه العباده عن المرتبه الدنيا، و المراد بالعمى هنا: الضلال و الغوايه مستعار من عمى البصر بجامع عدم الاهتداء الى المطلوب، و سبيله تعالى هو الطريق المستقيم الموصل الى معالم الحق و الهدى الناجى سالكه من الردى فى مهاوى الردى و تعرض للشى ء و تعرضه يتعدى بالحرف و بنفسه اى تصدى له و طلبه، و الخلاف: المخالفه يقال: خالفه خلافا و مخالفه: اذا ذهب الى غير ما ذهب اليه، و المراد بمحبته تعالى هنا: رضاه و هو افاضه ثوابه و رحمته، و المجامعه: مصدر جامعه على الامر اجتمع معه و ساعده و شايعه عليه: و تفرق الناس عن فلان: اعرضوا عنه و تركوه، و لا يقال ذلك الا فيمن كان رئيسا فى دين او دنيا لان التفرق عنه لا يكون الا بعد الاجتماع عليه و المراد بالمتفرقين عنه تعالى: المتفرقون عن امره و طاعته كما ان المراد بالمجتمعين اليه المجتمعون الى دينه و طاعته. \par
012    20    (الاستعانه بغير الله سبحانه حال الاضطرار و...) \par (من الضلال عن سبيل الحق) \par (اللهم اجعلنى اصول بك عند الضروره، و اسئلك عند الحاجه، و اتضرع اليك عند المسكنه، و لا تفتنى بالاستعانه بغيرك اذا اضطررت، و لا بالخضوع لسوال غيرك اذا افتقرت، و لا بالتضرع الى من دونك اذا رهبت، فاستحق بذلك خذلانك و منعك و اعراضك، يا ارحم الراحمين). \par الصوله الحمله و الوثبه، و الضروره: اسم من الاضطرار و هو الاحتياج و الافتقار الى الشى ء، و الحاجه: اسم من الاحتياج، و تضرع الى الله: خضع و تذلل او تعرض بطلب الحاجه، و المسكنه: الذل، و الخضوع و القهر، و منه: ضربت عليهم الذله و المسكنه و هى بهذا المعنى تجامع الغنى و الثروه، و تطلق على الفقر و قله المال و سوء الحال و اشتقاقها على المعنيين من السكون لسكون صاحبها الى الناس، فان حملتها فى الدعاء على المعنى الاول كان المراد بالتضرع: التذلل و الخضوع، و ان حملتها على المعنى الثانى كان المراد: التعرض لطلب الحاجه، و فتنه فتونا من باب ضرب: امتحنه، و قال بعضهم: الفتنه: هى الضلال عن الحق بمحبته امر ما من الامور الباطله و الاشتغال به عما هو الواجب من سلوك سبيل الله، و على هذا فمعنى لا تفتنى: لا تضلنى. \par و لا شك ان الاستعانه بغير الله سبحانه حال الاضطرار، و الخضوع لسوال غيره عند الافتقار، و التضرع الى من دونه وقت الرهبه: من الضلال عن سبيل الحق اذ كان ذلك التجاء فى جلب النفع و دفع الضرر الى من لايملك لنفسه نفعا و لا ضرا، و عدولا عمن بيده ازمه الامور، و القادر على كل مقدور، و لذلك حكم عليه السلام باستحقاق الخذلان و المنع و لا اعراض منه تعالى من حيث عدم استعداده لنفحات الله سبحانه بالتوجه اليه و الاعتماد عليه بالتوجه الى غيره و اشتغال قلبه بسواه، و قد تقدم الكلام على هذا المعنى مبسوطا و قوله: من دونك اى من سواك و قوله: فاستحق، فالفاء للسببيه و الفعل \par
012    20    منصوب بعدها بان مضمره لوقوعه بعد النهى الصريح نحو: و لا تطغوا فيه فيحل عليكم غضبى. \par
013    20    (معنى عظمته تعالى، و قول بعض العارفين فى عظمه الحق) \par (اللهم اجعل ما يلقى الشيطان فى روعى: من التمنى و التظنى و الحسد ذكرا لعظمتك، و تفكرا فى قدرتك، و تدبيرا على عدوك، و ما اجرى على لسانى من لفظه فحش او هجرا و شتم عرض او شهاده باطل او اغتياب مومن غائب او سب حاضر و ما اشبه ذلك نطقا بالحمد لك، و اغراقا فى الثناء عليك، و ذهابا فى تمجيدك، و شكرا لنعمتك، و اعترافا باحسانك، و احصاء لمننك). \par اجعل من الجعل بمعنى التصيير و هو نقل الشى ء من حاله الى اخرى قال صاحب المحكم: جعل الطين خزفا و القبيح حسنا: صيره اياه، و القى الشى ء يلقيه القاء: طرحه و وضعه، و اصله ان يستعمل فى الاعيان كقوله تعالى: و القى الالواح فالقوا حبالهم ثم استعمل فى المعانى اتساعا، و منه قوله تعالى: و القيت عليك محبه منى سنلقى فى قلوب الذين كفروا الرعب و هو هنا كذلك، و الروع بالضم: القلب و التمنى: تشهى حصول الامر المرغوب فيه و حديث النفس بما يكون و بما لا يكون، و التظنى: اعمال الظن، و اصله: التظنن ابدل من احدى النونات ياء، و الحسد: تمنى زوال نعمه المحسود الى الحاسد، و الذكر: حضور المعنى فى النفس ثم يكون تاره بالقلب و تاره باللسان و ليس شرطه ان يكون بعد نسيان، و قد تقدم الكلام على بيان مراتبه و عظمته تعالى عباره: عن تجاوز قدره حدود العقول حتى لا يتصور الاحاطه بكنهه و حقيقته. \par و قال بعض العارفين: اعلم ان عظمته الحق صفه اضافيه ثابته له تعالى بالقياس \par
013    20    الى اعتقاد العبد و تصوره و اثباته لغيره عز و جل وجودا و الا فليس لما سواه فى جنب وجوده تعالى وجود حتى يتصف بالعظمه بالقياس اليه لكن الانسان يتصور لنفسه بقوته الوهميه وجودا مستقلا و بواسطه وجوده الموهوم يثبت للعالم و افراده وجودا مستقلا يقيس اليها وجود الحق فيصفه بالعظمه. \par ثم بقدر ما يظهر قصور وجوده و ضعفه و قصور الوجودات الامكانيه و ضعفها يزيد فى نظره عظمه الحق و لهذا قيل: ان ظهور الانسان سبب خفاء الحق فى هذا العالم فبقدر انكساره يظهر وجود الحق و عظمته و كبريائه. \par (القول فى التفكر و فضله و آثاره و ما قيل فيه) \par و التفكر لغه: اعمال النظر فى الشى ء و اختلفت عباره العلماء فى تفسيره و المرجع واحد، قال الغزالى: حقيقه التفكر: طلب علم غير بديهى عن مقدمات موصله اليه، كما اذا تفكر ان الاخره باقيه و الدنيا فانيه فانه يحصل له العلم بان الاخره خير من الدنيا و هو يبعثه على العمل للاخره فالتفكر سبب لهذا العلم و هذا العلم يقتضى حاله نفسانيه هى التوجه الى الاخره و هذه الحاله تقتضى العمل لها، و قس على هذا. \par فالتفكر موجب لتنور القلب و خروجه عن الغفله و اصل لجميع الخيرات، و قال المحقق الطوسى قدس سره: التفكر سير الباطن من المبادى الى المقاصد و هو قريب من النظر و لا يرتقى احد من النقص الى الكمال الا بهذا السير. و مباديه: الافاق و الانفس بان يتفكروا فى اجزاء العالم و ذراته و فى الاجرام العلويه من الافلاك و الكواكب و حركاتها و اوضاعها و مقاديرها و اختلافاتها و مقارناتها و تاثيراتها و تغييراتها، و فى الاجرام السفليه و ترتيبها و تفاعلها و كيفياتها و مركباتها و معدنياتها و حيواناتها، و فى اجزاء الانسان و اعضائه من العظام و الاعصاب و العضلات و العروق و غيرها مما لا يحصى كثره، و يستدل بها و بما فيها من المصالح و المنافع و الحكم: كمال الصانع و حكمته و علمه و قدرته و عدم ثبوت ماسواه. \par و بالجمله التفكر فيما ذكر و نحوه من حيث الخلق و الحكمه و المصالح اثره: العلم بوجود الصانع و قدرته، و من حيث تغيره و انقلابه و فنائه بعد وجوده اثر الانقطاع عنه \par
013    20    و التوجه بالكليه الى الخالق الحق انتهى. \par و هو اعظم العبادات قدرا و اشرفها و افخمها رتبه و ارفعها درجه و لذلك وقع الامر به فى مواضع كثيره من القرآن المجيد، و وردت به اخبار عديده عن سيد المرسلين و اهل بيته الطاهرين صلوات الله عليهم اجمعين كقوله عليه السلام تفكر ساعه خير من عباده سبعين سنه، و قول اميرالمومنين عليه السلام: التفكر يدعو الى البر و العمل به، و قول الصادق عليه السلام: افضل العباده: ادمان التفكر فى الله و فى قدرته، و قول الرضا عليه السلام: ليس العباده كثره الصلوه و الصوم انما العباده التفكر فى امر الله عز و جل، الى غير ذلك. \par و اعلم انه ليس المراد: التفكر فى حقيقه ذاته و حقيقه قدرته و سرائر صفاته تعالى فان معرفتها خارجه عن طوق البشر لا يصل اليها عقل و لا فكر، و التفكر فيها مود الى الضلال المبين و الالحاد فى الدين بل المراد: التفكر فى صنع الله و آثار قدرته فان التفكر فيها و فى عظمتها يدل على عظمه الصانع الحق و كمال قدرته، و مما يدل على ذلك: ما روى عنه صلى الله عليه و آله: تفكروا فى الخلق، و ما روى عن ابيجعفر عليه السلام اياكم و التفكر فى الله ولكن اذا اردتم ان تنظروا الى عظمته فانظروا الى عظيم خلقه فقوله عليه السلام و تفكرا فى قدرتك اى فى آثار قدرتك و آياتها حكى الزمخشرى فى ربيع الابرار قال: قرب الى على بن الحسين عليهماالسلام طهور فى وقت ورده فوضع يده فى الاناء ليتوضا ثم رفع راسه فنظر الى السماء و القمر و الكواكب فجعل يفكر فى خلقها حتى اصبح و اذن الموذن و يده فى الاناء. \par (الفرق بين التفكر و التدبر) \par قوله عليه السلام: و تدبيرا على عدوك، دبرت الامر تدبيرا: نظرت الى ماتول عاقبه ماخوذ من الدبر و هو الاخر من كل شى ء لانه نظر فى دبر الامر و هو قريب من التفكر لان التفكر: تصرف القلب بالنظر فى الدليل: و التدبر تصرفه بالنظر فى العواقب، و عداه بعلى ايذانا بان التدبير مستعمل عليه لازم له لزوم الراكب لمركوب كقولهم: هذا لك و هذا عليك، و المراد بعدوه تعالى: المعرض عن عبادته و المبغض لها و لمن \par
013    20    تلبس بها من عباده. \par قوله عليه السلام: و ما اجرى على لسانى من لفظه فحش، الى آخره، اسناد الاجراء الى الشيطان مجاز عقلى من حيث انه سبب امر، كقولهم: بنى الامير المدينه، و الفحش بالضم: السى ء و الردى من القول، و قيل: الفحش و الفحشاء: ما ينفر عنه الطبع السليم و يستنقصه العقل المستقيم قولا كان او فعلا، و الهجر يروى بالضم و الفتح و هو بالضم: الخنا و القبيح و الفحش من القول و الاكثار من الكلام فيما لا ينبغى اسم من اهجر فى منطقه يهجر اهجارا: اذا افحش و كذلك اذا كثر الكلام فيما لا ينبغى، و بالفتح: الهذيان يقال: هجر يهجر من باب قتل هجرا بالفتح اذا خلط فى كلامه و هذى، و شتمه شتما: من باب ضرب و قتل: سبه، و قيل: الشتم: وصف الرجل بما فيه ازراء و نقص سيما فيما يتعلق بالنسب، و عرض الرجل بالكسر: حسبه، و قيل خليقته المحموده، و قيل ما يمدح به و يذم، و الشهاده: الاخبار بما قد شوهد اى عن عيان و هى اسم من المشاهده و هى الاطلاع على الشى ء عيانا، و الباطل: ما لا يكون صحيحا باصله. \par (البحث فى الغيبه، و بيان حرمتها، و مجوزاتها) \par و اغتاب فلان فلانا: اذا ذكره بما يسوئه و يكرهه من العيوب و كان فيه فان لم يكن فيه فهو بهت و تهمه، و فى العرف ذكر الانسان المعين او بحكمه فى غيبته بما يكره نسبته اليه مما هو حاصل فيه و يعد نقصا فى العرف بقصد الانتقاص و الذم قولا او اشاره او كنايه تعريضا او تصريحا فلا غيبه فى غير معين كواحد مبهم من غير محصور كاحد اهل البلد بخلاف مبهم من محصور كواحد من المعنيين كاحد قاضى البلد فاسق مثلا فانه فى حكم المعين كما صرح به شيخنا البهائى قدس سره فى شرح الاربعين و لا بذكر عيبه فى حضوره و ان كان اثما لا يذائه الا بقصد الوعظ و النصيحه و لا بذكر ما ليس فيه فانه بهتان و تهمه، و لا بذكر عيبه لا لقصد الانتقاص كذكره للطبيب لقصد العلاج و للسلطان لقصد الترحم. \par تنبيهات \par الاول- الغيبه حرام للايات و الروايات و اجماع الامه، و قد عدت من الكبائر و \par \par
013    20    لو لم يرد فيها الا قوله تعالى: و لا يغتب بعضكم بعضا ايحب احدكم ان ياكل لحم اخيه ميتا فانه مثل الاغتياب باكل الانسان لحم انسان آخر مثله ثم لم يقتصر على ذلك حتى جعله لحم الاخ، ثم لم يقتصر حتى جعله ميتا، ثم جعل ما هو فى غايه الكراهه موصولا بالمحبه، و قول نبيه صلى الله عليه و آله: اياكم و الغيبه فان الغيبه اشد من الزنا ان الرجل يزنى فيتوب الله عليه و ان صاحب الغيبه لا يغفر له حتى يغفر صاحبه. \par قال شيخنا الشهيد الثانى قدس سره: و العجب من علماء الزمان ان كثيرا منهم يجتنب كثيرا من المعاصى الظاهره: من شرب الخمر و الزنا و غصب اموال الناس و نحوها و هم مع ذلك يتعاطون الغيبه، و السبب فيه: اما الغفله عن تحريمها، و ما ورد من الوعيد عليها و اما لان مثل ذلك من المعاصى لا يخل عرفا بمراتبهم و منازلهم من الرياسات لخفاء هذا النوع من المنكر على من يرومون المنزله عنده من اهل الجهالات، و لو رغبوهم فى الشرب او الزنا او غصب مال الغير ما اطاعوه لظهور فحشه عند العامه و سقوط منزلتهم و لو استبصروا علموا ان لا فرق بين المعصيتين بل لانسبه بين المعصيه المستلزمه للاخلال بحقه تعالى و بين ما يتعلق مع ذلك بحق ابعد خصوصا باعراضهم التى هى اجل و اشرف من اموالهم. \par الثانى- كفاره الغيبه: ان يندم المغتاب و يتوب و يتاسف على فعله ليخرج من حق الله اولا، ثم يستحل من اغتابه فيخرج عن مظلمته، و ذلك اذا امكنه الوصول اليه، و ينبغى ان يستحله و هو حزين متاسف نادم على فعله مستحى مما ارتكبه فان المرائى قد يستحل ليظهر من نفسه الورع و فى الباطن لا يكون تائبا فيكون قد قارف معصيه اخرى، يدل على ذلك: ما روى عن النبى صلى الله عليه و آله: من كانت لاخيه قبله مظلمه فى عرض او مال فليستحللها منه من قبل ان ياتى يوم ليس هناك دينار و لا درهم يوخذ من حسناته فتزاد فى حسنات صاحبه فان لم يكن حسنات اخذ من سيئات صاحبه فتزاد على سيئاته، و ان لم يمكنه الوصول: اما لموت او لغيبه فليستغفر له، يدل على ذلك ما رواه ثقه الاسلام فى الكافى عن ابى عبدالله عليه السلام قال: سئل النبى صلى الله عليه و آله ما كفاره الاغتياب؟ \par
013    20    قال تستغفر الله لمن اغتبته كلما ذكرته. \par و يستحب للمعتذر اليه: قبول العذر فان لم يقبل كان اعتذاره و تودده حسنه محسوبه له، و قد تقابل سيئه الغيبه فى القيمه، و لا فرق بين اغتياب الصغير و الكبير و الحى و الميت و الذكر و الانثى، و لكن الاستغفار و الدعاء له بحسب ما يليق بحاله فيدعو للصغير بالهدايه و للميت بالرحمه و المغفره و نحو ذلك، و لا يسقط الحق باباحه الانسان عرضه لانه عفو عما لم يجب، كما ان لو اباح قذف نفسه لم يسقط حقه من الحد، و الظاهر انه تجب فى هذه الكفاره: النيه، كما فى ساير الكفارات. \par الثالث- جوز العلماء الغيبه فى عشره مواضع: الشهاده، و النهى عن المنكر، و شكايه المتظلم، و نصح المستشير، و جرح الشاهد و الراوى، و تفضيل بعض العلماء و الصناع على بعض، و غيبه المتظاهر بالفسق الغير المستنكف على قول، و قيل مطلقا، و قيل بالمنع مطلقا، و ذكر المشتهر بوصف مميز له كالاعور و الاعرج مع عدم قصد الاحتقار و الذم و ذكره عند من يعرفه بذلك بشرط عدم سماع غيره على قول، و التنبيه على الخطاء فى المسائل العلميه و نحوها بقصد ان لا يتعبد احد فيها، ثم هذه الاموران اغنى التعريض فيها فلا يبعد القول بتحريم التصريح لانها انما شرعت للضروره و تقدر بقدر الحاجه و الله اعلم. \par (القول فى السب، و حديث الكاظم (ع) فى رجلين يتسابان...) \par قوله عليه السلام: او سب حاضر، السب: الشتم، قال بعضهم: و ساب الحاضر ان يقول له مثلا يا شارب الخمر، او يا آكل الربا، او ياملعون، او يا خائن، او يا حمار، او يا كلب، او يا فاسق، او يا فاجر، و امثال ذلك. \par روى ثقه الاسلام فى الكافى عن ابى جعفر عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه و آله: ساب المومن فسوق، و قتاله كفر، و اكل لحمه معصيه، و حرمه ماله كحرمه دمه. \par و عن ابى الحسن موسى عليه السلام فى رجلين يتسابان قال: البادى منهما اظلم و وزره و وزر صاحبه عليه ما لم يعتذر الى المظلوم، قوله عليه السلام: و ما اشبه ذلك، اشاره الى المذكور \par
013    20    مما اجرى الشيطان على لسانه يعنى ما ماثله فى الهجنه و الاثم كالبهت و النميمه و الاستهزاء و التهمه و الروايه على المومن و الكذب الى غير ذلك، فان كل ذلك مباين لمكارم الاخلاق، و حسن الشيم، مناف لمقتضى الايمان و التقوى و الورع، قوله عليه السلام: نطقا بالحمد، النطق بالضم اسم من نطق ينطق نطقا من باب ضرب: اذا تكلم بصوت و حروف تعرف بها المعانى، و المراد بالحمد هنا: الحمد اللغوى بدلاله النطق و هو الوصف بالجميل على جهه التعظيم باللسان، و اغرق فى الشى ء اغراقا: بالغ فيه و اطنب، و الثناء بالمد، قيل: هو وصف الشى ء بمدح او ذم، و قيل: خاص بالمدح، و قيل: استعماله فى المدح اكثر من الذم، و الحق انه عند الاطلاق لا ينصرف الا الى المدح، و ذهب يذهب ذهابا بالفتح و ذهوبا: سار و مضى ثم استعير للاستغراق فى الشى ء و التوغل و الامعان كانه سار فيه و مضى و لم يقف، و مجده تمجيدا: اعظمه و اثنى عليه بالشرف و الكرم، و الشكر عباره عن المعروف المقابل به النعمه سواء كان باللسان او باليد او بالقلب و هو الثناء على المحسن بذكر احسانه، و اعترف بالشى ء اعترافا: اقر به على نفسه، و الاحسان: فعل ما ينبغى من الخير، و احصى الشى ء احصاه: اعده و حفظه، و المنه: النعمه، و المراد باحصائها. حفظها عن الكفر بها، او الاعتداد بها صونا لها عن اهمال شكرها و عدم الالتفات اليها و الا فنعمه الله تعالى لا تحصى. \par
014    20    (الطغيان بالمال انما يكون بسبب نسيان العبد فضل ربه و..) \par (اللهم صل على محمد و آله، و لا اظلمن و انت مطيق للدفع عنى، و لا اظلمن و انت القادر على القبض منى، و لا اضلن و قد امكنتك هدايتى، و لا افتقرن و من عندك وسعى، و لا اطغين و من عندك وجدى) \par لا: طلبيه للدعاء، و اظلم مبنى للمفعول مجزوم بها موكد بالنون الثقيله مسند الى ضمير المتكلم، و قس على ذلك البواقى، و اطاق الشى ء اطاقه: قدر عليه فهو مطيق، و الاسم: الطاقه، و دفعت عنه الاذى: نحيته عنه، و قبضت زيدا عن الامر: كفيته \par
014    20    منه و منعته من فعله، و امكنه الامر امكانا: سهل و تيسر، و افتقر: مطاوع افقره، يقال: فقر يفقر من باب تعب يتعب: اذا قل ماله، و افقره فافتقر، و الوسع بالضم: الجده و الغنى، و طغا طغوا من باب قال، و طغى يطغى من باب تعب و من باب نفع لغه ايضا فقال: طغيت و الاسم: الطغيان و هو مجاوزه الحد و الاسراف فى المعاصى و التكبر قال تعالى: ان الانسان ليطغى ان رآه استغنى و الوجد بالضم و يفتح و يكسر: الجده و هى الثروه و الاستغناء اى لا تبتلينى بالطغيان بالاستغناء فاطغى و الحال ان استغنائى من عندك، فان الطغيان بالمال انما يكون بسبب نسيان العبد فضل ربه و عنايته فينسب ذلك الى كفايه نفسه لا الى عنايه الله تعالى، اما اذا علم ان غناه وجدته من فضله سبحانه فانه لا يزيد الا تواضعا و عبوديه، بل اذا تامل وجد نفسه فى حال الغنى اشد افتقارا الى الله تعالى لان الفقير لايتمنى الاسلامه نفسه و الغنى يتمنى سلامه نفسه و ماله و اهله و جاهه. \par
015    20    (ان العبد اذا ستر عيب سيده مخافه عقابه لا يقال: غفر له) \par (اللهم الى مغفرتك وفدت، و الى عفوك قصدت، و الى تجاوزك اشتقت، و بفضلك وثقت، و ليس عندى ما يوجب لى مغفرتك، و لا فى عملى ما استحق به عفوك، و ما لى بعد ان حكمت على نفسى الا فضلك، فصل على محمد و آله، و تفضل على) \par تقديم الظرف فى الفقرات الاربع للتخصيص و معناه الى مغفرتك وفدت لا الى غيرها، وقس على ذلك، و وفد اليه و عليه يفد وفدا من باب وعد و وفودا و وفاده: قدم و ورد و غلب استعمال الوفود فى قصد الملوك و الامراء و نحوهم للزياره و الاسترفاد و الانتجاع و المراد به هنا توجه نفسه الى طلب مغفرته تعالى، و قصدت الشى ء و له و اليه قصدا من باب ضرب: طلبته بغيه، و تجاوزت عن الذنب تجاوزا: عفوت عنه و صفحت، و الشوق: نزاع النفس الى الشى ء، و قيل هو احتياج النفس الى لقاء المحبوب يقال: اشتاقه و اشتاق اليه بمعنى، و الفضل ابتداء الاحسان بلاعله، و وثق يثق بكسر هماثقه و وثوقا: \par
015    20    اعتمد عليه. قوله عليه السلام: و ليس عندى ما يوجب لى، يحتمل ان تكون الواو للاستيناف فالجمله لا محل لها من الاعراب، و ان تكون للحال فالجمله فى محل نصب اى و الحال انه ليس عندى ما يوجب مغفرتك. و وجب الحق يجب وجوبا: لزم و ثبت، و اوجبه: اثبته و الزمه و المغفره: هى ان يستر القادر القبيح ممن هو تحت قدرته حتى ان العبد اذا سترعيب سيده مخافه عقابه لا يقال له غفر له. و استحق الشى ء: استوجبه. قوله عليه السلام: بعد ان حكمت على نفسى، ان مصدريه اى بعد حكمى، يقال: حكم عليه حكما و حكومه اى قضى، و لم يذكر المحكوم لدلاله الكلام السابق عليه، فحذفه اختصارا اذ المعنى: بعد ان حكمت على نفسى ما يوجب لى مغفرتك و ما استحق به عفوك و الاستثناء مفرغ و هو فى الحقيقه من عام محذوف و ما بعد الا بدل من ذلك المحذوف و التقدير: و ما لى شى ء الا فضلك. و الفاء من قوله: فصل، فصيحه اى اذا لم يكن لى الا فضلك فصل على محمد و آله و تفضل على اى احسن الى بلاعله و سبب يوجبان الاحسان و الله اعلم. \par
016    20    (الخصال و الاثار الوارده للتقوى) \par (اللهم و انطقنى بالهدى، و الهمنى التقوى، و وفقنى للتى هى ازكى، و استعملنى بما هو ارضى، \par الهدى هنا بمعنى البيان و الحجه بقرينه الانطاق، و المراد بالبيان: اظهار المقصود بابلغ لفظ، و بالحجه: الكلام المستقيم، و قيل البيان اخراج الشى ء عن حيز الاشكال الى حيز التجلى، و الحجه: البرهان قال الفيومى فى المصباح: الهدى: البيان. و يصح حمله على الهدى بمعنى الدلاله على ما يوصل الى المطلوب، او سلوك طريق يوصل الى المطلوب و الاول اظهر و الالهام: ان يلقى الله فى نفس العبد امرا يبعثه على الفعل او الترك بطريق الفيض و هو نوع من الوحى يخص الله من يشاء من عباده، و التقوى فى اللغه: الاتقاء و هو اتخاذ الوقايه، و فى العرف: هى الاحتراز بطاعه الله عن عقوبته. \par قال بعض العارفين: ان خيرات الدنيا و الاخره جمعت تحت لفظه واحده: \par و هى التقوى، انظر ما فى القرآن الكريم من ذكرها، فكم علق عليها من خير، و وعد لها من ثواب و اضاف اليها من سعاده دنيويه و كرامه اخرويه، و لنذكر من خصالها و آثارها الوارده فيه اثنتى عشره خصله: \par الاولى- المدحه و الثناء قال تعالى: و ان تصبروا و تتقوا فان ذلك من عزم الامور. \par الثانيه- الحفظ و الحراسه قال تعالى: و ان تصبروا و تتقوا لايضركم كيدهم شيئا. \par الثالثه- التاييد و النصر، قال تعالى: ان الله مع الذين اتقوا. \par الرابعه- النجاه من الشدائد و الرزق الحلال، قال تعالى: و من يتق الله يجعل له مخرجا و يرزقه من حيث لا يحتسب. \par الخامسه- صلاح العمل، قال تعالى يا ايها الذين آمنوا اتقوا و قولوا قولا سديدا يصلح لكم اعمالكم. \par السادسه- غفران الذنوب، قال تعالى: يغفر لكم ذنوبكم. \par السابعه- محبه الله تعالى قال تعالى: ان الله يحب المتقين. \par الثامنه- قبول الاعمال، قال الله تعالى: انما يتقبل الله من المتقين. \par التاسعه- الاكرام و الاعزاز، قال تعالى: ان اكرمكم عند الله اتقيكم \par العاشره- البشاره عند الموت، قال تعالى: الذين آمنوا و كانوا يتقون، لهم البشرى فى الحيوه الدنيا و فى الاخره \par الحاديه عشره- النجاه من النار، قال تعالى: ثم ننجى الذين اتقوا \par الثانيه عشره- الخلود فى الجنه، قال تعالى: اعدت للمتقين \par فقد ظهر لك ان سعاده الدارين منطويه فيها، و مندرجه تحتها، و هى كنز عظيم، و غنم جسيم، و خير كثير، و فوز كبير، انتهى. \par (المراد بالطريقه المثلى: سبيل الحق الموصله اليه تعالى) \par قوله عليه السلام: وفقنى التى هى ازكى، اى للحاله او الخصله او السيره التى هى ازكى الحالات او الخصال او السيره اى انماها و اكثرها ثوابا او اطهرها او اصلحها، من زكى المال يزكو زكاء اى نمى و زاد و منه الزكوه الشرعيه لانها سبب يرجى به الزياده و البركه، او من زكى الرجل يزكو اذا طهر و منه نفسا زكيه، او من زكى اى صلح و منه: خيرا منه زكوه اى صلاحا. و انما لم يذكر الموصوف لما فى الحذف من عموم الاعتبار و ذهاب الوهم كل مذهب. \par قوله عليه السلام: و استعملنى بما هو ارضى، اى للعمل الذى هو اشد ارضاء لك، او اعظم الاعمال المرضيه عندك. \par
017    20    اللهم اسلك بى الطريقه المثلى، و اجعلنى على ملتك اموت و احيى) \par قوله عليه السلام: و اسلك بى الطريقه المثلى، اى الفضلى تانيث الامثل بمعنى الافضل، و فسر قوله تعالى: و يذهبا بطريقتكم المثلى اى بمذهبكم الذى هو افضل المذاهب، و منه: اشد الناس بلاء الانبياء ثم الامثل فالامثل اى الاشرف فالاشرف و الاعلى فالاعلى فى الرتبه و المنزله. و المراد بالطريقه المثلى: سبيل الحق الموصله اليه تعالى التى تطابقت على الهدايه اليه السنه الرسل و الاولياء. \par و قيل: هى السيره المختصه بالسالكين الى الله تعالى مع قطع المنازل و الترقى فى المقامات. \par و روى ثقه الاسلام عن ابى جعفر عليه السلام فى قول الله تعالى: و ان لو استقاموا على الطريقه لاسقيناهم ماء غدقا يقول لاشربنا قلوبهم الايمان، و الطريقه هى ولايه \par
017    20    على بن ابيطالب و الاوصياء عليهم السلام. \par قوله عليه السلام: و اجعلنى على ملتك اموت و احيا، المله: الدين، و قيل هم معظم الدين و جمله ما جائت به الرسل، و قيل هى ما شرع الله لعباده على السنه الانبياء عليهم السلام و تستعمل فى جمله الشرائع لا فى آحادها، ثم اتسعت فاستعملت فى المله الباطله ايضا فقيل مله الكفر. و حرف الاستعلاء موذن بالثبات اى ثابتا على ملتك و هو متعلق باموت و احيا على طريق التنازع و تقديمه للتخصيص اى على ملتك لا على غيرها مع ما فيه من الاهتمام و رعايه السجع، و قدم الموت للاهتمام به لان اقوى الناس داعيا الى العمل من نصب موته بين عينيه مع رعايه السجع، و المراد بالحيوه: ما قبل الموت و ما بعده و الله اعلم. \par
018    20    (المراد بالاقتصاد: سلوك طريق القصد فى العقايد و الاقوال و..) \par (اللهم صل على محمد و آله، و متعنى بالاقتصاد، و اجعلنى من اهل السداد، و من ادله الرشاد، و من صالحى العباد، و ارزقنى فوز المعاد، و سلامه المرصاد. \par الاقتصاد: افتعال من القصد بمعنى العدل و هو التوسط فى الامور بين الافراط و التفريط. قال الزمخشرى فى الاساس: قصد فى معيشته و اقتصد و قصد فى الامر: اذا لم يجاوز فيه الحد و رضى بالتوسط. و قد علمت فيما سبق ان الوسط الحق الذى لا ميل له الى احد الجانبين من الافراط و التفريط هو الصراط المستقيم و الطريق القصد التى اخذ الله على العباد سلوكها، فالمراد بالاقتصاد: سلوك الطريق القصد فى العقايد و الاقوال و الافعال، و كثيرا ما يستعمل الاقتصاد خاصا فى المتوسط فى الانفاق بين الاسراف و التقتير، و منه ما عال من اقتصد، و هو من الامور التى نص الله سبحانه عليها بقوله: و الذين اذا انفقوا لم يسرفوا و لم يقتروا و كان بين ذلك قواما و لو حمل على هذا المعنى هنا لم يكن بعيدا الا ان الاعم هو الاتم. و السداد بالفتح: الصواب من القول و الفعل و الادله: جمع دليل و هو فعيل من دله على الطريق اذا هداه اليه \par
018    20    و ارشده له. و الرشاد و الرشد بالضم و الرشد بالتحريك: الهدى و الاستقامه و الصواب، و لما كانت الامور المعقوله لا يهتدى لطريق الحق منها الا باستاذ مرشد يهدى المسترشد اليها و يعرفه رشادها، و كان العارفون بالله هم ادله هذه الطريق و المرشدين اليها سئل عليه السلام ان يجعله منهم. و الصالحون من العباد هم المتصفون بالصلاح و هو الخير و الصواب. و الفوز: النجاه و الظفر بالبغيه، و المعاد: الاخره لعود الخلق اليها. و المرصاد كالمنهاج: المكان الذى يرصد فيه من الطريق، يقال رصدته رصدا من باب قتل اذا قعدت له على الطريق تترقبه، و منه ارصدت له العقوبه اذا اعددتها له و المراد بالمرصاد هنا: اما جهنم اعاذنا الله تعالى منها كما قال تعالى: ان جهنم كانت مرصادا، للطاغين مآبا سميت بذلك لان خزنتها يرصدون الكفار فيها للعذاب و هى مآبهم، او لان جهنم يرصدون المومنين و يتقبلونهم عندها، لان جوازهم عليها لقوله تعالى: و ان منكم الاواردها و هى مآب للطاغين و لهذا قال الحسن و قتاده: يعنى طريقا و ممرا الى الجنه. و اما المشار اليه بقوله تعالى: ان ربك لبالمرصاد قيل هو تمثيل لعدم الاهمال و انه لا يفوته تعالى شى ء من اعمال العباد لانه يسمع و يرى جميع اقوالهم و افعالهم كما لا يفوت من هو بالمرصاد. \par
019    20    (نقل الاقوال فى حل هذه العباره و بيان الشارح قدس سره) \par (اللهم خذ لنفسك من نفسى ما يخلصها و ابق لنفسى من نفسى ما يصلحها فان نفسى هالكه او تعصمها \par قيل: يمكن ان يكون المعنى اجعل حصه من نفسى متعلقه بجنابك المقدس ليكون ذلك سببا لخلاص نفسى وابق منها ما يكون فيه صلاحها فان الخلاص قد يكون مع عدم الصلاح انتهى، و قيل المعنى: اصطف من اعمال نفسى ما يخلصها من سخطك و ابق لها من مساعيها ما يكون به صلاحها، و قيل معناه: افعل بى ما يوجب نجاه نفسى و خلاصها من نفع او ضرر او فقر او غنى او موت او حياه و ان كرهت بعض ذلك و ابق لى من الاعمال الصالحه ما يوجب صلاح نفسى و وفقنى له، و قيل: يحتمل ان يكون المراد \par
019    20    بقوله عليه السلام: خذ لنفسك من نفسى ما يخلصها ففى الاعمال السيئه و الاخلاق الذميمه التى يكون نفيها سببا لخلوص النفس من الشوائب او خلاصها من العذاب فيكون قوله. لنفسك، اى لاجل القرب منك. و يحتمل ان يكون المراد به اصطفاء الاعمال الصالحه و الاخلاق الكريمه التى تكون سببا لخلوص نفسى او خلاصها فيكون قوله: لنفسك، اى لاجل رضاك. \par و لا يخفى بعد الاحتمال الاول، هذا ما انتهى الينا من اقوال الاصحاب فى حل هذه العباره من الدعاء، و الذى يخطر بالبال على وجه الاحتمال: انه لما كانت النفس مكلفه بالقيام بامرين: قائمه بما هو لله تعالى و هو سبب خلاصها و لما كان هذا المعنى يوجب استغراق النفس فيه بحيث لا يمكنها الاشتغال معه بغيره و لا التوجه و الالتفات الى امر آخر سال ثانيا ان يبقى لنفسه من نفسه مما لابد لها منه مقدار ما يكون فيه صلاحها كيلا تكل و تحسر عن القيام بما هو لله و لا ناشز و تبطر فتشتغل بغير ما هو لله فيكون اشتغالها به فى الحقيقه عايدا الى الامر الاول و فى ذلك صلاحها و الله اعلم بمقاصد اوليائه. و او بمعنى الا الاستثنائيه و المعنى الا ان تعصمها اى تقيها و تحفظها فلا تكون هالكه. \par احدهما- لله تعالى و هو سبب نجاتها و خلاصها من سخطه و عذابه تعالى. \par و الثانى- للنفس و هو ما لا بدلها منه من امر معاشها سال عليه السلام ان يجعل نفسه \par
020    20    (معنى: اللهم اعط كل منفق خلفا، و معنى العافيه و انها على قسمين) \par (اللهم انت عدتى ان حزنت، و انت منتجعى ان حرمت، و بك استغاثتى ان كرثت، و عندك ممافات خلف، و لما فسد صلاح، و فيما انكرت تغيير فامنن على قبل البلاء بالعافيه، و قبل الطلب بالجده، و قبل الضلال بالرشاد، و اكفنى مئونه معره العباد، و هب لى امن يوم المعاد و امنحنى حسن الارشاد) \par العده بالضم: ما اعددته و هياته لحوادث الدهر من المال و السلاح و حزن حزنا من باب تعب و الاسم حزن بالضم فهو حزين، و يتعدى فى لغه قريش بالحركه يقال: حزننى الامر يحزننى من باب قتل، و فى لغه تميم بالالف فيقال: احزننى الامر، و منع \par
020    20    ابوزيد استعمال الماضى من الثلاثى متعديا فقال: لا يقال: حزنه و انما يستعمل المضارع من الثلاثى فيقال: يحزنه. و الحزن: كيفيه نفسانيه تحصل لوقوع مكروه او فوات محبوب فى الماضى. و المنتجع بفتح الجيم. اسم مفعول من انتجعت فلانا اذا طلبت معروفه. و حرمت زيدا المعروف من باب ضرب يتعدى الى مفعولين حرمانا بالكسر فهو محروم اى منعته اياه. و استغاث به: طلب ان يغيثه اى يعينه و ينصره فهو مغيث له. و كرثه الغم بالثاء المثلثه من باب قتل: اشتد عليه و اقلقه و بلغ منه المشقه، و يعدى بالهمزه ايضا فيقال: اكرثه و تقديم الظرف للتخصيص اى بك استغاثتى لا بغيرك، و قس عليه ما بعده. وفات الامر يفوت: ذهب، و الخلف بفتحتين اسم من اخلف الله عليه بالالف اى رد عليه ما ذهب فهو بمعنى العوض. \par و فى الحديث: اللهم اعط كل منفق خلفا، قال الكرمانى: هو بفتح اللام اى عوضا عاجلا مالا اودفع سوء او آجلا ثوابا، فكم من منفق فلا يقع له الخلف المالى انتهى. و فسد الشى ء مع باب قعد: خرج عن كونه منتفعا به و مقابله الصلاح و هو الحصول على الحاله المستقيمه النافعه. و انكرت عليه فعله انكارا: عتبته و هجمته. و غيرته الشى ء تغييرا: ازلته عما كان عليه فتغير، يعنى انك قادر على تغيير ما لا ترتضيه بما ترتضيه و فى امثالهم: من انكر غير. و من عليه بالعتق منا من باب قتل و امنن عليه به ايضا: انعم عليه به. و الفاء فصيحه اى اذا كنت بهذه الصفات فانعم على قبل حصول البلاء بالعافيه، و المراد بالبلاء هنا: الاصابه بالمكروه. و العافيه: دفع الله تعالى عن العبد ما يكرهه و كل منهما يكون جسمانيا و نفسانيا. و الجده: الغنى يقال وجد يجد جده: اذا استغنى غنى لافقر بعده. و الضلال: فقدان ما يوصل الى المطلوب، و قيل: سلوك طريق لا يوصل الى المطلوب. و الرشاد: اسم من رشد يرشد رشدا من باب تعب و رشد يرشد من باب قتل: اذا اهتدى و عرف الصواب. و المئونه: قيل من مانه يمونه اذا قام بكفايه امره، و المعره: مفعله من عر فلان فلانا: اذا شانه و الحق به عيبا، و تطلق على الامر القبيح المكروه، و على الفساد و المشقه، و اضافتها الى العباد من باب الاضافه الى الفاعل و المعنى: ادفع عنى مئونه ما يلحقنى من العباد من العيب و \par
020    20    المكروه و المشقه و الفساد. و منحه يمنحه منحا من بابى نفع و ضرب: اعطاه و حسن الارشاد: حسن الهدايه و الدلاله على الصواب. \par
021    20    (لا شى ء من الملل الا و فيه نوع مما يرضى الله تعالى كالاعتراف بالله و...) \par (اللهم صل على محمد و آله، و ادراعنى بلطفك، و اغذنى بنعمتك، و اصلحنى بكرمك، و داونى بصنعك، و اظلنى فى ذراك، و جللنى رضاك، و وفقنى اذا اشتكلت على الامور لاهداها، و ادا تشابهت الاعمال لازكاها، و اذا تناقضت الملل لارضاها) \par درا الشى ء درا من باب نفع: دفعه و حذف المفعول للتعميم مع الاختصار اى ادراعنى كل سوء. و اللطف: الرفق و البر. و غذوت الصبى باللبن فاغتذى اى ربيته به، و غذ يته بالتثقيل مبالغه، و الغذاء: ما يغتذى به من الطعام و الشراب و هو ما به نماء الجسم و قوامه. و النعمه: ما قصد به الاحسان و النفع. و الاصلاح: اعاده ما فسد الى الصلاح. و الكرم: افاده ما ينبغى لا لغرض. و داويته مداواه: عالجته بالدواء و هو ما يتداوى به لدفع المرض، و حذف متعلق المرض للتعميم اى داونى من كل داء جسمانى و نفسانى. و الصنع بالضم و الصنيعه: ما اصطنع من خير و احسان، يقال: ما احسن صنع الله عندك. و اظله: ستره عن الشمس، و القى عليه ظله، و الذرى: كل ما استترت به، يقال: انا فى ظل فلان و فى ذراه او فى كنفه و ستره، و قال الفارابى فى ديوان الادب: الذرى: الظل. و المعنى: استرنى فى سترك و كنفك. و جللنى رضاك، اى البسنى اياه و غطنى به. و اشتكلت الامور: التبست. و اهدى الامور: اقربها الى الصواب، او اعظمها دلاله على الحق. و تشابهت الاشياء، و اشتبهت: اشبه كل منها الاخر فالتبست. و از كاها: اطهرها، او اكثرها نفعا و زياده فى الثواب. و تناقض الكلامان: تدافعا كان كل واحد نقض الاخر اى ابطله، و فى كلامه تناقض اذا كان بعضه يقتضى ابطال بعض. و الملل: جمع مله و هى المذهب. و ارضاها اى اعظمها ارضاء لك او اعظم ما ترضاه منها. \par فان قلت: افعل التفضيل انما يصح فى شيئين يشتركان فى معنى ثم يكون للمفضل فضل على الاخر فيه، و كيف يتصور فى غير هذه المله؟ حتى يستقيم هذا التفضيل؟ \par
021    20    قلت: لا شى ء من الملل الا و فيه نوع مما يرضى الله تعالى او يرضاه الله تعالى كالاعتراف بالله سبحانه و مكارم العادات و قوانين السياسات الا ان بعض الخلل ابطل الكل و ينهدم بانهدام الجزء فصح التفضيل و الله اعلم. \par
022    20    (المراد بالهدايه و معنى صدق الهدايه) \par (اللهم صل على محمد و آله و توجنى بالكفايه، و سمنى حسن الولايه، وهب لى صدق الهدايه، و لا تفتنى بالسعه، و امنحنى حسن الدعه، و لا تجعل عيشى كدا كدا، و لا ترد دعائى على ردا فانى لا اجعل لك ضدا، و لا ادعو معك ندا). \par توجه. البسه التاج و هو ما يصاغ للملوك من الذهب و الجوهر فتضعه على روسها و الكفايه: الاستغناء من كفى الشى ء يكفى كفايه: اذا حصل به الاستغناء عن غيره، شبه الكفايه فى نفسه بالتاج فى الاجلال و التوقير و العظمه و دل على ذلك بالتتويج فتكون استعاره بالكنايه. و سامه الامر يسومه: اولاه اياه. \par و الولايه بالفتح و الكسر: مصدر وليت الشى ء اذا قمت به، و قال سيبويه: الولايه و الولايه بالفتح و الكسر ايضا: النصره و اراده هذا المعنى محتمل هنا اى اولنى حسن نصرتك لى. و الصدق فى اللغه: مطابقه الحكم للواقع و قد يراد به مطلق الجوده و هو المراد هنا، و ذلك لما كان الصدق فى الحديث مستحسنا جدا عندهم صاروا يستعملونه فى مطلق الجوده حتى قالوا: خل صادق الحموضه و عنب صادق الحلاوه. و قيل: الصدق ان لا يكون فى احوالك شوب، و لا فى اعتقادك ريب و لا فى اعمالك عيب، و اراده هذا المعنى هنا حسنه. \par و المراد بالهدايه: اما اهتدائه او هدايه الله له و هدايته هو لغيره فيكون المراد بصدقها على المعنى الاول: الثبات عليها، و الرسوخ فيها، و على المعنيين الاخرين: الايصال الى المطلوب اذ كان الصحيح انها عباره عن الدلاله على ما من شانه الايصال الى البغيه من غير ان يشترط فى مدلولها الوصول و لذلك كانت الدلالات التكوينيه المنصوبه فى الافاق و الانفس و البينات التشريعيه الوارده فى الكتب السماويه \par
022    20    على الاطلاق بالنسبه الى البريه كافه برها و فاجرها هدايات حقيقيه فايضه من عند الله جل جلاله. \par و يحتمل ان يراد بصدق الهدايه هنا الهدايه الخاصه و هى كشف الاسرار على قلب المهدى بالوحى او الالهام و هى مرتبه صاحب الدعاء عليه السلام و من هو فى رتبته. و لا تفتنى بالسعه، اى لا تضلنى بالغنى، و قد تقدم ان الفتنه هى الضلال عن الحق بمحبه امر مامن الامور الباطله و الاشتغال به عما هو الواجب من سلوك سبيل الله تعالى. و المنح: العطاء منحه من بابى نفع و ضرب. و الدعه: الراحه و خفض العيش و الهاء عوض عن الواو تقول منه ودع الرجل من باب حسن فهو وادع اى مستريح لاكلفه عليه. و الكد: الشده و التعب كد فى عمله كدا اذا جهد و تعب و كرر الكد لدلاله التكرير على التتابع و التكثير اى كدا متتابعا كقوله تعالى: كلا اذا دكت الارض دكا دكا اى مره بعد اخرى و ليس الثانى تاكيدا للاول فيها كما توهمه كثير من الناس. و الظاهر ان المراد بالضد هنا: المخالف و بالند المماثل، قال الزمخشرى و النيسابورى: معنى قول الموحد ليس لله ضد و لا ند نفى ما يسده مسده و نفى ما ينافيه و الله اعلم. \par
023    20    (مدار هذا الفصل من الدعاء على سوال صيانه المال و توفيره و...) \par (اللهم صل على محمد و آله، و امنعنى من السرف و حصن رزقى من التلف و وفر ملكتى بالبركه فيه و اصب بى سبيل الهدايه للبر فيما انفق منه) \par منعه من الامر: كفه عنه، و السرف محركه: اسم من اسرف اسرافا: اذا جاوز الحد فى النفقه و غيرهما و المراد به هنا الاول و يرادفه التبذير و قد تقدم الكلام عليه مبسوطا و حصنه تحصينا: حماه و منعه. و الرزق: ما اعطى الله عبده و امكنه من التصرف فيه و تلف تلفا من باب تعب: هلك وفنى فهو تالف و اتلف ما له افناه و رجل متلف لما له و متلاف للمبالغه. و المراد بتحصين الرزق من التلف صونه عن الضياع و الهلاك اما بالهام صاحبه ادب الانفاق فينفق منه بدون تبذير ياتى عليه او يحفظه من حوادث \par
023    20    الدهر كالنهب و السرقه. و الملكه محركه: هى القيام بالمماليك و ما يملك من ذات اليد، قال عليه السلام: حسن الملكه نماء و سوء الملكه شوم. و المراد بتوفير الملكه توفير متعلقها اعنى ما يملك و هو الرزق المقدم ذكره. \par و ايقاع التوفير عليها مجاز عقلى نحو قوله تعالى: و لا تطيعوا امر المسرفين جعل الامر مطاعا و انما المطاع فى الحقيقه هو الامر، و من لم يهتد لهذا المعنى مع وضوحه جعل الملكه بمعنى الملك و هو خطاء صريح. و فى نسخه: و وفر ملكى فيكون نسبه التوفير اليه حقيقه. و البركه: الزياده و النماء، و الضمير من فيه راجع الى الرزق. و اصب بى سبيل الهدايه اى اقصدنى و ام بى طريق الهدايه من الاصابه بمعنى القصد. و البر: الخير و الاتساع فى الاحسان. و الانفاق صرف المال فى الحاجه و ضمير منه للرزق. \par و اعلم: ان مدار هذا الفصل من الدعاء على سوال صيانه المال و توفيره و انفاقه فى ابواب البر، و لما كان قوام العباد فى امر المعاش و المعاد ظاهر النفع فى باب الحسنات بين الجدوى فى اسباب الخيرات و عن هذا سماه الله خيرا من مواضع من كتابه سئل عليه السلام منعه فيه عن الصرف وصونه عن التلف و توفير المكله بالبركه. \par ثم لما كان الغرض من المال اقامه اوامر الله تعالى و مرضياته من اداء الحج و اراقه دماء القرابين و الشفقه على ضعفاء المسلمين و صله الرحم و قرى الضيف الى غير ذلك من ابواب البرسئل عليه السلام اصابته سبيل البر فيما ينفق منه، و هذا المعنى حمل سليمان عليه السلام على ان سئل ربه جل جلاله ملكا لا ينبغى لاحد لا انه سئل ذلك لحب المال و صرفه الى لذات النفس و شهواتها حاشاه من ذلك. \par
024    20    (مدار هذا الفصل على سواله (ع): الاجمال فى الكسب و الطلب و...) \par (اللهم صل على محمد و آله، و اكفنى مونه الاكتساب، و ارزقنى من غير احتساب، فلا اشتغل عن عبادتك بالطلب، و لا احتمل اصر تبعات المكسب، اللهم فاطلبنى بقدرتك ما اطلب و اجرنى بعزتك مما ارهب. \par كفاه الامر: اذا قام به. و المونه: الثقل و المشقه، و كسب من باب ضرب كسب او اكتسب اكتسابا: طلب المعيشه، و فى الاكتساب مزيد اعتمال ناشى ء عن اعتناء النفس بتحصيل الغرض و سعيها فى طلبه، و الاحتساب: اما افتعال من حسبه من باب علم حسبانا بالكسر اى ظنه او من حسبه من باب قتل حسبا و حسبانا بالضم اى عده. \par روى عن الصادق عليه السلام فى قوله تعالى: و يرزقه من حيث لا يحتسب قال: يبارك له فيما آتاه. \par و عنه عليه السلام: ان الله عزوجل جعل ارزاق المومنين من حيث لا يحتسبون، و ذلك ان العبد اذا لم يعرف وجه رزقه كثر دعائه. \par و فى روايه: من آتاه الله برزق لم يخط اليه برجله، و لم يمد اليه يده، و لم يتكلم فيه بلسانه، و لم يشد اليه ثيابه، و لم يتعرض له كان ممن ذكر الله فى كتابه و من يتق الله يجعل له مخرجا، و يرزقه من حيث لا يحتسب \par قال بعضهم: و يحتمل ان يكون الاحتساب فى الدعاء بمعنى الحساب تلميحا الى قوله تعالى: ان الله يرزق من يشاء بغير حساب اى بغير تقدير لكثرته، او بغير استحقاق تفضلا منه. او من غير ان يكون لاحد عليه حساب او مطالبه، او بغير تعب و كد او بغير حساب عليه فى الاخره. \par و احتمل الشى ء على افتعله بمعنى حمله، و الاصر بالكسر: الحمل الثقيل الذى ياصر صاحبه اى يحبسه مكانه، و قيل: هو الثقل و الشده و التبعات: جمع تبعه على وزن كلمه قال صاحب المحكم: التبعه و التباعه: ما اتبعت به صاحبك من ظلامه و نحوها \par
024    20    و المكسب: مصدر ميمى بمعنى الكسب و اجاره اجاره: حفظه و آمنه. و رهب رهبا من باب تعب: خاف و الاسم: الرهبه. \par و مدار هذا الفصل على سوال الهامه عليه السلام الاجمال فى الكسب و الطلب، و صونه عن تحمل المشقه و ارتكاب المآثم فيهما. \par (بعض الاحاديث الوارده فى طلب الرزق) \par روى ثقه الاسلام فى الصحيح عن ابى جعفر عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه و آله فى حجه الوداع: الا ان روح الامين نفث فى روعى انه لا تموت نفس حتى تستكمل رزقها، فاتقوا الله و اجملوا فى الطلب، و لا يحملنكم استبطاء شى ء من الرزق ان تطلبوه بشى ء من معصيه الله فان الله تبارك و تعالى قسم الارزاق بين خلقه حلالا و لم يقسمها حراما فمن اتقى الله و صبراتاه الله برزقه من حله و من هتك حجاب الستر و عجل فاخذه من غير حله قص به من رزقه الحلال و حوسب عليه يوم القيمه. \par و عن اميرالمومنين عليه السلام: كم من متعب نفسه مقتر عليه، و مقتصد فى الطلب قد ساعدته المقادير. \par و الاخبار فى هذا المعنى كثيره جدا. و لا يتوهم انه عليه السلام سئل ترك الاكتساب مطلقا فان ذلك لا يجوز. فقد تظافرت الاخبار عنهم عليهم السلام: ان احد من لا يستجاب له رجل جلس فى بيته و قال يا رب ارزقنى، فيقال له الم آمرك بالطلب. \par و عن على بن عبدالعزيز قال قال لى ابوعبدالله عليه السلام: ما فعل عمرو بن مسلم؟ قلت: جعلت فداك، اقبل على العباده و ترك التجاره، فقال: ويحه اما علم ان تارك الطلب لا يستجاب له ان قوما من اصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله لما نزلت: و من يتق الله يجعل له مخرجا و يرزقه من حيث لا يحتسب اغلقوا الابواب و اقبلوا على العباده و قالوا قد كفينا، \par
024    20    فبلغ ذلك النبى صلى الله عليه و آله فارسل اليهم فقال: ما حملكم على ما صنعتم؟ فقالوا يا رسول الله تكفل لنا بارزاقنا فاقبلنا على العباده، فقال: انه من فعل ذلك لم يستجب له، عليكم بالطلب. \par و الروايات فى هذا الباب اكثر من ان تحصى. \par
026    20    (سال عليه السلام صون جاهه و عزه باليسار و عدم امتهان قدره و... بالاقتار) \par (اللهم صل على محمد و آله، وصن وجهى باليسار و لا تبتذل جاهى بالاقتار، فاسترزق اهل رزقك، و استعطى شرار خلقك فافتتن بحمد من اعطانى، و ابتلى بذم من منعنى و انت من دونهم ولى الاعطاء و المنع) \par هذا الفصل من الدعاء اورده السيد الرضى فى نهج البلاغه و نسبه الى اميرالمومنين صلوات الله عليه، الا ان بين الالفاظ اختلافا يسيرا و عباره النهج: و من دعائه عليه السلام: اللهم صن وجهى باليسار و لا تبذل جاهى بالاقتار فاسترزق طالبى رزقك، و استعطف شرار خلقك، و ابتلى بحمد من اعطانى و افتتن بذم من منعنى و انت من وراء ذلك ولى الاعطاء و المنع انك على كل شى ء قدير. صانه صونا حفظه و وقاه، و صان الرجل عرضه عن الدنس فهو صين، وصان الثوب: خلاف ابتذله. و الوجه هنا بمعنى الجاه. و منه كان لعلى عليه السلام وجه من الناس حياه فاطمه، قال ابن الاثير اى جاه و عز فقد هما بعدها. و اليسار بالفتح: الغنى و الثروه: و ابتذله: امتهنه و لم يصنه. و الجاه: القدر و المنزله و قتر على عياله قترا و قتورا من بابى ضرب و قعد و اقتر اقتارا و قتر تقتيرا اى ضيق فى النفقه، كل ذلك بمعنى واحد، و المراد هنا ضيق الرزق و الفقر. سال عليه السلام صون جاهه و عزه باليسار و عدم امتهان قدره و حرمته بالاقتار لاستلزام الغنى احترام صاحبه عند عامه الناس و استلزام الفقر مهانه المبتلى به عندهم. \par كلام اميرالمومنين عليه السلام لابنه محمد و بيان ان الغنى المطلوب فى الدعاء... \par و من كلام اميرالمومنين عليه السلام انه قال لابنه محمد يا بنى انى اخاف الفقر عليك فاستعذ بالله منه فان الفقر منقصه للدين، مدهشه للعقل، داعيه للمقت. \par
026    20    امره عليه السلام: بالاستعاذه من الفقر لما فيه من المكاره الثلثه: \par اما كونه منقصه للدين فللاشتغال بهمه و تحصيل ما به قوام البدن عن العباده: \par و اما كونه مدهشه للعقل فلانه محل دهشه العقل و حيرته و ضيق الصدر به و هو ظاهر. \par و اما كونه داعيه للمقت فلمقت الخلق و بغضهم لصاحبه. \par و اعلم ان الغنى المطلوب فى الدعاء له عليه السلام هو ما دفع ضروره الحاجه بحسب الاقتصار و القناعه و قام باوامر الله تعالى و مراضيه من الحج و الصدقات و صله الرحم و ما اشبه ذلك، و هذا هو الغنى المحمود الممدوح بقوله صلى الله عليه و آله: نعم المال الصالح للعبد الصالح لا المفهوم المتعارف بين ارباب الدنيا من جمع المال و ادخاره و الاتساع به فوق الحاجه فانه على هذا الوجه مذموم بل هو و بال على صاحبه. \par قال اميرالمومنين صلوات الله عليه: من آتاه الله منكم مالا فليحسن فيه الضيافه، و ليصل به القرابه، و ليصبر فيه على النائبه، و ليفك منه العانى و الاسير، و ليعطه ابن السبيل و الفقير فتلك تمام المروه و شرف الدنيا و الاخره. \par ثم الجاه ايضا له اعتباران: فما اريد الله و الاستعانه به على اداء حقوق الله و طاعته فهو الجاه المحمود الذى سال الله حفظه عليه باليسار و عدم الاقتار و هو الذى امتن الله سبحانه له على الانبياء كقوله: يا مريم ان الله يبشرك بكلمه منه اسمه المسيح عيسى بن مريم وجيها فى الدنيا و الاخره. \par و ما اريد به الفخر و التراوس فى الدنيا فهو المذموم. \par و فى الحديث النبوى صلى الله عليه و آله: اذا كان يوم القيمه دعى الله بعبد من عباده فيتوقف بين يديه فيساله عن جاهه كما يساله عن ماله. \par قوله عليه السلام فاسترزق اهل رزقك، الفاء للسببيه اى فبسبب ابتذال جاهى بالاقتار استرزق اهل رزقك الذين من شانهم ان يكونوا مرزوقين لا ان يطلب منهم الرزق، و استعطى شرار خلقك، الذين ليسوا باهل للاستعطاء. و ظاهر ان الحاجه قد يدعوا لى \par
026    20    ذلك. و فى بيانه عليه السلام لهذا السبب تاكيد للالتجاء بالله تعالى فى اعاذته من الفقر و صيانته عنه اذ كان فى استرزاق الخلق من الذل و الخضوع للمطلوب منه، و مهانه النفس و اشتغالها عن التوجه الى المعبود ما يجب ان يستعاذ بالله منه و يضرع اليه فى الوقايه عنه. \par و قد تواترت الروايات و الاثار و تطابقت الاخبار و الاشعار على ذم السوال و كراهيه بذل الوجه فى الطلب الى الناس خصوصا ممن لم يكن معروفا بالمعروف: \par فمن ذلك ما رواه ثقه الاسلام فى الصحيح عن ابى عبدالله عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه و آله ان الله تبارك و تعالى احب شيئا لنفسه و ابغضه لخلقه، ابغض لخلقه المسئله و احب لنفسه ان يسال و ليس شى ء احب الى الله عز و جل من ان يسال فلا يستحى احدكم ان يسال الله من فضله و لو شسع نعله. \par و روى عنه عليه السلام: اياكم و سوال الناس فانه ذل فى الدنيا و فقر تعجلونه و حساب طويل يوم القيمه. \par و عن الحسين بن ابى العلا قال قال ابوعبدالله عليه السلام رحم الله عبدا عف و تعفف و كف عن المسئله فانه يتعجل الدنيه فى الدنيا و لا يغنى الناس عنه شيئا. \par و فى الصحيح عن ابى جعفر عليه السلام: لو يعلم السائل ما فى المسئله ما سال احد احدا، و لو يعلم المعطى ما فى العطيه ما رد احد احدا. \par
027    20    (لما كان الفراغ من دواعى الفساد و.. سال عليه السلام ان يكون فراغه..) \par (اللهم صل على محمد و آله، و ارزقنى صحه فى عباده، و فراغا فى زهاده، و علما فى استعمال، و ورعا فى اجمال) \par الصحه فى البدن: حاله طبيعيه تجرى افعاله معها على المجرى الطبيعى و قد استعيرت للمعانى فقيل: صحت الصلوه اذا اسقطت القضاء. و صح العقد، اذا ترتب عليه اثره، وصح الخبر، اذا طابق الواقع. و العباده: اقصى غايه التذلل و الخضوع لله تعالى و منه طريق معبد اى مذلل سال عليه السلام ان تكون صحته مستعمله فى عبادته تعالى حذرا من صرفها فيما ليس لله فيه رضى. ففى الحديث: صحه الابدان و الابصار يسال الله \par
027    20    العباد فيما استعملوها و هو اعلم بذلك. و الفراغ: خلاص الانسان من المهمات، و المراد به هنا: الفراغ من المهمات الدنيويه. و الزهاده: الزهد و هو فى اللغه ترك الميل الى الشى ء لعدم الرغبه فيه، و فى الاصطلاح هو بغض الدنيا و الاعراض عنها، و قيل: هو ترك راحه الدنيا طلب الراحه الاخره، و سياتى الكلام عليه انشاء الله. \par و لما كان الفراغ من دواعى الفساد و بواعث طموح النفس الى راحه الدنيا، كما قيل: ان الشباب و الفراغ و الجده مفسده للمرء اى مفسده سال عليه السلام ان يكون فراغه منوطا بالرهاده محاطا بها احاطه الظرف بالمظروف حتى لا يكون شى ء منها خارجا عنها فلا يشتغل بشى ء من شهوات النفس الاماره و لا يلتفت الى ما يصرفه عن قبلته الحقيقيه. \par (العلم قسمان: علم عقلى و علم عملى) \par و المراد بالعلم هنا: ما تعلق بكيفيه العمل بدليل قوله فى استعمال فان العلم قسمان: علم عقلى كالعلم بذات الله سبحانه و افعاله و صفاته و هو مراد لنفسه. \par و علم عملى و هو المتعلق بكيفيه اعمال الطاعات و تروك المعاصى و السيئات و هو مطلق للعمل به. \par فالاول- علم حر مطلق لا تعلق له بالعمل بل هو نتيجه العمل و ثمرته و يسمى علم الوصول. \par و الثانى- علم خادم مقيد تعلق بالعمل و هو وسيله الى العمل و بدوه و يسمى علم السلوك، و لا يبعدان يراد بالعلم المسئول هنا المتعلق بمعرفه الله تعالى و ما يليق به و معرفه ما يجب معرفته عقلا و شرعا و هو الذى يجب التدين به و الاعتقاد له و العكوف عليه، و المحافظه له، ثم العمل بمقتضاه ان كان المقصود منه العمل فيصير بذلك عالما ربانيا كما قال تعالى: كونوا ربانيين قال الازهرى هم ارباب العلم الذين يعملون بما يعلمون و بهما يتحقق كمال الدين و تمامه كما قال اميرالمومنين صلوات الله و سلامه عليه: ان كمال الدين طلب العلم و العمل به. \par
027    20    و سر ذلك: ان الانسان بالعلم يعرف واضع الدين و حدوده و احكامه و لواحقه و شرايطه و مداخله و مخارجه و مصالحه و مفاسده، و بالعمل يحققه و يقيمه و يوجده و يضع كل واحد من اجزائه فى موضعه و يخرجه من حيز البطون الى حيز الظهور، فلو لا العلم بطل العمل و لو لا العمل بطل العلم و صار بلا فائده، و لهذا وردت الاخبار و الاثار مستفيضه بالحث على العمل بالعلم و ذم العلم بدون العمل: \par فمن ذلك ما رواه ثقه الاسلام فى الكافى بسنده الى صاحب الدعاء على بن الحسين عليهماالسلام انه قال مكتوب فى الانجيل: لاتطلبوا علم ما لا تعلمون و لما تعملوا بما علمتم، فان العلم اذا لم يعمل به لم يزدد به صاحبه الا كفرا و لم يزدد من الله الا بعدا. \par و عن اميرالمومنين عليه السلام: اذا علمتم فاعملوا بما علمتم لعلكم تهتدون. \par و عنه عليه السلام: من اخذ العلم من اهله و عمل به نجاو من اراد به الدنيا فهو حظه. \par و عن ابيعبدالله عليه السلام: ان العالم اذا لم يعمل بعلمه زلت موعظته عن القلوب كما يزل المطهر عن الصفا. و الورع: الكف عما لا ينبغى، و قوله عليه السلام: فى اجمال اى فى رفق و اقتصاد من اجمل فى الطلب: اذا رفق و اقتصد و لم يفرط. و المراد: ورعا غير خارج عن الاقتصاد الى حد الافراط فيخرج عن حقيقه الورع و لهذا قال بعض اهل التحقيق: قد يشتبه الورع بالوسواس و ذلك كمن كان له ثوبان احدهما لم يلحقه نجاسه و الاخر لحقته فغسله فيترك الصلوه فى المغسول لانه مسته نجاسه، و كمن قبل احديده فيغسلها و يقول ان الخروج من عهده التكليف يتوقف على غسلها لان من الجايز ان يكون من مسها نجسا و ظاهر ان مثل ذلك من الوسواس و ان عده بعض العامه من باب الورع. و يرى رجل بعرفات و بيده زبيبه و هو ينادى الا من ضاعت له زبيبه؟ فقيل له امسك فان هذا من الورع الذى يمقت الله عليه. \par
028    20    (من كتبه الله سعيدا... ختم له بالسعاده) \par (اللهم اختم بعفوك اجلى، و حقق فى رجاء رحمتك املى. و سهل الى بلوغ رضاك سبيلى، و حسن فى جميع احوالى عملى) \par
028    20    ختم الشى ء يختمه من باب ضرب: اتمه و انهاه، و ختمته به: جعلته خاتمه له و خاتمه كل شى ء: آخره. و المراد بالاجل هنا: مده العمر، و يطلق على وقت انقطاع الحيوه، و الغرض طلب حسن الخاتمه و سعاده العاقبه لما تقرر كل من مات على شى ء حكم له به من خير و شر. \par و فى الحديث عن ابى عبدالله عليه السلام ان من كتبه الله سعيدا و ان لم يبق من الدنيا الافواق ناقه ختم له بالسعاده. \par و حققت حذره و امله من باب قتل و احققته احقاقا و حققته تحقيقا: اذا فعلت ما كان يحذره و يامله. و الرجاء: تعلق القلب بحصول امر محبوب فى المستقبل قريب لحصول اكثر اسبابه. و الامل ابعد منه و لذلك سال عليه السلام تحقيق الامل الذى هو بعيد بالنسبه الى الرخاء و جعل الرجاء هو المامول و ذلك لشده الاشفاق و الخوف حتى كان الرحمه التى تعلق قلبه بحصولها لم يحصل لديه اكثر اسبابها فيرجوها بل يامل رجائها المستلزم لحصول اكثر اسبابها. و السهل: خلاف الحزن و هو ما غلظ من الارض و صعب سلوكه، و سهل الطريق تسهيلا جعله سهلا. و السبل بضمتين جمع سبيل و هو الطريق و فرق بينهما بان السبيل اغلب وقوعا فى الخير و لا يكاد اسم الطريق يراد به الخير الا مقترنا بوصف او اضافه تخلصه لذلك كقوله تعالى: يهدى الى الحق و الى طريق مستقيم و المراد بالسبل: الطاعات و الخيرات و الاسباب التى يكتسب بها العبد الملكات الفاضله الموصله الى رضاه تعالى و بتسهيلها توفيقه للقيام بها من غير مشقه و عسر. و الاحوال: جمع الحال و المراد بها هنا المعنى اللغوى و هو الوصف حالا كان او ملكه فيعم الصحه و المرض و السرور و الحزن و الحلم و الغضب و غير ذلك من الكيفيات النفسانيه راسخه كانت اوزايله و بتحسين العمل توفيقه لتاديه ما توجبه المعرفه شرعا او عرفا من الاعمال باحسن جهاتها و بمقدار تمامها. \par
029    20    (عله عدم معاجله الله العباد بالعقاب... فى هذه الحيوه الدنيا) \par (اللهم صل على محمد و آله، و نبهنى لذكرك فى اوقات الغفله، و استعملنى بطاعتك فى ايام المهله، و انهج لى الى محبتك سبيلا سهله اكمل \par
029    20    لى بها خير الدنيا و الاخره) \par نبه للامر نبها من باب تعب: فطن له، و نبهته له و عليه تنبيها فطنته: و الذكر عباره عن وجد ان المذكور و حضوره فى القلب، و الغفله عن الشى ء عدم خطوره بالبال، و قيل متابعه النفس على ما تشتهيه، و قيل ابطال الوقت بالبطاله. و المهله بالضم: التاخير و الانظار، يقال امهلته امهالا و مهلته تمهيلا: انظرته و اخرت طلبه و المراد بايام المهله: مده العمر و ايام حيوته فى الدنيا. \par و اعلم انه لما كان غرض العنايه الالهيه سوق كل ناقص الى كماله اقتضت عنايته سبحانه عدم معاجله العباد بالعقاب و الانتقام و الاخذ بالذنوب و المعاصى فى هذه الحيوه الدنيا ليراجعوا التوبه و يرجعوا الى الانابه فكانه سبحانه انظرهم ببقائهم فى الدنيا و امهلهم مده حيوتهم فيها فلذلك عبر عن مده العمر بايام المهله. \par و نهجت الطريق انهجه من باب منع و انهجته انهاجا: اوضحته و ابنته. و محبه العبد لله تعالى قيل هى ارادته لطاعته و امتثال اوامره و نواهيه، و قال المحققون: هى كيفيه روحانيه مترتبه على تصور الكمال المطلق الذى فيه على الاستمرار، و مقتضيه للتوجه التام الى حضره القدس بلا فتور و فرار. و اما محبه لغيره فكيفيه ترتب على تخيل كمال فيه من لذه او منفعه او مشاكله تخيلا مستمرا كمحبه العاشق للمعشوق و المنعم عليه لمنعمه و الوالد لولده و الصديق لصديقه و قد سلف الكلام على هذا المطلب و السبيل تونث و تذكر. و الكمال: التمام، و اكمال الشى ء: اتمامه، و فرق بعضهم بينهما فقال: الاتمام لازاله نقصان الاصل و الاكمال لازاله نقصان العوارض بعد تمام الاصل و لهذا كان قوله تعالى: تلك عشره كامله احسن من تامه فان التام من العدد قد علم و انما نفى احتمال نقص فى صفاتها، و قيل: تم يشعر بحصول نقص قبله و كمل لا يشعر بذلك. و الضمير من بها راجع اما الى المحبه او السبيل. \par (ليس المراد بخير الدنيا ما يتبادر الى اكثر الاذهان بل المراد...) \par و اعلم انه ليس المراد بخير الدنيا ما يتبادر الى اكثر الاذهان من المعنى المشهور \par
029    20    فى العرف العام و هو كثره المال و القينات الدنيويه بل المراد به ما كان وسيله الى خير الاخره الذى هو السعاده الاخرويه. \par كما قال اميرالمومنين عليه السلام و قد سئل عن الخير ما هو؟ ليس الخير ان يكثر مالك و ولدك ولكن الخير ان يكثر علمك و ان يعظم حلمك و ان تباهى الناس بعباده ربك فان احسنت حمدت الله، و ان اسات استغفرت الله. و لا خير فى الدنيا الا لرجلين: رجل اذنب ذنوبا فهو يتداركها بالتوبه، و رجل سارع فى الخيرات، و لا يقل عمل مع التقوى و كيف يقل ما يتقبل. \par فتراه عليه السلام كيف حصر خير الدنيا فى امرين: \par احدهما- الاشتغال بمحو السيئات و اعدامها و تدارك ما فارط الذنوب بالتوبه فتستعد النفس بذلك لاكتساب الحسنات. \par الثانى- الاشتغال باكتساب الحسنات و المسارعه فى فعل الخيرات ليفوز بالسعاده الاخرويه و لا واسطه من الخير المكتسب بين هذين الامرين، و لما كانت محبته تعالى مستلزمه للتوجه التام الى حضرته المقدسه من غير فتور و لا كلال كانت سببا لكمال خير الدنيا بهذا المعنى و لكمال خير الاخره بالطريق الاولى. \par و روى ثقه الاسلام فى الكافى بسنده عن ابى جعفر عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه و آله قال الله عز و جل: اذا اردت ان اجمع للمسلم خير الدنيا و الاخره جعلت له قلبا خاشعا و لسانا ذاكرا و جسدا على البلاء صابرا و زوجه مومنه تسره اذا نظر اليها و تحفظه اذا غاب عنها فى نفسها و ماله. \par
030    20    (المراد بالحسنتين فى الايه الشريفه) \par (اللهم صل على محمد و آله، كافضل ما صليت على احد من خلقك قبله و انت مصل على احد بعده، و آتنا فى الدنيا حسنه و فى الاخره حسنه و قنى برحمتك عذاب النار \par الجار و المجرور من كاف التشبيه و افعل التفضيل فى محل نصب على انه صفه لموصوف محذوف و هو مصدر منصوب بصل و التقدير: صل على محمد و آله صلوه كائنه كافضل ما صليت فحذف المصدر و نابت صفته منابه فهى ظرف مستقر متعلق بمحذوف \par
030    20    وجوبا. هذا هو المشهور فى اعراب نحو ذلك. و ما موصول اسمى بمعنى التى و العائد محذوف و حذفه مطرد كثير فى باب الصله و التقدير: كافضل الصلوه التى صليتها على احد من خلقك. و الواو من قوله: و انت مصل، عاطفه و الجمله معطوفه على الموصول و هى صله لموصول محذوف اى و ما انت مصل كقوله تعالى: آمنا بالذى انزل الينا و انزل اليكم اى و الذى انزل اليكم لان الذى انزل الينا ليس هو الذى انزل الى من قبلنا. و كذلك ما نحن فيه لان الصلوه التى صليها على احد قبله غير الصلوه التى يصليها على احد بعده، و العائد محذوف من قوله: مصل، و التقدير: و الصلوه التى انت مصليها على احد بعده، و يحتمل ان تكون ما مصدريه فلا تحتاج الى عائد و التقدير: كافضل صلواتك على احد و تكون جمله قوله: و انت مصل، معطوفه على المصدر و بتقدير ما المصدريه اى و ما انت مصل. \par و اعلم ان الغرض من التشبيه فى الصلوه هنا ان يختص نبينا و آله صلوات الله عليهم بافضل صلوه مماثله لافضل الصلوات التى عمت الخلق فينطبق الكلام على القاعده المقرره المشهوره من وجوب كون المشبه به اقوى من المشبه، اذ لا ريب ان الصلوه العامه للكل من حيث العموم اقوى من الخاصه بالبعض. \par قوله عليه السلام: و آتنا فى الدنيا حسنه و فى الاخره حسنه، اقتباس من قوله تعالى: فمن الناس من يقول ربنا آتنا فى الدنيا و ماله فى الاخره من خلاق، و منهم من يقول ربنا آتنا فى الدنيا حسنه و فى الاخره حسنه و قنا عذاب النار، اولئك لهم نصيب مما كسبوا و الله سريع الحساب قيل المراد بالحسنتين اما فى الدنيا فالصحه و الامن و الكفايه و الولد الصالح و الزوجه الصالحه و النصر على الاعداء، و اما فى الاخره فالفوز بالثواب و الخلاص من العقاب. و لكون دفع الضرر اهم من جانب النفع صرح بذلك فى قوله: وقنا عذاب النار. \par
001    21    الدعاء الحادى و العشرون \par من ادعيه الصحيفه السجاديه عليه آلاف الثناء و التحيه، و هو دعائه (ع) اذا حزنه امر، و اهمته الخطايا \par \par
001    21    بسم الله الرحمن الرحيم \par
001    21    (المراد بلقائه تعالى: المصير و البعث اليه و الوقوف بين يديه) \par قال صلوات الله عليه (اللهم يا كافى الفرد الضعيف، و واقى الامر المخوف افردتنى الخطايا فلا صاحب معى، و ضعفت عن غضبك فلا مويد لى، و اشرفت على خوف لقائك فلا مسكن لروعتى، \par كفى تكون بمعنى اجزا و اغنى و بمعنى وقى فالاولى متعديه لواحد كقوله: قليل منك يكفينى، و الثانيه متعديه لاثنين كقوله تعالى: و كفى الله المومنين القتال فان جعلت قوله عليه السلام: يا كافى الفرد الضعيف من الاولى فالمعنى يا مجزيه و مغنيه عن كل صاحب و مويد، و ان جعلته من الثانيه فمعناه: يا واقى الفرد الضعيف كل مهم فحذف المفعول للتعميم مع الاختصار بقرينه ان المقام مقام المبالغه. و الفرد: المتفرد عن الاصحاب و الانصار فلا صاحب له و لا ناصر، قال تعالى و كلهم آتيه يوم القيمه فردا اى وحيدا مفردا لا مال له و لا ولد و لا ناصر. و الضعيف: من لا قوه له من الضعف بفتح الضاد فى لغه تميم و ضمها فى لغه قريش بمعنى خلاف القوه لا خلاف الصحه. و وقاه الله السوء: صانه و حفظه منه و هو متعد لاثنين، و لم يذكر المفعول الاول فى الدعاء للعلم به فحذفه و اضافه الصفه الى المفعول الثانى و التقدير: واقى العباد الامر المخوف. و افردته افرادا صيرته فردا، و الفاء للسببيه اى فبسبب ذلك لا صاحب معى و قس عليه ما بعده. و المراد ان الخطايا جعلته منفردا بتحملها و خوف عقوباتها لا صاحب له يساعده على حمل اوزارها و لا دفع عقابها فهو منفرد بهم نفسه و لا يهم غيره ما اهمه منها، و ليس المراد بنفى الصاحب \par نفى المتصف بالصحبه الظاهريه فانه خلاف الظاهر بل الواقع. و ضعف عن الشى ء ضعفا مثل قرب قربا: عجز عن احتماله فهو ضعيف. و ايده تاييدا: قواه و اشرف على الشى ء اشرافا: اطلع عليه. و المراد بلقائه تعالى: المصير و البعث اليه و الوقوف بين يديه، و بخوفه: خوف سوئه اى خوف سوء لقائك. و سكنت الشى ء تسكينا: جعلته ساكنا بعد حركته، و الروع: الفزع و الخوف راعه الشى ء روعا من باب قال: افزعه و الروعه: الفزعه و تسكين الروعه عباره عن ازاله الخوف. \par
002    21    و من يومنى منك و انت اخفتنى و من يساعدنى و انت افردتنى؟ و من يقوينى و انت اضعفتنى؟) \par و الواو من قوله: و من يومننى، استينافيه، و فى قوله: و انت اخفتنى، حاليه و من للاستفهام الانكارى و المعنى فيه على النفى و ما بعده منفى اى لا يومننى منك احد و الحال انك انت المخيف لى قيل اخافته تعالى هو ما تضمنته آيات الوعيد كما قال سبحانه ذلك يخوف الله به عباده يا عباد فاتقون و هو محتمل غير ان الظاهر ان اسناد كل من الاخافه و الافراد و الاضعاف اليه سبحانه من باب الغناء عن ملاحظه الوسائط و مشاهده الافعال و الترقى عن مقام الصفات الى ملاحظه الذات الا تراه؟ اسند اولا افراده الى الخطايا لكون ارتكابها سببا لانفراده و الاضعاف الى الغضب و الاخافه الى سوء اللقاء فلاحظ الوسائط و الافعال و الصفات ثم اعرض عن ذلك و قطع النظر عنه و استانف الكلام راقبا الى الذات فقال و من يومننى منك و انت اخفتنى؟. \par
003    21    (ان فرار العبد الى الله تعالى على مراتب) \par (لا يجر يا الهى الا رب على مربوب، و لا يومن الاغالب على مغلوب، و لايعين الا طالب على مطلوب، \par اجرت فلانا على فلان: اذا اغثته منه و منعته عنه. و كلمه على تفيد الاستعلاء و القدره و التسلط كانه اغاثه و منعه منه قادرا على كفه عنه متسلطا عليه فى المنع منه. و قوله عليه السلام: و لا يومن الاغالب على مغلوب، اى لا ينفذ الا امان الغالب على المغلوب. \par فان قلت: ما معنى كونه سبحانه طالبا و كون من عداه مطلوبا؟ \par قلت: يجوز ان يكون طلبه تعالى لمن سواه عباره عن حكمه برجوعه اليه و حسابه و جزائه على اعماله فمثلت تلك الحال بحال الطالب للشى ء المريد لحصوله لديه، \par
004    21    و بيدك هربى يا الهى جميع ذلك السبب، و اليك المفر و المهرب فصل على محمد و آله و اجر و انجح مطلبى) \par و قوله عليه السلام: و بيدك جميع ذلك السبب، اى فى قدرتك و تصرفك، و السبب: اسم لما يتوصل به الى المقصود و هو عطف بيان لذلك. و قوله: و اليك المفر و المهرب اى اليك الفرار و الهرب و هما مصدر ان ميميان بمعنى و عطف الثانى على الاول من عطف الشى ء على مرادفه نحو: عوجا و لا امتا و فائدته التاكيد لان ذكر الشى ء مرتين يفيد التاكيد. \par اعلم ان فرار العبد الى الله تعالى على مراتب: \par فاولها- الفرار من بعض آثاره الى بعض كالفرار من اثر غضبه الى اثر رحمته كما قال تعالى حكايه عن المومنين فى التضرع اليه: ربنا و لا تحملنا مالا طاقه لنا به و اعف عنا و اغفرلنا و ارحمنا الايه فكانهم لم يروا الا الله تعالى و افعاله ففروا من بعضها الى بعض. \par الثانيه- ان يفنى العبد عن مشاهده و يترقى فى درجات القرب و المعرفه الى مصادر الافعال و هى الصفات فيفر من بعضها الى بعض. \par الثالثه- ان يترقى عن مقام الصفات الى ملاحظه الذات فيفر منها اليها كقوله تعالى: لا ملجا من الله الا اليه \par فهذه ثلث مراتب للفرار الى الله تعالى، و المرتبه الثالثه هى اول مقام الوصول الى ساحل العزه ثم للسباحه فى لجه الوصول الى درجات لا تتناهى و الله اعلم. و قوله عليه السلام: و اجر هربى، ايقاع الاجاره على الهرب مجاز عقلى فان الاجاره انما تكون للهارب لا للهرب و لكن جعلها للهرب لتلبسها به نحو: آمن خوفى. و انجحت مطلبه انجاحا قضيت حاجته. \par
005    21    (معنى القضاء، و حصره عليه السلام اسباب الفوز بمحبه الله سبحانه) \par (و رضاه فى الطاعه التى..) \par (اللهم انك ان صرفت عنى وجهك الكريم، او منعتنى فضلك الجسيم او حظرت على رزقك او قطعت عنى سبيك لم اجد السبيل الى شى ء من املى غيرك و لم اقدر ما عندك بمعونه سواك، فانى عبدك و فى قبضتك ناصيتى بيدك، \par صرفه صرفا من باب ضرب: رده و قلبه، و صرف الوجه فيمن يجوز عليه ذلك كنايه عن الاستهانه و السخط لان من اكرم انسانا و رضى عنه اقبل بوجهه عليه و من استهان به و سخط عليه صرف و جهه عنه ثم كثرو اشتهر حتى صار الاقبال عباره عن الاكرام و الاحسان و صرف الوجه عباره عن الاستهانه و السخط و ان لم يكن ثم اقبال و لا صرف ثم جاء فيمن لا يجوز عليه ذلك مجردا فجاء الاقبال بمعنى الرضا و الاحسان فى نخو: و اقبل على بوجهك ذى الجلال و الاكرام، و صرف الوجه بمعنى الاستهانه و السخط كما فى عباره الدعاء. و الجسيم فى الاصل: العظيم الجسيم ثم استعمل فى المعانى فقيل امر جسيم اى عظيم. و حظرته حظر امن باب قتل: منعته و منه: و ما كان عطاء ربك محظورا اى ممنوعا. و السبب فى اللغه: الحبل ثم استعير لكل ما يتوصل به الى المطلوب، و المراد بسببه تعالى هنا: رحمته و فضله. و وجد مطلوبه يجده من باب وعد وجودا و وجدانا بالكسر: ادركه و ظفر به. و المراد بالسبيل هنا: الوسيله عبر عنها بالسبيل لتوجه النفس اليها و كونها موصله الى المطلوب. و الامل بمعنى المامول من باب اطلاق المصدر على المفعول كاللفظ بمعنى الملفوظ. و غير: اداه استثناء بمعنى الا و نصبها اما على الاستثناء او على البدل من المستثنى منه و هو السبيل لانها تعرب اعراب الاسم التالى لالا. و قدرت على الشى ء اقدر من باب ضرب: قويت عليه و تمكنت منه. و المعونه: اسم من اعانه اى ساعده و وزنها مفعله بضم العين، و بعضهم يجعل الميم فيها اصليه و يقول وزنها فعوله ماخوذه من الماعون و هو فاعول من المعن بمعنى \par العطاء، و منهم من يقول: الماعون اصله المعونه و الالف عوض عن الهاء. و سوى بمعنى غير التى هى صفه اى بمعونه احد غيرك. و الفاء بمعنى لام التعليل اى لانى عبدك و العبد: المملوك. و فى قبضتك اى فى ملكك واصله من القبض و هو الامساك باليد. و الناصيه: الشعر المسترسل فى مقدم الراس، و معنى ناصيتى بيدك: انى تحت قدرتك و تسخيرك فهو تمثيل لقدرته سبحانه عليه بصرفه كيف يشاء غير مستعص عليه كما قال تعالى: ما من دابه الا هو آخذ بناصيتها اى الا هو مالك لها قادر عليها يصرفها على ما يريد بها. \par
006    21    لا امر لى مع امرك ماض فى حكمك، عدل فى قضائك و لا قوه لى على الخروج من سلطانك، و لا استطيع مجاوزه قدرتك و لا استميل هواك و لا ابلغ رضاك و لا انال ما عندك الا بطاعتك و بفضل رحمتك \par قوله عليه السلام: لا امر لى مع امرك، قال بعضهم: معناه: لا امر لى مخالفا لامرك او موافقا ايضا اذا كنت انت الامر. و مضى الامر مضيا: نفذ. و الحكم: مصدر حكم الحاكم عليه بكذا: اذا قضى عليه به واصله المنع كانه منعه من خلافه فلم يقدر على الخروج منه اى نافذ فى حكمك لا استطيع رده و لا الخروج منه. و القضاء اما بمعنى المقضى اذ قد يقال هذا قضاء الله اى مقضيه او بمعنى الامر من قضى بمعنى امر كقوله تعالى: و قضى ربك ان لا تعبدوا الا اياه او بمعنى ستر ما كان و ما يكون فى اللوح المحفوظ بالقلم الالهى و على كل تقدير لما كان العدل عباره عن التوسط فى الافعال و الاقوال بين طرفى الافراط و التفريط و كان ما قضاه الله تعالى و حكم بوقوعه عليه اوامره به و نهاه عنه اى ما سطره مما كان او يكون من شانه فى اللوح المحفوظ جاريا على وفق الحكمه و النظام الاكمل لاجرم كان قضائه فيه باى معنى حملته عليه غير منسوب الى احد طرفى الافراط و التفريط بل كان على حاق الوسط منهما و هو العدل. و السلطان: قدره الملك و موضع تسلطه اى لا استطيع الخروج من قدرتك و من حيطه ملكك كما قال تعالى: يا معشر الجن و الانس ان استطعتم ان تنفذوا من اقطار السموات و الارض فانفذوا لا تنفذون الا بسلطان اى ان قدرتم على ان تهربوا من قضائى و تخرجوا من ملكوتى و من اقطار سمواتى و ارضى فانفذوا و خلصوا انفسكم من عقدتى و انى لكم ذلك؟ و انتم لا تقدرون على النفوذ الا بسلطان و قوه و قهر و ليس لكم شى ء من ذلك. و جاوزت الشى ء مجاوزه و تجاوزته: \par
006    21    تعديته اى لا استطيع ان اتعدى قدرتك و استعصى عليها بل انت قادر على ما تريد منى سواء كان محبوبا لى او مكروها. استماله: استعطفه اى طلب ميله اليه اى محبته من مال اليه بمعنى احبه. و الهوى مقصورا: مصدر هويته من باب تعب اذا احببته و المعنى لا اقدر على استعطاف محبتك و جعلها مايله الى. و بلغ مراده بلوغا من باب قعد: ادركه و وصل اليه. و نال مطلوبه يناله ميلا من باب تعب: ادركه. و المراد بما عنده سبحانه: خزاين رحمته الدنيويه و الاخرويه المشار اليها بقوله تعالى: ما عندكم ينفد و ما عند الله باق اى لا نفاد له اما الاخرويه فظاهره و اما الدنيويه فحيث كانت موصوله بالاخرويه و مستتبعه بها فقد انتظمت فى سمت الباقيات الصالحات، و قوله: الا بطاعتك استثناء مفرغ من محذوف عام اى بشى ء من الاشياء الا بطاعتك و بفضل رحمتك اى بابتداء احسانها الكائن بلا سبب. \par و لما كان السبب فى الفوز بمحبه الله سبحانه و رضاه و نيل ما عنده من السعادات امرين: \par احدهما- العمل الذى يترتب عليه الاجر و الجزاء. \par و الثانى- محض تفضل الذى يكون عن مزيد رحمته، حصر عليه السلام اسباب الفوز بذلك فى الطاعه التى يستعد بها المطيع لدرك بغيه من الله تعالى فى فضل رحمته الذى يوتيه من يشاء. \par و قدم الطاعه لانها كما تكون سببا لاستعداد العبد لنيل الاجر و الجزاء تكون سببا لا فاضه الرحمه المقتضيه للتفضل من غير استحقاق كما قال تعالى: ان رحمه الله قريب من المحسنين و الله اعلم. \par
007    21    (اذا لم يكن عون من الله للفتى...) \par (الهى اصبحت و امسيت عبدا داخرا لك لا املك لنفسى نفعا و لا ضرا الا بك اشهد بذلك على نفسى و اعترف بضعف قوتى و قله حيلتى فانجزلى ما \par
007    21    وعدتنى و تمم لى ما آتيتنى فانى عبدك المسكين المستكين الضعيف الضرير الحقير المهين الفقير الخائف المستجير) \par اصبح و امسى يكونان تامين بمعنى وصلنا الى الصبح و المساء و دخلنا فيهما و يكونان ناقصتين و لهما حينئذ معنيان: \par احدهما- ان يكونا بمعنى صار مطلقا من غير اعتبار الوقتين الذين يدل عليهما تركيب الفعل اعنى الصبح و المساء بل باعتبار الزمن الذى يدل عليه صيغه الفعل اعنى الماضى فيهما او الحال او الاستقبال فى مضارعهما فيكونان لافاده الانتقال من حال الى حال مجردا عن ملاحظه الوقت و منه قوله تعالى: فاصبحتم بنعمته اخوانا \par و الثانى ان يكونا بمعنى كان فى الصبح و كان فى المساء فيقترن فى هذا المعنى مضمون الجمله اعنى مصدر الخبر مضافا الى الاسم بزمان الفعل اعنى الذى يدل عليه تركيبه و الذى تدل عليه صيغته فمعنى اصبح زيد اميرا ان اماره زيد مقترنه بالصبح فى الزمن الماضى. \par فاعلم ان بعض الفضلاء صرح فى نظير هذه العباره من الدعاء: ان اصبح و امسى محتمله للمعانى الثلثه فقال: اصبح و امسى اما تامه او بمعنى صار او لاقتران مضمون الجمله بهذين الوقتين انتهى. \par و لا يخفى ان احتمال كونهما هنا بمعنى صار باطل اما اولا فلو قصد هذا المعنى لا كتفى باحد الفعلين عن الاخر اذهما بمعنى واحد على هذا المعنى. \par و اما ثانيا فلان المقصود بايراد الفعلين الاستمرارى اى كل صباح و مساء و كونهما بمعنى صار ينتفى معه هذا الغرض فلم يبق الا احتمال المعنيين الاخرين و قد تقدم ان مثل هذا الكلام فى الدعاء انشاء فى صوره الخبر فالمقصود به الاقرار لله سبحانه بالعبوديه صباحا و مساء لا الاخبار عن كونه دخل فى الصباح و المساء حال كونه عبدا و لا ان عبوديته مقترنه بالصبح و المساء فى الزمن الماضى فتنبه. و قوله: عبدا، اما حال ان جعلت اصبحت و امسيت تامين او خبر ان جعلتهما بمعنى الكون فى الصبح و المساء على \par
007    21    التنازع فيهما و داخرا صفه لعبد اى ذليلا ساغرا. قوله عليه السلام: اشهد بذلك على نفسى، فصل الجمله لكمال انقطاعها عما قبلها و اختار الفعليه لافاده التجدد، و المضارع لافاده الاستمرارى اقرو اعترف على نفسى بما ذكرت من كونى لم ازل عبدا داخرا لك لا اقدر لنفسى على نفع و لا ضر. و اعترف بالشى ء اعترافا: اقر به على نفسه. و القوه تطلق على كمال القدره و على شده الممانعه و يقابلها الضعف و لما كان كل ذى قوه غيره سبحانه ضعيفا عادم القوه من نفسه فهو فى ذل الضعف و اسر العجز وجب الاعتراف له تعالى بضعف القوه و عدمها اذ كانت قوته انما تتحقق فيه بمفهوميها منه سبحانه. و الحيله: الحذق فى تدبير الامور و هو اعمال الفكر و تقليبه حتى يهتدى الى المقصود. و المراد بالقله هنا: العدم و كثيرا ما يعبر بها عنه فيقال: قليل الخير اى لا يكاد يفعله و الاعتراف له سبحانه بقله الحيله: من حيث استحقاق العبد العجز لذاته عن جلب منافعه و دفع مضاره فهو لا يستطيع من نفسه ان يدبر اموره و يعلم مرغوبه و محذوره كما قيل: \par اذا لم يكن عون من الله للفتى \par فاول ما يجنى عليه اجتهاده \par و انجز وعده له انجازا: اذا و فى له به. و المراد بما وعده: ما وقع الوعد به منه سبحانه من اجابه دعوه الداعى اذا دعاه و اجابه المضطر و كشف السوء. و بتتميم ما اتاه: ابقائه عليه و عدم زواله و تغييره و منه الدعوه التامه اى التى لا يدخلها تغيير بل باقيه الى يوم النشور او جعله تاما لا نقص فيه و لا عيب و منه كلمات الله التامه اى التى ليس فى شى ء منها نقص و لا عيب. و المسكين من المسكنه و هى الذله و الافتقار. و المستكين اسم فاعل من استكان اذا ذل و خضع. و الضعيف: المتصف بالضعف. و ضعف الانسان باعتبار خلقته و باعتبار عجزه عن مخالفه هواه و عدم قدرته على مقاتله دواعيه: \par اما الاول- فظاهر بالنسبه الى كثير من المخلوقات بل الحيوانات و لهذا اشتد احتياجه الى التعاون و التمدن و الاغذيه و الادويه و المساكن و الملابس و المراكب و الذخاير و المعاملات الى غير ذلك من الضروريات. \par و اما الثانى- فاظهر و لهذا لا يصبر عن الشهوات و لا يتحمل مشاق الطاعات و الضرير فعيل بمعنى مفعول من الضر بالضم و هو الفاقه و الفقر و سوء الحال و الشده. \par
007    21    قال الازهرى: كلما كان من سوء حال و فقر و شده فى بدن فهو ضر بالضم و ما كان ضد النفع و هو بفتحها، و قيل: هو بالضم اسم و بالفتح مصدر. و حقر الشى ء بالضم حقاره: هان قدره فلا يعبا به فهو حقير. و المهين: فعيل من المهانه قال فى الاساس: مهن مهانه حقر فهو مهين و قال الطبرسى: المهين: الضعيف الحقير. و الفقير فعيل بمعنى فاعل يقال فقر يفقر من باب تعب: اذا قل ماله و احتاج و قال بعضهم: ليس الفقر عند اهل التحقيق الفاقه و قله المال بل هو الحاجه الى الله تعالى و الاستغناء به من غيره و هذا المعنى هو المراد هنا. و الخائف فاعل من خاف يخاف خوفا و خيفه و مخافه و عرفوا الخوف بانه توقع حلول مكروه او فوات محبوب فمعنى الخائف هنا الخائف من حلول عقابك و فوت ثوابك. و استجاره: طلب منه ان يجيره اى يومنه مما يخاف فهو مستجير اى المستجير بك منك. \par
008    21    (حديث: من ابلى فذكر فقد شكر. و معنى العافيه) \par (اللهم صل على محمد و آله، و لا تجعلنى ناسيا لذكرك فيما اوليتنى، و لا غافلا لاحسانك فيما ابليتنى و لا آيسا من اجابتك لى و ان ابطات عنى فى سراء كنت او ضراء او شده او رخاء او عافيه او بلاء او بوس او نعماء او جده او لاواء او فقر او غنى \par النسيان: نقيض الذكر و قد يطلق على الترك اى لا تجعلنى غير حافظ او تاركا لذكرك و اوليته اياه: اعطيته اياه. و الغفله: غيبه الشى عن البال و قد تستعمل فى ترك الشى ء اهمالا و اعراضا كما فى قوله تعالى: و هم فى غفله معرضون و الابلاء: الانعام و الاحسان و منه حديث: من ابلى فذكر فقد شكر. و الايس: اسم فاعل من ايس يايس من باب علم: قنط. و السراء: المسره و الخير، و الضراء: الشده و النقص فى الاموال و الانفس، و قال الجوهرى السراء: الرخاء و هو نقيض الضراء. و الشده بالكسر اسم من الاشتداد يقال هو فى شده من العيش اى فى ضيق و قله. و الرخاء بالمد: اتساع العيش، و العافيه: السلامه من جميع المكروهات الظاهره و الباطنه فى الدين و الدنياء. و البلاء هنا بمعنى المكروه لمقابلته للعافيه و البوس بالضم: الفقر و شده الحاجه، و النعماء \par
008    21    بالفتح و المد: النعمه و الجده كالعده: الغنى. و اللاواء: الشده و ضيق المعشيه و الفقر عباره عن فقد ما هو محتاج اليه اما فقد مالا يحتاج اليه فلا يسمى فقرا. و الغنى بالكسر و القصر: اليسار و وفور المال. \par
009    21    (معنى الحمد و تقسيمه الى لغوى، و عرفى، و قولى و فعلى و حالى) \par (اللهم صل على محمد و آله، و اجعل ثنائى عليك، و مدحى اياك، و حمدى لك فى كل حالاتى، حتى لا افرح بما آتيتنى من الدنيا و لا احزن على ما منعتنى فيها و اشعر قلبى تقواك و استعمل بدنى فيما تقبله منى و اشغل بطاعتك نفسى عن كل ما يرد على حتى لا احب شيئا من سخطك و لا اسخط شيئا من رضاك). \par الثناء، لغه: وصف الشى ء بخير او شر و خص عرفا بالخير و قيل هو نشر المحامد باللسان. و المدح: الوصف بالجميل الاختيارى و غيره ذا علم كان الموصوف اولا، فتقول: مدحته على حسنه كما تقول مدحته على احسانه و تقول مدحت هذا الدار الثمين كما تقول مدحت هذا الحرالامين. و الحمد: الوصف بالجميل الاختيارى على قصد التعظيم و قد قسموا الحمد: \par الى لغوى- و هو ما تقدم. \par و الى عرفى- و هو فعل يشعر بتعظيم المنعم بسبب كونه منعما اعم من ان يكون فعل اللسان او الاركان. \par و الى قولى- و هو حمد اللسان و ثنائه على الحق بما اثنى به على نفسه على لسان انبيائه. \par و الى فعلى- و هو الاتيان بالاعمال البدنيه ابتغاء لوجه الله. \par و الى حالى- و هو الذى يكون بحسب الروح و القلب كالاتصاف بالكمالات العلميه و العمليه و التخلق بالاخلاق الالهيه. قوله عليه السلام: و اشعر قلبى تقواك، اى غش قلبى بتقواك و البسه اياها، يقال اشعره الشعار: اذا البسه اياه، و انما خص القلب باشعاره التقوى لانه مركزها الذى اذا ثبتت فيه و تمكنت ظهر اثرها فى ساير الاعضاء \par
009    21    فهو الذى عليه مدارها و منه عيارها و لا عبره بما يظهر من آثارها على سائر الجوارح دونه و لذلك اضافها سبحانه الى القلوب فقال: و من يعظم شعائر الله فانها من تقوى القلوب \par (قبول الله تعالى عمل العبد عباره عن كون العمل بحيث يرضاه سبحانه او..) \par قوله عليه السلام: و استعمل بدنى فيما تقبله منى، اى فى العمل الذى تقبله منى و قبول الله تعالى عمل العبد عباره عن كون العمل بحيث يرضاه سبحانه او يثيب عليه، و الاول الذ عند العارفين من الثانى: شبه الفعل من العبد بالهديه و اثابه الله تعالى عليه و رضاه بالقبول و مدار القبول على الاخلاص فى العمل، حتى قيل: ان طلب القبول كنايه عن جعله مقرونا بالاخلاص، قوله عليه السلام: و اشغل بطاعتك نفسى، الى آخره، سئل عليه السلام ان يجعل سبحانه نفسه مستغرقه فى طاعته تعالى متوجهه بكليتها عن كل ما يوجب الالتفات عن حضرته المقدسه من الاهتمام بعلائق احوال الدنيا الوارده عليه من خير و شر ليكون هواه و ارادته فيما اراد الله تعالى و قدره و قضاه فلا يحب الا ما احبه الله و لا يسخط الا ما سخطه الله و هو مقام الرضاء بالقضاء، و وجه كون شغل النفس بالطاعه عن كل وارد عليها عله و سببا للرضا و التسليم ان النفس اذا كانت مستغرقه فى طاعته سبحانه معرضه عن الالتفات الى غيره حصل لها الزهد الحقيقى فى الدنيا فيقرب من الحق فتحصل له مرتبه اليقين بالله و بكما له و حسن فعاله، و اليقين يوجب المحبه فيحصل له الرضا لان الرضاء لازم للمحبه و تابع لها. \par و بالجمله السالك اذا اشتغل بما يعنيه و ترك ما لا يعنيه حقيقه وصل الى مقام المشاهده الذى هو عين اليقين، و اذا وصل الى هذا المقام استولت على قلبه المحبه التامه، و اذا حصلت له المحبه ثبت فى مقام الرضا فيرضى بكل ما صدر و يصدر منه تعالى، كما هو شان المحب مع محبوبه فلا يحب شيئا مما سخطه و لا يسخط شيئا مما احبه، بل يستقبل احكامه بالفرح و لا يكون لنفسه معها مقترح و اهل الرضا يرون من الرضا: ان لا يذم شيئا و لا يعيبه و لا يتسخط ما اراده و فجر مواده و لا يزرى على ما ابدعه و خلقه و صنعه بل يشاهد الصانع فى جميع ما صنعه، بل لا ينبغى ان يقول العبد: هذا يوم شديد الحر \par
009    21    و لا هذا يوم شديد البرد. \par
010    21    (لما كان سبل الهدى متفاوته.. سئل عليه السلام) \par (ان يسلك به اعظم السبل المحبوبه له:) \par (اللهم صل على محمد و آله، و فرغ قلبى لمحبتك، و اشغله بذكرك، و انعشه بخوفك و بالوجل منك، و قوه بالرغبه اليك، و امله الى طاعتك، و اجر به فى احب السبل اليك، و ذلله بالرغبه فيما عندك ايام حيوتى كلها) \par قد تقدم الكلام على محبه العبد لله تعالى و محبته سبحانه للعبد و المراد بتفريغ قلبه لمحبته: جعله خاليا عن محبه غيره بحيث لا يكون لغير محبته مدخل فيه و لا المام به، بل تكون محبته متفرغه له عن الالتفات و الاشتغال بغيرها، و لما كانت المحبه الصادقه مستلزمه لمحبه ذكر المحبوب و ملازمته بحيت لا يصبر عنه لمحه سئل عليه السلام ان يشغل قلبه بذكره الذى هو ملزوم لمحبته الصادقه. \par ثم لما كان من لوازم صدق المحبه: الرهبه و الرغبه و الانقياد و الطاعه و سلوك سبيل الرضاء، سئل عليه السلام سائر لوازمها ليتم له صدق محبته. \par و بيان ذلك: ان المحبه مع تصور هيبه المحبوب تقتضى الرهبه و الخوف و الوجل منه، و مع تصور رحمته و رافته تقتضى الرغبه اليه، و الطمع فيما عنده، و مع تحرى موافقته و الاذعان له تقتضى طاعته و الانقياد له و السعى فى سبيل مرضاته، و لما كان ثمره الخوف فى اكتساب الخيرات و المبادره الى سلوك طريق المبرات، و السعى فى تلافى مافات سئل عليه السلام: انعاش قلبه به اى تداركه به مما تورط فيه من الذنوب و التقصير، و الوجل بالتحريك: الفزع و الخوف، و الرغبه الى الله تعالى: الابتهال اليه او الضراعه له و المسئله منه، و امله الى طاعتك، اى اصرفه اليها و اعدل به نحوها او اجعله مائلا اليها اى محبا لها من مال اليه بمعنى احبه، و اجربه اى اجعله جاريا و ساعيا فى السبيل التى هى احب السبيل اليك، و المراد بها: الطرق الموصله اليه تعالى، و لما كانت سبل الهدى متفاوته بتفاوت العلم به سبحانه و المعرفه له تعالى سئل عليه السلام: ان يسلك به اغطم السبل المحبوبه \par
010    21    له المرضيه عنده، و ذلل الدابه تذليلا: راضها حتى سهلت و انقادت، و لما كان القلب جامحا عن الرغبه فى الاجل طامحا الى الرغبه فى العاجل شبهه بالدابه الجموح فاستعار له التذليل و سئل ان يجعله سهلا منقادا فى سلوك طريق الزهد عن المقتنيات الفانيه راغبا فيما عند الله من الرغائب الباقيه، و لما كانت الكمالات البشريه قد تزول بعدم المحافظه و لذلك قال العارفون الخائفون: ربنا لا تزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا سئل عليه السلام ان يجعل ذلك مستمرا ايام حياته كلها. \par
011    21    (اذا انت لم ترحل بزاد من التقى، و ابصرت بعد الموت...) \par (و اجعل تقواك من الدنيا زادى، و الى رحمتك رحلتى، و فى مرضاتك مدخلى، و اجعل فى جنتك مثواى، وهب لى قوه احتمل بها جميع مرضاتك، و اجعل فرارى اليك، و رغبتى فيما عندك) \par قد سبق الكلام على التقوى و الزاد: الطعام الذى يتخذ للسفر، و لما كان الزاد انما يعد لتقوى به الطبيعه على الحركات الحسيه و كانت تقوى الله تعالى مما تقوى به النفس على الوصول الى جنابه المقدس استعار لها الزاد لما بين المعنيين من تمام المشابهه الذى يقرب معه اتحاد المتشابهين، و بحسب قوه المشابهه يكون حسن الاستعاره، و قد نطق التنزيل المجيد بهذه الاستعاره حيث قال سبحانه: و تزودوا فان خير الزاد التقوى \par قال بعض العارفين: ليس السفر من الدنيا اهون من السفر فى الدنيا، و هذا لابد له من زاد فكذا ذلك بل يزداد فان زاد الدنيا يخلصك عن عذاب منقطع موهوم و زاد الاخره ينجيك من عذاب ابدى معلوم، و زاد الدنيا يوصلك الى متاع الغرور و زاد \par
011    21    الاخره يبلغك دار السرور، زاد الدنيا سبب حظوظ النفس و زاد الاخره سبب الوصول الى عتبه الجلال و القدس. \par اذا انت لم ترحل بزاد من التقى \par و ابصرت بعد الموت من قد تزودا \par ند مت على ان لا تكون كمثله \par و انك لم ترصد كما كان ار صدا \par و الرحله بالكسر: اسم من الارتحال، و استعار عليه السلام لفظ الرحله للانتقال الى الدار الاخره و المصير اليها لان الرحله عباره عن قطع المراحل المحسوسه بقدم الجسم، و الانتقال الى الاخره عباره عن قطع المراحل المعقوله بقدم العقل فكان بينهما اتم المشابهه، و المرضاه: الرضا، و المدخل: مصدر ميمى بمعنى الدخول، و المثوى: المنزل، و القوه: تعود الى كمال القدره و يقابلها الضعف و المراد سوال افاضه قوه على استعداده ليقوى بذلك على قهر النفس الاماره بالسوء و يستعد للقيام بجميع مراضى الحق عز شانه. \par (عن المرء لا تسئل و سل عن قرينه، فكل قرين) \par (و البس قلبى الوحشه من شرار خلقك، و هب لى الانس بك و باوليائك و اهل طاعتك) \par الوحشه من الناس: الانقطاع و النفور و بعد القلوب من المودات و رجل شر اى ذو شر، و قوم اشرار و شرار، و الشر: السوء و الفساد و الظلم، و الانس بالضم من انس به من باب علم اذا سكن اليه و لم ينفر عنه، و المراد بشر ار خلقه: اعدائه و اهل معصيته كما تقتضيه المقابله و هم طبقات: فمنهم كافر، و منهم المبتدع، و منهم اهل المعصيه التى فيها اضرار الخلق كالظلم و شهاده الزور، و منهم اهل الذنوب التى لا يتعدى ضررها كشرب الخمر و ترك الصلوه و كل هولاء يجب النفور عنهم و عدم السكون اليهم لان النفس سريعه الميل الى الشرور فتميل الى طبع الصاحب سريعا فتستعد لصدور ما يصدر عنه من المنكرات و بالعكس من ذلك اذا كان الجليس و الانيس وليا لله مطيعا له، زاهدا فى الدنيا راغبا فى الاخره و لذلك قال رسول الله صلى الله عليه و آله: المرء مع دين خليله و قرينه. \par و قال اميرالمومنين عليه السلام: لا تصحب الفاجر فيزين لك فعله و يود لوانك مثله. \par
011    21    و قالوا: اياك و مجالسه الاشرار فان طبعك يسرق من طبعهم و انت لا تدرى. \par بل قد قال النبى صلى الله عليه و آله: مثل الجليس الصالح كمثل الدارى ان لا يحذك من عطره يعلقك من ريحه، و مثل الجليس السوء كمثل القين الا يحرقك بناره يوذيك بدخانه. \par و من قوه هذا المعنى فى النفوس شاع على الالسنه قول الشاعر: \par عن المرء لا تسئل و سل عن قرينه \par فكل قرين بالمقارن يقتدى \par و ليس اعداء الجليس جليسه بمقاله و فعاله فقط بل بالنظر اليه فالنظر الى الصور يوثر فى النفوس اخلاقا مناسبه لخلق المنظور فان من دامت رويته لمسرور سر، او لمحزون حزن، و ليس ذلك فى الانسان فقط بل فى الحيوانات و النبات فالجمل الصعب قد يصير ذلولا بمقارنه الجمال الذلل، و الذلول قد يصعب بمقارنه الصعاب، و الريحانه الغضه تذبل لمجاوره الذابله و لهذا يلتقط اصحاب الفلاحه الرمم عن الزروع لئلا تفسدها، و معروف ان الماء و الهواء يفسدان بمجاوره الجيفه اذا قربت منهما، و ذلك مما لا ينكره ذو تجربه، و اذا كانت هذه الاشياء قد بلغت من قبول التاثير هذا المبلغ فما الظن بالنفوس البشريه التى موضوعها لقبول صور الاشياء خيرها و شرها، فقد قيل: سمى الانس انسانا لانه يانس ما يراه ان خيرا و ان شرا. \par روى عن عيسى بن مريم عليهماالسلام انه قال: صاحب الشر يعدى و قرين السوء يردى فانظر من تقارن؟ \par و قال لقمان لابنه يا بنى من يشارك الفاجر يتعلم من طرقه، و من يقارن قرين السوء لا يسلم. \par و عن اميرالمومنين عليه السلام: لا ينبغى للمرء المسلم ان يواخى الفاجر فانه يزين له فعله و يحب ان يكون مثله و لا يعينه على امر دنياه و لا معاده و مدخله و مخرجه من عنده شين عليه. \par و عن ابى عبدالله عليه السلام: لا تصحبوا اهل البدع و لا تجالسوهم فتصيروا عند الناس كواحد منهم. \par
012    21    (تعريف الفجور، و معنى الكفر لغه و شرعا) \par (و لا تجعل لفاجر و لا كافر على منه، و لا له عندى يدا، و لا بى اليهم حاجه، بل اجعل سكون قلبى و انس نفسى و استغنائى و كفايتى بك و بخيار خلقك اللهم صل على محمد و آله، و اجعلنى لهم قرينا، و اجعلنى لهم نصيرا، و امنن على بشوق اليك، و بالعمل لك بما تحب و ترضى، انك على كل شى ء قدير و ذلك عليك يسير) \par فجر العبد فجورا من باب قعد: عصى و فسق و كذب وزنا فهو فاجر، و اصل الفجر: الشق و به سمى الفجر، و العاصى فاجر لانه شاق لعصا الطاعه. و عرفوا الفجور بانه هيئه حاصله للنفس بها تباشر امورا على خلاف الشرع و المروه، و كفر بالله يكفر من باب قتل كفرا و كفرانا بضمهما: جحده، و اصل الكفر: التغطئه و الستر يقال: الليل كافر لانه يستر الاشياء بظلمته، و فلان كفر النعمه: اذا سترها و لم يشكرها. \par و الكفر فى الشرع عباره عن جحد ما اوجب الله تعالى معرفته من توحيده و عدله و معرفه نبيه و ما جاء به من اركان الشرع فمن جحد شيئا من ذلك كان كافرا و قيل: هو انكار ما علم بالضروره مجى ء الرسول صلى الله عليه و آله به، و المنه: النعمه اسم او من من عليه بمعنى انعم او من من عليه بمعنى عدد له ما فعله معه من الصنايع مثل ان يقول: اعطيتك و فعلت لك و هو تكرير و تعيير تنكسر منه القلوب فلهذا نهى الشارع عنه بقوله: لا تبطلوا صدقاتكم بالمن و الاذى و كلا المعنيين محتمل هنا، و اليد: النعمه و الاحسان سميت باسم الجارحه لان العطا يكون بها، و لما كانت النعمه و الاحسان مما يستعبد الانسان و الحر يصعب عليه ان يستعبد بالبر من غير الفاجر و الكافر فكيف بهما؟ سئل عليه السلام ان ينزهه عن منه الفاجر و الكافر و احسانهما، و لا يضطره الى الحاجه اليهما. \par و ايضا فان القلوب مجبوله على حب من احسن اليها و الميل الى من انعم عليها فسئل عليه السلام ان لا يجعل لفاجر و لا كافر عليه نعمه و احسانا لئلا يميل قلبه الى واحد منهما و ان لا يكون له اليهم حاجه فيضطر الى التواضع لهم و استعطافهم. \par
012    21    و فى الحديث عن ابى عبدالله عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه و آله: لو اهدى الى كراع لقبلت و كان ذلك من الدين و لو ان كافرا او منافقا اهدى الى وسقا ما قبلت و كان ذلك من الدين ابى الله تعالى لى زبد الكافرين و المنافقين و طعامهم قال بعض العلماء الزبد بسكون البلاء الموحده: الرفد و العطاء. \par قوله عليه السلام: بك و بخيار خلقك، لما كان الانسان مدنيا بالطبع فلم يكن له بد من معاشره ابناء جنسه و معاونتهم سئل عليه السلام ان يجعل ذلك بخيار خلقه احترازا عن شرارهم كما ورد فى دعاء آخر: اللهم انى اسئلك الغنى عن شرار الناس. \par و فى الحديث: ان رجلا قال لابى عبدالله عليه السلام: جعلت فداك ادع الله ان يغنينى عن خلقه، قال: ان الله قسم رزق من شاء على يدى من شاء و لكن سل الله ان يغنيك عن الحاجه التى تضطرك الى لئام خلقه، \par
013    21    (معنى الشوق لغه و عرفا، و ان العمل من لوازم الشوق الصادق) \par قوله عليه السلام: و اجعلنى لهم قرينا و اجعلنى لهم نصيرا، القرين: الصاحب و الخليل المقارن الذى يتبع امر صاحبه و يوافقه عليه، من قرنت الشى ء بالشى ء اذ اشددته اليه و وصلته به فهو فعيل بمعنى مفعول كقتيل و جريح، و النصير: الناصر و هو المويد و المقوى فعيل بمعنى فاعل، قوله عليه السلام. و امنن على بشوق اليك و بالعمل بما تحب و ترضى، الشوق لغه: نزاع النفس الى الشى ء و عرفا قيل: هو اهتياج القلب الى لقاء المحبوب، و اتبع طلب الشوق بطلب العمل لان العمل من لوازم الشوق الصادق فان من صدق شوقه الى محبوب اجهد نفسه فى الاعمال الموصله اليه، قوله عليه السلام: انك على كل شى ء قدير تعليل للدعاء و مزيد استدعاء للاجابه، و المراد بالشى ء هنا: الممكن موجودا كان او معدوما بقضيه اختصاص تعلق القدره به، و القادر: هو الذى ان شاء فعل و ان لم يشا لم يفعل، و القدير: الفعال لكل ما يشاء و لذلك لم يوصف به غير البارى تعالى، و قوله عليه السلام: و ذلك عليك يسير، اى ما ذكر من المسئولات عليك هين لا صعوبه فيه لاستغنائك عن الاسباب و تحقق قدرتك التامه. \par
001    22    الدعاء الثانى و العشرون: \par من ادعيه الصحيفه السجاديه: و هو دعائه عليه السلام عند الشده و الجهد و تعسر الامور \par \par
001    22    بسم الله الرحمن الرحيم \par (الدعاء مفتاح الحاجات) \par اعلم ان الله جل شانه امتحن عباده فى هذه الدار بالخير و الشر، و النفع و الضر، و الغنى و الفقر، و القوه و العجز، و السراء و الضراء، و الشده و الرخاء، ليعلم العبد علما يقينا انه عبد مدبر ناقص فيتبرا من حول نفسه و قوتها و يعتصم بحول مولاه و قوته، فاذا حصل له الخير حمده و شكره و اعترف باحسانه و ذكره، و اذا الم به شر و اصابه، دعاه باضطراره فاجابه، ليعلم انه العبد الذى دعا مولاه فلباه، و سئله فاعطاه، و يصير ذلك ذريعه الى توجه نفسه بكليتها اليه و الاعتماد فى كل احواله عليه، و لذلك كان الدعاء اوثق ما يستعصم به من الافات، و امتن ما يومن به من النكبات، و اعظم ما يتوسل به اولواالالباب الى رب الارباب، و فى كلام بعضهم: الدعاء مفتاح الحاجات، و كان من سنن الانبياء و المرسلين و عباد الله الصالحين: اذا نزل باحدهم كرب و بلاء فزع الى الدعاء و هذا معنى قول اميرالمومنين صلوات الله عليه: اذا اشتد الفزع فالى الله المفزع، و لاجل هذا كان سيد العابدين و اشرف الموحدين سلام الله عليه يدعو بهذا الدعاء عند الجهد و البلاء فيقول: \par
001    22    (حكايه ابن الفارض، و قوله: ادعو العمكم الكذاب) \par (اللهم انك كلفتنى من نفسى ما انت املك به منى، و قدرتك عليه و على اغلب من قدرتى، فاعطنى من نفسى ما يرضيك عنى، و خذلنفك رضاها من نفسى فى عافيه) \par كلفته الامر تكليفا: حملته اباه على مشقه من الكلفه بالضم و هى المشقه، و سمى امر الله تعالى و نهيه تكليفا لما فيه من قهر الوهم و القوى البدنيه عن مقتضيات طباعها و فى ذلك كلفه على النفس المتعلقه بالبدن، و لما كان التكليف انما يتعلق بالافعال \par
001    22    دون الذوات كان قوله: من نفسى على تقدير مضاف اى من صلاح نفسى، و ملكت الشى ء من باب ضرب احتويته قادرا على الاستبداد به فمعنى املك به منى: اقدر على الاستبداد به منى. \par و لما كان العبد مكلفا بصلاح نفسه و تطهيرها من دنس المعاصى بسلوك سبيل الطاعه و تحرى رضوانه، و تجنب سخطه، و وقايته لها من الهلاك السرمدى و العذاب الابدى بالقيام بالطاعات و اجتناب الشهوات و كانت قدرته على ذلك مستنده الى قدرته تعالى اذ هى مستنده جميع الموجودات و كل قدره تنتهى الى قدره التى لا قدره فوقها كان سبحانه اقدر على صلاح نفس عبده منه، و قدرته تعالى على العبد و على كل ما كلف به اغلب من قدره العبد كيف و هو لا يملك لنفسه نفعا و لا ضرا الا به و كل موجود فهو فى تصريف ملكه و قدرته. \par و الفاء من قوله: فاعطنى فصيحه اى اذا كان الامر كذلك فاعطنى من نفسى ما يرضيك عنى اى افض على نفسى قوه استعد بها لما يرضيك عنى، و خذ لنفسك رضاها من نفسى، اى اقهر لها بصرفها عن التفاتها الى غيرك حتى ترضى، و لما كان هذا المعنى ربما وصل الى حد تشتغل فيه النفس المدبره للبدن عن النظر فى صلاح البدن و تدبيره فيودى الى انحلال القوى البدنيه و اختلال حركاتها و عدم ضبطها فيفسد البدن او يختل الذهن كما وقع لكثير من المحبين و العارفين سئل عليه السلام ان يكون ذلك فى عافيه. \par و يحتمل ان يكون الغرض من هذا القيد انه عليه السلام لما سئل اخذه تعالى لنفسه رضاها من نفسه و كان ذلك عاما لكونه فى عافيه او بلاء خشى ان يكون ذلك اظهار التجلد و ايذانا بطاقه تحمله لجميع ما يكون فيه رضاه سبحانه من عافيه او بلاء فاحترز عن البلاء بقوله فى عافيه. \par كما يحكى ان ابن الفارض لما انشد قوله: \par و بما شئت فى هواك اختبرنى \par فاختيارى ما كان فيه رضاكا \par
001    22    ابتلى بحصر البول فامر ان يحمل و يطاف به على مكاتب الاطفال و جعل يقول ادعوا لعمكم الكذاب، و قريب من هذا المعنى ما روى عن الصادق عليه السلام انه قال لاسحاق بن عمار حين امره بالاستخاره لتكن استخارتك فى عافيه فانه ربما خير للرجل فى قطع يده و موت ولده و ذهاب عقله، و قال شيخنا البهائى قدس سره فى المفتاح فى معنى ما ورد فى الدعاء: و خذ لنفسك رضاها من نفسى، اى اجعل نفسى راضيه بكل ما يرد عليها منك. \par
002    22    (معنى تفرده تعالى بحاجه العبد: ان لا يجعل بينه و بينه...) \par (اللهم لا طاقه لى بالجهد، و لا صبر لى على البلاء، و لا قوه لى على الفقر، فلا تحظر على رزقى و لا تكلنى الى خلقك، بل تفرد بحاجتى، و تول كفايتى، \par الطاقه اسم من اطقت الشى ء اى قدرت عليه فانا مطيق مثل الطاعه اسم من اطاع و عينها و اولانها من الطوق و هو القدره، و الجهد بالفتح: المشقه و الجهد بالضم فى لغه الحجاز و بالفتح فى غيرها: الوسع و الطاقه، و قيل: المضموم هو الطاقه و المفتوح هو المشقه، و الجهد بالفتح ايضا: المبالغه و الغايه و هو مصدر من جهد فى الامر جهدا من باب نفع اذا طلب و استقصى حتى بلغ غايته فى الطلب، و اراده هذا المعنى محتمله هنا، و البلاء هنا: اسم من ابتلاه الله بكذا اى اصابه بما يكرهه و يشق عليه، و حظره حظرا من باب قتل: منعه، و المراد به المبالغه فى التضييق و التقليل، و وكلت فلانا الى فلان من باب وعد الجاته اليه و فوضت امره اليه فجعلته متوكلا و معتمد اعليه، و منه: لا تكلنى الى نفسى طرفه عين، و تفرد بالامر: انفرد به و لم يشاركه فيه غيره، و معنى تفرده تعالى بحاجته ان لا يجعل بينه و بينه واسطه فى قضائها بل يقضيها له ابتداء من غير امداد و اعانه من الخلق، و تولى امره: قام به دون غيره، و كفاه مونته كفايه قام مقامه فيها و اغناه عن تجشم القيام بها، \par
003    22    و انظر الى و انظر لى فى جميع امورى) \par و نظر الله تعالى الى عبده مجاز عن رحمته له و احسانه اليه، قال بعض ائمه اللغه: النظر اذا استعمل بالى يكون بمعنى الرويه، و باللام بمعنى الرحمه، و بفى بمعنى الفكر و ببين بمعنى الحكم كقولك نظرت بين القوم اى حكمت بينهم. \par
003    22    (مدار هذا الفصل من الدعاء على بيان ان الله سبحانه اذا لم يتول امر عبده و...) \par (فانك ان و كلتنى الى نفسى عجزت عنها و لم اقم ما فيه مصلحتها، و ان و كلتنى الى خلقك تجهمونى، و ان الجاتنى الى قرابتى حرمونى، و ان اعطوا اعطوا قليلا نكدا و منوا على طويلا و ذموا كثيرا، \par الفاء للتعليل و عجزت عنها اى عن القيام بشانها، و اقام الامر: اداه كاملا، و منه اقامه الحدود، و المصلحه واحده المصالح يقال: فى هذا الامر مصلحه اى خير، و تجهمه و جهمه كمنعه: استقبله بوجه كريه، و الجاته الى كذا: اضطررته اليه، و حرمنى معروفه من باب ضرب حرما و حرمانا بكسر هما: منعنى، و النكد ككتف و النكد بفتحتين مثل بطل: العسر الذى لا خير فيه، و بهما قرى ء قوله تعالى: و الذى خبث لا يخرج الا نكدا يقال نكد عيشهم من باب تعب: اذا اشتد و لم يهنا و عطاء منكور ايضا قليل غير مهناء. \par و مدار هذا الفصل من الدعاء على بيان ان الله سبحانه اذا لم يتول امر عبده و كفايته بنفسه لم يقم بامره احد سواه، و لم يكفه مونته غيره فهو ان و كله الى نفسه و فوض امره اليها كان عاجزا ضعيفا عن القيام بشئونها و ما يصلحها. \par روى ثقه الاسلام فى الكافى بسنده الى ابن ابى يعفور قال: سمعت اباعبدالله عليه السلام يقول و هو رافع يده الى السماء: رب لا تكلنى الى نفسى طرفه عين ابدا، لا اقل من ذلك و لا اكثر، قال: فما كان باسرع من ان تحدر الدموع من جوانب لحيته ثم اقبل على فقال يابن ابى يعفور ان يونس بن متى و كله الله عزوجل الى نفسه اقل من طرفه عين فاحدث ذلك الذنب، \par
004    22    فبفضلك اللهم فاغننى و بعظمتك فانعشنى و بسعتك فابسط يدى، و بما عندك فاكفنى) \par نعشه الله نعشا من باب منع: رفعه. و نعشه ايضا تداركه من مهلكه، و نعشه: سد فقره، و نعش الربيع الناس: اغاثهم، و عظمته تعالى: عباره عن بلوغ قوه الوهيه التى هى شده وجوده الى اللاتناهى بل وراء اللاتناهى، وسعته تعالى: عباره عن كثره مقدوراته التى لا نهايه لها، و بسط اليدهنا كنايه عن التوسعه فى الخير و الجده، و ما عنده تعالى عباره عن خيرات الدنيا و الاخره، و الكفايه هنا: بمعنى الغنى اى بما عندك فاغننى و منه: كفى الله \par
004    22    المومنين القتال اى اغناهم عنه. \par
005    22    (القول فى الرضا بقضاء الله تعالى) \par (اللهم صل على محمد و آله، و خلصنى من الحسد، و احصرنى عن الذنوب و ورعنى عن المحارم، و لا تجرئنى على المعاصى، و اجعل هواى عندك، و رضاى فيما يرد على منك، و بارك لى فيما رزقتنى و فيما خولتنى و فيما انعمت به على، و اجعلنى فى كل حالاتى محفوظا مكلوء مستورا ممنوعا معاذا مجارا \par خلص الشى ء من التلف خلوصا من باب قعد و خلاصا و مخلصا: سلم و نجا، و يعدى بالتضعيف فيقال: خلصه تخليصا اى سلمه و نجاه، و الحسد: تمنى زوال نعمه المحسود الى الحاسد و حصره حصرا من باب قتل: منعه و حبسه، و المراد به هنا حسم اسباب الذنوب بعدم الاعداد لها، و الورع بالتحريك: الكف عن المحارم، و المحارم: جمع محرم كجعفر او محرمه بفتح الراء و ضمها بمعنى الحرمه التى لا يحل انتهاكها، و جرا على الشى ء جراه مثل ضخم ضخامه و اجترا عليه: اسرع بالهجوم عليه من غير توقف، و الاسم: الجراه على وزن غرفه، اى لاتجعلنى مرتكبا للمعاصى من غير مبالاه و الغرض طلب التوفيق لتركها و الاحتراز منها، و الهوى مقصورا: اراده النفس يكون فى الخير و الشر، و الرضا: سرور القلب، و قوله: فيما يرد على منك، اى فيما يتصل بى من حكمك و يجرى على من قضائك. \par قال موسى عليه السلام: الهى دلنى على عمل اذا عملته رضيت، قال: انك لا تطيق ذلك يا موسى! فخر موسى ساجدا متضرعا مخبتا فاوحى الله اليه يا بن عمران! ان رضاى فى رضاك بقضائى و روى ثقه الاسلام فى الكافى بسند صحيح عن على بن الحسين عليهماالسلام قال: الصبر و الرضا عن الله راس طاعه الله و من صبر و رضى عن الله فيما قضى عليه فيما احب \par
005    22    او كره لم يقض الله عز و جل فيما احب او كره الا ما هو خير له، و البركه: النماء و الزياده و بارك الله فيه: زاد فيه و انماه فهو مبارك. \par و خوله الله ما لا بالتضعيف: اعطاه، و حفظه حفظا من باب علم: منعه من الضياع و التلف و صانه عن الابتذال، و كلاءه الله يكلاءه مهموز بفتحتين كلاء بالمد و الكسر: حرسه و رعاه و المراد حفظه و حراسته من اسباب الهلاك و النقصان فى الدين و البدن بما يخلقه و يفيض عليه من الاسباب المعده للحفظ و الحراسه، و سترت الشى ء سترا: من باب قتل: اخفيته، و ستر الله عليه: اخفى مساويه عن الخلق فلم يطلع عليها غيره، و منع فلان جاره: حماه من ان يضام، و قد منع فلان: صار ممنوعا محميا، و عاذ بالله يعوذ عوذا: اعتصم و استجار، و اعاذه الله: عصمه، و اجاره يجيره اجاره: آمنه مما يخاف و حماه منه. \par
006    22    (القضاء بمعنى الاداء، و استعمل الفقهاء القضاء فى العباده التى..) \par (اللهم صل على محمد و آله، و اقض عنى كل ما الزمتنيه و فرضته على لك فى وجه من وجوه طاعتك او لخلق من خلقك و ان ضعف عن ذلك بدنى، و وهنت عنه قوتى، و لم تنله مقدرتى، و لم يسعه مالى و لا ذات يدى، ذكرته او نسيته، \par قضيت الحج و الدين: اديته، قال تعالى: فاذا قضيتم مناسككم اى اديتموها، فالقضاء هنا بمعنى الاداء كما فى قوله تعالى: فاذا قضيتم الصلوه اى اديتموها، و استعمل الفقهاء القضاء فى العباده التى تفعل خارج وقتها المحدود شرعا، و الاداء اذا فعلت فى وقتها المحدود و هو مخالف للوضع اللغوى لكنه اصطلاحى للتمييز بين الوقتين و الزمته العمل اى اوجبته عليه فالتزمه هو، و الوجه و الجهه بمعنى و الهاء عوض من الواواى فى جهه من جهات طاعتك، و الضعف بالضم و الفتح: خلاف القوه و الصحه، و منهم من يجعل المفتوح فى الراى و المضموم فى البدن، و ذلك: اشاره الى كل ما الزمه \par و فرضه عليه اى عن ادائه، و وهن يهن من باب وعد: ضعيف فهو و اهن فى الامر و العمل و البدن، و نلت الشى ء انا له نيلا: بلغته، و المقدره مثلثه الدال: القدره و الغنى و اليسار، و ذات اليد عباره عما يملك من مال او اثاث، و قوله: ذكرته او نسيته، جملتان حاليثان اى ذاكرا كنت له او ناسيا، \par
007    22    هو يا رب، مما قد احصيته على و اغفلته انا من نفسى، فاده عنى من جزيل عطيتك و كثير ما عندك، فانك واسع كريم، حتى لا يبقى على شى ء منه تريد ان تقاصنى به من حسناتى، او تضاعف به من سيئاتى يوم القاك يا رب) \par و احصيت الشى ء: حفظته و علمته اى احبطت كما و كيفا و زمانا و مكانا، و اغفلت الشى ء اغفالا: تركته اهمالا من غير نسيان، و اداه تاديه: اوصله و قضاه، و جزل الخطب جزاله مثل ضخم ثم استعير فى العطاء فقيل: اجزل له فى العطاء: اذا اوسعه، و عطاء جزيل اى واسع و الواسع: الذى وسع غناه كل فقير و رحمته كل شى ء و الكريم: ذو الجود، و قاصصته مقاصه من باب قاتل اذا كان لك عليه دين مثل ما له عليك فجعلت الدين فى مقابله الدين، و الاسم: القصاص ماخوذ من اقتصاص الاثر و يجب ادغام الفعل و المصدر و اسم الفاعل يقال: قاصه مقاصه كما يقال: ساره مساره و نحو ذلك، و تضاعف اى تزيد من ضاعفت الشى ء و ضعفته و اضعفته: اذ ازدت عليه مثله الى ما زاد لان الضعف زياده غير محصوره، و يوم لقائه تعالى عباره عن يوم الجزاء. \par
008    22    (هل يجوز ان يريد المكلف بعمله العاجل و الاجل؟... معنى الزهد لغه و اصطلاحا) \par اللهم صل على محمد و آله، و ارزقنى الرغبه فى العمل لك لاخرتى حتى اعرف صدق ذلك من قلبى، و حتى يكون الغالب على الزهد فى دنياى و حتى اعمل الحسنات شوقا، و آمن من السيئات فرقا و خوفا \par رزق الرغبه فى العمل له تعالى عباره عن جذب القلب بالهدايه الى ارادته و محبته و المواظبه عليه، و المقصود به: الاحتراز عن كون العمل لله لاجل الدنيا كما نشاهده من اتخاذ كثير من الناس شعار الصالحين و اعمالهم ذريعه الى اقبال الدنيا عليهم، و نيل مطالبهم منها، و نجاح مساعيهم فيها، و اليه الاشاره بقوله تعالى: من كان يريد حرث الاخره نزد له فى حرثه و من كان يريد العاجله عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصليها مذموما مدحورا و من اراد الاخره وسعى لها سعيها و هو مومن فاولئك كان سعيهم مشكورا \par
008    22    روى عن ابن عباس ان النبى صلى الله عليه و آله قال معنى قوله تعالى: من كان يريد العاجله، الايه، من كان يريد ثواب الدنيا بعمله الذى افترضه الله عليه لا يريد به وجه الله و الدار الاخره عجل له ما يشاء الله من عرض الدنيا و ليس له ثواب فى الاخره، و ذلك ان الله سبحانه يوتيه ذلك ليستعين به على الطاعه فيستعمله فى معصيه الله فيعاقبه عليه. \par قال امين الاسلام الطبرسى فى مجمع البيان: \par فان قيل: هل يجوز ان يريد المكلف بعمله العاجل و الاجل معا؟ \par فالجواب: نعم اذا جعل العاجل تبعا للاجل كالمجاهد فى سبيل الله يقاتل لا عزاز الدين و يجعل الغنيمه تبعا، و حتى بمعنى كى التعليليه اى كى اعرف صدق ذلك من قلبى، سئل عليه السلام ان يحذب قلبه بالهدايه الى الرغبه فى العمل الموجب للفوز الاخروى بحيث لا يعتريه فى صدق الرغبه فيه جهل و لا وهم و لا غفله و لا شبهه، و الغلبه: القهر و الاستيلاء يقال: غلبه من باب ضرب غلبا و غلبا بالتسكين و التحريك فهو غالب له، و انما عداه بعلى. لتضمينه معنى الاستيلاء اى حتى يكون المستولى على: الزهد فى الدنيا، فان من صدقت رغبته فى الاخره و العمل لها غلب عليه الزهد فى الدنيا و متاعها، و لذلك قال اميرالمومنين عليه السلام: ان الدنيا و الاخره عدوان متفاوتان و سبيلان مختلفان فمن احب الدنيا و تولاها ابغض الاخره و عاداها و هما بمنزله المشرق و المغرب و ماش بينهما كلما قرب من واحد بعد عن الاخر و هما يعد ضرتان ان ارضيت احديهما اسخطت الاخرى. \par و بيان ذلك: ان الطالب لاحديهما بقدر توجهه فى طلبها و امعانه فى تحصيلها يكون غفلته عن الاخرى و بعده و انقطاعه عنها. و الزهد فضيله تحت العفه و هو لغه: ترك الميل الى الشى ء، و اصطلاحا: اعراض النفس عن الدنيا و طيباتها، و قيل: هو ترك راحه الدنيا طلبا لراحه الاخره، و قيل: هو ان يخلو قلبك مما خلت منه يدك، و الحسنات: ما ندب اليه الشارع، و السيئات: ما نهى عنه. و الفرق بالتحريك: الخوف: و المراد بالشوق: الشوق الى ثواب الله تعالى و بالخوف: الخوف من عقابه. \par فان قلت: ما معنى الامن من السيئات لاجل الخوف؟ \par قلت: معناه عدم ارتكاب السيئات، فان من لا يرتكب السيئات خوفا من العقاب \par
008    22    عليها فانه آمن من عقابها فهو من باب اطلاق اللازم على الملزوم. \par (انما و حد النور و جمع الظلمات، لان الحق واحد و الباطل) \par (اكثر من ان يحصى) \par (وهب لى نورا امشى به فى الناس، و اهتدى به فى الظلمات، و استضى ء به من الشك و الشبهات) \par فيه تلميح الى قوله تعالى: فى سوره الانعام: او من كان ميتا فاحييناه و جعلنا له نورا يمشى به فى الناس كمن مثله فى الظلمات ليس بخارج منها قيل: المراد بالنور الايمان، و قيل: العلم، و قيل: الحجج البينه و الايات، و قيل نور القرآن، و الاقوال متقاربه \par و عن ابى جعفر عليه السلام: نورا يمشى به فى الناس: اماما ياتم به، كمن مثله فى الظلمات ليس بخارج منها، قال الذى لا يعرف الامام انتهى. \par و سمى الايمان و العلم و الحجه و القرآن و الامام نورا لان الناس يهتدون بذلك و يبصرون به من ظلمات الكفر و الجهل و حيره الضلاله كما يهتدى بسائر الانوار المحسوسه فى الظلمات المحسوسه و انما وحد النور و جمع الظلمات لان الحق واحد و الباطل اكثر من ان يحصى، و الشك: الارتياب و هو خلاف اليقين و اصله اضطراب القلب و النفس، و الشبهات: جمع شبهه و هى ما يتوهم كونه حقا من الامور الباطله لتصوير الوهم لها فى صوره الحق فنشبه الحق توهما و ليست به و لذلك سميت شبهه، و قيل: هى عباره عما يشبه الحق مما يحتج به و لهذا يسمى المتكلمون ما يحتج به اهل الحق دليلا و ما يحتج به اهل الباطل شبهه. \par و فى كلام اميرالمومنين عليه السلام: و انما سميت الشبهه شبهه لانها تشبه الحق فاما اولياء الله فضياوهم فيها اليقين و دليلهم سمت الهدى و اما اعداء الله فدعاوهم فيها الضلال و دليلهم العمى. \par
009    22    (صرح ارباب العرفان بان الذثمار الجنه: هى المعارف الالهيه) \par (و النظر الى وجه الله...) \par (اللهم صل على محمد و آله، و ارزقنى خوف غم الوعيد، و شوق ثواب الموعود حتى اجد لذه ما ادعوك له، و كابه ما استجير بك منه، \par الغم فى الاصل: التغطئه و الستر و منه الغمام سمى به الكرب و الحزن لانه يستر وجه اللذه و يغطى على السرور، و فرق بينه و بين الهم: بان الهم ما يقدر الانسان على ازالته كالافساد مثلا، و الغم ما لا يقدر على ازالته كفوت المحبوب و قيل: الغم شامل لجميع انواع المكروهات، والهم بحسب ما يقصده، و الوعيد يطلق تاره على التخويف و التهديد فقيل هو مصدر وعده بالشر، قال الفيومى فى المصباح قالوا فى الخير وعده وعدا و فى الشر وعده وعيدا فالمصدر فارق، و الموعود: يحتمل ان يكون اسم مفعول صفه لمحذوف اى ثواب الخير الموعود، و يحتمل ان يكون مصدرا بمعنى الوعد، و اجد من الوجدان و هو ادراك الشى ء بالقوه الباطنه و تسمى مدركاتها: وجدانيات و اللذه: ادراك و نيل لما هو عند المدرك كمال و خير من حيث هو كذلك و هى حسيه و عقليه فالحسيه: ما استند الى احدى الحواس الظاهره و الباطنه كطعم الحلاوه عند حاسه الذوق و النور عند البصر و حضور المرجو عند الوهميه و الامور الماضيه عند القوه الحافظه تلتذ بتذكرها و العقليه: ما استند الى القوه العاقله اذ لا شك ان للقوه العاقله كما لا و هو ادراكها المجردات اليقينيه و انها تدرك هذا الكمال و تلتذ به و هو اللذه العقليه. \par اذا عرفت ذلك فلا شك ان من جمله ما يدعو عليه السلام ما تتعلق به اللذه العقليه بل هو اعظم و اهم مما يتعلق به اللذه الحسيه عند مثله عليه السلام سواء كان فى هذه النشاه او فى النشاه الاخرويه و على هذا فينبغى تعميم الوجدان بادراك ما عدا الحواس الخمس الظاهره سواء كان بالحواس الباطنه او بالقوه العاقله ليشمل الوجدان اللذه العقليه التى هى اعظم اللذات. \par فقد صرح ارباب العرفان: بان الذثمار الجنه هى المعارف الالهيه و النظر الى وجه الله \par ذى الجلال و الاكرام و ذلك من العقليات الصرفه، و الكابه: تغير النفس و انكسارها من شده الهم و الحزن كئب كابه من باب علم و اكتاب اكتابا فهو كئيب و مكتئب، و استجار به: طلب ان يحفظه فاجاره. \par
010    22    اللهم قد تعلم ما يصلحنى من امر دنياى و آخرتى فكن بحوائجى حفيا \par (الدنيا: اسم لهذه الحيوه الدنيا لدنوها و بعد الاخره عنها) \par و هذه الحاله التى سئلها عليه السلام: هى التى اشار اليها اميرالمومنين صلوات الله عليه فى خطبته التى وصف فيها المتقين بقوله: فهم و الجنه كمن قدرآها فهم فيها منعمون و هم و النار كمن قدرآها فهم فيها معذبون قال بعض العلماء: و هو اشاره الى ان العارف الموقن و ان كان فى الدنيا بجسده فهو فى مشاهدته بعين بصيرته لاحوال الجنه و سعادتها و احوال النار و شقاوتها كالذين شاهدوا الجنه بعين حسهم و تنعموا فيها، و كالذين شاهدوا النار و عذبوا فيها، و الدنيا: اسم لهذه الحيوه الدنيا لدنوها و بعد الاخره عنها. \par و روى الصدوق فى كتاب العلل عن اميرالمومنين عليه السلام: سميت الدنيا دنيا لانها ادنى من كل شى ء و سميت الاخره آخره لتاخرها، انتهى، و حفى به من باب علم حفاوه: اعتنى به و بالغ فى بره و اكرامه فهو حفى به، و منه قوله تعالى: قال سلام عليك ساستغفر لك ربى انه كان بى حفيا اى معتنيا بارا مبالغه فى الشفقه على و الاكرام لى. \par
011    22    (مدار هذا الفصل من الدعاء على طلب مقام الرضا و التسليم فى..) \par (اللهم صل على محمد و آل محمد، و ارزقنى الحق عند تقصيرى فى الشكر لك بما انعمت على فى اليسر و العسر و الصحه و السقم، حتى اتعرف من نفسى روح الرضا و طمانينه النفس منى بما يجب لك فيما يحدث فى حال الخوف و الامن و الرضا و السخط و الضر و النفع) \par الحق فى اللغه: هو الثابت الذى لا يسوغ انكاره، و يجى ء فى الاصطلاح لمعان: لموجد الشى ء على الحكمه، و لما يوجد عليها، و اعتقاد الشى ء على ما هو عليه، و للفعل او القول الواقع بحسب ما يجب، و كل ما يجب لله او لخلقه، كما يقال: الله حق، و الايمان به \par
011    22    حق، و فعله حق، و قوله حق، و هذا حق الله، او حق زيد، و المراد به هنا: ما يجب لله عليه من التسليم لامره، و الاذعان لحكمه سبحانه، و قصر فى الامر تقصيرا: توانى فيه اى لم يبادر الى القيام به و لم يهتم بشانه. \par و المعنى: الهمنى الاعتراف بالحق من التسليم لامرك و الاذعان لحكمك الجارى على وفق الحكمه حال عدم قيامى بما يجب لك من الشكر على نعمك على فى حالتى اليسر و العسر و الصحه و السقم و تعرفت ما عنده: تطلبت حتى عرفت، و الروح بالفتح: الراحه، و الرضا: سرور القلب بمر القضاء اى جريانه، اطمان القلب: سكن و لم يقلق و الاسم الطمانينه، و حدث الشى ء حدوثا من باب قعد: تجدد وجوده فهو حادث و حديث و منه يقال: حدث به عيب اذا تجدد و كان معدوما و المعنى: كى اعرف من نفسى راحه الرضا و اطمئنان نفسى بالذى يجب لك من التسليم لامرك و الاذعان لحسن قضائك فى جميع ما يتجدد من الشوون فى حال الشده و الرخاء. \par و اعلم ان مدار هذا الفصل من الدعاء على طلب مقام الرضا و التسليم فى جميع الاحوال عند التقصير فى الشكر على جميع الاحوال فان الشكر على البلاء كالشكر على النعمه حال فوق الرضا و هو حق لاريب فيه اذ كان الشكر يستلزم الرضا دون العكس فسئل عليه السلام. الاعتراف بالحق من التسليم لحسن تدبير الله تعالى له فى جميع احواله و الاذعان لحكمه احكامه الجاريه عليه اذا حصل منه تقصير فى الشكر على ذلك حتى تكون نفسه راضيه مطمئنه بذلك لا ساخطه قلقه. \par
012    22    (تمنى الانسان مثل نعمه غيره او افضل منها ليس من الحسد المذموم بل...) \par (اللهم صل على محمد و آله، و ارزقنى سلامه الصدر من الحسد حتى لا احسد احدا من خلقك على شى ء من فضلك، و حتى لا ارى نعمه من نعمك على احد من خلقك فى دين او دنيا او عافيه او تقوى اوسعه او رخاء الا رجوت لنفسى افضل ذلك بك و منك وحدك لا شريك لك) \par سلم سلامه: خلص من الافات، و المراد بالصدر: القلب، من اطلاق المحل على الحال لان القلب محله الصدر و هو مجاز مشهور، و منه: و ليبتلى الله ما فى \par
012    22    صدوركم و ما تخفى صدورهم اكبر و الله عليم بذات الصدور اى اجعل قلبى خالصا من آفه الحسد كيلا احسد احدا كائنا من كان. \par تنبيه: دل قوله عليه السلام: و حتى لا ارى نعمه الى آخره، ان ترجى و تمنى الانسان مثل نعمه غيره او افضل منها ليس من الحسد المذموم بل يستحب ذلك قوله عليه السلام: بك و منك، الباء للاستعانه او السببيه و من ابتدائيه و كلاهما متعلق برجوت، او بمحذوف منصوب على الحال من ذلك اى كائنا بك و منك وحدك، اى منفردا غير مشفوع بك غيرك، و قوله عليه السلام لا شريك لك، جمله حاليه موكده لما قبلها. \par
013    22    (طلب الاتصاف بالعدل، و سلامه النفس من الافات..) \par (اللهم صل على محمد و آله، و ارزقنى التحفظ من الخطايا، و الاحتراس من الزلل فى الدنيا و الاخره فى حال الرضا و الغضب، حتى اكون بما يرد على منهما بمنزله سواء عاملا بطاعتك، موثرا لرضاك على ما سواهما فى الاولياء و الاعداء، حتى يامن عدوى من ظلمى و جورى، و يايس وليى من ميلى و انحطاطى) \par التحفظ: الاحتراز و التوقى و الزلل اصله فى القدم يقال: زل يزل من باب ضرب زللا: اذا زلقت قدمه و لم تثبت، ثم استعمل فى القول و الراى، و قوله: فى الدنيا و الاخره، اى فى امور الدنيا و الاخره كقوله تعالى: لعلكم تفكرون فى الدنيا و الاخره اى فى الامور المتعلقه بهما، و سواء: اسم بمعنى الاستواء نعت به كما ينعت بالمصادر مبالغه و لذلك يستوى فيه المذكر و المونث و المفرد و المثنى و الجمع، قال تعالى: الى كلمه سواء بيننا و بينكم فى اربعه ايام سواء للسائلين و هو من قولهم: استوى القوم فى المال اذا لم يفضل احد منهم على الاخر فيه، و الغرض: الاتصاف \par
013    22    بالعدل و سلامه النفس من الافات المقتضيين لمراعاه الحق و اتباعه فى حال الرضا و الغضب و عدم التجاوز عنه الى الباطل كما هو مقتضى الحميه الجاهليه، و موثرا: اسم فاعل من آثره بالمد اى فضله و اختاره و قدمه، و الضمير من سواهما عائد الى الرضا و الطاعه اى موثرا لرضاك و طاعتك على ما سواهما، و قوله عليه السلام: فى الاولياء و الاعداء، متعلق بموثرا اى مقدما لرضاك و طاعتك على ما سواهما فى معامله الاولياء و الاعداء اى لا اعامل احدا منهم الا بما فيه طاعتك و رضاك فلا اميل لولى و لا احيف على عدو تبعا لهوى نفسى، قوله عليه السلام: حتى يامن عدوى من ظلمى و جورى الى آخره، تعليل لطلب كونه موترا لرضاه تعالى و طاعته فى الاولياء و الاعداء اى كى يامن عدوى ما يخافه من ظلمى له و جورى عليه بسبب العداوه، و يايس و ليى مما يطمع فيه من ميلى معه و انحطاط هواى اليه بسبب الولايه، روى يايس من ايس من باب تعب بتقديم الهمزه و يياس من باب تعب ايضا بتقديم الياء و هما لغتان، و انحطاط الهوى: عباره عن سرعه ميله و انحداره نحو من يهواه. \par
014    22    (و اجعلنى ممن يدعوك مخلصا فى الرخاء دعاء المخلصين المضطرين لك فى الدعاء انك حميد مجيد) \par هذا سوال للتوفيق للدعاء فى جميع الاوقات لانه مع كونه عباده ينفع صاحبه اذا دعا عند نزول البلاء و حال الاضطرار و يوجب كشفه سريعا كما وردت بذلك اخبار كثيره و يسعى التقدم فى الدعاء و قد عقد له ثقه الاسلام فى الكافى بابا، و روى فيه بسند صحيح عن ابيعبدالله عليه السلام قال: من تقدم فى الدعاء استجيب له اذا نزل به البلاء و قيل صوت معروف و لم بحجب من السماء، و من لم يتقدم فى الدعاء لم يستجب له اذا نزل به البلاء و قالت الملائكه ان ذا الصوت لا نعرفه. \par و عنه عليه السلام: قال: من تخوف بلاء يصيبه فتقدم فيه بالدعاء لم يره الله عز و جل ذلك البلاء ابدا. \par و عنه عليه السلام قال: ان الدعاء فى الرخاء يستخرج الحوائج فى البلاء. \par
014    22    و عنه عليه السلام: من سره ان يستجاب له فى الشده فليكثر الدعاء فى الرخاء. \par و عنه عليه السلام قال: كان جدى يقول: تقدموا فى الدعاء فان العبد اذا كان دعاء فنزل به البلاء قيل صوت معروف و اذا لم يكن دعاء فنزل به البلاء فدعا قيل اين كنت قبل اليوم؟ \par و عن ابى الحسن الاول قال كان على بن الحسين عليه السلام يقول: الدعاء بعد ما ينزل البلاء لا ينتفع به قوله صلى الله عليه و آله: انك حميد مجيد، تعليل لدعائه تعالى و سواله او لاستدعاء توفيقه لدعائه فى كل حال، و الحميد: قيل فاعل ما يستوجب الحمد، و قيل هو المحمود المثنى عليه و الله تعالى هو الحميد يحمده لنفسه ازلا و يحمده عباده له ابدا و يرجع هذا الى صفات الجلال و العلو و الكمال منسوبا الى ذكر الذاكرين له فان الحمد هو ذكر اوصاف الكمال من حيث هو كمال، و المجيد، قيل: الجميل افعاله، و قيل: الكثير افضاله، و قيل: الذى لا يشارك فيما له من اوصاف المدح و قال فى المقصد الاقصى: هو الشريف ذاته، الجميل افعاله، الجزيل عطائه و نواله فكان شرف الذات اذا قارنه حسن الفعال سمى مجدا و هو الماجد ايضا ولكن المجيد ادل على المبالغه فكانه يجمع معنى اسم الجليل و الوهاب و الكريم. \par
001    23    الدعاء الثالث و العشرون: \par من ادعيه الصحيفه السجاديه: دعائه عليه السلام اذا سئل العافيه و شكرها \par \par
001    23    بسم الله الرحمن الرحيم \par
001    23    (يجوز اطلاق التصدق على عطائه تعالى، خلافا لمن منع ذلك) \par قال صلوات الله و سلامه عليه: \par (اللهم صل على محمد و آله. و البسنى عافيتك، و جللنى عافيتك، و حصنى بعافيتك، و اكرمنى بعافيتك و اغننى بعافيتك، و تصدق على بعافيتك، و هب لى عافيتك، و افرشنى عافيتك، و اصلح لى عافيتك، و لا تفرق بينى و بين عافيتك فى الدنيا و الاخره) \par البسته الثوب فلبسه و جلله: غطاه و هو من جلل المطر الارض اذا عمها و طبقها فلم يدع شيئا الاغطى عليه و يتعدى الى الثانى بنفسه و بالباء فيقال: جلله اياه و جلله به، و حصن نفسه و ماله تحصينا و احصنه احصانا: منعه و حفظه كانه ادخله الحصن و هو المكان الذى لا مقدر عليه لارتفاعه، و الاكرام: يكون بمعنى الاعزاز و التعظيم و يكون بمعنى التنزيه و الاغناء: اما من الغنى بالكسر و القصر بمعنى الثروه و الجده او من الغناء بالفتح و المد بمعنى الكفايه، و قيل هما بمعنى و هو ضد الفقر، و تصدق على الفقراء بكذا اعطاهم صدقه و هى العطيه يبتغى بها المثوبه من الله و المراد بالتصدق هنا: مطلق العطاء دون قيد ابتغاء الثواب من باب اطلاق الخاص على العام و المقيد على المطلق مجازا، و آثر التعيير بالتصدق نظرا الى فقره و غناه تعالى من حيث ان الصدقه انما تكون للفقراء من الغنى و فيه شاهد على جواز اطلاق التصدق على عطائه تعالى خلافا لمن منع ذلك، و وهبت لزيد مالا: ملكته اياه بلاعوض، و افرشت زيدا فراشا و فرشته فرشا: بسطته له، و اصلحت الشى ء: ازلت فساده و جعلته منتفعا به. \par
002    23    (طلب العافيه الكافيه الشافيه العاليه الناميه..) \par (اللهم صل على محمد و آله، و عافنى عافيه كافيه شافيه عاليه ناميه، عافيه تولد فى بدنى العافيه، عافيه الدنيا و الاخره) \par عافيه منصوب على المفعوليه المطلقه مبين لنوع عامله لكونه موصوفا، و كافيه صفه له و شافيه و ما بعده يحتمل الوصفيه و الحاليه و عافيه الثانيه بدل من عافيه الاولى بدل كل و فائدتها: التاكيد و الننصيص على ان العافيه الموصوفه بالصفات المذكوره هى العافيه التى تولد فى بدنى العافيه، و قوله عليه السلام: عافيه الدنيا و الاخره بدل من العافيه بدل كل ايضا، و معنى كونها كافيه اى مغنيه عن الاطباء او عن سوال عافيه اخرى معها. و شافيه اى معدله للاخلاط فان معنى الشفاء: رجوع الاخلاط الى الاعتدال، او مزيله للامراض من شفا الله المريض: اذا اصحه، و عاليه اى رفيعه لا تنالها الاسقام و العلل او عاليه للمرض قاهره له من علافلان فلانا: اذا غلبه و قهره، و ناميه اى زائده كثيره من نما الشى ء ينمى من باب رمى نماء بالفتح و المد، و فى لغه ينمونموا من باب قعد اى زاد و كثر، و تولد اى تنشى ء من تولد الشى ء عن غيره اى نشاعنه، و الالف و اللام فى العافيه للجنس باعتبار تحققه فى ضمن جميع افراده و هو المعبر عنه بالاستغراق الحقيقى و لهذا ابدل منها قوله: عافيه الدنيا و الاخره توضيحا و تفسيرا للشمول المقصود من تعريف العافيه و المعنى تولد فى بدنى كل عافيه دنيويه و اخرويه. \par
003    23    (قال بعض ارباب القلوب: اذا قيل لك هل تخاف الله؟ فاسكت..) \par (و امنن على بالصحه و الامن و السلامه فى دينى و بدنى، و البصيره فى قلبى، و النفاذ فى امورى و الخشيه لك، و الخوف منك، و القوه على ما امرتنى به من طاعتك، و الاجتناب لما نهيتنى عنه من معصيتك) \par الصحه: البرء من المرض و البرائه من كل عيب، قال الفيومى: الصحه فى البدن: حاله طبيعيه تجرى افعاله معها على المجرى الطبيعى، و قد استعيرت للمعانى فقيل: صحت الصلوه اذا اسقطت القضاء، و صح العقد: اذا ترتب عليه اثره، و صح الخبر. اذا طابق الواقع، و الامن: عدم توقع مكروه فى المستقبل، و السلامه: الخلوص من الافات، \par
003    23    و دان بالاسلام دينا بالكسر: تعبد به، و البدن فى اللغه من الجسد ما سوى الراس و الاطراف، و المراد به هنا جميع الجسد، و البصيره: قوه القلب المنور بنور القدس يرى بها حقائق الاشياء و بواطنها و هى بمثابه البصر للنفس ترى به صور الاشياء و ظواهرها و هى التى تسميها الحكماء: العاقله النظريه و القوه القدسيه، و نفذ فى الامر و القول من باب قعد نفوذا و نفاذا: مضى، و امر نافذ اى ماض مطاع، و الخشيه: تالم القلب بسبب توقع مكروه فى المستقبل، و الخوف بمعناها و هما يكونان: تاره بكثره الجنايه من العبد، و تاره بمعرفه جلال الله سبحانه و هيبته، و خشيه الانبياء و الائمه عليهم السلام و خوفهم من هذا القبيل، و قد تقدم كلام المحقق الطوسى طاب ثراه فى الفرق بين الخوف و الخشيه فليرجع اليه \par قال بعض العارفين: اذا احترقت جميع الشهوات بنار الخوف ظهر فى القلب الذبول و الخشوع و الانكسار وزال عنه الحقد و الكبر و الحسد و صار كل همه النظر فى خطر العاقبه فلا بتفرغ لغيره و لا يصير له شغل الا المراقبه و المحاسبه و المجاهده و الاحتراز من تضييع الانفاس و الاوقات و مواخذه النفس فى الخطوات و الخطرات، و اما الخوف الذى لا يترتب عليه شى ء من هذه الاثار فلا يستحق ان يطلق عليه اسم الخوف و انما هو حديث النفس. \par و لهذا قال بعض ارباب القلوب: اذا قيل لك هل تخاف الله؟ فاسكت عن الجواب فانك ان قلت لا، كفرت، و ان قلت نعم، كذبت، و القوه: تمكن الحيوان من الافعال الشاقه و لا يبعد ان يكون المراد بها هنا: الجد و العزيمه كما فسر به قوله تعالى: خذوا ما آتيناكم بقوه اى بعزيمه و جد غير متكاسلين و لا متغافلين، و عن الصادق عليه السلام: ان المراد بها قوه الابدان و القلوب جميعا، و الاجتناب: مطاوع جنبته الشر جنوبا من باب قعد: ابعدته و نحيته عنه فاجتنبه، و منه: اجنبنى و بنى ان نعبد الاصنام \par
004    23    (بعض الاخبار الوارده فى فضل الحج و العمره، و زياره النبى (ص)) \par (اللهم و امنن على بالحج و العمره، و زياره قبر رسولك، صلواتك عليه و رحمتك و بركاتك عليه و على آله، و آل رسولك عليهم السلام ابدا ما ابقيتنى فى عامى هذا و فى كل عام، و اجعل ذلك مقبولا مشكورا مذكورا لديك، مذخورا عندك) \par الحج لغه: القصد، حج حجا من باب قتل: قصد فهو حاج، و قيل: هو القصد الى الشى ء المعظم، و شرعا: قصد بيت الله تعالى بصفه مخصوصه فى وقت مخصوص بشرايط مخصوصه، و الاسم: الحج بالكسر، و العمره: اسم من الاعتمار و هو لغه: الزياره، اخذا من العماره لان الزائر يعمر المكان بزيارته، و شرعا: زياره بيت الله الحرام بعمل مخصوص، و هى واجبه عندنا مثل الحج، و به قال الشافعى فى الجديد، و تسمى الحج الاصغر. \par روى ثقه الاسلام فى الكافى بسند حسن او صحيح عن ابى عبدالله عليه السلام قال: لما افاض آدم من منى تلقته الملائكه فقالوا يا آدم بر حجك، اما انه قد حججنا هذا البيت قبل ان تحجه بالفى عام، و قد ورد فى فضل الحج و العمره و ثوابهما من الاخبار مالا يحصى. \par فعن ابى عبدالله عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه و آله: الحجه ثوابها الجنه و العمره كفاره لكل ذنب. \par و عنه عليه السلام: ضمان الحاج و المعتمر على الله: ان ابقاه بلغه اهله، و ان اماته ادخله الجنه. \par و عنه عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه و آله: تابعوا بين الحج و العمره فانهما ينفيان الفقر و الذنوب كما ينفى الكير خبث الحديد. \par و عنه عليه السلام: الحاج و المعتمر وفد الله ان سئلوه اعطاهم و ان دعوه اجابهم و ان \par
004    23    شفعوا شفعهم و ان سكنوا ابتدئهم و يعوضون بالدرهم الف درهم. \par و لما كان من المستحبات الموكده ان يختم الحاج حجه بالورود الى المدينه المشرفه لزياره النبى صلى الله عليه و آله و زياره اهل بيته سلام الله عليهم اجمعين سئل عليه السلام ذلك: بقوله: قبر رسولك الى آخره. \par روى ابوحجر الاسلمى عن ابى عبدالله عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه و آله من اتى مكه حاجا و لم يزرنى فى المدينه جفوته يوم القيمه و من آتانى زائرا و جبت له شفاعتى و من وجبت له شفاعتى و جبت له الجنه. \par و من الاخبار المستفيضه عنه صلى الله عليه و آله: من حج و لم يزرنى فقد جفانى. \par و بسند صحيح عن ابيجعفر عليه السلام قال: ابداوا بمكه و اختموا بنا. \par و عن المعلى ابى شهاب قال قال الحسين عليه السلام لرسول الله صلى الله عليه و آله يا ابتاه ما لمن زارك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و آله يا بنى من زارنى حيا او ميتا او زار اباك او زار اخاك او زارك كان حقا على ان ازوره يوم القيمه و اخلصه من ذنوبه. \par (قال العلماء: الشكر عباره عن مجموع امور ثلثه...) \par قوله عليه السلام: صلواتك و رحمتك و بركاتك عليه و على آله، جمله دعائيه معترضه بين المعطوف و المعطوف عليه لا محل لها من الاعراب، و الصلوه من الله قيل: المغفره و الرحمه، و قيل: الثناء، و قيل: الكرامه، و المراد برحمته تعالى: رحمته التى وسعت كل شى ء و استتبعت كل خير، و بركاته: خيراته الناميه الفائضه منه بواسطه رحمته المستتبعه لكل خير الواسعه لكل شى ء، قوله عليه السلام: و آل رسولك عليهم السلام، عطف على قبر رسولك اى و زياره قبور آل رسولك، و حذف المضاف للعلم به ولدلاله ما تقدم عليه. \par روى عن ابى الحسن الرضا عليه السلام: ان لكل امام عهدا فى عنق شيعته و اوليائه و ان من تمام الوفاء بالعهد و حسن الاداء زياره قبورهم فمن زارهم عليهم السلام رغبه فى زيارتهم و تصديقا بما رغبوا فيه كان ائمتهم شفعائهم يوم القيمه. \par و عن زيد الشحام قال قلت لابى عبدالله عليه السلام: ما لمن زار رسول الله صلى الله عليه و آله؟ قال كمن زار الله عز و جل فوق عرشه، قال قلت: فما لمن زار احدا منكم؟ قال كمن زار رسول الله صلى الله عليه و آله. \par
004    23    قوله عليه السلام: ابدا ما ابقيتنى فى عامى هذا و فى كل عام، الابد: الدهر، و قيل: الدهر الطويل لاحد له، و نصبه على الظرف اى دهرا طويلا و هو متعلق بامنن، و ما، من قوله: ما ابقيتنى: مصدريه زمانيه اى مده بقائى، و قوله: فى عامى هذا، متعلق بامنن قيل: او بابقيتنى، و العام: الحول، و قد تقدم ان العام اخص من السنه و ان عدم الفرق بينهما غلط و قوله: هذا، صفه للعام بتاويل الحاضر، قوله عليه السلام: و اجعل ذلك مقبولا الى آخره، ذلك: اشاره الى المذكور من الحج و العمره و الزياره، و ما فيه من معنى البعد للاشعار بعلو درجته و بعد منزلته فى الفضل، و المقبول: المرضى لله او المثاب عليه، و المشكور: المعامل معاله ما يشكر عليه فى حسن الجزاء. \par قال العلماء: الشكر عباره عن مجموع امور ثلثه: اعتقاد كون العامل محسنا فى تلك الاعمال، و الثناء عليه بالقول، و الاتيان بافعال تدل على كونه مطيعا عند ذلك الشاكر، و الله تعالى يعامل المطيعين بهذه الامور الثلثه لانه يعلم كونهم محسنين فى تلك الاعمال، و انه يثنى عليهم بكلامه. و يعاملهم المعاملات الداله على كونهم مطيعين عند الله، و المذخور: ما اعد لوقت الحاجه اليه اى اجعل ثوابه ذخرا وعده ليوم فاقتى اليه و هو يوم القيمه. \par
005    23    (معنى شرح الصدر و ضيقه، و اماره شرح الصدر..) \par (و انطق بحمدك و شكرك و ذكرك و حسن الثناء عليك لسانى، و اشرح لمراشد دينك قلبى). \par اى الهم لسانى النطق بذلك، و قد يراد بانطاقه تعالى: اقداره على النطق كما فى قوله: قالوا انطقنا الله الذى انطق كل شى ء و هذا المعنى ليس مرادا هنا لانه واقع فلا فائده فى طلبه، و شرح فلان امره: اذا اظهره و اوضحه، و منه شرح المسئله: اذا بينها و فسرها و اوضح معناها، و شرح الله صدره للاسلام: وسعه لقبول الحق، و لا شك ان توسيع الصدر و القلب غير ممكن على سبيل الحقيقه و لكنه كنايه عن جعل القلب قابلا للحق مهيئا لحلوله فيه، مصفى عما يمنعه و ينافيه. \par
005    23    قال النظام النيسابورى: اذا اعتقد الانسان فى عمل من الاعمال ان نفعه زائد و خيره راجح مال طبعه اليه و قوى طلبه و رغبته فى حصوله و ظهر فى القلب استعداد شديد لتحصله فسميت هذه الحاله سعه الصدر، و ان حصل فى القلب علم او اعتقاد او ظن يكون ذلك العمل مشتملا على ضرر زائد و مفسده راجحه دعاه ذلك الى تركه و حصل فى النفس نبوه عن قبوله فيقال لهذه الحاله ضيق الصدر لان المكان اذا كان ضيقا لم يتمكن الداخل من الدخول فيه و اذا كان واسعا قدر على الدخول فيه، و اكثر استعمال شرح الصدر فى جانب الحق و الاسلام، و قد ورد فى الكفر ايضا قال تعالى: و لكن من شرح بالكفر صدرا \par قال امين الاسلام الطبرسى: قد وردت الروايه الصحيحه انه لما نزل قوله تعالى فمن يرد الله ان يهديه يشرح صدره للاسلام سئل رسول الله صلى الله عليه و آله عن شرح الصدر ما هو؟ فقال: نور يقذفه الله فى قلب المومن فينشرح له صدره و ينفسح، قالوا: فهل لذلك من اماره يعرف بها؟ قال: نعم، الانابه الى دار الخلود، و التجا فى عن دار الغرور، و الاستعداد للموت قبل نزول الموت. \par قال النيسابورى و هذا البيان مناسب لما ذكرنا فان الانابه الى دار الخلود لابد ان يترتب على اعتقاد ان عمل الاخره زائد النفع و الخير، و التجافى عن دار الغرور انما ينبعث عن اعتقاد كون عمل الدنيا زائد الضر و الضير و الاستعداد للموت قبل نزوله نتيجه مجموع الامرين: الزهد فى الدنيا و الرغبه فى الاخره، و المراشد: جمع مرشد و هو اما مصدر ميمى بمعنى الرشد كالمقصد بمعنى القصد و جمع باعتبار الانواع، او اسم موضع قال الجوهرى: المراشد: المقاصد من الطرق اى الطرق المستقيمه فان قصد الطريق هو استقامه و المعنى: شرح قلبى لقبول مراشد دينك اى هداياته او لسلوك مراشده اى طرقه المستقيمه و الله اعلم. \par
006    23    (طلب الحفظ و العصمه من الله تعالى من الشيطان.) \par (و من شر السامه و الهامه و..) \par (و اعذنى و ذريتى من الشيطان الرجيم، و من شر السامه و الهامه و العامه و اللامه و من شر كل شيطان مريد، و من شر كل سلطان عنيد، و من شر كل مترف حفيد، و من شر كل ضعيف و شديد، و من شر كل شريف و وضيع، و من شر كل صغير و كبير، و من شر كل قريب و بعيد، و من شر كل من نصب لرسولك و لاهل بيته حربا من الجن و الانس، و من شر كل دآبه انت آخذ بناصيتها انك على صراط مستقيم) \par اى اجرنى بحفظك و اعصمنى، و ذريتى عطف على الضمير و الرجيم: المطرود و السامه اذا قرنت بالهامه فالمراد بها: ما يسم و لا يبلغ ان يقتل بسمه كالعقرب و الزنبور و الهامه: كل ذات سم يقتل كالحيه و اذا قرنت بالعامه او الهامه فالمراد بها الخاصه، و منه: من قال حين يمسى او يصبح: اعوذبك من شر السامه و الهامه و من شر ما خلقت، لم تضره دابه قال الزمخشرى فى الفائق اى الخاصه و العامه، انتهى، و الهامه كما تطلق على العامه تطلق على خاصه الرجل من اهله و ولده لكن عطفها على السامه عين كون المراد بها المعنى الاول، و قد تقع الهامه على ما يدب من الحشرات و ان لم يقتل، و اللامه كل ما يخاف من فزغ و شر، او المراد بها: العين اللامه اى المصيبه بسوء، و منه: اعوذ بكلمات الله التامه من كل عين لامه، و قيل اى ذات لمم و هو طرف من الجنون، و المريد: العاتى، قال فى القاموس: مرد كنصرو كرم مرودا و مراده فهو ما رد و منمرد: اقدم و عتا، و المراد: اما ابليس و جنوده، او روس اهل الفساد و الشر الذين يدعون من دونهم الى الغى و الضلال، و العنيد: الجائر عن القصد، الباغى الذى يرد الحق مع العلم به فعيل من عند عن القصد عنودا من باب قعد اى جار، والمترف: المتنعم المتوسع فى ملاذ الدنيا و شهواتها الذى قد اترفته و ابطرته النعمه وسعه العيش، قال ابن عرفه: المترف: المتروك يصنع ما يشاء لا يمنع منه، و فى القاموس: المترف: المتنعم لايمنع من تنعمه، و الجبار، و قال الفارابى فى ديوان الادب: ارتفته النعمه اى اطفته، و الحفيد فعيل بمعنى مفعول و هو الذى يخدمه اصحابه و يعظمونه و يسرعون فى خدمته و اصله من حفد من باب ضرب اى اسرع، و حفدت فلانا: خدمته، و رجل محفود: مخدوم \par
006    23    مطاع، و ضعف عن الشى ء من باب قرب: عجز عن احتماله فهو ضعيف، و شد الشى ء يشد من باب ضرب: قوى فهو شديد، و المراد كل ضعيف و شديد جسما و معنى، و الشريف: الماجد الرفيع القدر، و الوضيع: الساقط لا قدر له، و المراد بالصغير و الكبير اما باعتبار السن او باعتبار المهانه و القدر، قال الفيومى: صغر فى عيون الناس: ذهبت مهابته، و منه يقال جاء الناس صغيرهم و كبيرهم اى من لا قدر له و من له قدر، و القريب و البعيد: اما باعتبار المسافه او باعتبار النسب، و نصبت لزيد الحرب و العداوه: اقمتها و اظهرتها له، و منه الناصب وهو معلن العداوه لعلى عليه السلام و شيعته، قال فى القاموس: النواصب و الناصبيه و اهل النصب: المتدينون ببغضه على عليه السلام لانهم نصبوا له اى عادوه، و الدابه كل حيوان فى الارض، و اما تخصيص الفرس و البغل بالدابه عند الاطلاق فعرف طارى و تطلق الدابه على الذكر و الانثى: و الجمع: الدواب، و قوله عليه السلام: انت آخذ بناصيتها، اى مالك لها قادر عليها تصرفها كيف تشاء غير مستعصيه عليك فان الاخذ بالناصيه تمثيل، لذلك، و قد تقدم منى الناصيه و قوله عليه السلام: انك على صراط مستقيم، تعليل لما يدل عليه عموم طلب اعاذته من شر كل حيوان يدب على وجه الارض حتى لا يكون له قدره على اضراره اى انك على طريق الحق و العدل فى ملكك فلا تسلط على شيئا من ذلك اذ لا يضيع عندك معتصم بك، و فيه اقتباس من قوله تعالى: انى توكلت على الله ربى و ربكم ما من دابه الا هو آخذ بناصيتها ان ربى على صراط مستقيم. \par
007    23    (طلب الصرف و الرد من الله تعالى سوء من قصد السوء و..) \par (اللهم صل على محمد و آله، و من ارادنى بسوء فاصرفه عنى، و ادحر عنى مكره، و ادراعنى شره و رد كيده فى نحره \par الاراده هنا بمعنى القصد اى من قصدنى بسوء، و صرفت الشى ء صرفا من باب ضرب رددته اى فرده عنى، و دحره دحرا و دحورا من باب منع: طرده و ابعده و دفعه، و المكر: ايصال مكروه الى الانسان من حيث لا يشعر، و درات الشى ء درءا بالضر من باب نفع: دفعته، و الكيد: اراده مضره الغير خفيه. و النحر: موضع القلاده من الصدر، و قد يطلق على الصدر، و رد كيده فى نحوه كنايه عن رجع كيده عليه و صرفه اليه و انما خص النحر لانه اعظم المقاتل و بين يديه اى قدامه، \par
008    23    و اجعل بين يديه سدا حتى تعمى عنى بصره و تصم عن ذكرى سمعه و تقفل دون اخطارى قلبه و تخرس عنى لسانه و تقمع راسه، و تذل عزه، و تكسر جبروته، و تذل رقبته، و تفسخ كبره، و تومنى من جميع ضره و شره و غمزه و همزه و لمزه و حسده و عداوته و حبائله و مصائده و رجله و خيله انك عزيز قدير) \par
008    23    و السد بالفتح و الضم: الجبل و الردم و الحاجز بين الشيئين- و قيل: المضموم ما كان من خلق الله كالجبل، و المفتوح ما كان من عمل بنى آدم، و هو تمثيل لطلب منعه عن وصوله اليه كالمسدود عليه طريقه، و العمى: عدم البصر عما من شانه ان يبصر و الصمم: آفه ما نعه من السماع، و الخرس: البكم و هو آفه فى اللسان تمنع من الكلام، و ليس المراد ان يحدث هذه الافات ببصره و سمعه و لسانه بل المراد ان يجعله غافلا عنه فلا يعمل بصره و سمعه و لسانه فى امره بسوء حتى كانه اعماه و اصمه و اخرسه، و لذلك قيده بقوله: عنى، و اقفلت الباب اقفالا: وضعت عليه القفل بالضم و هو الحديد الذى يغلق به الباب فهو مقفل، و خطر الشى ء فى باله خطرا و خطورا من بابى قعد و ضرب: مر بفكره و ذلك اذا ذكره بعد نسيان، و دون بمعنى عند اى عند اخطارى و منه: من قتل دون ماله، اى عند ماله، او بمعنى قدام اى قدام اخطارى، و منه: من قتل دون دينه اى قدامه بان قصد كافر او مبتدع خذلانه فى دينه او توهينه فيه و هو يذب عنه كالحامى له، و قمعته قمعا من باب منع ضربته بالمقمعه بكسر الاول و هى خشبه يضرب بها الانسان على راسه ليذل و يهان، و فى القاموس: المقمعه: كمكنسه العمود من حديد، او كالمحجن يضرب به راس الفيل و خشبه يضرب بها الانسان على راسه. الجمع: مقامع، قمعه كمنعه: ضربه بها و قهره و ذلله، و المراد بقمع الراس هنا: القهر و الاذلال و الاهانه او الردع و الكف من قمعه قمعا: ردعه و كفه، و خص الراس بالذكر لانه مجمع الحواس، و رئيس الاعضاء، و الجبروت بفتح الباء: الكبر و التعاظم و القهر، قيل هو مصدر على زنه المبالغه لان الواو و التاء تزادان للمبالغه كالرهبوت و الملكوت، و المراد بكسره: اضعافه و اذلاله و الرقبه: العنق فجعلت كنايه عن جميع الذات، و قد مر بيانه فيما سبق و فسخ ثوبه \par
008    23    من باب منع فسخا: نزعه، و البيع: نقضه، و الكبر بالكسر: الاسم من التكبر و هو العظمه و مثله الكبرياء، و آمنه مما يخاف بمد الهمزه جعله آمنا لا يخاف غائلته، و الضر بفتح الضاد مصدره ضره يضره من باب قتل: اذا فعل به مكروها. \par قال ابن القوطبه كلما كان من سوء حال و فقر و شده فى بدن فهو ضر بالضم، و ما كان ضد النفع فهو بفتحها، و الشر: الفساد و الظلم، و غمز بالحاجب و العين غمزا من باب ضرب: اشار، و غمز فيه: طعن، و بالرجل: سعى به شرا، و همزه همزا من باب ضرب: اغتابه فى غيبه، و فى النهايه: الهمز: الغيبه و الوقيعه فى الناس و ذكر عيوبهم، و لمزه لمزا من باب ضرب ايضا: عابه، و قيل: الهمز: العيب فى الغيبه و اللمز: العيب فى الوجه و منه الحديث. اعوذبك من همز الشيطان و لمزه، و الحبائل جمع حباله و هى الشرك التى يصادبها، و المصايد بغير همز جمع مصيد بكسر الميم و سكون الصاد و فتح الياء و هى آله الصيد و كلاهما استعاره للامور التى يوطئها لا يقاعه بها فى المكاره، و الخيل: الخياله و هم الفرسان و منه قوله صلى الله عليه و آله يا خيل الله اركبى، و الرجل بفتح الراء و سكون الجيم: اسم جمع للراجل كالصحب و الركب للصاحب و الراكب، قيل هما كنايه عن اعوانه من كل راكب و ماش، و الاقرب: ان هذا الكلام اورد مورد التمثيل: فقد يقال: للرجل المجد فى الامر: جئنا بخيلك و رجلك مثل حاله فى جده و جهده لا يقاعه به بصاحب جند من خياله و رجاله و قوله عليه السلام: انك عزيز قدير، تعليل للاستدعاء القبول و تاكيد الجمله لقوه عرض يقينه بمضمونها. \par
001    24    الدعاء الرابع و العشرون: \par من ادعيه الصحيفه السجاديه: دعائه عليه السلام لابويه عليهماالسلام \par \par
001    24    بسم الله الرحمن الرحيم \par (القول فى تعظيم الابوين و الاحسان اليهما...) \par اعلم ان تعظيم الابوين امر معتبر فى جميع الشرايع و مركوز فى كل العقول و حسبك ان الله سبحانه نص على ذلك فى غير موضع من كتابه المجيد. و ورد فى الاخبار النبويه ما تضيق عنه نطاق الحصر، و من تعظيمهما و الاحسان اليهما: ان يحبهما من صميم القلب و يراعى دقائق الادب فى خدمتهما، و الشفقه عليهما و يبذل وسعه فى رضاهما، و لا يمنع كرائم امواله عنهما و يجتهد فى تنفيذ وصايا هما و يذكر هما فى صالح دعائه كما ارشد الله تعالى الى جميع ذلك فى قوله سبحانه: و قضى ربك ان لا تعبدوا الا اياه و بالوالدين احسانا اما يبلغن عندك الكبر احدهما او كلاهما فلا تقل لهما اف و لا تنهر هما و قل لهما قولا كريما و اخفض لهما جناح الذل من الرحمه و قل رب ارحمهما كما ربيانى صغيرا قال امين الدين الطبرسى: معناه: ادع لهما بالمغفره و الرحمه فى حياتهما و بعد مماتهما جزاء لتربيتهما اياك فى صباك و هذا اذا كانا مومنين و فى هذا دلاله على ان دعاء الولد لوالده الميت مسموع، و الا لم يكن لامره به معنى. \par و روى ابوسعيد الانصارى قال: بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه و آله اذ جاء رجل من بنى سلمه فقال: يا رسول الله! هل بقى من بر و الدى شى ء ابر هما به بعد موتهما؟ فقال: نعم، الصلوه عليهما، و الاستغفار لهما، و انفاذ عهدهما من بعدهما، و اكرام صديقهما، و صله الرحم التى لا توصل الا بهما. \par و روى ثقه الاسلام فى الكافى بسنده عن ابى عبدالله عليه السلام قال: ما يمنع الرجل \par
001    24    منكم ان يبر والديه حيين او ميتين: يصلى عنهما، و يتصدق عنهما، و يصوم عنهما فيكون الذى صنع لهما، و له مثل ذلك فيزيده الله عز و جل ببره و صلاته خيرا كثيرا. \par و عن ابى جعفر عليه السلام قال: ان العبد ليكون برا بوالديه فى حياتهما ثم يموتان فلا يقضى عنهما دينهما و لا يستغفر لهما فيكتبه الله عاقا، و انه ليكون عاقا لهما فى حياتهما غير بار بهما فاذا ما تقاضى دينهما و استغفر لهما فيكتبه الله عز و جل بارا. \par تنبيه: ظاهر قوله تعالى: و قل رب ارحمهما، ان الامر للوجوب من غير تكرار فيكفى فى العمر مره واحده: رب ارحمهما. \par (انما جعل الله سبحانه الاحسان الى الوالدين تاليا لعبادته و.. لوجوه..) \par ارشاد: قال العلماء: انما جعل الله سبحانه الاحسان الى الوالدين تاليا لعبادته و شكرهما تاليا لشكره فى قوله تعالى: لا تعبدوا الا اياه و بالوالدين احسانا و قوله تعالى: ان اشكرلى و لوالديك لوجوه: \par منها- انهما سبب وجود الولد كما انهما سبب التربيه و غير الوالدين قد يكون سبب التربيه فقط فلا انعام بعد انعام الله تعالى اعظم من انعام الوالدين. \par و منها- ان انعامهما شبه انعام الله تعالى من حيث انهما لا يطلبان بذلك ثناء و لا ثوابا: انما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء و لا شكورا \par و منها- ان المحبه و المناسبه و الميل بين الوالد و ولده ذاتيه حتى عمت جميع الحيوان كما ان المناسبه بين الواجب و الممكن ذاتيه لا عرضيه و هاهنا اسرار فليتامل. \par و منها- انه لا كمال يمكن للولد الا يطلبه الوالد لاجله و يريده عليه كما ان الله تعالى لاخير يمكن للعبد الا يريده عليه و لهذا ارسل الرسل و انزل الكتب و نصب الادله و ازاح العله، و من غايه شفقه الوالدين انهما لا يحسدان ولدهما اذا كان خيرا منهما بل يتمنيان ذلك بخلاف غيرهما، فانه لا يرضى ان يكون غيره خيرا منه اذا عرفت ذلك \par
001    24    فمن عظيم الجهل ما حكى ان بعض المتسمين بالحكمه كان يضرب اباه و يقول هو الذى ادخلنى فى عالم الكون و الفساد و عرضنى للفقر و العمى و الزمانه، و ما روى عن ابى العلاء المعرى انه امر ان يكتب على قبره هذا الشعر: \par هذا جناه ابى على \par و ما جنيت على احد \par و قال فى ترك التزوج و الولد: \par و تركت فيهم نعمه العدم التى سبقت \par و صدت عن نعيم العاجل \par و لو انهم و لدوا لعانوا شده \par ترمى بهم فى موبقات الاجل \par و قال بعض الحكماء: \par قبح الله لذه قد تولت \par نالها الامهات و الاباء \par نحن لولا الوجود لم نالم الفقد \par فايجادنا علينا بلاء \par و هذا كله جهل منهم بنعمه الوجود المستتبعه لجميع النعم و المنافع فى الدارين، و يحكى ان الاسكندر كان يعظم استاذه اكثر من تعظيمه والده فقيل له فى ذلك؟ فقال ان الاستاذ اعظم منه لانه تحمل انواع الشدائد و المحن عند تعليمى حتى اوقعنى فى نور العلم و اما الوالد فانه طلب لذه الوقاع لنفسه فاخرجنى الى آفات الكون و الفساد، قال العقلاء: هب ان الوالد فى اول الامر طلب لذه الوقاع الا ان اهتمامه بايصال الخيرات الى الولد و دفع الافات عنه من اول دخول الولد فى الوجود الى ان كبره بل الى آخر عمره لا ينكر و لا يكفر. \par
001    24    (بدء عليه السلام بالدعاء للنبى صلى الله عليه و آله، لوجوه...) \par قال امام المتقين و سيد العابدين صلوات الله و سلامه عليه و على آبائه و ابنائه الطاهرين \par (اللهم صل على محمد عبدك و رسولك و اهل بيته الطاهرين، و اخصصهم بافضل صلواتك و رحمتك و بركاتك و سلامك) \par بدا عليه السلام بالدعاء للنبى صلى الله عليه و آله لوجوه: \par احدها- ما مر غير مره من انه اعظم اسباب اجابه الدعاء \par
001    24    الثانى- كونه اشرف آبائه عليهم السلام من جهه النسب الحقيقى. \par الثالث- كونه صلى الله عليه و آله ابا معنويا لامته فيجب الدعاء له على كل احد من امته من هذه الجهه، قال المفسرون فى قوله تعالى: ما كان محمد ابا احد من رجالكم ولكن رسول الله معنى هذا الاستدراك هو اثبات الابوه من هذه الجهه لان النبى كالاب لامته من حيث الشفقه و النصيحه و رعايه حقوق التعظيم معه، و اكد هذا المعنى بقوله: و خاتم النبيين لان النبى اذا علم ان بعده نبيا آخر فقد ترك بعض البيان و الارشاد اليه بخلاف ما اذا علم ان ختم النبوه عليه، و فى الحديث عنه عليه السلام: يا على! انا و انت ابوا هذه الامه، قوله عليه السلام: و اخصصهم بافضل صلواتك، من خصه بكذا خصوصا من باب قعد اذا جعله له دون غيره كاختصه به اختصاصا و خصصه به بالتثقيل للمبالغه، و الصلوه من الله تعالى: الرحمه، و جمعها للتنبه على كثرتها و تنوعها، و الجمع بينها و بين الرحمه للمبالغه و بركاته تعالى: خيراته الناميه المتكاثره، و السلام: اسما من سلم عليه تسليما و بمعنى السلامه من المكاره، فقوله عليه السلام: و سلامك: اما بمعنى تحيتك اى تسليمك عليه، او بمعنى سلامتك. \par
003    24    (حقوق الوالدين و ما يجب لهما على الولد..) \par (اكثر من ان يحيط بها علم الانسان) \par (و اخصص اللهم والدى بالكرامه لديك و الصلوه منك يا ارحم الراحمين اللهم صل على محمد و آله، و الهمنى علم ما يجب على لهما الهاما، و اجمع لى علم ذلك كله تماما، ثم استعملنى بما تلهمنى منه و وفقنى للنفوذ فيما تبصرنى من علمه حتى لا يفوتنى استعمال شى ء عامتنيه و لا تثقل اركانى عن الحفوف فيما الهمتنيه) \par الهمه الله خيرا: لقنه اياه و القاه فى روعه، قال ابن الاثير: الالهام: ان يلقى الله فى النفس امرا يبعثه على الفعل او الترك و هو نوع من الوحى يخص الله به من يشاء من عباده. و التمام نقيض النقصان، و ثم للترتيب لان العمل بعد العلم، و استعملنى اى \par
002    24    (حقوق الوالدين و ما يجب لهما على الولد..) \par (اكثر من ان يحيط بها علم الانسان) \par (و اخصص اللهم والدى بالكرامه لديك و الصلوه منك يا ارحم الراحمين اللهم صل على محمد و آله، و الهمنى علم ما يجب على لهما الهاما، و اجمع لى علم ذلك كله تماما، ثم استعملنى بما تلهمنى منه و وفقنى للنفوذ فيما تبصرنى من علمه حتى لا يفوتنى استعمال شى ء عامتنيه و لا تثقل اركانى عن الحفوف فيما الهمتنيه) \par الهمه الله خيرا: لقنه اياه و القاه فى روعه، قال ابن الاثير: الالهام: ان يلقى الله فى النفس امرا يبعثه على الفعل او الترك و هو نوع من الوحى يخص الله به من يشاء من عباده. و التمام نقيض النقصان، و ثم للترتيب لان العمل بعد العلم، و استعملنى اى \par
003    24    اجعلنى عاملا و النفوذ فى الامر: المضى فيه، و بصرته بالامر تبصيرا فبصر به: اذا علمته اياه فعلمه اياه فعلمه و هو من البصيره، و اما بصرته الشى ء فابصره فهو بمعنى اريته اياه فرآه و هو من ابصر، و حتى بمعنى كى التعليليه اى كيلا يفوتنى استعمال شى ء، و الاستعمال هنا بمعنى العمل بالشى ء يقال: استعمله: اذا جعله عاملا و استعمله اذا عمل به، و الاركان: جمع ركن بالضم و هو جانب الشى ء و المراد بها هنا: الجوارح، و اركان كل شى ء: جوانبه التى يستند اليها و يقوم بها، و ثقل الاركان عباره عن فتور الجوارح و عدم نهوضها للعمل، و الحفوف بمعنى الخدمه قال فى الكنز: الحفوف (خدمت كردن) و لما كانت حقوق الوالدين و ما يجب لهما على الولد حيين او ميتين اكثر من ان يحيط بها علم الانسان كان مدار هذا الفصل من الدعاء سواله عليه السلام ان يلهمه سبحانه و يعلمه جميع ذلك ثم يوفقه للقيام به. \par (بعض الاخبار الوارده فى حقوق الوالدين) \par روى ثقه الاسلام فى الكافى بسند صحيح عن ابى ولاد الحناط قال سئلت اباعبدالله عليه السلام عن قول الله عز و جل: و بالوالدين احسانا ما هذا الاحسان؟ فقال: الاحسان ان تحسن صحبتهما و ان لا تكلفهما ان يسالاك شيئا مما يحتاجان اليه و ان كانا مستغنين اليس يقول الله عز و جل: لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون قال ثم قال ابوعبدالله عليه السلام: و اما قول الله عز و جل: اما يبلغن عندك الكبر احدهما او كلاهما فلا تقل لهما اف و لا تنهر هما قال: ان اضجراك فلا تقل لهما اف و لا تنهر هما ان ضرباك قال: و قل لهما قولا كريما قال ان ضرباك فقل لهما غفر الله لكما فذلك منك قول كريم قال و اخفض لها جناح الذل من الرحمه، قال: لا تملاء عينك من النظر اليهما الا برحمه و رقه و لا ترفع صوتك فوق اصواتهما و لا يدك فوق ايديهما و لا تقدم قدامهما. \par و عن معاذ بن جبل قال: بلغنا ان الله تعالى كلم موسى عليه السلام ثلاثه آلاف و خمسمائه مره و كان آخر كلامه: يا رب اوصنى قال: اوصيك بامك حتى قال سبع مرات ثم قال يا \par
002    24    اجعلنى عاملا و النفوذ فى الامر: المضى فيه، و بصرته بالامر تبصيرا فبصر به: اذا علمته اياه فعلمه اياه فعلمه و هو من البصيره، و اما بصرته الشى ء فابصره فهو بمعنى اريته اياه فرآه و هو من ابصر، و حتى بمعنى كى التعليليه اى كيلا يفوتنى استعمال شى ء، و الاستعمال هنا بمعنى العمل بالشى ء يقال: استعمله: اذا جعله عاملا و استعمله اذا عمل به، و الاركان: جمع ركن بالضم و هو جانب الشى ء و المراد بها هنا: الجوارح، و اركان كل شى ء: جوانبه التى يستند اليها و يقوم بها، و ثقل الاركان عباره عن فتور الجوارح و عدم نهوضها للعمل، و الحفوف بمعنى الخدمه قال فى الكنز: الحفوف (خدمت كردن) و لما كانت حقوق الوالدين و ما يجب لهما على الولد حيين او ميتين اكثر من ان يحيط بها علم الانسان كان مدار هذا الفصل من الدعاء سواله عليه السلام ان يلهمه سبحانه و يعلمه جميع ذلك ثم يوفقه للقيام به. \par (بعض الاخبار الوارده فى حقوق الوالدين) \par روى ثقه الاسلام فى الكافى بسند صحيح عن ابى ولاد الحناط قال سئلت اباعبدالله عليه السلام عن قول الله عز و جل: و بالوالدين احسانا ما هذا الاحسان؟ فقال: الاحسان ان تحسن صحبتهما و ان لا تكلفهما ان يسالاك شيئا مما يحتاجان اليه و ان كانا مستغنين اليس يقول الله عز و جل: لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون قال ثم قال ابوعبدالله عليه السلام: و اما قول الله عز و جل: اما يبلغن عندك الكبر احدهما او كلاهما فلا تقل لهما اف و لا تنهر هما قال: ان اضجراك فلا تقل لهما اف و لا تنهر هما ان ضرباك قال: و قل لهما قولا كريما قال ان ضرباك فقل لهما غفر الله لكما فذلك منك قول كريم قال و اخفض لها جناح الذل من الرحمه، قال: لا تملاء عينك من النظر اليهما الا برحمه و رقه و لا ترفع صوتك فوق اصواتهما و لا يدك فوق ايديهما و لا تقدم قدامهما. \par و عن معاذ بن جبل قال: بلغنا ان الله تعالى كلم موسى عليه السلام ثلاثه آلاف و خمسمائه مره و كان آخر كلامه: يا رب اوصنى قال: اوصيك بامك حتى قال سبع مرات ثم قال يا \par
003    24    موسى الا ان رضاها رضاى و سخطها سخطى. \par و عن ابى عبدالله عليه السلام قال اتى رجل رسول الله صلى الله عليه و آله فقال يا رسول الله انى راغب فى الجهاد نشيط قال فقال له النبى صلى الله عليه و آله فجاهد فى سبيل الله فانك ان تقتل تكن حيا عند الله ترزق و ان تمت فقد وقع اجرك على الله و ان رجعت، رجعت من الذنوب كما ولدت، قال يا رسول الله ان لى والدين كبيرين يزعمان انهما يانسان بى و يكرهان خروجى فقال رسول الله صلى الله عليه و آله فقر مع والديك فو الذى نفسى بيده لانسهما بك يوما و ليله خير من جهاد سنه. \par (كل ما يحرم او يجب للاجانب يحرم او يجب للابوين) \par (و ينفردان بامور..) \par تبصره: قال شيخنا الشهيد محمد بن مكى فى قواعد الاصول: لا ريب ان كل ما يحرم او يجب للاجانب يحرم او يجب للابوين، و ينفردان بامور: \par (ا)- تحريم السفر المباح بغير اذنهما و كذا السفر المندوب. \par (ب)- قال بعضهم يجب طاعتهما فى فعل و ان كان شبهه فلو امراه بالاكل معهما من مال يعتقده شبهه اكل لان طاعتهما واجبه و ترك الشبهه مستحبه. \par (ج)- لو دعواه الى فعل و قد حضرت الصلوه فليوخر الصلوه و ليطعهما لما قلناه \par (د) هل لهما منعه من الصلوه جماعه: الاقرب انه ليس لهما منعه مطلقا بل فى بعض الاحيان بما يشق عليهما مخالفته كالسعى فى ظلمه الليل الى العشاء و الصبح. \par (ه) لهما منعه من الجهاد مع عدم التعيين لما صح ان رجلا قال يا رسول الله ابايعك على الهجره و الجهاد فقال: هل من والديك احد؟ قال: نعم كلاهما قال: افتبغى \par
002    24    موسى الا ان رضاها رضاى و سخطها سخطى. \par و عن ابى عبدالله عليه السلام قال اتى رجل رسول الله صلى الله عليه و آله فقال يا رسول الله انى راغب فى الجهاد نشيط قال فقال له النبى صلى الله عليه و آله فجاهد فى سبيل الله فانك ان تقتل تكن حيا عند الله ترزق و ان تمت فقد وقع اجرك على الله و ان رجعت، رجعت من الذنوب كما ولدت، قال يا رسول الله ان لى والدين كبيرين يزعمان انهما يانسان بى و يكرهان خروجى فقال رسول الله صلى الله عليه و آله فقر مع والديك فو الذى نفسى بيده لانسهما بك يوما و ليله خير من جهاد سنه. \par (كل ما يحرم او يجب للاجانب يحرم او يجب للابوين) \par (و ينفردان بامور..) \par تبصره: قال شيخنا الشهيد محمد بن مكى فى قواعد الاصول: لا ريب ان كل ما يحرم او يجب للاجانب يحرم او يجب للابوين، و ينفردان بامور: \par (ا)- تحريم السفر المباح بغير اذنهما و كذا السفر المندوب. \par (ب)- قال بعضهم يجب طاعتهما فى فعل و ان كان شبهه فلو امراه بالاكل معهما من مال يعتقده شبهه اكل لان طاعتهما واجبه و ترك الشبهه مستحبه. \par (ج)- لو دعواه الى فعل و قد حضرت الصلوه فليوخر الصلوه و ليطعهما لما قلناه \par (د) هل لهما منعه من الصلوه جماعه: الاقرب انه ليس لهما منعه مطلقا بل فى بعض الاحيان بما يشق عليهما مخالفته كالسعى فى ظلمه الليل الى العشاء و الصبح. \par (ه) لهما منعه من الجهاد مع عدم التعيين لما صح ان رجلا قال يا رسول الله ابايعك على الهجره و الجهاد فقال: هل من والديك احد؟ قال: نعم كلاهما قال: افتبغى \par
003    24    الاجر من الله؟ قال: نعم، قال: فارجع الى والديك فاحسن صحبتهما. \par (و) الاقرب ان لهما منعه من فرض الكفايه اذا علم قيام الغير او ظن، لانه يكون حينئذ كالجهاد الممنوع منه. \par (ز) قال بعض العلماء لو دعواه فى صلوه النافله قطعها لما صح عن رسول الله صلى الله عليه و آله ان امراه نادت ابنها و هو فى صومعه قالت: يا جريح؟ فقال: اللهم امى و صلوتى و قالت: يا جريح! فقال: اللهم امى و صلوتى، فقالت: لا تموت حتى تنظر فى وجوه المومسات الحديث. \par و فى بعض الروايات انه صلى الله عليه و آله قال: لو كان جريح فقيها لعلم ان اجابه امه افضل من صلاته، و هذا الحديث يدل على قطع النافله لاجلهما و يدل بطريق الاولى على تحريم السفر لان غيبه الوجه فيه اعظم و هى كانت تريد منه النظر اليها و الاقبال عليها. \par (ح) كف الاذى عنهما و ان كان قليلا بحيث لا يوصله الولد اليهما و يمنع غيره من ايصاله بحسب طاقته. \par (ط) ترك الصوم ندبا الا باذن الاب و لم اقف على نص فى الام. \par (ى) ترك اليمين و العهد الا باذنه ايضا ما لم يكن فى فعل واجب او ترك محرم و لم نقف فى النذر على نص خاص الا ان يقال هو يمين يدخل فى النهى عن اليمين الا باذنه. \par تتمه: بر الوالدين لا تتوقف على الاسلام لقوله تعالى: و وصينا الانسان بوالديه حسنا و ان جاهداك على ان تشرك بى ما ليس لك به علم فلا تطعهما و صاحبهما فى الدنيا معروفا و هو نص، و فيه دلاله على مخالفتهما فى الامر بالمعصيه و هو كقوله عليه السلام لا طاعه لمخلوق فى معصيه الخالق. \par
002    24    الاجر من الله؟ قال: نعم، قال: فارجع الى والديك فاحسن صحبتهما. \par (و) الاقرب ان لهما منعه من فرض الكفايه اذا علم قيام الغير او ظن، لانه يكون حينئذ كالجهاد الممنوع منه. \par (ز) قال بعض العلماء لو دعواه فى صلوه النافله قطعها لما صح عن رسول الله صلى الله عليه و آله ان امراه نادت ابنها و هو فى صومعه قالت: يا جريح؟ فقال: اللهم امى و صلوتى و قالت: يا جريح! فقال: اللهم امى و صلوتى، فقالت: لا تموت حتى تنظر فى وجوه المومسات الحديث. \par و فى بعض الروايات انه صلى الله عليه و آله قال: لو كان جريح فقيها لعلم ان اجابه امه افضل من صلاته، و هذا الحديث يدل على قطع النافله لاجلهما و يدل بطريق الاولى على تحريم السفر لان غيبه الوجه فيه اعظم و هى كانت تريد منه النظر اليها و الاقبال عليها. \par (ح) كف الاذى عنهما و ان كان قليلا بحيث لا يوصله الولد اليهما و يمنع غيره من ايصاله بحسب طاقته. \par (ط) ترك الصوم ندبا الا باذن الاب و لم اقف على نص فى الام. \par (ى) ترك اليمين و العهد الا باذنه ايضا ما لم يكن فى فعل واجب او ترك محرم و لم نقف فى النذر على نص خاص الا ان يقال هو يمين يدخل فى النهى عن اليمين الا باذنه. \par تتمه: بر الوالدين لا تتوقف على الاسلام لقوله تعالى: و وصينا الانسان بوالديه حسنا و ان جاهداك على ان تشرك بى ما ليس لك به علم فلا تطعهما و صاحبهما فى الدنيا معروفا و هو نص، و فيه دلاله على مخالفتهما فى الامر بالمعصيه و هو كقوله عليه السلام لا طاعه لمخلوق فى معصيه الخالق. \par
004    24    (الاشاره الى بعض حقوق المومن على المومن) \par (اللهم صل على محمد و آله، كما شرفتنا به، و صل على محمد و آله كما اوجبت لنا الحق على الخلق بسببه) \par الضمير فى قوله عليه السلام: كما شرفتنا به و اوجبت لنا الحق على الخلق بسببه: اما ان يكون المراد به مطلق المسلمين فتشريفهم به ما نالوه به من شرف الاسلام و شرف الذكر الى غير ذلك و ايجا به لهم الحق على الخلق بسببه: ما اوجبه تعالى من حقوق المسلمين بعضهم على بعض. \par روى رئيس المحدثين فى الفقيه قال قال رسول الله صلى الله عليه و آله: للمومن على المومن سبع حقوق واجبه من الله تعالى عليه: الاجلال فى عينه، و الودله فى صدره، و المواساه له فى ماله، و ان يحرم غيبته، و ان يعوده فى مرضه، و ان يشيع جنازته، و ان لا يقول فيه بعد موته الا خيرا. و الاخبار فى هذا المعنى كثيره، و اما ان يكون المراد به خصوص الائمه عليهم السلام فتشريفهم به و ايجابه لهم الحق على الخلق بسببه، ظاهر، فان جميع الحقوق التى اوجبها الله سبحانه لرسوله على خلقه اوجبها لهم عليهم السلام و كفى شاهدا، على ذلك قوله تعالى: اطيعوا الله و اطيعوا الرسول و اولوالامر منكم \par
005    24    (كيف ينبغى ان يكون الولد لوالديه؟) \par (اللهم اجعلنى اهابهما هيبه السلطان العسوف و ابرهما بر الام الروف و اجعل طاعتى لوالدى و برى بهما اقر لعينى من رقده الوسنان، و اثلج لصدرى من شربه الظمآن حتى اوثر على هواى هواهما و اقدم على رضاى رضاهما، و استكثر برهمابى و ان قل، و استقل برى بهما و ان كثر.) \par هابه يهابه من باب تعب هيبه: حذره، و قال ابن الفارس: الهيبه: الاجلال فالفاعل هائب و المفعول مهيوب و مهيب ايضا، و فى النهايه: يقال: هاب الشى ء يهابه: اذا خافه و اذا عظمه و وقره، والعسوف: الظلوم، و العسف فى الاصل: ان ياخذ المسافر على غير طريق و لا جاده و لا علم، و قيل: هو ركوب الامر من غير رويه فنقل الى الظلم و الجور، \par
005    24    و بر الوالدين: احسان الطاعه اليهما و الرفق بهما، و تحرى محابهما و توقى مكارهما و الروف: فعول من الرافه و هى اشد الرحمه و هو مشترك الوزن بين المذكر و المونث، و قرت العين من باب ضرب و تعب قره بالضم و قرورا: بردت سرورا من القر بالضم و هو البرد فهو كنايه عن السرور، و الرقده: فعله من الرقود و هو النوم ليلا كان او نهارا، بعضهم يخصه بنوم الليل و الاول هو الحق و يشهد له المطابقه فى قوله تعالى: و تحسبهم ايقاظا و هم رقود قال المفسرون: اذا رايتهم حسبتهم ايقاظا لان اعينهم مفتحه و هم نيام، و رجل و سنان و امراه و سنى: بهما سنه و هى النعاس، و انما خص رقده الوسنان لان من ملكته السنه لا يكون اقر لعينه و لا اهم اليه من النوم، و ثلوج الصدر: برده و بل غلته يقال: ثلج صدره ثلوجا و ثلجا محركه من باب قعد و تعب و هو ماخوذ من الثلج و هو صغار القطر التى تجمد فى حال الغيم و يلتزق بعضها ببعض و تنزل بالرفق، و ثلج صدرك اى سررت فجعل كنايه عن السرور، و الشربه: المره الواحده من الشرب، و من الماء: ما يشرب مره، يقال: هل عندكم شربه ماء اى ما يشرب منه مره، و الظمان: العطشان، و قيل: الظماء: اشد العطش، و هو الا نسب هنا، و آثرت هذا على ذاك بالمذ ايثارا: فضلته و رجحته، و الهوى: اراده النفس و يكون فى الخير و الشر كما نص عليه المحققون من ائمه اللغه خلافا لمن خصه بالشر، و استكثرت الشى ء: عددته كثيرا و نقيضه: استقللته اى عددته قليلا. \par
006    24    (معنى: و اخفض لهما جناح الذل.. و معنى القول الكريم فى الايه الشريفه) \par (اللهم خفض لهما صوتى، و اطب لهما كلامى، و الن لهما عريكتى، و اعطف عليهما قلبى، و صيرنى بهما رفيقا، و عليهما شفيقا) \par خفض الرجل صوته خفضا من باب ضرب: غضه و لم يجهر به و خفضه تخفيضا بالتثقيل للمبالغه اى و فقنى لرعايه الادب معهما حتى اذا خاطبتهما خفضت صوتى لهما كما هو الداب عند مخاطبه المهيب المعظم و حفظا على مراعاه ابهه الابوه و جلاله مقدارها، فان رفع الصوت و الجهر به عند الخطاب خارج عن قانون الادب منبى ء عن عدم التوقير \par
006    24    و الاجلال و لا سيما فى حق الوالدين. \par و عن الصادق عليه السلام فى قوله تعالى: و اخفض لهما جناح الذل من الرحمه قال: لاتملاء عينك من النظر اليهما الا برحمه و رافه و لا ترفع صوتك فوق اصواتهما و لا يدك فوق ايديهما و لا تقدم قدامهما، و اطاب الشى ء طيبه اى جعله طيبا، و الطيب: الحسن الجيد من كل شى ء، و الطيبات من الكلام. افضله و احسنه، اى وفقنى لان اطيب لهما كلامى، و فيه اشاره الى قوله تعالى: و قل لهما قولا كريما قال امين الاسلام الطبرسى اى خاطبهما بقول رفيق لطيف حسن جميل بعيد عن اللغو و القبيح يكون فيه كرامه لهما و يدل على كرامه المقول له على القائل، و قيل: اى جميلا مشتملا على حسن الادب و رعايه دقائق المروه و الحياء و الاحتشام، و قيل: القول الكريم، ان يقول لهما يا ابتاه يا اماه دون ان يسميهما باسمهما و رجل لين العريكه: اذا كان سلسا مطاوعا منقادا قليل الخلاف و النفور، قيل: العريكه: الطبيعه، و قيل: الخلق، و قيل: النفس، و قال الزمخشرى فى الاساس: فلان لين العريكه اذا كان سلسا و اصله فى البعير و العريكه: السنام، قال صاحب المحكم: انما سمى السنام عريكه لان المشترى يعرك ذلك الموضع ليعرف سمنه و قوته، و عليهذا فلين العريكه استعاره لسلاسه الطبيعه و انقيادها، و عطف عليه عطفا: اشفق و تحنن و عطفه الله عليه اى جعله مشفقا عليه اى اجعل قلبى عاطفا عليهما مشفقا متحننا، و الرفق: اللطف، رفق به يرفق من باب قتل فهو رفيق، و اشفق عليه اشفاقا: رق له و رحمه و الاسم الشفقه بالتحريك. \par
007    24    (الاشاره الى عجز الولد عن القيام بما يجب للوالدين من الشكر) \par (اللهم اشكر لهما تربيتى، و اثبهما على تكرمتى، و احفظ لهما ما حفظاه منى فى صغرى) \par الشكر من الله عز و جل: مجازاته على يسير الطاعات بجليل المثوبات، و قيل: ثنائه على من اطاعه، قال بعضهم: لما كان تعالى مجازيا للمطيع على طاعته بجزيل ثوابه جعل مجازاته لهم شكرا على طريق المجاز، و المعنى اجزهما على تربيتى عظيم \par
007    24    الجزاء، و ربى الصغير يربى من باب تعب و فى لغه ربا يربو من باب علا: اذا نشا و نما و يتعدى بالتضعيف فيقال: رباه يربيه تربيه فتربى هو، و عرفوا التربيه بانها تبليغ الشى ء الى كماله شيئا فشيئا، و اثابه: جازاه على صنيعه و كافاه به، و الاسم: الثواب و يكون فى الخير و الشر و الاول اكثر، و التكرمه بفتح التاء و كسر الراء: اسم من كرمه تكريما بمعنى اكرمه اكراما، و فى القاموس: التكرمه: التكريم، و حفظت لزيد صنيعه: راعيته و شكرته له و كافاته به و لم انسه اى و جازهما على ما صاناه من امرى و قاما به من شانى فى وقت صغرى. \par و فى هذه الفقرات اشاره الى عجز الولد عن القيام بما يجب للوالدين من الشكر و المكافاه لهما و مجازاته على احسانهما اليه فتوسل الى القادر على ذلك بان يشكر لهما و يجازيهما عليه. \par و فى الحديث: ان رجلا جاء الى النبى صلى الله عليه و آله فقال يا رسول الله ان ابوى بلغا من الكبر انى اولى منهما ماولياه منى فى الصغر فهل قضيتهما حقهما؟ قال: لا فانهما كانا يفعلان ذلك و هما يحبان بقائك و انت تفعل ذلك و تريد موتهما، و شكا اليه آخر سوء خلق امه فقال: لم تكن سيئه الخلق حين حملتك تسعه اشهر؟ قال: انها سيئه الخلق، قال: لم تكن كذلك حين ارضعتك حولين؟ قال: انها سيئه الخلق قال: لم تكن كذلك حين اسهرت لك ليلها و اظمات نهارها؟ قال لقد جازيتها، قال ما فعلت؟ قال حججت بها على عاتقى قال: ما جازيتها و لا طلقه و الله اعلم. \par
008    24    (لما كان ابتلاء المومن.. اما حطه لاوزاره، او.. سئل (ع)..) \par (اللهم و ما مسهما منى من اذى، او خلص اليهما عنى من مكروه، اوضاع قبلى لهما من حق فاجعله حطه لذنوبهما، و علوا فى درجاتهما، و زياده فى حسناتهما، يا مبدل السيئات باضعافها من الحسنات) \par مسه يمسه من باب تعب و فى لغه من باب قتل: لمسه بيده و قال الفيومى: مسسته: افضيت اليه بيدى من غير حائل، قال البيضاوى: المس: ايصال الشى ء بالبشره \par
008    24    بحيث تتاثر الحاسه، ثم استعير المس للاصابه، و منه قوله تعالى: ان تمسسكم حسنه و الاذى: المكروه اليسير، و قد يقال: لما كان الاذى عباره عن يسير المكروه و الضرر ناسب ان يعبر عن الاصابه بالمس عن ادنى مراتب الاصابه فان الاصابه اقوى من المس و ان لم يفرق بينهما صاحب الكشاف لكن المحققون نصوا على ذلك فى قوله تعالى: ان تمسسكم حسنه تسوهم و ان تصبكم سيئه يفرحوا بها قالوا: ذكر المس مع الحسنه و الاصابه مع السيئه للايذان بان مدار مسائتهم ادنى مراتب اصابه الحسنه و مناط فرحهم تمام اصابه السيئه، قال صاحب الكشف ان التحقيق ان الاصابه اقوى من المس فالمعنى ان الحسنه اى قدر كان و لو مساسا تسوهم و اما الفرح بالسوء فلا يكون الا اذا كان بوصول له وقع لان مقام المبالغه فى الحسد و الغيظ يقتضى ذلك. و الخلوص الى الشى ء: الوصول اليه، قال فى الاساس: خلص اليهم: و صل، و قبلى بكسر القاف و فتح الباء اى عندى، و الحطه بالكسر: اسم من حط الله عنه ذنبه، قال فى القاموس: استحطه وزره: سئله ان يحطه، و الاسم الحطه، قال ابن الاثير فى النهايه: من ابتلاه الله ببلاء فى جسده فهو له حطه اى يحط عنه خطاياه و ذنوبه و هى فعله من حط الشى ء يحطه: انزله و القاه، و قد تقدم توجيه اعتراف المعصومين عليهم السلام بالذنوب و الاستغفار فليرجع اليه و لما كان ابتلاء المومن بالمصائب و المكاره فى هذه الدار اما حطه لاوزاره او رفعه لمقداره كما نطقت به مستفيضات الاخبار سئل عليه السلام ان يجعل الله تعالى ما اصاب و الديه من قبله من المكاره و نالهما من التقصير من جهته سببا لخير عائد اليها و هو حطه لذنوبهما و رفعه فى درجاتهما و زياده فى حسناتهما فيكون ما وقع منه من السيئه حسنه له ايضا و لذلك ختم هذا الفصل بقوله عليه السلام: يا مبدل السيئات باضعافها من الحسنات، و قد مر شرح هذه الفقره فاغنى عن الاعاده \par
009    24    (اللهم و ما تعديا على فيه من قول، او اسرفا على فيه من فعل، او ضيعاه لى من حق، او قصر ابى عنه من واجب فقد وهبته لهما، وجدت به عليهما، و رغبت اليك فى وضع تبعته عنهما، فانى لا اتهمهما على نفسى: و لا استبطئهما فى برى، و لا اكره ما تولياه من امرى يا رب \par و اتهمته بكذا: ظننت به، و اتهمته فى قوله: شككت فى صدقه و استبطاته: اعتقدته و رايته بطيئا و هو استفعال من البطو بالضم مهموز الاخر و هو نقيض السرعه، و تولى الامر توليه: صار عليه واليا، \par
010    24    فهما اوجب حقا على و اقدم احسانا الى، و اعظم منه لدى من ان اقاصهما بعدل، او اجازيهما على مثل، اين اذا- يا الهى- طول شغلهما بتربيتى؟ و اين شده تعبهما فى حراستى؟ و اين اقتارهما على انفسهما للتوسعه على؟ \par (الفرق بين المقاصه و المجازاه، و الفرق بين الامهات و الامات) \par و اقدم من قدم الشى بالضم قدما على وزن عنب بمعنى سبق اى اسبق احسانا، و قاصصته مقاصه من باب قاتل: فعلت به مثل ما فعل، و الاسم القصاص، و يجب ادغام الفعل و المصدر و اسم الفاعل يقال: قاصه مقاصه كما يقال: ساره مساره و حاجه محاجه و ما اشبه ذلك، و الفرق بين المقاصه و المجازاه: ان المقاصه تكون بمقابله الفعل بفعل من جنسه كمقابله الضرب بالضرب و الجرح بالجرح، و المجازاه تكون بمقابلته من غير جنسه كمقابله الشتم بالضرب فكان مفاد كل من الفقرتين غير الاخر، و اين: اسم استفهام عن المكان و ليس الاستفهام به على حقيقته بل المراد به استعظامه لحقهما و اعتداده باحسانهما اليه، و اذا عند الجمهور حرف بسيط و النون فيها اصل كنون لن و عن و هى حرف جواب و جزاء، و كون اذا فى عباره الدعاء للجواب كونها جوابا عن سوال مقدر كانه سئل عليه السلام فقيل له ما عليك لو قاصصتهما بعدل و جازيتهما على مثل؟ فقال: اين اذا طول شغلهما بتربيتى، و الحراسه بكسر الحاء اسم من حرسه حراسه اى حفظه، و قتر على نفسه و عياله قترا و قتورا من بابى ضرب و قعد: ضيق فى النفقه، \par
011    24    هيهات ما يستوفيان منى حقهما، و لا ادرك ما يجب على لهما، و لا انا بقاض وظيفه خدمتهما، فصل على محمد و آله، و اعنى يا خير من استعين به، و وفقنى يا اهدى من رغب اليه، و لا تجعلنى فى اهل العقوق للاباء و الامهات يوم تجزى كل نفس ما كسبت و هم لا يظلمون) \par عدا عليه و تعدى و اعتدى: ظلمه و تجاوز الحد، و اسرف اسرافا: جاوز المقصد و الاسم السرف بفتحتين، و اكثر ما يستعمل فى مجاوزه الحد فى النفقه و منه: لاخير فى السرف كما لاسرف فى الخير، قال الراغب: و ليس الاسراف متعلقا بالمال فقط بل بكل شى ء وضع فى غير موضعه اللائق به الا ترى؟ ان الله تعالى وصف قوم لوط بالاسراف لوضعهم البذر فى غير المحرث فقال: ائنكم لتاتون الرجال شهوه من دون النساء بل انتم قوم مسرفون و وصف فرعون بقوله عز و جل: انه كان عاليا من المسرفين و قوله تعالى: و ان فرعون لعال فى الارض و انه لمن المسرفين انتهى، و حق الانسان: ما كان ثابتا و لازما له، و قصر به عن الشى تقصيرا لم يبلغ به اليه، يقال قصر به من باب قرب و قصر به تقصيرا بالتثقيل للمبالغه و منه قصرت بنا النفقه: اذا لم تبلغ بنا مقصدنا، \par
011    24    و وهبت لزيد ما لا اهبه له هبه: اعطيته بلا عوض، و جاد عليه يجود من باب قال جودا بالضم: تكرم، و رغبت الى الله: تضرعت اليه و سئلته، و التبعه على وزن كلمه: ما تطلبه من ظلامه و نحوها، و مدار هذا الفصل من الدعاء: تجاوزه عليه السلام عن مواخذتهما بما وقع منهما اليه من الاسائه فى قول او فعل او اضاعه حق او تقصير فى واجب. \par فقد روى رئيس المحدثين بسنده عن سيد العابدين صاحب الدعاء عليه السلام انه قال فى حديث طويل و اما حق ولدك فان تعلم انه منك و مضاف اليك فى عاجل الدنيا بخيره و شره و انك مسئول عما وليته من حسن الادب و الدلاله على ربه عز و جل و المعونه له على طاعته فاعمل فى امره عمل من يعلم انه مثاب على الاحسان اليه معاقب على الاسائه اليه. \par و روى ثقه الاسلام فى الكافى بسنده عن زيد بن على عن ابيه عن جده عليهم السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه و آله: يلزم الوالدين من العقوق لولدهما ما يلزم الولد لهما من عقوقهما \par (الفرق بين المقاصه و المجازاه، و الفرق بين الامهات و الامات) \par و هيهات: اسم فعل بمعنى بعد، و الامهات: جمع ام قيل اصلها امهه و لهذا جمعت على امهات و اجيب بزياده الهاء و ان الاصل امات قال ابن جنى دعوى الزياده اسهل من دعوى الحذف و قيل: كل من ام و امهه لغه براسها فالامات جمع ام و الامهات جمع امهه و لا حاجه الى دعوى زياده و لاحذف و كثر فى الناس امهات و فى غير الناس امات للفرق، قوله عليه السلام يوم تجزى كل نفس بما كسبت و هم لا يظلمون، اقتباس من قوله تعالى فى سوره الجاثيه: و خلق الله السموات و الارض بالحق و لتجزى كل نفس بما كسبت و هم لا يظلمون و التغيير اليسير لا يضر فى الاقتباس كما تقدم \par
012    24    (الفرق بين الذريه و الال) \par (اللهم صل على محمد و آله و ذريته، و اخصص ابوى بافضل ما خصصت به آباء عبادك المومنين و امهاتهم، يا ارحم الراحمين) \par عطف الذريه على الال من باب عطف الخاص على العام لان ذريه الرجل نسله، و آله: ذو و قرابته فكل ذريه آل دون العكس \par
013    24    (طلب عدم انسائه تعالى ذكر الوالدين) \par (اللهم لا تنسى ذكرهما فى ادبار صلواتى، و فى انامن آناء ليلى، و فى ساعه من ساعات نهارى) \par المراد بعدم انسائه تعالى ذكرهما: اما حسم اسباب النسيان او عدم سلب التوفيق لذكرهما، او المراد الهامه ذكرهما اى الهمنى ذكرهما فى ادبار صلواتى. و الادبار: جمع دبر بالضم و بضمتين و هو من كل شى ء عقبه اى فى اعقاب صلواتى و قد فسر قوله تعالى: و من الليل فسبحه و ادبار السجود باعقاب الصلوات و تخصيصها بالذكر لانها من اوقات الاجابه. \par
013    24    و قد روى عن ابيجعفر و ابى عبدالله عليهماالسلام فى تفسير قوله تعالى: فاذا فرغت فانصب و الى ربك فارغب اى اذا فرغت من الصلوه المكتوبه فانصب الى ربك فى الدعاء و ارغب اليه فى المسئله يعطك، و النصب: التعب اى اجتهد فى الدعاء. \par و عن الصادق عليه السلام و الدعاء فى دبر الصلوه و انت جالس، رواه امين الاسلام فى مجمع البيان و الانى بالكسر و القصر و يفتح مع المد: الساعه من الليل، و قال الجوهرى: آناء الليل: ساعاته: و الساعه جزء ما غير مقدر من اجزاء الليل و النهار، و تطلق على جزء من اربعه و عشرين جزء من يوم بليلته و هو اصطلاح اهل الفلك و العرب لا تعرف ذلك: قال فى المصباح المنير: الساعه: الوقت من ليل او نهار و العرب تطلقها و تريد بها الحين و الوقت و ان قل، و عليه قوله تعالى: لا يستاخرون ساعه \par
014    24    (معنى: ان ذلك من عزم الامور) \par (اللهم صل على محمد و آله، و اغفرلى بدعائى لهما، و اغفر لهما ببرهما بى مغفره حتما و ارض عنهما بشفاعتى لهما رضى عزما، و بلغهما بالكرامه مواطن السلامه) \par الباء للسببيه اى بسبب دعائى لهما و بسبب برهمابى، و حتم الله الامر حتما: اوجبه جزما اى مغفره محتومه، و عزما اى معزوما من عزم الله اى اراد و قصد و قطع و فرض ان يكون ذلك و يحصل و منه قوله تعالى: ان ذلك من عزم الامور قال الزمخشرى فى الكشاف: اى ان ذلك مما عزمه الله من الامور اى قطعه قطع ايجاب و الزام، و حقيقه انه من تسميه المفعول بالمصدر و اصله: من معزومات الامور اى من مقطوعاتها و مفروضاتها، و المواطن: جمع موطن بمعنى الوطن و هو المكان و المقر، و المراد بمواطن السلامه: الجنه لسلامتها و سلامه اهلها فيها من المكاره و الافات و لذلك سميت دار السلام و جمعها باعتبار تعددها او باعتبار تعدد اماكنها و مساكنها. \par
015    24    (ان المومن و ان استغرق عمره فى طاعه الله..) \par (لا يدخل الجنه الا بمغفره الله و...) \par (اللهم و ان سبقت مغفرتك لهما فشفعهما فى، و ان سبقت مغفرتك لى فشفعنى فيهما حتى نجتمع برافتك فى دار كرامتك و محل مغفرتك و رحمتك انك ذو الفضل العظيم، و المن القديم، و انت ارحم الراحمين) \par سبق يسبق سبقا من باب ضرب: تقدم، و هذا السبق يحتمل ان يكون ازلا و تقديرا كقوله تعالى: ان الذين سبقت لهم منا الحسنى و ان يكون زمانا و وجودا، و شفعه تشفيعا: قبل شفاعته و هى السوال فى التجاوز عن الاثام و المعاصى، و حتى بمعنى كى التعليليه اى كى نجتمع، و الكرامه: التعظيم و الاجلال، عبر عن الجنه بدار الكرامه لا كرام الله سبحانه اهلها بانواع الكرامه، و عبر عنها بمحل المغفره و الرحمه تنبيها على ان المومن و ان استغرق عمره فى طاعه الله تعالى فانه لا يدخل الجنه الا بمغفره الله و رحمته، و قوله عليه السلام: انك ذوالفضل العظيم، تعليل لما قبله و تحريك لسلسله الاجابه و اذعان بان كل خير نال عباده فى دينهم و دنياهم فانه من عنده ابتداء منه اليهم و تفضلا عليهم من غير استحقاق منهم لذلك عليه فهو ذو الفضل العظيم و المن القديم اى الانعام السابق على الاستحقاق، و قوله عليه السلام: و انت ارحم الراحمين، جمله تذييليه جاء بها فى آخر الدعاء لبيان شده الرجاء من جهه فان الابتداء بالنعمه يوجب الاتمام، و سعه الرحمه تقتضى عمومها و الزياده فيها فهى لاستدعاء الرحمه من جهته تعالى. \par
001    25    الدعاء الخامس و العشرون \par من ادعيه الصحيفه السجاديه: و هو دعائه عليه السلام لولده عليهم السلام \par \par
001    25    بسم الله الرحمن الرحيم \par (طلب بقاء الولد و اصلاحهم و الامتاع بهم) \par دعاء الوالد لولده من جمله الدعاء الذى لا يرد و لا يحجب، فعن ابى عبدالله عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه و آله: اربعه لا تردلهم دعوه حتى تفتح لهم ابواب السماء و تصير الى العرش: الوالد لولده، و المظلوم على من ظلمه، و المعتمر حتى يرجع، و الصائم حتى يفطر. \par و عنه عليه السلام قال كان ابى يقول: خمس دعوات لا يحجبن عن الرب تبارك و تعالى: دعوه الامام المقسط، و دعوه المظلوم يقول الله عز و جل لا نتقمن لك و لو بعد حين، و دعوه الولد الصالح لوالديه، و دعوه الوالد الصالح لولده، و دعوه المومن لاخيه بظهر الغيب فيقول و لك مثلاه. \par
001    25    قال صلوات الله و سلامه عليه: \par (اللهم و من على ببقاء ولدى، و باصلاحهم لى و بامتاعى بهم) \par من عليه بكذا منا من باب قتل: انعم عليه به، و البقاء يطلق على استمرار الوجود و لا يكون الا لله سبحانه و منه: سبحان من توحد بالبقاء، و على طول الوجود و هو المراد هنا، و معنى اصلاحهم: لبره و طاعته، و فيه تلميح الى قوله تعالى: و اصلح لى فى ذريتى قيل هو دعاء باصلاح ذريته لبره و طاعته لقوله لى و قيل انه دعاء باصلاحهم لطاعه الله عز و جل قال امين الاسلام، و هو الاشبه لان طاعتهم لله من بره، و امتعه الله بكذا امتاعا و متعه به تمتيعا: ابقاه له ليستمتع به اى لينتفع به يقال: استمتع بالشى ء و تمتع به اى انتفع و هو من المتاع و هو فى اللغه كلما ينتفع به. \par
002    25    (الاولى ان يراد بالمد فى الاعمار: البركه فيها بان يبارك فيها بالتوفيق..) \par (الهى امددلى فى اعمارهم، و زدلى فى آجالهم، و رب لى صغيرهم، و قولى ضعيفهم، و اصح لى ابدانهم و اديانهم و اخلاقهم، و عافهم فى انفسهم و فى جوارحهم و فى كل ما عنيت به من امرهم، و ادررثى و على يدى ارزاقهم، \par مد الله فى عمره اى امهل له و طول له، و الاعمار: جمع عمر بالضم و بضمتين و بالفتح و السكون و هو الحياه، و قيل: مده بقاء الحيوه، و الاجال: جمع اجل بالتحريك و هو مده العمر و يطلق على الوقت الذى ينقرض فيه، قال بعضهم: يحتمل ان تكون الفقره الثانيه تاكيدا للاولى لحرصه عليه السلام على بقائهم، و يحتمل ان يراد بالاعمار رفاهيه العيش و حسن الحال فان العرب كانت تسمى من عاش فى رفاهيه طويل العمر و ان قصر عمره، و من ليس كذلك قصير العمر و ان طال عمره و لهذا قال بعضهم: فهل رايتم شيخا بلا عمر؟ و كانوا يعدون ايام السرور و يقولون عاش فلان كذا يوما و كذا سنه و ان كان عمره اكثر، انتهى. \par قلت: اذا اريد جعل الفقره الثانيه تاسيسا لا تاكيدا فالاولى ان يراد بالمد فى الاعمار: البركه فيها بان يبارك فيها بالتوفيق لاعمال الطاعات و عماره اوقاتهم بالخيرات و قد فسر قوله عليه السلام: صله الرحم منساه فى الاجل اى تاخير فى مده العمر و سبب لزيادته ان معنى الزياده فى العمر: زيادته بالبركه فيه بتوفيقه الى اعمال الطاعه و عماره اوقاته بما ينفعه فى الاخره فان هذا المعنى اجدر ان يكون منظورا له عليه السلام من رفاهيه العيش و الله اعلم بمقاصد اوليائه، و رباه يربيه تربيه: اوصله كما له تدريجا، و القوه تطلق على كمال القدره و على شده الممانعه و الدفع، و يقابلها الضعف بالمعنيين و كل من المعنيين فى المتقابلين محتمل هنا، و لا يجوز اراده كلا المعنيين فيهما معا فان استعمال اللفظ الواحد \par فى معنيين متغايرين مما لا مساغ له عند المحققين، بلى يمكن ان يراد بالتقويه معنى مجازى عام يكون كلا المعنيين تكميل القدره و تشديد الممانعه و الدفع فردا حقيقيا له و هو اصلاح حالهم فان كلا من المعنيين المذكورين فرد حقيقى له، و كذلك يراد بالضعف سوء الحال فيكون نقص القدره و قله الممانعه و الدفع فردا حقيقيا له فافهم ذلك فانه قل من تنبه له، \par و الصحه فى الاصل للبدن و هى حاله طبيعيه له تجرى افعاله معها على المجرى الطبيعى ثم استعيرت للافعال و المعانى فقيل صحت الصلوه اذا اسقطت القضاء و صح العقد اذا ترتب اثره عليه و صح مذهبه اذا و افق الحق. \par (هل يجوز الجمع بين الحقيقه و المجاز فى كلمه واحده) \par فان قلت: يلزم على هذا الجمع بين الحقيقه و المجاز فى عباره الدعاء لان الصحه فى الابد ان حقيقه و فى الاديان و الاخلاق مجاز و قد صرحوا بان اراده المتكلم بعباره واحده حقيقه و مجازا غير صحيحه. \par قلت: المسئله ذات خلاف مشهور فمن جوز اجتماع الحقيقه و المجاز فى كلمه واحده و احتج بقولهم: القلم احد اللسانين، فله ان يختار استعمالهما فيهما، و من لا يرى صحه ذلك فينبغى ان يراد بالصحه معنى مجازى عام يكون كل واحد من المعانى المقصوده للصحه فردا حقيقيا له كما قلناه آنفا فى المشترك، اى و اصلح لهم احوالهم و ذلك: فى ابدانهم بالصحه التى هى الحاله الطبيعيه و فى اديانهم بالصحه، التى هى موافقه الحق، و فى اخلاقهم بالصحه التى هى الكرم و الحسن، و قس على ذلك قوله عليه السلام: و عافهم فى انفسهم و جوارحهم و فى كل ما عنيت به من امرهم، اذا اردت التفادى من لزوم الجمع بين الحقيقه و المجاز بناء على ان العافيه فى الاصل بمعنى الصحه البدنيه ثم استعيرت لمعان و الاظهر انها لمعنى عام متناول لدفع جميع المكروهات فى النفس و البدن و فى الدين و الدنيا و الاخره فلا حاجه الى ذلك، و عنيت بامر فلان بالبناء للمفعول: شغلت به و اهتممت به فانا معنى به، و ربما قيل عنيت بامره بالبناء للفاعل فاناعان و الاول اكثر و به \par وردت روايه الدعاء لاغير، و در اللبن و غيره من باب ضرب و قتل درا: كثر و زاد، وادر الله الرزق ادرارا: كثره و وسعه و قوله عليه السلام: و على يدى اى بوساطتى والمراد جعله واسطه فى وصول ارزاقهم اليهم، يقال: جرى الامر على يدفلان: اذا وقع بوساطته كانه اخذه و اعطاه بيده، و منه الحديث: خلقت الخير و اجريته على يدى من احبه فطوبى لمن اجريته على يديه. \par و فائده هذا السوال امران: \par احدهما- ان يزدادوا طاعه و محبه و برا فان من عرف ان الله تعالى اجرى رزقه على يد شخص فلا شك انه يحبه و يعظمه و يطيعه. \par الثانى- اجراء الخير على يده عليه السلام كما تضمنه الحديث المذكور، \par
003    25    و اجعلهم ابرارا اتقياء بصراء سامعين مطيعين لك، و لاوليائك محبين مناصحين، و لجميع اعدائك معاندين و مبغضين، آمين) \par و الابرار: جمع بار او بر كاصحاب جمع صاحب او ارباب جمع رب يقال بر الرجل يبر برا مثل علم يعلم علما فهو بر بالفتح و بار و هو خلاف الفاجر، و الاتقياء: جمع تقى و هو المطيع المتجنب عن المعاصى، و البصراء: جمع بصير بمعنى العالم من بصر بالشى بالضم بصرا بفتحتين بمعنى علم فهو بصير به، و سامعين اى مصغين اصغاء الطاعه، يقال فلان سامع مطيع اى سامع لما يومر به كائنا ما كان سمع طاعه و قبول و منه قوله تعالى: و اتقوا الله و اسمعوا و مطيعين اى مذعنين منقادين لحكمك، و قوله عليه السلام: و لاوليائك محبين مناصحين، عطف على ثانى مفعولى: و اجعل، اى و اجعلهم محبين مناصحين لاوليائك و انما فصل بين العاطف و المعطوف لان الفصل بالظرف كلا فصل، و قس عليه قوله: و لجميع اعدائك معاندين و مبغضين، و آمين معناه: استجب. \par
004    25    (الاشاره الى فوائد الاولاد، و طلب الاولاد الذكور من الله تعالى) \par (اللهم اشدد بهم عضدى، و اقم بهم اودى، و كثر بهم عددى، و زين بهم محضرى، و احى بهم ذكرى، و اكفنى بهم فى غيبتى، و اعنى بهم على حاجتى و اجعلهم لى محبين، و على حدبين مقبلين مستقيمين لى، مطيعين غير عاصين و لا عاقين و لا مخالفين و لا خاطئين، \par الشد: التقويه، شده يشده شدا من باب قتل، و العضد ما بين المرفق الى الكتف، قال الفارابى فى ديوان الادب: شد عضده اى قواه، و قال الزمخشرى فى قوله تعالى: سنشد عضدك باخيك العضد: قوام اليد و بشدتهما تشتد اليد، و معنى سنشد عضدك باخيك: سنقويك و نعينك، و اقام اوده اى ازال اعوجاجه، و الاود بفتحتين: العوج و هو هنا مستعار لاختلال الحال و خروجها عن حد الاستقامه اى و اصلح بهم اختلال حالى، و المحضر: مكان الحضور، و تزيين محضره بهم كنايه عن تحليتهم بالفضائل و الكمالات التى من حلى بها كان زينه للمحاضر و المشاهد اذا حضرها، و احياه: جعله حيا، و المراد بالذكر هنا: الصيت و الذكر الجميل فى الناس، و من المجاز: له ذكر فى الناس اى صيت و شرف اى ابق بهم ذكرى و اظهره بين الناس، شبه الابقاء و الاظهار بالاحياء فى الايجاد ثم استعار لفظ الاحياء لذلك الابقاء. \par و هذه الفقره تتضمن الدعاء لهم امرين: \par احدهما- ابقائهم بعده ليذكر بهم بعد موته. \par و الثانى- جعلهم فضلاء كاملين بحيث ينتشر صيته بهم فى الناس، و كفاه الامر: قام مقامه فيه اى اجعلهم قائمين مقامى فى غيبتى، و اعانه على امره: ساعده عليه، و حدب عليه حدبا من باب تعب: تعطف عليه فهو حدب على وزن كتف، و الاقبال هنا كنايه عن الاعتناء و الاكرام لان من اعتنى باحدوا كرمه: التفت اليه و اقبل عليه بوجهه، و مستقيمين اى مستوين لا اعوجاج فيهم، و ذلك بالتحلى بالاخلاق الفاضله المعتدله بين الطرفين المستقيمه بين المنحرفين، \par
005    25    و اعنى على تربيتهم و تاديبهم و برهم، و هب \par
005    25    لى من لدنك معهم اولادا ذكورا، و اجعل ذلك خير الى و اجعلهم لى عونا على ماسئلتك) \par و قوله عليه السلام: و اجعل ذلك خيرا لى، فيه احتراز على وجه التلميح الى قوله تعالى: ايحسبون انما نمدهم به من مال و بنين نسارع لهم فى الخيرات بل لا يشعرون اى ايحسبون ان الذى نمدهم به من المال و البنين نسارع به لهم فيما فيه خيرهم، كلا لا نفعل ذلك بل هم لا يشعرون بان ذلك الامداد استدراج لهم و استجرار لهم \par
005    25    الى زياده الاثم فهو شر لهم فسئل عليه السلام ان تكون هبه ما ساله من الاولاد خيرا له حتى لا يكون داخلا فى مضمون هذه الايه و نحوها، و قوله عليه السلام: و اجعلهم على ما سئلتك اى على النحو الذى سئلتك اياه فى الاولاد الذين و هبتهم لى سابقا من المنه على ببقائهم و اصلاحهم، الى قوله: و اعنى على تربيتهم و تاديبهم و برهم. \par
006    25    (اختلفوا فى سبب عداوه ابليس لادم عليه السلام و ذريته فقال بعضهم..) \par (و اعذنى و ذريتى من الشيطان الرجيم، فانك خلقتنا و امرتنا و نهيتنا و رغبتنا فى ثواب ما امرتنا، و رهبتنا عقابه، و جعلت لنا عدوا يكيدنا، سلطته منا على ما لم تسلطنا عليه منه، اسكنته صدورنا، و اجريته مجارى دمائنا، لا يغفل ان غفلنا، و لا ينسى ان نسينا، يومنا عقابك، و يخوفنا بغيرك \par اعذنى اى اجرنى بحفظك، و ذريتى عطف على الضمير و الرجيم اى المطرود. \par تنبيه: اختلفوا فى سبب عداوه ابليس لادم عليه السلام و ذريته فقال بعضهم انه الحسد، و ذلك ان ابليس لما راى ما اكرم الله به آدم عليه السلام من اسجاد الملائكه له و تعليمه ما لم يطلع عليه الملائكه حسده و عاداه و ذريته. \par و قال آخرون: ان السبب هو تباين اصليهما و لمنافره الاصلين اثر قوى فى منافره الفرعين، قالوا: و تباين اصليهما هو منشا القياس الفاسد من ابليس حين امر بالسجود و ذلك قوله: انا خير منه خلقتنى من نار و خلقته من طين فكانه فى خطابه يقول ان آدم جسمانى كثيف، و انا روحانى لطيف، و الجسمانى ادون حالا من الروحانى و الادون كيف يليق ان يكون مسجودا للاعلى، و ايضا فان اصل آدم من صلصال من حما مسنون \par فى غايه الدنائه و اصلى من اشرف العناصر و اذا كان اصلى خيرا من اصله وجب ان اكون خيرا منه، و الاشرف يقبح ان يومر بالسجود للادون، قالوا: فكان ذلك قياسا فاول من قاس هو ابليس فاجابه الله تعالى جوابا على سبيل التنبيه دون التصريح: اخرج منها مذوما مدحورا \par قال بعض الفصلاء: و تقريره: ان الذى قاله تعالى نص بحكم الحكمه الالهيه و القدره الربانيه و الذى قاله ابليس قياس، و من عارض النص بالقياس كان مرجوما ملعونا، و انما نسب حصول عداوه ابليس لنا الى الله تعالى فى قوله: و جعلت لنا عدوا، لكونه سبحانه السبب الاول فى وجوده و ان لم يكن تعالى هو الداعى الى العداوه كما يقال: اضله الله، من حيث انه تعالى هو السبب الاول فى وجوده، و وجود سببه المضل و ان لم يكن هو الداعى الى الضلال. \par (قال المحققون: ليس للشيطان على القلب سبيل) \par (و انما الشيطان يجى ء الى الصدر..) \par و سلطه على الشى ء تسليطا: مكنه منه كانما جعل له عليه سلطانا، و جمله قوله: اسكنت صدورنا فيه اشاره الى قوله تعالى: الذى يوسوس فى صدور الناس و عن ابن عباس ان الله تعالى جعل صدور ابن آدم مسكنا للشيطان، قيل: المراد بالصدور هنا القلوب تسميه للحال باسم محله مجازا. \par كما روى عن النبى صلى الله عليه و آله: ان الشيطان واضع خطمه على قلب ابن آدم فاذا ذكر الله خنس و ان نسى التقم قلبه، و الخطم من كل طائر منقاره، و من كل دابه مقدم انفه و فمه. \par و عنه صلى الله عليه و آله: ان الشيطان ليختم على قلب بنى آدم له خرطوم كخرطوم الكلب اذا ذكر العبد الله عز و جل خنس اى رجع على عقبيه و اذا غفل عن ذكر الله تعالى وسوس، و لا خفاء فى انه لا دلاله فى الحديثين على كون المراد بالصدور القلوب. \par و قال المفسرون: انما قال سبحانه: الذى يوسوس فى صدور الناس و لم يقل فى قلوبهم لان الشيطان لا تسلط له على قلب المومن الذى هو بين اصبعين من اصابع الرحمن، قال \par المحققون ليس للشيطان على القلب سبيل و انما الشيطان يجى ء الى الصدر الذى هو حصن القلب فيثبت فيه هموم الدنيا و الحرص على الزخارف فيضيق القلب حينئذ و لا يجد للطاعه لذه و لا للايمان حلاوه و لا على الاسلام طلاوه فاذا طرد العدو بذكر الله و الاعراض عما لا يعنيه حصل الامن و انشرح القلب و تيسر له القيام باداء العبوديه. \par و الحق انه يجوز ان يراد بالصدر محل القلب باعتبار كونه موضع تعلق النفس الناطقه بالحيوانيه، و لذا ينسب اليه الشرح و الضيق، و يجوز ان يراد به القلب الذى هو المضغه الصنوبريه المودعه فى التجويف الايسر من الصدر باعتبار انه محل اللطيفه الانسانيه و لذا ينسب اليه الصلاح و الفساد. \par و قول المحققين: ليس للشيطان على القلب سبيل، فالمراد بالقلب اللطيفه الربانيه النورانيه العالمه التى هى مهبط الانوار الالهيه و بها يكون الانسان انسانا فهى حقيقه الانسان و بها يستعد لامتثال الاحكام و بها صلاح البدن و فساده و يعبر عنها بالنفس الناطقه تاره- و نفس و ما سواها و بالروح اخرى- قل الروح من امر ربى و قد يعبر عنها بالعقل باعتبار تجردها و نسبتها الى عالم القدس اذهى بهذا الاعتبار تعقل نفسها و تحبسها عما يقتضيه تعلقها بالبدن من الشرور و المفاسد المانعه لها من الرجوع الى عالم القدسى و هى جوهر مجرد عن الماده فى ذاتها دون فعلها فى الابدان بالتصرف و التدبير، قال بعضهم: انما عظم الشارع امر القلب لصدور الافعال الاختياريه عنه و عما يقوم به من العلوم و رتب الامر فيه على المضغه و المراد بها العقل الذى هو النفس الناطقه المتعلقه بها فذلك من اطلاق اسم المحل على الحال، انتهى. \par (معنى: ان الشيطان يجرى من ابن آدم مجرى الدم) \par و مما يدل على ما قاله المحققون من عدم تسلط الشيطان على قلب المومن: ما رواه ثقه الاسلام فى الكافى عن الصادق عليه السلام: ان الله تعالى يبتلى المومن بكل بليه و يميته بكل ميته، و لا يبتليه بذهاب عقله، اما ترى؟ ايوب كيف سلط ابليس على ماله و ولده و على اهله و على كل شى ء منه و لم يسلط على عقله ترك له يوحد الله به، و فى هذا المعنى احاديث اخر من طريق اهل البيت عليهم السلام. \par قوله عليه السلام: و اجريته مجارى دمائنا، المجارى: جمع مجرى و هو اما مصدر ميمى او اسم و فى الحديث من طرق العامه: ان الشيطان يجرى من ابن آدم مجرى الدم. \par و عن ابن عباس: ان الله تعالى جعل الشيطان يجرى من بنى آدم مجرى الدم، قال الطيبى فى شرح المشكاه: و جريانه اما حقيقه فانه لطيف من نار لا يمتنع سريانه كالدم او مجازيه، و علاجه سد المجارى بالجوع، و قال الكرمانى فى شرح البخارى: جريانه يحتمل الحقيقه بان جعل له قدره على الجرى فى باطن الانسان، و الاستعاره لكثره وسوسته و قيل انه يلقى الوسوسه فى مسام لطيفه فتصل الى القلب، و قال الازهرى: معنى جريانه مجرى الدم انه لا يفارق ابن آدم مادام حيا كما لا يفارقه دمه قال و هذا على ضرب المثل، و الجمهور حملوه على ظاهره و قالوا: ان الشيطان جعل له هذا القدر من التطرق الى باطن الادمى بلطافه هيئته فيجرى فى العروق التى هى مجارى الدم الى ان يصل الى قلبه فيوسوسه على حسب ضعف ايمان العبد و قله ذكره و كثره غفلته، و يبعد عنه و يقل تسلطه و سلوكه الى باطنه بمقدار قوته و يقظته و دوام ذكره و اخلاص توحيده. \par فى الكافى بسند حسن او صحيح عن ابى عبدالله او ابى جعفر عليهماالسلام قال: ان آدم عليه السلام قال: يا رب سلطت على الشيطان و اجريته منى مجرى الدم فاجعل لى شيئا فقال يا آدم جعلت لك ان من هم من ولدك بسيئه لم تكتب عليه فان عملها كتبت له سيئه، و من هم منهم بحسنه فان لم يعملها كتبت له حسنه فان هو عملها كتبت له عشرا قال يا رب زدنى قال: جعلت لك ان من عمل منهم سيئه ثم استغفر غفرت له قال يا رب زدنى قال: جعلت لهم التوبه و بسطت لهم التوبه حتى تبلغ النفس هذه قال يا رب حسبى. \par (من عداوه الشيطان للانسان انه يعده الامان من عذاب الله و...) \par (و ذلك منه على وجوه...) \par قوله عليه السلام. لا يغفل ان غفلنا و لا ينسى ان نسينا، الغفله عباره عن عدم التفطن للشى ء و عدم عقليته بالفعل سواء بقيت صورته او معناه فى الخيال او الذكر او انمحت عن احدهما و هى اعم من النسيان لانه عباره عن الغفله عن الشى ء مع انمحاء صورته او معناه عن الخيال او الذكر بالكليه و لذلك يحتاج الناس الى تجشم كسب جديد و كلفه فى تحصيله ثانيا، و معنى لا يغفل و لا ينس، اما انه لا يكون منه غفله و لا نسيان فيكون المراد سلبهما عنه مطلقا لانهما من لواحق القوى الانسانيه و عوارض هذا البدن فيكونان مسلوبين عن الشياطين، و اما انه لا يغفل عنا ان غفلنا عنه و لا ينسانا ان نسيناه فيكون حذف متعلق الفعل لمجرد الاختصار مع قيام القرينه، قوله عليه السلام: يومننا عقابك و يخوفنا بغيرك، من عداوه الشيطان للانسان انه يعده الامان من عذاب الله و عقابه و ذلك منه على وجوه: \par فمنهم من يعده انه لا قيامه و لا حساب و لا جزاء و لا عقاب. \par و منهم من يحمله على اعتقاد ان الوعيد على السن الرسل من باب مجرد التخويف و لا عقاب فى الاخره. \par و منهم من يحمله على فعل المعاصى و يقول ان الله غفور رحيم فيمنيه المغفره حتى تخرج من الدنيا و لا حسنه له و يسول له ان ذلك من حسن الظن بالله، و كذب لو احسن الظن به لا حسن العمل له، و من عداوته انه يخوف لغير الله. \par فمنهم من يخوفه قهر الاوثان و غضبها فى ترك عبادتها و يامرهم بالاخلاص فيها. \par و منهم من يخوفه باس الاعداء فيثبطه عن الجهاد فى سبيل الله. \par و منهم من يخوفه الفقر فيمنعه من الصدقات و ايتاء الزكوه الى غير ذلك. \par قال بعضهم: ان قيل كيف يومننا و يخوفنا و نحن لا نشاهده و لا نسمع كلامه؟ قلنا: ذلك عباره عن وسوسته بالامان و الخوف كما تقول نفسى تخوفنى بكذا و هو ظاهر، \par
007    25    ان هممنا بفاحشه شجعنا عليها، و ان هممنا بعمل صالح ثبطنا عنه، يتعرض لنا بالشهوات و ينصب لنا بالشبهات، ان وعدنا كذبنا، و ان منانا اخلفنا و الا تصرف عنا كيده يضلنا، و الاتقنا خباله يستزلنا \par قوله عليه السلام: ان هممنا بفاحشه شجعنا عليها و ان هممنا بعمل صالح ثبطنا عنه. هممت بالشى ء هما من باب قتل اذا اردته و لم تفعله، و الفاحشه: ما يشتد قبحه من الذنوب، و شجعه على الامر تشجيعا جراه و اقدمه عليه، و ثبطه تثبيطا: قعد به عن الامر و شغله عنه او منعه تخذيلا و نحوه و هذا لا تشجيع و التثبيط بالقاء الخواطر الفاسده منه. \par (فزع منه عليه السلام الى الطاف الله تعالى..) \par (فى صرف كيده و وقايه فساده..) \par قوله عليه السلام: يتعرض لنا بالشهوات و ينصب لنا بالشبهات، تعرضه و تعرض له يتعدى \par بنفسه و بالحرف: اذا تصدى له و طلبه، و الشهوه: اشتياق النفس الى الملايم و قد تفسر بالميل الى المعاصى و زهرات الدنيا و هو المراد هنا، و قوله: و ينصب لنا: اما من نصبت الشى ء من باب ضرب: اذا اقمته، و اما من نصبت له رايا: اذا اثرت عليه به اى يشير علينا بالشبهات، و يحتمل ان يكون ينصب لازما من نصب له بمعنى عاداه، قال فى الاساس: نصبت لفلان: عاديته نصبا، و منه الناصبيه و الناصب و اهل النصب الذين ينصبون لعلى كرم الله وجهه انتهى، قوله عليه السلام: ان وعدنا كذبنا و ان منانا اخلفنا، الوعد: هو الاخبار بما يكون من جهه الخير مترتبا على شى ء من زمان، و كذبنا بالتخفيف: من قولهم كذب اخاه: اذا لم يصدق فى قوله له، و فى التنزيل: و قعد الذين كذبوا الله و رسوله و قد يتعدى الى مفعولين فيقال: كذبتك الحديث اى لم اصدقك و مثله: صدق، و منه: لقد صدق الله رسوله الرويا بالحق فان حملت عباره الدعاء على هذا فالمفعول محذوف لتعينه اى كذبنا وعده، و اخلف الوعد: لم يفعله، و هو يتعدى الى مفعولين فيقال: اخلفه موعده، و المفعول الثانى هنا محذوف اى اخلفنا ما منانا و مفعولا وعدنا و منانا محذوفان اى المواعيد الباطله و الامانى الفارغه او هما من باب فلان يعطى و يمنع اى يفعل لنا الوعد و التمنيه و هما اما بالوسوسه و القاء الخواطر الفاسده او بالسنه اوليائه، و فى هاتين الفقرتين تلميح الى قوله تعالى: يعدهم و يمنيهم و ما يعدهم الشيطان الا غرورا قوله عليه السلام: و الا تصرف عنا كيده يضلنا و الاتقنا خباله يستزلنا، اى و ان لم تصرف و ان لم تقنا، و صرف الله عنه السوء من باب ضرب: كفه عنه، و وقاه يقيه: حفظه، و الخبال بالفتح: الفساد، و استزله طلب منه الزل، و دعاه اليها، يقال: زل فى منطقه و فعله يزل من باب ضرب زله: اذا اخطا، و المعنى ان لم تصرف عنا كيد الشيطان و تكفه عنا و تحفظنا من فساده يحملنا على الضلال و يدعنا الى الزلل فنتبعه و نطيعه على مقتضى النفس الاماره و حكم القوه الشهويه، و هذا فزع منه عليه السلام الى الطاف الله تعالى جريا على سنن الانبياء و الاوصياء و الصالحين فى قصر نيل الخيرات و النجات من الشرور و المكاره على جناب الله عز و جل و سلب القوى و القدره عن انفسهم و مبالغه فى استدعاء لطفه فى صرف كيده و وقايه فساده باظهار ان لا طاقه له بالمدافعه \par كقول المستغيث: ادركنى و الا هلكت، \par
008    25    اللهم فاقهر سلطانه عنا بسلطانك حتى تحبسه عنا بكثره الدعاء لك فنصبح من كيده فى المعصومين بك) \par قوله عليه السلام: اللهم فاقهر سلطانه عنا بسلطانك، الى آخره، الفاء لترتب الدعاء على ما ذكر، و تصدير الجمله بالنداء مبالغه فى التضرع، و قهره قهرا من باب منع: غلبه، و عداه بعن لتضمينه معنى الدفع، و السلطان: التسلط وقاره الملك، و من كل شى ء شدته، و حبسه حبسا من باب ضرب: منعه و نصبح بمعنى نصير كقوله تعالى: فاصبحتم بنعمته اخوانا و قوله: فى المعصومين بك، اى كائنين فى الجمله المنوعين المحفوظين بسببك او باستعانتك، او فى جمله ارباب العصمه، و هى فيض الهى يقوى به العبد على تحرى الخير و تجنب الشر. \par
009    25    (الفرق بين الاجابه و الاستجابه، و الدعاء هو العباده التى قال الله عز و جل..) \par (اللهم اعطنى كل سولى، و اقض لى حوائجى، و لا تمنعنى الاجابه و قد ضمنتهائى، و لا تحجب دعائى عنك و قد امرتنى به، و امنن على بكل ما يصلحنى فى دنياى و آخرتى ما ذكرت منه و ما نسيت، او اظهرت او اخفيت، او اعلنت او اسررت، \par
010    25    و اجعلنى فى جميع ذلك من المصلحين بسوالى اياك، المنجحين بالطلب اليك غير الممنوعين بالتوكل عليك، \par (انما وقعت (غير) صفه لمعرفه و الاصل فيها ان يكون صفه لنكره لتوغلها..) \par قوله عليه السلام: و امنن على بكل ما يصلحنى، اى انعم على بكل خير يكون به صلاحى و هو الحصول على الحاله المستقيمه النافعه، و المصلح حقيقه انما هو الله تعالى كما قال سبحانه: سيهديهم و يصلح بالهم اى حالهم، و قوله: او اظهرت او اخفيت، اى ما اظهرته على لسانى و تفوهت به او ما اخفيته مخطرا له ببالى من غير ان اتفوه به اصلا، او ما اعلنته و ذكرته للناس علانيه او اسررته الى غيرى فى خفاء، و او فى كل ذلك للتنويع، و لا يكاد اللغوى يفرق بين الاظهار و الاعلان، و الاخفاء و الاسرار الا ان قول المفسرين فى قوله تعالى: يعلم السروا خفى اى ما اسررته الى غيرك و شيئا اخفى من ذلك: و هو ما اخطرته ببالك من غير ان تتفوه به اصلا يرشد الى ما ذكرناه لاقتضاء العطف المغايره و كون التاسيس خيرا من التاكيد، قوله عليه السلام: و اجعلنى فى جميع ذلك من المصلحين بسوالى اياك، المنجحين بالطلب اليك، المنجحين: جمع منجح اسم فاعل من انجح الرجل: اذا اصاب طلبته و قضيت له حاجته، قوله عليه السلام: غير الممنوعين بالتوكل عليك، غير بالكسر صفه للمنجحين و انما وقعت صفه لمعرفه و الاصل فيها ان يكون صفه لنكره لتوغلها فى الابهام بحيث لا تتعرف باضافتها الى المعرفه نحو: نعمل صالحا غير الذى كنا نعمل لان المراد بالمنجحين طائفه لا باعيانهم فيكون بمعنى النكره اذا للام فيه للجنس و المعرف الجنس فى المعنى كالنكره و ان كان فى اللفظ كالمعرفه، و ذلك ان المقصود به الحقيقه من حيث الوجود فى ضمن الافراد و تدل القرينه على ان المراد به البعض نحو: ادخل السوق و اشتر اللحم فيصير فى المعنى كالنكره فيجوز حينئذ ان يعامل معامله النكره فيوصف بالنكره و منه قوله تعالى: لا يستوى القاعدون من المومنين غير اولى الضرر برفع \par غير، على انه صفه للقاعدين لانهم جنس ورده بعضهم بانه على خلاف اصلهم من ان المعرفه لا توصف الا بالمعرفه، و المراعى فى ذلك اللفظ لا المعنى و على هذا فاما ان يوجه بما ذهب اليه بعضهم من ان غير، اذا وقعت بين متضادين و كانا معرفتين تعرفت بالاضافه نحو: عليك بالحركه غير السكون، فان المراد بها حينئذ غير معين و كذلك الامر هنا لان المنجحين و الممنوعين متضادان، و اما ان يقال ان غير الممنوعين بدل من المنجحين لانعت له، و الباء من قوله: بالتوكل، للسببيه اى بسبب توكلى عليك، او بسبب توكل غير الممنوعين عليك، و التوكل على الله عباره: عن اعتماد القلب عليه و الانقطاع اليه بالثقه بما عنده و الياس عما فى ايدى الناس. \par قال رسول الله صلى الله عليه و آله: من انقطع الى الله كفاه كل مونه و رزقه من حيث لا يحتسب، و من انقطع الى الدنيا و كله الله اليها. \par
011    25    المعودين بالتعوذ بك، الرابحين فى التجاره عليك، المجاوين بعزك، الموسع عليهم الرزق الحلال من فضلك الواسع بجودك و كرمك، المعزين من الذل بك، و المجارين من الظلم بعد لك، و المعافين من البلاء برحمتك، و المغنين من الفقر بغناك، و المعصومين من الذنوب و الزلل و الخطاء بتقواك، و الموفقين للخير و الرشد و الصواب بطاعتك، و المحال بينهم و بين الذنوب بقدرتك، التاركين لكل معصيتك، الساكنين فى جوارك). \par السول بالضم و الهمز: المطلوب الذى يسئل، و قضى حاجته: انجز هاله و بلغه اياه، و منعه الامر منعا: ضد اعطاه، و اجاب الله دعائه اجابه: قبله و استجاب له كذلك، قال تاج القراء: الاجابه عامه و الاستجابه خاصه باعطاء المسئول، و ضمننها لى اى كفلت لى بها و التزمتها، و حجبه حجبا من باب قتل منعه من الدخول، و حجب الدعاء عنه تعالى تمثيل لعدم قبوله لانه لايوذن على الملوك الا للمقبولين عندهم المكرمين لديهم و لا يحجب \par
011    25    عنهم الا المردودون المهانون لديهم، و فى الفقرتين اشاره الى قوله تعالى: و قال ربكم ادعونى استجب لكم فان الامر بالدعاء فيه صريح و رتب الاستجابه على الدعاء فكانه ضمنها و تكفل بها و هو يويد ان المراد بالدعاء و الاستجابه ظاهر هما، و اكثر المفسرين على ان المراد بالدعاء: العباده و بالاستجابه: الوفاء بما ضمن للمطيعين من الثواب لقوله سبحانه بعده: ان الذين يستكبرون عن عبادتى سيدخلون جهنم داخرين، و فيه انه حمل اللفظ على خلاف ظاهره فى موضعين فالحمل على الظاهر اولى و اما تتمه الايه فليس فيه الا التعبير عن الدعاء بالعباده و هو من اعظم ابوابها فالتعبير بها عنه ظاهر و هو المروى عن اهل البيت عليهم السلام. \par روى ثقه الاسلام فى الكافى بسند حسن او صحيح عن ابيعبدالله عليه السلام قال ان الله عز و جل يقول: ان الذين يستكبرون عن عبادتى سيدخلون جهنم داخرين هو الدعاء و افضل العباده: الدعاء \par و عنه عليه السلام: الدعاء هو العباده التى قال الله عز و جل: ان الذين يستكبرون عن عبادتى، الايه، و المراد بقوله عليه السلام و لا تمنعنى الى آخره: لا تجعل دعائى بسلب التوفيق على غير جهه الدعاء الذى ضمنت اجابته و امرت به و الا فلا يتصور منعه سبحانه للاجابه مع تكفله بها و لا حجبه للدعاء مع امره به. \par يدل على ذلك ما رواه ثقه الاسلام فى الكافى بسنده عن عثمان بن عيسى عمن حدثه عن ابيعبدالله عليه السلام قال: قلت آيتان فى كتاب الله عز و جل اطلبهما فلا اجدهما؟ قال: و ما هما؟ قلت: قول الله عز و جل: ادعونى استجب لكم فندعوه و لا نرى اجابه. قال افترى الله عز و جل اخلف وعده؟ قلت: لا ادرى قال لكنى اخبرك: من اطاع الله عز و جل فيما امره من دعائه من جهه الدعاء اجابه، قلت: و ما جهه الدعاء؟ قال: تبدا فتحمد الله و تذكر نعمه عندك ثم تشكر ثم تصلى على النبى صلى الله عليه و آله ثم تذكر ذنوبك فتقر بها ثم تستعيذ منها فهذا جهه الدعاء ثم قال: و ما الايه الاخرى؟ قلت: قول الله عز و جل: و ما انفقتم من شى ء \par
011    25    فهو يخلفه و هو خير الرازقين فانى انفق و لا ارى خلفا، قال: افترى الله عز و جل اخلف وعده؟ قلت: لا، قال: فمم ذلك؟ قلت: لا ادرى، قال: لو ان احدكم اكتسب المال من حله و انفقه فى حله لم ينفق درهما الا اخلف عليه. \par (الفرق بين الحلال و الطيب فى عرف الائمه عليهم السلام) \par قوله عليه السلام: المعوذين بالتعوذبك، اكثر النسخ باهمال الدال من المعودين و هو اسم مفعول من عودته كذا اى صيرته له عاده، و نسخه ابن ادريس بالذال المعجمه من عوذه: اذا عصمه من كل سوء و منه المعوذتان على اسم الفاعل: قل اعوذ برب الفلق و قل اعوذ برب الناس لانهما عوذتا صاحبهما اى عصمتاه من كل سوء و ما اشتهر على السنه بعض الطلبه من فتح الواو على انهما اسم مفعول غلط واضح، و التعوذ بالذال المعجمه: مصدر تعوذ به اى اعتصم يقال: عذت بالله عوذا و معاذا و عياذا و استعذت به استعاذه و تعوذت به تعوذا كل ذلك بمعنى، قوله عليه السلام: الرابحين فى التجاره عليك، ربح فلان فى تجارته ربحا و ربحا من باب علم و تعب: اصاب الربح و هو الفضل و الزياده على راس المال، و التجاره: صناعه التاجر و هى التصدى للبيع و الشراء لتحصيل الربح، و قدير ادبها ما يتاجر فيه من الامتعه و نحوها على تسميه المفعول باسم المصدر. \par قال بعضهم فى مثل هذا المقام: استعار لفظ التجاره لاعمالهم الصالحه و امتثال اوامر الله تعالى، و وجه الشبه كونهم متعوضين بمتاع الدنيا و بحركاتهم فى العباده متاع الاخره و رشح بلفظ الرابحين لا فضليه متاع الاخره و زيادته فى النفاسه على ما تركوه \par
011    25    من متاع الدنيا انتهى. \par و فى الحديث عن الصادق عليه السلام: ربح المومن على المومن ربا الا ان تشترى باكثر من ماه درهم فاربح عليه قوت يومك او تشتريه للتجاره فاربحوا عليهم و ارفقوا بهم، و المعنى: اجعلنى من المستفيدين الربح منك فى تجارته او تجارتهم، قوله عليه السلام: المجارين بعزك اى المحفوظين بقوتك و غلبتك، يقال : استجرت زيدا فاجارنى اى طلبت منه ان يحفظنى فحفظنى، و العز و العزه: الرفعه و الامتناع و الشده و الغلبه، قوله عليه السلام: الموسع عليهم الرزق الحلال الى آخره، يروى بتشديد السين و تخفيفها و كلاهما بمعنى يقال اوسع الله عليه رزقه و وسعه بالالف و التشديد اى بسطه و كثره اى الذين وسع عليهم الرزق و هو لغه: ما ينتفع به فيشتمل الحلال و الحرام و لذلك قيده بالحلال، و من ذهب الى انه ما صح الانتفاع به و ليس لاحد منعه منه فلا يكون الحرام رزقا فوصفه بالحلال عنده للتاكيد كامس الدابر او للايضاح و التبيين و قد تقدم الكلام على هذه المسئله مستوفى فليرجع اليه، و الحلال: ما لا يعاقب على استعماله، قيل: و الرزق الحلال شامل للحلال فى ظاهر الشريعه و الحلال فى نفس الامر و هو قوت النبيين صلوات الله عليهم. \par كما روى ان اباجعفر عليه السلام نظر الى رجل و هو يقول: اللهم ارزقنى من رزقك الحلال فقال ابوجعفر عليه السلام سالت قوت النبيين قل: اللهم انى اسئلك رزقا واسعا طيبا من رزقك. \par قال بعض اصحابنا: الحلال و الطيب و ان كانا متقاربين بل متساويين فى اللغه الا ان المستفاد من هذا الحديث ان بينهما فرقا فى عرف الائمه عليهم السلام و كان الفرق: هو ان الطيب: ما هو طيب فى ظاهر الشرع سواء كان طيبا فى الواقع ام لا، و الحلال: ما هو حلال و طيب فى الواقع لم تعرضه النجاسه و الخباثه قطعا و لم تتناوله ايدى المتغلبه اصلا فى وقت من الاوقات و لا ريب فى انه قوت الانبياء و انه نادر جدا و طريقه ضيق و الطالب له طالب لضيق معيشه، و اما ما وقع فى بعض الادعيه من طلبه فالمراد به ما هو بمعنى الطيب انتهى، و الجود: افاده ما ينبغى لا لعوض، و الكرم: ايثار الغير بالخير \par
011    25    (ان الله تعالى يبلو عبده بما يحب ليمتحن شكره) \par (و بما يكره ليمتحن صبره..) \par قوله عليه السلام: المعزين من الذل بك، اعزه اعزازا: اكرمه، قوله عليه السلام : المجارين من الظلم بعد لك، بكسر الراء المهمله جمع اسم مفعول من اجاره اجاره بمعنى اعاذه و حفظه، و هو المشهور و فى نسخه ابن ادريس: المجازين بفتح الزاء المعجمه جمع مجازى اسم مفعول من جازاه مجازاه بمعنى كافاه، و عن الشهيد قدس سره: المجازين بالمعجمه على صيغه المفعول و الفاعل معا اى الذين يجازيهم على ما اصابهم من الظلم و ينتصف لهم من ظالميهم عدلك، او الذين يجازون من اعتدى عليهم و ظلمهم الا بعدلك، انتهى، و فى هذا المعنى قول اميرالمومنين عليه السلام فى صفه المومن: ان بغى عليه صبر حتى يكون الله الذى ينتصر له اى ان ظلم لم ينتقم هو لنفسه من ظالمه بل يكل امره الى عدل الله سبحانه لينتصر له منه، قوله عليه السلام: المعافين من البلاء برحمتك، عافاه الله يعافيه معافاه: سلمه من الافات و البلاء بالفتح و المد: ما يمتحن به و يختبر من خير او شر، و اكثر ما ياتى مطلقا فى الشر كما وقع هنا و اذا اريد به الخير ياتى مقيدا كما قال تعالى: بلاء حسنا و الله تعالى يبلو عبده بما يحب ليمتحن شكره، و بما يكره ليمتحن صبره، فسئل عليه السلام: ان يجعله من الذين عافاهم من البلاء بالمكروه بسبب رحمته. \par و فى الحديث: ان لله ضنآئن من خلقه يحييهم فى عافيه و يميتهم فى عافيه، و هو مروى من طرق العامه و الخاصه، قال ابن الاثير فى النهايه: الضنائن: الخصائص واحدهم ضنيه فعيله بمعنى مفعوله من الضن و ما هو تختصه و تضن به اى تبخل لمكانه منك و موقعه عندك، و ضنآئن الله: خواص خلقه. \par و روى ثقه الاسلام فى الكافى بسنده عن ابى جعفر عليه السلام قال: ان لله عز و جل ضنائن يضن بهم عن البلاء فيحييهم فى عافيه و يرزقهم فى عافيه و يميتهم فى عافيه و يبعثهم فى عافيه و يسكنهم الجنه فى عافيه. \par و عن ابيعبدالله عليه السلام: ان الله خلق خلقا ضن بهم عن البلاء خلقهم فى عافيه و احياهم فى \par
011    25    عافيه و اماتهم فى عافيه و ادخلهم الجنه فى عافيه. \par و عنه صلوات الله عليه: ان لله عز و جل ضنآئن من خلقه يغذوهم بنعمته و يحييهم فى عافيته و يدخلهم الجنه برحمته تمر بهم البلايا و الفتن لا تضرهم شيئا. \par قال بعض اصحابنا فى معنى هذه الاخبار: لما كان كل فعله تعالى منوطا بالحكمه كان مقتضى حكمته انه اذا علم ان من عباده من لا يحتاج فى اصلاحهم الى البلاء رزقهم العافيه و قد يبلو بعضهم لزياده الاجر و رفع المنزله، و اذا علم ان بعضهم يحتاج الى البلاء ابتلاهم به. \par و قال بعضهم: معنى الضن بهم عن البلاء: اعدادهم لعدم التاذى بالبلاء و ذلك لفرط محبتهم له سبحانه بحيث يلتذون ببلائه كما يلتذون بنعمائه فيعدونه عافيه كما يشير الى ذلك آخر الحديث الثالث و هو قوله عليه السلام: تمر بهم البلايا و الفتن لا تضرهم شيئا. \par (الغنى المطلوب لمثله عليه السلام هو ما دفع ضروره حاجته..) \par (لا المفهوم المتعارف...) \par قوله عليه السلام المغنين من الفقر بغناك، قال بعض اصحابنا: اعلم ان الغنى المطلوب لمثله عليه السلام هو ما دفع ضروره حاجته بحسب الاقتصاد و القناعه لا المفهوم المتعارف بين ارباب الدنيا من جمع المال و ادخاره و الاتساع به فوق الحاجه، و طلب الغنى على ذلك محمود، و على الوجه الثانى هو المذموم، و الفقر هو. ما احتاج معه الى سوال الخلق انتهى، و الظاهر ان المراد بالفقر هنا: التمسك بما سواه تعالى و الاستعانه به لقوله عليه السلام. بغناك، فان المغنى بغناه جل شانه هو الذى صرفته العنايه عن الالتفات الى ما سواه سبحانه من الوسائل و الاسباب و الا فكل مغنى يول غناه اليه تعالى، قوله عليه السلام: و المعصومين من الذنوب الى آخره، عصمه الله يعصمه من باب ضرب: حفظه من مواقعه الاثام و المعاصى و ذلك بفيض و اعداد منه تعالى يقوى به العبد على اجتناب الشر. حتى يصير كمانع له من باطنه و ان لم يكن منعا محسوسا، و الذنب: ما يحجبك عن الله تعالى و جمعه باعتبار تنوعه. و الزلل: اصله فى المكان قال الزمخشرى: هو نوع من انتقال الجسم عن مكان الى مكان. انتهى يقال: زل عن مكانه زلامن باب ضرب: تنحى \par
011    25    عنه، و زل زللا من باب تعب لغه، و الاسم: الزله بالكسر، و الزله بالفتح المره، ثم استعير للزوال عن الحق و الصواب قال فى الاساس: و من المجاز: زل فى قوله و رايه زله و زللا و ازاله الشيطان عن الحق و استزله، و الخطاء مهموز بفتحتين: ضد الصواب و قال فى النهايه هو ضد العمد و هو ان يفعل شيئا من غير قصده، و قد يطلق على المعصيه و ان كان فاعلها متعمدا من حيث انها ضد الصواب، قوله عليه السلام: الموفقين للخير و الرشد و الصواب، و فقه الله للخير: جعل ارادته موافقه له، و الخير: ما يصلح به حال الانسان او يرغب فيه الكل، و الشر بخلافه و كل منهما: اما مطلق لم يزل مرغوبا فيه او عنه، او مقيد يكون بالنسبه الى احد خيرا و الى الاخر شرا كالمال، و الرشد بالضم و السكون و بفتحتين و الرشاد: الهدى و الاستقامه، و قال الواحدى: الرشد: اصابه الخير و هو نقيض الغى، و قال الراغب: الرشد: عنايه الهيه تعين الانسان عند توجهه فى اموره فتقويه على ما فيه صلاحه و تفتره عما فيه فساده و اكثر ما يكون ذلك من الباطل نحو قوله تعالى: و لقد آتينا ابراهيم رشده من قبل و كنا به عالمين و كثيرا ما يكون ذلك بتقويه العزم او بفسخه و اليه يتوجه قوله تعالى: و اعلموا ان الله يحول بين المرء و قلبه و الصواب: اصابه الحق و هو ضد الخطاء. \par (السكن فى جوار الله تعالى تمثيل للسلامه من كل آفه و...) \par قوله عليه السلام: المحال بينهم، اسم مفعول من احال بمعنى حال يقال: حال النهر بيننا حيلوله اى حجز و منع الاتصال، و منه قوله تعالى: و حيل بينهم و بين ما يشتهون و فى القاموس: و كل ما حجز بين شيئين فقد حال بينهما، و فى نسخه ابن ادريس المحول بينهم، و هو الموافق للمشهور الذى عليه التنزيل قال تعالى: و اعلموا ان الله يحول بين المرء و قلبه و قال: و حال بينهما الموج فكان من المغرقين قوله عليه السلام: التاركين لكل معصيتك: ترك الشى ء: طرحه و خلاه، و قال الشهاب الفيومى فى المصباح تركت المنزل تركا: رحلت عنه، و تركت الرجل: فارقته، ثم استعير للاسقاط فى المعانى فقيل: ترك حقه: اذا اسقطه و ترك ركعه من الصلوه: لم بات بها فانه اسقاط لما ثبت شرعا انتهى. و قيل الترك: الكف عن الفعل المبتداء فى محل القدره عليه فقوله عليه السلام: التاركين \par
011    25    لكل معصيتك، لا يجوز ان يكون الكافين عنها بعد ارتكابها و المفارقين لها بعد مواصلتها كما يقتضيه معنى الترك اذ لا يتصور ارتكاب احد كل معصيه بل معناه: الفاعلين لشى ء من المعاصى و هذا المعنى للترك شايع فى الاستعمال ايضا قال امين الدين الطبرسى: الترك: ضد الاخذ ينافى الفعل المبتداء فى محل القدره عليه و يستعمل بمعنى لا يفعل كقوله تعالى: و تركهم فى ظلمات معناه لم يفعل الله لهم النور، قوله عليه السلام: الساكنين فى جوارك، سكن الدار و فى الدار سكنا من باب طلب: حل بها و الاسم: السكنى، و السكن فى جوار الله تعالى تمثيل للسلامه من كل آفه و نيل الكرامه بكل خير مثل صوره من وقاه الله سبحانه و سلمه من كل مخوف و شمله بفضله و عنايته بصوره من سكن فى جوار ملك عظيم و سيد كريم فهو يقيه و يحفظه من كل سوء و شر رعايه لسكناه فى جواره و يفشاه بكل خير و بر كرامه لحلوله فى كنفه. \par
012    25    (الفرق بين السميع و السامع و بين العفو و الغفور) \par (اللهم اعطنا جميع ذلك بتوفيقك و رحمتك و اعذنا من عذاب السعير و اعط جميع المسلمين و المسلمات و المومنين و المومنات مثل الذى سالتك لنفسى و لولدى فى عاجل الدنيا و آجل الاخره انك قريب مجيب سميع عليم عفو غفور روف رحيم، و آتنا فى الدنيا حسنه. و فى الاخره حسنه و قنا عذاب النار) \par جاء بضمير الجماعه لاشراك ولده عليه و عليهم السلام فى الدعاء كما يدل عليه قوله فيما سياتى: مثل الذى سالتك لنفسى و لولدى، و جمع بين التوفيق و الرحمه لان بعض المسئول المشار اليه بذلك متسبب عن التوفيق و بعضه عن محض الرحمه كما هو ظاهر، و السعير: النار، و قيل لهبها، و ختم الدعاء عليه السلام بالسوال لعامه اهل التوحيد من المسلمين و المسلمات و المومنين و المومنات مثل ما ساله لنفسه و لولده فى الدارين لما ورد فى الخبر ان من حق المسلم على المسلم ان يحب له ما يحب لنفسه و يكره له ما يكره لنفسه، و فى روايه: يحب المرء المسلم لاخيه ما يحب لاعز اهله، و يكره المرء المسلم لاخيه ما يكره لا عز اهله \par و عن ابى عبدالله عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه و آله: ما من مومن دعا للمومنين و المومنات الا رد الله عز و جل مثل الذى دعالهم به من كل مومن و مومنه مضى من اول \par
012    25    الدهر او هو آت الى يوم القيمه. \par و تقديم المسلمين و المسلمات على المومنين و المومنات رعايه لترتيب الوجود اذ الاسلام قبل الايمان فلا يكون العبد مومنا حتى يكون مسلما. و وصفه تعالى بالقريب تمثيل لكمال علمه بافعال عباده و اقوالهم و اطلاعه على احوالهم بحال من قرب مكانه، و المجيب: هو الذى يقابل دعاء الداعين بالاجابه، و سوال السائلين بالاسعاف، و ضروره المضطرين بالكفايه و فيه تلميح الى قوله تعالى: و اذا سئلك عبادى عنى فانى قريب اجيب دعوه الداع اذا دعان و السميع: هو العالم بالمسموعات، و السامع: المدرك و يوصف القديم تعالى فى الازل بانه سميع و لا يوصف فى الازل بانه سامع لانه انما يوصف به اذا وجدت المسموعات، العليم: العالم بجميع الاشياء ظاهرها و باطنها دقيقها و جليلها على اتم ما يمكن بحيث لا يتصور مشاهده و كشف اظهر منه، و فعيل من ابنيه المبالغه فهو ابلغ من العالم، و العفو: فعول من العفو و هو التجاوز عن الذنب و ترك العقاب عليه و اصله: المحو و الطمس يقال: عفت الريح الاثر: اذا محته و طمسته، و الغفور بمعنى الغفار و لكنه ينبى ء عن نوع مبالغه لاينبى ء عنه الغفار فان الغفار مبالغه فى المغفره بالاضافه الى مغفره متكرره مره بعد اخرى فالفعال ينبى ء عن كثره الفعل و الفعول ينبى ء عن جودته و كماله و شموله ، فهو غفور بمعنى انه تام الغفران كاملها حتى يبلغ اقصى درجات المغفره، قال الغزالى و غيره: و فى العفو مبالغه ليست فى الغفور فان الغفران ينبى ء عن الستر و العفو ينبى ء عن المحو و هو ابلغ من الستر، لان ستر الشى ء و قد يحصل مع بقاء اصله بخلاف المحو فانه ازالته جمله و راسا، و على هذا فتقديمه مع كون القياس تاخيره رعايه لاسلوب الترقى الى الاعلى. كما فى قولهم فلان عالم نحرير و شجاع باسل و جواد فياض لان ما يدل على ازاله اصل الذنب اولى بالتقديم مما يدل على ستره مع احتمال بقاء اصله، و الروف. ذو الرافه و هى شده الرحمه فهو بمعنى الرحيم مع المبالغه فيه و تقديمه عليه مع كونه ابلغ منه لان تقديم ما يدل على عظيم النعمه اولى من تقديم ما يدل على دقيقها، و قيل: الرافه اخص و الرحمه اعم، \par
013    25    و قوله عليه السلام: و آتنا فى الدنيا حسنه الى آخره، \par
001    26    الدعاء السادس و العشرون \par من ادعيه الصحيفه السجاديه: و هو دعائه عليه السلام لجيرانه و اوليائه اذا ذكرهم \par \par
001    26    بسم الله الرحمن الرحيم \par (معنى الجار لغه و شرعا، و بعض الاحاديث الوارده فى ذلك) \par الجيران: جمع جار و هو لغه: المجاور فى السكن، قال الفيومى: جاوره مجاوره: اذا لا صقه فى السكن، و شرعا قيل من يلى الدار الى اربعين ذراعا من كل جانب و هو مذهب جماعه من اصحابنا منهم الشهيد الاول فى كتاب اللمعه، و قيل الى اربعين دارا من كل جانب و هو مذهب طائفه من اصحابنا، و قال الشهيد الثانى فى شرح اللمعه: و الاقوى الرجوع فى الجيران الى العرف لان القول الاول و ان كان هو المشهور الا ان مستنده ضعيف، و القول الثانى مستند الى روايه عاميه روتها عايشه عن النبى صلى الله عليه و آله انه قال: الجار الى اربعين دارا، و كانه رحمه الله غفل عما رواه ثقه الاسلام فى الكافى بسند حسن بل صحيح عن ابى جعفر عليه السلام انه قال: حد الجوار اربعون دارا من كل جانب من بين يديه و من خلقه و عن يمينه و عن شماله. \par و عن ابى عبدالله عليه السلام: قال قال رسول الله صلى الله عليه و آله كل اربعين دارا جيران من بين يديه و من خلفه و عن يمينه و عن شماله فمستند القول الثانى هاتان الروايتان لاماروته عايشه فلا معدل عن القول به، و يطلق الجار على الناصر و الحليف و هو المعاهد يقال. منه تحالفا اذا تعاهدا على ان يكون امرهما واحدا فى النصره و الحمايه لان كلا منهما يحلف لصاحبه على التناصر و بينهما حلف. و حلفه بالكسر اى عهد، و اراده هذين المعنيين هنا واضحه، و الاولياء: جمع و لى فعيل بمعنى فاعل و يطلق على معان كثيره و الذى يقتضيه المقام منها هو المحب و التابع و المعين و الناصر و الصديق ذكرا كان او انثى و العتيق و كل من يتولى الانسان و ينضم اليه و يكون من جمله اتباعه و الناصرين له فهو وليه. \par
001    26    (المراد بمعرفه حقهم عليهم السلام: اعتقاد امامتهم و افتراض طاعتهم و..) \par قال صلوات الله عليه (اللهم صل على محمد و آله و تولنى فى جيرانى و موالى العارفين بحقنا و المنابذين لاعدائنا بافضل ولايتك) تولاه الله كان له وليا اى معينا و كافلا لمصالحه و قائما باموره، و منه: تولاك الله بحفظه، و الموالى: جمع مولى و المراد به هنا: المحب و التابع و الناصر و سائر ما تقدم فى معنى الولى و قوله: العارفين بحقنا صفه مفادها التوضيح و هو رفع الاحتمال او التبيين و التفسير فتكون صفه كاشفه عن معنى الجيران و الموالى الذين سئل عليه السلام ان يتولاه الله فيهم بافضل ولايته و يحتمل ان يكون للمدح، و معرفه حقهم عليهم السلام عباره عن اعتقاد امامتهم و افتراض طاعتهم و وجوب اتباعهم و التسليم اليهم، و المنابذه بالذال المعجمه مفاعله من النبذ و هو طرح الشى ء و رميه يقال: بنذ الشى ء من يده: اذا طرحه و رمى به، و النبذ يكون بالفعل و القول فى الاجسام و المعانى و منه نبذ العهد اذا نقضه و القاه الى من كان بينه و بينه، و فى النعتين المذكورين اشاره الى ان موالاتهم عليهم السلام لا تكون الا بمعرفه حقهم و مخالفه اعدائهم و منابذتهم، و الولايه بالفتح و الكسر لغتان بمعنى النصره و الاعانه و بالكسر فقط بمعنى السلطان. \par
002    26    (معنى السنه و المحاسن و الادب و ساير مفردات هذه الفقرات) \par (و وفقهم لا قامه سنتك، و الاخذ بمحاسن ادبك فى ارفاق ضعيفهم، و سد خلتهم، و عياده مريضهم، و هدايه مسترشدهم، و مناصحه مستشيرهم، و تعهد قادمهم، و كتمان اسرارهم، و سترعوراتهم، و نصره مظلومهم، و حسن مواساتهم بالماعون، و العود عليهم بالجده و الافضال، و اعطاء ما يجب لهم قبل السوال) \par قال بعضهم: لا يخفى ان المناسب للمقام ان يقال: و وفقنى، لكن اتفقت النسخ على هذا النحو، و قال بعض المترجمين: و فى روايه: و وفقنى و هو اولى، و العهده عليه، و الذى اقول: ان المناسب لعنوان الدعاء هو ما عليه الروايه من لفظ: وفقهم، فيكون الغرض الدعاء لهم بالتوفيق استعمال هذه الاداب و الاخذ بها فى معاشره بعضهم بعضا، و السنه بالضم فى الاصل: الطريقه، و سنه الله تعالى: حكمه و ما شرعه من فرض او ندب، و اقامتها عباره عن صيانتها و حفظها من ان يقع فيها شى ء من الزيغ، و المحاسن: جمع الحسن الذى هو خلاف القبح، \par
002    26    و هو كون الشى ء ملائما للطبع او موجبا للمدح فى العاجل او الثواب فى الاجل، قال الجوهرى: هو على خلاف القياس كانه جمع محسن، و الادب: رياضه النفس و محاسن الاخلاق، قال ابوزيد الانصارى: الادب يقع على كل رياضه محموده يتخرج بها الانسان فى فضيله من الفضائل، و اضافته اليه تعالى لكونه امر به او ندب اليه، و الاخذ فى الاصل بمعنى التناول و الامساك باليد، ثم استعمل بمعنى السيره، يقال: اخذ اخذهم و باخذهم بفتح الهمزه و كسرها اى سار بسيرتهم، و منه حديث: لا تقوم الساعه حتى تاخذ امتى باخذ القرون، اى تسير بسيرتهم، و هذا المعنى هو المراد هنا اى و وفقهم للسيره بمحاسن ادبك، و الارفاق: افعال من الرفق بالكسر و هو لين الجانب و لطافه الفعل يقال: رفق به من باب قتل رفقا و ارفقه ارفاقا اى لطف به، و ياتى الارفاق بمعنى النفع يقال ارفقه اى نفعه، و الخله بالفتح الحاجه و الفقر و الخصاصه و سدها: جبرها و ازالتها، و عدت المريض عياده: زرته، قال الطيبى فى شرح المشكاه العياده فى المرض و الزياره فى الصحه، و قال ابن الاثير: كل من اتاك مره بعد اخرى فهو عائد و ان اشتهر فى عياده المريض حتى صار كانه مختص به، و المسترشد: طالب الرشد اى الهدى، و اصابه الصواب، و المناصحه: النصح، و استشرته فى كذا بمعنى شاورته اى راجعته لارى رايه فيه فاشار على بكذا ارانى ما عنده من المصلحه، و تعهدت الشى ء تفقدته وجددت العهد به اى الالتقاء به، و منه عهدى به قريب اى لقائى، و القادم: الاتى من السفر، يقال: قدم الرجل البلد يقدمه قدوما من باب تعب فهو قادم، و كتم زيد الحديث كتما من باب قتل و كتمانا بالكسر لم يطلع عليه احدا، و الاسرار جمع سر بالكسر و هو ما تخفيه و تكتمه من غيرك، و منه صدور الاحرار قبور الاسرار، و العورات بسكون الواو للتخفيف و القياس الفتح و هو لغه هذيل جمع عوره و هى كل شى ء يستره الانسان انفه اوحياء، و النصره: بالضم اسم من نصرته على عدوه اى اعنته و قويته، و المواساه: مصدر آسيته بالهمز و المد اى سويته بها و يجوز ابدال الهمزه و اوا فى لغه يمن فيقال: و اسيته و فى النهايه، المواساه: المشاركه و المساهمه فى المعاش و الرزق \par
002    26    (الاختلاف فى معنى الماعون و فى اشتقاقه..) \par (و مدار هذا الفصل من الدعاء...) \par و اختلف فى معنى الماعون و فى اشتقاقه مم هو فقيل: هو المعروف كله، و قيل هو اسم جامع لما لا يمنع فى العاده و يساله الفقير و الغنى فى اغلب الاحوال و لا ينسب سائله الى لوم بل ينسب مانعه الى اللوم و البخل كالفاس و القصعه و القدر و الدلو و الغربال و القدوم و يدخل فيه الماء و الملح، لما روى: ثلثه لا يحل منعها: الماء و النار و الملح، و من ذلك ان تلتمس من جارك الخبز فى تنوره او ان تضع متاعك عنده يوما او بعض يوم. \par قال العلماء: و من الفضائل ان يستكثر الرجل فى منزله ما يحتاج اليه الجيران فيعير هم ذلك و لا يقتصر على قدر الضروره، و قد يكون منع هذه الاشياء محظورا فى الشريعه اذا استعيرت عن اضطرار، و قيل هو كل ما انتفع به و مطلق المنفعه و يويده ما رواه ابوبصير عن ابى عبدالله عليه السلام قال هو القرض تقرضه، و المعروف تصنعه، و متاع البيت تعيره، و منه الزكوه قال: فقلت له ان لنا جيرانا اذا اعرناهم متاعا كسروه و افسدوه افعلينا جناح ان نمنعهم؟ فقال: لا، ليس عليك ان تمنعهم اذا كانوا كذلك. \par و اما اشتقاقه فهو فاعول فقيل من المعن بمعنى العطاء و قيل من معن الوادى اذا جرت مياهه قليلا قليلا و المعن القليل لان الماعون: ما قلت قيمته و كثرت منفعته و قيل من المعن بمعنى السهل اليسير فان الماعون باى معنى فسر كان سهلا يسيرا، و عاد بمعروفه يعود عودا: عطف و تطول و الاسم: العائد، فقوله عليه السلام و العود عليهم بالجده اى التطول عليهم و الاحسان اليهم، و الجده: الثروه و الغنى من وجد المال و جدا بالضم و الكسر لغه وجده اى استغنى، و الافضال: الزياده و الاكثار و منه حديث: من على فافضل اى انعم على فاكثر، و مدار هذا الفصل من الدعاء على سواله عليه السلام لجيرانه و مواليه ان يوفقهم سبحانه لقيام بعضهم بحقوق بعض و الاخذ بما ينبغى ان يكون عليه الشيعه من الاخلاق الفاضله و الاداب الحميده فى معاشره بعضهم لبعض. \par
002    26    (الاشاره الى بعض اوصاف الشيعه) \par كما رواه ثقه الاسلام فى الكافى فى باب حق المومن على اخيه و اداء حقه، بسنده عن ابى اسماعيل قال قلت لابيجعفر عليه السلام ان الشيعه عندنا كثير فقال: هل يعطف الغنى على الفقير و يتجاوز المحسن عن المسى ء و يتواسون؟ فقلت: لا، فقال: ليس هولاء شيعه، الشيعه من يفعل هذا. \par و عن محمد بن عجلان قال كنت عند ابى عبدالله عليه السلام فدخل رجل فسلم فساله كيف من خلفت من اخوانك؟ قال فاحسن الثناء و زكى و اطرى فقال له كيف عياده اغنيائهم على فقرائهم؟ فقال قليله، فقال كيف مشاهده اغنيائهم لفقرائهم؟ قال: قليله، فقال: فكيف صله اغنيائهم فى ذات ايديهم؟ فقال: انك لتذكر اخلاقا قل ما هى فيمن عندنا. فقال: فكيف يزعم هولاء انهم شيعه؟ و الاخبار فى هذا المعنى كثيره جدا. \par
003    26    و لما بدا عليه السلام بالدعاء لجيرانه و مواليه بتوفيقهم للاخذ بمحاسن الادب فى معاشره بعضهم بعضا شفع ذلك بالدعاء لنفسه بتوفيقه للاخذ بذلك فى معاشرته لهم فقال: \par (جزتنا بنو سعد بحسن فعالنا، جزاء سنمار و ما كان..) \par (و اجعلنى اللهم اجزى بالاحسان مسيئهم، و اعرض بالتجاوز عن ظالمهم، و استعمل حسن الظن فى كافتهم، و اتوتى بالبرعا متهم، و اغض بصرى عنهم عفه، و الين جانبى لهم تواضعا، و ارق على اهل البلاء منهم رحمه، و اسر لهم بالغيب موده، و احب بقاء النعمه عندهم نصحا، و اوجب لهم ما اوجب لحامتى، و ارعى لهم ما ارعى لخاصتى). \par جزيته على فعله اجز به جزاء: اذا فعلت معه ما يقابل فعله، و اكثر ما يستعمل فى كون الفعلين من جنس واحد كالاحسان بالاحسان و الاسائه بمثلها على ذلك قوله تعالى: هل جزاء الاحسان الا الاحسان و جزاء سيئه سيئه مثلها و قد يستعمل فى مقابله السيئه بالحسنه و بالعكس و على الاول عباره الدعاء، و مثله قول الشاعر. \par يجزون عن ظلم اهل الظلم مغفره \par و عن اسائه اهل السوء احسانا \par
003    26    و من الثانى قول الاخر. \par جز تنا بنوسعد بحسن فعالنا \par جزاء سنمار و ما كان ذا ذنب \par و سنمار اسم رجل رومى بنى الخورنق الذى بظهر الكوفه للنعمان بن امرء القيس فلما فرغ منه القاه من اعلاه فخر ميتا و انما فعل ذلك لئلا يبن مثله لغيره فضربت العرب به المثل لمن يجزى بالاسائه الاحسان، و اعرضت عن الشى ء: اضربت و وليت عنه، ثم ما اشتملت عليه هاتان الفقرتان من جزاء المسى ء بالاحسان و الصفح عن الظالم بالتجاوز، من اشرف مكارم الاخلاق كما روى ان جبرئيل عليه السلام نزل على رسول الله صلى الله عليه و آله بقوله تعالى خذ العفو و امر بالعرف و اعرض عن الجاهلين فقال: يا محمد! جئتك باكرم اخلاق الاولين و الاخرين: فصل من قطعك، و اعط من حرمك و اعف عمن ظلمك، و استعمله: عمل به، اى اعمل بحسن الظن فى جملتهم او جميعهم، و معنى استعمال حسن الظن فى كافتهم : حمل امورهم جميعا اقوالا كانت او افعالا على ما يصح و يحسن شرعا و عرفا ما امكن الحمل عليه عملا بحسن الظن فيهم. \par و قد بين اميرالمومنين صلوات الله و سلامه عليه ذلك فى كلام له فقال: ضع امر اخيك على احسنه حتى ياتيك ما يقلبك منه و لا تظن بكلمه خرجت من اخيك سوء و انت تجد لها فى الخير محملا. \par (حكايه الحجاج و القبعثرى) \par (و ان من تكلم بكلمه ظاهره الارتداد... لا يحكم بارتداده) \par قال بعض علمائنا فى شرحه لهذا الكلام اى احمل امر اخيك قولا كان او فعلا على احسنه و ان كان مرجوحا و كان خلافه راجحا مظنونا من غير تجسس حتى ياتيك اليقين على خلافه فان الظن قد يغلط و التجسس منهى عنه كما قال الله تعالى: ان بعض الظن اثم و قال لا تجسسوا و من ثم قال العلماء: افعال المومنين محموله على الصحه ثم نهى تاكيدا لمامر عن حمل كلامه على الشران كان محتملا للخير و ان كان \par
003    26    بعيدا جدا بقوله: و لا تظن بكلمه خرجت من اخيك سوء الى آخره، فاذا خرجت منه كلمه ذات وجهين وجب عليك ان تحملها على الوجه الخير و ان كان مجازيا بدون قرينه او كنايه او توريه او نحوها. \par و من هذا القبيل ما سماه علماء العربيه اسلوب الحكيم كما قال الحجاج للقبعثرى متوعدا له لا حملنك على الادهم فقال القبعثرى مثل الامير يحمل على الادهم و الاشهب فابرز وعيده فى معرض الوعد، ثم قال الحجاج للتصريح بمقصوده انه حديد فقال القبعثرى لان يكون حديدا خير من ان يكون بليدا، و بالجمله كما يحرم على المومن سوء القول فى اخيه كذلك يحرم عليه سوء الظن فيه بان يعقد عليه و يحكم به من غير يقين، و اما الخاطر و حديث النفس فمعفو عنه، و ما وقع فى قلبه من غير يقين فهو من الشيطان يلقيه اليه ليغريه بالقبيح على اخيه فوجب ان يكذبه فانه افسق الفاسقين فلا يجوز تصديقه بل يجب حسن الظن به، و من ثم جاء فى الشرع: من تكلم بكلمه ظاهر الارتداد و لها معنى صحيح لا يحكم بارتداده، و ان من علمت فى فيه رائحه الخمر لا يجوز ان يحكم عليه بشر بها و ان يحد عليها لاحتمال ان يكون تمضمض بها و مجها او و جرت فى حلقه جبرا و ذلك امر ممكن انتهى. \par (معنى: عوره المومن على المومن حرام) \par قوله عليه السلام: و اتولى بالبرعامتهم: البر: العطف و الصله و الخير و الاتساع فى الاحسان اى و اجعلنى امد و اعين جملتهم ملتبسا بالبر لهم و العطف عليهم و الاحسان اليهم، او اتولى امور عامتهم بالخير و الصله و الشفقه و الاتساع فى الاحسان اليهم، و غض الرجل بصره و من بصره من باب قتل: خفض، و العفه: الكف عما لا يحل و لا يجمل، عف عنه يعف من باب ضرب عفه بالكسر و عفافا بالفتح اى و اجعلنى اغض بصرى عما لا يحل النظر اليه من عوراتهم اى زلاتهم و عثراتهم. \par
003    26    كما رواه فى الكافى بسنده عن حذيفه بن منصور قال قلت لابى عبدالله عليه السلام شى ء يقوله الناس: عوره المومن على المومن حرام، فقال: ليس حيث يذهبون انما عنى عوره المومن: ان يزل زله او يتكلم بشى ء يعاب عليه فيحفظه عليه ليعيره به يوما ما. \par و عن الشحام عن ابى عبدالله عليه السلام فيما جاء فى الحديث عوره المومن على المومن حرام قال: ما هو ان ينكشف فيرى منه شيئا و انما هو ان يروى عليه او يعيبه، و على هذا فغض البصر عنهم كنايه عن عدم تتبع عثراتهم و زلاتهم و الاعراض عنها، و يحتمل ان يكون كنايه عن احتمال المكروه منهم و عدم مواخذتهم به. \par قال فى القاموس: غض طرفه: خفضه و احتمل المكروه، فيكون بمعنى الاغضاء عنهم و هو استعمال الحلم و الامساك عن الانتقام، و انتصاب عفه: يحتمل ان يكون على المصدريه اى غض عفه، او على المفعول لاجله اى للعفه و قس عليه نظائره من المنصوبات الاتيه، و الانه الجانب لهم: كنايه عن الرفق و التلطف بهم، و منه قوله تعالى: فبما رحمه من الله لنت لهم يقال: لان يلين لينا و ليانا بالفتح و يتعدى بالهمزه و التضعيف فيقال الا نه الانه، و لينه تليينا، و التواضع: التذلل و هو خلاف الترفع و التكبر اى الانه تواضع او لاجل التواضع، ورق له يرق من باب ضرب رقه بالكسر: عطف و تحنن عليه، و اسر الحديث: اخفاه و اظهره ضد، قيل و المراد به هنا الاظهار اى اظهر لهم فى الغيب موده، و لا داعى اليه مع خلافه للظاهر فالاولى ان يراد به الاخفاء و الكتمان، و الغيب: مصدر بمعنى الغيبه اى اخفى و اكتم لهم الموده ملتبسا بالغيب عنهم اى غائبا عنهم لا كالمنافق الذى اذا لقى اصحابه اظهر لهم الموده و اذا غاب عنهم لم يكن فى سره شى ء منها، و يحتمل ان يكون المراد بالغيب: القلب لانه مستور كما فسر به بعضهم قوله تعالى: يومنون بالغيب اى يومنون بقلوبهم، و المعنى اسر لهم بقلبهم موده لاكالذين يقولون بافواههم ما ليس فى قلوبهم، قوله عليه السلام: و احب البقاء عندهم نصحا اى و اجعلنى اود دوام النعمه و \par
003    26    ثباتها لديهم حتى يكونوا دائما بنعمه من الله، و النصح: اخلاص العمل من شوائب الفساد ماخوذ من نصحت العسل: اذا صفيته من الشمع، و المعنى و اجعلنى احب بقاء النعمه عندهم محبه نصح لهم او لاجل النصح لهم فى اراده الخير لهم و ايثار نفعهم من غير شائبه غرض آخر و اوجبت الشى ء ايجابا: جعلته واجبا، او اعتقدته واجبا اى لا زما ثابتا و حامه الرجل: خاصته من اهله و ولده، و منه قوله صلى الله عليه و آله: هولاء اهل بيتى و حامتى اذهب عنهم الرجس، و اشتقاقها من حم الشى ء يحم حما من باب ضرب: قرب و دنا، ورعى له حقه و حرمته رعيا و رعايه: حفظه، و خاصه الانسان من له به خصوصيه من نسب او موده يقال: هذا خاصتى و التاء فيها للمبالغه، و قيل للنقل، \par
004    26    (معنى الحق فى اللغه، و المراد بحقه عليه السلام: اعتقاد امامته و...) \par (اللهم صل على محمد و آله، و ارزقنى مثل ذلك منهم، و اجعل لى او فى الحظوظ فيما عندهم، وزدهم بصيره فى حقى، و معرفه بفضلى حتى يسعدوا بى و اسعد بهم، آمين رب العالمين). \par ارزقنى اى اعطنى من الرزق بالمعنى اللغوى و هو العطاء، و مثل ذلك اى مثل ما سالتك ان تجعلنى عليه فى معاشرتهم مما تقدم ذكره فيكونوا لى كما اكون لهم و يعاملونى بمثل ما اعاملهم به، و الحظوظ: جمع حظ بمعنى النصيب اى اتم الحظوظ من و فى الشى ء يفى اذا تم، و فيما عندهم اى من محاسن الاداب و مكارم الاخلاق و صدق الموالات و حسن الاعتقاد و الطاعه و الانقياد الى غير ذلك مما يرغب فيه السيد الرئيس من مواليه و اتباعه، و قوله عليه السلام: فى حقى، اى فى الواجب الثابت لى على جميع الخلق و الحق فى اللغه هو الثابت الذى لا يسوغ انكاره، و المراد بحقه عليه السلام: اعتقاد امامته و فرض طاعته و وجوب موالاته و الاقتداء و الرد اليه و التسليم له، و المعرفه: ادراك الشى ء على ما هو عليه، و الفضل و الفضيله: الدرجه الرفيعه فى الشرف و الحسب و العلم، و آمين: اسم فعل مبنى على الفتح و معناه استجب لى. \par
001    27    الدعاء السابع و العشرون \par من ادعيه الصحيفه السجاديه: و هو دعائه عليه السلام لاهل الثغور \par \par
001    27    بسم الله الرحمن الرحيم \par (الرباط مستحب استحبابا موكدا دائما مع حضور الامام و غيبته) \par الثغور: جمع ثغر بفتح الثاء المثلثه و اسكان الغين المعجمه و هو الطرف الملاصق من بلد المسلمين بلاد الكفار، و فى النهايه: هو موضع يكون حدا فاصلا بين بلاد المسلمين و الكفار و هو موضع المخافه من اطراف البلاد، و قال الشهاب الفيومى فى المصباح: الثغر من البلاد الموضع الذى يخاف منه هجوم العدو فهو كالثلمه فى الحائط يخاف هجوم السارق منها، و فى القاموس: الثغر: ما يلى دار الحرب و موضع المخافه من فروج البلدان، انتهى، و المراد باهل الثغور: المسلمون المرابطون بها الملازمون لها لحفظها، و يدخل فيهم من كان الثغر بلده و كان ساكنا فيه اذا وطن نفسه على المحافظه، قال الشهيد الثانى فى شرح اللمعه: و لو وطن ساكن الثغر نفسه على المحافظه و الاعلام باحوال المشركين على تقدير هجومهم فهو مرابط انتهى، و تسمى الاقامه بالثغر رباطا و مرابطه كما سياتى. \par قال فى اللمعه و شرحها: و الرباط مستحب استحبابا موكدا دائما مع حضور الامام و غيبته و اقله ثلاثه ايام فلا يستحق ثوابه و لا يدخل فى النذر و الوقف و الوصيه للمرابطين باقامه دون ثلاثه و لو نذره و اطلق وجب ثلثه بليلتين بينهما كالاعتكاف و اكثره اربعون يوما فان زاد الحق بالجهاد فى الثواب لا انه يخرج عن وصف الرباط و لواعان بفرسه او غلامه بهما من يرابط اثيب لاعانته على البر و لو نذر المرابط او نذر صرف مال الى اهلها وجب الوفاء بالنذر، و ان كان الامام غائبا لانها لا تتضمن جهادا فلا يشترط حضوره، و قيل يجوز صرف المنذور للمرابطين فى البر حال الغيبه ان لم يخف الشنعه بتركه لعلم المخالف بالنذر و هو ضعيف انتهى. \par
001    27    و روى ثقه الاسلام بسند قوى مقبول عن يونس عن ابى الحسن الرضا عليه السلام قال: قلت له جعلت فداك ان رجلا من مواليك بلغه ان رجلا يعطى السيف و الفرس فى سبيل الله فاتاه فاخذهما منه و هو جاهل بوجه السبيل ثم لقيه اصحابه فاخبروه ان السبيل مع هولاء لا يجوز و امروه برد هما فقال فليفعل قال قد طلب الرجل فلم يجده و قيل له قد شخص الرجل، قال فليرابط و لا يقاتل، قال ففى مثل قزوين و الديلم و عسقلان و ما اشبه هذه الثغور فقال نعم فقال له يجاهد؟ قال: لا، الا ان يخاف على ذرارى المسلمين ارايتك لو ان الروم دخلوا على المسلمين الم ينبغ لهم ان يمنعوهم؟ قال يرابط و لا يقاتل، و ان خاف على بيضه الاسلام و المسلمين قاتل فيكون قتاله لنفسه ليس للسلطان قال: قلت و ان جاء العدو الى الموضع الذى هو فيه مرابط كيف يصنع؟ قال: يقاتل عن بيضه الاسلام لان فى دروس الاسلام دروس دين محمد صلى الله عليه و آله. \par
001    27    (معنى العزه و القدره و الجده) \par قال صلوات الله و سلامه عليه \par (اللهم صل على محمد و آله، و حصن ثغور المسلمين بعزتك، و ايد حماتها بقوتك و اسبغ عطاياهم من جدتك). \par حصن المكان بالضم حصانه بالفتح فهو حصين اى منيع و يتعدى بالهمزه و التضعيف فيقال: احصنته و حصنته، و منه الحصن للمكان الذى لا يقدر عليه لارتفاعه و امتناعه، و العزه: الامتناع و الشده و الغلبه، و رجل عزيز منيع لا يغلب و لا يقهر، و منه قوله تعالى: و عزنى فى الخطاب اى غلبنى و قهرنى، و ايده الله تاييدا قواه، و حماه: جمع حام من حميت المكان من الناس حميا من باب رمى و حميه بالكسر: منعته عنهم، و الاسم: الحمايه، والقوه تطلق على كمال القدره، و على شده الممانعه و الدفع، و يقابلها الضعف، و اسبغ الله النعمه: افاضها و اتمها، و اصله من سبغ الثوب سبوغا من باب قعد: تم و كمل، و منه حديث اسبغوا لليتيم فى النفقه اى انفقوا عليه تمام ما يحتاج اليه و وسعوا عليه فيها، و العطايا: جمع عطيه و هى اسم لما تعطيه، و الجده: الثروه و الغنى، قال فى النهايه: \par
001    27    وجد يجد جده اى استغنى غنى لافقر بعده، انتهى. و هى من باب ما سقطت الواو من اوله و عوض منها هاء فى آخره كعده وصله و صفه. \par
002    27    (الصبر ضربان: جسمى و نفسى، فالجسمى:) \par (هو تحمل المشاق.. و النفسى..) \par (اللهم صل على محمد و آله، و كثر عدتهم، و اشحذ اسلحتهم، و احرس حوزتهم، و امنع حومتهم، و الف جمعهم، و دبر امرهم، و واتر بين ميرهم، و توحد بكفايه مونهم، و اعصدهم بالنصر، و اعنهم بالصبر، و الطف لهم فى المكر) \par العده بالكسر: اسم كالعدد و هو مقدار ما يعد، و قد تجعل مصدرا كالعد و تطلق على الجماعه قلت او كثرت، و هذا المعنى محتمل هنا اى كثر عددهم و جماعتهم، و شحذ السكين شحذا من باب منع احدها، و الاسلحه: جمع سلاح بالكسر و هو ما يقاتل به فى الحرب و يدافع كالسيوف والرماح و السهام و القسى و الدروع و المغافر و المجان، و كان المراد بها هنا ما كان قابلا للشحذ منها من باب اطلاق العام على الخاص او السيوف خاصه، قال فى النهايه: و السيف وحده يسمى سلاحا فيكون تخصيصه بالذكر دون سائر آلات الحرب لشرفه عليها و الاستغناء به عنها دون العكس ثم المراد بشحذه تعالى اسلحتهم: اما جعلها قاطعه ماضيه بقدرته سبحانه او هو كنايه عن تقويتهم على النكايه فى اعدائهم و النيل منهم ضربا و طعنا، و الحوزه: الجانب و الناحيه و منه الحديث: فحمى حوزه الاسلام اى حدوده و نواحيه، و حومه القتال: معظمه، و التاليف: ايقاع الالفه، و الجمع: الجماعه، و تدبير الامر: فعله عن فكر و رويه، و المواتره: المتابعه، يقال: تواترت الخيل اذا جاء يتبع بعضها بعضا، و المير: جمع ميره بالكسر، قال الطبرسى: الميره. الطعام الذى يحمل من بلد الى بلد، و فى القاموس: الميره بالكسر: جلب الطعام، و التوحد: الانفراد، و كفاه الامر كفايه: قام به مقامه، و المون: جمع مونه بالضم و سكون الهمزه كغرف و غرفه و هى لغه فى الموونه على وزن فعوله و جمعها موونات على لفظها و معناها: الثقل، و عضدت الرجل عضدا من باب قتل: \par
002    27    اعنته فصرت له عضدا اى معينا و ناصرا، و نصره الله نصرا: اظهره على عدوه، و الصبر ضربان: جسمى و نفسى فالجسمى هو تحمل المشاق بقدر القوه البدنيه و ذلك فى الفعل كالمشى و حمل الثقيل و فى الانفعال كاحتمال الضرب و القطع، و النفسى هو حبس النفس على الجزع عند ورود المكروه و المراد به هنا الصبر بنوعيه و ان كان النوع الثانى هو الذى تتعلق به الفضيله الا ان للنوع الاول مدخلا تاما فى هذا المقام كما لا يخفى، و قوله عليه السلام: و الطف لهم فى المكر، اى اوقع اللطف لهم فى مكرهم بعدوهم حتى لا يفطن عدوهم لمكرهم لدقته و لطفه عن العقل و الفهم فيكون المراد باللطف: تدقيق النظر وجوده الاحتيال بان يلهمهم سبحانه ذلك. \par
003    27    (الفروق بين العلم و المعرفه) \par (اللهم صل على محمد و آله، و عرفهم ما يجهلون، و علمهم ما لا يعلمون، و بصرهم ما لا يبصرون) \par عرفه الامر: اعلمه اياه، قيل: المعرفه متعلق بالمفرد و العلم ادراك متعلق بالنسبه التامه الخبريه، و قيل: المعرفه قد تقال فيما تدرك آثاره و ان لم تدرك ذاته و العلم لا يكاد يقال الا فيما ادرك ذاته و لهذا يقال: فلان يعرف الله و لا يقال: يعلم الله لما كانت معرفته تعالى ليست الا بمعرفه آثاره دون معرفه ذاته، و ايضا فالمعرفه تقال فيما لا يعرف الا كونه موجودا فقط و العلم اصله ان يقال فيما يعرف وجوده و جنسه و علته و كيفيته و لهذا يقال: الله عالم بكذا و لا يقال عارف لما كان العرفان يستعمل فى العلم القاصر و ايضا فالمعرفه يقال فيما يتوصل اليه بتفكر و تدبر، و العلم قد يقال فى ذلك و فى غيره، و فرق بينهما بفروق اخر تقدم بعضها و اهل اللغه و بعض اصحاب الاصول و الميزان على انهما مترادفان، و قوله عليه السلام: ما يجهلون اى ما يجهلونه فحذف العائد، و بصره الشى ء تبصيرا: عرفه و علمه اياه، و جعله ذا بصيره به اى ذا علم و خبره به، و قوله عليه السلام: ما لا يبصرون: من بصر القلب ايضا اى ما لا يعلمون خلافا لمن خص الابصار برويه العين فيقال: ابصرته برويه العين، و بصرت به بالضم بصرا بفتحتين برويه القلب، فقد فسر الزمخشرى و غيره قوله تعالى: اتاتون الفاحشه و انتم تبصرون ببصر \par
003    27    القلب فقال اى تعلمون انها فاحشه لم تسبقوا اليها، هذا و لما كان للمرابط و المجاهد مزيد افتقار الى المعرفه بانواع القتال و ان يحيطا علمه خبرا بالمكان الذى يرابط فيه و يعرف المدارج المخوفه التى يرتادها المغتالون و ما يحيط بالثغر من سهل و جبل و ان يكون ذا بصيره بمكايد العدو و مكامنه ليحذر من بغتته الحف عليه السلام فى السوال لهم بتعريفهم ما يجهلون و تعليمهم ما لا يعلمون و تبصيرهم ما لا يبصرون. \par
004    27    (القول فى لفظ- الخلد- هل يدل على الدوام ام لا؟) \par (اللهم صل على محمد و آله، و انسهم عند لقائهم العدو ذكر دنياهم الخداعه الغرور، و امح عن قلوبهم خطرات المال الفتون، و اجعل الجنه نصب اعينهم، و لوح منها لابصارهم ما اعددت فيها من مساكن الخلد و منازل الكرامه و الحور الحسان و الانهار المطرده بانواع الاشربه و الاشجار المتدليه بصنوف الثمر حتى لايهم احد منهم بالادبار، و لا يحدث نفسه عن قرنه بفرار). \par انسهم اى اغفل قلوبهم عن ذكر دنياهم حتى ينمحى تصورها عن اذهانهم فلا يرغبوا عن صدق الجهاد عند لقاء العدو ميلا الى زخارف الدنيا المحبوبه للنفوس الاماره، و خدعه خدعا: اراد به المكروه من حيث لا يعلم، و كل فعل يقصد به فاعله فى باطنه خلاف ما يقتضيه ظاهره فهو خديعه، و غره غرورا: اطمعه بالباطل، و وصف الدنيا بالخداعه لانها تخدع الناس ببهجه منظرها و رونق سرابها الى ان يستانس بها من كان بعقله نافرا عنها، و يطمئن اليها من كان بمقتضى فكرته منكرا لها حتى اذا ما انهمك فى لذاتها و انغمس فى شهواتها فعلت به فعل العدو الخدوع، و كذلك وصفها بالغرور لانها تغر الخلق بزخارفها الباطله فيتوهمون بقائها ثم تنتقل عنهم و تتحول و صدق عليها هذان الوصفان لكونها سببا لغفله الخلق عما خلقوا الاجله بالاشتغال بها و الانهماك فى مشتهياتها و لذاتها الفانيه و ذلك جاذب للانسان عن قصد الحق و صاد له عن سلوك سبيله و عن الترقى فى الملكوت الاعلى الى حضيض الدرك الاسفل و بذلك يكون الهلاك الابدى و الشقاء السرمدى و محا الشى ء يمحوه محوا من باب قتل و محاه يمحاه محيا بالياء من باب نفع لغه: ازاله و انمحى الشى ء: \par
004    27    ذهب اثره، و خطرات المال: ما يخطر اى يمر فى القلب تحصيله او تدبيره قال الزمخشرى فى الاساس له خطرات و خواطر و هى ما يتحرك فى القلب من راى او معنى، و قال الازهرى: الخاطر: ما يخطر فى القلب من تدبير اوامر، و المال: ما يملك من كل شى ء، و الفتون: الكثير الفتنه لان فعولا من صيغ المبالغه، يقال: فتن المال الناس من باب ضرب فتونا اى استمالهم و اضلهم، و لما كانت الفتنه بمعنى الضلال عن الحق بمحبه امر ما، من الامور الباطله و الاشتغال به عما هو الواجب من سلوك سبيل الله و كان المال من اعظم الاسباب لضلال الخلق عن الحق بمحبته صدق عليه و صفه بالفتون قوله عليه السلام: و اجعل الجنه نصب اعينهم اى منصوبه حذاء اعينهم ليشاهدوها عيانا، و لاح الشى ء يلوح: بدا و ظهر، و لوحه تلويحا: ابداه و اظهره، و اعددت الشى ء اعدادا: هياته اى ابدا و اظهر لابصارهم من الجنه ماهياته فيها، و المساكن: جمع مسكن بفتح الكاف و كسرها و هو البيت، و الخلد بالضم و الخلود: البقاء و الدوام من وقت مبتداء و لذلك لا يقال لله تعالى خالد، و قيل: هو فى الاصل. الثبات دام او لم يدم و لو كان وضعه للدوام لما قيد بالتاييد فى قوله عز قائلا: خالدين فيها ابدا و لما استعمل حيث لا دوام فيه فقالوا: حبسه حبسا مخلدا، و قال النظام النيسابورى: الخلد عند المعتزله: الثبات الدائم، و البقاء اللازم الذى لا ينقطع بدليل قوله تعالى: و ما جعلنا لبشر من قبلك الخلد نفى الخلد مع تعمير بعضهم و منكم من يرد الى ارذل العمر و عند الاشاعره: الخلد هو الثبات الطويل دام او لم يدم و لو كان التاييد داخلا فى مفهومه كان قوله تعالى: خالدين فيها ابدا تكرارا، انتهى. \par و يتفرع على هذا الخلاف دوام وعيد المرتكب الكبيره اذا مات بلا توبه حيث وقع مقيدا بالخلود كما فى قوله تعالى: و من يقتل مومنا متعمدا فجزائه جهنم خالدا فيها و على كل تقدير فالمراد بالخلد هنا: الدوام قطعا لما يشهد له من الايات و السنن اى مساكن البقاء و الدوام التى لا يعتريها و لا يعترى سكانها فناء و لا تغير فاضافه المساكن الى الخلد للمدح لاللتوضيح اذ من المعلوم ان مساكن الجنه لافناء فيها. \par
004    27    (ان كل نعمه و ان جلت اذا قارنها خوف الزوال... بشر سبحانه..) \par و اعلم ان معظم اللذات الحسيه لما كان مقصورا على المساكن و المطاعم و المناكح حسبما يقضى به الاستقراء و كان ملاك جميع ذلك الدوام و الثبات اذ كل نعمه و ان جلت اذا قارنها خوف الزوال كانت منغصه غير صافيه من شوائب الالم بشر سبحانه عباده المومنين بها و ازال عنهم خوف الفوات بوعد الخلود ليدل على كمالهم فى التنعم و السرور، و منازل الكرامه اى منازل العز و الشرف، و قال بعض العلماء: الكرامه تعود الى الكمالات النفسانيه الباقيه و الالتذاذ بها، و الحور: جمع حوراء و هى المرئه البيضاء من الحور بالتحريك و هد شده البياض، و قال ابوعبيده: الحوراء. الشديده بياض العين، الشديده سوادها من حورت العين حورا من باب تعب اذا اشتد بياض بياضها و سواد سوادها، و فى الدعاء دليل على ان الحور غير نساء الدنيا خلافا لما روى عن الحسن فى قوله تعالى: و زوجناهم بحور عين هن عجائزكم ينشئهن الله خلقا آخر، و الحسان جمع حسنه اى جميله الصوره بهيه المنظر، و الانهار: جمع نهر بالتحريك مثل سبب و اسباب فاذا سكن جمع على نهر بضمتين و انهر، و النهر: الماء الجارى المتسع، و اطردت الانهار جرت و منه اطرد الامر اذا تبع بعضه بعضا فجرى مجرى واحد كجرى الانهار، و انواع الاشربه اى اصنافها و فى ذلك اشاره الى قوله تعالى: مثل الجنه التى وعد المتقون فيها انهار من ماء غير آسن و انهار من لبن لم يتغير طعمه و انهار من خمر لذه للشاربين و انهار من عسل مصفى و الاشجار المتدليه اى المسترسله اغصانها بصنوف الثمر. و التدلى: الاسترسال مع تعلق، و فى قوله عليه السلام: بصنوف الثمر اشاره الى قوله تعالى: و لهم فيها من كل الثمرات قال المفسرون اى لهم فيها صنف من كل الثمرات، و حتى: بمعنى كى التعليليه اى كيلايهم احد منهم بالادبار، يقال: هم بالشى ء هما من باب قتل اذا اراد و لم يفعل، و ادبر ادبارا: ولى، و حديث النفس: ما يخطر بالبال، و حدثت نفسه بكذا: اخطره بباله، و قد يقال حدثته نفسه بكذا اى وسوست اليه به اى \par
004    27    و لا يخطر بباله فرارا عن قرنه، و القرن بالكسر: نظير الانسان فى الشجاعه و فى الاساس القرن بالفتح مثلك فى السن و بالكسر مثلك فى الشجاعه، و فى القاموس: القرن بالكسر كفوك فى الشجاعه او عام، وفر من عدوه يفر من باب ضرب فرارا بالكسر: هرب. \par
005    27    (معنى مفردات هذه الفقرات، و شرح بعضها) \par (اللهم افلل بذلك عدوهم، و اقلم عنهم اظفارهم، و فرق بينهم و بين اسلحتهم، و اخلع و ثائق افئدتهم، و باعد بينهم و بين ازودتهم، و حيرهم فى سبلهم، و ضللهم عن وجههم، و اقطع عنهم المدد، و انقص منهم العدد، و املاء افئدتهم الرعب، و اقبض ايديهم عن البسط، و اخزم السنتهم عن النطق، و شرد بهم من خلفهم، و نكل بهم من ورائهم، و اقطع بخزيهم اطماع من بعدهم) \par فللت الجيش فلا من باب قتل فانفل: كسرته فانكسر، و فى القاموس: فل القوم هزمهم، و المراد بالعدو هنا: الجمع اى اعدائهم لاعاده ضمير الجمع اليه، قال فى مختصر العين: يقع العدو بلفظ واحد على الواحد المذكر و المونث و المجموع، و قلمت الظفر قلما من باب ضرب: قطعت ما طال منه، و قلمت بالتشديد مبالغه، و قلم الاظفار هنا كنايه عن اضعافهم قال الزمخشرى فى الاساس: و من المجاز فلان مقلوم الظفر: ضعيف، و فى الصحاح يقال للضعيف مقلوم الظفر و الوجه فى ذلك ان الظفر اذا لم يقلم كان قوى العمل فى الخدش و الحك و اللقط و نحوه فاذا قلم ضعف عمله، و فرق بينهم و بين اسلحتهم اى اغفلهم عن استصحابها حتى لا يتمكنوا من القتال و يتمكن المسلمون من قتلهم، و الخلع: النزع خلعه يخلعه من باب نفع، و الوثائق: جمع وثيقه بمعنى الثقه من وثق به ثقه اى اعتمد عليه، و قال الجوهرى: اخذ بالوثيقه فى امره اى بالثقه و المعنى انزع ما وثقت به افئدتهم و اعتمدت عليه من الباس و النجده و الشجاعه التى يرونها فى انفسهم، و الافئده: جمع فواد بالضم مهموز العين و هو القلب، و باعد بين الشيئين: جعل كلا منهما بعيدا عن الاخر، و الازوده: جمع زاد على غير القياس و هو طعام المسافر الذى يتخذ لسفره و قياس جمعه ازواد اى اجعل بينهم و بين ازودتهم حائلا و امدا و مسافه بعيده حتى لا يتصلوا \par
005    27    بها و لا يتمكنوا من تناولها عند الحاجه اليها فيضعفوا عن القتال، حار فى امره يحار حيرا من باب تعب و حيره: لم يدر وجه الصواب فيه فهو حيران و هى حيرى و الجمع حيارى، و السبل بالضم و بضمتين: جمع سبيل و هو الطريق اى اجعلهم لا يهتدون الى وجه الصواب فى طرقهم التى يقصدون بسلوكها الوصول الى المسلمين و بلادهم او مطلقا، و ضل الرجل الطريق و ضل عنه يضل من باب ضرب ضلالا و ضلاله: زل عنه فلم يهتد اليه و ذهب فى غيره فهو ضال، و الوجه: كل مكان استقبلته و تحذف الواو فيقال جهه مثل عده و منه فثم وجه الله اى جهته التى امركم بالتوجه اليها، و المعنى اجعلهم ضالين عن الجهه التى يريدون ان يتوجهوا اليها لقصد المسلمين او مطلقا، و اقطع عنهم المدد اى احبسه عنهم من قطعت الماء عن الحوض اذا حبسته عنه فلم يصل اليه او امنعه عنهم من قطعته عن حقه اى منعته، و مدد الشى: ما يمد به اى يكثر و يزداد و خص بالجماعه الذين يعان و يقوى بهم الجيش فى القتال يقال: امدهم بمدد: اذا اعانهم بجماعه يقاتلون معهم، و منه قوله تعالى: يمددكم ربكم بخمسه آلاف من الملائكه و نقصت الشى ء نقصا: اذ هبت منه شيئا فنقص هو، كلاهما من باب قتل متعديا و لازما، و العدد: مقدار ما يعد اى انقص كميتهم حتى يقلوا و يعجزوا عن القتال و مقاومه المسلمين، و ملاء الاناء ملاء من باب نفع، و الرعب بالضم و تضم العين للاتباع: الخوف و الفزع، و منه قوله تعالى: سنلقى فى قلوب الذين كفروا الرعب و اقبض ايديهم عن البسط اى كفها و امنعها ان تمد الى المسلمين، قال الزمخشرى فى قوله تعالى: اذكروا نعمه الله عليكم اذهم قوم ان يبسطوا اليكم ايديهم و كف ايديهم عنكم يقال، بسط اليه لسانه: اذا شتمه، و بسط اليه يده اذا بطش، و يبسطوا اليكم ايديهم و السنتهم بالسوء و معنى بسط اليد اليه: مدها الى المبطوش به، الا ترى الى قولهم: فلان بسيط الباع؟ و قوله: فكف ايديهم عنكم اى فمنعها ان تمد اليكم انتهى، \par
005    27    و يحتمل ان يكون قبض ايديهم عن البسط مجازا عن سلب القدره عنهم على التصرف مطلقا من قولهم: فلان مبسوط اليد اى قادر على التصرف كيف ما شاء، او دعاء عليهم بالبخل المذموم من بسط اليد الذى هو مجاز عن محض الجود من غير نظر و قصد فى هذين الاحتمالين الى اثبات يدو بسط، و منه قوله تعالى: بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء و يكون المراد به الدعاء عليهم لما هو مسبب عن البخل من لصوق العار بهم و سوء الاحدوثه التى تخزيهم و تمزق اعراضهم و نفره القلوب عن اعانتهم و مظاهرتهم، و اخزم السنتهم عن النطق، اى اشددها و اوثقها من خزمت الشراك خزما من باب ضرب: اذا ثقبته و شددته، و الغرض: منع السنتهم عن النطق بما يسوء المسلمين، و بما يدبرون به امرهم و يتشاورون به فيما بينهم من الكلام لقصد المسلمين، و شرد بهم من خلفهم، اقتباس من قوله تعالى: فاما تثقفنهم فى الحرب فشرد بهم من خلفهم لعلهم يذكرون التشريد: الطرد و التفريق قال الزجاج: معناه: افعل بهم فعلا من القتل تفرق به من خلفهم و قال الزمخشرى اى فرق بقتلهم شرقتله و النكايه فيهم من ورائهم من الكفره حتى لا يجسر عليك بعدهم احد اعتبارا بهم و اتعاظا بحالهم، و قال عطاء: معناه: اكثر فيهم القتل حتى يخافك غيرهم، و قال العلامه الطبرسى: و قيل معناه شرد بهم: سمع بهم بلغه قريش، و فى القاموس: شرد به: سمع الناس بعيوبه، و المعنى على هذا: افعل بهم من النكايه و التعذيب فعلا يسمع به من خلفهم من الاعداء فلا يقدم احد منهم على القتال، و قوله عليه السلام: و نكل بهم من ورائهم كالتفسير لما قبله يقال نكل عن الحرب نكولا من باب قعداى جبن و تاخر و امتنع، و نكل به تنكيلا: فعل به ما ينكل غيره عن مثل فعله قال فى الاساس: نكلت به: جعلت غيره ينكل ان يفعل مثل فعله و هو النكال، و قال ابن الاثير فى النهايه. نكل به تنكيلا: اذا جعله عبره لغيره، و النكال: العقوبه التى ينكل الناس عن فعل ما جعلت له جزاء انتهى، و المعنى افعل بهم من القتل و النكايه و التعذيب ما يوجب نكول من وراء ظهورهم من الكفار و يكون عبره لهم بان ينظروا فيهم فيعتبروا بهم فلا يقدموا على مثل فعلهم من قصد المسلمين، و قوله عليه السلام: و اقطع بخزيهم اطماع من بعدهم، الخزى بالكسر: الذل و الهوان المقارن \par
005    27    للفضيحه و الندامه، و الاطماع: جمع طمع اى افعل بهم من الخزى ما لا يبقى معه لمن بعدهم من الكفره طمع فى قصد المسلمين مخافه ان يقع بهم من الخزى ما وقع بهولاء. \par
006    27    (ينسب الولد الى صلب ابيه و ظهره و نطق بذلك القرآن المجيد..) \par (و معنى اذنه تعالى) \par اللهم عقم ارحام نسائهم، و يبس اصلاب رجالهم، و اقطع نسل دوابهم و انعامهم، لا تاذن لسمائهم فى قطر، و لا لارضهم فى نبات) \par عقمت الرحم عقما من باب تعب: اذا لم تقبل الولد، و الاسم: العقم بالضم، و الارحام: جمع رحم على وزن كتف موضع تكوين الولد، و النساء: اسم لجماعه الاناث لا واحد له من لفظه و انما الواحده امراه من غير لفظ الجمع، و يبس الشى ء ييبس من باب تعب: اذا جف فهو يابس، و الاصلاب: جمع صلب بالضم و هو سلسله فقرات الظهر، و المراد بتيبيس اصلابهم تجفيف منيهم لينقطع نسلهم مجازا للمجاوره كما يقال: جف النهر اى جف مائه. و قد اشتهر كون المنى من الصلب و الظهر و لذلك ينسب الولد الى صلب ابيه و ظهره و نطق بذلك القرآن المجيد قال تعالى: و حلائل ابنائكم الذين من اصلابكم و قال تعالى: و اذ اخذ ربك من بنى آدم من ظهورهم ذريتهم و الوجه فى ذلك على ما ذهب اليه جم غفير: ان مبدء ماء الرجل من الصلب لان مادته من النخاع الاتى من الدماغ و ينحدر فى فقرات الظهر الى العصعص و لذلك قال سبحانه: فلينظر الانسان مم خلق خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب و الترائب اى صلب الرجل و ترائب المرئه و هى عظام الصدر حيث يكون موضع القلاده لان ماء المرئه يخرج من ترائبها، و النسل: الولد، و الدواب: جمع دابه و هى فى الاصل مادب اى سار من الحيوان و \par
006    27    غلب على ما يركب و هو المراد هنا و تطلق على الذكر و الانثى، و الانعام: جمع نعم بالتحريك و قد يسكن و النعم: الابل و البقر و الغنم، و اذنت له فى الشى ء من باب علم: اطلقت له فعله و اذنه تعالى قيل عباره عن امره، و قيل عن ارادته، و قيل عن ايجابه و ايجاده لشى ء بتوسط فاعله المباشر له كما فى قوله تعالى لعيسى عليه السلام: و تبرى ء الاكمه و الابرص باذنى و اذ تخرج الموتى باذنى و كل هذه المعانى صحيح هنا اى لاتامر سمائهم بقطر و لا ارضهم بنبات، او لا ترد قطر سمائهم و لا نبات ارضهم، او لا توجد لهم قطرا بتوسط سمائهم و لا نباتا بتوسط ارضهم. \par
007    27    (يستفاد من بعض هذه الفقرات افضليه الصلوه من الجهاد، و بيان المطلب) \par (اللهم و قو بذلك محال اهل الاسلام، و حصن به ديارهم، و ثمر به اموالهم و فرغهم عن محاربتهم لعبادتك، و عن منابذتهم للخلوه بك حتى لا يعبد فى بقاع الارض غيرك، و لا تعفر لاحد منهم جبهه دونك) \par المحال على وزن كتاب: الكيد، و التدبير، و المكر و طلب الامر بالحيله، و القدره، و القوه، و الشده، و الجدال، و المعاداه، و الاخذ بالعقاب، و النقمه، و العذاب، و منه قوله تعالى: و هو شديد المحال. \par و اختلف عبارات المفسرين فى تفسيره فقال على عليه السلام: شديد الاخذ، و قتاده و مجاهد: شديد القوه، و الحسن شديد النقمه، و الزجاج: شديد القدره و العذاب، و الجبائى: شديد الكيد للكفار، و الزمخشرى: شديد الكيد و المكر لاعدائه ياتيهم بالهلكه من حيت لا يحتسبون، و كل من هذه المعانى يصح حمل لفظ الدعاء عليه كما لا يخفى، و حصنه: جعله حصينا اى منيعا، و الديار: جمع دار و هى الموضع يجمع البناء و تطلق على البلد ايضا، و ثمر الله ما له تثميرا: نماه و كثره، و فرغهم عن محاربتهم لعبادتك، اى خلصهم عن الشغل بمحاربتهم للتجرد لعبادتك التى لا يشغل اسرارهم و قلوبهم عن مراقبتك و التوجه اليك بالكليه فيها شاغل: و الجهاد و ان كان عباده الا انه ليس كالصلوه التى هى ام العبادات و عمود الدين، و معراج المومن، و مناجات رب العالمين مثلا فانها فضلت على سائر العبادات بما نيطت به من ذكر المعبود و شغل القلب \par
007    27    و اللسان بذكره تعالى و حركات سائر الحوارح جعلت داله على ما فى القلب و اللسان فهى ذاكره له ايضا و ليس كذلك الجهاد فانه انما جعل ذريعه لاقامه الشريعه و غيره من عبادات الله تعالى كما قال عز قائلا: و قاتلوهم حتى لا تكون فتنه و يكون الدين كله لله \par (الاقوال فى الخلوه بالله و المراد منها، و كان الفضيل يقول..) \par و المنابذه: المخالفه والمكاشفه بالحرب، و خلا به يخلو خلوه: تفرد به \par قال ارباب القلوب: الخلوه بالله محادثه السرمع الحق حيث لا احد و لا ملك، و قال بعض المحققين: الخلوه عباره عن تفرد العبد فى موضع يخلو فيه عن جميع الشواغل بما سوى الله من المحسوسات الظاهره و الباطنه و يصرف فيه همته و نيته الى الاقبال على الله و التبتل اليه بكليته فيحصل له الانس به و الوحشه من غيره، \par و كان الفضيل يقول: اذا رايت الليل مقبلا فرحت به و قلت اخلو بربى و اذا رايت الصبح ادركنى استرجعت كراهيه لقاء من يشغلنى عن ربى. \par و قيل لبعضهم: اما تستوحش فى هذه الدار وحيدا؟ فقال: ما كنت اظن احدا يستوحش مع الله. \par و قيل لبعض العباد: ما اصبرك على الوحده؟ فقال: ما انا وحدى، انا جليس الله عز و جل اذا شئت ان يناجينى قرات كتابه و اذا شئت ان اناجيه صليت. \par قوله عليه السلام: حتى لا يعبد فى بقاع الارض غيرك، اى كيلا يعبد، و البقاع: جمع بقعه بالضم و تفتح و هى القطعه من الارض، و لما كان فعل العباده لا يجوز شرعا و عقلا الا لله تعالى لان العباده اعلى مراتب الخضوع و التذلل و لا يستحق ذلك الا من كان موليا لا على النعم و اعظمها من الوجود و الحيوه و توابعهما و هو الله سبحانه لاغير، جعل عليه السلام غايه دعائه باضعاف اهل الشرك و تقويه اهل الاسلام تخصيصه تعالى بالعباده التى لا يستحقها غيره، و عفره عفرا من باب ضرب و عفره تعفيرا للمبالغه: الزقه بالعفر محركا و قد يسكن و هو وجه الارض، و الجبهه من الانسان قال الخليل: هى مستوى ما بين الحاجبين، و قال الاصمعى: هى موضع السجود، و المراد بتعفير الجبهه السجود على التراب اى و حتى \par
007    27    لا يسجد لاحد منهم دونك، اذ كان السجود يحرم لغير الله لان وضع اشرف الاعضاء على اهون الاشياء و هو التراب غايه الخضوع، و قد علمت ان غايه الخضوع و اعلى مراتبه لا يجوز الا لله عز و جل. \par
008    27    (نكته ى لطيفه، و الفرق بين اذهبه، و ذهب به) \par (اللهم اغز بكل ناحيه من المسلمين على من بازائهم من المشركين، و امددهم بملائكه من عندك مردفين حتى يكشفوهم الى منقطع التراب قتلا فى ارضك و اسرا، او يقروا بانك انت الله الذى لا اله الا انت وحدك لا شريك لك) \par غزا العدو غزوا: سار الى قتالهم و انتهابهم قال الفيومى: و انما يكون غزو العدو فى بلادهم، و غزا يتعدى بنفسه، و انما عداه هنا بعلى لتضمينه معنى الاغاره و هى مباغته العدو للنهب او القتل و الاسراى اغز بكل ناحيه من المسلمين مغيرا على من بازائهم من المشركين، و الباء من قوله: بكل ناحيه للتعديه و هى المعاقبه للهمزه فى تعديه الفعل القاصر كما تقول: فى ذهب زيد، ذهبت بزيد و اذهبته اى اغز كل ناحيه اى ابعثها للغزو، يقال اغز الامير الجيش: اذا بعثه للغزو، و فى ايثاره تعديه غزا بالباء دون الهمزه نكته لطيفه: \par و هى ملاحظه ما فى الباء من معنى المصاحبه المقصود بها هنا كمال الحفظ و التوفيق و الامداد و النصره كما كان المقصود بالمعيه ذلك فى قوله تعالى: و اذ يوحى ربك الى الملائكه انى معكم فثبتوا الذين آمنوا و قوله تعالى لموسى و هارون عليهماالسلام: لا تخافا اننى معكما اسمع و ارى \par و من ثم ذهب المبرد و السهيلى و الزمخشرى الى ان بين اذهبه، و ذهب به، فرقا فمعنى اذهبه: ازاله و جعله ذاهبا، و معنى ذهب به: استصحبه و مضى به و قال صاحب المثل السائر: كل من ذهب بشى ء فقد اذهبه و ليس كل من اذهب شيئا فقد ذهب به اذ يفهم منه انه استصحبه و امسكه عن الرجوع الى الحاله الاولى و لا كذلك اذهبه، فهما و ان اشتر كافى معنى التعديه فلا يبعد ان ينظر صاحب المعانى الى معنيى الهمزه و الباء الاصليين اعنى \par
008    27    الازاله و المصاحبه و الالصاق، انتهى و هو صريح فيما ذكرناه. \par (المشرك بالله، حقه ان لا يترك و يخلى فى ارض الله بل يستحق القتل و الاسر فيها) \par و الناحيه: الجانب، و الازاء بالكسر و المد: الحذاء، و فى النهايه: الازاء: المحاذاه و المقابله، و المعنى على من يحاذيهم و يقابلهم من المشركين، و امددت الجيش بالف رجل: اعنته و قويته بهم، و قيل: المد فى الشر كما فى قوله تعالى: و يمدهم فى طغيانهم يعمهون و الامداد فى الخير كما فى قوله تعالى: و امددنا كم باموال و بنين و قيل: المد: اعانه الرجل، القوم بنفسه، و الامداد: اعانته اياهم بغيره، و مردفين بكسر الدال اى جاعلين غيرهم من الملائكه رديفا لانفسهم فيكون المراد بهم روسائهم المستتبعين لغيرهم، او جاعلين انفسهم رديفا للمسلمين او لملائكه آخرين، او جاعلين بعضهم رديفا لبعض المسلمين، او بعضهم لبعض، كل ذلك من اردفته اياه اردافا اى اتبعته اياه و جعلته له رديفا فردفه هو، و فيه تلميح الى قوله تعالى: اذ تثتغيثون ربكم فاستجاب لكم انى ممدكم بالف من الملائكه مردفين \par قال الزجاج معناه ياتون فرقه بعد فرقه، و عن ابن عباس و قتاده و السدى معناه مترادفين و كانوا الفا بعضهم فى اثر بعض، و كشفت القوم كشفا من باب ضرب: هزمتهم فانكشفوا، و منه حديث فلما كان يوم احد انكشف المسلمون قال الكرمانى فى شرح البخارى اى انهزموا، و منقطع الشى ء بصيغه البناء للمفعول: حيث ينتهى اليه طرفه: نحو منقطع الوادى و الرمل و الطريق، و التراب معروف. \par قال الفراء و جماعه: هو جنس لا يثنى و لا يجمع، و نقل ابوعمرو الزاهد فى شرح الفصيح عن المبرد انه قال: هو جمع واحدته ترابه، و قال الجوهرى جمع التراب اتربه و تربان، و المراد بمنقطع التراب: منتهى العماره من الارض شرقا و غربا و جنوبا و شمالا حيث لا تقع العين بعده على تراب، \par و قوله عليه السلام: قتلا فى ارضك و اسرا، اى حال كونهم يقتلونهم فى ارضك قتلا \par
008    27    و ياسرونهم اسرا، و اضافه الارض اليه تعالى لبيان استحقاقهم للقتل و الاسر لان المشرك بالله حقه ان لا يترك و يخلى فى ارض الله بل يستحق القتل و الاسر فيها، و قوله عليه السلام: او يقروا، عطف على قوله: يكشفوهم، و اقر بالشى ء اقرارا: اعترف به، و انت: ضمير موضوع للمخاطب. \par و قوله: لا اله: مبنى مع لا فى موضع رفع بالابتداء، و الخبر محذوف اى لهم او فى الوجود او مستحق للعباده، و الضمير بعد الا فى محل رفع على البدل من محل لا اله، و لا يجوز ان يكون فى محل نصب على الاستثناء لانه لو كان كذلك لكان الا اياه، و جمله لا اله الا الله فى محل رفع على انها خبر ثان لاسم ان، او صفه للخبر و هو اسم الجلاله. \par
009    27    (المراد باعدائه تعالى.. و الهند.. اكثر الناس اختلافا فى الاراء و العقائد..) \par (اللهم و اعمم بذلك اعدائك فى اقطار البلاد من الهند و الروم و الترك و الخزر و الحبش و النوبه و الزنج و السقالبه و الديالمه و سائر امم الشرك الذين تخفى اسمائهم و صفاتهم، و قد احصيتهم بمعرفتك، و اشرفت عليهم بقدرتك) \par عم الشى ء عموما من باب قعد: شمل الجميع، يقال: عمهم بالاحسان اى احسن الى جميعهم و الاشاره بذلك الى ما تقدم من الدعاء على المشركين، و المراد باعدائه تعالى: الخارجون عن طاعته عنادا و المخالفون لامره مكابره لان العدو لا يكاد ينقاد لامر عدوه و لا يوافقه، و المراد بهم: اعداء اوليائه و خواصه و مقربيه اضافهم اليه تعالى تفخيما لشانهم و ايذانا بان عداوتهم عداوته، اذا العدو على الحقيقه لا تصح الا فى البشر لان العد و هو الذى يريد انزال المضار بمن عاداه و هذا يستحيل فى حقه تعالى، و الاقطار: جمع قطر بالضم مثل قفل و اقفال و هو الجانب و الناحيه، و البلاد: جمع بلده مثل قلعه و قلاع و هى بمعنى البلد و هو المصر الجامع. \par قال العلامه الطبرسى: البلد و المصر و المدينه نظائر، و فى القاموس: البلد و البلده: كل قطعه من الارض مستحيزه عامره او غامره، و قال الفيومى: يطلق البلد و البلده على كل موضع عامرا كان او خلاء، و من بيانيه، و الهند: الجيل و امه من الناس معروفه اكثر الناس اختلافا فى الاراء و العقائد: منهم من يقول بالخالق دون النبى و هم \par
009    27    البراهمه، و منهم من يعبد الشمس، و منهم من يعبد القمر، و منهم من يعبد الانهار الكبار و منهم من يعبد الاشجار العظام الى غير ذلك و يطلق لفظ الهند على بلادهم ايضا و هى من الاقليم الاول احد حديها الصين و الاخر السند اكثر ارض الله جبالا و انهارا خصت بكريم النبات و عجيب الحيوان، قال بعضهم: الهند بحرها در و جبلها ياقوت و شجرها عود و ورقها عطر و حشيشها دواء و شتائها صيف و صيفها ربيع. \par (تعريف الروم و الترك و الخزر و الحبش و النوبه و الزنج) \par و الروم، قال الواحدى: جيل من ولد روم بن عيص بن اسحق غلب اسم ابيهم عليهم فصار كالاسم للقبيله، و قال النورى فى التهذيب: و الروم هم الذين تسميهم اهل هذه البلاد الافرنج انتهى، و اكثرهم نصارى و بلادهم بالاقليم السادس و هى بلاد واسعه انزه النواحى و اخصبها و اكثرها خيرا و اعذبها ماء و اصحها هواء و اطيبها تربه و هى فى غايه البروده و لذلك يرى الغالب على الوانهم البياض و على شعورهم الشقره. \par و الترك جيل من اولاد يافث بن نوح عليه السلام يمتازون عن جميع الامم بكثره العدد، و وفور الشجاعه عراض الوجوه فطس الانوف عبل السواعد ضيقوا الاخلاق و الاعين يغلب عليهم الغضب و الظلم و القهر اقسى خلق الله قلوبا و اشدهم بطشا و اقلهم رافه و اصبرهم على تحمل المشاق و المحن و بلادهم بالاقليم الثالث او لها من وراء نهر جيحون و هو نهر كبير يفصل بين بلاد الترك و بين خراسان و يسمى نهر خوارزم و نهر بلخ لان كلا منهما فى طرف منه و تمتد بلادهم الى اقاصى المشرق من حدود الصين، و الخزر بفتحتين قال فى القاموس: اسم جيل خزر العيون و قال الزمخشرى فى الاساس: رجل اخزر ينظر بموخر عينه، و قيل هو الذى ضاقت عينه و صغرت و امرئه خزراء و قوم خزر و به سمى الخزر جيل من الترك، انتهى و قال بعضهم بلاد الخزر حوالى بحر جيلان و يقال لبحر جيلان بحر الخزر. \par و الحبش بفتحتين: جنس من السودان جلهم نصارى و يقال لبلادهم الحبشه و هى ارض واسعه تمتد من طرف بحر اليمن الى الخليج البريرى، و النوبه بالضم: بلاد واسعه للسودان بجنوب الصعيد، منها بلال الحبش، و قال صاحب عجائب البلدان: بلاد \par
009    27    النوبه فى جنوبى مصر و شرقى النيل و غربيه و هى بلاد واسعه و اهلها امه عظيمه و هم على دين النصرانيه قال صلى الله عليه و آله: خير سبيكم النوبه، و الزنج بالفتح و الكسر: صنف منهم ايضا و ارضهم مسيره شهرين شمالها اليمن و جنوبها الفيا فى و شرقها النوبه و غربها الحبشه قال القزوينى: و جميع السودان من ولد كوش بن كنعان بن حام، و بلاد الزنج شديد الحر جدا و سبب سوادهم احتراقهم بالشمس، و قيل ان نوحا عليه السلام دعا على ابنه حام فاسود لونه، و بلادهم قليل المياه و الاشجار سقوف بيوتهم من عظام الحوت، زعم الحكماء انهم شرار الناس و لهذا يقال لهم سباع الانس. \par قال جالينوس: الزنج خصصوا بامور عشره: سواد اللون، و فلفله الشعر، و فطس الانف، و غلظ الشفه، و تشقق اليد و العقب، و نتن الرائحه، و كثره الطرب و قله العقل و اكل بعضهم بعضا فانهم فى حروبهم ياكلون لحم العدو و من ظفر بعد و له اكله، و اكثرهم عراه لالباس لهم و لا يرى زنجى مغموما بل الطرب يشملهم كلهم، قال بعض الحكماء: سبب ذلك اعتدال دم القلب منهم، و قال آخرون بل سببه طلوع كوكب سهيل عليهم لكل ليله فانه يوجب الفرح. \par (تعريف السقالبه و الديالمه و سائر امم الشرك..) \par و السقالبه و تبدل السين صادا فيقال صقالبه و هو المذكور فى القاموس، قال الخليل رحمه الله: كل سين و صاد تجى ء قبل القاف فللعرب فيه لغتان: فمنهم من يجعلها سينا و منهم من يجعلها صادا لا يبالون امتصله كانت بالقاف او منفصله بعد ان يكونا فى كلمه واحده انتهى، قال فى القاموس: الصقالبه: جيل تتاخم بلادهم بلاد الخزر بين بلغز و قسطنطنيه، و قال ابن الكلبى: روم و صقلب و ارمن و فرنج كانوا اخوه بنوا النبطى بن كسلو اخيم بن يونان بن يافث بن نوح عليه السلام سكن كل واحد منهم بقعه من الارض فسميت باسمه، و الصقالبه قوم كثيرون صهب الشعر و حمر الالوان اولوا صوله شديده، و الديالمه: جيل من الناس مشهورون بالظلم و الجور حتى قيل هم اجور من الترك و الديلم، قال الزمخشرى فى الاساس: و من المجاز فلان من الديلم و هو ديلمى من الديالمه اى عدو من الاعداء لشهره هذا الجيل بالشراره و العداوه و بلادهم ارض الجيال \par
009    27    بقرب قزوين و هى ثغرارض الديلم، \par قوله عليه السلام: و سائر امم الشرك الى آخره، اى باقيهم و الامم: جمع امه و المراد بها هنا الصنف من الناس اى سائر اصناف الخلق المشركين، و الشرك بالكسر اسم من اشرك الله اى كفر و هو مطلق الكفر المنتظم لكفر اليهود و النصارى فان الشرع قد نص على شرك اهل الكتاب قاطبه، و المراد باسمائهم: ما دل على ذواتهم، و بصفاتهم: ما دل على شى ء من احوالهم، و المراد بمعرفته تعالى: علمه و هو يويد قول اهل اللغه و بعض ارباب الاصول و الميزان من انهما مترادفان، و اشرف على الشى ء اشرافا: اطلع عليه و هو على التمثيل لان اصله: النظر من شرف و هو المكان العالى اذ النظر منه الى الشى ء ابلغ فى الاحاطه به. \par
010    27    (البحث فى ان لفظ المشركين هل يتناول الكفار من اهل الكتاب ام لا؟) \par (اللهم اشغل المشركين بالمشركين عن تناول اطراف المسلمين، و خذهم بالنفص عن تنقصهم، و ثبطهم بالفرقه عن الاحتشاد عليهم) \par شغله شغلا من باب نفع و الاسم الشغل بالضم و تضم العين و تسكن للتخفيف و هو ضد الفراغ، و اختلف هل يتناول لفظ المشركين الكفار من اهل الكتاب ام لا، قال الا كثرون: نعم، لقوله تعالى: و قالت اليهود عزيز بن الله و قالت النصارى المسيح بن الله ذلك قولهم بافواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله انى يوفكون، اتخذوا احبارهم و رهبانهم اربابا من دون الله و المسيح بن مريم و ما امروا الا ليعبدوا الله الها واحدا لا اله الا هو سبحانه عما يشركون و لقوله تعالى: ان الله لا يغفر ان يشرك به و يغفر ما دون ذلك لمن يشاء فلو كان كفر اليهود و النصارى غير الشرك لا حتمل ان يغفر الله لهم و ذلك باطل بالاتفاق، و ايضا النصارى قائلون بالتثليث و هو شرك محض. \par و قال الاصم: كل من جحد رساله محمد صلى الله عليه و آله فهو مشرك من حيث ان تلك المعجزات التى ظهرت على يديه كانت خارجه عن قدره غير الله تعالى و هم انكروها و اضافوها الى الجن و الشياطين فقد اثبتوا شريكا لله سبحانه فى خلق هذه الاشياء: الخارجه عن قدره البشر. \par
010    27    و اعترض عليه: بان اليهودى مثلا حيث لايسلم ان ما ظهر على يد محمد صلى الله عليه و آله هو من جنس مالا يقدر العباد عليه لم يلزم ان يكون مشركا بسبب اضافه ذلك الى غير الله تعالى، و اجيب بانه لا اعتبار باقراره و انما الاعتبار بالدليل، فاذا ثبت بالدليل ان ذلك المعجز خارج عن قدره العباد فمن اضاف ذلك الى غير الله كان مشركا كما لو اسند خلق الحيوان و النبات الى الافلاك و الكواكب. \par احتج المخالفون: بانه تعالى فصل بين المشركين و اهل الكتاب حيث قال: ما يود الذين كفروا من اهل الكتاب و لا المشركين لم يكن الذين كفروا من اهل الكتاب و المشركين و العطف يقتضى المغايره، و اجيب بان كفرالوثنى اغلظ و هذا القدر يكفى فى العطف، او لعله خص اولا ثم عمم، و قد تواتر النقل عن النبى (ص): ان كل من كان كافرا يسمى مشركا فظهر ان اسم المشرك عليهم ان لم يكن بحسب اللغه كان بحسب الشرع و اذا كان كذلك فلا يبعد بل يجب اندراج كل كافر تحت هذا الاسم، \par (المراد بشغله تعالى المشركين بالمشركين... و معنى خذهم بالنقيص) \par و المراد بشغله تعالى المشركين بالمشركين ان يخطر ببال كل امه منهم ما يوجب الوحشه و النفره عن الاخرى اما بسبب اهوائهم المختلفه فى الدين او بسبب تنازع فى امور الدنيا فتهيج العداوه و القتال بينهم فيشتغل بعضهم ببعض عن تناول اطراف المسلمين و التناول: جمع طرف بفتحتين و هو يكون بمعنى الجانب و الناحيه، و منه قوله تعالى: اولم يروا اناناتى الارض ننقصها من اطرافها اى نواحيها و جوانبها بان نفتحها على المسلمين شيئا فشيئا و نلحقها بدار الاسلام و نذهب منها اهلها بالقتل و الاسر و الاجلاء، \par
010    27    و يكون بمعنى الطائفه من الشى ء، و منه: ليقطع طرفا من الذين كفروا اى طائفه منهم بقتل واسر، و كل من المعنيين محتمل فى عباره الدعاء، فان حمل على المعنى الاول فهو على حذف مضاف اى اطراف ارض المسلمين و يكون المراد بتناولها: الاستيلاء عليها او بلوغها و الوصول اليها يقال: تناولت بنا الركاب مكان كذا اى بلغت و وصلت بناء اليه، و ان حمل على المعنى الثانى فالمراد بتناولها: اخذها و اصابتها بقتل و اسر \par قوله عليه السلام: و خذهم بالنقص عن تنقصهم، اخذه الله: اهلكه، و اخذه بذنبه: عاقبه عليه، و النقص: اخذ شى ء من الجمله يقال: نقصته فنقص يتعدى و لا يتعدى اى اذهبت منه شيئا فذهب منه شى ء، و المراد باخذهم بالنقص: اهلاكهم بنقصهم شيئا فشيئا حتى ياتى على جميعهم و هذا هو معنى التنقص ايضا، قال العلامه الطبرسى: التنقص: هو ان يوخذ الاول فالاول حتى لا يبقى احد، قوله عليه السلام: و ثبطهم بالفرقه عن الاحتشاد عليهم ثبطه عن الامر تثبيطا، شغله و قعد به عنه، و الفرقه بالضم: اسم من افترق القوم افتراقا خلاف اجتمعوا، و الاحتشاد: الاجتماع \par
011    27    (معنى الاركان.. و المراد بها هنا، و المقارعه: ان يقرع الابطال..) \par (اللهم اخل قلوبهم من الامنه، و ابدانهم من القوه، و اذهل قلوبهم عن الاحتيال، و اوهن اركانهم عن منازله الرجال، و جبنهم عن مقارعه الابطال و ابعث عليهم جندا من ملائكتك بباس من باسك كفعلك يوم بدر، تقطع به دابرهم، و تحصد به شوكتهم، و تفرق به عددهم) \par اخليت الاناء اخلاء: جعلته خاليا، و الامنه محركه: الامن: و هو عدم توقع مكروه، و القوه: تمكن الحيوان من الافعال الشاقه، و ذهل عن الشى ء يذهل من باب منع ذهولا: غفل عنه او نسيه لشغل، و الاكثر ان يعدى بالالف فيقال اذهلنى فلان عن الشى ء، و قد يتعدى بنفسه فيقال: ذهلته، و الاحتيال: طلب الحيله و هى الحذف فى التدبير و هو تقليب الفكر و اعماله حتى يهتدى الى المقصود، و الوهن: الضعف، و الاركان: جمع \par
011    27    ركن و هو لغه: الجانب القوى من الشى ء و هو الذى يستند اليه و يقوم به و المراد بها هنا: الجوارح، و المقارعه: مفاعله من القرع و هو الضرب قرعه قرعا من باب نفع: ضربه، قال صاحب المحكم: و المقارعه: مضاربه القوم فى الحرب، و فى القاموس: المقارعه: ان يقرع الابطال بعضهم بعضا، و الابطال: جمع بطل بفتحتين اى شجاع، و البعث: الارسال و الجند بالضم: العسكر و الانصار و الاعوان و كل جماعه تصلح للحرب، و الباس: الشده و القوه، و باس الله: شده عذابه، و منه: فجائها باسنا بياتا اوهم قائلون و هو المراد هنا، و دابر القوم: آخرهم، قال الجوهرى: قطع الله دابرهم اى آخر من بقى منهم، و قال الاصمعى: الدابر: الاصل يقال: قطع الله دابرهم اى اصلهم. و قال الزمخشرى: الدابر: الاخر، وقطع الابر عباره عن الاستيصال بحيث لم يترك منهم احد، و حصدت الزرع بالحاء و الصاد المهملتين حصيدا من بابى ضرب و قتل: قطعته فهو محصود و حصيد و حصدهم بالسيف: استاصلهم، و الشوكه: شده الباس و القوه فى السلاح، قال الزمخشرى: الشوكه: الحده. \par
012    27    (معنى الوباء، و رمى البلاد بالخسوف.. و معنى الح عليها بالقذوف..) \par (اللهم و امزج مياههم بالوباء و اطعمتهم بالادواء، و ارم بلادهم بالخسوف و الح عليها بالقذوف، و افرعها بالمحول، و اجعل ميرهم فى احص ارضك و ابعدها عنهم، و امنع حصونها منهم، اصبهم بالجوع المقيم و السقم الاليم) \par مزجت الشى ء بالشى ء مزجا من باب قتل: خلطته، و مزاج الشراب: ما يمزج به، و الوباء قيل: هو مرض عام، و قيل: موت ذريع، و قيل: هو الطاعون، و قال الشيخ البصير فى النزهه المبهجه: الوباء: حقيقته تغير الهواء بالطوارى العلويه كاجتماع كواكب ذات اشعه و السفليه كالملاحم و انفتاح القبور و صعود ابخره فاسده، و اسبابه مع ما ذكر تغير فصول الزمان و العناصر و انقلاب الكائنات، و علاماته: الحمى و الجدرى و الابط و المغابن انتهى. و الاطعمه: جمع طعام، و المراد به هنا معناه العرفى فانه فى العرف اسم لما يوكل مثل الشراب اسم لما يشرب و يقع فى اللغه على كل ما يساغ حتى الماء و ذوق الشى ء و فى \par
012    27    التنزيل: و من لم يطعمه فانه منى \par و قال عليه السلام فى زمزم انها طعام طعم بالضم اى يشبع منه الانسان، و الادواء: جمع داء و هو المرض، و خسف المكان خسفا و خسوفا من باب ضرب: غار فى الارض، و خسفه الله يتعدى و لا يتعدى، قال تعالى: فخسفنا به و بداره الارض و معنى رميها بالخسوف: ان يخسف بها، كما يقال: رماه الله بالعله اى اعله. و اصله فى الاعيان و فيما يكون ذا صلابه منها كالحجر و السهم و العصاثم استعمل فى الاقوال و المعانى فقيل: رماه بفاحشه، و رماه بداهيه ايذانا بشده التاثير و الايلام، و الح الرجل على الشى ء الحاحا: دام عليه و لزمه مواظبا، و القذوف: جمع قذف و هو الرمى بالحجاره، \par و قال الطيبى فى شرح المشكاه فى حديث: فانه يكون بها خسف فى الارض و قذف اى ريح شديد بارد، او قذف الارض الموتى بعد الدفن، او رمى بامطار الاحجار، و معنى الح عليها بالقذوف اى اجعل القذوف عليها دائمه مواظبه لها لا تنقطع عنها، و فرعت راسه بالسيف و العصا بالفاء و الراء و العين المهملتبن فرعا من باب نفع: علوته ضربا: و الفرس باللجام كبحته اى جذبته لجامه ليقف، و المحول: جمع محل و هو الجدب: و انقطاع المطر و المراد بفرعها بالمحول القضاء عليها بانواع الجدب و القحط و انقطاع الامطار، و المير جمع ميره بالكسر و هى الطعام الذى يجلب من بلد الى بلد، \par و الحص فى الاصل: حلق الشعر و منه الحاصه و هو داء يتناثر منه شعر الراس، يقال: حصت البيضه راسه: اذا اذهبت شعره، و انحص شعره انحصاصا اى تناثر و ذهب ثم استعير فى الجدب و قله الخير و عدم النبات فقيل: سنه حصاء اى جرداء مجدبه لا خير فيها و منه قوله عليه السلام: فى احص ارضك، اى اكثرها محصوصيه على غير قياس من حص الجدب الارض اذا اذهب نباتها، استعاره من حص الشعر كما ذكرنا، و ابعد: افعل تفضيل من بعد الشى ء بعدا اى شط و ناى و المعنى: و اجعل ميرهم فى ابعد ارضك منهم حتى لا يستميروها متى شاوا و لا تتواتر عليهم، و امنع: اسم تفضيل من منع الحصن مناعه على وزن ضخم ضخامه اى صار منيعا و الحصون: جمع حصن بالكسر: و هو كل موضع \par
012    27    حصين لا يوصل الى جوفه، اى و اجعل ميرهم فى اشد حصون ارضك مناعه حتى لا يقدروا على الوصول اليها. \par و جمله قوله عليه السلام: اصبهم بالجوع المقيم موكده لمعنى ما قبلها، و السقم بالضم و السكون: المرض، و الاليم: قيل: فعيل بمعنى مفعل بفتح العين لانه من آلمه يولمه ايلاما فهو مولم و الم هو الما من باب تعب فهو اليم كما تقول: اوجعه يوجعه ايجاعا فهو موجع و وجع هو وجعا فهو و جيع و صف به السقم المبالغه كما وصف الله به العذاب فى قوله: و لهم عذاب اليم \par
013    27    (المله و الدين يتحدان بالذات و يختلفان بالاعتبار) \par (و الفرق بين الغازى و المجاهد) \par (اللهم و ايماغاز غزاهم من اهل ملتك، او مجاهد جاهدهم من اتباع سنتك ليكون دينك الاعلى و حزبك الاقوى و حظك الاوفى فلقه اليسر، و هيى ء له الامر و توله بالنجح و تخير له الاصحاب، و اسقوله الظهر، و اسبغ عليه فى النفقه، و متعه بالنشاط، و اطف عنه حراره الشوق، و اجره من غم الوحشه و انسه ذكر الاهل و الولد، \par اى: اسم شرط بدليل الفاء الرابطه فى الجواب، و ما مزيده لتاكيد ابهام اى و شياعها، و قيل نكره، و قوله: غزاهم و جاهدهم، اى اراد غزوهم و جهادهم من باب التعبير بالفعل عن ارادته مجازا نحو: و اذا قرات القرآن فاستعذ اذا قمتم الى الصلوه فاغسلوا و على هذا فالمراد بالغازى و المجاهد: مريد الغزو و الجهاد مجازا ايضا من باب تسميه الشى ء باسم ما يول اليه نحو: ارانى اعصر خمرا و المله بالكسر: ما شرع الله \par لعباده على السنه انبيائه عليهم السلام و تستعمل فى جمله الشرايع لا فى آحادها، و قيل: المله و الدين يتحدان بالذات و يختلفان بالاعتبار فان الشريعه من حيث يجتمع عليها تسمى مله، و من حيث انها يطاع بها تسمى دينا، و قوله: او مجاهد، معطوف على غاز، و ايثار او الفارقه على الواو الجامعه للاحتراز عن توهم اتحاد الغازى و المجاهد اذ كان المجاهد اعم من الغازى لان الغزو انما يكون فى بلاد العدو و الجهاد مطلق فكل غاز مجاهددون العكس. \par (الجهاد فى الشرع: قتال الكفار و نحوهم فى طاعه الله و هو اقسام..) \par و الجهاد: لغه: قتال العدو، من جاهدته مجاهده و جهادا: اذا حملت نفسك على المشقه فى قتاله، كذا قيل، و الظاهر ان المفاعله فيه على بابها لان كل واحد من الخصمين يجهد فى الغلبه على صاحبه، و خص فى الشرع بقتال الكفار و نحوهم فى طاعه الله و هو اقسام: \par جهاد المشركين ابتداء لدعائهم الى الاسلام. \par و جهاد من يدهم المسلمين من الكفار بحيث يخافون استيلائهم على بلادهم و اخذ ما لهم و ما اشبهه و ان قل. \par و جهاد البغاه على الامام. \par و جهاد من يريد قتل نفس محرمه او اخذ مال او سبى حريم مطلقا و المراد به هنا القسمان الاولان، و الاتباع: جمع تبع بفتحتين، قال الفيومى: المصلى تبع لامامه و الناس تبع له يكون واحدا و جمعا، و يجوز جمعه على اتباع كسبب و اسباب انتهى، و هو فى الاصل: من تبع زيد عمروا تبعا من باب تعب: اذا مشى خلفه ثم اطلق على مطلق الائتمام و الاقتداء به فعلا او اعتقادا. و منه تبع القرآن اى ائتم به و عمل بما فيه، و هو المراد هنا، و سنه الله: طريقته التى امر بسلوكها و اتباعها، و الاعلى: اسم تفضيل من علا يعلو بمعنى ارتفع، و المراد به هنا الارتفاع فى الشرف و القدر، او هو من علافلان فلانا اى غلبه و قهره كقوله تعالى: لا تخف انك انت الاعلى اى الغالب الكافر، و الحزب بالكسر: \par الطائفه من الناس، و حزب الرجل: جنده و اصحابه الذين على رايه، و حزب الله: انصار دينه و عباده المتقون، و هو اسم جمع لا واحد له من لفظه كالقوم و الرهط، و الاقوى: افعل تفضيل من القوه و المراد بها كمال القدره و شده الممانعه و يقابلها الضعف، و الحظ يطلق على معنيين: احدهما: الجد بمعنى البخت و الاقبال فى الدنيا و هو احد الوجوه التى فسر بها قوله تعالى حكايه عن الجن: و انه تعالى جد ربنا قال الزمخشرى هو استعاره من الجد الذى هو الدوله و البخت لان الملوك و الاغنياء هم المجدون الثانى: النصيب و هو الحصه، و كل من المعنيين يصح ارادته هنا، و الاوفى: اسم تفضيل من وفى الشى ء يفى: اذا تم و كمل، و لقاه الشى ء تلقيه: اعطاه اياه كانه جعله ملاقيا له، و فى القاموس: لقاه الشى ء: القاه اليه، و يسر الامر يسرا من باب قرب: سهل فهو يسير، و هيات الشى ء: اعددته و اصلحته و رتبته، و الامر: الحال، و المراد به ما هو عليه من اراده الغزو و الجهاد او جميع امره، و تولاه الله: كان له وليا اى قائما باموره، و النجح بالضم: اسم من انجح الله حاجته انجاحا: قضاها، اى كن له وليا بقضاء حاجاته. \par (الشوق يحصل من امور ثلثه: الاول- الشعور بكمال المطلوب، و الثانى..) \par و تخيرت الشى ء: اخترته و انتقيته، اى قدر له ان يصحب خير الاصحاب. و فى الحديث: تخيروا لنطفكم، قال الزمخشرى فى الفائق اى تكلفوا طلب ما هو خير المناكح و ازكاها و ابعدها من الخبث و الفجور، و استقويت الدابه: طلبت ان تكون قويه، كما يقال: استكرم الشى ء اى طلبه كريما، و الظهر: المركوب من الدواب سمى بذلك مجازا من باب تسميه الشى ء باسم بعضه كالرقبه للانسان و خص الظهر لانه موضع الركوب و هو يطلق على الواحد و الجمع، و المعنى: اطلب له الظهر القوى اى يسر له راحله قويه، و سبغت النعمه سبوغا من باب قعد: اتسعت و اسبغها الله: و سعها و افاضها اى وسع عليه فى النفقه، و النفقه بفتحتين اسم من الانفاق و هو صرف الدراهم فيما يحتاج اليه، و متعه الله بكذا تمتيعا و امتعه به امتاعا: اطال له الانتفاع به، و نشط فى عمله ينشط من باب تعب: خف و اسرع و هو نشيط، و فى الاساس: رجل نشيط: طيب \par النفس للعمل، و طفئت النار تطفا بالهمز من باب تعب طفوءا على فعول خمدت، و اطفاتها اطفاء: اخمدتها، و الشوق: قيل هو اهتياج القلب الى لقاء المحبوب، و قيل: وجدان لذه المحبه اللازم لفرط الاراده الممزوج بالم المفارقه، و المراد بحرارته: اما كلفته و شدته استعاره من حراره النار بجامع الاضرار المزعج و اما الحراره المنبعثه عن القلب بسببه فانه موجب لحركه النفس المثيره للحراره الغريزيه فتنبعث منتشره لطلب الوصول الى المحبوب و لقائه و المراد باطفائه تعالى عنه حراره الشوق: الهامه الصبر على مفارقه من يحبه و يشتاق اليه لان الشوق يحصل من امور ثلثه: \par (الاول)- الشعور بكمال المطلوب. \par (الثانى)- عدم القدره على الوصول اليه. \par (الثالث)- قله الصبر على المفارقه. و اجاره: امنه و حفظه، و الغم: ما يلحق الانسان بسبب مكروه نزل به حتى كانه يغمى عليه، و الوحشه: الخلوه و الانفراد عما يانس به، و انسه ذكر الاهل و الولد اى امح عن قلبه خطور اهله و ولده بباله حتى لا ينكل عن الغزو و الجهاد، او لا تفتر همته عما نواه، \par
014    27    و اثر له حسن النيه، و توله بالعافيه، و اصحبه السلامه، و اعفه من الجبن، و الهمه الجراه، و ارزقه الشده، و ايده بالنصره، و علمه السير و السنن، و سدده فى الحكم، و اعزل عنه الرياء. و خلصه من السمعه. و اجعل فكره و ذكره و ظعنه و اقامته فيك و لك) \par و اثرت الحديث اثرا من باب قتل: نقلته و رويته، و لما كان نقل الحديث و روايته يستلزم الاعلام به و الارشاد لمضمونه عبر عليه السلام عن ارشاده الى حسن النيه و اعلامه بها بنقلها و روايتها له، و لا شك ان المراد بروايه حسن النيه روايه فضائلها، و ما ورد فيها من التاكيد فى اخلاصها و الاعتناء بصدقها فيكون قد شبه الاعلام و الارشاد بالنقل و الروايه فى بيان تفاصيل فضلها ثم ادخل الاعلام و الارشاد فى جنس الاثر الذى هو بمعنى الروايه بالتاويل المذكور فاستعار له لفظ الاثر ثم اشتق منه الفعل على طريق الاستعاره التبعيه، و المعنى الهمه و ارشده الى فضائل حسن النيه حتى تحسن و تصدق نيته فى الغزو و الجهاد و تخلص لله تعالى. \par (تعليمه سبحانه لعباده يطلق على معنيين: احدهما..) \par و اصحبته الشى ء اصحابا: جعلته له صاحبا اى و اجعل السلامه و هى الخلوص من الافات لازمه له لزوم الصاحب لصاحب، و اعفاه الله بمعنى عافاه الله، قال الجوهرى: \par
014    27    عافاه الله و اعفاه بمعنى، و الاسم: العافيه، و الجبن بالضم و بضمتين: رذيله التفريط من فضيله الشجاعه يقال: جبن جبنا على وزن قرب قربا و جبانه فهو جبان اى ضعيف القلب و الهمه الله الخير: القاه فى روعه، و الجراه بالضم: الشجاعه و هى صرامه القلب على الاهوال و ربط الجاش فى المخاوف و هى فضيله بين التهور و الجبن فالتهور هو الثبات المذموم فى الامور المعطبه و الجبن هو الفزع المذموم من الامور المعطبه، و ارزقه الشده اى اعطه القوه فى البدن و النفس ليكون شديدا على الكفار كما قال تعالى: اشداء على الكفار رحماء بينهم و ايده الله تاييدا: قواه، و النصره بالضم: اسم من نصره على عدوه نصرا من باب قتل: اعانه، و علمه اى وفقه للتعلم باعداده له بالفهم الثاقب و السمع الواعى و القلب المراعى و تقييض المعلم الناصح، و التعليم حقيقه عباره عن فعل يترتب عليه العلم غالبا، و تعليمه سبحانه لعباده يطلق على معنيين: \par احدهما- ما يكون بدون واسطه بشر و ذلك كحال الانبياء فانه يفيض عليهم العلوم و المعارف اما بواسطه ملك او بدونه بان يلقى فى روعهم او يخلق فيهم علما ضروريا بما يريد تعليمهم اياه و منه: و علم آدم الاسماء كلها و يعلمه الكتاب و الحكمه و علمناه من لدنا علما \par و الثانى- ما يكون بواسطه بشر و ذلك كحال سائر الناس و منه: فاذكروا الله كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون و لا ياب كاتب ان يكتب كما علمه الله و السير: جمع سيره و هى فى اللغه: الريقه، و السنن: جمع سنه و المراد بها الطريقه المحمديه فرضا او ندبا عملا او عقيده، و قد تطلق السنن على المعلومات التى يتعلق بها العمل، و سدده اى وفقه للسداد و هو الصواب فى الحكم اى القضاء، و عزلت الشى ء عن غيره عز لا من باب ضرب: نحيته عنه. \par
014    27    (القول فى الرياء و بعض الاخبار الوارده فيه) \par و الرئاء: مصدر راه مراه و رياء اذا راى كل منهما الاخر، ثم غلب استعماله فى القصد بالطاعه لان يراه الناس و ذلك لان المرائى لا يعمل الا اذا راى الناس و راوه حتى اذا كان فى موضع لا يرى فيه احدا و لا يراه احد لم يعمل فالمفاعله فى الرياء على بابها، و خلصت الشى ء تخليصا: ميزته عن غيره، و السمعه بالضم و الفتح يقال فعل ذلك رياء و سمعه اى ليراه الناس و يسمعوا به، و المعنى اصرف عنه و خلصه من قصد الرياء و السمعه فى عمله ليكون خالصا لله فيستعد لتلقى رحمته و قبول فضله بالتوجه اليه و الانقطاع عما سواه، و اما العامل للريا و السمعه اى ليراه الناس و يسمعوا بحاله كى يعود اليه منهم ما يتوقعه من مال اوجاه او ثناء و نحوه من الاغراض الباطله و الاعراض الزائله فهو محجوب عن قبول فضل الله تعالى مستوجب للخيبه و الحرمان من حيث التفات نفسه الى ما سواه تعالى. \par و فى الحديث عن النبى صلى الله عليه و آله انه قال: ان اخوف ما اخاف عليكم الشرك الاصغر قالوا و ما الشرك الاصغر؟ يا رسول الله قال: الرياء، يقول الله عز و جل يوم القيمه اذا جازى العباد باعمالهم اذهبوا الى الذين كنتم تراون فى الدنيا هل تجدون عندهم ثواب اعمالكم؟ \par و عنه صلى الله عليه و آله انه قال: الرياء اخفى من دبيب النمله السوداء فى الليله الظلماء على المسح الاسود. \par و عن اميرالمومنين عليه السلام: اعملوا فى غير رياء و لا سمعه فان من عمل لغير الله يكله الله الى من عمل له. \par و عن ابى عبدالله عليه السلام فى قول الله عز و جل: فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا و لا يشرك بعباده ربه احدا قال: الرجل يعمل شيئا من الثواب لا يطلب به وجه الله انما يطلب تزكيه الناس يشتهى ان يسمع به الناس فهذا الذى اشرك بعباده ربه. \par قال بعض العارفين: كنت لا ازال اجد من نفسى شوقا زائدا و منازعه شديده الى \par
014    27    الجهاد و ان اقتل فى سبيل الله فحمدت من نفسى ذلك و قلت ان الجهاد و القتل ليس من الامور التى يكون فيها حظ للنفس فاخذت فى اهبه الغزو ثم اتهمت نفسى و قلت انها لا تدعو الى خير ابدا و لا بدلها فى ذلك من دسيسه فجعلت اتامل السبب الداعى لها الى ذلك حتى وقفت على انها راغبه فى ان يقال: قتل فلان فى سبيل الله و مات شهيدا فخالفتها و رجعت عما نويت. \par و من هنا قال العلماء: اجتناب الرياء من اصعب الامور الا على من راض نفسه و ملكها الاخلاص و لايحصل ذلك الا لمن اخذت يد العنايه بزمامه، قوله عليه السلام: واجعل فكره و ذكره و ظعنه و اقامته فيك و لك، الذكر: حضور معنى الشى ء فى النفس ثم تكون تاره بالقلب و تاره باللسان، و الفكر: تردد القلب بالتدبر لطلب المعانى، و قيل: هو ترتيب امور معلومه ليتوصل بها الى امور مجهوله، و الظعن بفتحتين. اسم من ظعن ظعنا من باب نفع اى ارتحل، و الاقامه: مصدر اقام بالمكان اى مكث فيه، و فيك و لك اى كائنا فى سبيلك و لا جل رضاك حتى لا يشوب شيئا من اعمال غرض آخر. \par
015    27    (السعاده المطلقه التى هى حسن الحياه فى الاخره: اربعه اشياء..) \par (فاذا صاف عدوك و عدوه فقللهم فى عينه، و صغر شانهم فى قلبه، و ادل له منهم، و لا تدلهم منه، فان ختمت له بالسعاده، و قضيت له بالشهاده فبعد ان يحتاج عدوك بالقتل، و بعد ان يجهد بهم الاسر، و بعد ان تامن اطراف المسلمين، و بعد ان يولى عدوك مدبرين.) \par الفاء للتفريع و الترتيب، و صاف اى قابل: مفاعله من الصف، يقال: صاففنا العدو فى القتال اى رتبنا و قابلنا صفوفنا بصفوفهم، و منه حديث: كان صلى الله عليه و آله مصاف العدو اى مقابلهم، و عدوك و عدوهم، اى المشركين و صفهم او لا بعداوه الله تعالى لاثباتهم الشرك به و ابطال كلمته، و ثانيا بعداوه المسلم لاظهارهم عداوته و قصدهم لمحاربته و هلاكه كما قال تعالى: ترهبون به عدو الله و عدوكم و تقليلهم فى عينه بان يراهم قليلا ليقوى قلبه على محاربتهم و لا يهابهم، و انما يتصور ذلك بصد الله تعالى العين عن رويه \par \par
015    27    بعض دون بعض مع التساوى فى الشرط لان الرويه و سائر الادراكات بمحض خلق الله تعالى لاتجب عند تحقق ما يجعله الفلاسفه شرطا و لا تمتنع عند فقد بعضها ، و قد فعل تعالى ذلك يوم بدر فقلل المشركين فى اعين المسلمين تثبيتا لهم حتى قال ابن مسعود لمن الى جنبه : اتراهم سبعين ؟ فقال اراهم مائه ، قال فاسرنا منهم رجلا فقلنا له كم كنتم ؟ فقال : الفا و قلل المسلمين فى اعين المشركين ليجتروا عليهم و لا يستعدوا لهم حتى قال ابوجهل ان محمدا و اصحابه اكله جزور ، و ذلك حيث يقول عز من قائل فى محكم كتابه : و اذ يريكموهم اذا التقيتم فى اعينكم قليلا و يقللكم فى اعينهم ليقضى الله امرا كان مفعولا \par و صغر شانهم فى قلبه ، اى حقره و اذهب مهابته من الصغار بالفتح و هو الحقاره و الذل و المهانه لا من الصغر كعنب و هو خلاف العظم فى الجرم ، و شانهم بهمز العين اى امرهم و حالهم و هو ما هم عليه من شده الباس و قوه الشوكه و كثره العدد و العدد حتى لا يصده الالتفات الى شى ء من ذلك عن الاقدام عليهم ، و ادل له منهم و لا تدلهم منه ، اى اجعل الكره و النصر و الغلبه له عليهم و لا تجعل الكره و النصر و الغلبه لهم عليه . \par و الاداله : الغلبه ، يقال : اديل لنا على اعدائنا اى نصرنا عليهم ، فان ختمت له بالسعاده ، اى ختمت له حياته بالسعاده و المراد بالسعاده : الشهاده كما يفسره قوله بعده و قضيت له بالشهاده ، و سمى الشهاده سعاده مجازا من باب تسميه الشى ء باسم سببه لان الشهاده سبب لحصول السعاده المطلقه التى هى حسن الحياه فى الاخره و هو اربعه اشياء : بقاء بلا فناء ، و علم بلاجهل ، و قدره بلا عجز ، و غنى بلافقر . و اياها قصد تعالى بقوله : و اما الذين سعدوا ففى الجنه خالدين فيها مادامت السموات و الارض الا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ و قوله عليه السلام : ختمت ، اى اردت الختم . \par ( لم سميت الشهاده شهاده ؟ لان الله تعالى .. او .. او .. ) \par قوله عليه السلام : قضيت له بالشهاده ، اى حكمت او امضيت الحكم ، او اتممت و اكملت له عمره فان القضاء يكون بمعنى الحكم و بمعنى امضاء الحكم و بمعنى الاتمام و الاكمال ، و الشهاده : القتل فى سبيل الله تعالى ، سمى شهاده لان الله تعالى شهد لصاحبه بالجنه ، \par 572 P] \par او لان ملائكه الرحمه شهدت نقل روحه الى الجنه ، او لانه شهد له بالايمان و خاتمه الخير بظاهر حاله ، او لان عليه شاهدا يشهد بكونه شهيدا و هو الدم فانه يبعث يوم القيمه و او داجه تشخب دما و قيل غير ذلك و قد تقدم . \par قوله عليه السلام : فبعد ان يجتاح عدوك بالقتل ، الفاء رابطه لجواب الشرط ، و الظرف متعلق بمحذوف اى فليكن ذلك من الختم له بالسعاده و القضاء له بالشهاده بعد ان يجتاح عدوك اى يهلك عدوك و يستاصله بالقتل ، قوله عليه السلام : و بعد ان يجهدهم الاسر ، جهده الامر و المرض جهدا : من باب نفع : بلغ منه المشقه ، و الاسر : الاخذ بالقهر ، و اصله : الشد يقال اسره اسرا من باب ضرب : اذا شده بالاسار ككتاب و هو القد الذى يشد و يوثق به الاسير . قوله عليه السلام : و بعد ان تامن اطراف المسلمين ، الاطراف : جمع طرف بفتحتين و هو هنا اما بمعنى الطائفه اى طوائف المسلمين ، و منه قوله تعالى : ليقطع طرفا من الذين كفروا اى طائفه منهم ، قيل : شبه من قتل منهم بطرف يقطع من البدن و فى الحديث : فمال طرف من المشركين على النبى صلى الله عليه و آله اى قطعه عظيمه منهم ، و اما بمعنى الناحيه فيكون على حذف مضاف اى اطراف بلاد المسلمين ، قال فى الاساس : تفرقوا فى اطراف الارض اى نواحيها ، قوله عليه السلام : بعد ان يولى عدوك مدبرين ، ولى و تولى : انصرف ذاهبا ، و قيل ذهب هاربا ، و ادبر بمعنى ولى و اشتقاقه من الدبر بالضم و بضمتين و هو من كل شى ء عقبه و موخره ، لانه اذا ادبر عن الشى ء فقد جعله عقبه ، و مدبرين حال موكده لعاملها معنى لان الادبار و التوليه بمعنى ، و انما يقال : ولى مدبرا : اذا انهزم و منه قوله تعالى : ولى مدبرا اى ذهب منهزما لان توليه الدبر كنايه عن الانهزام . \par
016    27    ( الاعمال الصالحه قد يستحق بها الثواب فى الدنيا و الاخره ) \par ( و ان الروح بعد فراق البدن تتصل بما اعد الله لها .. قبل البعث .. ) \par ( اللهم و ايما مسلم خلف غازيا او مر ابطافى داره ، او تعهد خالفيه فى غيبته ، او اعانه بطائفه من ماله ، او امده بعتاد ، او شحذه على جهاد ، او \par
016    27    اتبعه فى وجهه دعوه ، او رعى له من ورائه حرمه . فآجر له مثل اجره وزنا بوزن و مثلا بمثل ، و عوضه من فعله عوضا حاضرا يتعجل به نفع ما قدم و سرور ما اتى به ، الى ان ينتهى به الوقت الى ما اجريت له من فضلك ، و اعددت له من كرامتك ) . \par خلف فلان فلانا من باب قتل : اذا صار خليفته يقال : خلفه فى قومه : اذا اقام بعده فيهم و قام عنه مما يفعله و منه قوله تعالى : و قال موسى لاخيه هارون اخلفنى فى قومى اى كن خليفتى و القائم مقامى ، و فى نسخه ابن ادريس : خلف بالتشديد و كانه للمبالغه فى المخفف كقتله قتلا و قتله تقتيلا و المرابط : اسم فاعل من رابط مرابطه و رباطا من باب قاتل : اذا لازم ثغر العدو و اصله من الربط و هو الشد لان كلا من الفريقين يربطون خيولهم فى ثغرهم و كل معد لصاحبه فسمى ملازمه الثغر رباطا و مرابطه ، و تعهدت الشى ء : ترددت اليه و اصلحته ، و خالفيه ، جمع خالف من خلف عن اصحابه اى تخلف يريد من اقام بعده من اهله و تخلف عنه ، و الطائفه : القطعه من الشى ء ، و العتاد بالفتح ما اعده الرجل من السلاح و الدواب و آله الحرب ، و فى الاساس هو عتاد لكذا اى عده ، و شحذته على كذا : حملته على ارتكابه و سقته اليه ، و اتبعته الشى ء جعلته له تابعا و الحقته به ، و الوجه : الجهه و ما يتوجه اليه الانسان من عمل و غيره ، اى فى جهته و ناحيته التى توجه اليها و استقبلها ، او فى مقصده الذى توجه اليه ، و الدعوه بالفتح : المره من الدعاء ، و رعيت امره : حفظته ، و الحرمه بالضم : ما وجب القيام به و حرم التفريط فيه ، و من ورائه اى من خلفه ، و اجريت الشى ء : جعلته جاريا ، و فى نسخه ابن ادريس : و اجر له بوصل الهمزه و ضم الجيم من اجره الله اجرا من باب قتل اى اثابه و يقال : اجره ياجره بالكسر من باب ضرب ايضا ، و الاجر : الجزاء على العمل ، و وزن الشى ء : مقداره فى الخفه و الثقل ، و عوضت زيدا بالتشديد : اعطيته العوض و هو البدل ، و يتعجل به اى ياخذ بسرعه ، يقال : عجلت اليه المال فتعجله اى اسرعت اليه بحضوره فاخذه بسرعه و نفع الشى ء نفعا : اذا حصل له التوصل به الى المطلوب ، و قدم زيد خيرا اى عمل عملا صالحا \par
016    27    يثاب عليه فى الاخره التى هى قدامه ، و منه قوله تعالى : و ما تقدموا لانفسكم من خير تجدوه عند الله و سره الشى ء يسره بالضم سرورا : افرحه . \par قال الراغب : السرور : انشراح الصدر بلذه فيها طمانيه لنفس عاجلا و آجلا ، و الفرج انشراح الصدر بلذه عاجله غير آجله ، و اتى بالحسنه : جاء بها و عملها اى نفع ما اسلفه من الاحسان و عمله من الخير مع الغازى او المجاهد ، و انتهى به الى كذا : وصل به اليه و لم يتجاوزه كانه بلغ به النهايه و هى اقصى ما يمكن ان يبلغه ، و الوقت : مقدار من الزمان مفروض لامر ما ، و المراد به هنا مده حياته المفروضه لبقائه فى الدنيا و اجريت له : جعلته جاريا اى دارا متصلا لا ينقطع ، و ذلك غير حاصل فى الحال فالمراد انه حكم له بحصوله و اجرائه و حكم الله بالحصول كنفس الحصول ، و اعددت له اى هياته له . \par تنبيهان : \par الاول - يستفاد من قوله عليه السلام : و عوضه من فعله عوضا حاضرا الى آخره ، ان الاعمال الصالحه قد يستحق بها الثواب فى الدنيا و الاخره معا و هو ظاهر قوله تعالى : فاتاهم الله ثواب الدنيا و حسن ثواب الاخره و من زعم ان الثواب لا يكون الا فى الاخره و ان المراد بثواب الدنيا فى الايه : ما آتاهم تفضلا منه او لطفا بهم و تسميته على المجاز و التوسع فقد تكلف على ان الاخبار عن الائمه الاطهار مستفيضه بان من الاعمال ما يوجب الثواب فى الدنيا و الاخره فمن ذلك : \par ما رواه ثقه الاسلام فى الكافى بسنده عن ابى جعفر عليه السلام انه قال : صله الارحام تزكى الاعمال و تنمى الاموال و تدفع البلوى و تيسر الحساب و تنسى فى الاجل . \par و عنه عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه و آله اعجل الخير ثوابا صله الرحم . \par و بسند صحيح عن ابيعبدالله عليه السلام انه قال : من اغاث اخاه المومن اللهفان اللهثان عند جهده فنفس كربته و اعانه على نجاح حاجته كتب الله عز و جل له بذلك ثنتين و سبع رحمه من الله يعجل له منها واحده يصلح بها امر معيشته و يدخر له احدى و سبعين رحمه لا فزاع يوم القيمه و اهواله . \par
016    27    و الروايات فى هذا المعنى اكثر من ان تحصى . \par الثانى - قوله عليه السلام : الى ان ينتهى به الوقت الى ما اجريت له من فضلك ، يدل بظاهره على ان الروح بعد فراق البدن تتصل بما اعد الله لها من الثواب قبل البعث و الحشر و ذلك فى مده البرزخ فتنعم باللذات التى او جبها ثواب اعمالها ، و هو الذى دلت عليه الاخبار المنقوله عن ائمه اهل البيت عليهم السلام ، و قد تقدم الكلام على ذلك مبسوطا . \par
017    27    ( مدار هذا الفصل من الدعاء على طلب اثابه من نوى غزوا .. ) \par ( و لم يفعله لعذر .. ) \par ( اللهم و ايما مسلم اهمه امر الاسلام ، و احزنه تحزب اهل الشرك عليهم فنوى غزوى ، او هم بجهاد فقعد به ضعف ، او ابطات به فاقه او اخره عنه حادث ، او عرض له دون ارادته مانع فاكتب اسمه فى العابدين ، و او جب له ثواب المجاهدين ، و اجعله فى نظام الشهداء الصالحين ) \par اهمه الامر : اقلقه ، و همه هما من باب قتل مثله ، و احزنه : احدث له حزنا و هو حاله نفسانيه تحصل لتوقع مكروه او وقوعه او فوات محبوب فى الماضى ، و تحزب للقوم : صاروا احزابا اى فرقا و طوائف كل حزب من قبيله يجتمعون لقتال و نحوه و نوى الشى ء ينويه : قصده ، و هم بالشى ء هما من باب قتل : اراده ، و المراد بالجهاد هنا : جهاد من يريد الاستيلاء على بلاد المسلمين من المشركين او اخذ ما لهم او سبى حريمهم ، و قعد به عن حاجته : شغل ، و اقعده منه ، قال ابن السكيت : ما يقعدنى عن ذلك الامر الاشغل اى ما يحبسنى ، و الضعف : النقصان فى القوه ، و ابطا عن الحضور : تاخر مجيئه و لم يسرع ، و الفاقه : الفقر و الحاجه ، و الحادث : الامر يحدث و يتجدد وجوده بعد ان لم يكن ، و عرض له مانع من باب ضرب اى اعترض له فمنعه من المضى ، و دون ارادته اى قبل حصول مراده ، فاكتب اسمه فى العابدين اى مع اسماء العابدين ففى بمعنى مع نحو : ادخلوا فى امم او فى جمله اسمائهم فهى للظرفيه مجازا ، و انما قال : فى العابدين ، لان الجهاد احد العبادات الخمس \par
017    27    و فى نسخه : فى الغازين و هو الانسب ، و الثواب : هو النفع الخالص المستحق المقارن للتعظيم و التبجيل ، و ثواب المجاهدين هو الموعود فى القرآن العظيم : من جنات و عيون و رزق كريم و النظام : العقد المنظوم من الجوهر و نحوه ، و يطلق على السلك الذى ينظم به ، و على الصف من الجراد ، قال فى الاساس : جائنا نظم من جراد و نظام منه صف ، و كل من هذه المعانى محتمل هنا على الاستعاره ، و عطف الصالحين على الشهداء من عطف العام على الخاص . \par و مدار هذا الفصل من الدعاء على طلب اثابه من نوى غزوا او جهادا و لم يفعله لعذر ثواب من عمله و باشره بجوارحه . \par و اثابه المومن بنيته امر متفق عليه بين الامه : روى ثقه الاسلام فى الكافى بسند صحيح عن ابيعبدالله عليه السلام قال : ان العبد المومن الفقير ليقول يا رب ارزقنى حتى افعل كذا و كذا من البرو وجوه الخير فاذا علم الله ذلك منه بصدق نيته كتب الله له من الاجر مثل ما يكتب له لو عمله ان الله واسع كريم . \par و روى مسلم فى صحيحه باسناده عن رسول الله صلى الله عليه و آله قال من طلب الشهاده صادقا اعطيها و لو لم تصبه. \par و باسناد آخر عنه صلى الله عليه و آله قال : من طلب الشهاده بصدق بلغه الله منازل الشهداء . و ان مات على فراشه. \par و فى نهج البلاغه : ان بعض اصحاب اميرالمومنين صلوات الله عليه قال له لما اظفره الله سبحانه باصحاب الجمل. وددت ان اخى فلانا كان شاهدنا ليرى ما نصرك الله به على اعدائك ، فقال عليه السلام : اهوى اخيك معنا ؟ قال : نعم ، قال : فقد شهدنا و الله لقد شهدنا فى عسكرنا هذا اقوام فى اصلاب الرجال و ارحام النساء سيرعف بهم الزمان و يقوى بهم الايمان . \par
018    27    ( آل محمد ( ع ) عندنا : عترته الطاهره من اهل العصمه ( ع ) و لا وجه ... ) \par ( اللهم صل على محمد عبدك و رسولك و آل محمد ، صلوه عاليه على الصلوات ، مشرفه فوق التحيات ، صلوه لا ينتهى امدها ، و لا ينقطع عددها كاتم ما مضى من صلواتك على احد من اوليائك ، انك المنان الحميد المبدى ء المعيد الفعال لما تريد ) \par ختم الدعاء بالصلوه على محمد و آله لما ورد فى الصحيح : لا يزال الدعاء محجوبا حتى يصلى على محمد و آل محمد ، و المشهور ان الصلوه من الله الرحمه ، و من الملائكه الاستغفار : و من المومنين الدعاء ، قال بعض المحققين : التحقيق انها تستعمل فى قدر يشترك بينها و هو الامداد لان المدد كما يصل من فوق بالافاضه يصل من تحت بالاستفاضه و آل محمد عندنا : عترته الطاهره من اهل العصمه عليهم السلام و لا وجه لتخصيص الشهيد الثانى باميرالمومنين و فاطمه و الحسنين عليهم السلام ، و للعامه اختلافات : فقيل : آله امته و قيل عشيرته و قيل من حرم عليه الزكوه من بنى هاشم و عبدالمطلب ، و قوله عليه السلام : عاليه على الصلوات ، اى مرتفعه عليها فى الشرف و الرتبه و القدر ، و مشرفه اى مرتفعه من اشرف الموضع اى ارتفع فهو مشرف ، و التحيات : جمع تحيه و هى تفعله من الحيوه يقال حياك الله اى ابقاك حيا ، ثم استعملت التحيه فى مطلق الدعاء و السلام ، و معنى علوها على الصلوات و اشرافها على التحيات : اختصاصها بمزيه فضل منه تعالى يميزها عن ساير الصلوات و التحيات كما اختص المدعوله بمزيد فضل ميزه عن غيره من الانبياء و المرسلين ، و انتهى الامر : بلغ النهايه و هو اقصى ما يمكن ان يبلغه ، و الامد : الغايه يقال : انتهى امده اى بلغ غايته ، و انقطع الكلام : وقف ، و عددها اى عدها و احصائها ، او مبلغها و مقدارها ، و طلب نفى انتهاء امدها و انقطاع عددها من باب نفى الشى ء بنفى لازمه ، و قوله عليه السلام : كاتم ما مضى ، ظرف مستقر متعلق بمحذوف اما صفه ثانيه للصلوه او حال منها لتخصصها بالصفه او نعت لمصدر موكد محذوف اى صلوه كاتم ما مضى ، و ما ، نكره او موصوله ، و من بيانيه اى كاتم شى ء مضى من صلواتك قوله عليه السلام : انك المنان الحميد الى آخره ، تذييل للكلام السابق و تعليل لاستدعاء الاجابه من حيث \par
018    27    ان اتصافه بالصفات المذكوره مستدع لها ، و المنان . صيغه مبالغه من المن ، قال ابن الاثير : المنان : هو المنعم المعطى من المن بمعنى العطا ، \par ( البحث فى صفات الله التى على صيغه المبالغه ، و الفرق بين المبدى ء و المعيد ) \par قال البرهان الرشيدى : ان صفات الله التى على صيغه المبالغه كلها مجاز لانها للمبالغه و لا مبالغه فيها فان المبالغه تكون فى صفات تقبل الزياده و النقصان و صفات الله منزهه عن ذلك ، و قال الزركشى فى البرهان : التحقيق ان صيغ المبالغه قسمان احدهما ، ما تحصل المبالغه فيه بحسب زياده الفعل ، و الثانى - بحسب تعدد المفعولات ، و لا شك ان تعددها لا يوجب للفعل زياده اذا الفعل الواحد قد يقع على جماعه متعددين و على هذا تنزل صفاته تعالى و يرتفع الاشكال انتهى . و الحميد : المحمود على كل حال فعيل بمعنى مفعول ، و المبدى ء المعيد : معناهما : الموجد لكن الايجاد اذا لم يكن مسبوقا بمثله سمى ابداء لتعلقه بالاشياء ابتداء من غير سابق مثال ، و اذا كان مسبوقا بمثله سمى اعاده و الله تعالى بدا الخلق ثم هو الذى يعيدهم اى يبعثهم يوم القيمه قال تعالى : كما بدانا اول خلق نعيده انه هو يبدى ء و يعيد و الفعال لما يريد : الذى لا يتخلف عن ارادته مراد و لا يمنعه عنه مانع اذ لا حكم لاحد عليه البته ، و المبالغه لما مر من انها بحسب تعدد المفعولات و كثرتها اذ كان ما يفعله و يريده فى غايه الكثره ، و قيل : معنى المبالغه فيه : ان ما يريده فانه يفعله البته لا يصرفه عنه صارف قال تعالى : ان ربك فعال لما يريد و الله اعلم . \par
001    28    الدعاء الثامن و العشرون \par من ادعيه الصحيفه السجاديه : و هو دعائه عليه السلام متفزعا الى الله عز و جل \par \par
001    28    ( مدار هذا الفصل : على اظهار صدق توكله ( ع ) على ربه .. ) \par قال صلوات الله و سلامه عليه : \par ( اللهم انى اخلصت بانقطاعى اليك ، \par اخلص لله اخلاصا : صفى قلبه عن شوب الالتفات الى غيره واصله من الخلوص و هو صفاء الشى ء عن كل ما يشوبه : و انقطع اليه : لزمه و ترك غيره ، تعديته بالى لتضمينه معنى التوجه كانه قطع عن غيره فانقطع عنه متوجها الى من لزمه ، \par و مدار هذا الفصل من الدعاء على اظهار صدق توكله عليه السلام على ربه عز و جل و التوسل به اليه تعالى . \par قال بعض ارباب القلوب : التوكل هو صدق الانقطاع الى الله ، و صدق الانقطاع الى الله هو ان لا يكون لك حاجه الى غير الله ، و قال بعضهم : من التوكل ان لا تطلب لنفسك ناصرا غير الله و لا لرزقك قاسما غير الله ، و لا لعملك شاهدا غير الله ، و قال آخر : الحمد لله الذى قطع العلائق من المنقطعين اليه و وهب الحقائق للمتصلين به ، و المتوكلين عليه . \par
002    28    ( مدار هذا الفصل : على اظهار صدق توكله ( ع ) على ربه .. ) \par و اقبلت بكلى عليك ، \par و اقبلت على الشى ء : وجهت وجهى نحوه ، و كل ، اذا اضيفت الى مفرد معرف كما وقعت هنا افادت استغراق اجزائه اى اقبلت بجميع جوارحى و حواسى الظاهره و الباطنه عليك ، \par و مدار هذا الفصل من الدعاء على اظهار صدق توكله عليه السلام على ربه عز و جل و التوسل به اليه تعالى . \par قال بعض ارباب القلوب : التوكل هو صدق الانقطاع الى الله ، و صدق الانقطاع الى الله هو ان لا يكون لك حاجه الى غير الله ، و قال بعضهم : من التوكل ان لا تطلب لنفسك ناصرا غير الله و لا لرزقك قاسما غير الله ، و لا لعملك شاهدا غير الله ، و قال آخر : الحمد لله الذى قطع العلائق من المنقطعين اليه و وهب الحقائق للمتصلين به ، و المتوكلين عليه . \par
003    28    ( مدار هذا الفصل : على اظهار صدق توكله ( ع ) على ربه .. ) \par و صرفت وجهى عمن يحتاج الى رفدك \par و صرفت وجهى عن الشى ء : حولته عنه ، و هو هنا كنايه عن قطع الرجاء و الامل عن غير الله تعالى فان من قطع امله عن احد صرف وجهه عنه و لم يلتفت اليه ، و قوله عليه السلام : عمن يحتاج الى رفدك ، اى غيرك فان كل من سواه محتاج الى رفده سبحانه اى صلته و اعطائه اذ ثبت ان كل ممكن و موجود فهو مفتقر و محتاج اليه ، \par و مدار هذا الفصل من الدعاء على اظهار صدق توكله عليه السلام على ربه عز و جل و التوسل به اليه تعالى . \par قال بعض ارباب القلوب : التوكل هو صدق الانقطاع الى الله ، و صدق الانقطاع الى الله هو ان لا يكون لك حاجه الى غير الله ، و قال بعضهم : من التوكل ان لا تطلب لنفسك ناصرا غير الله و لا لرزقك قاسما غير الله ، و لا لعملك شاهدا غير الله ، و قال آخر : الحمد لله الذى قطع العلائق من المنقطعين اليه و وهب الحقائق للمتصلين به ، و المتوكلين عليه . \par
004    28    ( مدار هذا الفصل : على اظهار صدق توكله ( ع ) على ربه .. ) \par و قلبت مسئلتى عمن لم يستغن عن فضلك ، \par و قلبته قلبا من باب ضرب : حولته عن وجهه ، و المسئله : السوال . و عن فضلك اى خيرك و احسانك ، و كل من سواه غير مستغن عن فضله و احسانه تعالى ، \par و مدار هذا الفصل من الدعاء على اظهار صدق توكله عليه السلام على ربه عز و جل و التوسل به اليه تعالى . \par قال بعض ارباب القلوب : التوكل هو صدق الانقطاع الى الله ، و صدق الانقطاع الى الله هو ان لا يكون لك حاجه الى غير الله ، و قال بعضهم : من التوكل ان لا تطلب لنفسك ناصرا غير الله و لا لرزقك قاسما غير الله ، و لا لعملك شاهدا غير الله ، و قال آخر : الحمد لله الذى قطع العلائق من المنقطعين اليه و وهب الحقائق للمتصلين به ، و المتوكلين عليه . \par
005    28    ( مدار هذا الفصل : على اظهار صدق توكله ( ع ) على ربه .. ) \par و رايت ان طلب المحتاج الى المحتاج سفه من رايه و ضله من عقله ) \par و رايت اى اعتقدت من الراى بمعنى الاعتقاد ، او بمعنى علمت من الرويه بمعنى العلم و هى الرويه القلبيه ، و السفه بفتحتين : النقص فى العقل ، و قيل رذيله تقابل الحلم و تعود الى الطيش و قله الثبات ، و قيل : هو القبيح الذى يقع من متمكن من التحرز عنه ، و الراى : البصيره و هى للقلب بمثابه البصر للنفس يقال : رجل ذو راى اى \par
005    28    بصيره و علم بالامور ، و الضله بالفتح : المره من الضلال و هو سلوك طريق لا يوصل الى المطلوب او هى بمعنى الحيره اى عدم الاهتداء الى الصواب ، و العقل هنا : قوه نفسانيه بها يدرك الانسان حقايق الاشياء و يميز بين الخير و الشر ، \par و مدار هذا الفصل من الدعاء على اظهار صدق توكله عليه السلام على ربه عز و جل و التوسل به اليه تعالى . \par قال بعض ارباب القلوب : التوكل هو صدق الانقطاع الى الله ، و صدق الانقطاع الى الله هو ان لا يكون لك حاجه الى غير الله ، و قال بعضهم : من التوكل ان لا تطلب لنفسك ناصرا غير الله و لا لرزقك قاسما غير الله ، و لا لعملك شاهدا غير الله ، و قال آخر : الحمد لله الذى قطع العلائق من المنقطعين اليه و وهب الحقائق للمتصلين به ، و المتوكلين عليه . \par و انما قال عليه السلام : و رايت ان طلب المحتاج الى المحتاج سفه من رايه ، و لان العقل و الراى اللذين سلما من آفه النقص و الضلال قاضيان بان تاميل العاجز عاجزا مثله و اناخته مطايا الطلب بساحه فقير يشبهه لا يكون الاعن سفه و ضلال فى الراى . \par
006    28    ( فكم قد رايت يا الهى من اناس طلبوا العز بغيرك فذلوا ، و راموا الثروه من سواك فافتقروا ، و حاولوا الارتفاع فاتضعوا ، \par الفاء للسببيه لان ما بعدها و هو كثره رويته عليه السلام لا ناس طلبوا العز بغير الله سبحانه فذلوا الى آخره ، سبب لما قبلها و هو اعتقاده ان طلب المحتاج الى المحتاج سفه من رايه و ضله من عقله ، و كم : خبريه بمعنى كثير و هى فى موضع نصب برايت ، و وجب تقديمها للزومها الصدر من حيث تضمنها للمعنى الانشائى فى التكثير كما ان رب لما تضمنت المعنى الانشائى فى التقليل وجب صدر الكلام ، و اناس بضم الهمزه : اسم جمع للانسان و هو لغه فى الناس ، و ذل ذلا من باب ضرب : اذا ضعف و هان و الاسم الذل بالضم و هو خلاف العز ، و رمت الشى ء ارومه روما و مراما : طلبته ، و الثروه : كثره المال ، و افتقر : صار فقيرا ، و حاولت الشى ء محاوله : اردته ، و الارتفاع و الاتضاع : افتعال من الرفعه و الضعه و هما فى الاجسام حقيقه فى الحركه و الانتقال و فى المعانى محمولان على ما يقتضيه المقام فالمراد بهما هنا فى القدر و المنزله . \par و انما كان طلب العز و روم الثروه و محاوله الارتفاع من غير الله تعالى سببا للذل و الافتقار و الاتضاع لما ثبت ان الله تعالى هو المفيض لكل خير و المعطى لكل طالب ما يطلب بحسب استعداده اما بسبب او بدونه فاذا توجه الانسان الى غيره و التفت بقلبه و قالبه اليه و عول فى نجاح طلبته عليه فقد ترك الاستعداد لحصول مطلوبه و نيل بغيته بل استعد بذلك للحرمان و خيبه الرجاء فان من اعتقد جزما اوظنا بان احدا غير الله تعالى من ينسب اليه التاثير و القدره هو المتمكن من الفعل و انه تام القدره على تحصيل مراده و الوفاء به فان ذلك من اقوى الاسباب المعده لان يمنعه الله افاضه خيره و يقطع عنه اسباب مواهبه ، و من منع الله منه خيره و قطع عنه سبب فضله كان اذل من كل ذليل و افقر من كل فقير و اوضع من كل وضيع لا جرم كان طلب الانسان الى غير الله سبحانه سببا لحرمانه و حصول عكس مطلوبه و لذلك ورد فى الحديث القدسى ان الله سبحانه و تعالى يقول : و عزتى و جلالى \par و فى معناه : ما رواه ابوالقاسم النيسابورى فى المجلس السادس و الخمسين من كتاب خلق الانسان قال : روى سيدنا موسى بن جعفر عن ابيه عن جده محمد عن ابيه على بن الحسين بن على عن ابيه على بن ابيطالب عليهم السلام ان النبى صلى الله عليه و آله قال : قال الله جل جلاله : ما من مخلوق يعتصم بمخلوق دونى الا قطعت اسباب السموات و الارض دونه فان دعانى لم اجبه و ان سئلنى لم اعطه . و ما من مخلوق يعتصم بى دون خلقى الاضمنت السموات و الارض رزقه فان سئلنى اعطيته ، و ان دعانى اجبته : و ان استغفرنى غفرت له . \par
007    28    فصح بمعاينه امثالهم حازم و فقه اعتباره و ارشده الى طريق صوابه اختياره ، \par ( يطلق الاعتبار على معنيين : - احدهما - الاختبار و الامتحان .. و الثانى .. ) \par و الصحه : ذهاب المرض و البرائه من كل عيب صح يصح من باب ضرب فهو صحيح و عاينت الشى ء عيانا و معاينه : اذا رايته بعينك ، و المراد بامثالهم : ذواتهم اى بمعاينتهم و انما اقحم لفظ الامثال للمبالغه فهو نحو مثل الامير يحمل على الادهم و الاشهب اى الامير يحمل ، و الحزم : اتقان الراى و ضبط الامر و الاخذ فيه بالثقه ، و المراد بالحازم نفسه عليه السلام على سبيل التجريد : جرد من نفسه الكريمه صفه الحزم و جعلها شخصا آخر متصفا بها لقصد المبالغه فى الحزم ، كما جرد الشاعر من نفسه صفه الكرم فقال : \par فلئن بقيت لا رحلن بغزوه \par تحوى الغنائم او يموت كريم \par يعنى بالكرم نفسه فكانه انتزع من نفسه كريما مبالغه فى كرمه و لذلك لم يقل : او اموت و التوفيق : جعل اراده العبد و فعله موافقا لما يحبه الله و يرضاه ، و اسناده الى الاعتبار مجاز عقلى من باب اسناد الفعل الى سببه و الا فالموفق حقيقه هو الله سبحانه \par و يطلق الاعتبار على معنيين : احدهما - الاختبار و الامتحان مثل اعتبرت الدراهم فوجدتها الفا ، و الثانى - الاتعاظ و منه قوله تعالى : فاعتبروا يا اولى الابصار و العبره بالكسر اسم منه ، قال الخليل : العبره : الاعتبار بما مضى اى الاتعاظ و التذكر ، و الفعل منه بالمعنى الاول يعدى بنفسه فيقال : اعتبرت الشى ء اى اختبرته ، و بالمعنى الثانى يعدى بالباء فيقال : اعتبرت بالشى ء اى اتعظت به . \par و اصله بالمعنيين من العبور و هو النفوذ من احد الجانبين الى الاخر فان المعتبر للشى ء الممتحن له يعبر من الجهل به الى العلم به ، و المعتبر بالشى ء المتعظ به تارك جهله و واصل الى علمه بما اعتبربه ، اذا عرفت ذلك فحمل الاعتبار فى الدعاء على كل من المعنيين صحيح فمعناه على الاول : وفقه امتحانه للامور و اختباره لها حتى عرف خيرها من شرها ، و على الثانى : وفقه اتعاظه بما راه من حال من سئل غير الله و رغب اليه ، و ياتى الاعتبار بمعنى الاعتداد بالشى ء فى ترتيب الحكم نحو : لا اعتبار بشهاده الواحد ، و اراده هذا المعنى هنا صحيحه ايضا فيكون المعنى : وفقه اعتداده بما راى \par من حال الطالبين الى غير الله فى صرف وجهه و قلب مسئله من غيره سبحانه ، و ارشده الى الطريق ارشادا : هداه اليه و دله عليه ، و طريق صوابه اى الموصل له الى مقصده من غير خطاء و لا ضلال ، و الصواب : مصادفه المقصود ، و اختباره بالباء الموحده بمعنى امتحانه للامور و النظر فيها ليصل الى المعرفه بها كانه يصيب خيرها ، و يروى اختياره بالياء المثناه من تحت اى ارادته لما هو خير له يقال : خيرته بين : الشيئين فاختار احدهما ، و الاختيار و الايثار بمعنى واحد ، و المعنى : هداه الى طريق صوابه و هو الانقطاع الى الله تعالى اختباره اى توصله الى معرفه سبيل الصواب من الخطاء او اختياره لما هو خير له من لزوم الحق و الانحراف عن الباطل ، \par
008    28    فانت يا مولاى دون كل مسئول موضع مسئلتى ، و دون كل مطلوب اليه ولى حاجتى ، و الموضع مكان الوضع ، واصله فى الاجسام يقال : وضعت الشى ء فى المكان اى اثبته فيه و ذلك المكان موضع له ثم استعمل فى المعانى فقيل : وضعت عنده سرى اذا اسررته اليه و منه حديث : واضع العلم عند غير اهله كمقلد الخنازير الجواهر اى معلم العلم غير اهله ، \par
009    28    انت المخصوص قبل كل مدعو بدعوتى ، لا يشركك احد فى رجائى ، و لا يتفق احد معك فى دعائى ، و لا ينظمه و اياك ندائى \par و خصصته بكذا خصه خصوصا من باب قعد : جعلته له دون غيره ، و قبل كل مدعو ، اى قبل ان ادعوه غيرك من المدعوين ، و الدعوه : اسم من دعوت الله ادعوه دعاء اذا ابتهلت اليه بالسوال و رغبت فيما عنده من الخير ، و شر كنه فى الامر اشركه من باب تعب شركا بكسر الاول و سكون الثانى : اذا صرت له شريكا ، و الجمله حاليه اى انت المخصوص بدعوتى حال كونك لا يشركك احد فى رجائى ، او تاكيد لما قبلها ، او استيناف موكد لما سبق ، و الاتفاق : المساواه فى امر من الامور ، يقال : اتفقت مع زيد فى المذهب : اذا ساويته فيه اى لايساويك احد فى دعائى ، و نظمت اللولو نظما من باب ضرب . جعلته فى سلك و هو يستلزم الجمع فالمعنى لا يجمعه و اياك ندائى اى دعائى يقال : ناديته مناداه من باب قاتل : اذا دعوته اى طلبت اقباله ، و مفاد الجمل الثلاث كلها التاكيد فى افراده تعالى بالرغبه اليه و الاقبال عليه . \par
010    28    ( الاقوال فى معنى قوله عليه السلام : لك يا الهى وحدانيه العدد . ) \par ( و تحقيق ما هو الحق ) \par لك يا الهى وحدانيه العدد ، و ملكه القدره الصمد ، و فضيله الحول و القوه ، و درجه العلو و الرفعه ، \par تقديم المسند لافاده قصر المسند اليه عليه اى لك وحدانيه العدد لا تتخطاك الى غيرك و وحدانيه الشى ء كونه واحدا لان ياء النسب اذا لحقت آخر الاسم و بعدها هاء التانيث افادت معنى المصدر كالالوهيه و الربوبيه ، و الالف و النون مزيدتان للمبالغه ، و العدد ، قيل هو كثره الاحاد و هى صوره تنطبع فى نفس العاد من تكرار الاحاد و عليهذا فالواحد ليس عددا ، و قيل هو ما يقع جوابا لكم فيكون الواحد عددا ، \par و قد اختلفت اقوال الاصحاب فى معنى قوله عليه السلام : لك يا الهى وحدانيه العدد ، لمنافاتها ظاهرا وجوب تنزيهه تعالى عن الوحده العدديه نقلا و عقلا : \par اما النقل فمستفيض من اخبارهم عليهم السلام : \par و منه قول اميرالمومنين عليه السلام فى خطبه له : الواحد بلا تاويل عدد و قوله فى خطبه اخرى : واحد لا بعدد و دائم لا بامد . \par و منه ما رواه رئيس المحدثين فى كتاب التوحيد : ان اعرابيا قام يوم الجمل الى اميرالمومنين عليه السلام فقال يا اميرالمومنين : اتقول ان الله واحد ؟ فحمل الناس عليه و قالوا يا اعرابى اما ترى ما فيه اميرالمومنين من تقسم القلب فقال اميرالمومنين عليه السلام دعوه فان الذى يريده الاعرابى هو الذى نريده من القوم . \par ثم قال : يا اعرابى ان القول بان الله تعالى واحد على اربعه اقسام : فوجهان منها لا يجوزان على الله عز و جل ، و وجهان مثبتان فيه فاما اللذان لا يجوزان عليه فقول القائل واحد يقصد باب الاعداد اما ترى انه كفر من قال : ثالث ثلثه و قول القائل هو واحد من الناس يريد به النوع من الجنس فهذا ما لا يجوز لانه تشبيه و جل ربنا عن ذلك و تعالى. \par و اما الوجهان اللذان يثبتان فيه فقول القائل: هو واحد ليس له من الاشياء شبيه كذلك ربنا، و قول القائل انه عز و جل احدى المعنى يعنى به انه لا ينقسم فى وجود و لا عقل و لاوهم، كذلك ربنا جل و عز. \par و اما العقل: فلان الوحده العدديه انما تتقوم بتكررها الكثره العدديه و يصح بحسبها ان يقال: ان المتصف بها احد اعداد الوجود، او احد آحاد الموجودات و عز جنابه سبحانه ان يكون كذلك بل الوحده العدديه و الكثره العدديه التى هى فى مقابلتها جميعا من صنع وحدته المحضه الحقيقيه التى هى نفس ذاته القيومه و هى وحده حقه صرفه وجوبيه قائمه بالذات لا مقابل لها و من لوازمها نفى الكثره كما اشار اليه اميرالمومنين صلوات الله و سلامه عليه فى الحديث المذكور آنفا: انه احدى المعنى لا ينقسم فى وجود و لا عقل و لاوهم. \par اذا عرفت ذلك ظهر لك ان قوله عليه السلام: لك وحدانيه العدد، ليس مرادا به الوحده العدديه بل لابد له من معنى آخر يصح تخصيصه به تعالى و قصره عليه كما يقتضيه تقديم المسند على المسند اليه: \par فقال بعضهم: المراد به نفى الوحده العدديه عنه تعالى لا اثباتها له و هو غير ظاهر، و قيل معناه: ان لك من جنس العدد صفه الوحده و هو كونك واحدا لا شريك لك و لا ثانى لك فى الربوبيه، و قيل معناه: اذا عددت الموجودات كنت انت المتفرد بالوحدانيه من بينها، و قيل: اريد به ان لك وحدانيه العدد بالخلق و الايجاد لها فان الوحده العدديه من صنعه و فيض وجوده، و لا يخفى انه بمعزل عن المقام، و قال بعضهم: اراد بوحدانيه العدد: جهه وحده الكثرات واحديه جمعها لا اثبات الوحده العدديه له تعالى و قيل: معناه انه لا كثره فيك اى لا جزء لك و لا صفه لك يزيدان على ذلك و هو انسب المعانى المذكوره فى المقام: \par و توضيح المرام ان قوله عليه السلام: لك يا الهى وحدانيه العدد، يفسره قوله عليه السلام و من سواك مختلف الحالات، متنقل فى الصفات فانه عليه السلام قابل كل فقره من الفقرات الاربع المتضمنه للصفات التى قصرها عليه سبحانه بفقره متضمنه لخلافها فيمن سواه على طريقه اللف و النشر الذى يسميه ارباب البديع معكوس الترتيب و هو ان يذكر متعدد تفصيلا ثم تذكر اشياء على عدد ذلك كل واحد يرجع الى واحد من المتقدم من غير تعيين ثقه بان السامع يرد كل واحد الى ما يليق به و يكون الاول من النشر للاخر من اللف و الثانى لما قبله و هكذا على الترتيب كعباره الدعاء فان قوله عليه السلام: مختلف الحالات، متنقل فى الصفات راجع الى قوله: لك يا الهى وحدانيه العدد، و قوله: مقهور على شانه، راجع الى قوله: و ملكه القدره الصمد، و قوله: مغلوب على امره، راجع الى قوله: و فضيله الحول و القوه، و قوله: مرحوم فى عمره، راجع الى قوله: و درجه العلو و الرفعه. \par اذا عرفت ذلك ظهر لك ان المراد بوحدانيه العدد له تعالى معنى يخالف معنى اختلاف الحالات، و التنقل فى الصفات لغيره سبحانه فيكون المقصود اثبات وحدانيه ما تعدد من صفاته و تكثر من جهاته و ان عددها و كثرتها فى الاعتبارات و المفهومات لا يقتضى اختلافا فى الجهات و الحيثيات و لا تركيبا من الاجزاء بل جميع نعوته و صفاته المتعدده موجوده بوجود ذاته و حيثيه ذاته بعينها حيثيه علمه و قدرته و ساير صفاته الايجابيه فلا تعدد و لا تكثر فيها اصلا بل هى وحدانيه العدد موجوده بوجود واحد بسيط من كل وجه اذ كل منها عين ذاته فلو تعددت لزم كون الذات الواحده ذواتها، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. \par و هذا معنى قولهم واجب الوجود بالذات واجب الوجود من جميع الجهات فجميع صفاته الايجابيه عين ذاته من غير لزوم تكثر. \par فان قلت: كيف تكون صفاته عين ذاته و مفهوم الصفه غير مفهوم الذات، و ايضا فان مفهوم كل صفه غير مفهوم صفه اخرى فكيف يتحد بالذات؟ \par قلت: قد تكون المفهومات المتعدده موجوده بوجود واحد فالصفات بحسب المفهوم و ان كانت غير الذات و بعضها يغاير بعضها الا انها بحسب الوجود ليست امرا وراء الذات اعنى ان ذاته الاحديه تعالى شانه هى بعينها صفاته الذاتيه بمعنى ان ذاته بذاته وجود و علم و قدره و حيوه و سمع و بصر، و هى ايضا موجود عالم قادر حى سميع بصير يترتب عليها آثار جميع الكمالات و يكون هو من حيث ذاته مبدءا لها من غير افتقار الى معان اخر قائمه به تسمى صفاتا تكون مصدرا للاثار لمنافاته الوحده و الغناء الذاتيين و الاختصاص بالقدم فذاته صفاته و صفاته ذاته لا زائده عليها كصفات غيره من المخلوقين فان العلم مثلا فى غيره سبحانه صفه زائده على ذاته مغائره للسمع فيه و فيه نفسه تعالى و هو بعينه سمعه. \par و قس على ذلك ساير الصفات الثبوتيه فتبين ان المراد بقصر وحدانيه العدد عليه تعالى هذا المعنى المخالف لصفات من سواه و حالاته فانها كيفيات نفسانيه انفعاليه و حالات متغائره و معان مختلفه له اذ كان يسمع بغير ما يبصر و يبصر بغير ما يسمع الى غير ذلك من الصفات المتعدده المتكثره التى توجب اختلاف الحالات و التنقل فى الصفات \par فمعنى قصر وحدانيه العدد عليه سبحانه نفى التعدد و التكثر و الاختلاف عن الذات و الصفات على الاطلاق و هذا المعنى مقصور عليه تعالى لا يتجاوزه الى غيره و الله اعلم بمقاصد اوليائه. \par (معنى قوله (ع): و ملكه القدره الصمد.. و معنى قوله (ع): مقهور على شانه) \par قوله عليه السلام: و ملكه القدره الصمد، الملكه بفتحتين: القيام بالمماليك و ما يملك من ذات اليد، و فى الحديث: حسن الملكه نماء و سوء الملكه شوم، اى لك القيام بالقدره الصمد فتكون من باب الاضافه الى المفعول، و يجوزان يكون من باب الاضافه الى الفاعل على ان المعنى لك قيام القدره الصمد بكل شى ء، و عرفوا القدره بانها الصفه التى يتمكن معها الحى من الفعل و تركه بالاراده و الاختيار، و قدرته تعالى تعود الى اعتبار كونه مصدر الاثاره، و الصمد بالخفض نعت للقدره كانه مما يستوى فى الوصف به المذكر و المونث كعزب بفتحتين و هو من الرجال: من لا زوج له و من النساء ايضا من لا بعل لها يقال: رجل عزب و امرئه عزب، و الصمد: فعل بمعنى مفعول من صمد اليه: اذا قصده، اى المصمود اليه فى الحوائج، و هذا المعنى مروى عن ابيجعفر عليه السلام روى ايضا ثقه الاسلام بسنده عن داود بن القاسم الجعفرى قال قلت لابيجعفر عليه السلام جعلت فداك ما الصمد؟ قال السيد المصمود اليه فى القليل و الكثير، قوله عليه السلام: و فضيله الحول و القوه، الفضيله: الدرجه الرفيعه فى الفضل و هو ضد النقص، و الحول: القدره على التصرف، و القوه: مبدا الافعال الشاقه، و قوته تعالى تعود الى تمام قدرته تعالى فهو تعالى قوى بمعنى بالغ القدره تامها، قوله عليه السلام: و درجه العلو و الرفعه، الدرجه فى الاصل: المرقاه ثم استعمل بمعنى المنزله و المرتبه الرفيعه و منه قوله تعالى، فضل الله المجاهدين باموالهم و انفسهم على القاعدين درجه اى منزله عاليه بمعنى المنزله، و العلو و الرفعه فى اللغه بمعنى و هو الفوقيه، و تخصيص العلو هنا : بعلوه تعالى على الخلق بالقدره عليهم، و الرفعه: بارتفاعه عن الاشباه و الاتصاف بصفاتهم او بالعكس، و المعنى: لك درجه علو السلطان و رفعه الشان اذ كان سبحانه اشرف الموجودات رتبه من جهه استغنائه فى وجوده و فى جميع صفات وجوده عن كل ما سواه و افتقار ما سواه اليه كما قال تعالى: رفيع الدرجات \par
011    28    و من سواك مرحوم فى عمره ، مغلوب على امره ، مقهور على شانه ، مختلف الحالات ، متنقل فى الصفات ، \par قوله عليه السلام: و من سواك مرحوم فى عمره، مرحوم اى يرق له و يتعطف عليه من يعلم بحقيقه حاله من ذله فى رق الافتقار و الحاجه و الامكان، و حقارته فى اسر العبوديه، و قوله: فى عمره، اى مده حياته لا ينفك عنه الذل و المهانه يوما من ايام وجوده، اى و مرحوم من اجل كون عمره فى قبضه غيره فهو ذليل حقير فى ملكه، و انما فسرناه بذلك لان هذه الفقره مقابله لما قبلها من قوله عليه السلام: و لك درجه العلو و الرفعه، قوله عليه السلام: مغلوب على امره، اى مستولى على حاله لانه مسخر تحت حكم باريه و قدرته لا حول و لا قوه الا به، و لا يملك لنفسه نفعا و لا ضرا دونه، قوله عليه السلام: مقهور على شانه، الشان: الامر و الحال اى مغلوب على حاله لا قدره له على شى ء من امره استقلالا لان قدرته و مشيته و ارادته الى غير ذلك من شئونه و احواله مخلوقه فيه لها صانع غيره و لم تحصل فيه باختياره و لم توجه فيه من نفسه بل خلقه الله تعالى و خلقها فيه كيف اراد فهو مسلوب القدره لذاته عاجز عن امور نفسه من ايجاد و افناء و اعزاز و اذلال و تقويه و اضعاف، و هذه الفقره كما مر مقابله لقوله عليه السلام: و لك ملكه القدره الصمد. \par (معنى قوله (ع): مختلف الحالات، متنقل فى الصفات..) \par قوله عليه السلام: مختلف الحالات متنقل فى الصفات: الاختلاف: هو \par امتناع احد الشيئين ان يسد مسد الاخر فيما يرجع الى ذاته كالسواد الذى لا يسد البياض و كذلك الذهاب فى الجهات المختلفه، و الحالات: جمع حاله مونث حال و هى الهيئه التى يكون عليها الشى ء حال وجوده، و قد تطلق على الكيفيه النفسانيه التى لا تكون راسخه فى موضوعها كصناعه الكتابه للمبتدى و هى بهذا المعنى مقابله للملكه و المراد بها هنا المعنى الاول و قد يعبر عنه بالامر العارض للشى ء و التنقل. تفعل من النقله و هى خروج الجسم من مكان الى مكان و هو هنا مجاز عن الاتصاف بالصفات المختلفه حالا بعد حال، و الصفات: جمع صفه و هى المعنى القائم بالذات، و معنى اختلاف حالاته: كونها غير متماثله سواء كانت متضاده كالنوم و اليقظه، و الفرح و الحزن، و العز و الذل، و الرضا و الغضب، او متقابله فى الجمله كالحياء و العفه، و الشجاعه و الحلم، و التواضع و الزهد، و الصدق و السخاء الى غير ذلك من الحالات. \par و معنى تنقله فى الصفات: كونه لا يستمر و لا يدوم على صفه واحده لا بحسب خلقه و لا بحسب عوارضه بل هو تارات و اطوار فهو بحسب خلقه متنقل من العنصريه الى كونه غذاء، الى كونه دما، الى كونه نطفه، الى كونه علقه، الى كونه مضغه، الى كونه عظما و لحما، الى كونه خلقا آخر، ثم من الطفوليه الى الشيبه ثم الى الكهوله، الى الشيخوخه. \par و اما بحسب عوارضه فهو متنقل تاره من العلم الى الجهل و تاره من الفقر الى الغنى و بالعكس، و طورا من الصحه الى المرض و بالعكس الى غير ذلك من الصفات و هذا الاختلاف و التنقل يستلزم التركيب و الكثره التى هى خلاف الوحدانيه المختصه بالله سبحانه و لذلك جعل هذه الفقره مقابله لقوله عليه السلام: لك يا الهى وحدانيه العدد، \par
012    28    فتعاليت عن الاشباه و الاضداد ، و تكبرت عن الامثال و الانداد ، فسبحانك لا اله الا انت . ) \par و الاشباه: جمع شبه بفتحتين كسبب و اسباب او جمع شبه بالكسر فالسكون كحمل و احمال و كلا هما لغه بمعنى المثل. و الاضداد: جمع ضد و هو يطلق تاره على المساوى فى القوه الممانع، و تاره على النظير و المثل و الاول هو المشهور، و الانداد: جمع ند و هو المثل، المنادى اى المعادى من ناداه بمعنى عاده، قال الزمخشرى: الند: المثل و لا يقال الا للمثل المخالف، المنادى من نادوت الرجل: خالفته و نافرته، و قال النظام النيسابورى: معنى قول الموحد: ليس لله ند و لا ضد: نفى ما يسد مسده، و نفى ما ينافيه فسبحانك، اى تنزيها لك عما لا يليق بشانك الاقدس و جنابك الاعلى من صفات المخلوقين \par
001    29    الدعاء التاسع و العشرون \par من ادعيه الصحيفه السجاديه: و هو دعائه عليه السلام اذا قتر عليه الرزق \par \par
001    29    بسم الله الرحمن الرحيم \par (انه تعالى يبتلى انبيائه و اوليائه.. بتقتير الرزق لوجوه من الحكمه) \par (و ضروب من المصلحه..) \par اعلم ان الله سبحانه و تعالى يبتلى انبيائه و اوليائه و عباده الصالحين بتقتير الرزق لوجوه من الحكمه و ضروب من المصلحه اقتضته عنايته سبحانه بهم كما دل عليه صحيح الخبر و مستفيض الاثر: \par منها- اكرامهم و صيانتهم عن الاشتغال بالدنيا و قيناتها و التنعم بطيباتها لما تقرر من ان الدنيا و الاخره ضرتان بقدر ما يقرب من احديهما يبعد من الاخرى، و الانبياء و الاولياء عليهم السلام و من سلك سبيلهم و ان كانوا اكمل الخلق نفوسا و اقواهم استعدادا لقبول الكمالات النفسانيه الا انهم محتاجون الى الرياضات التامه بالاعراض عن الدنيا و طيباتها و هو الزهد الحقيقى و الى تطويع نفوسهم الاماره لنفوسهم المطمئنه بالعباده التامه كما هو المشهور من احوالهم صلوات الله عليهم اجمعين فان رسول الله صلى الله عليه و آله كان يربط على بطنه حجرا من الجوع و كان يسميه بالمشبع. \par و من كلام اميرالمومنين عليه السلام: و ايم الله يمينا استثنى فيها بمشيئه الله لاروضن نفسى رياضه تهش معها الى القرص اذا قدرت عليه مطعوما و تقنع بالملح مادوما و ليس ذلك منهم عليهم السلام الا زهدا فى الدنيا و اعراضا عن متاعها و زينتها، و لما كان ذلك شرطا فى بلوغ درجات النبوه و الرساله و مراتب الوحى و الولايه فلو فتحت لهم ابواب الدنيا و اشتغلوا بنعيمها و انغمسوا فى لذاتها لانقطعوا عن حضره جلال الله و بعدوا عن ساحه القرب منه و الوصول اليه. \par
001    29    و منها- اعظام مثوباتهم على الصبر و القناعه و ظلف انفسهم عن النزوع الى الدنيا و شهواتها لانه كلما كانت المحنه اعظم كانت المثوبه عليها اجزل. \par و منها- ابتلاء المتكبرين و ارباب الدنيا بهم اذ لو وسع الله عليهم ارزاقهم فاتسعوا فى القينات الدنيويه من الكنوز و القناطير المقنطره من الذهب و الفضه و الخيل المسومه و الانعام و الحرث فكانت طاعه الناس لهم اسرع و الانحياش اليهم اقرب، كما قال اميرالمومنين عليه السلام فى خطبه القاصعه: فان الله سبحانه- يختبر عباده المستكبرين فى انفسهم باوليائه المستضعفين فى اعينهم و لقد دخل موسى بن عمران و معه اخوه عليهماالسلام على فرعون و عليهما مدارع الصوف و بايديهم العصا فشر طاله ان اسلم له بقاء ملكه و دوام عزه فقال: الا تعجبون من هذين يشترطان لى دوام العز و بقاء الملك و هما بما ترون من حال الفقر و الذل فهلا القيا عليهما اساور من ذهب؟ اعظاما للذهب و جمعه، و احتقارا للصوف و لبسه و لو اراد الله سبحانه بانبيائه حيث بعثهم ان يفتح لهم كنوز الذهبان و معادن العقيان و مغارس الجنان و ان يحشر معهم طير السماء و وحوش الارضين لفعل، و لو فعل لسقط البلاء و بطل الجزاء. \par و منها ابتلائهم بالمتكبرين و المكذبين لانهم لو كانوا على الحاله الموصوفه من الاتساع فى الدنيا لسقط بلائهم بالصبر على اذى المسكنه من المكدبين لهم و المستخفين بشانهم كما قال اهل مدين لشعيب عليه السلام: يا شعيب ما نفقه كثيرا مما تقول و انا لنراك فينا ضعيفا و لو لا رهطك لرجمناك و ما انت علينا بعزيز \par و منها- تاسى المسلمين و اقتداء المومنين بهم عليهم السلام فى العزوف عن الدنيا \par
001    29    و الاعراض عن زخرفها و زبرجها اذ كانوا هم القدوه للخلق و محل الاسوه لهم كما قال اميرالمومنين عليه السلام: و لقد كان فى رسول الله صلى الله عليه و آله كاف لك فى الاسوه و دليل على ذم الدنيا و عيبها و كثره مخازيها و مساويها اذ قبضت عنه اطرافها و وطئت لغيره اكنافها و فطم من رضاعها و زوى عن زخارفها و ان شئت ثنيت بموسى كليم الله عليه السلام حيث يقول: رب انى لما انزلت الى من خير فقير و الله ما سئله الاخبزا ياكله لانه كان ياكل بقله الارض و لقد كانت خضره البقل ظهرت من شفيف صفاق بطنه لهزاله و تشذب لحمه، و ان شئت ثلثت بداود عليه السلام صاحب المزامير و قارى ء اهل الجنه فلقد كان يعمل سفائف الخوص بيده، و يقول لجلسائه ايكم يكفينى بيعها، و ياكل قرص الشعير من ثمنها، و ان شئت قلت فى عيسى بن مريم عليهماالسلام فلقد كان يتوسد الحجر و يلبس الخشن و ياكل الجشب و كان ادامه الجوع و سراجه بالليل القمر و ظلاله فى الشتاء مشارق الارض و مغاربها و فاكهته و ريحانه ما تنبت الارض للبهائم و لم تكن له زوجه تفتنه و لا ولد يحزنه و لا مال يلفته و لا طمع يذله، دابته رجلاه، و خادمه يداه، فتاس بنبيك الاطيب الاطهر صلى الله عليه و آله فان فيه اسوه حسنه لمن تاسى و عزاء لمن تعزى و احب العباد الى الله المتاسى بنبيه و المقتص لاثره الى ان قال عليه السلام: و لقد كان فى رسول الله صلى الله عليه و آله ما يدلك على مساوى الدنيا و عيوبها اذ جاع فيها مع خاصته و زويت عنه زخارفها مع عظيم زلفته فلينظر ناظر بعقله اكرم الله محمدا صلى الله عليه و آله بذلك ام اهانه؟ فان قال اهانه فقد كذب و الله العظيم و اتى بالافك العظيم و ان قال اكرمه فليعلم ان الله سبحانه قد اهان غيره حيث بسط الدنيا له و زواها عن اقرب الناس منه فتاسى متاس بنبيه صلى الله عليه و آله و اقتص اثره و ولج مولجه و الافلا يامن الهلكه فان الله جعل محمدا صلى الله عليه و آله علما للساعه و مبشرا بالجنه و منذرا بالعقوبه، خرج من الدنيا خميصا و ورد الاخره سليما لم يضع حجرا على حجر حتى مضى لسبيله و اجاب داعى ربه فما اعظم منه الله علينا حين انعم علينا به سلفا نتبعه و قائدا نطا عقبه و الله لقد رقعت مدرعتى هذه حتى استحييت من راقعها و لقد قال لى قائل: الا تنبذها عنك؟ فقلت اعزب عنى فعند الصباح يحمد القوم السرى \par
001    29    و منها- ايثاره سبحانه لهم بالحضور فى حضرته المقدسه بالدعاء و الابتهال و التضرع و السوال كما قال اميرالمومنين عليه السلام: ان الله يبتلى العبد و هو يحبه ليسمع تضرعه، و عن ذلك كان يقول بعض ارباب القلوب: الدعاء يوجب الحضور و العطاء يوجب الصرف و المقام على الباب اشرف من الانصراف بالمبار، و على هذا ما روى عن النبى صلى الله عليه و آله من طريق العامه و الخاصه انه عرض على ربى ان يجعل لى بطحاء مكه ذهبا فقلت: لا، يا رب و لكن اشبع يوما و اجوع يوما فاذا جعت تضرعت اليك و ذكرتك و اذا شبعت شكرتك، و دعاء سيد العابدين عليه السلام اذا قتر عليه الرزق داخل فى هذا الباب و الله اعلم. \par
001    29    (لا يزيد فى الرزق حيله محتال و لا ينقص منه عجز عاجز) \par قال صلوات الله عليه: \par (اللهم انك ابتليتنا فى ارزاقنا بسوء الظن، و فى آجالنا بطول الامل حتى التمسنا ارزاقك من عند المرزوقين، و طمعنا بآمالنا فى اعمار المعمرين) \par الابتلاء: الاختبار، و ابتلاء الله تعالى عباره عن معاملته لعباده معامله المبتلى المختبر لانه سبحانه عالم الخفيات و السرائر و ما كان و ما يكون فلا يتصور فى حقه الاختبار حقيقه، و سوء الظن هنا عباره عن عدم اليقين بان الارزاق انما تكون من الله سبحانه و تعالى و انها صادره عن قسمته الربانيه المكتوبه بقلم القضاء الالهى فى اللوح المحفوظ الذى هو خزانه كل شى ء كما قال عز شانه فى محكم كتابه: نحن قسمنا بينهم معيشتهم فى الحيوه الدنيا و ان وصولها الى المرزوقين بمقتضى قسمته تعالى كما قال الله سبحانه و تعالى: و ان من شى ء الا عندنا خزائنه و ما ننزله الا بقدر معلوم فلا يزيد فيه حيله محتال و لا ينقص منه عجز عاجز فعدم اليقين بذلك اما شك فيه او اعتقاد راجح بان الامر على خلاف ذلك و كل منهما سوء ظن ناشى ء عن ضعف القلب لاستيلاء مرض الوهم عليه فان الوهم كثيرا ما يعارض اليقين كمن لا يبيت وحده مع ميت و هو يبيت مع \par
001    29    جماد مع علمه بان الميت ايضا جماد فيبعثه ذلك على عدم الثقه بالله جل جلاله فى حصول رزقه من غير اهتمام و اكتساب و على الاعتماد على الكسب و الطلب و التعب و النصب فيحمله ذلك على ذل السوال و رذيله الاكتساب. \par و قد صرح اميرالمومنين و سلطان الموحدين بهذا المعنى فى قوله: اعلموا علما يقينا ان الله لم يجعل للعبد و ان عظمت حيلته و اشتدت طلبته و قويت مكيدته اكثر مما سمى له فى الذكر الحكيم و لم يحل بين العبد فى ضعفه و قله حيلته و بين ان يبلغ ما سمى له فى الذكر الحكيم، و العارف لهذا العامل به اعظم الناس راحه فى منفعه و التارك له الشاك فيه اعظم الناس شغلا فى مضره و فى هذه المعنى اخبار كثيره، و الاجال: جمع اجل بفتحتين و قد علمت انه يطلق على مده العمر و على الوقت الذى ينقرض فيه، و الامل: توقع حصول محبوب للنفس فى المستقبل و المراد بطول الامل فى الاجال: توقع امتداد مده العمر او تاخر الوقت الذى تنقرض فيه، و الالتماس: طلب الشى ء ممن يساوى الطالب رتبه على سبيل التلطف كقولك لمن يساويك: افعل كذا ايها الاخ و قوله عليه السلام: من عند المرزوقين، اى من الذين رزقتهم، او من الناس الذين من شانهم ان يرزقوا، و قوله عليه السلام: و طمعنا بآمالنا فى اعمار المعمرين، طمع فى الشى ء طمعا من باب تعب: حرص عليه و رجاه، و المعمرين: جمع معمر: اسم مفعول من عمره الله تعميرا اى اطال عمره. \par
002    29    (فصل على محمد و آله، وهب لنا يقينا صادقا تكفينا به من موونه الطلب و الهمنا ثقه خالصه تعفينا بها من شده النصب) \par اليقين: هو العلم بالشى ء ضروره و استدلالا بعد ان كان صاحبه شاكا فيه و لذلك لا يوصف البارى بانه تيقن، و لا يقال: تيقنت ان السماء فوقى، و قيل هو العلم بانه لا يكون غيره و لذلك قال المحقق الطوسى قدس سره: و هو مركب من علمين و قد اسلفنا الكلام عليه و المراد باليقين الصادق: المستقر الراسخ فى القلب اذ اطلاقه على غير الراسخ \par
002    29    كاذب، و قيل: هو قيد للاحتراز عن العلم بالباطل فانه يقين عند الجهله غير صادق و لا يخفى ما فيه، و الاغضاء فى الاصل: ادناء الجفون ثم استعمل فى التغافل و الصدود، و فى القاموس: اغضى عنه طرفه: سده اوصده، و المعنى هنا: تصدنا به عن مئونه الطلب و فى روايه: تكفينا به عن مئونه الطلب و المئونه على وزن فعوله مهموزه: الثقل، و قد تخفف فيقال مئونه على وزن سوره، و الالهام: ما يلقى فى الروع بطريق الفيض، و الثقه: الائتمان يقال: و ثقت به اثق بالكسر فيهما: اذا ائتمنته، و الخالصه: التى لا يشوبها شك او وهم و الاعفاء: الاقاله، يقال: استعفيته من الامر فاعفانى اى طلبت الترك فاجابنى، و النصب كالتعب وزنا و معنى، و فى الحديث عنهم عليهم السلام. ان الله بعد له و قسطه جعل الروح و الراحه فى اليقين و الرضا، و جعل الهم و الحزن فى الشك و السخط. \par
003    29    (معنى قوله تعالى: و فى السماء رزقكم و ما توعدون) \par (و اجعل ما صرحت به من عدتك فى وحيك، و اتبعته من قسمك فى كتابك، قاطعا لاهتمامنا بالرزق الذى تكفلت به، و حسما للاشتغال بما ضمنت الكفايه له، فقلت و قولك الحق الاصدق، و اقسمت و قسمك الابر الاوفى: و فى السماء رزقكم و ما توعدون، \par صرح به تصريحا: كشفه و بينه بلفظ صريح، و العده: الوعد، و من، بيانيه، و الوحى: مصدر و حيت اليه الكلام: اذا القيته اليه ليعلمه، و اوحيت اليه بالالف مثله ثم غلب استعمال الوحى فيما يلقى الى الانبياء عليهم السلام من عند الله تعالى و المراد هنا: الموحى كالقول بمعنى المقول اى فيما اوحيته، و اتبعته الشى ء: قفيته به اى جعلته تابعا له و القسم بفتحتين: اسم من اقسم بالله: اذا حلف، و القطع فى الاصل للاجسام و هو ابانه بعضها من بعض فصلا ثم استعمل فى المعانى فقيل: قطعته عن العمل اى منعته منه و هو المراد هنا، و اهتم بالامر اهتماما: اعتنى به و احتفل، و تكفلت بالمال: التزمت به و الزمته نفسى، و الحسم: القطع، و منه قيل للسيف حسام لانه قاطع لما ياتى عليه، و اقسم يقسم اقساما: حلف، و بر فى يمينه و قوله يبر برا على وزن علم يعلم علما: صدق و وفى بعهده ضد \par غدر، قوله عليه السلام: و فى السماء رزقكم اى اسباب رزقكم بان يرسل سبحانه الرياح فتثير السحاب فيبسطه فى السماء و ينزل الغيث و المطر فيخرج به من الارض انواع الاقوات و الملابس و المنابع، و قيل: معناه و فى السماء تقدير رزقكم اى ما قسمه لكم مكتوب فى ام الكتاب الذى هو فى السماء، \par
004    29    ثم قلت: فو رب السماء و الارض انه لحق مثل ما انكم تنطقون.) \par
005    29    و قوله تعالى: و ما توعدون قيل هو الجنه فوق السماء السابعه و تحت العرش، و قيل: هو الثواب و العقاب لان الاعمال و جزائها مكتوبه مقدره فى السماء، و قوله تعالى: مثل ما انكم تنطقون قال العلامه الطبرسى رحمه الله: شبه الله سبحانه تحقق ما اخبر عنه بتحقق نطق الادمى و وجوده فاراد انه الحق كما ان الادمى ناطق و المعنى انه فى صدقه و تحقق وجوده كالذى تعرفونه ضروره. \par
001    30    الدعاء الثلاثون \par من ادعيه الصحيفه السجاديه: و هو دعائه عليه السلام فى المعونه على قضاء الدين \par \par
001    30    بسم الله الرحمن الرحيم \par (الفرق بين الدين و القرض) \par المعونه: اسم من استعان به فاعانه، و القضاء هنا بمعنى الاداء، يقال: قضيت الدين اقضيه قضاء اى اديته اداء و منه قوله تعالى: فاذا قضيتم مناسككم فاذا قضيتم الصلوه اى اديتموها، و المراد بالدين هنا: ما ثبت فى الذمه من مال لاخر سواء كان موجلا ام لم يكن فيشمل السلف و القرض، و قال فى القاموس: الدين ماله اجل و اما مالا اجل له فقرض، و قيل هو كل معامله يكون احد العوضين فيها موجلا و اما القرض فهو اعطاء شى ء ليستعيد عوضه وقتا آخر من غير تعيين الوقت و لا يخفى ان المقصود من الدين هنا هو المعنى الاعم الذى ذكرناه اولا. \par
001    30    قال صلوات الله عليه: \par (اللهم صل على محمد و آله، وهب لى العافيه من دين تخلق به وجهى، و يحار فيه ذهنى، و يتشعب له فكرى، و يطول بممارسته شغلى) \par عاذ بالله عياذا و معاذا: اعتصم، و اخلقت الثوب اخلاقا: جعلته خلقا بفتحتين اى باليا يقال: خلق الثوب بالضم اذا بلى ثم استعير لبذل الوجه فى سوال او دين و نحوهما، و حار فى امره يحار حيرا من باب تعب و حيره لم يدر وجه الصواب فهو حيران و هى حيرى، و قال الازهرى: و اصله ان ينظر الانسان الى شى ء يغشاه ضوئه فيصرف عنه، و عرفوا الذهن بانه قوه للنفس تشتمل على الحواس الظاهره و الباطنه معده لاكتساب العلوم، و فى القاموس: الذهن: الفهم و العقل و حفظ القلب و الفطنه، و تشعب الامر: تفرق كانه صار ذا شعب اى فروع، و مارسه ممارسه: عالجه، والشغل بضم الشين و بضم الغين و تسكن للتخفيف: اسم \par
001    30    من شغله الامر شغلا من باب نفع فالامر شاغل و هو مشغول، و لما كان الدين يهم صاحبه و يعقله و كان صاحبه لا يزال متفكرا فى دفع همه بقضائه و ادائه استعمل فيه الممارسه التى تقتضى ان تكون من فاعلين يفعل احدهما بصاحبه ما يفعله هو به \par
002    30    (الفرق بين الهم و الغم) \par (و اعوذبك يا رب من هم الدين و فكره، و شغل الدين و سهره فصل على محمد و آله، و اعذنى منه، و استجير بك يا رب من ذلته فى الحيوه، و من تبعته بعد الوفاه، فصل على محمد و آله، و اجرنى منه بوسع فاضل او كفاف و اصل) \par الهم: الحزن يقال: همه الامر هما و اهمه بالالف: اذا حزنه و اقلقه و فرق بعضهم بينه و بين الغم بان الهم ما يقدر الانسان على ازالته كالافلاس، و الغم ما لا يقدر على ازالته كموت الولد، و الفكر: تردد القلب بالنظر و التدبر لطلب المعانى و ليس فى الامر فكر اى نظر و رويه. و فى القاموس: الفكر بالكسر: اعمال النظر فى الشى ء كالفكره، و المراد بفكر الدين: تردد القلب و التدبر و اعمال النظر فى ادائه و وجوه الحيله فى قضائه، و السهر: عدم النوم فى الليل كله او بعضه، يقال: سهر الليل كله او بعضه: اذا لم ينم فيه فهو ساهر، و استجار به: طلب ان يحميه فاجاره، و الاصل فى الاستجاره، طلب المجاوره و هى الملاصقه فى السكن لان العرب تحمى جارها و تمنع عنه المكروه و تنقذه منه فكثر حتى استعمل فى مطلق طلب الحمايه و الانقاذ من المكاره، و الذله بالكسر: الهوان، و التبعه على وزن كلمه: الظلامه سميت بذلك لان صاحبها يتبع بها ظالمه، و الوسع بالضم: الغنى و الثروه من وسع الله عليه رزقه: بسطه و كثره، و الفاضل: الزائد و منه: خذ الفضل اى الزياده، و الكفاف بالفتح من العيش و النفقه: ما ليس فيه فضل يقال: قوته كفاف اى مقدار حاجته من غير زياده و لا نقصان لانه يكف عن الناس و يغنى عنهم، و واصل اى مواصل اى غير منقطع عنى. \par (خمسه مسائل: المتعلقه بالدين) \par تتمه تشتمل على مسائل: \par الاولى- فى استعاذته من الدين و وصفه له بما وصفه اولا ثم استعاذته من همه و \par \par
002    30    فكره و شغله و سهره ثانيا، ثم استجارته من ذلته فى الحيوه و تبعته بعد الوفاه دليل واضح على فظاعه امر الدين و شده شناعته و هو يرشد الى تاكد اجتنابه و قد ورد بذلك اخباره كثيره. \par روى ثقه الاسلام فى الكافى بسنده عن ابيعبدالله عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه و آله لا وجع الاوجع العين و لا هم الاهم الدين. \par و بسنده عنه عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه و آله: الدين ربقه الله فى الارض فاذا اراد الله ان يذل عبدا وضعه فى عنقه. \par و بسنده عن عبدالرحمن بن الحجاج عن ابى عبدالله عليه السلام قال: تعوذوا من غلبه الدين و غلبه الرجال و بوار الايم. \par و بسنده عن الباقر عليه السلام قال: كل ذنب يكفره القتل فى سبيل الله الا الدين لا كفاره له الا ادائه او يقضى صاحبه او يعفو الذى له الحق. \par و بسنده عن ابيعبدالله عليه السلام عن آبائه عن على عليه السلام قال: و اياكم و الدين فانه مذله بالنهار، مهمه بالليل و قضاء فى الدنيا و قضاء فى الاخره. \par الثانيه- اجمع اصحابنا على شده كراهيه الاستدانه مع عدم الحاجه الا ابن (ابى ) الصلاح فانه ذهب الى تحريمها، قال العلامه شهاب الدين بن فهد فى المهذب البارع: اياك ثم اياك و التجرى على الدين فانه مجلبه للهم، و مشغله للذمه و مشتت للفكر، و هو فى الدنيا مذله و فى الاخره تبعه. \par و حمل الى مسجد النبى صلى الله عليه و آله ميت فقال على ميتكم دين؟ فقالوا : نعم درهمان يا رسول الله قال تقدموا فصلوا على ميتكم فقال على عليه السلام ضمنتها عنه يا رسول الله فقال: فك الله رهانك كما فككت رهان اخيك ثم تقدم فصلى عليه. \par و قد ورد رخصه فى اباحته اذا كان له ولى يقضيه او مال يودى عنه و الافضل تركه و الطلب الى الله تعالى بالغنى عنه بالتسبب و التعيش ففيه مع تفريغ الذمه من حقوق المخلوقين و الراحه فى الفكر مواساه الصالحين و الفوز بثواب الكادين حيث يقول صلى الله عليه و آله: الكاد على عياله كالمجاهد فى سبيل الله، و قال: من مات كادا فى طلب الحلال غفر له انتهى: \par
002    30    و قال العلامه الحلى قدس سره فى التذكره: و تخفف الكراهه مع الحاجه و ان اشتدت زالت، و لو خاف التلف و لا وجه الا الاستدانه وجبت. \par قال الرضا عليه السلام: من طلب هذا الرزق من حل ليعود به على عياله و نفسه كان كالمجاهد فى سبيل الله فان غلب عليه فليستدن على الله عز و جل و على رسوله ما يقوت به عياله فان مات و لم يقضه كان على الامام قضائه فان لم يقضه كان عليه وزره ان الله تعالى يقول: انما الصدقات للفقراء و المساكين و العاملين عليها و المولفه قلوبهم و فى الرقاب و الغارمين فهو فقير مسكين مغرم. \par الثالثه- يجب على المستدين نيه القضاء لانها واجبه من غير خلاف. \par قال الصادق عليه السلام من استدان دنيا فلم ينو قضائه كان بمنزله السارق. \par و عنه عليه السلام: من كان عليه دين ينوى قضائه كان معه حافظان يعينانه على الاداء عن امانته، فان قصرت نيته عن الاداء قصرا عليه من المعونه بقدر ما يقصر من نيته. \par الرابعه- يجب على المدين المبادره الى قضاء الدين و لا يحل تاخيره مع حلوله و تمكنه من الاداء و مطالبه صاحب الدين فان اخرو الحال هذه وجب على الحاكم حبسه، لان الصادق عليه السلام قال: كان على عليه السلام يحبس الرجل اذا التوى على غرمائه ثم يامر فيقسم ماله بينهم بالحصص فان ابا باعه فقسمه بينهم يعنى ما له، اذا ثبت هذا فلو اصر على الالتواء كان فاسقا لا تقبل شهادته و لا تصح صلوته فى اول الوقت بل اذا تضيق و لا يصح منه شى ء من الواجبات الموسعه المنافيه للقضاء فى اول اوقاتها و كذا غير الديون من الحقوق الواجبه كالزكره و الخمس و ان لم يطالب بها الحاكم لان اربابها فى العاده مطالبون، قاله العلامه الحلى فى التذكره. \par الخامسه- لو مات المدين و لم يتمكن من القضاء و لم يخلف شيئا البته لم يكن معاقبا اذا لم ينفقه فى المعصيه و لو انفقه فى المعصيه او لم يكن فى عزمه القضاء كان ماثوما. \par قال عبد الغفار الجازى سئلت الصادق عليه السلام عن رجل مات و عليه دين قال ان كان \par
002    30    اتى على يديه من غير فساد لم يواخذه الله عز و جل اذا علم من نفسه الاداء الا من كان لايريد ان يودى عن امانته فهو بمنزله السارق، و كذلك الزكره ايضا و كذلك من استحل ان يذهب بمهور النساء، قاله فى التذكره ايضا. \par السادسه- يستحب لصاحب الدين ابراء المدين اذا مات معسرا. \par فعن الصادق عليه السلام: ان له بكل درهم عشره دراهم اذا حلله فان لم يحلله فانما بدل درهم بدرهم. \par
003    30    (المراد بتقدير المعيشه و بعض الاخبار الوارده فى فضله) \par (اللهم صل على محمد و آله، و احجبنى عن السرف و الازدياد، و قومنى بالبذل و الاقتصاد، و علمنى حسن التقدير، و اقبضنى بلطفك عن التبذير). \par حجبه حجبا من باب قتل منعه و منه قيل للبواب حاجب لانه يمنع من الدخول و للستر حجاب لانه يمنع من المشاهده، و السرف بفتحتين: اسم من اسرف اسرافا: اذا جاوز القصد و تباعد عن حد الاعتدال مع عدم المبالات و هو يجرى فى كل امروان اشتهر فى انفاق المال و لذلك عرف بعضهم بمجاوزه الحد فى النفقه، و قيل: هو انفاق المال الكثير فى الغرض الخسيس، و ازداد الشى ء ازديادا: زاد، و ازددت من الشى ء ازديادا: ايضا زدته لنفسى على ما كان و هذا المعنى هو المراد هنا اى و احجبنى من ان ازيد فى الانفاق، و قومته تقويما فتقوم بمعنى عدلته فتعدل و منه القوام بالفتح بمعنى العدل، و بذله بذلا من باب قتل: سمح به و اعطاه و بذل له: اباحه عن طيب نفس، و قصد فى الامر قصدا و اقتصد اقتصادا: توسط و طلب الاسد و لم يجاوز الحد، و فى هاتين الفقرتين تلميح الى قوله تعالى: و الذين اذا انفقوا لم يسرفوا و لم يقتروا و كان بين ذلك قواما \par قوله عليه السلام: و علمنى حسن التقدير، التعليم عباره عن فعل يترتب عليه العلم بلا تخلف عنه و لا يحصل ذلك بمجرد افاضه العلم بل يتوقف على استعداد العلم بقبول الفيض و تلقيه من جهه فمعنى تعليمه تعالى اياه ان يخلق فيه بموجب استعداده علما ضروريا بحسن التقدير او يلقى فى روعه ان حسن التقدير هكذا ينبغى ان يكون، و المراد \par
003    30    بالتقدير هنا: تقدير المعيشه و هو الانفاق على مقدار جدته لا يزيد عليها و لا ينقص عنها، و لعل المراد بحسن التقدير: الانفاق دون الجده و الوسع كما يدل عليه ما رواه ثقه الاسلام فى الكافى بسنده عن معتب مولى الصادق عليه السلام قال قال ابوعبدالله عليه السلام و قد تزيد السعر بالمدينه كم عندنا من طعام؟ قال قلت: عندنا ما يكفينا اشهرا قال اخرجه و بعه قال قلت و ليس بالمدينه طعام قال بعه فلما بعته قال اشتر مع الناس يوما بيوم و قال: ما بعت اجعل قوت عيالى نصفا شعيرا و نصفا حنطه فان الله عز و جل يعلم انى واجدان اطعمهم الحنطه على وجهها و لكنى احب ان يرانى الله و قد احسنت تقدير المعيشه. \par (بعض الاخبار الوارده فى تقدير المعيشه، و معنى لطفه تعالى) \par (و الفرق بين الاسراف و التبذير) \par و قد ورد فى مدح التقدير و حسنه روايات كثيره ففى حديث اهل البيت عليهم السلام: لا مال لمن لا تقدير له. \par و عن ابيعبدالله عليه السلام: الكمال كل الكمال فى ثلثه و ذكر فى الثلثه تقدير المعيشه و عن ابيجعفر عليه السلام قال: علامات المومن ثلث: حسن التقدير فى المعيشه و الصبر على النائبه و التفقه فى الدين. \par و عن داود بن سرحان قال رايت اباعبدالله عليه السلام يكيل تمرا بيده فقلت جعلت فداك لو امرت بعض ولدك او بعض مواليك ليكفيك فقال: يا داود لايصلح المرء المسلم الاثلثه: التفقه فى الدين، و الصبر على النائبه، و حسن التقدير فى المعيشه، قوله عليه السلام و اقبضنى بلطفك عن التبذير، القبض فى الاصل: الامساك باليد ثم توسع فيه فقيل قبضه عن الامر من باب ضرب: اذا كفه عنه، كما قيل: امسكه عن الشى ء اى حبسه عنه، و لطفه تعالى قيل هو تربيته لكل فرد حتى يصل الى كماله اللائق به بحسب استعداده، و قيل: هو تصرفه فى الذوات و الصفات تصرفا خفيا بفعل الاسباب المعده لها لافاضه كمالاتها، و قيل غير ذلك و قد سبق الكلام عليه و التبذير: ماخوذ من بذر الحب و هو القائه و تفريقه فى الارض، و اختلفوا فى معناه فقيل هو تفريق المال على وجه الاسراف، و قيل: هو تفريقه فى غير المقصد، و قيل: هو الانفاق فى محرم او مكروه او على من لا يستحق \par
003    30    و عن مجاهد: لو انفق مدا فى باطل كان تبذيرا، و من ثم قال بعضهم: الفرق بين الاسراف و التبذير ان الاسراف: صرف الشى ء فيما ينبغى زائدا على ما ينبغى و التبذير: صرف الشى ء فيما لا ينبغى، و بعباره اخرى: الاسراف تجاوز الحد فى صرف المال، و التبذير تفريقه فى غير موضعه و كفى التبذير ذما قوله تعالى و آت ذا القربى حقه و المسكين و ابن السبيل و لا تبذر تبذيرا ان المبذرين كانوا اخوان الشياطين و كان الشيطان لربه كفورا \par (الدليل على حسن توفر الارزاق وسعتها من الحلال و انفاقها فى...) \par (و اجر من اسباب الحلال ارزاقى، و وجه فى ابواب البر انفاقى، و ازو عنى من المال ما يحدث لى مخيله او تاديا الى بغى او ما اتعقب منه طغيانا) \par اجرى عليه الرزق اجراء: جعله جاريا اى دارا متصلا و منه: الارزاق جاريه اى داره متصله، و الاسباب: جمع سبب و اصله الحبل الذى يتوصل به الى الماء فاستعير لكل ما يتوصل به الى شى ء، و الحلال: كل شى ء لا يعاقب عليه باستعماله، و الارزاق: جمع رزق و هو عندنا و عند المعتزله: كل ما صح انتفاع الحيوان به سواء كان بالتغذى او لغيره و ليس لاحد منعه منه فليس الحرام رزقا و قد تقدم الكلام على ذلك مبسوطا و وجهت الشى ء الى جهه توجيها: صرفت وجهه اليها و جعلته تلقاها، و منه: و جهت فلانا فى حاجه اى ارسلته، و وجه الامير الجيش اى بعثهم و معنى توجيه الانفاق فى ابواب البر: جعله مصروفا فيها، و الابواب: جمع باب، و ابواب البر: انواعه و وجوهه كان كل نوع منها باب يدخل الى البر منه، و البر بالكسر: اسم جامع للطاعات و اعمال الخير المقربه الى الله تعالى: و الانفاق: اخراج المال، يقال. انفق ماله: اذا اخرجه من ملكه \par و فى هاتين الفقرتين دليل على حسن توفر الارزاق وسعتها من الحلال و انفاقها فى وجوه البر و يدل على ذلك ايضا ما روى: \par عن الصادق عليه السلام انه قال: لاخير فيمن لا يحب جمع المال من حلال يكف به وجهه و يقضى به دينه و يصل به رحمه. \par و عنه عليه السلام: نعم العون: الدنيا على الاخره. \par و عن عبدالله بن يعفور قال قال رجل لابى عبدالله عليه السلام: و الله انا لنطلب الدنيا \par
003    30    و نحب ان نوتاها، فقال: تحب ان تضع بها ماذا؟ قال: اعود بها على نفسى و عيالى و اصل بها و اتصدق و احج و اعتمر، فقال ابوعبدالله عليه السلام: ليس هذا طلب الدنيا، هذا طلب الاخره، و الاثار فى هذا المعنى اكثر من ان تحصى. \par (لما كان الغنى و الثروه موجبا.. للاستطاله و.. سئل عليه السلام ربه..) \par قوله عليه السلام: و ازوعنى من المال ما يحدث لى مخيله، زواه عنه يزويه: نحاه و قبضه، و حدث الشى ء حدوثا من باب قعد: تجدد وجوده بعد ان كان معدوما و يتعدى بالالف فيقال: احدثته، و المخيله: الخيلاء و هى الكبر و الاعجاب. \par و لما كان المال الكثير كثيرا ما يحدث للنفوس الدنيه كبرا و اعجابا حتى يترفع صاحبه عن حسن عشره الجار و الصديق و الصاحب و الضائر لفرط الاعجاب بما اوتى من حطام الدنيا الذى هو نهب المنون و ميراث القرون سئل عليه السلام ربه ان يصرف عنه من المال ما يكون سببا للكبر و العجب لانه قبيح فى العقل لدلاله العقل على ان الشرف لا يحصل للانسان بان يكون كثير الحطام و لا الدنائه بان يكون قليله و انه لا يوجب استخفافا لمن حرمه بل المواساه له و البر به، قوله عليه السلام: او تاديا الى بغى، النادى: مطاوع اداه تاديه بمعنى اوصله، و منه ادى الامانه اى اوصلها، و الاسم: الاداء، و معناه او وصولا الى بغى، و البغى ياتى لمعان: يقال: بغى بغيا: اذا سعى فى الفساد، و بغى على الناس: اذا ظلم و اعتدى، و بغى عليه: استطال و تكبر، و بغى: خرج عن طاعه من تجب طاعته، قال ابن الاثير: و اصل البغى: مجاوزه الحد، و قيل: اصله الطلب من بغى الشى ء يبغيه اذا طلبه و لذلك قال بعضهم: حقيقه البغى: طلب تجاوز الاقتصاد فيما يتحرى من حيث الكميه و الكيفيه، و قال الزمخشرى فى الاساس: بغى علينا فلان: خرج علينا طالبا اذانا و ظلمنا، و فسر البغى فى قوله سبحانه و تعالى: و ينهى عن الفحشاء و المنكر و البغى: بالاستعلاء و التطاول على الناس، قال فى الكشاف: هو طلب التطاول بالظلم. \par و لما كان الغنى و الثروه موجبا فى الغالب للاستطاله و الاستعلاء على الناس و للظلم و الفساد بطرا سئل عليه السلام ربه: ان يزوى عنه من المال ما يوصل الى التحلى بهذه الخصله الذميمه قوله عليه السلام: او ما تعقب منه طغيانا: التعقب: تفعل من العقب \par
003    30    فى قولهم عقب زيدا عقبا من باب قتل: اذا جئت بعده، يقال: تعقب فلان من كذا خيرا او شرا و استعقب اى وجد بذلك خيرا او شرا بعده، و المعنى: وازوعنى المال ما اجد بعد حصوله طغيانا، و الطغيان: مجاوزه الحد فى كل امر و كل شى ء جاوز المقدر و الحد فى العصيان فهو طاغ من قولهم طغا السيل اذا ارتفع حتى جاوز الحد فى الكثره، و فى هذه الفقره تلميح الى قوله تعالى: ان الانسان ليطغى ان راه استغنى اى لطغى لئن راى نفسه مستغنيا. \par
004    30    (سواله عليه السلام ربه تعالى ان يحبب اليه صحبه الفقراء) \par (بان يجعلها ملائمه لقلبه) \par (اللهم حبب الى صحبه الفقراء، و اعنى على صحبتهم بحسن الصبر) \par حبب اليه الشى ء: جعله محبوبا لديه، و لما كانت النفوس البشريه مجبوله على بغض الفقر و كراهيه نافره عن صحبه الفقراء و معاشرتهم، سئل عليه السلام ربه ان يحبب اليه صحبتهم بان يجعلها ملائمه لقلبه ليكون مائلا اليها اذ كانت المحبه ميل القلب الى ما يلايمه و ذلك لما فى صحبتهم من رياضه النفس و تحليتها بالتواضع و التذلل و التاسى بهم فى القناعه باليسير من حطام الدنيا و الرضا بالقليل من متاعها و صيانه النفس عن الانهماك فى شهواتها و لذاتها و ترك طلب المنزله و الجاه و الكرامه فيها و قله الحرص على طلب الحاجات و الاوطار منها و ترك الخلطه مع ابناء الدنيا الراغبين فيها و التفرد فى الخلوات و كثره ذكر الموت و فناء نعيم الدنيا و زوال ملكها و النظر الى آثار القرون الماضيه و الاعتبار بها و بالمبانى الخربه و المنازل الدارسه و المعالم العافيه للامم الخاليه لنزولهم بها غالبا و اعتباراتهم تصاريف الزمان و نوائب الحدثان و اليقين بامر المعاد و شده الشوق الى نعيم دار القرار مع الابرار من النبيين و الصديقين و الشهداء و الصالحين و حسن اولئك رفيقا و لذلك امر الله سبحانه حبيبه المختار من خيار خلقه بصبر نفسه معهم و حبسها على صحبتهم و مجالستهم فقال فى محكم كتابه: و اصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغدوه و العشى يريدون وجهه و لا تعد عيناك عنهم تريد زينه الحيوه الدنيا و لا تطع من اغفلنا قلبه عن ذكرنا و اتبع هواه و كان امره فرطا قال المفسرون: المراد بهم \par
004    30    فقراء المومنين مثل عمار و حباب و سلمان و ابى ذر و غيرهم، و قيل: اصحاب الصفه و كانوا نحو سبعماه رجل، قيل: انه قال قوم من روساء الكفره لرسول الله صلى الله عليه و آله نح هولاء الموالى الذين كان ريحهم ريح الضان حتى نجالسك، كما قال قوم نوح عليه السلام: انومن لك و اتبعك الارذلون فنزلت الايه. \par
005    30    (الغرض فى هذه الفقرات من الدعاء: طلب التوفيق لانفاق ما منحه الله تعالى...) \par و ما زويت عنى من متاع الدنيا الفانيه فادخره لى فى خزائنك الباقيه و اجعل ما خولتنى من حطامها، و عجلت لى من متاعها بلغه الى جوارك و وصله الى قربك و ذريعه الى جنتك، انك ذو الفضل العظيم، و انت الجواد الكريم) \par المتاع فى اللغه: كل ما ينتفع به كالطعام و البر و اثاث البيت، و اصل المتاع: ما ينتفع به من الزاد و هو اسم من متعته بالتثقيل: اذا اعطيته ذلك، و فى المحكم: المتاع: المال و الاثاث و الجمع امتعه، و نعت الدنيا بالفانيه للذم و مفعول زويت، محذوف اى و ما زويته، و خزائنه تعالى عباره عن مقدوراته اى ما تحويه قدرته من النعم و الخيرات التى يكرم بها عباده المتقين فى الدار الاخره و لذلك وصفها بالباقيه، خوله الله ما لا: اعطاه، و الحطام بالضم: ما تكسر من يابس النبات استعير لمقتنيات الدنيا، و وجه الاستعاره سرعه ذهابها و فنائها كما يتناثر و يتطاير المتكسر من يابس النبات و يذهب فى اسرع وقت، و عجلت اليه المال اى اسرعت اليه بحضوره، و منه قوله تعالى: من كان يريد العاجله عجلنا له فيها ما نشاء و قوله تعالى: و قالوا ربنا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب قيل: ذكر رسول الله صلى الله عليه و آله: وعد الله للمومنين الجنه، فقالوا على سبيل الاستهزاء: عجل لنا نصيبنا منها: و البلغه بالضم هنا بمعنى ما يتبلغ و يتوصل به الى الشى ء المطلوب كالبلاغ لا بمعنى ما يكتفى به من العيش و ان اشتهرت فى هذا المعنى، و المراد بجواره تعالى: الحلول محل الزلفه لديه حيث تناله غواشى رحمته و فضله، و الوصله كالبلغه لفظا و معنى و هى ما يتوصل به الى المقصود، و قربه تعالى عباره عن مقام كرامته الدائمه الذى لا يتغير صاحبه بعله القهر و لا يزول عنه بالستر و الحجاب كما قال تعالى: ان المتقين فى جنات و نهر فى مقعد صدق عند مليك مقتدر و الذريعه: الوسيله. \par
006    30    و اعلم ان متاع الدنيا و مقتنياتها كما تكون سببا للشر و الشقاوه تكون سببا للخير و السعاده و نيل المنزله و الزلفى عند الله تعالى و ذلك باعتبار تناولها و انفاقها فيما يذم و يحمد: فمن تناولها على اى وجه اتفق راكنا الى المال غير متفكر فى المال منهمكا فى الدنيا غير ملتفت الى العقبى كما قال تعالى: و رضوا بالحيوه الدنيا و اطمانوا بها فهو لا يوثر بما فى يديه منها الاقضاء الاوطار و النمتع باليسار ياكل كما تاكل الانعام و يلعب كما يلعب الغلام فذلك الذى يكون متاع الدنيا سببا لشقاوته السرمديه و خسارته الابديه، و من تناولها من حلها و انفقها فى محلها متحريا رضى الله و وجهه فيما ياخذ و ينفق منها و ذلك الذى تكون مقتنيات الدنيا سببا لسعادته الاخرويه و ذريعه لنجاته و فوزه بالمقامات السنيه بل و سيله لنيل الفضائل الفاخره فى الدنيا و الاخره كما قال اميرالمومنين عليه السلام: فمن آتاه الله ما لا فليصل به القرابه و ليحسن منه الضيافه و ليفك به الاسير و العانى و ليعط منه الفقير و الغارم و ليصبر نفسه على الحقوق و النوائب ابتغاء الثواب فان فوزا بهذه الخصال شرف مكارم الدنيا و فضائل الاخره \par و روى انه عليه السلام دخل على العلا بن زياد الحارثى و هو من اصحابه يعوده فلما راى سعه داره قال: ما كنت تصنع بسعه هذه الدار فى الدنيا و انت اليها فى الاخره كنت احوج، و بلى ان شئت بلغت بها الاخره تقرى فيها الضيف، و تصل فيها الرحم، و تطلع منها الحقوق مطالعها فاذا انت قد بلغت بها الاخره \par و على ذلك ما روى عن النبى صلى الله عليه و آله: نعم العون على تقوى الله: الغنى. \par و عن ابيجعفر و ابى عبدالله عليهماالسلام: نعم العون الدنيا على طلب الاخره. اذا عرفت ذلك علمت ان غرض سواله عليه السلام فى هذه الفقرات من الدعاء طلب التوفيق لانفاق ما منحه الله تعالى من متاع الدنيا فى السبيل التى توديه الى الفوز بالجنه و منازل المتقين و مقامات المقربين و الله ولى التوفيق، و الجواد: الكثير الاحسان و الانعام، و الفرق بينه و بين الكريم: ان الجواد الذى يعطى مع السوال و الكريم يعطى من غير السوال. \par
001    31    الدعاء الحادى و الثلثون \par من ادعيه الصحيفه السجاديه: و هو دعائه عليه السلام فى ذكر التوبه و طلبها \par \par
001    31    بسم الله الرحمن الرحيم \par (القول فى الاستخدام و معناه) \par المراد بطلب التوبه اما طلب التوفيق لها او طلب قبولها ففى الكلام اضمار، و يحتمل عود الضمير الى نفس التوبه من غير اضمار على طريقه الاستخدام الذى هو من محاسن البديع اذا التوبه بالمعنى اللغوى و هو الرجوع تنسب تاره الى العبد و معناها الرجوع عن المعصيه الى الطاعه، و تاره تنسب الى الله سبحانه و معناها: الرجوع عن العقوبه الى اللطف و التفضل فتكون التوبه المضاف اليها الذكر بالمعنى المنسوب الى العبد او بالمعنى الاصطلاحى الاتى بيانه و اعاد الضمير عليها مرادا بها المعنى المنسوب الى الله عز و جل، و هذا معنى الاستخدام لانهم قالوا: هو ان يوتى بلفظ له معنيان فاكثر مرادا به احد معانيه ثم يوتى بضمير مرادا به المعنى الاخر كقوله: اذا نزل السماء بارض قوم رعيناه و ان كانوا غضابا اراد بالسماء الغيث و بالضمير العائد من رعيناه النبت \par (المباحث المتقدمه المتعلقه بالتوبه قبل الكلام على شرح الدعاء) \par و لا باس قبل الكلام على شرح الدعاء بتقديم مباحث: \par الاول- التوبه لغه: الرجوع و اصطلاحا: الندم على الذنب لقبحه، فخرج الندم على شرب الخمر مثلا لا ضراره بالجسم، و بيان المناسبه بين المعنيين ان الله سبحانه هو الذى ابتدء بالنعمه على عبد قبل الاستحقاق و فطر العبد على طاعته فى الابتداء فاذا ندم العبد على اسائه بدرت منه فقد رجع الى الله فيما كانت فطرته عليه و رجع الله له الى ما كان من احسانه اليه فسمى الندم اذا كان تلافيا للعقاب توبه. \par و انما قلنا فطر العبد على طاعته: لان الذنب بمنزله المرض العارض فى النفس و التوبه بمنزله معالجتها حتى تعود الى صحتها فكما ان الغالب على اصل الامزجه فى الانفس هو الصحه و انما يعرض المرض باسباب مغيره و علل موديه فكذلك كل انسان يولد \par
001    31    على الفطره و يدرك على الصلاح و الرشد. و الله اعلم. \par الثانى- قال بعض العلماء: التوبه تنتظم من امور ثلثه: علم و حال و عمل: اما العلم فهو اليقين بان الذنوب سموم مهلكه و حجاب بين العبد و محبوبه و هذا اليقين يثمر حاله ثانيه هى التالم لفوات المطلوب و التاسف عن فعل الذنوب ويعبر عن هذه الحاله بالندم و هى تثمر حاله ثالثه هى ترك الذنوب فى الحال و العزم على عدم العود اليها فى الاستقبال و تدارك فى الماضى من حقوق الله تعالى مثل الصلوه و الصيام و الزكوه و نحوها من حقوق الناس: مثل رد المال الى صاحبه او وارثه و طلب الابراء فى الغيبه و تسليم النفس فى القصاص الى وليه ليقتص منه او ليعفو عنه و لو لم يمكنه ذلك كان عليه ان يكثر من العباده ليبقى له قدر الكفايه فى القيمه بعد اخذ حقوقهم منها، و هذه الامور مرتبه فى الحصول و يطلق اسم التوبه تاره على مجموعها و تاره على الندم وحده ، و يجعل العلم كالمقدمه و الترك كالثمره فيكون الندم محفوفا بالطرفين: الطرف الاول مثمر الندم و الطرف الاخر ثمرته، كما قال اميرالمومنين عليه السلام : ان الندم على الشر يدعو الى تركه، و ترتب هذه الامور غير مختص بالتوبه بل انتظام الصبر و الشكر و التوكل و الرضا و غير ذلك من المقامات الدينيه ينتظم من علم و حال و عمل و هذه الامور الثلثه اذا قيس بعضها الى بعض لاح للناظرين الى الظواهر ان العلوم مطلقا انما تراد للاحوال و الاحوال انما تراد للاعمال، و اما اهل البصائر و اولوا الالباب فالامر عندهم بالعكس فان الاعمال عندهم تراد للاحوال و الاحوال تراد للعلوم فالافضل العلوم ثم الاحوال ثم الاعمال لان كل مراد لغيره يكون ذلك الغير لا محاله افضل منه. \par (القول فى شروط التوبه و اوصافها المتممه لها) \par و قال بعضهم: للتوبه شروط و اوصاف اما شروطها فاربعه: الندم على ما سلف، و ترك مثل ذلك فى الحال، و العزم على ان لا يعود فى الاستقبال، و نصب الذنب امامه بحيث لا ينبذ الندم وراء ظهره و لا ينسى اسائته طول عمره. \par و اما اوصافها المتممه فاربعه ايضا: انتباه القلب عن رقده الغفله و الاصغاء الى ما يهجره فى الخاطر من الصوارف و الزواجر، و هجران اخوان السوء و اصحاب الشر، \par
001    31    و ملازمه اخوان الخير استضائه بانوارهم و استذراء بظلالهم. \par و عن اميرالمومنين عليه السلام: ان التوبه يجمعها سته اشياء: على الماضى من الذنوب: الندامه، و للفرائض: الاعاده، ورد المظالم، و استحلال الخصوم، و ان تعزم على ان لا تعود، و ان تذيب نفسك فى طاعه الله كما ربيتها فى المعصيه، و ان تذيقها مراره الطاعات كما اذقتها حلاوه المعاصى. \par الثالث- قال شيخنا البهائى قدس سره: لا ريب فى وجوب التوبه على الفور فان الذنوب بمنزله السموم المضره بالبدن و كما يجب على شارب السم المبادره الى الاستفراغ تلافيا لبدنه المشرف على الهلاك كذلك يجب على صاحب الذنوب المبادره الى تركها و التوبه منها تلافيا لدينه المشرف على الاضمحلال، قال: و لا خلاف فى اصل وجوبها سمعا للامر الصريح بها فى القرآن و الوعيد و الحتم على تركها فيه قال تعالى: يا ايها الذين آمنوا توبوا الى الله توبه نصوحا و قال: و من لم يتب فاولئك هم الظالمون و انما الخلاف فى وجوبها عقلا فاثبته المعتزله لدفعها ضرر العقاب و هذا كما لا يخفى لا يدل على وجوب التوبه عن الصغائر ممن يجتنب الكبائر لانها تكفره حينئذ و لهذا ذهب البهشميه الى وجوبها عن الصغائر سمعا لا عقلا، نعم الاستدلال بان الندم على القبيح من مقتضيات العقل الصحيح يعم القسمين. \par و اما فوريه الوجوب فقد صرح به المعتزله و قالوا يلزم بتاخيرها ساعه اثم آخر يجب التوبه منه ايضا حتى ان من اخر التوبه عن الكبيره ساعه واحده فقد فعل كبيرتين و ساعتين اربع كبائر: الاوليان، و ترك التوبه عن كل منهما، و ثلث ساعات ثمان كبائر و هكذا و اصحابنا يوافقونهم على وجوب الفوريه لكنهم لم يذكروا هذا التفصيل فيما رايته من كتبهم الكلاميه \par
001    31    (من اهمل المبادره الى التوبه و سوفها.. فهو بين خطرين عظيمين) \par الرابع- قال بعض ارباب القلوب: الناس فى التوبه على احوال: \par رجل مسوف بالتوبه مدافع بها اغتر بطول الامل و نسى هجوم الاجل فهذا متى ادركه الموت ادركه على الاصرار فهو هالك. \par و آخر تائب ما لم يجد شهوه فاذا و جد ركب هواه و اضاع المحاسبه لنفسه فهذا مستوجب للعقوبه من الله. \par و رجل تائب بقلبه الا ان نفسه تدعوه الى الشى ء مما يكره، و هذا يحتاج الى الادب لنفسه و فائدته على قدر مجاهدته. \par و رجل مديم للحساب قد قام على ساق مقام الخصم و هذا مستوجب للعصمه من الله. \par و رجل قد هام به خوفه من ذنوبه و لم يبق فيه باقيه فهذا المتوحد بولايه الله. \par و قال شيخنا البهائى قدس سره: من اهمل المبادره الى التوبه و سوفها من وقت الى وقت فهو بين خطرين عظيمين ان سلم من واحد فلعله لا يسلم من الاخر \par احدهما: ان يعاجله الاجل فلا ينتبه من غفلته الاوقد حضره الموت وفات وقت التدارك و انسدت ابواب التلافى و جاء الوقت الذى اشار اليه سبحانه بقوله: و حيل بينهم و بين ما يشتهون و صار يطلب المهله يوما او ساعه فلا يجاب اليها كما قال تعالى: من قبل ان ياتى احدكم الموت فيقول رب لو لا اخرتنى الى اجل قريب قال بعض المفسرين فى تفسير هذه الايه: ان المحتضر يقول عند كشف الغطاء: يا ملك الموت اخرنى يوما اعتذر فيه الى ربى و اتوب اليه و اتزود صالحا فيقول فنيت الايام فيقول: اخرتى ساعه فيقول: فنيت الساعات فيغلق عنه باب التوبه و يغرغر بروحه الى النار و يتجرع غصه الياس و حسره الندامه على تضييع العمر و ربما اضطرب اصل ايمانه فى صدمات تلك الاهوال. \par
001    31    و ثانيهما- ان تتراكم ظلم المعاصى على قلبه الى ان تصير رينا و طبعا فلا يقبل المحوفان كل معصيه يفعلها الانسان تحصل منها ظلمه فى قلبه كما تحصل من نفس الانسان ظلمه فى المرآت فاذا تراكمت ظلمه الذنوب صارت رينا كما يصير بخار النفس عند تراكمه على المرآت صدءا و اذا تراكم الرين صار طبعا فيطبع على قلبه كالخبث على وجه المرآت اذا تراكم بعضه فوق بعض وطال مكثه و غاص فى جرمها و افسدها فصارت لا تقبل الصيقل ابدا و قد يعبر عن هذا بالقلب المنكوس و القلب الاسود كما روى عن الباقر عليه السلام: ما من شى ء افسد للقلب من خطيئه ان القلب ليواقع الخطيئه فلا تزال به حتى تغلب عليه فيصير اعلاه اسفله. \par و عنه عليه السلام: ما من عبدالا و فى قلبه نكته بيضاء فاذا اذنب ذنبا خرج فى النكته نكته سوداء فان تاب ذهب ذلك السواد و ان تمادى فى الذنوب زاد ذلك السواد حتى يغطى البياض فاذا غطى البياض لم يرجع صاحبه الى خير ابدا و هو قول الله عز و جل: كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون فقوله عليه السلام: لم يرجع صاحبه الى خير ابدا، يدل على ان صاحب هذا القلب لا يرجع عن المعاصى و لا يتوب منها ابدا و لو قال بلسانه تبت الى الله يكون هذا القول منه مجرد تحريك اللسان من دون موافقه القلب فلا اثر له اصلا كما ان قول القصار: غسلت الثوب لا يصير الثوب نقيا من الارساخ و ربما يول صاحب هذا القلب الى عدم المبالاه باوامر الشريعه و نواهيها فيسهل امر الدين فى نظره و يزول وقع الاحكام الالهيه من قلبه و ينفر عن قبولها طبعه و ينجر ذلك الى اختلال عقيدته و زوال ايمانه فيموت على غير المله و هى المعبر عنه بسوء الخاتمه نعوذ بالله من شرور انفسنا و سيئات اعمالنا انتهى كلامه رفع فى عليين مقامه. \par (استحباب الغسل للتوبه، و قول بعض الناصحين:) \par (اذا اردت التوبه...) \par الخامس- صرح اكثر علمائنا باستحباب الغسل للتوبه بعدها سواء كان عن كفر او فسق و سواء كان الفسق عن صغيره او كبيره بل صرح الشهيد الثانى فى شرح المعه \par
001    31    باستحبابه للتوبه عن مطلق الذنب و ان لم يوجب الفسق كالصغيره النادره، و خصه المفيد بالتوبه عن الكبائر، قيل و لعل ملحوظه ان الذنوب كلها كبائر لاشتراكها فى الخروج عن طاعه الله و انما يطلق الكبر و الصغر على الذنب بالاضافه الى ما تحته و ما فوقه فالقبله صغيره بالنسبه الى الزنا و كبيره بالنسبه الى النظر و قد نسب الشيخ ابوعلى الطبرسى رحمه الله القول بذلك الى اصحابنا رضى الله عنهم. \par السادس- قال بعض الناصحين: اذا اردت التوبه فبرى ء نفسك من التبعات و قلبك من الذنوب، و وجه وجهك الى علام الغيوب بعزم صادق و رجاء واثق و عدانك عبد آبق من مولى كريم رحيم حليم يجب عودك الى بابه و استجارتك من عذابه و قد طلب منك العود مرارا عديده و انت معرض عن الرجوع اليه مده مديده مع انه وعدك ان رجعت اليه و اقلعت عما انت عليه بالعفو عن جميع ما صدر عنك و الصفح عن كل ما وقع منك و قم و اغتسل احتياطا و طهر ثوبك و صل بعض الفرائض و اتبعها بشى ء من النوافل و لتكن تلك الصلوه على الارض بخشوع و خضوع و استحياء و انكسار و بكاء و فاقه و افتقار فى مكان لايراك فيه و لا يسمع صوتك الا الله فاذا سلمت فعقب صلوتك و انت حزين مستحى و جل راج ثم اقرء الدعاء الماثور عن زين العابدين عليه السلام الذى اوله: يا من برحمته يستغيث المذنبون، ثم ضع وجهك على الارض و اجعل التراب على راسك و مرغ وجهك الذى هو اكرم اعضائك فى التراب بدمع جار و قلب حزين و صوت عال و انت تقول: عظم الدنب من عبدك فليحسن العفو من عندك، تكرر ذلك و تعدد ما تذكره من ذنوبك لائما نفسك موبخا لها نائحا عليها نادما على ما صدر منها و ابق على ذلك ساعه طويله ثم قم و ارفع يديك الى التواب الرحيم و قل: الهى عبدك الابق رجع الى بابك، عبدك العاصى رجع الى الصلح، عبدك المذنب اتاك بالعذر و انت اكرم الاكرمين و ارحم الراحمين ثم تدعو و دموعك تنهمل بالدعاء الماثور عن زين العابدين عليه السلام و هو الذى اوله: اللهم يا من لا يصفه نعت الواصفين و اجهد فى توجه قلبك اليه و اقبالك بكليتك عليه مشعرا نفسك سعه الجود و الرحمه \par
001    31    ثم اسجد سجده تكثر فيها البكاء و العويل و الانحاب بصوت عال لا يسمعه الا الله تعالى ثم ارفع راسك واثقا بالقبول فرحا ببلوغ المامول و الله ولى التوفيق و نشرع الان فى شرح الدعاء: \par (كما لا يجوز لغيره سبحانه الاحاطه بمعرفه كنه ذاته فكذلك..) \par (الاحاطه بمعرفه كنه صفاته و...) \par قال صلوات الله عليه. \par (اللهم يا من لايصفه نعت الواصفين، \par
001    31    الوصف و النعت مترادفان، و فرق بعضهم بينهما بان الوصف ما كان بالحال المنتقله كالقيام و القعود، و النعت بما كان فى خلق او خلق كالبياض و الكرم، و انما لا يصفه سبحانه نعت الواصفين لان الاحاطه بمعرفه كنه صفاته سبحانه غير مقدوره لغيره عز و جل، قال بعض المحققين: كما لا يجوز لغيره سبحانه الاحاطه بمعرفه كنه ذاته فكذلك لا يجوز له الاحاطه بمعرفه كنه صفاته و كل ما وصف به العقلاء فانما هو على قدر افهامهم و بحسب و سعهم فانهم انما يصفونه بالصفات التى الفوها و شاهدوها فى انفسهم مع سلب النقايص الناشئه عن انتسابها اليهم بنوع من المقايسه و لو ذكر لهم من صفاته تعالى ما ليس لهم ذلك فوصفهم اياه و نعتهم له انما هو على قدرهم لا على قدره و بحسبهم ليس بحسبه جل جلاله عما يصفون و تعالى شانه عما يقولون و ما قدروا الله حق قدره، كيف و قد قال سيد الخلق صلى الله عليه و آله: لا احصى ثناء عليك انت كما اثنيت على نفسك، و ما احسن ما قال الامام الباقر عليه السلام: هل سمى عالما و قادرا الا لانه وهب العلم للعلماء و القدره للقادرين و كل ما ميز تموه باوهامكم فى ادق معانيه مخلوق مصنوع مثلكم مردود اليكم و البارى تعالى واهب الحيوه و مقدر الموت و لعل النمل الصغار تتوهم ان لله زبانيتين فانهما كمالها، و تتوهم ان عدمهما نقصان لمن لا يكونان \par
001    31    له، هكذا حال العقلاء فيما يصفون الله تعالى به فيما احسب و الى الله المفزع انتهى كلامه. \par
002    31    و يا من لا يجاوزه رجاء الراجين، \par و قوله عليه السلام: و يا من لا يجاوزه رجاء الراجين، جاوزت الشى ء و تجاوزته: تعديته، و الرجاء لغه: الامل، و عرفا: تعلق القلب بحصول محبوب فى المستقبل و المعنى انه غايه كل رجاء لامرجو فوقه فيتعدى اليه رجاء الراجين بخلاف من سواه من المرجوين اذ لا مرجو سواه الا و فوقه مرجو يتجاوزه اليه الرجاء حتى ينتهى اليه سبحانه فيقف عنده اذ لا غايه ورائه كما قال تعالى: و فوق كل ذى علم عليم قال ابن عباس فوق كل عالم عالم الى ان ينتهى العلم الى الله تعالى، و ان رجاء الراجين لا يخيب لديه فيجاوزه الى غيره و انه الغايه التى لا يتعداه رجاء الراجين عند انقطاعه من جميع من دونه، او انه المحبوب الذى لا يتعلق القلب بحصول محبوب سواه عند حصوله، \par
003    31    و يا من لا يضيع لديه اجر المحسنين، \par و قوله عليه السلام: و يا من لا يضيع لديه اجر المحسنين: ضاع الشى ء يضيع ضيعه و ضياعا بالفتح: هلك و تلف و يتعدى بالهمزه و التضعيف فيقال: اضاعه اضاعه و ضيعه تضييعا، و الاجر: الثواب، و الاحسان: فعل ما ينبغى ان يفعل من الخير و انما لا يضيع لديه سبحانه اجر المحسنين لان اضاعه الاجر انما يكون للعجز او للجهل او للبخل و كل ذلك ممتنع فى صفته تعالى و فيه تلميح الى قوله تعالى: فان الله لا يضيع اجر المحسنين \par
005    31    و يا من هو منتهى خوف العابدين، و يا من هو غايه خشيه المتقين) \par (كونه تعالى منتهى خوف العابدين و غايه خشيه المتقين، يحتمل و جوها...) \par و قوله عليه السلام: يا من هو منتهى خوف العابدين الى آخره، الخوف: توقع حلول مكروه، و الخشيه: خوف يشوبه تعظيم المخشى مع المعرفه به و لذلك قال تعالى: انما يخشى الله من عباده العلماء و قد مر الكلام على الفرق بين الخوف و الخشيه بابسط من هذا و العباده: فعل اختيارى مباين للشهوات البدنيه يصدر عن نيه يراد بها التقرب الى الله تعالى طاعه للشريعه، و التقوى: الاحتراز بطاعه الله عن عقوبته و لها مراتب ادناها: الاحتراز باظهار الشهادتين عن العذاب المخلد و يتلوها الاحتراز عن كل ما يوجب اثما من فعل او ترك و هذا المعنى \par
004    31    و يا من هو منتهى خوف العابدين، و يا من هو غايه خشيه المتقين) \par (كونه تعالى منتهى خوف العابدين و غايه خشيه المتقين، يحتمل و جوها...) \par و قوله عليه السلام: يا من هو منتهى خوف العابدين الى آخره، الخوف: توقع حلول مكروه، و الخشيه: خوف يشوبه تعظيم المخشى مع المعرفه به و لذلك قال تعالى: انما يخشى الله من عباده العلماء و قد مر الكلام على الفرق بين الخوف و الخشيه بابسط من هذا و العباده: فعل اختيارى مباين للشهوات البدنيه يصدر عن نيه يراد بها التقرب الى الله تعالى طاعه للشريعه، و التقوى: الاحتراز بطاعه الله عن عقوبته و لها مراتب ادناها: الاحتراز باظهار الشهادتين عن العذاب المخلد و يتلوها الاحتراز عن كل ما يوجب اثما من فعل او ترك و هذا المعنى \par
005    31    هو المعروف باسم التقوى فى عرف الشرع، و اعلاها: الاحتراز عن كل ما يشغل القلب عن الحق و الرجوع اليه و هو الخاص الخاص، و كونه تعالى منتهى خوف العابدين و غايه خشيه المتقين يحتمل وجوها: \par احدها- ان خوفهم و خشيتهم ينتهيان اليه تعالى عند كمال معرفتهم و بيان ذلك: ان السالك لا يزال ينتقل فى درجات المخاوف بحسب احواله حتى ينتهى الى درجه الخوف من جلال الله تعالى فيقف عندها اذ لا غايه فوقها، قال النظام النيسابورى: الخوف اما من العقاب و هو نصيب اهل الظاهر، و اما من الجلال و هو وظيفه ارباب القلوب و الاول يزول و الثانى لا يزول و قال المحققون: الخوف من الله مغاير للخوف من وعيد الله كما ان الحب لله مغاير لحب ثواب الله قال الله تعالى: ذلك لمن خاف مقامى و خاف وعيدى اى خافنى و خاف وعيدى. \par الثانى- ان خوفهم و خشيتهم منه تعالى اشد من خوفهم و خشيتهم من كل ما يخاف و يخشى. \par الثالث- ما قاله بعضهم: يمكن ان يكون المنتهى و الغايه باعتبار ان العابدين و المتقين اذا خافوا بسبب شى ء كان منتهى خوفهم و غايه خشيتهم منه تعالى لامن ذلك الشى ء بخلاف غيرهم فان خوفهم قد يكون لذلك الشى ء فلا ينتهى جميع خوفهم و خشيتهم اليه تعالى. \par الرابع- انهم اذا انتهوا اليه تعالى زال خوفهم و خشيتهم و تبدلا بالامن و الطمانيه: و بيان ذلك: ان السالك مادام فى سيره الى الحق يكون مضطربا غير مستقر الخواطر لخوف العاقبه و ما يعرض فى اثناء الطريق من العوارض العايقه عن الوصول فاذاهب نسيم العنايه الازليه و ارتفعت الحجب الحائله الظلمانيه و اندكت جبال التعينات الرسميه وفار بالحصول على محل الوصول و تنور القلب بنور العيان و حصلت الراحه و الاطمينان و زال الخوف و ظهرت تباشير الامن و الامان و هذا المقام من مقامات اصحاب النهايات لامن احوال ارباب البدايات الا ان اولياء الله لا خوف عليهم و لا هم يحزنون و الله اعلم بمقاصد اوليائه. \par
004    31    هو المعروف باسم التقوى فى عرف الشرع، و اعلاها: الاحتراز عن كل ما يشغل القلب عن الحق و الرجوع اليه و هو الخاص الخاص، و كونه تعالى منتهى خوف العابدين و غايه خشيه المتقين يحتمل وجوها: \par احدها- ان خوفهم و خشيتهم ينتهيان اليه تعالى عند كمال معرفتهم و بيان ذلك: ان السالك لا يزال ينتقل فى درجات المخاوف بحسب احواله حتى ينتهى الى درجه الخوف من جلال الله تعالى فيقف عندها اذ لا غايه فوقها، قال النظام النيسابورى: الخوف اما من العقاب و هو نصيب اهل الظاهر، و اما من الجلال و هو وظيفه ارباب القلوب و الاول يزول و الثانى لا يزول و قال المحققون: الخوف من الله مغاير للخوف من وعيد الله كما ان الحب لله مغاير لحب ثواب الله قال الله تعالى: ذلك لمن خاف مقامى و خاف وعيدى اى خافنى و خاف وعيدى. \par الثانى- ان خوفهم و خشيتهم منه تعالى اشد من خوفهم و خشيتهم من كل ما يخاف و يخشى. \par الثالث- ما قاله بعضهم: يمكن ان يكون المنتهى و الغايه باعتبار ان العابدين و المتقين اذا خافوا بسبب شى ء كان منتهى خوفهم و غايه خشيتهم منه تعالى لامن ذلك الشى ء بخلاف غيرهم فان خوفهم قد يكون لذلك الشى ء فلا ينتهى جميع خوفهم و خشيتهم اليه تعالى. \par الرابع- انهم اذا انتهوا اليه تعالى زال خوفهم و خشيتهم و تبدلا بالامن و الطمانيه: و بيان ذلك: ان السالك مادام فى سيره الى الحق يكون مضطربا غير مستقر الخواطر لخوف العاقبه و ما يعرض فى اثناء الطريق من العوارض العايقه عن الوصول فاذاهب نسيم العنايه الازليه و ارتفعت الحجب الحائله الظلمانيه و اندكت جبال التعينات الرسميه وفار بالحصول على محل الوصول و تنور القلب بنور العيان و حصلت الراحه و الاطمينان و زال الخوف و ظهرت تباشير الامن و الامان و هذا المقام من مقامات اصحاب النهايات لامن احوال ارباب البدايات الا ان اولياء الله لا خوف عليهم و لا هم يحزنون و الله اعلم بمقاصد اوليائه. \par
006    31    (تشبيه الذنوب بالقوم و اثبات الايدى للذنوب) \par (هذا مقام من تداولته ايدى الذنوب، و قادته ازمه الخطايا، و استحوذ عليه الشيطان، فقصر عما امرت به تفريطا، و تعاطى ما نهيت عنه تغريرا \par قام يقوم قوما و قياما: انتصب و اسم الموضع المقام بالفتح، و اقمته اقامه و اسم الموضع المقام بالضم، و تداولته الايدى: اخذته هذه مره و هذه مره، و الكلام استعاره بالكنايه شبه الذنوب بالقوم بجامع التصرف و اثبت لها الايدى تخييلا و رشح ذلك بالتداول، و قاد البعير قودا من باب قال و قيادا بالكسر: جره خلفه، و الازمه: جمع زمام و هو ما يوضع فى انف البعير من حبل اوسير ليقاد به، و اضافتها الى الخطايا كاضافه الايدى الى الذنوب، و استحوذ عليه الشيطان: غلبه، و قصر عن الامر تقصيرا و اقصر اقصارا: انتهى و كف عنه، و فرط فى الامر تفريطا: قصر فيه و ضيعه، و تعاطى فلان كذا: اقدم عليه و فعله، و فى محكم اللغه: التعاطى: تناول ما لا يحق، و تعاطى امرا قبيحا: ركبه، و غرر بنفسه تغريرا: احملها على الغرور و هو الخطر، قال ابن الاثير: و منه حديث الدعاء: و تعاطى ما نهيت عنه تغريرا اى مخاطره و غفله عن عاقبه امره. \par
007    31    كالجاهل بقدرتك عليه، او كالمنكر فضل احسانك اليه) \par (فى معنى الفكره و العبره على ما قاله بعض الحكماء) \par (و الفرق بين الكبير و الكثير) \par (حتى اذا انفتح له بصر الهدى، و تقشعت عنه سحائب العمى، احصى ما ظلم به نفسه، و فكر فيما خالف به ربه، فراى كبير عصيانه كبيرا و جليل مخالفته جليلا) \par انفتاح بصر الهدى له: عباره عن تنبهه لمشاهده الحق بعين بصيرته بعد ان كان عاشيا عنه، و تقشع سحائب العمى عنه: عباره عن زوال غفلات الضلال عنه بعد غشيا نهاله، انقشع عنه الشى ء و تقشع: غشيه ثم انجلى عنه كالظلام عن الصبح، و الهم عن القلب، و السحاب عن الجو، و العمى هنا هو المشار اليه بقوله تعالى: فانها لا تعمى \par
007    31    الابصار و لكن تعمى القلوب التى فى الصدور و هو استعاره حسنه اذ العمى حقيقه عباره عن عدم ملكه البصر و وجه المشابهه ان الاعمى كما لا يهتدى لمقاصده المحسوسه بالبصر لعدمه كذلك اعمى البصيره لا يهتدى لمقاصده المعقوله لاختلال بصيرته و عدم عقله لوجوه رشده، و احصى الشى ء: عده و ضبطه، و ما ظلم به نفسه: عباره عن المعاصى التى اقدم عليها فانه عرض نفسه للعقاب باقترافها، و فكر فى الشى ء: اجال فكره فيه و هو تخيل عقلى فى الانسان، قال الراغب: و التفكر لا يكون الا فيما له ماهيه مما يصح ان يجعل له صوره فى القلب مفهوما و لاجل ذلك قال النبى صلى الله عليه و آله: تفكروا فى آلاء الله و لا تفكروا فى الله، و قال تعالى: يبين الله لكم الايات لعلكم تتفكرون فى الدنيا و الاخره و سئل بعض الحكماء عن الفكره و العبره، فقال: ان الفكره ان تجعل الغائب حاضرا و العبره ان تجعل الحاضر غائبا، و الرويه هنا بمعنى العلم اى فعلم كبير عصيانه كبيرا، و فى روايه ابن ادريس: فراى كثير عصيانه كثيرا بالثاء المثلثه فى الموضعين، و الفرق بين الكبير و الكثيران الكبير بالموحده: بحسب الشان و الخطر كالجليل و العظيم و الكثير بالمثلثه بحسب الكميه و العدد، و ايضا الكبير نقيض الصغير، و الكثير نقيض القليل، و المعنى انه بسبب احصائه ما ظلم به نفسه و تفكره فيما خالف به ربه علم كبر كبير عصيانه او كثره كثيره و علم جلاله جليل مخالفته بعد جهله بذلك او غفلته عنه لعدم ضبطه له و تفكره فيه. \par
008    31    (معنى اليقين لغه و اصطلاحا، و معنى الاخلاص ايضا لغه و اصطلاحا) \par (فاقبل نحوك موملا لك مستحييا منك، و وجه رغبه اليك ثقه بك، فامك بطمعه يقينا، و قصدك بخوفه اخلاصا، قد خلاطمعه من كل مطموع فيه غيرك، و افرخ روعه من كل محذور منه سواك) \par اقبل: خلاف ادبر اى توجه، و النحو فى الاصل مصدر بمعنى القصد، نحوت نحوك اى قصدت قصدك، قال ابن جنى: و قد استعملته العرب ظرفا انشد ابوالحسن: يحدوبها \par
008    31    كل فتى هنات و هن نحو البيت قاصدات، اى جهه البيت و هذا المعنى هو المراد هنا، و املته املا من باب طلب و هو ضد الياس، و املته تاميلا مبالغه و تكثير و هو اكثر استعمالا من المخفف، و الحياء: تغير و انكسار يعرض للانسان من تخوف ما يعاب به و يذم، و وجهت الشى ء الى كذا: جعلته الى جهه، و الرغبه: مصدر رغبت فى الشى ء اذا اردته، و امه اما من باب قتل: قصده، و الطمع: تعليق النفس بما يظن من النفع و اكثر ما يستعمل فيما يقرب حصوله، و اليقين فى اللغه: العلم الذى لا شك فيه، و فى الاصطلاح اعتقاد مطابق ثابت لا يمكن زواله و هو فى الحقيقه مولف من علمين: العلم بالمعلوم و العلم بان خلاف ذلك العلم محال، و عند اهل الحقيقه: رويه العيان بقوه الايمان لا بالحجه و البرهان، و قيل: مشاهده القلوب بصفاء الغيوب، و ملاحظه الاسرار بمحافظه الافكار، و الاخلاص فى اللغه: ترك الرياء فى الطاعات، و فى الاصطلاح: تخليص القلب عن شائبه الشوب المكدر لصفائه، و قيل: هو تصفيه العمل عن ملاحظه المخلوقين حتى عن ملاحظه النفس فلا يشهد غير الله و حتى من شهد فى اخلاصه الاخلاص احتاج اخلاصه الى الاخلاص، و خلا بمعنى برى ء من قولهم خلا من العيب خلوا اى برى ء منه فهو خلى، و غيرك، بالجر فى الروايه المشهوره صفه لمطموع و بالنصب فى روايه اخرى على الاستثناء لان غير اذا وقعت استثناء اعربت اعراب الاسم التالى لا لا، و المعنى على الاول: قد خلاطمعه من كل مطموع فيه مغاير لك، و على الثانى: من كل مطموع فيه الا انت، و افرخ اى ذهب و انكشف، و الروع بالفتح: الفزع يقال: راعنى الشى ء روعا من باب قال اى افزعنى، و المعنى زال عنه ما يرتاع له و يخاف و ذهب عنه و انكشف و حذرت الشى ء من باب تعب: خفته فهو محذور، \par
009    31    (الفرق بين الخضوع و الخشوع) \par (فمثل بين يديك متضرعا، و غمض بصره الى الارض متخشعا، و طاطا راسه لعزتك متذللا). \par مثل بين يديه مثولا من باب قعد: انتصب قائما و بين اليدين عباره عن الامام لان ما بين يدى الانسان امامه، و التضرع: التذلل و هو اظهار ذل النفس، قال الله تعالى \par
009    31    ادعوا ربكم تضرعا و خفيه و ذلك لما فيه من الاعتراف بذل العبوديه و عزه الربوبيه، و غمض بصره تغميضا و اغمضه اغماضا: اطبق اجفانه، و الخشوع: الاخبات و التواضع و السكون، و فى القاموس: الخشوع الخضوع او قريب من الخضوع الا ان الخضوع فى البدن و الخشوع فى الصوت و البصر كقوله تعالى: خاشعه ابصارهم و قوله تعالى و خشعت الاصوات للرحمن و طاطا راسه: صو به و خفضه، و العزه: الرفعه و الامتناع و الشده و الغلبه و فى التنزيل: من كان يريد العزه فلله العزه جميعا اى من كان يريد بعباده غير الله العزه فانما العزه لله وحده لا لغيره عزه الدنيا و عزه الاخره جميعا فليطلبها منه تعالى لا من غيره، و التذلل: الاستكانه و الخضوع. \par (جزع بعضهم عند الموت.. فقال: اخاف ذنبا لم يكن منى على بال و هو...) \par (و ابثك من سره ما انت اعلم به منه خضوعا، و عدد من ذنوبه ما انت احصى لها خشوعا، و استغاث بك من عظيم ما وقع به فى علمك و قبيح ما فضحه فى حكمك: من ذنوب ادبرت لذاتها فذهبت، و اقامت تبعاتها فلزمت) \par بث السر: اذاعه و نشره و بثثته سرى و ابثثته بالالف: اظهرته له و اطلعته عليه، و السر: ما يكتتم و هو خلاف الاعلان و احصى: افعل تفضيل بمعنى اضبط، و استغاث به: طلب اغاثته اى اعانته و نصره، و وقع به: اهلكه و اوهنه من قولهم وقعت بالقوم وقيعه: اذا قتلتهم و اثخنتهم اى اوهنتهم بالجراحه و اضعفتهم و هى لغه الحجاز و تميم، قوله عليه السلام فى علمك، ظرف للوقوع به على تشبيه علمه تعالى بما يكون محلا للشى ء كما تقول: قتلت القوم فى المحل الفلانى، و الغرض: الاستغاثه من الذنوب التى هى فى علم الله مهلكه لمقتر فها و هو لا يعلم بذلك او يظنها هينه لا توجب هلاكا كما قال تعالى: و تحسبونه هينا و هو عند الله عظيم. \par و عن بعضهم: انه جزع عند الموت فقيل له فى ذلك فقال: اخاف ذنبا لم يكن \par
009    31    منى على بال و هو عند الله عظيم، و فى النصايح الكبار: لا تقولن لشى ء من سيئاتك حقير فلعله عند الله تعالى نخله و هو عندك نقير و هى النكته فى ظهر النواه، قوله عليه السلام: و قبيح ما فضحه فى حكمك، المراد بالحكم هنا معناه اللغوى اى قضائك، و اللذات: جمع لذه بالفتح اسم من لذا الشى ء يلذ من باب تعب لذاذا و لذاذه بالفتح اى صار شهيا و عرفوا اللذه بانها: ادراك الملايم من حيث انه ملايم كالصوت الحسن عند حاسه السمع و قيد الحيثيه للاحتراز عن الالنذاذ بالدواء المر النافع من حيث انه نافع لا من حيث انه مر، و اقام بالموضع اقامه: سكن به و لم ينتقل عنه، و التبعات: جمع تبعه على وزن كلمه: ما تطلبه من ظلامه و نحوها، و لزم الشى ء يلزم لزوما من باب تعب: ثبت و دوام و منه لزمه المال اذا ثبت و وجب عليه. \par
011    31    (معنى العدل، و عرفوه بالتوسط فى الافعال و الاقوال...) \par (و اذا نسب الى الله...) \par (لا ينكر يا الهى عدلك ان عاقبته، و لا يستعظم عفوك ان عفوت عنه و رحمته، لانك الرب الكريم الذى لا يتعاظمه غفر ان الذنب العظيم، اللهم فها اناذا قد جئتك مطيعا لامرك فيما امرت به من الدعاء متنجز او عدك فيما وعدت من الاجابه، اذ تقول: ادعونى استجب لكم. \par انكرته انكارا: جهلته كنكرته من باب تعب، و الانكار: الجحود ايضا و يحتمل ارادته هنا، و انكر عليه فعله انكارا: عابه و هذا المعنى محتمل هنا ايضا، و العدل: خلاف الجور و عرفوه بالتوسط فى الافعال و الاقوال بين طرفى التفريط و الافراط، و اذا نسب الى الله عز و جل فالمراد ان افعاله سبحانه واقعه على وفق الحكمه و النظام الاكمل، و عاقبه بذنبه معاقبه و عقابا: اخذه به، و استعظم الشى ء: رآه عظيما، و نفى استعظام عفوه تعالى انما هو بالنظر الى عظيم عفوه و سعه رحمته لامن جهه انه فى نفسه غير عظيم و لذلك علله بقوله عليه السلام: لانك الرب الكريم الى آخره، و تعاظمه الامر: عظم عليه، و غفر الله له غفرا من باب ضرب و غفرانا بالضم: صفح عنه، و تنجز الوعد: استنجزه اى طلب وفائه كما يقال: تكبر و استكبر. \par
010    31    (معنى العدل، و عرفوه بالتوسط فى الافعال و الاقوال...) \par (و اذا نسب الى الله...) \par (لا ينكر يا الهى عدلك ان عاقبته، و لا يستعظم عفوك ان عفوت عنه و رحمته، لانك الرب الكريم الذى لا يتعاظمه غفر ان الذنب العظيم، اللهم فها اناذا قد جئتك مطيعا لامرك فيما امرت به من الدعاء متنجز او عدك فيما وعدت من الاجابه، اذ تقول: ادعونى استجب لكم. \par انكرته انكارا: جهلته كنكرته من باب تعب، و الانكار: الجحود ايضا و يحتمل ارادته هنا، و انكر عليه فعله انكارا: عابه و هذا المعنى محتمل هنا ايضا، و العدل: خلاف الجور و عرفوه بالتوسط فى الافعال و الاقوال بين طرفى التفريط و الافراط، و اذا نسب الى الله عز و جل فالمراد ان افعاله سبحانه واقعه على وفق الحكمه و النظام الاكمل، و عاقبه بذنبه معاقبه و عقابا: اخذه به، و استعظم الشى ء: رآه عظيما، و نفى استعظام عفوه تعالى انما هو بالنظر الى عظيم عفوه و سعه رحمته لامن جهه انه فى نفسه غير عظيم و لذلك علله بقوله عليه السلام: لانك الرب الكريم الى آخره، و تعاظمه الامر: عظم عليه، و غفر الله له غفرا من باب ضرب و غفرانا بالضم: صفح عنه، و تنجز الوعد: استنجزه اى طلب وفائه كما يقال: تكبر و استكبر. \par
012    31    (ستره تعالى عباره عن صونه العبد من الفضيحه، او عدم) \par (المحاسبه له على المعصيه) \par (اللهم فصل على محمد و آله، و القنى بمغفرتك كما لقيك باقرارى، و ارفعنى عن مصارع الذنوب كما وضعت لك نفسى و استرنى بسترك كما تانيتنى عن الانتقام منى) \par الفاء فصيحه اى اذا كان امرى على ما ذكرت فصل على محمد و آله، و القنى بمغفرتك اى استقبلنى و واجهنى بمغفرتك كما استقبلتك و واجهتك باقرارى، و سترت الشى ء سترا من باب قتل: حجبته عن المشاهده و الستر بالكسر ما يستر به، و ستره تعالى عباره عن صونه العبد من الفضيحه، او عدم المحاسبه له على المعصيه و ترك ذكرها كى لا يطلع غيره عليها، و تانى فى الامر تانيا: تمحل و تمكث و لم يعجل و الاسم منه الاناه على وزن حصاه، و انتقمت منه انتقاما: عاقبته على ذنبه. \par
013    31    (ان الله تبارك و تعالى جعل لملك الموت اعوانا) \par (من الملائكه يقبضون الارواح..) \par (اللهم و ثبت فى طاعتك نيتى، و احكم فى عبادتك بصيرتى، و وفقنى من الاعمال لما تغسل به دنس الخطايا عنى، و توفنى على ملتك و مله نبيك محمد (ص) اذا توفيتنى) \par ثبت الشى ء يثبت ثبوتا: دام و استقر فهو ثابت، و ثبت الامر: صح و يعدى بالهمزه و التضعيف فيقال: اثبته اثباتا و ثبته تثبيتا، و الاسم: الثبات بالفتح، و النيه: عزم القلب على امر من الامور، و المراد بتثبيت النيه: اما ادامتها و جعلها ثابته مستقره لا تتغير و لا تميل الى غير الطاعه حتى تصير ملكه للنفس من ثبت الشى ء بمعنى دام و استقر، او تصحيحها بجعلها خالصه لله تعالى من ثبت الامر بمعنى صح، و لذلك ذهب كثير من علماء الخاصه و العامه الى بطلان العباده اذا نوى بفعلها تحصيل الثواب او الخلاص من العقاب، و قالوا ان هذا القصد مناف للاخلاص الذى هو اراده وجه الله تعالى وحده، \par
013    31    و احكمت الشى ء احكاما: اتقنته و منعته من الفساد، و البصيره للباطن بمثابه البصر للظاهر، و المراد باحكام بصيرته فى عبادته تعالى: جعلها محكمه قويه لا يتطرق اليها فساد او نقيصه من ايثار شى ء عليها او توانى فيها، قوله عليه السلام: و وفقنى، اى اهدنى و سددنى و اجعل ارادتى و حركتى للاعمال التى تغسل بها دنس الخطايا عنى، و الاعمال: جمع محلى باللام فيستغرق كل عمل شرعى بقرينه المقام، و العمل: كل ما صدر من الحيوان بقصده قلبيا او قالبيا فيدخل الاعتقادات و النيات و خصه بعضهم بالجوارح لان الناوى مثلا لا يقال له عامل، و الدنث محركه: الوسخ و هو استعاره لاثار الذنوب بجامع القبح و الكراهيه، و المراد بغسله: اما محوه من القلب و لوح النفس ليكمل استعداد، لافاضه الفيض و الرحمه عليه و يرتفع عنه الانفعال عند لقاء الموت من ديوان الحفظه و يثبت مكانه آثار الطاعات كما قال تعالى: الامن تاب و عمل صالحا فاولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات هذا اذا كانت الخطايا بين العبد و بين ربه، فان كانت بينه و بين العباد فيعوضهم عن ظلاماتهم و بمحو آثار تبعاتهم لديه، قوله عليه السلام: و توفنى على ملتك، التوفى: قبض الشى ء على الايفاء و الاتمام يقال: توفيت حقى من فلان و استوفيته بمعنى، و اسند عليه السلام التوفى اليه سبحانه كما اسنده تعالى الى نفسه فى قوله: الله يتوفى الانفس حين موتها قال العلامه الطبرسى: لانه سبحانه خلق الموت و لا يقدر عليه احد سواه: و فى الفقيه سئل الصادق عليه السلام من قول الله عز و جل: الله يتوفى الانفس حين موتها و عن قول الله عز و جل: قل يتوفيكم ملك الموت الذى و كل بكم و عن قول الله تعالى، الذين تتوفيهم الملائكه ظالمى انفسهم و عن قوله تعالى: توفته رسلنا و عن قوله عز و جل: و لو ترى اذ يتوفى الذين كفروا الملائكه و قد يموت فى الساعه الواحده فى جميع الافاق ما لا يحصيه الا الله عز و جل فكيف هذا؟ فقال: ان الله تبارك و تعالى جعل \par
013    31    لملك الموت اعوانا من الملائكه يقبضون الارواح بمنزله صاحب الشرطه له اعوان من الانس يبعثهم فى حوائجه فتتوفاهم الملائكه فيتوفاهم ملك الموت من الملائكه مع ما يقبض هو و يتوفيهم الله من ملك الموت انتهى. و هذا وجه آخر لاسناد التوفى اليه سبحانه، و المله: الدين و منه: لا يتوارث اهل ملتين اى دينين كالاسلام و اليهوديه، و قيل: هى معظم الدين و جمله ما تجى ء به الرسل. \par
014    31    (المراد من ظاهر الاثم و باطنه فى الايه الشريفه:) \par (و ذروا ظاهر الاثم و باطنه) \par (اللهم انى اتوب اليك فى مقامى هذا من كبائر ذنوبى و صغائرها، و بواطن سيئاتى و ظواهرها، و سوالف زلاتى و حوادثها، توبه من لا يحدث نفسه بمعصيه، و لا يضمر ان يعود فى خطيئه) \par المقام بالفتح: موضع القيام، و بالضم موضع الاقامه، و الكبيره: ما توعد عليه بخصوصه كالزنا و شرب المسكر و غيرهما، و الصغيره: ما صدر من فلته خاطر او لفته ناظر مع عدم الجواز و التوعد عليه، و قيل فيهما غير ذلك و قد تقدم الكلام على ذلك مبسوطا قوله عليه السلام: و بواطن سيئاتى و ظواهرها، فيه تلميح الى قوله تعالى: و ذروا ظاهر الاثم و باطنه قيل: المراد ما اعلنتم و ما اسررتم، و قيل: ما عملتم و ما نويتم، و قيل ظاهر الاثم: افعال الجوارح و باطنه افعال القلوب من الكبر و الحسد و العجب و اراده الشر للمسلمين، و يدخل فيه الاعتقاد و العزم و الظن و التمنى و الندم على افعال الخيرات و يوخذ منه ان ما يوجد فى القلب قد يواخذ به و ان لم يقترن به عمل، و فى تفسير على بن ابراهيم رحمه الله قال: الظاهر من الاثم: المعاصى و الباطن: الشرك و الشك فى القلب و هو راجع الى ما قبله، و السيئات: جمع سيئه و هى ما نهى الشارع عنه و يقابلها الحسنه و هى ما ندب اليه، و سلف الشى ء سلوفا من باب قعد: مضى و انقضى فهو سالف، و حدث حدوثا من باب قعد ايضا: تجدد وجوده فهو حادث، و الزلات: جمع زله و هى الخطيئه من زل فى منطقه او فعله يزل من باب ضرب اى اخطا، و قيل: هى السيئه بلا قصد، و اضمر \par
014    31    الشى ء اضمارا: عزم عليه بضميره اى قلبه و باطنه. \par (التوبه عندنا من جميع الكبائر و الصغائر لعموم الايات و لان..) \par و ها هنا مسائل: \par الاولى- التوبه عندنا من جميع الكبائر و الصغائر لعموم الايات، و لان ترك التوبه من المعصيه صغيره كانت او كبيره اصرار عليها و هو قبيح لا خلاص منه الا بالتوبه فهى واجبه فى جميع المعاصى و لان التوبه عن القبيح انما تجب لكونه قبيحا و هو عام، و ذهب جماعه من المعتزله الى انها انما تجب من الكبائر المعلوم كونها كبائر و المظنون فيها ذلك و لا تجب من الصغائر المعلوم كونها صغائر لان التوبه انما تجب دفعا للضرر و هو غير حاصل فى الصغيره، ورد بان وجه الوجوب هو اشتمال الصغيره على القبح سواء اشتمل على ضرر ام لا. \par (التوبه هل تصح من قبيح دون قبيح... ام لا؟) \par الثانيه- اختلف فى ان التوبه هل تصح من قبيح دون قبيح و تسمى التوبه المبعضه ام لا؟ فذهب ابوهاشم و جماعه الى عدم الصحه، قالوا: لان التوبه عن القبيح انما هو لقبحه و هو عام فلو تاب من قبيح دون قبيح كشف ذلك عن كونه تائبا لا لقبحه و ذهب الجمهور من الفريقين الى الصحه، قالوا: لان الافعال تقع بحسب الدواعى و تنتفى بحسب الصوارف فاذا ترجح الداعى وقع الفعل فجاز ان يرجح فاعل القبايح و داعيه الى الندم عليها و ذلك بان يقترن بعض القبايح بامر زائد كعظم الذنب او كثره الزواجر عنه او الشناعه عند العقلاء عند فعله فان الافعال الكثيره قد تشترك فى الدواعى ثم يوثر صاحب الدواعى بعض تلك الافعال على بعض بان يرجح دواعيه الى ذلك الفعل بما يقترن به من زياده الدواعى فلا استبعاد فى كون قبح الفعل داعيا الى الندم على ذلك البعض و لو اشتركت القبايح فى قوه الدواعى و اشتركت فى وقوع الندم و لم يصح الندم على بعض دون آخر، قال المحقق الطوسى و به يتاول كلام اميرالمومنين عليه السلام و اولاده و الالزم الحكم ببقاء الكفر على التائب منه المقيم على صغيره. \par قال العلامه البهائى فى شرح الاربعين: و الاصح صحه المبعضه و الا لما صحت عن \par
014    31    الكفر مع الاصرار على صغيره، و قال العلامه الحلى: و لان اليهودى لو سرق درهما ثم تاب عن اليهوديه دون السرقه فانه يكون مسلما بالاجماع. \par (القول فى التوبه المجمله) \par الثالثه- ذهب بعض المعتزله الى ان التائب ان كان عالما بذنوبه على التفصيل وجب عليه النوبه من كل واحد منها مفصلا و ان علم بعضها مفصلا و بعضها مجملا وجب عليه التفصيل فيما علم مفصلا و الاجمال فيما علم مجملا، و قال العلامه البهائى: اما التوبه المجمله كان يتوب على الذنوب على الاجمال من دون تفصيلها و هو ذاكر للتفصيل فقد توقف فيها المحقق الطوسى، و القول بصحتها غير بعيد اذ لا دليل على اشتراط التفصيل و الله اعلم. \par (القول فى التوبه الموقته) \par الرابعه- اختلف فى التوبه الموقته مثل ان لا يذنب الى سنه فذهب بعضهم الى بطلانها لانه اذا ندم على ذنب فى وقت و لم يندم عليه فى وقت آخر ظهر انه لم يندم عليه لقبحه و الاندم عليه فى جميع الاوقات و اذا لم يكن ندمه لقبحه لم تكن توبه، و ذهب آخرون الى صحتها كما فى الواجبات فانه قد ياتى المامور ببعضها فى بعض الاوقات دون بعضها و يكون الماتى به صحيحا فى نفسه بلا توقف على غيره مع ان العله المقتضيه للاتيان بالواجب هى كون الفعل حسنا واجبا غايته اذا عصى بعد ذلك جدد ذلك الذنب وجوب توبه اخرى عليه، و الحق ان اشتراط العزم على عدم العود ابدا يقتضى بطلانها فمن اشترطه و هم الشيعه و المعتزله قال بالبطلان و من لم يشترطه و هم الاشاعره قال بالصحه، لكن صرح بعضهم ان النادم على المعصيه لا يخلو من ذلك العزم البته على تقدير الخطور و الاقتدار. \par (هل امكان صدور الذنب من التائب فى بقيه العمر شرط ام لا؟) \par الخامسه- قال شيخنا البهائى فى شرح الاربعين: العزم على عدم العود الى الذنب فيما بقى من العمر لابد منه فى التوبه، و هل امكان صدوره منه فى بقيه العمر شرط حتى لوزنا ثم جب و عزم على ان لا يعود الى الزنا على تقدير قدرته عليه لم تصح \par
014    31    توبته ام ليس بشرط؟ فتصح، الاكثر على الثانى بل نقل بعض المتكلمين اجماع السلف عليه و اولى من هذا بصحه التوبه من تاب فى مرض مخوف غلب على ظنه الموت فيه، اما النوبه عند حضور الموت و تيقن الفوت و هو المعبر عنه بالمعاينه فقد انعقد الاجماع على عدم صحتها و نطق بذلك القرآن العزيز قال سبحانه: و ليست التوبه للذين يعملون السيئات حتى اذا حضر احدهم الموت قال انى تبت الان و لا الذين يموتون و هم كفار اولئك اعتدنا لهم عذابا اليما و فى الحديث عن النبى صلى الله عليه و آله: ان الله يقبل توبه العبد ما لم يغرغر، و الغرغره تردد الماء و غيره من الاجسام المايعه فى الحلق و المراد تردد الروح وقت النرع، و قد روى محدثوا الاماميه عن ائمه اهل البيت عليهم السلام احاديث متكثره فى انه لا تقبل التوبه عند حضور الموت و ظهور علاماته و مشاهده اهواله و ربما علل ذلك بان الايمان برهانى و مشاهده تلك العلامات و الاهوال فى ذلك الوقت تصير الامر عيانا فيسقط التكليف كما ان اهل الاخره لما صارت معار فهم ضروريه سقطت التكاليف عنهم، قال بعض المفسرين: و من لطف الله تعالى بالعبادان امر قابض الارواح بالابتداء فى نزعها من اصابع الرجلين ثم تصعد شيئا فشيئا الى ان تصل الى الصدر ثم تنتهى الى الحلق ليتمكن فى هذه المهله من الاقبال على الله تعالى و الوصيه و التوبه ما لم يعاين و الاستحلال و ذكر الله سبحانه فتخرج روحه و ذكر الله على لسانه فيرجى بذلك حسن خاتمه رزقنا الله ذلك بمنه و كرمه. \par
015    31    (الاشاره الى تفسير المحكم و المتشابه) \par (و قد قلت يا الهى فى محكم كتابك: انك تقبل التوبه عن عبادك، و عفو عن السيئات، و تحب التوابين، فاقبل توبتى كما وعدت، و اعف عن سيئاتى كما ضمنت، و اوجب لى محبتك كما شرطت). \par قوله عليه السلام: فى محكم كتابك، اما من باب اضافه الصفه الى الموصوف اى كتابك المحكم كقوله تعالى: كتاب احكمت آياته و المراد باحكامه: اتقانه و عدم تطرق النقص و الاختلال اليه، و اما من باب اضافه النوع الى جنسه فان من القرآن ما هو محكم \par
015    31    و منه ما هو متشابه قال تعالى: هو الذى انزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن ام الكتاب و اخر متشابهات و اختلف فى تفسير المحكم و المتشابه على اقوال سنذكرها انشاء الله، و نكتفى هنا بما روى عنهم عليهم السلام: ان المحكم: ما يعمل به و المتشابه: ما اشتبه على جاهله، و قال على بن ابراهيم: المحكم ما استغنى بتنزيله عن تاويله كقوله تعالى: حرمت عليكم الميته و الدم و لحم الخنزير و المتشابه: ما لفظه واحد و معناه مختلف كالفتنه و قوله عليه السلام : انك تقبل التوبه و تعفو عن السيئات، اشاره الى قوله تعالى: و هو الذى يقبل التوبه عن عباده و يعفو عن السيئات و يعلم ما تفعلون و قوله عليه السلام. و تحب التوابين، اشاره الى قوله تعالى: ان الله يحب التوابين و يحب المتطهرين و التواب صيغه مبالغه و هى اما باعتبار الكيفيه فيكون معناه من لا يعود الى الذنب بعد التوبه ابدا و اما باعتبار الكميه فيكون معناه كثير التوبه اى كلما جدد ذنبا جدد توبه، و فى الحديث من طرق الخاصه و العامه: ان الله يحب من عباده المفتن التواب اى الممتحن بالذنوب من فتنته بمعنى امتحنته اى يمتحن بالذنب ثم يتوب ثم يعود ثم يتوب، و معنى ان الله يحب التوابين و يحب المتطهرين: انه يحب التوابين من النجاسات الباطنه و هى الذنوب و يحب المتطهرين من النجاسات الظاهره، قوله عليه السلام: كما شرطت، اى التزمت. \par
016    31    (لا يليق لغير المعصوم قرائه هذه الفقرات من الدعاء على اطلاقها) \par (و لك يا رب شرطى الا اعود فى مكروهك، و ضمانى ان لا ارجع فى مذمومك و عهدى ان اهجر جميع معاصيك) \par لا يخفى انه لا يليق بغير المعصوم قرائه هذه الفقرات من الدعاء على اطلاقها لان مضمونها لا يفى به الا من عصمه الله من جميع المعاصى صغيرها و كبيرها، و اما غيره فما اقل و فائه بهذا الشرط و الضمان و العهد، كيف؟ و هو عاجز عن مخالفه هواه غير قادر على مقاتله دواعيه و قواه لا يصبر عن اتباع الشهوات و لا يستخدم قواه فى ميثاق الطاعات و بذلك فسر قوله تعالى: و خلق الانسان ضعيفا فمن اخلف الله تعالى شرطه و وعده و \par
016    31    نقض ضمانه و عهده فقد عرض نفسه لما استوجبه الذين وصفهم الله سبحانه بقوله: و منهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن و لنكونن من الصالحين فلما آتيهم من فضله بخلوا به و تولوا و هم معرضون فاعقبهم نفاقا فى قلوبهم الى يوم يلقونه بما اخلفوا الله ما وعدوه و بما كانوا يكذبون فينبغى لمن يقرء هذا الدعاء ان يشترط عند قرائه هذه الفقرات التوفيق و العصمه منه عز و جل تحرجا من ان يعطى الله سبحانه من نفسه ما لايقدر عليه. \par
017    31    (السوال لمغفره ما: الله اعلم به مما هو عند الله سيئه و..) \par (اللهم انك اعلم بما عملت فاغفرلى ما علمت، و اصرفنى بقدرتك الى ما احببت). \par هذا السوال منه عليه السلام لمغفره ما الله اعلم به منه مما هو عند الله سيئه و معصيه فى حقه و هو لا يعلمها فعملها، و صرفته عن الشى ء و اليه صرفا من باب ضرب: رددته، و لما سئل عليه السلام مغفره ما الله اعلم به منه من السيئات اتبع ذلك بسوال صرفه و رده عنها الى محبوبها تعالى من الحسنات لمحو تلك السيئات، كما قال تعالى: ان الحسنات يذهبن السيئات روى عبدالله بن عباس عن النبى صلى الله عليه و آله انه قال: لم ارشيئا احسن طلبا و لا اسرع ادراكا من حسنه حديثه لذنب قديم ان الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين. \par
018    31    (القاعده الادبيه فى اعاده الضمير بصيغه الجمع او بصيغه الافراد) \par (اللهم و على تبعات قد حفظتهن، و تبعات قد نسيتهن، و كلهن بغيك التى لا تنام، و علمك الذى لا ينسى، فعوض منها اهلها، و احطط عنى وزرها، و خفف عنى ثقلها، و اعصمنى من ان اقارف مثلها) \par على: للاستعلاء و هو اما حقيقه نحو زيد على السطح، و اما مجاز نحو عليه دين و مثله و على تبعات و هى الظلمات التى يطلبها المظلوم عند الظالم سميت بذلك لاتباع صاحبها بها، و حفظته حفظا من باب علم: احصيته و منه الحفظه الملائكه الذين يحصون اعمال العباد، و العين حقيقه فى الجارحه و هى هنا جاريه مجرى التمثيل و الكلام استعاره \par
018    31    تمثيليه كما صرح به الرمخشرى فى آخر سوره الطور فى قوله تعالى: و اصبر لحكم ربك فانك باعيننا قال: و هو مثل اى بحيث نراك و نكلاءك انتهى، و قوله عليه السلام: لا ينسى، اى لا يذهب عنه شى ء و لا يخفى عليه امر، و عوضته من الشى ء تعويضا: اعطيته عوضه و هو البدل. \par فان قلت: لم اعاد الضمير او لا بصيغه الجمع فقال: حفظتهن. و نسيتهن، و كلهن، ثم اعاده بصيغه الافراد فقال: منها، و اهلها و وزرها، و ثقلها، و مثلها؟ \par قلت: قد نص علماء العربيه على ان الاحسن و الغالب فى جمع المونث غير العاقل ان كان للقله ان يعاد الضمير اليه بصيغه الجمع و ان كان للكثره ان يعاد بصيغه الافراد كما قال تعالى: ان عده الشهور عند الله اثنا عشر شهرا الى ان قال: منها اربعه حرم فاعاد منها بصيغه الافراد على الشهور و هى للكثره ثم قال: فلا تظلموا فيهن احدا فاعاده جمعا على اربعه حرم و هى للقله. \par و ذكر الفراء لهذه القاعده سرا لطيفا و هو ان المميز مع جمع الكثره و هو ما زاد على العشره لما كان واحدا و حد الضمير و مع جمع القله لما كان جمعا جمع الضمير. \par اذا عرفت ذلك فاعادته عليه السلام الضمير او لا بصيغه الجمع نظر الى هذه القاعده اذ كان جمع السلامه لمذكر كان او مونثا موضوعا للقله كما نص عليه النحويون، و اعادته ثانيا بصيغه الافراد نظر الى قوله: كلهن لدلالته على الكثره، و الله اعلم. \par
019    31    (مدار هذا الفصل من الدعاء: الاعتراف بالعجز عن مقاومه النفس و...) \par (اللهم و انه لا وفاء لى بالتوبه الا بعصمتك، و لا استمساك بى عن الخطايا الا عن قوتك، فقونى بقوه كافيه و تولنى بعصمه مانعه). \par وفيت بالعهد و الوعد افى به وفاء، و العصمه اخته اسم من عصمه الله: اذا حفظه و وقاه، و عرفا: فيض الهى يقوى به العبد على تحرى الخير و تجنب الشر، و استمسك عن الامر: كف عنه، و القوه تطلق على كمال القدره و شده الممانعه و الدفع و يقابلها الضعف، و قوله عليه السلام: فقونى بقوه كافيه، الباء للسببيه و تقويته تعالى عباره عن افاضه قوه على استعداده يقوى بها عقله على قهر النفس الاماره، و قوله كافيه اى مغنيه من قولهم: كفى الشى ء يكفى كفايه فهو كاف: اذا حصل به الاستغناء عن غيره اى لا احتياج معها الى سوال قوه مره اخرى، او واقيه دافعه من كفاه الله الشر اى وقاه منه و دفعه عنه. و توليه عنه بكذا: قام عليه به يقال: توليك الله بحفظه اى كان الله لك وليا بحفظه، و توليته تعالى بالعصمه: عباره عن عدم اعداده للمعاصى و حسم اسبابها عنه. \par و مدار هذا الفصل من الدعاء: الاعتراف بالعجز عن مقاومه النفس و هواها و مقاتله دواعيها و قواها و دفع و ساوسها و اذاها تنبيها للغافلين و تحريصا للمذنبين على التوسل باذيال الالطاف الالهيه و التوفيقات الربانيه فان ذلك جذب للهداياه الخاصه الواقيه و العنايات التامه الشافيه للامراض الظاهره و الخافيه، و ليس لمريض الدين انفع من هذا الدواء بيقين. \par و يقرب من ذلك ما رواه ثقه الاسلام فى الكافى بسنده عن ابى جعفر عليه السلام قال: ان الله عز و جل اوحى الى داود عليه السلام ان ائت عبدى دانيال فقل له: انك عصيتنى فغفرت لك \par
019    31    و عصيتنى فغفرت لك و عصيتنى فغفرت لك، فان انت عصيتنى الرابعه لم اغفر لك فاتاه داود فقال يا دانيال انى رسول الله اليك و هو يقول لك انك عصيتنى فغفرت لك و عصيتنى فغفرت لك و عصيتنى فغفرت لك فان انت عصيتنى الرابعه لم اغفر لك فقال له دانيال قد ابلغت يا نبى الله فلما كان فى السحر قام دانيال فناجى ربه فقال يا رب ان داود نبيك اخبرنى عنك اننى قد عصيتك فغفرت لى و عصيتك فغفرت لى و عصيتك فغفرت لى و اخبرنى عنك ان عصيتك الرابعه لم تغفرلى فوعزتك لئن لم تعصمنى لاعصينك ثم لا عصينك. \par و على ذلك ما حكى ان بعض المحبين جنى جنايه فوبخه الله ثم عاد اليها فى وقت آخر فاوحى الله الى نبى ذلك الزمان ان قل له ان رجعت الى تلك الجنايه اغضب عليك و تعذب عليها فعاد اليها بعد حين و مات فغسلوه و كفنوه و وضعوه على الجنازه و خافوا ان يصلوا عليه لما توهموا انه مقطوع عن الرب و كانت له ندامه بعد ارتكابه كل جنايه و كانت تلك الحاله مستوره فلما رفعوا الجنازه جائت ريح و كشفت عن بعض اكفانه فوجدوا عليه رقعه مكتوب عليها: هذا عتاب الاحباء لاعتاب الاعداء. \par
020    31    (مدار هذا الفصل من الدعاء على سواله عليه السلام الثبات على توبته و حسم..) \par (اللهم ايما عبد تاب اليك و هو فى علم الغيب عندك فاسخ لتوبته: و عائد فى ذنبه و خطيئته، فانى اعوذبك ان اكون كذلك، فاجعل توبتى هذه توبه لا احتاج بعدها الى توبه، توبه موجبه لمحو ما سلف، و السلامه فيما بقى) \par فسخ البيع و العهد: من باب نفع: نقضه، و موجبه من اوجبت الشى ء ايجابا اذا جعلته واجبا اى لازما، و منه موجبات رحمتك، و محو ما سلف اى مضى من الذنوب و المراد بمحوه: اما العفو و التجاوز عنه او محوه و ازالته من ديوان الحفظه الذين كتبوه عند صدوره منه، و السلامه: الخلوص من الافات، و المراد السلامه من الذنوب فيما بقى من العمر. \par و مدار هذا الفصل من الدعاء على سواله عليه السلام الثبات على توبته و حسم اسباب نقضها و جعل توبته مانعه الى العود الى ذنب بعدها كافيه فى العفو عما سلف منه وافيه باجتناب ما يجب الاجتناب عنه. و لا ريب فى ان التوبه اذا كانت بهذه المثابه كانت انجح و انصح كما \par
020    31    يدل عليه ما رواه ثقه الاسلام بسنده عن ابيعبدالله عليه السلام انه قال: ان الله يحب العبد المفتن التواب، و من لا يكون ذلك منه كان افضل، قال الزمخشرى فى الفايق: المفتن: الممتحن الذى فتن كثيرا، و قال ابن الاثير فى النهايه: و منه الحديث: المومن خلق مفتنا توابا اى ممتحنا يمتحنه الله بالذنب ثم يتوب ثم يتوب ثم يعود. \par تنبيه: قد يستفاد من قوله عليه السلام: فاجعل توبتى هذه توبه لا احتاج بعدها الى توبه عدم وجوب تجديد التوبه عند تذكر الذنب خلافا لمن ذهب الى ان المتذكر للذنب كالمقارف له فيجب عليه تجديد التوبه. \par قال الامدى: يدل على بطلان ذلك: انا نعلم بالضروره ان الصحابه و من اسلم بعد كفره كانوا يتذكرون ما كانوا عليه فى الجاهليه من الكفر و لم يجب عليهم تجديد الاسلام و لا امروا بذلك و كذلك فى كل ذنب وقعت التوبه عنه. \par
021    31    (جميع المعاذير لا ينفك عن ثلثه اوجه: اما ان يقول: لم افعل، او يقول...) \par (اللهم انى اعتذر اليك من جهلى، و استوهبك سوء فعلى: فاضممنى الى كنف رحمتك تطولا، و استرنى بستر عافيتك تفضلا) \par اعتذر من ذنبه: تنصل، و اعتذر اليه: طلب معذرته اى رفع اللوم عنه، و قيل: الاعتذار: محو اثر الذنب، و قال الراغب: المعتذر: هو المظهر لما يمحو به الذنب. \par و جميع المعاذير لا ينفك من ثلثه اوجه: اما ان يقول: لم افعل، او يقول: فعلت لاجل كذا فيبين ما يخرجه عن كونه ذنبا. او يقول: فعلت و لا اعود، فمن انكر و بين كذب ما نسب اليه فقد برئت ساحته، و ان فعل و جحد فقد يعد التغابى عنه كرما، و اياه قصد الشاعر بقوله: \par تغابى و مابك من غفله \par لفرط الحياء و فرط الكرم \par و من اقر فقد استوجب العفو لحسن ظنه بك، و ان قال: فعلت و لا اعود فهذا هو التوبه. اذا عرفت ذلك فقوله عليه السلام: اعتذر اليك، معناه: اما طلب العذر اى رفع اللوم من قولهم: عذرته فيما صنع عذرا من باب ضرب: رفعت عنه اللوم فهو معذور اى غير \par
021    31    ملوم و الاسم: العذر و المعذره، او طلب عفو الذنب باظهار ما يوجبه من الاقرار او التوبه على ما بينه الراغب، و المراد بالجهل هنا: ما يدعوا الى ارتكاب الذنب و هو عدم التفكر فى العاقبه و سمى جهلا من حيث عدم استعمال صاحبه ما معه من العلم بالعقاب و الثواب فكانه الجهل الذى هو عدم العلم، و بذلك فسر قوله تعالى: انما التوبه على الله للذين يعملون السوء بجهاله قال اكثر المفسرين: كل من عصى الله فهو جاهل و فعله جهاله. \par قال امين الاسلام الطبرسى: و هذا المعنى هو المروى عن ابيعبدالله عليه السلام فانه قال: كل ذنب عمله عبد و ان كان عالما فهو جاهل حين خاطر بنفسه فى معصيه ربه، فقد حكى الله سبحانه قول يوسف فى اخوته: هل علمتم ما فعلتم بيوسف و اخيه اذ انتم جاهلون فنسبهم الى الجهل لمخاطرتهم بانفسهم فى معصيه الله، و استوهبته الشى ء: سالته هبته اى اعطاه بلاعوض، و السوء بالضم: اسم من ساء الشى ء يسوء: اذا قبح، او من ساء يسوئه: اذا فعل به ما يكرهه، و الغرض سوال عفوه تعالى عن قبيح الفعل او مكروهه من غير استحقاق كما يدل عليه لفظ الاستيهاب. و ضممت الشى ء الى الشى ء: قبضته اليه و جمعته به، يقال ضممته الى صدرى: اذا لصقته به، و الكنف بفتحتين: الجانب و الناحيه و فى شرح جامع الاصول: كنف الانسان: ظله و حماه الذى ياوى اليه الخائف و الكلام استعاره تمثيليه او تصريحيه، و يحتمل ان يكون الكنف فى عباره الدعاء بمعنى الجناح فان جناح الطائر يسمى كنفا، و يويد هذا الاحتمال قوله: فاضممنى كما قال تعالى: و اضمم يدك الى جناحك اى ادخلها تحت عضدك فيكون المعنى: ادخلنى تحت جناح رحمتك و هو ايضا تمثيل او استعاره تصريحيه، و تطولا اى امتنانا و تفضلا، و ستره تعالى عباره عن عدم كشف مقابح العبد و سوء آثاره من الذنوب و المعاصى فى الدنيا و الاخره، و المراد بعافيته سبحانه: رفعه جميع المكروهات فى الظاهر و الباطن و الدين و الدنيا و الاخره، و هى مصدر جائت على فاعله من عافاه الله اذا رفع عنه ما يكرهه و مثلها الخاتمه بمعنى الختم و الكاشفه بمعنى الكشف، و تفضلا اى من غير استحقاق و حقيقه التفضل: اعطاء الفضل و هو الزياده ثم استعمل فى الاحسان من غير جزاء. \par
022    31    (الخطرات جمع خطره و هى.. و يسمى الخاطر و هو على اربعه اقسام) \par (اللهم و انى اتوب اليك من كل ما خالف ارادتك، او زال عن محبتك من خطرات قلبى، و لحظات عينى، و حكايات لسانى، توبه تسلم بها كل جارحه على حيالها من تبعاتك و تامن مما يخاف المعتدون من اليم سطواتك) \par خالفته مخالفه و خلافا و تخالف القوم و اختلفوا: ذهب كل واحد الى خلاف ما ذهب اليه الاخر، و الاسم: الخلف بالضم و المراد بارادته تعالى هنا: رضاه، و ازلت الشى ء عن موضعه ازاله نحيته عنه، و محبته سبحانه للعبد: ارادته لثوابه و تكميله و الاحسان اليه، قوله عليه السلام: من خطرات قلبى، من: بيانيه، و الخطرات: جمع خطره و هى ما يخطر و يرد على القلب مما ليس للعبد فيه تعمل و يسمى الخاطر: قال بعض العلماء و هو على اربعه اقسام: \par (الاول)- ربانى و هو اول الخواطر و هو لا يخطى ابدا و قد يعرف بالقوه و التسلط و عدم الاندفاع بالدفع. \par (الثانى)- ملكى و هو الباعث على مندوب او مفروض و بالجمله كل ما فيه صلاح و يسمى الهاما \par (الثالث)- نفسانى و هو ما فيه حظ للنفس و يسمى هاجا. \par (الرابع)- شيطانى و هو ما يدعو الى مخالفه الحق، قال الله تعالى: الشيطان يعدكم الفقر و يامركم بالفحشاء و قال النبى صلى الله عليه و آله لمه الشيطان تكذيب بالحق و ايعاد بالشر و يسمى وسواسا و يعبر بميزان الشرع فما فيه قربه فهو من الاولين و ما فيه كراهه او مخالفه شرعا فهو من الاخرين، و يشتبه فى المباحاه فما هو اقرب الى مخالفه النفس فهو من الاولين و ما هو اقرب الى الهوى و موافقه النفس فهو من الاخرين و الصادق الصافى القلب الحاضر مع الحق سهل عليه الفرق بينهما بتيسير الله و توفيقه، و لحظات العين: جمع لحظه و هى المره من لحظه و لحظ اليه لحظا من باب نفع اى رآه، و قيل هو النظر بموخر العينين عن يمين و يسار و المراد بها ما كان خارجا عن حدود الشريعه كالنظر الى محرم و كالاشاره باللحظ الى شخص ليعاب او ليضحك منه او ليظلم و كل تلك عن خواطر شيطانيه مخالفه لرضاء الله تعالى و محبته، و حكايات اللسان: جمع حكايه من حكى عنه الحديث \par
022    31    حكايه او نقله، و المراد بها ما تجاوز من القول حدود الله و خرج به الانسان عن مستقيم صراطه فانه مما يخالف رضاء الله تعالى و يزيل عن محبته فينبغى الاقلاع و التوبه عن مثل ذلك كله قبل تمكنه من النفس و تدنس جوهرها به، و على حيالها، بالكسر اى بانفرادها و تبعاته تعالى عباره عن الاعمال السيئه التى تكسب الاثام و توجب معاقبته تعالى عليها، قال فى محكم اللغه: التبعه و التباعه: ما فيه اثم يتبع به، و المعتدون: المتجاوزون لحدود الله تعالى، و اليم سطواتك، اى مولمها، و السطوات: جمع سطوه من سطا عليه و سطا به سطوا و سطوه اى صال عليه و قهره و اذله و هو البطش و الاخذ بعنف و شده. \par
023    31    (ارشد عليه السلام بهذه الفقرات الى ان من الواجب) \par (على المذنب دوام الانكسار و...) \par (اللهم فارحم وحدتى بين يديك، و وجيب قلبى من خشيتك، و اضطراب اركانى من هيبتك، فقد اقامتنى يا رب ذنوبى مقام الخزى بفنائك فان سكت لم ينطق عنى احد، و ان شفعت فلست باهل الشفاعه) \par الفاء للترتيب فى الذكر، و وحدتى اى انفرادى يقال وحد بالضم و حاده و وحده اى انفرد بنفسه فهو وحيد، و بين يديك اى تجاهك، و وجب القلب وجبا و وجيبا: رجف و خفق، و الاضطراب: التحرك و الاركان: جمع ركن و هو الجانب القوى من كل شى ء و المراد بها هنا: الاعضاء القويه لاستناد البدن اليها، و اركان كل شى ء: جوانبه التى يستند اليها و يقوم بها، و الخشيه و الهيبه فى اللغه بمعنى الخوف و فرق بعض العلماء بينهما: فقال: الخوف: توقع مكروه عن اماره، و الخشيه: خوف يشوبه تعظيم المخشى مع المعرفه و لذلك قال تعالى: من خشى الرحمن بالغيب و قال: انما يخشى الله من عباده العلماء و الهيبه: خوف داع للخضوع عن استشعار تعظيم و لذلك يستعمل فى كل محتشم، و الخزى: الذل و الهوان المقارن للندامه و الفضيحه، يقال: خزى خزيا من باب علم: ذل و هان، و الفناء بالكسر و المد: ما اتسع امام البيت، و قيل ما امتد جوانبه. \par و قد ارشد عليه السلام بهذه الفقرات الى ان من الواجب على المذنب دوام الانكسار و ملازمه التضرع و الاستغفار و استشعار الرجل الى الاجل. \par
024    31    (من شهد على نفسه زله واحده فلا يعتمدن على شى ء من حسناته و...) \par (اللهم صل على محمد و آله، و شفع فى خطاياى كرمك، وعد على سيئاتى بعفوك، و لا تجزنى جزائى من عقوبتك، و ابسط على طولك، و جللنى بسترك، و افعل بى فعل عزيز تضرع اليه عبد ذليل فرحمه، او غنى تعرض له عبد فقير فنعشه. \par شفعت اليه فى فلان فشفعنى فيه تشفيعا اى امضى شفاعتى فيه و قبلها، و عاد علينا فلان بمعروفه يعود عودا من باب قال: تفضل و تعطف، و الاسم: العائده، تقول: ما اكثر عائده فلان على قومه، و انه لكثير العوائد عليهم اى كثير الافضال و التعطف، و الجزاء: المكافاه على الشى ء جزاه به و عليه جزاء و هو يستعمل فى الخير و الشر يقال: جزاه الله خيرا و شرا و لذلك بينه عليه السلام بقوله: من عقوبتك. \par سئل عليه السلام او لا معاملته تعالى له بالكرم و الفضل ثم سئل عدم معاملته له بالعدل و لذلك قال بعضهم: من شهد من نفسه زله واحده فلا يعتمدن على شى ء من حسناته و ان كثرت صفت لان الزله مستلزمه للعقوبه بغير شرط و العفو مقرون بشرط التوبه و التوبه مقرونه بالقبول و القبول الى غيره ان شاء قبل و ان شاء رد فله الفضل اذا قبل مع عظيم معصيته و كفران حق نعمته و له العدل ان عاقب بعد الاستحقاق و تقدمه الاعذار و الانذار و بسط الله الرزق بسطا من باب قتل: و سعه و كثره، و الطول بالفتح: الفضل و الغنى و السعه، و جللت الشى ء اذا اغطيته و الستر بالكسر ما يستر به و هو تمثيل لاخفائه تعالى مساوى عباده. \par و فى بعض الاخبار: اذا اعطى العبد صحيفه اعمال يوم القيمه يجد تحت كل سيئه مكتوبه تاب باهرا بنوره ظلمه السيئه، فربما اتى العبد على عظيمه كان اقترفها يشق عليه النظر اليها فتدركه رحمه ربه فتستر عليه تلك العظيمه و يقال له جاوزها لانه كان قد دعاه ايام الحيوه فى الدنيا: يا عظيم الفعويا حسن التجاوز فاذا انتهى الى آخرها غفر له ما فيها و ستر عليه فيصير جميع ما فيها بياضا و نورا لان حسنه التوبه قد علته و اذهبته فينظر الخلق الى صحيفه حسناته فيقولون طوبى لهذا العبد لم يذنب قط ذنبا فعند ذلك يقول: هاوم اقروا كتابيه انى ظننت انى ملاق حسابيه فهو فى عيشه راضيه فى جنه عاليه \par
024    31    و العزيز: قيل من العزه و هى الرفعه و الامتناع و الشده و القوه و الغلبه، و قال الراغب: العزيز الذى ياتى تحمل المذله و اشتقاقه من العزاز و هو الارض الصلبه الشديده كانه حصل فى عزاز لا يلحقه فيه ذل و لاغضاضه، و تضرع له: ذل و خضع، و تعرض له: تصدى، و نعشه نعشا من باب منع: جبره بعد فقر و فى المحكم: نعشه الله و انعشه: سد فقره. \par
025    31    (مدار هذا الفصل من الدعاء على الفرار من الله الى الله و الاقبال عليه و..) \par (اللهم لا خفير لى منك فليخفرنى عزك. و لا شفيع لى اليك فليشفع لى فضلك. و قد او جلتنى خطاياى فليومنى عفوك) \par خفرت الرجل اخفره خفرا من باب ضرب و فى لغه من باب قتل: حميته و آجرته من طالب فانا خفير و الاسم: الخفاره بضم الخاء و كسرها، و عزته تعالى عباره عن غلبته و قهره فيقال: عزه يعزه عزا: اذا غلبه و قهره و منه: و عزنى فى الخطاب اى غلبنى، و فى المثل: من عز بز اى من غلب سلب، و لما كان الخفاره لا يقوم بها الا الغالب القاهر سئل عليه السلام ان يخفره عزه تعالى، و الشفيع: الشافع و شفعت الى فلان لفلان: سئلته ان يتجاوز عن ذنبه، و الفضل: الاحسان، و وجل وجلا من باب تعب خاف و يتعدى بالهمزه فيقال: اوجله و آمنه اذهب خوفه و عفى الله عفوا: محى ذنوبه. \par و مدار هذا الفصل من الدعاء على الفرار من الله الى الله و الاقبال عليه و توجيه وجه النفس الى كعبه وجوب وجوده تعالى. \par
026    31    (ذهب جمع كثير من ارباب العقل و الكشف ان لكل موجود) \par (حياتا و ادراكا...) \par (فما كل ما نطقت به عن جهل منى بسوء اثرى، و لا نسيان لما سبق من ذميم فعلى، لكن لتسمع سماوك و من فيها و ارضك و من عليها ما اظهرت لك من الندم، و لجات اليك فيه من التوبه، \par الفاء فصيحه اى اذا كان حالى على ما وصفت: من فقدان الخفير و الشفيع و ايجال الخطايا فما كل ما نطقت به عن جهل منى، الى آخره. \par و ذلك ان العبد المراقب لربه الخائف من ذنبه اذا علم اطلاع الله تعالى عليه و تحقق ان لا منجى منه الا اليه امتلاء قلبه هيبه و انقبضت نفسه حياء و ارتعدت فرائصه رهبه فاقتضى ذلك ان لا يطاوعه لسانه بلفظ و لا جنانه بمعنى و لا جوارحه بحركه فان فعل شيئا من ذلك فعله تكلفا و تعاطاه تعسفا و لذلك قال بعضهم ينبغى لمن ذكر ذنبا ان ييبس لسانه على حنكه من خشيه الله تعالى، و فى دعائهم عليهم السلام: اللهم ان كثره الذنوب يكف ايدينا عن انبساطها اليك بالسوال، و المداومه على المعاصى تمنعنا من التضرع و الابتهال، فكانه عليه السلام خشى ان ينكر عليه اتسائه فى الكلام بالتوبه و استرساله فى النطق بطلب المغفره فاخذ بالاعتذار عن ذلك و بيان الباعث له عليه، قوله عليه السلام: فما كل ما نطقت به، اى كل شى ء نطقت به عن اظهار الندم و التوبه و الانابه الى غير ذلك مما تقدم كل ذلك بقرينه السياق فتكون ما، نكره موصوفه بالجمله بعدها، و يحتمل ان تكون موصوله لان المراد بها الكلام و هو كالنكره فى المعنى فيفيد عموم الجزئيات لا الاجزاء، و نطق نطقا من باب ضرب: تكلم بصوت و حروف تعرف بها المعانى و الاسم: النطق بالضم، و سوء اثرى اى قبحه وردائته، و الاثر: العمل لانه يوثر عن صاحبه اى ينقل و يروى، او لان صاحبه يتسم به اخذا من الاثر بمعنى العلامه و السمه، او لان اثره يبقى فى صحايف الاعمال حسنا كان او قبيحا، و الاثر: بقيه الشى ء، و قيل هو العمل الذى يبقى سنه بعد عامله خيرا كان او شرا، و النسيان: الغفله عن معلوم فى حال اليقظه و الذميم فعيل بمعنى مفعول من ذممته اذمه ذما: خلاف مدحته فهو ذميم و مذموم اى غير محمود، و اسناد السمع الى السماء و الارض و عطف من فيها، و من عليها عليهما مما يدل على ان السمع متصور منهما حقيقه اذ لو حمل اسناده اليهما على الحقيقه لزم استعمال اللفظ فى المعنى المجازى و الحقيقى معا و هو مما لا مساغ له عند المحققين. \par و قد ذهب كثير من ارباب العقل و الكشف ان لكل موجود حيوتا و ادراكا يليق به ، و اجمع الطبيعيون على ان الاجرام العلويه ذوات نفوس مجرده ناطقه عاقله بذواتها و ذات ادراكات كليه و جزئيه مطيعه لمبدعها و خالقها، و لجا اليه: لاذبه و اعتصم، \par
027    31    فلعل بعضهم برحمتك يرحمنى لسوء موقفى، او تدركه الرقه على بسوء حالى فينالنى منه بدعوه هى اسمع لديك من دعائى، او شفاعه اوكد عندك من شفاعتى تكون بها نجاتى من غضبك و فوزتى برضاك). \par و الرقه: مصدر رق له قلبى اى حن عليه و اشفق و هى عباره عن تاثر القلب و انفعاله حال الغير او كيفيه تتبع التاثر، و نلته بخيرا ناله من باب تعب نبلا: اصبته، و الدعوه: المره من الدعاء. \par و وحد الضمير فى «بها» و لم يقل «بهما» لان او لاحد الشيئين كانه قيل تكون باحديهما نجاتى كقوله تعالى: و من يكسب خطيئه او اثما ثم يرم به بريئا و قوله تعالى: و ما انفقتم من نفقه او نذرتم من نذر فان الله يعلمه و قوله تعالى: و اذا را و اتجاره او لهوا انفضوا اليها فوحد الضمير لاتحاد المرجع بناء على كون العطف باو، لكنه راعى فى الايتين الاوليين القرب فاعاد الضمير مذكرا، و فى الايه الاخيره الاوليه فاعاده مونثا و اما قوله تعالى: ان يكن غنيا او فقيرا فالله اولى بهما فقال الزمخشرى فى الكشاف: فان قلت: لم ثنى الضمير فى اولى بهما. و كان حقه ان يوحد لان قوله: ان يكن غنيا او فقيرا فى معنى ان يكن احد هذين؟ قلت: قد رجع الضمير الى ما دل عليه قوله: ان يكن غنيا او فقيرا لا الى المذكور فلذلك ثنى و لم يفرد و هو جنس الغنى و جنس الفقير كانه قال: فالله اولى بجنس الغنى و الفقير اى بالاغنياء و الفقراء انتهى، و النجاه: الخلاص من الهلاك، يقال نجى منه نجاه اى خلص و الاسم النجاء بالفتح و المد و قد يقصر، و الفوزه: المره من الفوز و هو الظفر يقال: فاز بما امل يفوز فوزا اى ظفر به. \par
028    31    (ان الشرطيه قد تستعمل فى مقام الجزم لنكته، قال.. فى التبيان قد..) \par (اللهم ان يكن الندم توبه فانا اندم النادمين، و ان يكن الترك لمعصيتك انابه فانا اول المنيبين، و ان يكن الاستغفار اليك حطه للذنوب فانى لك من المستغفرين) \par ندم ندما و ندامه من باب تعب: اذا فعل شيئا ثم كرهه، و قيل: الندم: تمنى الانسان ان ما وقع منه لم يقع، و فى الحديث: الندم توبه، و اناب الى الله انابه: رجع اليه بالتوبه عن المعاصى، و الحطه بالكسر: فعله من الحط بمعنى الوضع كالجلسه من \par
028    31    الجلوس و الركبه من الركوب. و فى النهايه فى قوله عليه السلام: من ابتلاه الله فى جسده فهو له حطه اى تحط عنه خطاياه و ذنوبه و هى فعله من حط الشى ء يحطه: اذا انزله و القاه. \par فان قلت: ان الشرطيه تختص بالمستقبل المشكوك و قوعه نحو: ان تكرمنى اكرمك، و كون الندم توبه و الترك للمعصيه انابه و الاستغفار حطه امر مجزوم مقطوع به فما وجه هذا الشرط؟ \par قلت: قد نص ارباب البيان ان الاصل فى ان الشرطيه ان لا يجزم بشى ء من طرفى الشرط لكنها قد تستعمل فى مقام الجزم لنكته، قال الطيبى فى التبيان: قد تستعمل ان فى الجزم: اما للاحتياط كما اذا سئل العبد عن سيده هل هو فى الدار و هو يعلم انه فيها فيقول: ان كان فيها اخبرك فيحتاط بالتجاهل خوفا من السيد، و اما لتقرير وقوع الجزاء و تحققه نحو قول السلطان لمن هو تحت قهره ان كنت سلطانا انتقمت منك انتهى ملخصا بالمعنى. \par و عباره الدعاء من هذا الباب و النكته فيها اما الاحتياط و هو ظاهر و اما تقرير وقوع الجزاء و تحققه حيث علق ندمه و انابته و استغفاره بكينونه الندم توبه و ترك المعصيه انابه و الاستغفار حطه و ذلك امر متحقق ثابت بالنص و الاجماع فكان المعلق بها محققا ثابتا مثلها. \par و الحاصل انها قضيه شرطيه متصله حكم فيها باتصال تحقق التالى بتحقق المقدم فى نفس الامر اتصالا على سبيل اللزوم حتى اذا تحقق هذا فيه تحقق ذاك قطعا لكن المقدم متحقق فالتالى مثله، و قوله عليه السلام فانا اول المنيبين عباره عن مسارعته الى الاتصاف بالانابه من غير توقف و لا ابطاء، و الله اعلم. \par
029    31    (اللهم فكما امرت بالتوبه، و ضمنت القبول، و حثثت على الدعاء، و وعدت الاجابه، فصل على محمد و آله، و اقبل توبتى، و لا ترجعنى مرجع الخيبه من رحمتك انك انت التواب على المذنبين، و الرحيم للخاطئين المنيبين \par المراد بقوله: التوبه: اسقاط العقاب المترتب على الذنب الذى تاب منه، و سقوط العقاب بالتوبه مما اجمع عليه اهل الاسلام و انما الخلاف فى انه هل يجب على الله تعالى حتى لو عاقب بعد التوبه كان ظلما او هو تفضل بفضله سبحانه كرما منه و رحمه بعباده، المتعزله على الاول، و الاشاعره على الثانى، و اليه ذهب الشيخ ابوجعفر الطوسى فى كتاب الاقتصاد و العلامه جمال الدين فى بعض كتبه الكلاميه، و توقف المحقق الطوسى فى التجريد، و مختار الشيخين هو الظاهر، و دليل الوجوب مدخول. \par قال بعض ارباب القلوب: التائبون المنيبون على انواع: \par تائب يتوب من الذنوب و السيئات. \par و تائب يتوب من الزلل و الغفلات. \par و تائب يتوب من رويه الحسنات و مشاهده الطاعات. و المراد بالهدايه: الدعوه الى الحق و تعريف طريق الصواب، و انقذه و استنقذه من الشر: خلصه منه: و فيه تلميح الى قوله تعالى: و كنتم على شفا حفره من النار فانقذكم منها اى بان ارسل اليكم رسولا هديكم الايمان و دعاكم اليه فنجوتم باجابته من النار. \par روى ثقه الاسلام فى كتاب الروضه بسنده عن ابيعبدالله عليه السلام قال: كان ابوعبدالله عليه السلام اذا ذكر رسول الله صلى الله عليه و آله قال بابى و امى و قومى و عشيرتى عجبا للعرب كيف لا تحملنا على روسها و الله عز و جل يقول فى كتابه: و كنتم على شفا حفره من النار فانقذكم منها، فبرسول الله صلى الله عليه و آله انقذوا، و اسناد الشفاعه الى الصلوه مجاز عقلى للملابسه السببيه، و الفاقه: الحاجه اى وقت الحاجه، و العرب قد تطلق اليوم و تريد الوقت و الحين نهارا كان اوليلا فتقول ذخرتك لهذا اليوم اى لهذا الوقت الذى افتقرت اليك فيه، و الجمله من قوله عليه السلام: انك على كل شى ء قدير مستانفه لتعليل الدعاء فان كمال قدرته تعالى على جميع الاشياء موجب لقدرته تعالى على اجابه دعائه و انجاح ماموله و رجائه، و قوله عليه السلام: و هو عليك يسير، جمله تذييليه لمزيد استدعاء الاجابه اى و ما سالتك عليك سهل يسير لتحقق القدره التامه و قبول الماده، او كل شى ء عليك يسير هين لا يصعب عليك بكمال قدرتك. \par
030    31    اللهم صل على محمد و آله كما هديتنا به، و صل على محمد و آله كما استنقذتنا به، و صل على محمد و آله صلوه تشفع لنا يوم القيمه و يوم الفاقه اليك انك على كل شى ء قدير و هو عليك يسير) \par المراد بقوله: التوبه: اسقاط العقاب المترتب على الذنب الذى تاب منه، و سقوط العقاب بالتوبه مما اجمع عليه اهل الاسلام و انما الخلاف فى انه هل يجب على الله تعالى حتى لو عاقب بعد التوبه كان ظلما او هو تفضل بفضله سبحانه كرما منه و رحمه بعباده، المتعزله على الاول، و الاشاعره على الثانى، و اليه ذهب الشيخ ابوجعفر الطوسى فى كتاب الاقتصاد و العلامه جمال الدين فى بعض كتبه الكلاميه، و توقف المحقق الطوسى فى التجريد، و مختار الشيخين هو الظاهر، و دليل الوجوب مدخول. \par قال بعض ارباب القلوب: التائبون المنيبون على انواع: \par تائب يتوب من الذنوب و السيئات. \par و تائب يتوب من الزلل و الغفلات. \par و تائب يتوب من رويه الحسنات و مشاهده الطاعات. و المراد بالهدايه: الدعوه الى الحق و تعريف طريق الصواب، و انقذه و استنقذه من الشر: خلصه منه: و فيه تلميح الى قوله تعالى: و كنتم على شفا حفره من النار فانقذكم منها اى بان ارسل اليكم رسولا هديكم الايمان و دعاكم اليه فنجوتم باجابته من النار. \par روى ثقه الاسلام فى كتاب الروضه بسنده عن ابيعبدالله عليه السلام قال: كان ابوعبدالله عليه السلام اذا ذكر رسول الله صلى الله عليه و آله قال بابى و امى و قومى و عشيرتى عجبا للعرب كيف لا تحملنا على روسها و الله عز و جل يقول فى كتابه: و كنتم على شفا حفره من النار فانقذكم منها، فبرسول الله صلى الله عليه و آله انقذوا، و اسناد الشفاعه الى الصلوه مجاز عقلى للملابسه السببيه، و الفاقه: الحاجه اى وقت الحاجه، و العرب قد تطلق اليوم و تريد الوقت و الحين نهارا كان اوليلا فتقول ذخرتك لهذا اليوم اى لهذا الوقت الذى افتقرت اليك فيه، و الجمله من قوله عليه السلام: انك على كل شى ء قدير مستانفه لتعليل الدعاء فان كمال قدرته تعالى على جميع الاشياء موجب لقدرته تعالى على اجابه دعائه و انجاح ماموله و رجائه، و قوله عليه السلام: و هو عليك يسير، جمله تذييليه لمزيد استدعاء الاجابه اى و ما سالتك عليك سهل يسير لتحقق القدره التامه و قبول الماده، او كل شى ء عليك يسير هين لا يصعب عليك بكمال قدرتك. \par
001    32    الدعاء الثانى و الثلاثون \par من ادعيه الصحيفه السجاديه: و هو دعائه عليه السلام بعد الفراغ من صلوه الليل \par \par
001    32    بسم الله الرحمن الرحيم \par (القول فى ركعات صلوه الليل و وقتها) \par (اعلم ان) صلوه الليل تطلق فى الاحاديث تاره على الركعات الثمان و احرى على الاحدى عشره باضافه الشفع و الوتر، و اخرى على الثلث عشره باضافه ركعتى الفجر، و على هذا فيحتمل قرائه الدعاء بعد الثمان و بعد الاحدى عشره و بعد الثلث عشره فلو نذر قرائته او قرائه غيره بعد صلوه الليل برئت ذمته بعد كل منها ما لم يقصد معينا و قد اورده شيخنا البهائى رحمه الله بعد ركعتى الفجر فى المفتاح تبعا لشيخ الطائفه فى المصباح فقال: و ينبغى ان تدعو بعد فراغك من صلوه الليل اعنى الثلث عشره ركعه بما كان يدعو به سيد العابدين عليه السلام و هو من ادعيه الصحيفه و اورد الدعاء و ذكره الكفعمى بعد صلوه الوتر. \par و قد اجمع علمائنا على ان اول وقت صلوه الليل انتصاف الليل و انها كلما قربت من الفجر الثانى كانت افضل فان طلع الفجر و قد تلبس باربع منها اتمها مخففه بالحمد اداء و المشهور تجويز تقديمها على الانتصاف لذى العذر و قضائها افضل من تقديمها. \par (الموجودات كلها مملكه واحده له تعالى و هو صاحبها و مالكها) \par (و بيان ذلك) \par
001    32    اللهم يا ذا الملك المتابد بالخلود، \par الملك بالضم يطلق على الولايه العامه على الخلق و يعبر عنه بالسلطنه و على المملكه و مملكته تعالى عباره عن الموجودات كلها و هو صاحبها و مالكها. \par قال الغزالى: الموجودات كلها مملكه واحده له تعالى و هو صاحبها و مالكها \par و انما كانت الموجودات كلها مملكه واحده لانها مرتبه بعضها ببعض فانها و ان كانت كثيره من وجه فلها وحده، و مثالها: بدن الانسان فانه مملكه لحقيقه الانسان و هى اعضاء كثيره مختلفه و لكنها كالمتعاونه على تحقيق غرض مدبر واحد فكذلك العالم كله لشخص واحد و اجزاء العالم كاعضائه و هى مقارنه على مقصود واحد و هو اتمام غايه الخير الممكن وجوده على ما اقتضاه الجود الالهى و لاجل انتظامها على ترتيب منسق و ارتباطها رابطه واحده كانت مملكه واحده و الله تعالى صاحبها و مالكها انتهى، و المتابد: اسم فاعل من تابد الشى ء تابدا: بقى على الابد و هو استمرار الوجود فى ازمنه مقدره غير متناهيه فى المستقبل، و الخلود: دوام البقاء يقال خلد الشى ء خلودا من باب قعد، قال الزمخشرى الخلد: الثبات الدائم و البقاء اللازم الذى لا ينقطع قال الله تعالى: و ما جعلنا لبشر من قبلك الخلد افان مت فهم الخالدون انتهى، و هذا المعنى هو المراد هنا و قيل: هو فى الاصل: الثبات المديد دام او لم يدم و قد تقدم الكلام على ذلك و الباء للملابسه اى متلبسا بالخلود. \par (انه تعالى لا يخلو من الملك قبل انشائه و بعد فنائه) \par فان قلت: ما المراد بالملك المتابد بالخلود امعنى السلطنه ام معنى المملكه؟ \par قلت: كل من المعنيين محتمل فان حملناه على معنى السلطنه فوجه اتصافها بالخلود ان سلطنته تعالى بعلمه و قدرته على الممكنات عند اصحاب العصمه سواء وجد الممكنات ام لا فهى لم تزل و لا تزال، و ان حملناه على معنى المملكه فخلودها باعتبار انه تعالى لم يكن زمانا و لا زمانيا و لا مكانا و لا مكانيا و لا امتداد فيه كانت نسبته الى ملكه و هو الموجودات العينيه قبل انشائها و حال انشائها و بعد فنائها نسبه واحده لا تقدم و لا تاخر فيها بل كلها حاضره عنده لا باعتبار انها كانت فى الازل او تكون معه فيما لا يزال لبطلان ذلك بل باعتبار انه لا يجرى فيه زمان و احكامه و ان نسبته الى الازل و الابد و الوسط واحده فالعقل الصحيح اذا تجرد عن شبهات الاوهام و لواحق الزمان و لا حظ انه لا امتداد فى قدس وجود الحق يحكم حكما جازما بانه تعالى لا يخلو من الملك قبل انشائه و بعد فنائه. \par (ان الله عز و جل ليس فى زمان و لا مكان بل هو محيط بهما و..) \par هكذا قرره بعض المحققين من اصحابنا المتاخرين فى بيان قول اميرالمومنين عليه السلام فى خطبه الطالوتيه و لا كان خلوا قبل انشائه و لا يكون خلوا منه بعد ذهابه. \par و لبعض ارباب العرفان من اصحابنا تقرير آخر فى بيان ذلك، فانه قال: بيان ذلك و تحقيقه: \par ان المخلوقات و ان لم تكن موجوده فى الازل لانفسها و بقياس بعضها الى بعض على ان يكون الازل ظرفا لوجوداتها كذلك، الا انها موجود فى الازل لله سبحانه وجودا جميعا وحدانيا غير متغير بمعنى ان وجوداتها اللايزاليه الحادثه ثابته لله سبحانه فى الازل كذلك، و هذا كما ان الموجودات الذهنيه موجوده فى الخارج اذا قيدت بقيامها بالذهن و اذا اطلقت من هذا القيد فلا وجود لها الا فى الذهن فالازل يسع القديم و الحادث و الازمنه و ما فيها و ما خرج عنها و ليس الازل كالزمان و اجزائه محصورا مضيقا يغيب بعضه عن بعض و يتقدم جزء و يتاخر آخر فان الحصر و الضيق و الغيبه من خواص الزمان و المكان و ما يتعلق بهما و الازل عباره عن اللازمان السابق على الزمان سبقا غير زمانى و ليس بين الله سبحانه و بين العالم بعد مقدر لانه ان كان موجودا يكون من العالم و الا لم يكن شيئا و لا ينسب احد هما الى الاخر من حيث الزمان بقبليه و لا بعديه و لا معيه لانتفاء الزمان عن الحق و عن ابتداء العالم فسقط السوال بمتى عن العالم كما هو ساقط عن وجود الحق لان متى سوال عن الزمان و لا زمان قبل العالم فليس الا وجود بحت خالص ليس من العدم و هو وجود الحق و وجود من العدم و هو وجود العالم فالعالم حادث فى غير زمان و انما يتعسر فهم ذلك على الاكثرين لتوهمهم الازل جزء من الزمان يتقدم ساير الاجزاء و ان لم يسموه بالزمان فانهم اثبتوا له معناه و توهموا ان الله سبحانه فيه و لا موجود فيه سواه ثم اخذ يوجد الاشياء شيئا فشيئا فى اجزاء اخر منه، و هذا توهم باطل و امر محال فان الله عز و جل ليس فى زمان و لا مكان بل هو محيط بهما و بما فيهما و ما معهما و ما تقدمهما، قال: و تحقيق المقام يقتضى بسطا من الكلام لا تسعه العقول المشوبه بالاوهام و نحن نشير الى لمعه منه لمن كان من اهله فنقول: \par (المكان و المكانيات بالنسبه الى الله سبحانه كنقطه واحده فى..) \par ليعلم ان نسبه ذاته سبحانه الى مخلوقاته تمتنع ان يختلف بالمعيه و اللامعيه و الافتكون بالفعل مع بعض و بالقوه مع آخرين فتتركب ذاته سبحانه من جهتى فعل و قوه و تتغير صفاته حسب تغير التجددات المتعاقبات تعالى عن ذلك بل نسبه ذاته التى هى فعليه صرفه و غناء محض من جميع الوجوه الى الجميع و ان كان من الحوادث الزمانيه نسبه واحده و معيه قيوميه ثابته غير زمانيه و لا متغيره اصلا و الكل بفنائه بقدر استعداداتها مستغنيات كل فى وقته و محله و على حسب طاقته و انما فقرها و فقدها و نقصها بالقياس الى ذواتها و قوابل ذواتها و ليس هناك امكان و قوه البته فالمكان و المكانيات باسرها بالنسبه الى الله سبحانه كنقطه واحده فى معيه الوجود، و السموات مطويات بيمينه و الزمان و الزمانيات بآزالها و آبادها كان واحد عنده فى ذلك جف القلم بما هو كائن ما من نسمه كائنه الاهى كائنه و الموجودات كلها شهادياتها و غيبياتها كموجود واحد فى الفيضان عنه، ما خلقكم و لا بعثكم الاكنفس واحده و انما التقدم و التاخر و التجدد و التصرم و الحضور و الغيبه فى هذه كلها بقياس بعضها الى بعض، و فى مدارك المحبوسين فى مطموره الزمان المسجونين فى سجن المكان لا غير، و ان كان هذا مما تستغر به الاوهام و يشمئز منه قاصروا الافهام، و اما قوله تعالى: كل يوم هو فى شان فهو كما قاله بعض اهل العلم انها شئون يبديها لا شئون يبتديها، و لعل من لم يفهم بعض هذه المعانى يضطرب فيصول و يرجع فيقول كيف يكون وجود الحادث فى الازل، ام كيف يكون المتغير فى نفسه ثابتا عند ربه، ام كيف يكون الامر المتكثر المتفرق وحدانيا جميعا، ام كيف يكون الامر الممتداعنى الزمان واقعا فى غير الممتداعنى اللازمان مع القابل الظاهر بين هذه الامور؟ \par فلنمثل له بمثال حسى يكسر سوره استبعاده فان مثل هذا المعترض لم يتجاوز بعد درجه الحس و المحسوس فلياخذ شيئا محتدا كحبل او خشب مختلف الاجزاء فى اللون ثم ليمرره فى محاذاه نمله او نحوها مما تضيق حدقته عن الاحاطه بجميع ذلك الامتداد فان تلك الالوان المختلفه متعاقبه فى الحضور لديها تظهر لها شيئا فشيئا واحدا بعد آخر لضيق نظرها و متساويه فى الحضور لديه يراها كلها دفعه لقوه احاطه نظره و سعه حدقته و فوق كل ذى علم عليم \par
002    32    و السلطان الممتنع بغير جنود و لا اعوان، \par و الاعوان: جمع عون بالفتح و هو الظهير و المعين على الامر، و فى محكم اللغه: العون: الظهير، الواحد و المثنى و الجمع و المونث فيه سواء و قد حكى فى تكسيره اعوان و فى الاساس: هولاء عونك و اعوانك و هذه عونك، و وصف سلطانه تعالى بالامتناع بلا جنود و لا اعوان تنزيه له تعالى عن الاستغناء بالغير اذ كان ذلك من لوازم الضعف و العجز و النقصان و انما يحتاج الى الجنود و الاعوان ذو العجز و النقصان فى ملكه الذى لا يستطيع ان يمتنع بنفسه دون الاستعانه بغيره و هو سبحانه المنزه عن الضعف و العجز و الغنى المطلق فى كل شى ء عن كل شى ء، \par
003    32    و العز الباقى على مر الدهور و خوالى الاعوام و مواضى الازمان و الايام) \par (بقاء عزه تعالى عباره عن بقاء قدرته و غلبته على الممكنات و...) \par و العز: خلاف الذل و الغلبه و الرفعه و الامتناع و رجل عزيز: منيع لا يغلب و لا يقهر، و بقى الشى ء من باب رضى بقاء بالمد: لم ينفد و لم يفن. و مر يمر مرورا: ذهب اى الباقى مع ذهاب الدهور و انقضائها و هى جمع دهر بمعنى الزمان الطويل و جمعه باعتبار اجزائه التى كل واحد منها زمان، و قال الفارسى الدهر: زمان من ليل و نهار و ليس بينهما فرق الا ان فى الدهر ازمنه كثيره، و خوالى الاعوام: مواضيها: جمع خاليه من خلا بمعنى مضى، و منه قوله تعالى: بما اسلفتم فى الايام الخاليه و اضافتها الى الاعوام: من اضافه الصفه الى الموصوف، و الاعوام: السنون، و الازمان: جمع زمن كسبب و اسباب و هو اسم لقليل الوقت و كثيره كالزمان و بقاء عزه تعالى عباره عن بقاء قدرته و غلبته على الممنكات و ذلك عين ذاته سبحانه فاستحال ان يسبقه عدم او يلحقه انقطاع بل هو باق ازلا و ابدا و ان مرت الدهور و الاعوام و مضت الزمان و الايام اذ لا غايه له من الزمان ينتهى اليها و لا مده مضروبه منه يقف عليها \par
003    32    كما يكون للزمانيات من زمانها، لان الدهور و الازمان و الاعوام و الايام من جمله مخلوقاته، نصا على ان المراد بالباقى فى صفته تعالى هو بمعنى الدائم، فثبت انه تعالى باق دائم على مر الدهور و الازمان، و لما كان البقاء لغه اعم من الدوام الذى هو استمرار الوجود بلا انقطاع قيد عليه السلام الباقى بقوله: على مر الدهور. \par تبصره: قال جدنا العلامه استاذ البشر السيد غياث الدين منصور فى تذكرته: الواجب بالذات ممتنع العدم دائما لانه واجب الوجود دائما، و كل واجب الوجود دائما ممتنع العدم لان كل ما كان واجب الوجود لذاته فى وقت فهو واجب الوجود فى جميع الاوقات ازلا و ابدا مادام الذات، لان الواجب بالذات ما يكون مجرد ذاته كافيا فى كونه واجب الوجود و كل ما كان مجرد ذاته كافيا فى كونه واجبا وجب وجوده فى كل وقت اذ لو وجد فى وقت دون وقت آخر لزم الترجيح بلا مرجح او الوقوع بلا سبب. \par
004    32    (عز سلطانك عزا لاحد له باوليه، و لا منتهى له بآخريه، \par العز: الرفعه و الغلبه و الامتناع، و الحد: مصدر حد الشى ء حدا: اذا ميزه بغايه ينتهى اليها، و المراد بالاوليه و الاخريه: الابتداء و الانتهاء، فان ياء النسبه اذا لحقت آخر الاسم و بعدها هاء التانيث افادت معنى المصدر نحو: الانسانيه، و الباء للملابسه فى الموضعين اى لا حد له متلبسا باوليه و لا منتهى له متلبسا بآخريه، و المعنى انه لا اول له هو مبتدائه و لا آخر له يقف عنده و ينتهى اليه بل هو دائم سرمدى لانه ممتنع العدم دائما كما عرفت (آنفا) و كل ما امتنع عدمه كان سرمديا ضروره اى لا اول له و لا آخر له، و عز سلطانه جل شانه عباره عن تمام قدرته الباهره و كمال غلبته القاهره و ذلك عين ذاته المقدسه و لذلك وصفه بالسرمديه، \par (سوال و جواب) \par فان قلت: قوله عليه السلام: ادنى ما استاثرت به من ذلك يقتضى ان عز سلطانه و علو ملكه ينقسم الى ادنى و اعلى فيلزم ان يتطرق اليه الزياده و النقصان و لا شى ء من كمال الواجب الاول سبحانه كذلك لتنزهه عن النقصان و التفاوت بوجه ما؟ \par قلت: هو اما على حذف مضاف اى ادنى نعت ما استاثرت به، و اما على ان الدنو و العلو و التفضيل فيهما انما هو بالاضافه الى نظر الناظرين، و معقولهم بحسب القدره و آثارها، و الا فعز السلطان و علو الملك اللذان هما عباره عن تمام الاقتدار و كمال القدره لا تفاوت فيه راسا و على ذلك جرى قوله تعالى: و هو الذى يبدوا الخلق ثم يعيده و هو اهون عليه \par اى بالاضافه الى نظركم و قياسكم من ان الاعاده اهون من الابتداء و الا فهما عليه سواء لا تفاوت فى قدرته القاهره عليهما حتى يقع التفضيل على حده، و مثله قوله تعالى: لخلق السموات و الارض اكبر من خلق الناس اى بالاضافه الى عقول البشر و اذعانها بانها خلق عظيم لا يقادر قدره، و خلق الناس بالقياس اليه شى ء قليل مهين و الا فالخلقان عند قدرته عز و جل على حد سواء. \par اذا عرفت ذلك فالمراد بادنى ما استاثر به من ذلك قدرته المتعلقه بادنى مقدوراته عند بديهه العقل كالبعوضه مثلا فان فى خلقها من العجائب و الغرائب و الاعجاز ما تقصر عن معرفه الطريق اليه ارباب الالباب، و تتحير فى كيفيه حكمه الحكماء و تتناهى دون علم ذلك عقول العقلاء و ترجع خاسئه حسيره مقهوره معترفه بالعجز عن الاطلاع على كنه صنعه فى انشائها مقره بالقصور عن نعت حقيقه ايجادها و تكوينها. \par
005    32    و استعلى ملكك علوا سقطت الاشياء دون بلوغ امده، \par و استعلى الشى ء: علا اى ارتفع، و سقط الشى ء سقوطا من باب قعد: وقع من اعلى الى اسفل، و دون: نقيض فوق و هو تقصير عن الغايه، و الامد: الغايه، و سقوط الاشياء دون بلوغ امده، اى قبل الوصول الى غايه \par علو ملكه، عباره عن عجزها و قصورها عن ادراك ما لقدرته من التمام و الكمال الذى لا نهايه له، و قوله عليه السلام: و لا يبلغ ادنى ما استاثرت به من ذلك اقصى نعت الناعتين، ادنى: افعل تفضيل من دنى يدنوا دنوا بمعنى قرب، و استاثر الشى ء: استبد به و خص به نفسه و الاقصى: الابعد، و نعته نعتا من باب نفع: وصفه. \par و الاشاره «بذلك» الى عز سلطانه و علو ملكه جل شانه و ما فيه من معنى البعد مع قرب العهد بالمشار اليه للايذان ببعده فى مراتب العلو و كونه فى الغايه القصوى من العظمه و الجلال تنزيلا لبعد درجته و رفعه محله منزله بعد المسافه، و المعنى: ان غايه نعت جميع الناعتين لان الجمع المحلى باللام يفيد الاستغراق لا تدرك ادنى ما خص به نفسه تعالى من عز السلطان و علو الملك، لان الناعتين ان بالغوا فى النعت و انتهوا فيه الى اقصى غاياته لم ينعتوه بما هو نعته، و لم يصفوه بما هو حقه و لم ينالوا حقيقه و صفه على الوجه اللائق به. \par لان لسان النعت و التعبير انما يخبر عما فى الضمير، و كل ما هو فى الضمير مخلوق مثله كما دل عليه قول الباقر عليه السلام: كل ما ميز تموه باوهامكم فى ادق معانيه مصنوع مثلكم مردود اليكم. \par (سوال و جواب) \par فان قلت: قوله عليه السلام: ادنى ما استاثرت به من ذلك يقتضى ان عز سلطانه و علو ملكه ينقسم الى ادنى و اعلى فيلزم ان يتطرق اليه الزياده و النقصان و لا شى ء من كمال الواجب الاول سبحانه كذلك لتنزهه عن النقصان و التفاوت بوجه ما؟ \par قلت: هو اما على حذف مضاف اى ادنى نعت ما استاثرت به، و اما على ان الدنو و العلو و التفضيل فيهما انما هو بالاضافه الى نظر الناظرين، و معقولهم بحسب القدره و آثارها، و الا فعز السلطان و علو الملك اللذان هما عباره عن تمام الاقتدار و كمال القدره لا تفاوت فيه راسا و على ذلك جرى قوله تعالى: و هو الذى يبدوا الخلق ثم يعيده و هو اهون عليه \par اى بالاضافه الى نظركم و قياسكم من ان الاعاده اهون من الابتداء و الا فهما عليه سواء لا تفاوت فى قدرته القاهره عليهما حتى يقع التفضيل على حده، و مثله قوله تعالى: لخلق السموات و الارض اكبر من خلق الناس اى بالاضافه الى عقول البشر و اذعانها بانها خلق عظيم لا يقادر قدره، و خلق الناس بالقياس اليه شى ء قليل مهين و الا فالخلقان عند قدرته عز و جل على حد سواء. \par اذا عرفت ذلك فالمراد بادنى ما استاثر به من ذلك قدرته المتعلقه بادنى مقدوراته عند بديهه العقل كالبعوضه مثلا فان فى خلقها من العجائب و الغرائب و الاعجاز ما تقصر عن معرفه الطريق اليه ارباب الالباب، و تتحير فى كيفيه حكمه الحكماء و تتناهى دون علم ذلك عقول العقلاء و ترجع خاسئه حسيره مقهوره معترفه بالعجز عن الاطلاع على كنه صنعه فى انشائها مقره بالقصور عن نعت حقيقه ايجادها و تكوينها. \par
006    32    و لا يبلغ ادنى ما استاثرت به من ذلك اقصى نعت الناعتين) \par (سوال و جواب) \par فان قلت: قوله عليه السلام: ادنى ما استاثرت به من ذلك يقتضى ان عز سلطانه و علو ملكه ينقسم الى ادنى و اعلى فيلزم ان يتطرق اليه الزياده و النقصان و لا شى ء من كمال الواجب الاول سبحانه كذلك لتنزهه عن النقصان و التفاوت بوجه ما؟ \par قلت: هو اما على حذف مضاف اى ادنى نعت ما استاثرت به، و اما على ان الدنو و العلو و التفضيل فيهما انما هو بالاضافه الى نظر الناظرين، و معقولهم بحسب القدره و آثارها، و الا فعز السلطان و علو الملك اللذان هما عباره عن تمام الاقتدار و كمال القدره لا تفاوت فيه راسا و على ذلك جرى قوله تعالى: و هو الذى يبدوا الخلق ثم يعيده و هو اهون عليه \par اى بالاضافه الى نظركم و قياسكم من ان الاعاده اهون من الابتداء و الا فهما عليه سواء لا تفاوت فى قدرته القاهره عليهما حتى يقع التفضيل على حده، و مثله قوله تعالى: لخلق السموات و الارض اكبر من خلق الناس اى بالاضافه الى عقول البشر و اذعانها بانها خلق عظيم لا يقادر قدره، و خلق الناس بالقياس اليه شى ء قليل مهين و الا فالخلقان عند قدرته عز و جل على حد سواء. \par اذا عرفت ذلك فالمراد بادنى ما استاثر به من ذلك قدرته المتعلقه بادنى مقدوراته عند بديهه العقل كالبعوضه مثلا فان فى خلقها من العجائب و الغرائب و الاعجاز ما تقصر عن معرفه الطريق اليه ارباب الالباب، و تتحير فى كيفيه حكمه الحكماء و تتناهى دون علم ذلك عقول العقلاء و ترجع خاسئه حسيره مقهوره معترفه بالعجز عن الاطلاع على كنه صنعه فى انشائها مقره بالقصور عن نعت حقيقه ايجادها و تكوينها. \par
007    32    (التكبر صفه مدح لله تعالى و ذم لغيره، و بيان ذلك) \par (ضلت فيك الصفات، و تفسخت دونك النعوت، و حارت فى كبريائك لطائف الاوهام، \par ضل الرجل يضل من باب ضرب ضلالا و ضلاله: عدل عن الطريق فلم يهتد اليه و الضلال فى الدين: العدول عن الحق، و تفسخت الفاره فى الماء: تقطعت، و تفسخ الفصيل تحت الحمل الثقيل: ضعف و عجز، و المعنى ان الصفات لم تهتد الى طريق ما يجب له و يليق بشانه تعالى عن مراتب الكمال لان ذلك موقوف على تعلقها كما هى و هو بعيد عن مدارك العقل الواهى، و كذلك النعوت تقطعت او ضعفت و عجزت قبل الوصول الى ما يستحقه جل شانه من المدح و الثناء فهى و ان بولغ فيها بالتعظيم و التكريم كان له عز شانه وراء ذلك اطوار من استحقاق المدحه و الثناء تقف دونها بمراحل، كما قال سيد المرسلين عليه الصلوه و السلام: لا احصى ثناء عليك انت كما اثنيت على نفسك، و حار فى امره يحار حيره من باب تعب: لم يدر وجه الصواب، و الكبرياء: الشرف و العظمه و التجبر كالكبر و صاحبها متكبر و هى صفه مدح لله تعالى و ذم لغيره: \par و ذلك ان حقيقه الكبر هيئه نفسانيه تنشا من تصور الانسان فى نفسه امرين: احدهما كونه اكمل من غيره، و الثانى كونه اعلى رتبه ممن سواه، و لما كان هذان الاعتباران انما يصدقان حقيقه على الله سبحانه لعلمه بكمال ذاته المقدسه و شرفه و علوه على مخلوقاته كان الكبر و الكبرياء له صفه مدح و لغيره صفه ذم. \par و لذلك ورد فى الحديث عن النبى صلى الله عليه و آله: يقول الله عز و جل: الكبرياء ردائى و العظمه ازارى فمن نازعنى واحدا منهما القيته فى جهنم، و الاوهام: جمع وهم و هى قوه جسمانيه من شانها ادراك المعانى الجزئيه المتعلقه بالمحسوسات: كشجاعه زيد و سخاوه عمرو، و هذه القوه هى التى تحكم فى الشاه بان الذئب مهروب عنه، و ان الولد معطوف عليه، و هى قوه حاكمه على القوى الجسمانيه كلها مستخدمه اياها استخدام العقل للقوى العقليه باسرها، و اضافه اللطائف الى الاوهام: اما من باب اضافه النوع الى الجنس مثل اكابر الناس اى ما لطف ورق، او من باب اضافه الفعل الى الفاعل اى ما لطف ورق من ملاحظه الاوهام و مداركها و على كل تقدير فالغرض تنزيه ساحه كبريائه تعالى عن مدارك الاوهام. \par
008    32    كذلك انت الله الاول فى اوليتك، و على ذلك انت دائم لا تزول). \par (تحقيق اوليته و آخريته تعالى) \par قوله عليه السلام: كذلك انت الله الاول فى اوليتك، كلام مستاتف للثناء عليه سبحانه بثبوت ما ذكر من الممادح له جل شانه ازلا و ابدا لان صفه القديم لا يكون الاقديمه لان القديم لا يحدث له شى ء و لا يزول عنه شى ء كما عرف فى محله، و ذلك اشاره الى جميع ما ذكره عليه السلام من الصفات و النعوت، و ما فيه من معنى البعد للاشعار ببعد مرتبته فى الشرف و العلو، و الاوليه: عدم المسبوقيه بالغير مع السابقيه على الكل و التشبيه بكذلك: من باب تشبيه الشى ء بنفسه فى حالين لان الغرض بيان ثبوت ذلك له سبحانه ازلا كثبوته له حالا، و قوله عليه السلام: و على ذلك انت، بيان لثبوته له ابدا فانت مبتدا و على ذلك خبر و دائم عطف بيان او بدل كاحد من قل هو الله احد و جمله: لا تزول، نعت لدائم تقتضى توكيده كنفخه واحده لدفع توهم كون المراد بالدوام طول البقاء لاشتهار ذلك \par
008    32    عرفا نحو قولهم ادام الله عزك. \par فان قلت: قد ورد فى كثير من الروايات عن اهل البيت عليهم السلام نفى الاوليه و الاخريه عنه تعالى كقول اميرالمومنين عليه السلام: سبحان الذى ليس له اول مبتدا و لا غايه منتهى و كقول سيد العابدين عليه السلام فيما تقدم من هذا الدعاء: عز سلطانك عزا لاحد له باوليه، فكيف اثبت له الاوليه هنا؟ \par قلت: المراد بالاوليه و الاخريه المنفيين عنه عز شانه: هما الزمانيتان المعبر عنهما بالابتداء و الانتهاء و المراد بالاوليه و الاخريه اللتين تثبتان له كونه قبل وجود الممكنات و بقائه بعد فنائها و ان اوليته عباره عن قدمه و آخريته عباره عن استحاله عدمه فلا منافاه فى اثباتهما له و نفيهما عنه تعالى. \par
009    32    (فى هاتين الفقرتين اشاره الى امور..) \par (و انا العبد الضعيف عملا، الجسيم املا، خرجت من يدى اسباب الوصلات الا ما وصله رحمتك، و تقطعت عنى عصم الامال الا ما انا معتصم به من عفوك) \par ضعف العمل قد يكون من جهه الكميه كقله الحسنات، و قد يكون من جهه الكيفيه كعدم خلوصه من الشوائب و ضعفه من هذه الجهه اشد ضررا من ضعفه من الجهه الاولى. و جسم جسامه مثل ضخم ضخامه: عظم فهو جسيم و اصله فى الجسم و هو الجسد ثم استعمل فى المعانى مجازا، قال فى الاساس: و من المجاز امر جسيم و هو من اجسام الامور و جسميات الخطوب، و الامل: الطمع و الرجاء و عرف بانه ارتياح النفس لانتظار ما هو محبوب عندها، و المراد به هنا: الامل لرحمه الله تعالى و عفوه و رضوانه. \par و فى هاتين الفقرتين اشاره الى امور: \par احدها- الاقرار بالتقصير فى العمل و هو من اشرف مقامات العبوديه لشرف مبداء و ثمرته: اما مبداه فهو استشعار عظمه الله سبحانه و عز جلاله فان من اشعر قلبه عظمه ربه و جلال كبريائه علم ان ليس احد و ان اشتد فى طلب مرضاه الله حرصه و طال فى العمل اجتهاده ببالغ حقيقه ما الله سبحانه اهله من الطاعه له حتى ان الانبياء و الاوصياء عليهم السلام مع اتيانهم بما هو المطلوب من الانسان على نهايه ما يتصور من القدره و الامكان اعترفوا \par
009    32    بالتقصير و نظروا الى اعمالهم بعين التحقير، و فى الصحيح ان الكاظم عليه السلام قال لبعض ولده يا بنى! عليك بالجد لا تخرجن نفسك عن حد التقصير فى عباده الله عز و جل و طاعته فان الله لا يعبد حق عبادته، و اما ثمرته فنفى العجب الذى هو من المهلكات كما قال عليه السلام: ثلث مهلكات: شح مطاع. و هوى متبع، و اعجاب المرء بنفسه، و اثبات الذل و الانكسار فان من عرف تقصير نفسه و ضعف عمله كان فى مقام الذل و الحاجه و الانكسار و لا عبوديه اشرف منها. \par ثانيها- استضعاف العمل تفاديا عن الاتكال عليه و الاخلاد اليه فى النجاه و الفوز بنيل الدرجات. بل الرجاء لفضل الله و رحمته و الوثوق بمنته و كرمه هو السبب الاقوى و الذريعه العظمى، كما جاء فى الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه و آله انه قال قال تبارك و تعالى: لايتكل العاملون على اعمالهم التى يعملونها لثوابى فانهم لو اجتهدوا و تعبوا انفسهم و اعمارهم فى عبادتى كانوا مقصرين غير بالغين فى عبادتهم كنه عبادتى فيما يطلبون عندى من كرامتى و النعيم فى جناتى و رفيع الدرجات العلى فى جوارى و لكن برحمتى فليثقوا و فضلى فليرجوا و الى حسن الظن بى فليطمئنوا فان رحمتى عند ذلك تدركهم و منى يبلغهم رضوانى و مغفرتى تلبسهم عفوى فانى انا الله الرحمن الرحيم و بذلك تسميت. \par ثالثها- كون ضعف العمل لا يوجب ضعف الامل بل ينبغى لمن ضعف عمله ان يعظم فى الله امله و هذا امر يشهد باثباته العقل اذ كان العبد عند اناره العنايه الالهيه بصيرته يعلم استناد جميع الموجودات كليتها و جزئيتها الى مدبر حكيم و رب روف رحيم فيظهر له فى ذلك: ان ايجاده له و اخذ العهد عليه بالطاعه و العباده ليس الا لينجذب الى موطنه الاصلى و مبداه الاول بالتوحيد المحقق والحمد المطلق عن نار اججت و جحيم سعرت فلا يياس من روح الله تعالى عند وقوع تقصير منه فى اسباب ذلك الانجذاب بل يكون برجائه اوثق و قلبه بشمول العنايه له اعلق فانه لا يياس من روح الله تعالى الا الذين عميت ابصار بصايرهم عن اسرار الله فهم فى طغيانهم يعمهون و اولئك هم الخاسرون، كما قال سبحانه: و من يقنط من رحمه ربه الا الضالون \par
009    32    (تنبيه) \par اعلم ان الامر المحبوب الذى تتوقعه النفس و تنتظره فى المستقبل لا بدو ان يكون لسبب فان كان توقعه لاجل حصول اكثر اسبابه فاسم الرجاء و الامل صادق عليه، و ان كان سببه غير معلوم الوجود و الانتفاء فاسم التمنى اصدق على توقعه و ان كان سببه معلوم الانتفاء فاسم الغرور و الحمق اصدق على انتظاره. \par اذا عرفت ذلك فاعلم ان ارباب العرفان قد علموا ان الدنيا مزرعه الاخره فالنفس هى الارض و بذرها حب المعارف الالهيه و ساير انواع الطاعات جاريه مجرى اصلاح هذه الارض من تقليبها و تنقيتها و اعدادها للزراعه و سياقه الماء اليها ، و النفس المستغرقه بحب الدنيا و الميل اليها كالارض السبخه التى لا تقبل الزرع و الانبات لمخالطه الاجزاء الملحيه و يوم القيمه يوم الحصاد فلا حصاد الا من زرع و لا زرع الا من بذر و كما لا ينفع الزرع فى ارض سبخه كذلك لا ينفع عمل مع خبث النفس و سوء الاخلاق المنافيه للايمان فينبغى ان يقاس عمل العبد و رجائه لرضوان الله بامل صاحب الزرع و رجائه و الناس فى ذلك على ثلث درجات: سابق، و لا حق، و مقصر: \par فالاول- من طيب ارضا و بذرها فى وقت الزراعه بذرا غير متعفن و لا متاكل ثم امده بالماء العذب و ساير ما يحتاج اليه فى اوقاته ثم نقاه و صانه عما يمنع نباته و يفسده من النباتات الخبيثه ثم انتظر من فضل الله تعالى منع الافات المفسده له الى تمام زرعه و بلوغ غايته فذلك امله و رجائه فى محله اذ كان فى مظنه ان يفوز بمقصوده من ذلك الزرع و هكذا حال العبد اذا بذر المعارف الالهيه فى ارض نفسه فى وقته و ايامه و هو مستقبل العمر و مبدا التكليف و دام على سقيه بالطاعات و اجتهد فى طهاره نفسه عن شوائب الاخلاق الرديه التى تمنع نماء العلم و زياده الايمان و توقع من فضل الله تعالى و كرمه ان يثبته على ذلك الى زمان وصوله و حصاد عمله و ذلك التوقع هو الامل المحمود و الرجاء الممدوح و هو درجه السابقين. \par و الثانى- من بذر فى ارض طيبه كذلك الا انه بذر فى آخريات الناس و لم يبادر اليه فى اول وقته او قصر فى بعض اسبابه ثم اخذ ينتظر ثمره ذلك الزرع و يرجو الله فى سلامته له فهو \par
009    32    من جمله الموملين و الراجين ايضا، و كذلك العبد اذا القى بذر الايمان فى نفسه لكنه قصر فى بعض اسبابه اما ببطئه فى البذر اوفى السقى الى غير ذلك مما يوجب ضعفه ثم اخذ ينتظر وقت الحصاد و يتوقع من فضل الله تعالى ان يبارك له فيه و يعتمد على انه هو الرزاق ذو القوه المتين فيصدق عليه انه ذو امل و رجاء ايضا اذا كثر اسباب المطلوب التى من جهته حاصله و هذه درجه اللاحقين. \par و الثالث- من لم يحصل على بذر او بذر فى ارض سبخه او ذات شاغل عن الانبات ثم اخذ يتوقع الحصاد فتوقعه هو الحمق و الغرور، و مثله حال العبد اذا لم يزرع من قواعد الايمان فى نفسه شيئا اصلا او زرع و لم يلتفت الى سقيه بماء الطاعه و لا صيانته عن موجبات فساده من شوك الاخلاق الرديه بل انهمك فى طلب آفات الدنيا ثم جعل ينتظر الفضل من الله و يتوقع نيل الحسنى لديه فذلك الانتظار و التوقع غرور و حمق و ليس بامل فى الحقيقه و هذه درجه المقصرين، فتبين ان اسم الامل و الرجاء انما يصدق على توقع ما حصل جميع اسبابه او اكثرها الداخله تحت اختيار العبد و لم يبق الا ما لا يدخل تحت اختياره و هو فضل الله بصرف القواطع و المفسدات. \par (التبرى من جميع الوسائل.. و التمسك بمحض رجاء رحمه الله تعالى) \par قوله عليه السلام: خرجت من يدى اسباب الوصلات، جمله مستانفه، و الاسباب: جمع سبب و هو كل شى ء يتوصل به الى امر من الامور، و اصله: الحبل، و الوصلات: جمع وصله بالضم على وزن غرفه يقال بينهما وصله اى اتصال، و الوصله ايضا: ما يتوصل به الى الشى ء، و قوله عليه السلام: و تقطعت عنى عصم الامال، العصم: جمع عصمه بالكسر، قال الفارابى فى ديوان الادب: العصمه: الحبل، قال الله تعالى: و لا تمسكوا بعصم الكوافر و فى الكشاف: العصمه: ما يعتصم به من عقد و سبب، انتهى، واصله من العصم و هو المنع يقال: عصمه الله اى منعه و وقاه، و اعتصم بالله اى امتنع، و انما سمى الحبل و نحوه عصمه لان المتمسك به يعتصم به من السقوط و نحوه، و قوله عليه السلام: الا ما انا معتصم به من عفوك اى من رجاء عفوك و الكلام فى الفقرتين استعاره و الغرض: التبرى من جميع الوسائل \par
009    32    التى يتوصل بها الى الله سبحانه من الطاعات و الاعمال الصالحه، و التمسك بمحض رجاء رحمه الله تعالى و عفوه ايذانا بعدم اتكاله و اعتماده على شى ء من ذلك سوى رحمه ربه و رجاء عفوه عملا بمقتضى الحديث القدسى المقدم ذكره و الله اعلم بمقاصد اوليائه. \par
010    32    (كثيرا ما يعبرون بالقله عن العدم و منه.. قوله تعالى: فقليلا ما يومنون) \par (قل عندى ما اعتد به من طاعتك، و كثر على ما ابوء به من معصيتك، و لن يضيق عليك عفو عن عبدك و ان اساء فاعف عنى) \par قد يكون المراد بالقله ضد الكثره، و قد يكون المراد بها العدم فانهم كثيرا ما يعبرون بالقله عن العدم، و منه حديث: كان صلى الله عليه و آله يقل اللغو اى لا يلغوا اصلا، و عليه قوله تعالى: فقليلا ما يومنون اى لا ايمان لهم اصلا و هو المراد هنا لدلاله ما قبله و ما بعده عليه، و اعتددت بالشى ء على افتعلت: ادخلته فى العد و الحساب فهو معتد به محسوب غير ساقط، و باء بذنبه يبوء بوءا اى احتمله، و قيل: اعترف به، و قيل: ثقل به، و قيل: رجع به، و قال الفارابى فى ديوان الادب: باء باثمه اى احتمله، و باوا بغضب اى رجعوا، و باء بحقه اى اقر، و ضاق عليه الامر: شق عليه كانه لم يجد فيه مقرا تطمئن اليه نفسه كمن لا يسعد مكانه، و منه قولهم: ضاقت عليه الحيله فهو استعاره بالكنايه قصد فيه الى تشبيه العفو بالمكان فى عدم الاتساع و جعل اثبات الضيق بينها على ذلك. \par
011    32    (مدار هذه الفقرات على الثناء عليه سبحانه بنفوذ علمه فى كل خفى و مستتر و..) \par (اللهم و قد اشرف على خفايا الاعمال علمك و انكشف كل مستور دون خبرك، و لا تنطوى عنك دقائق الامور، و لا تعزب عنك غيبات السرائر) \par اشرف على الشى ء اشرافا: اطلع عليه من فوق، و الخفايا: جمع خفيه كهدايا جمع هديه من خفى الشى ء يخفى من باب علم خفاء بالمد و الفتح اى استتر فلم يظهر فهو خاف و خفى، و كشفت الشى ء كشفا من باب ضرب فانكشف: اظهرته فظهر و اصله رفع الشى ء عما يواريه و يستره كرفع الثوب و الغطاء، و دون بمعنى عند اى عند خبرك، و منه الحديث: من قتل دون ما له اى عنده، و الخبر بالضم: العلم، و منه: صدق الخبر الخبر، و طويت \par
011    32    عنه الحديث: كتمته و اخفيته و اصله من طى الثوب و هو ضد نشره، و دقائق الامور: غوامضها من دق الشى ء فهو دقيق اذا لم يتضح او جمع دقيقه خلاف الجليله، و منه: ما دق و ما جل، و الامور: جمع امر بمعنى الشان و الحال، و عرب الشى ء من بابى قتل و ضرب: غاب و خفى، و منه: لا يعزب عنه مثقال ذره اى لا يغيب. و الغيبات: جمع غيبه مونث غيب على وزن فيعل بكسر العين بمعنى الغائب، و مدار هذه الفقرات على الثناه عليه سبحانه بنفوذ علمه فى كل خفى و مسنتر و عدم خفاء شى ء عليه من دقائق الاحوال و غوامضها و مكنونات الاسرار و غوايبها بحيث لا يشذ شى ء منها عن احاطه علمه. \par
012    32    (انما اورد سبحانه هذه الحكايه على اساليب متعدده قصدا للتفنن) \par (و قد استحوذ على عدوك الذى استنظرك لغوايتى فانظرته، و استمهلك الى يوم الدين لاضلالى فامهلته، \par استحوذ عليه الشيطان: غلبه و استماله الى ما يريد منه، و العدو ضد الولى قال تعالى: يا ايها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوى و عدوكم اولياء و المراد بعداوته تعالى مخالفه امره عنادا و الخروج عن طاعته مكابره او عداوه خواصه و مقربيه، و استنظرته: طلبت انظاره اى تاخيره و امهاله، فانظرنى اى امهلنى و الاسم منه النظره على وزن كلمه و منه: فنظره الى ميسره اى فتاخير و امهال، و الغوايه بالفتح اسم من غوى من باب ضرب اى ضل و انهمك فى الجهل فالغوايه بالفتح بمعنى الضلال لا الاضلال فالمعنى استنظرك ليكون داعيا لضلالى، و استمهلته : طلبت امهاله فامهلنى، و اليوم فى العرف عباره عما بين طلوع الشمس و غروبها من الزمان و فى الشرع عما بين طلوع الفجر الثانى و غروب الشمس و المراد به هنا مطلق الوقت، و الدين: الجزاء خيرا كان او شرا و اضافه اليوم اليه لادنى مناسبه كاضافه ساير الظروف الزمانيه الى ما وقع فيها من الحوادث كيوم الاحزاب و ليله القدر و عام الفتح، و تخصيصه هنا من بين ساير ما يقع فيه كالقيمه و الجمع و الحساب لكونه ادخل فى الدلاله على انه من امهله فلن يمهله و ما ذكر من \par
012    32    القيمه و غيرها من مبادى الجزاء و مقدماته، و الفقره الثانيه تاكيد للاولى و مضمونها تلميح الى قوله تعالى حكايه عن ابليس: قال انظرنى الى يوم يبعثون قال انك من المنظرين، قال فبما اغويتنى لاقعدن لهم صراطك المستقيم « و » قال رب فانظرنى الى يوم يبعثون قال فانك من المنظرين الى يوم الوقت المعلوم، قال رب فبما اغويتنى لازينن لهم فى الارض و لاغوينهم اجمعين الا عبادك منهم المخلصين « و » قال رب فانظرنى الى يوم يبعثون قال فانك من المنظرين الى يوم الوقت المعلوم قال فبعزتك لاغوينهم اجمعين الا عبادك منهم المخلصين و انما اورد سبحانه هذه الحكايه على اساليب متعدده مع ان استنظار اللعين انما صدر عنه مره واحده لا غير و كذا جوابه لم يقع الادفعه، قصدا للتفنن الذى هو من مقتضيات البلاغه، على ان كل اسلوب من اساليب النظم الكريم لابدان يكون له مقام يقتضيه مغايره لمقام غيره. \par (تنبيهات ثلثه) \par الاول- صريح عباره الدعاء ان انظار اللعين و امهاله كان اجابه لدعائه و هو الذى دلت عليه الاثار و عليه اكثر المفسرين، قال العلامه الطبرسى: و اما الوجه فى مسئله ابليس الانظار مع علمه بانه ملعون مطرود فعلمه بان الله سبحانه يظاهر على عباده النعم و يعمهم بالفضل و الكرم فلم يصرفه ارتكابه شر الخلق ابليس اذ قال: انظرنى. \par و ذهب جماعه الى ان اجابه دعاء الكافر لا تجوز لانها كرامه فقوله تعالى: انك من المنظرين، بيان ما سبق به التقدير لا الاجابه، قال العمادى فى تفسيره: ورود الجواب بالجمله الاسميه مع التعرض لشمول ما ساله الاخرين على وجه يوذن بكون السائل تبعا لهم فى ذلك دليل على انه اخبار بالانظار المقدر لهم ازلالا انشاء لانظار خاص به وقع اجابه لدعائه اى انك من جمله الذين اخرت آجالهم ازلا حسب ما تقتضيه حكمه التكوين، انتهى. \par و اجيب بان الاجابه لا يلزم ان تكون كرامه بل هى كالنعمه فى احتمالها ان تكون ثوابا و تعظيما و ان تكون استصلاحا و تفضلا فى الدنيا. \par الثانى- ظاهر قوله عليه السلام: استمهلك الى يوم الدين لا ضلالى فامهلته، ان الامهال وقع حسب السوال الى يوم الدين، فيكون المراد بيوم الوقت المعلوم فى الايتين هو يوم الدين، و هو يويد قول صاحب الكشاف: ان يوم الدين، و يوم يبعثون، و يوم الوقت المعلوم فى معنى واحد و لكن خولف بين العبارات سلوكا بالكلام طريق البلاغه، انتهى. قال بعضهم: يجوز ان يكون المراد بايام الثلثه: يوم القيمه و الاختلاف فى العبارات لاختلاف الاعتبارات فالتعبير بيوم البعث: لان غرض اللعين به يتحقق اذبه يحصل العلم بانقطاع التكليف و الياس من التضليل، و بيوم الوقت المعلوم لاستيثاره تعالى بعلمه، او العلم بانه يصعق فيه من فى السموات و الارض، و بيوم الدين للايذان بتاخير عقابه و جزائه اليه، و لا يلزم من ذلك ان لا يموت فلعل كلا من هلاك الخلق جميعا و بعثتهم و جزائهم فى يوم واحد يموت اللعين فى اوله و يبعث فى اواسطه و يعاقب فى بقيته. \par و عن الصادق عليه السلام: يوم الوقت المعلوم: يوم ينفخ فى الصور نفخه واحده فيموت ابليس ما بين النفخه الاولى و الثانيه، و ذهب بعض المعتزله الى ان المراد بيوم الوقت المعلوم: وقت موته و هلاكه فى علم الله لا يوم القيمه و كل مكلف من الجن و الانس منظر الى الوقت المعلوم عند الله، و الدليل على ذلك ان ابليس مكلف لا يجوز ان يعلم اجله لما فيه من الاغراء بالقبيح لانه اذا علم اجله اقدم على المعصيه بقلب فارغ حتى اذا قرب اجله تاب فتقبل توبته، و اجيب بان من علم الله تعالى من حاله انه يموت على الطهاره و العصمه كالانبياء او على الكفر و المعصيه كابليس فان اعلامه بوقت اجله لا يكون اغراء على القبيح لانه لا يتفاوت حاله بسبب ذلك التعريف و الاعلام. \par الثالث- قالت الاشاعره فى انظار ابليس و امهاله دلاله على انه لا يجب على الله سبحانه رعايه مصالح العبد فى دينه و لا فى دنياه و الا لم يمهل ابليس حين استمهله مع علمه بالمفاسد و الغوائل المترتبه على ذلك، و مما يويد ذلك انه بعث الانبياء دعاه للخلق الى الحق و علم من حال ابليس انه لا يدعو الا الى الكفر و الضلال ثم انه امات الانبياء و \par ابقى ابليس و من كان يريد مصالح العباد امتنع منه ان يفعل ذلك، و هذه الشبهه هى الشبهه السابقه من شبهات ابليس اللعين التى ذكرناها سابقا و قد تقدم الجواب عنها هناك و اجابت المعتزله عن ذلك بان الله تعالى خلق آدم و ذريته قادرين على دفع ابليس عن انفسهم فهم الذين اختاروا الكفر و الفساد اقصى ما فى الباب ان يقال: ان الاحتراز عن القبيح حال عدم ابليس اسهل منه حال وجوده الا ان على هذا التقدير تصير وسوسته سببا لزياده المشقه فى اداء الطاعات فيزداد المكلف بتكلفها ثوابا، كما قال عليه السلام: افضل الاعمال احمزها اى اشقها و ذلك لا يمنع الحكيم من فعله كما ان انزال المشاق و الالام و انزال المتشابهات صار سببا لزياده الشبهات و مع ذلك لم يمتنع فعلها من الله تعالى، و هذا قريب من قول اميرالمومنين عليه السلام فى خطبه له: فاعطاه الله النظره استحقاقا للسخطه و استتماما للبليه و انجازا للعده فقال: فانك من المنظرين الى يوم الوقت المعلوم \par
013    32    فاوقعنى و قد هربت اليك من صغائر ذنوب موبقه و كبائر اعمال مرديه \par (مدار هذه الفقره على انكار الشيطان ما كان يحث عليه و يزينه للانسان..) \par (حتى اذا فارقت معصيتك، و استوجبت بسوء سعيى سخطتك، فتل عنى عذار غدره، و تلقانى بكلمه كفره، و تولى البرائه منى، و ادبر موليا عنى، فاصحرنى لغضبك فريدا، و اخرجنى الى فناء نقمتك طريدا، \par قارف الذنب و اقترفه: اذا تلبس به، و استوجب الشى ء: استحقه، و السوء بالضم القبيح، و السعى يكون بمعنى العدو و المضى، و يكون بمعنى التصرف و العمل و هو المراد هنا، و يتعدى بالمعنى الاول بالى و بالمعنى الثانى باللام، و فى محكم اللغه: السعى بمعنى الكسب و كل عمل، و عليه قوله تعالى: و ان ليس للانسان الا ما سعى و ان سعيه سوف يرى و السخط: الغضب و هو من الانسان تغير يحصل عند غليان دم القلب لشهوه الانتقام، و من الله سبحانه اراده الانتقام و انزال العقوبه المستحقه، و فتل يفتله فتلا من باب ضرب: لواه، يقال: فتل عنى وجهه اى لواه و صرفه، و فى الصحاح. فتله عن وجهه فانفتل اى صرفه فانصرف و هو قلب لفته، و العذار: العارض و هو صفحه الخد و منه عذر الغلام اذا نبت شعر عذاره يعنى صفحه خده، و سمى السير الذى على خد الدابه من اللجام عذارا باسم موضعه، و الغدر: نقض العهد و هو ضد الوفاء و قد يطلق على الخديعه و هى كل فعل يقصد به فاعله خلاف ما يقتضيه ظاهره، و منه الحديث ان بين يدى الساعه سنين غداره يكثر فيها المطر و يقل فيها النبات، قال الزمخشرى فى الفائق اى تطمعهم فى الخصب بالمطر ثم تخلف فجعل ذلك غدرا منها و خديعه و هذا المعنى هو المراد هنا لان معنى: فتل عنى عذار غدره: صرف عنى وجه غدره اى اعرض عن الغدر و تركه لحصول مطلوبه من الاغواء و الاضلال عند مقارفه المعصيه و استيجاب السخطه فلم يكن يحتاج اليه بعد ذلك و هذا المعنى لا يناسبه الا الغدر بمعنى الخديعه لا الغدر بمعنى نقض العهد، قال شيخنا البهائى فى المفتاح: المراد ان الشيطان بعد حصول مراده من ايقاعه لى فى المعصيه بالحيله و الغدر صرف عنى عنان غدره حيث حصل منى مراده، انتهى. فحمل الغدر على معنى الحيله و هى الخديعه، قوله عليه السلام: و تلقانى بكلمه كفره، تلقاه اى استقبله، و الباء للملابسه اى متلبسا بكلمه كفره، قال شيخنا البهائى: هو اشاره الى ما حكاه سبحانه عنه بقوله تعالى: اذ قال للانسان اكفر فلما كفر قال انى برى ء منك انتهى، و الاولى ان يكون اشاره الى قوله تعالى: حكايه عنه: انى كفرت بما اشركتمون من قبل اى باشراككم اياى مع الله فى الطاعه بمعنى تبرات منه و استنكرته، قال صاحب الكشاف: معنى كفره باشراكهم: تبراه منه و استنكاره له كقوله: انا براء منكم و مما تعبدون من دون الله كفرنا بكم و فى حديث اهل البيت عليهم السلام: الكفر فى هذه الايه: البرائه، و قوله: تولى البرائه منى، تولى الامر: اذا تقلده و قام به، و البرائه: قطع العلقه يقال: برى ء منه برائه من باب تعب اى قطع علقته منه، و قوله: و ادبر موليا اى ذهب و رجع عنى و موليا حال موكده لعاملها و هى التى يستفاد معناها بدونها، و نحوه قوله تعالى: ولى مدبرا و مدار هذه الفقره على انكار الشيطان ما كان يحث عليه و يزينه للانسان من سيئات الجرايم و قبائح المعاصى عند استحقاقه للعقوبه و استيجابه للعذاب، و هذا الكلام ماخوذ من قوله تعالى: و قال الشيطان لما قضى الامر ان الله وعدكم وعد الحق و وعدتكم فاخلفتكم فما كان لى عليكم من سلطان الا ان دعوتكم فاستجبتم لى فلا تلومونى و لوموا انفسكم ما انا بمصرخكم و ما انتم بمصرخى انى كفرت بما اشركتمون من قبل ان الظالمين لهم عذاب اليم. \par (ليس على الشيطان عقاب معاصى الناس و انما عليه عقاب الدعوه..) \par (و مفاد هذه الفقرات..) \par تنبيه: فى قوله عليه السلام: و استوجبت بسوء سعيى سخطك، دلاله على ان الانسان هو الذى يختار بسعيه الشقاوه و ليس من الشيطان الا التسويل و النزيين و هو مدلول الايه المذكوره و لذلك قال المحقق: الشيطان الاصلى هو النفس و ذلك ان الانسان اذا احس بشى ء او ادركه ترتب عليه شعوره بكونه ملايما له او منافرا له و يتبع هذا الشعور الميل الجازم الى الفعل او الى الترك و كل هذه الاشياء من شان النفس و لا مدخل للشيطان فى شى ء من هذه المقامات الا بان يذكره شيئا مثل ان الانسان كان غافلا عن صوره امرئه فيلقى الشيطان حديثها فى خاطره، قال العلامه الطبرسى فى الايه المذكوره دلاله على ان لا يقدر الشيطان على اكثر من الدعاء و الاغواء و انه ليس عليه عقاب معاصيهم و انما عليه عقاب الدعوه فحسب، قوله عليه السلام: فاصحرنى لغضبك فريدا، اصحر الرجل للصحراء اصحارا: برزلها. شبه عليه السلام نفسه بشخص اخرج الى الصحراء فى عدم تمكنه من الاستتار بشى ء يقيه، و جعل اثبات الاصحار له تنبيها على ذلك، و قوله: فريدا حال من ضمير المتكلم اى مواخذا و معاقبا بما فارقته دون غيرى، و قوله عليه السلام: و اخرجنى الى فناء نقمتك طريدا: الفناء بالكسر و المد: السعه امام الدار، و قيل ما امتد من جوانبها، و منه فناء الكعبه، و النقمه مثل كلمه و تخفف مثلها: اسم من نقمت منه من باب ضرب و انتقمت اى عاقبت، و الطرد: الابعاد طرده طردا من باب قتل فهو طريد و مطرود و نصبه على الحال، \par
014    32    لا شفيع يشفع لى اليك، و لا خفير يومننى عليك، و لا حصن يحجبنى عنك، و لا ملاذ الجا اليه منك) \par و الخفير: فعيل من خفرت الرجل من باب ضرب اى حميته و اجرته من طالب و الاسم: الخفاره بالضم و الكسر، و آمنت الخائف بالمد: سلمته مما يخاف و الاسير: اعطيته بالامان، و الحصن بالكسر: المكان الذى لا يقدر عليه لارتفاعه، و الملاذ: الملجا من لاذبه يلوذ لوذا مثلثه اى التجا اليه و اعتصم به، و مفاد هذه الفقرات تاكيد نفى الاستطاعه عن نفسه و بيان عجزه على معنى ان الله تعالى ان اراد عذابه لم يكن له شفيع يدرو عنه العذاب و لا مجير يجيره منه، و لا يصح ان يكون له حصن يمنعه عنه، و لا ملاذ يعتصم به منه، و هو معنى قوله تعالى: قل انى لن يجيرنى من الله احد و لن اجد من دونه ملتحدا. \par
015    32    (افعل التفضيل هنا مقصود به اصل الفعل لا الزياده، و معنى: خير الغافرين) \par (فهذا مقام العائذبك، و محل المعترف لك، فلا يضيقن عنى فضلك، و لا يقصرن دونى عفوك، و لا اكن اخيب عبادك التائبين، و لا اقنط و فودك الاملين، و اغفرلى انك خير الغافرين) \par عاذبه يعوذ عوذا و عياذا و معاذا: اعتصم، و اعترف بالشى ء اعترافا: اقربه على نفسه، و حذف المعترف به للتعميم و الاختصار، و ضاق الشى ء: خلاف اتسع، و الفضل الاحسان، و قصر السهم عن الهدف قصورا من باب قعد لم يبلغه، و دون نقيض فوق و هو تقصير عن الغايه، قوله عليه السلام اخيب عبادك التائبين و لا اقنط وفودك الاملين، خاب يخيب خيبه: لم يظفر بما طلب، و قنط يقنط من بابى ضرب و تعب قنوطا: ياس، و الوفود: جمع وفد و هو جمع وافد كصحب و صاحب يقال: و فد عليه يفد وفودا اى ورد و قدم، و قال ابن الاثير: الوفد: القوم يجتمعون و يردون البلاد و احدهم وافد، و كذلك الذين يقصدون الامراء لزياره و استرفاد و انتجاع و غير ذلك انتهى و افعل التفضيل هنا مقصود به اصل الفعل لا الزياده اذ ليس فى عباده التائبين خائب و لا فى وفود الاملين قانط. فهو كقولهم نصيب اشعر الحبشه اى شاعرهم اذ لا شاعر فيهم غيره، و قولهم: الناقص و الاشج اعدلا بنى مروان اى عادلاهم لانه لم يشاركهما احد من بنى مروان فى العدل، فافعل هنا بمعنى \par
015    32    اسم الفاعل فى انفراده بالوصف من غير مشاركه فيه، قوله (ع): و اغفرلى انك خير الغافرين، غفر الله له: ستر خطيئته و صفح عن عقوبته، و جمله انك خير الغافرين، تعليل و مزيد استدعاء للاجابه اى خير الساترين على عباده و المتجاوزين لهم عن ذنوبهم لان غفرانك غير متوقف على جلب منفعه او رفع مضره بل لمحض الفضل و الكرم. \par
016    32    (الخاطر اقسام: رحمانى، نفسانى، شيطانى.. و لما كان ينقسم الى حسن و..) \par (اللهم انك امرتنى فتركت، و نهيتنى فركبت، و سول لى الخطاء خاطر السوء ففرطت) \par ركب الامر و ارتكبه: باشره، و منه ركب ذنبا و لا يستعمل الا فيما فيه صعوبه او قبح، و التسويل: تحسين الشى ء و تزيينه و تحبيبه الى الانسان ليفعله او يقوله، و سول له الشيطان: اغواه، و الخطاء بفتحتين: ضد الصواب و يحتمل ان يراد به هنا الاثم، و الذنب لغه فى الخطاء بالكسر و السكون و قد قرى ء قوله تعالى: ان قتلهم كان خطا كبيرا بالوجهين، قال المفسرون: الخطا بالكسر و السكون: الاثم يقال: خطا خطا كاثم اثما وزنا و معنى و قرى ء بفتحتين بمعناه كالمثل و المثل، و الخاطر: ما يرد على القلب و يمر بالبال و هو اقسام: \par رحمانى و هو ما كان باعثا على ما فيه صلاح و قربه و يسمى الهاما. \par و نفسانى و هو ما فيه حظ للنفس و يسمى هاجسا. \par و شيطانى و هو ما يدعو الى ما مخالفه الحق و يسمى وسواسا، و لما كان ينقسم الى حسن و قبيح قيده عليه السلام بالاضافه الى السوء، و فرط فى الامر تفريطا: قصر فيه و ضيعه. \par
017    32    (السنه سنتان.. و مدار هذه الفقرات على اعترافه عليه السلام) \par (بعدم قيامه بالطاعات.. باعتبار..) \par (و لا استشهد على صيامى نهارا، و لا استجير بتهجدى ليلا، و لا تثنى على باحيائها سنه حاشا فروضك التى من ضيعها هلك) \par استشهدته: طلبت منه ان يشهد، و النهار: من طلوع الفجر الى غروب الشمس و هو مرادف لليوم و استجاره: طلب منه ان يجيره اى يومنه و يمنعه، و الليل: \par
017    32    من غروب الشمس الى طلوع الفجر الصادق، و التهجد: من الهجود هجد و تهجد اى نام ليلا و هجد و تهجد اى سهر و هو من الاضداد، و منه قيل لصلوه الليل التهجد، قوله عليه السلام: نهارا اما مفعول استشهد و اما متعلق بصيامى و المفعول مقدر و التقدير: و لا صمت نهارا صياما مبرورا فاستشهد النهار او الله او الملائكه على ذلك، و كذلك قوله: ليلا متعلق بتهجدى اى و لا تهجدت ليلا تهجدا مقبولا فاستجير به، فان قلت: الصيام لا يكون الانهارا و التهجد لا يكون الا ليلا فما فائده حملهما على الظرفيه؟ \par قلت: فائدته: الدلاله على البعضيه من حيث الافراد بما فيهما من التنكير الدال على البعضيه فان قولك ركبت نهارا و سرت ليلا يفيد بعضيه زمان سيرك من الايام و الليالى، الا ترى؟ ان المحققين من المفسرين قالوا: فى قوله تعالى سبحان الذى اسرى بعبده ليلا ان قوله: ليلا مع ان الاسراء انما يكون ليلا لافاده قله زمان الاسرى بما فيه من التنكير الدال على البعضيه من حيث الاجزاء دلالته على البعضيه من حيث الافراد فان قولك: سرت ليلا كما يفيد بعضيه زمان سيرك من الليالى يفيد بعضيه من فرد واحد منها بخلاف ما اذا قلت سرت الليل فانه يفيد استيعاب السير له جميعا فيكون معيارا للسير لا ظرفا له، قوله عليه السلام: و لا تثنى على باحيائها سنه، اثنيت على زيد ذكرته يا لجميل، او اتيت بما يشعر بتعظيمه مطلقا و الاسم: الثناء بالفتح و المد، و الضمير فى احيائها راجع الى السنه و جاز اعاده الضمير الى المتاخر لتقدمه فى الرتبه اذ هو فاعل و الاصل فيه ان يتصل بفعله، و السنه فى الاصل: الطريقه و السيره و فى الشرع: ما رغب فيه الشارع و لم يوجبه، قال بعضهم: السنه و المندوب و التطوع و النفل و المرغب فيه و المستحب كلها بمعنى واحد و هو ما كان فعله راجحا على تركه و لا اثم فى تركه سواء دل عليه كتاب او سنه، و قد يراد بها ما امر به النبى صلى الله عليه و آله و نهى عنه و ندب اليه قولا و فعلا مما لم يات به الكتاب العزيز و لهذا يقال فى ادله الشرع: الكتاب و السنه اى القرآن و الحديث و قد يراد بها مطلق الطريقه النبويه و الشريعه المحمديه الشامله لما ورد به الكتاب و الحديث فرضا كان او مستحبا و عليه قول اميرالمومنين عليه السلام: السنه سنتان: \par
017    32    سنه فى فريضه الاخذ بها هدى و تركها ضلاله، و سنه فى غير فريضه الاخذ بها فضيله و تركها الى غير خطيئه، و المراد باحيائها: اقامتها و الاعتناء بها و المواظبه عليها و المحافظه على حدودها، قوله عليه السلام: حاشا فروضك التى من ضيعها هلك، حاشا هنا استثنائيه فذهب سيبويه و اكثر البصريين الى انها حرف و انها بمنزله الا لكنها تجر المستثنى و انكروا النصب بعدها، و ذهب المبرد و الزجاج و الاخفش و آخرون الى انها تستعمل كثيرا حرفا جارا و قليلا فعلا متعديا جامدا لتضمنه معنى الا فتنصب ما بعدها و فاعلها ضمير مستتر وجوبا، و الفروض: جمع فرض و هو لغه: التقدير و شرعا: ما امر الله تعالى عباده ليفعلوه كالصلوه و الزكوه و الصوم و الحج و الجمعه باعتبار افراده، و تضييع الفروض عباره عن تركها و عدم القيام بها يقال: ضيعه تضييعا و اضاعه اضاعه قال تعالى: فخلف من بعدهم خلف اضاعوا الصلوه و المراد بالهلاك هنا: استيجاب العذاب و استحقاق السخط من الله تعالى نعوذ بالله من ذلك، و مدار هذه الفقرات على اعترافه عليه السلام بعدم قيامه بالطاعات سوى الفرائض باعتبار عدم الاعتداد به. \par
018    32    (غرضه عليه السلام: ان لا يخرج نفسه عن حد التقصير فى فرض و لا ندب) \par (و لست اتوسل اليك بفضل نافله مع كثير ما اغفلت من وظائف فروضك، و تعديت عن مقامات حدودك الى حرمات انتهكتها، و كبائر ذنوب اجترحتها، كانت عافيتك لى من فضائحها سترا) \par توسل الى ربه بعمل: تقرب اليه به، و يقال: وسل اليه يسل ايضا من باب و عدو منه اشتقاق الوسيله و هى ما يتقرب به الى الشى ء، و الفضل: الزياده و هو خلاف النقص يقال: فضل فضلا من باب قتل اى زاد، و خذ الفضل اى الزياده و يطلق على الكمال و الشرف و الدرجه الرفيعه كالفضيله، و النافله من النفل و هو لغه: الزياده و شرعا: اسم لما شرع زياده فى العبادات على المفروضات و يسمى مندوبا و مستحبا و تطوعا، و تنوينها للتفخيم اى نافله يعتد بها، و مع، فى الاصل ظرف اسم و هى لمكان الاجتماع او وقته تقول: زيد مع عمرو و جئت مع العصر و هل هو معرب او مبنى خلاف، و قد يراد بها مجرد الاجتماع \par
018    32    من غير ملاحظه الزمان و المكان و هى هنا كذلك و لما كان اصلها الظرفيه فلا بدلها من متعلق و متعلقها هنا: قوله: اتوسل، و اغفلت الشى ء اغفالا: تركته من غير نسيان، و الوظائف: جمع وظيفه و هى ما يقدر من عمل و رزق و نحو ذلك، و تطلق على الشرط و لعله المراد هنا بقرينه استثناء الفروض سابقا. فيكون المراد بها: شرائط الفروض للقبول دون الاجزاء كمحض الاخلاص و حضور القلب و غير ذلك. \par ففى الصحيح: انما لك من صلوتك ما اقبلت عليه. \par و فيه عن ابى جعفر عليه السلام ان العبد لترفع له من صلوته نصفها او ثلثها او ربعها او خمسها فما يرفع له الا ما اقبل عليه بقلبه، و انما امرنا بالنافله ليتم لهم ما نقصوا بها من الفريضه او المراد بها الاداب الموظفه التى يكون بها الفروض على اكمل الوجوه كما ورد فى الحسن عن ابيعبدالله عليه السلام انه قال: للصلوه اربعه آلاف حد و فى روايه اخرى للصلوه اربعه آلاف باب، و على كل تقدير فغرضه عليه السلام من ذلك ان لا يخرج نفسه عن حد التقصير فى فرض و لا ندب، و تعديت الشى ء: تجاوزته الى غيره و انما عداه بعن لتضمينه معنى الاعراض و الصد، و المقامات: جمع مقامه و هى بالفتح: القيام و موضعه و بالضم الاقامه و موضعها و الروايه فى الدعاء بالوجهين، و الحد فى الاصل: المنع و الفصل بين الشيئين و حد الدار: ما يمنع غيرها ان يدخل فيها، فحدود الله: ما منع من مخالفتها بعد ان قدرها بتقادير مخصوصه و صفات مضبوطه قال تعالى: تلك حدود الله فلا تعتدوها اى احكامه و فرائضه و عن الحسن حرماته و بالجمله ما امر به و نهى عن مخالفته، و الحرمات: جمع حرمه بالضم و بالضمتين و هى ما لا يحل انتهاكه، و حرمات الله، قيل: فروضه و قيل: ما وجب القيام به و حرم التفريط فيه، و قيل: ما حرمه و امر باجتنابه من حرم الشى ء بالضم اذا امتنع فعله و هى فى الاصل: الاحترام كالفرقه من الافتراق، و انتهك الحرمه: تناولها بما لا يحل و اصله من النهك و هو المبالغه فى كل شى ء فكان المنتهك للحرمه بالغ فى خرق محارم الشرع و اتيانها، و اجترح الذنب: اكتسبه، و الفضائح: جمع فضيحه و هى اسم من فضحه كمنعه اى كشف مساويه و عيوبه. \par
019    32    (قال بعض العارفين: الرجاء و الخوف كجناحى الطائر..) \par (و قال بعض الاصحاب..) \par (و هذا مقام من استحيا لنفسه منك، و سخط عليها، و رضى عنك، فتلقاك بنفس خاشعه، و رقبه خاضعه، و ظهر مثقل من الخطايا، واقفا بين الرغبه اليك و الرهبه منك، \par الاستحياء: استفعال من الحياء و هو تغير النفس و انقباضها مما تعاب به او تذم عليه يقال: استحيبته و استحييت منه فيعدى بنفسه و بحرف الجر، و المراد بالاستحياء منه تعالى: ترك ما يكرهه و يستقبحه و يواخذ عليه فاستحيائه لنفسه منه سبحانه عباره عن زجره لها و كفها عن ارتكاب ما لا يرضاه، و سخط عليه سخطا من باب تعب: غضب، و السخط بالضم اسم منه، و الرضا عن الله سبحانه عباره عن الابتهاج بقضائه و احكامه و احسانه و انعامه و حلمه عن تعجيل المواخذه و الانتقام و فتح باب التوبه و العفو عن الاثام، و تلقيت الرجل: استقبلته و التلقى هنا استعاره تبعيه لتوجهه بكليته اليه تعالى و الانابه الى باب كرمه و عفوه، و خشع خشوعا: ذل و استكان و سكن فهو خاشع و خشع فى صلوته و دعائه: اقبل بقلبه على ذلك و هو ماخوذ من خشعت الارض: اذا سكنت و اطمانت، و عن مجاهد: الخشوع: الخوف الدائم فى القلب و خضع خضوعا: تطامن و تواضع، قال الفيومى: الخضوع قريب من الخشوع الا ان الخشوع اكثر ما يستعمل فى الصوت و الخضوع فى الاعناق، و اثقله الشى ء بالالف اثقالا: اجهده، و رغب اليه فى كذا: طلبه منه و ساله اياه، و قيل: امله و رجاه، و رهبته و رهبت منه: خفته. \par قال بعضهم: اجتماع الرغبه و الرهبه و الخوف و الرجاء على تضاد هما فى حاله واحده من قبيل توارد اسبابهما عليه و هو كما يجتمع الاخبات و الطمانينه مع الوجل الذى هو ضدهما كما قال الله عز و جل: و بشر المخبتين الذين اذا ذكر الله و جلت قلوبهم قال بعض العارفين: الرجاء و الخوف كجناحى الطائر اذا استويا استوى الطائرفتم طيرانه و اذا نقص احدهما كان جاذبا له فسقط على راسه و اذا ذهب هلك الطائر، و قال ابوعثمان المغربى: من حمل نفسه على الرجاء تعطل، و من حمل نفسه على الخوف قنط و لكن ينبغى ان يخاف العبد راجيا و يرجو خائفا، و فى الحسن عن ابيعبدالله عليه السلام قال كان ابى يقول: ليس من عبد مومن الا و فى قلبه نوران: نور خيفه و نور رجاء لو وزن هذا لم يزد على هذا و لو وزن هذا لم يزد على هذا. \par قال بعض الاصحاب: و ذلك لان المومن لا يخلو من قصور اسباب الخوف و الرجاء و تجويز وقوع مقتضى كل واحد منهما بدلا من الاخر بحيث لا يرجح احدهما على الاخر اذ لو رجح الرجاء لزم الامن فى غير موضعه. افامنوا مكر الله فلا يامن مكر الله الا القوم الخاسرون و لو رجح الخوف لزم الياس الموجب للهلاك، انه لا يياس من روح الله الا القوم الكافرون و منه ظهران الخوف غير القنوط و انه و الرجاء ينبغى ان يكونا متساويين مطلقا، \par
020    32    (قال بعض العارفين: الرجاء و الخوف كجناحى الطائر..) \par (و قال بعض الاصحاب..) \par (و هذا مقام من استحيا لنفسه منك، و سخط عليها، و رضى عنك، فتلقاك بنفس خاشعه، و رقبه خاضعه، و ظهر مثقل من الخطايا، واقفا بين الرغبه اليك و الرهبه منك، \par و انت اولى من رجاه، و احق من خشيه و اتقاه، فاعطنى يا رب ما رجوت، و آمنى ما حذرت، وعد على بعائده رحمتك انك اكرم المسئولين) \par قال بعضهم: اجتماع الرغبه و الرهبه و الخوف و الرجاء على تضاد هما فى حاله واحده من قبيل توارد اسبابهما عليه و هو كما يجتمع الاخبات و الطمانينه مع الوجل الذى هو ضدهما كما قال الله عز و جل: و بشر المخبتين الذين اذا ذكر الله و جلت قلوبهم قال بعض العارفين: الرجاء و الخوف كجناحى الطائر اذا استويا استوى الطائرفتم طيرانه و اذا نقص احدهما كان جاذبا له فسقط على راسه و اذا ذهب هلك الطائر، و قال ابوعثمان المغربى: من حمل نفسه على الرجاء تعطل، و من حمل نفسه على الخوف قنط و لكن ينبغى ان يخاف العبد راجيا و يرجو خائفا، و فى الحسن عن ابيعبدالله عليه السلام قال كان ابى يقول: ليس من عبد مومن الا و فى قلبه نوران: نور خيفه و نور رجاء لو وزن هذا لم يزد على هذا و لو وزن هذا لم يزد على هذا. \par قال بعض الاصحاب: و ذلك لان المومن لا يخلو من قصور اسباب الخوف و الرجاء و تجويز وقوع مقتضى كل واحد منهما بدلا من الاخر بحيث لا يرجح احدهما على الاخر اذ لو رجح الرجاء لزم الامن فى غير موضعه. افامنوا مكر الله فلا يامن مكر الله الا القوم الخاسرون و لو رجح الخوف لزم الياس الموجب للهلاك، انه لا يياس من روح الله الا القوم الكافرون و منه ظهران الخوف غير القنوط و انه و الرجاء ينبغى ان يكونا متساويين مطلقا، \par قوله عليه السلام: و انت اولى من رجاه، اولى: افعل تفضيل و اصله من الولى بمعنى القرب و الدنو فهو فى الاصل بمعنى اقرب ثم استعمل بمعنى احق مطلقا، يقال: زيد اولى بهذا من عمرو اى احق و احرى و اجدر، و كان سبحانه و تعالى اولى من رجاه لمعرفته بسعه رحمته و فضله و لطفه و رافته و احسانه على عباده و اجراء نعمه عليهم ظاهره و باطنه جليه و خفيه ضروريه و غير ضروريه حين كونهم اجنه فى بطون امهاتهم بلا سبق استحقاق و لا تقدم الاستيجاب و للعلم بغنائه عن طاعتهم و عبادتهم و تعذيبهم مع عجزهم و مسكنتهم و ضعفهم و فقرهم بين يديه، فمن كان بهذه الصفات كان اولى من رجاه راج و امله محتاج، و انما كان احق من خشيه و اتقيه لمعرفته بجلاله و عظمته و كبريائه و غنائه عن خلقه و شده غضبه و قهره و كمال قدرته على الخلق و عدم مبالاته بتعذيبهم و اهلاكهم متى اراد فهو سبحانه احق من خشيه الخاشون و اتقيه المتقون. \par
021    32    (دار الفناء عباره عن الدنيا، سميت بذلك لان..) \par (و كان سبحانه اراف من استرحم) \par اللهم و اذ سترتنى بعفوك، و تغمدتنى بفضلك فى دار الفناء بحضره \par
021    32    الاكفاء، فاجرنى من فضيحات دار البقاء عند مواقف الاشهاد من الملائكه المقربين، و الرسل المكرمين، و الشهداء و الصالحين، من جار كنت اكاته سيئاتى، و من ذى رحم كنت احتشم منه فى سريراتى، \par تغمده الله برحمه: ستره، ماخوذ من غمد السيف و هو غلافه، يقال: غمدت السيف و اغمدته، و دار الفناء عباره عن الدنيا سميت بذلك لان كل ما فيها صار الى الفناء و هو العدم بعد الوجود، و الاكفاء: جمع كفو مثل قفل و هو المثل و النظير و المساوى، و الحضره بمعنى الحضور، يقال: كلمته بحضره فلان اى بحضوره، و اجاره اجاره: آمنه مما يخاف، و الفضيحه: اسم من فضحه كمنعه اذا كشف مساويه و اظهر عيوبه، و المواقف: جمع موقف و هو اما اسم لمكان الوقوف او مصدر ميمى، و الاشهاد: جمع شهيد كشريف و اشراف و هو فعيل بمعنى فاعل من شهدت على الشى ء اى اطلعت عليه و عاينته، او من شهدت المجلس اى حضرته فانا شاهد و شهيد، و كرمه تكريما و اكرمه اكراما: عظمه و خصه بفضيله دون غيره، و الشهداء: جمع شهيد و هو من قتله الكفار فى الحرب و احتشمت منه احتشاما: استحييت، و السريرات: جمع سريره بمعنى السر و هو ما يكتمه الانسان و يخفيه، \par
022    32    لم اثق بهم رب فى الستر على، و وثقت بك رب فى المغفره لى، و انت اولى من وثق به، و اعطى من رغب اليه، و اراف من استرحم فارحمنى). \par قوله عليه السلام: و انت اولى من وثق به، اى احق من اعتمد على و فائه اذ كان الوفاء من كل احد لمن اعتمد عليه من صفات الكمال يقتضيه العقل، و الكمال للواجب تعالى اولى و احق و اقدم و اتم من غيره، و قوله عليه السلام: و اعطى من رغب اليه، اى اكثر من سئل و رجى عطائه، و كان سبحانه اراف من استرحم، لان رافته بلا غايه و رحمته بلا نهايه، و الفاء من قوله: فارحمنى للسببيه اى اذا كنت كذلك فارحمنى. \par
023    32    (الاشاره الى اجزاء عظم الصلب) \par (اللهم و انت حدرتنى ماء مهينا من صلب متضائق العظام، حرج المسالك الى رحم ضيقه سترتها بالحجب، تصرفنى حالا عن حال حتى انتهيت بى \par
023    32    الى تمام الصوره، و اثبت فى الجوارح كما نعت فى كتابك: نطفه ثم علقه ثم مضغه ثم عظما ثم كسوت العظام لحما، ثم انشاتنى خلقا آخر كما شئت) \par حدرت الشى ء حدرا و حدورا من باب قعد: انزلته الى موضع منحدر اى منخفض و فى الصحاح: حدرت السفينه احدرها حدرا: ارسلتها الى اسفل و لا يقال احدرتها، و ماء نصب على الحال و المهين فعيل من مهن الشى ء بالضم مهانه اى حقر و ضعف و فيه تلميح الى قوله تعالى: ثم جعل نسله من سلاله من ماء مهين الم نخلقكم من ماء مهين قال الطبرسى: اى ضعيف عن قتاده، و قيل حقبر مهان اشاره الى انه من شى ء حقير لا قيمه له و انما يصير ذا قيمه بالعلم و العمل انتهى، و الصلب بالضم: عظم يبتدى من حد عظم الراس الموخر و ينتهى الى عظم العصعص، قال صاحب الكامل: و عظم الصلب ينقسم الى اربعه اجزاء: احدها العنق و هو الرقبه و الثانى الظهر و الثالث الحقو و يقال له القطن و الرابع العجز و هو العظم العريض اما العنق فمركب من سبع فقرات، و اما الظهر فمركب من اثنى عشر فقره و اما الحقو فمركب من خمس فقرات، و اما العجز فمركب من حزئين: احدهما يسمى خاصه عظم العجز و هو عظم عريض يتصل بالفقره الاخره من فقار الحقو، و الثانى يقال له العصص و هو مولف من ثلثه عظام شبيهه بالغضروف انتهى ملخصا، و التضايق تفاعل من الضيق و هو خلاف السعه، قال الجوهرى: تضايق القوم: اذا لم يتسعوا فى خلق او مكان، و المراد بتضايق العظام: ضائق بعضها بعضا لتلاصقها و انتظامها حتى كانه عظم و احد، و حرج المكان حرجا من باب تعب: ضاق فهو حرج ككتف، و المسالك: جمع مسلك و هو الطريق من سلكت الطريق سلوكا من باب قعد: ذهبت فيه، و المراد بحرج مسالكه ضيق تجاويف فقراته و ثقبها فان الفقره عظم مستدير مجوف فى وسطه ثقب ينفذ فيه النخاع، و كون الماء من الصلب اما باعتبار ان مبدء ماء الرجل من صلبه لان مادته من النخاع الاتى من الدماغ و ينحدر فى فقرات الصلب الى العصعص كما ذهب اليه جم غفير، و اما باعتبار كون الدماغ اعظم الاعضاء معونه فى توليد المنى و ممره على الصلب. \par
023    32    (الاشاره الى الرحم و ضيقها) \par قوله عليه السلام: الى رحم ضيقه، الرحم على وزن كتف: آله التوليد للانث و هى مونثه، و قد تذكر اذا استعملت بمعنى القرابه و هو الاكثر و وصفها بالضيق لان مقدارها على ما قاله جماعه من ارباب التشريح اقل ما يكون ست اصابع و اكثر ما يكون احد عشر اصبعا، و الحجب: جمع حجاب ككتب جمع كتاب و هو الجسم الساتر و المراد بها الاغشيه المحيطه بها و مايليها من الاعضاء من كل الجهات فانها حجب ساتره لها، قوله عليه السلام: تصرفنى حالا عن حال، صرفت الشى ء تصريفا: قلبته من حاله الى حاله و الحال: التغيير صفه الشى ء تذكر و تونث فيقال: حال حسنه و هو الافصح و قد يونث لفظها فيقال: حاله قوله عليه السلام: حتى انتهيت بى الى تمام الصوره، الصوره هيئه حاصله للشى ء عند ايقاع التاليف بين اجزائه، و يقال: صوره الشى ء ما به يحصل الشى ء بالفعل، و ال فى الصوره للعهد اى تمام الصوره المعهوده للانسان، و اثبت الشى ء اثباتا: جعلته ثابتا، مستقرا فى مكانه، و الجوارح: الاعضاء جمع جارحه، و تخصيصها بالذكر لمزيد الانتفاع بها و شده الافتقار اليها فهو من قبيل ذكر الشى ء اهتماما بشانه، قوله عليه السلام: كما نعت فى كتابك: نطفه ثم علقه، اشاره الى قوله تعالى: و لقد خلقنا الانسان من سلاله من طين ثم جعلناه نطفه فى قرار مكين ثم خلقنا النطفه علقه فخلقنا العلقه مضغه فخلقنا المضغه عظاما فكسونا العظام لحما ثم انشاناه خلقا آخر فتبارك الله احسن الخالقين قال ابن عباس و عكرمه و قتاده و مقاتل: المراد بالانسان: آدم عليه السلام و الضمير فى جعلناه عايد الى الانسان الذى هو ولده اما على حذف مضاف اى نسله او على طريقه الاستخدام. \par
024    32    (قال الشيخ الرئيس: ان دم الطمث فى الحامل ينقسم ثلثه اقسام..) \par (و مفاد هذا الفصل من الدعاء..) \par حتى اذا احتجت الى رزقك، و لم استغن عن غياث فضلك، جعلت لى قوتا من فضل طعام و شراب اجريته لامتك التى اسكنتنى جوفها، و اودعتنى قرار \par
024    32    رحمها، \par
025    32    و لو تكلنى يا رب فى تلك الحالات الى حولى، او تضطرنى الى قوتى لكان الحول عنى معتزلا، و لكانت القوه منى بعيده). \par الغياث بالكسر: اسم من اغاثه الله برحمته: اذا كشف شدته، و الفضل هنا بمعنى الافضال و الاحسان، و القوت بالضم: ما يقوم به بدن الانسان من الغذاء و فضل فضلا من باب قتل: زاد و خذ الفضل اى الزياده من زياده طعام و شراب، و اجريت له نفقه: جعلتها جاريه اى داره متصله، و الجوف من كل شى ء: باطنه و داخله و جوف الانسان: بطنه، و اودعت زيدا ما لا جعلته عنده ليكون وديعه، و القرار: ما قر فيه الشى ء اى ثبت و سكن كالمقر، و الاشاره بذلك الى ماهياه الله تعالى للجنين من الغذاء و القوت فى بطن امه، قال شارح الاسباب: الجنين فى بطن امه يغتذى بدم الطمث و بعد الخروج باللبن و هو دم الطمث بعينه و هذا الدم فضل من فضول بدن الام يغتذى الجنين باجود ما فيه. \par قال الشيخ الرئيس فى القانون: و اعلم ان دم الطمث فى الحامل ينقسم ثلثه اقسام: قسم ينصرف فى الغذاء و قسم يصعد الى الثدى و قسم هو فضل يتوقف الى ان ياتى وقت النفاس \par و كلت الامر اليه و كلا من باب وعد و وكولا: فوضته اليه و تركته يقوم به، و الحول هنا بمعنى الاحتيال و هو تقليب الفكر حتى يهتدى الى المقصود و القدره على التصرف فى الامور، و اضطره الى كذا بمعنى الجا اليه و ليس له منه بد، و اعتزل عنه و اعتزله: تنحى عنه جانبا من عزلت الشى ء عن غيره من باب ضرب: نحيته عنه. و بعد القوه عباره عن تاتيها له و قدرته عليها فجعلها بمنزله من بعد مكانه عنه، و مفاد هذا الفصل من الدعاء الاذعان له تعالى و الاعتراف بلطفه به و اعتنائه بامره اذ قام له بما يحتاج اليه فى تلك الحالات و الاطوار التى لا يتمكن فيها من حول و لا قوه و لا يقتدر فيها على جلب منفعه و دفع مضره فسبحانه من خالق حكيم لطيف. \par
026    32    (بيان شيخنا البهائى قدس سره فى المراد بهذا الفصل من الدعاء و معناه) \par (فغذوتنى بفضلك غذاء البر اللطيف، تفعل ذلك بى تطولا على الى غايتى هذه، لا اعدم برك، و لا يبطى ء بى حسن صنيعك، و لا تتاكد مع ذلك ثقتى فاتفرغ لما هو احظى لى عندك قد ملك الشيطان عنانى فى سوء الظن و ضعف اليقين \par
026    32    فانا (اشكو سوء مجاورته لى، و طاعه نفسى له، و استعصمك من ملكته) \par غذوت الصبى اغذوه: اطعمته الغذاء و هو ما يغتذى به من طعام و شراب، و البر بالفتح هو العطوف على العباد ببره و لطفه، و اللطيف هو الذى اجتمع له الرفق فى الفعل و العلم بدقايق المصالح و ايصالها الى من قدرها له و هو فعيل من لطف به من باب طلب اذا رفق به، و اما لطف بالضم فبمعنى صغر ودق، و عدمت الشى ء اعدمه من باب تعب: فقدته و الاسم: العدم مثل قفل و يتعدى الى الثانى بهمزه فيقال: لا اعدمنى الله فضله، و البر بالكسر: الخير و الصله و الاتساع فى الاحسان، و ابطا الرجل: تاخر مجيئه، و الصنيع الاحسان، و اكدته تاكيدا فتاكد: قويته فتقوى اى و لا تتقوى مع عدمى برك و تاخر صنيعك بى ثقتى بك اى اعتمادى على وفائك من وثق به ثقه اى اعتمد على وفائه، و تفرغ للشى ء: تخلى عما يشغله عنه، و حظى ء عند الناس يحظى من باب تعب، حظه و زان عده و حظوه بضم الحاء و كسرها: اذا احبوه و رفعوا منزلته فهو حظى ء على فعيل و المرئه حظيئه اذا كانت عند زوجها كذلك و يتعدى بالهمزه فيقال: احظيته: اذا جعلته حظيئا، و احظى من عباره الدعاء افعل تفضيل من ذلك لا من حظى ء المجرد، و جمله \par
027    32    قوله عليه السلام: قد ملك الشيطان عنانى، مستانفه استينافا بيانيا كانه سئل كيف لا تتاكد مع ذلك ثقتك؟ فقال: قد ملك الشيطان عنانى، و ملك عنانه عباره عن استيلائه عليه و تمكنه منه، و مجاوره الشيطان له: كنايه عن قربه منه، و انما نطق به الخبر النبوى: ان الشيطان يجرى من ابن آدم مجرى الدم، وفى خبر آخر: لو لا ان الشياطين يحومون على قلوب بنى آدم لنظروا الى ملكوت السموات. و قرب من كان كذلك ظاهر، و الطاعه: اسم من اطاعه اى انقاد له قالوا و لا تكون الطاعه الا عن امر كما ان الجواب لا يكون الا عن قول، و استعصمك اى اسئلك العصمه و هى الحفظ و الوقايه و الملكه محركه: الملك مصدر ملكت الشى ء قال فى القاموس: ملكه يملكه ملكا مثلثه و ملكه محركه: احتواه قادرا على الاستبداد به انتهى، و قد يفسر الملك بانه اتصال بين الانسان و بين شى ء يكون مبيحا لتصرفه فيه و مانعا عن تصرف غيره فيه و هو هنا مجاز عن استيلائه و استحواذه عليه و الله اعلم، قال شيخنا البهائى: المراد بهذا الفصل من الدعاء و معناه: انه كان ينبغى ان يكون وثوقى بك و اعتمادى عليك فى ايصال رزقى و كفايه \par
027    32    مهماتى موكدا حتى لا اصرف غالب اوقاتى فى السعى فى ذلك بل اكون فارغا مشتغلا بما يوجب زياده حظى من عبادتك و الانقطاع اليك و العكوف على بابك، انتهى، و من كلام بعض العارفين: من اراد ان يذوق شيئا من احوال اهل العرفان فليكن كما كان فى بطن امه مد برا غير مد بر مرزوقا من حيث لا يعلم و الله اعلم. \par و اتضرع اليك فى صرف كيده عنى، \par تضرع الى الله، اى اجتهد و بالغ فى الدعاء، \par
028    32    و اسئلك فى ان تسهل الى رزقى سبيلا، فلك الحمد على ابتدائك بالنعم الجسام، و الهامك الشكر على الاحسان و الانعام، فصل على محمد و آله، سهل على رزقى و ان تقنعنى بتقديرك لى، و ان ترضينى بحصتى فيما قسمت لى و ان تجعل ما ذهب من جسمى و عمرى فى سبيل طاعتك، انك خير الرازقين) \par و سهل الله الشى ء بالتشديد: جعله سهلا غير صعب، و السبيل هنا يحتمل ان يكون بمعنى الطريق و يحتمل ان يكون بمعنى السبب و الوصله و منه قوله تعالى: يا ليتنى اتخذت مع الرسول سبيلا و النعم: جمع نعمه و هى ما قصد به الاحسان و النفع، و نعمه الله: ما اعطاه العبد مما لا يمكن غيره ان يعطيه كالسمع و البصر، و جسم الشى ء جسامه كضخم ضخامه: عظم فهو جسيم و هى جسيمه و الجمع جسام، و الالهام ان يلقى الله فى نفس العبد بطريق الفيض امرا يبعثه على الفعل او الترك، قالوا: و هو نوع من الوحى يخص الله به من بشاء من عباده، و الاحسان: ما يحسن فعله من الخير، و الانعام: ايصال النعمه، و تسهيل الرزق: تيسيره، و قنع بالشى ء يقنع قنعا و قناعه من باب تعب رضى به، و يتعدى بالهمزه فيقال: اقنعنى و قد يعدى بالتضعيف، و تقدير الشى ء: جعله بمقدار خاص و المراد هنا تقدير رزقه المخصوص بمقدار خاص و الحصه بالكسر: النصيب، و قسم الله له الرزق: عينه و قرره من غيره حسب ما تقتضيه مشيته و حكمته تعالى كما قال تعالى: نحن قسمنا بينهم معيشتهم فى الحيوه الدنيا و رفعنا بعضهم فوق بعض درجات و الغرض سواله تعالى ان يصير جمله ما ذهب من جسمه و عمره معدودا \par
028    32    فى سبيل طاعته بتبديل ما ذهب فيه منهما من غير الطاعه طاعه من باب تبديل السيئات حسنات كما قال تعالى: الا من تاب و آمن و عمل عملا صالحا فاولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات و كونه تعالى خير الرازقين، لانه خالق الارزاق بلا عوض و لانه يعطى المزيد من يشكره على رزقه، و قال العلامه الطبرسى فى قوله: و ارزقنا و انت خير الرازقين فى هذه دلاله على ان العباد قد يرزق بعضهم بعضا لانه لو لم يكن كذلك لم يصح ان يقال له سبحانه: انت خير الرازقين كما لا يجوز ان يقال: انت خير الالهه لما لم يكن غيره الها و الله اعلم. \par
029    32    (قوله عليه السلام: و بعيدها قريب، يحتمل وجوها من التفسير..) \par (اللهم انى اعوذبك من نار تغلظت بها على من عصاك، و توعدت بها من صدف عن رضاك، و من نار نورها ظلمه: و هينها اليم، و بعيدها قريب.) \par غلظ الشى ء بالضم غلظا كعنب: خلاف رق. و غلظ على خصمه و تغلظ عليه: تشدد، و منه: يا ايها النبى جاهد الكفار و المنافقين و اغلظ عليهم و توعده: تهدده، و صدف عنه يصدف من باب ضرب صدوفا: اعرض، (قوله عليه السلام: من نار نورها ظلمه) روى ان رسول الله صلى الله عليه و آله قال: او قد على النار الف سنه حتى احمرت ثم اوقد عليها الف سنه حتى ابيضت ثم اوقد عليه الف سنه حتى اسودت فهى سوداء مظلمه كسواد الليل، و فى روايه فهى اشد سوادا من القار يعنى الزفت قوله عليه السلام: و هينها اليم، هان الشى ء هونا: لان و سهل فهو هين و الاليم: الموجع: قوله عليه السلام و بعيدها قريب، يحتمل وجوها من التفسير \par احدها- ان يكون المراد بالبعيد ما يستبعد و قوعه و يستعظم شانه و بالقريب خلافه، قال ابن الاثير فى النهايه: يقال: هذا امر بعيد اى لا يقع مثله لعظمه فيكون المعنى ان ما تستبعده العقول من امرها قريب الوقوع فيها لا بعد فيه فاعتبار البعد و القرب بالنسبه الى الامكان، و به فسر الزمخشرى و غيره قوله تعالى: انهم يرونه بعيدا و نراه قريبا قال فى الكشاف: المراد: بالبعيد عن الامكان و بالقريب: القريب منه. \par
029    32    الثانى- البعيد منها مكانا لا يمنعه بعده من اصابه حرها و عذابها بل هو قريب بالنسبه اليها كما روى لو ان رجلا كان بالمشرق و جهنم بالمغرب ثم كشف عن غطاء منها لغلت جمجمته، و فى روايه لو كان احدكم بالمشرق و كانت النار بالمغرب ثم كشف عنها لخرج دماغ احدكم من منخريه من شده حرها \par الثالث- ان يكون تلميحا الى قوله تعالى: يستعجلونك بالعذاب و ان جهنم لمحيطه بالكافرين اى محيطه بهم الان تنزيلا لشى ء سيقع عن قريب منزله الواقع، و قيل: هو على الحقيقه من معنى الحال فان مبادى احاطه النار بهم من الكفر و المعاصى المتشكله فى هذه النشاه بصوره الاعمال و الاخلاق هى بعينها جهنم التى ستظهر عليهم فى النشاه الاخرويه بصوره النار و عقاربها و حياتها كما نص عليه كثير من ارباب العرفان و كون بعيدها قريبا على هذين القولين لا خفاء به. \par (اسناد السقى الى النار مجاز عقلى لانها...) \par (و من نار ياكل بعضها بعض، و يصول بعضها على بعض، \par الاكل حقيقه: بلع الطعام بعد مضغه ثم استعير للاحراق فى النار: قال الزمخشرى فى الاساس: و من المجاز اكلت النار الحطب و ايتكلت النار: اشتد التهابها كانما ياكل بعضها: بعضا، انتهى، وصال يصول صولا: حمل، \par
030    32    (اسناد السقى الى النار مجاز عقلى لانها...) \par و من نار تذر العظام رميما، و تسقى اهلها حميما، و من نار لا تبقى على من تضرع اليها، و لا ترحم من استعطفها، و لا تقدر على التخفيف عمن خشع لها، و استسلم اليها، تلقى سكانها باحر مالديها من اليم النكال و شديد الوبال). \par ورم العظم يرم من باب ضرب: اذا بلى فهو رميم قال الجوهرى: و انما قال تعالى: قال من يحى العظام و هى رميم لان فعيلا و فعولا قد يستوى فيهما المذكر و المونث و الجمع مثل رسول و عدو و صديق، و الحميم: الماء الحار الشديده الحراره و قد تكرر ذكره فى القرآن المجيد، و اسناد السقى الى النار مجاز عقلى لانها سبب لشربهم له، و ابقيت على فلان: اذا ارعيت عليه و رحمته، و \par
030    32    استعطفه: ساله ان يعطف عليه اى يشفق عليه و يرق له، و قدر على الشى ء يقدر من باب ضرب: قوى عليه و تمكن منه، و خشع له يخشع خشوعا: ذل و خضع، و استسلم: اذ عن له و انقاد، و التخفيف اعم من ان يكون كما و كيفا، و النكال بالفتح: العقوبه، و الوبال سوء العاقبه. \par
031    32    (مضمون هذه العباره من الدعاء نطق به القرآن فى مواضع...) \par (و اعوذ بك من عقاربها الفاغره افواهها، و حياتها الصالقه بانيابها، و شرابها الذى يقطع امعاء و افئده سكانها، و ينزع قلوبهم، و استهديك لما باعد منها و اخر عنها) \par العقارب: جمع عقرب و هى دويبه من ذوات السموم تكون للذكر و الانثى بلفظ واحد و قد يقال للانثى عقربه و عقرباء ممدودا غير مصروف، و فغرفوه فغرا. من باب نفع: انفتح، و فغرفاه: فتحه يتعدى و لا يتعدى، و الحيات جمع حيه و هى اسم يطلق على الذكر و الانثى فان اردت التميز قلت: هذا حيه ذكر و هذه حيه انثى، و صلق صلقا من باب ضرب: صوت صوتا شديدا كاصلق اصلاقا، و صلق الفحل بنا به و اصطلق: صوت، قال الجوهرى: و اصلق لغه فى صلق، و منه قول العجاج يصف الحمار: اصلق ناباه صياح العصفور و الفحل يصطلق بنا به و ذلك صريفه انتهى، قال الزمخشرى فى الفايق: الصريف: ان يشد نابا على ناب فيصوتا و هو فى الفحوله من ايعاد و فى الاناث من اعياء و ربما كان من نشاط، انتهى، فمعنى قوله عليه السلام: الصالقه بانيابها اى الصارفه بها و هو اولى من تفسيره بالضاربه من قولهم صلقه بالعصا اى ضربه بها لان فى التصريف من التحويل ما ليس فى الضرب، قوله عليه السلام يقطع امعاء و افئده، مضمون هذه العباره من الدعاء نطق به القرآن المجيد فى مواضع: منها- فى قوله تعالى: و سقوا ماء حميما فقطع امعائهم و قوله سبحانه: يصب من فوق روسهم الحميم يصهر به ما فى بطونهم و الجلود اى يذاب بذلك الحميم ما فى بطونهم من الامعاء و الاحشاء قوله عليه السلام: و استهديك لما باعد منها و اخر عنها: استهداه: طلب ان يهديه، و الغرض \par
031    32    سوال التوفيق للطاعه الموجبه للنجاه من النار، و باعد بمعنى ابعد، و فيه تلميح الى قوله تعالى: ان الذين سبقت لهم منا الحسنى اولئك عنها مبعدون قبل: المراد بالحسنى: التوفيق للطاعه و بالابعاد عنها: الابعاد من عذابها لاعن نفسها اذ لابد لكل احد من ورودها بنص قوله تعالى: و ان منكم الا واردها كان على ربك حتما مقضيا ثم ننجى الذين اتقوا و نذر الظالمين فيها جثيا. \par (فى الوجوه التى قيل فى فائده ايراد المومنين النار..) \par و استشكل بان المومنين كيف يردون النار؟ و اجيب بما روى عن جابر بن عبدالله انه سئل رسول الله (ص) عن ذلك فقال: اذا دخل اهل الجنه الجنه قال بعضهم لبعض اليس وعدنا ربنا ان نرد النار؟ فيقال: لهم قد وردتموها و هى خامده، و عنه ايضا ان رسول الله صلى الله عليه و آله قال: الورود: الدخول لا يبقى بر و لا فاجر الا دخلها فتكون على المومنين بردا و سلاما كما كانت على ابراهيم عليه السلام، و فى روايه: ان النار تقول للمومن يوم القيمه جزيا مومن فقد اطفا نورك لهبى. \par فان قيل: ما الفائده فى ايراد المومنين النار اذا لم يتعذبوا بها؟ \par قيل فيه وجوه: \par منها- ان يزداد و اسرورا اذا راو الخلاص منها. \par منها- افتضاح الكافرين اذا اطلع المومنون عليهم. \par منها- ان المومنين يوبخون الكفار و يسخرون منهم كما سخروا منهم فى الدنيا. \par منها- ان يزيد التذاذهم بالجنه و نعيمها فبضدها تتبين الاشياء. \par و قيل: المراد بالابعاد عنها: انهم لا يدخلون النار و لا يقربونها البته لان من جعل بعيدا عن شى ء ابتداء يحسن ان يقال انه العبد عنه، و هولاء لم يفسروا الورود فى قوله تعالى و ان منكم الاواردها، بالدخول، و احتجوا بقول ابن عباس: قد يرد الشى ء الشى ء و لم يدخله كقوله تعالى و لما ورد ماء مدين و معلوم ان موسى لم يدخل الماء و لكنه قرب \par
031    32    منه فالمراد بالورود جثوهم حولها، و عن ابن مسعود و قتاده: و رودها: هو الجواز على الصراط لان الصراط ممدود عليها، و قيل: هو مس الحمى فى الدنيا لقوله عليه السلام: الحمى من قيح جهنم، و فى روايه: الحمى حظ كل مومن من النار و الله اعلم، قوله عليه السلام: و اخر عنها، اخرته ضد قدمته قتاخر هذا هو الاصل لكنه اذا عدى بعن فالمراد التنحيه و الابعاد يقال: اخر عنى جهلك اى نحه و ابعده، و قد يستعمل بمعنى التخليف تقول: ما اخرك عن صلوه الجماعه اى ما خلفك و اقعدك حتى لم تحضرها، و هذه الفقره تاكيد للتى قبلها و الله اعلم. \par
032    32    (لاى معنى قيد الصلوه عليهم بزمان ذكر الابرار؟) \par (اللهم صل على محمد و آله، و اجرنى منها بفضل رحمتك، و اقلنى عثراتى بحسن اقالتك و لا تخذلنى يا خير المجيرين، \par اجرنى اى اعذنى و آمنى منها، و الفضل: الزياده اى بمزيد رحمتك، و اقال الله عثرته: رفعه من سقوطه، و منه الاقاله فى البيع لانها رفع للعقد، و العثرات: جمع عثره و هى فى الاصل المره من عثر الرجل يعثر من باب قتل اى كبا و سقط و المراد بها هنا الخطيئه و الزله لانها سقوط فى الاثم، و خذله خذلا من باب قتل: ترك نصرته و اعانته و الاسم: الخذلان بالكسر، \par
033    32    اللهم انك تقى الكريهه، و تعطى الحسنه، و تفعل ما تريد، و انت على كل شى ء قدير، \par و وقيه الله السوء يقيه وقايه بالكسر حفظه منه، و الكريهه: النازله و الشده يقال: لقيت منه كراهيه الدهر اى نوازله و شدائده، و الحسنه: ضد السيئه، و تفعل ما تريد، اى كل ما تريده لا يمنعك مانع و لا تعجز عن شى ء. \par
034    32    اللهم صل على محمد و آله، اذا ذكر الابرار، و صل على محمد و آله، ما اختلف الليل و النهار، صلوه لا ينقطع مددها، و لا يحصى عددها، صلوه تشحن الهواء، و تملاء الارض و السماء \par قوله عليه السلام: اللهم صل على محمد و آله اذا ذكر الابرار، فان قلت: لاى معنى قيد الصلاه عليهم نرمان ذكر الابرار؟ \par قلت: لامرين: \par احد هما- انه زمان فيض و رحمه كما ورد فى الحديث: عند ذكر الصالحين تنزل الرحمه. \par الثانى- اظهار عظمتهم و كرامتهم لديه سبحانه اذ كانوا سادات الابرار و روسائهم، قوله عليه السلام: ما اختلف الليل و النهار، اى مده اختلاف الليل و النهار، قوله عليه السلام: لا ينقطع مددها، مدد الشى ء: ما يمد به و يزاد و يكثر، و الغرض: طلب استمرار الصلوه عليهم، و شحنت البيت و غيره شحنا من باب نفع ملاءته، و الهواء بالمد: الجو و هو ما بين السماء و الارض و المراد بكونها تشحن الهواء و تملاء الارض و السماء، التمثيل لكثره عددها، \par
035    32    صلى الله عليه حتى يرضى، و صلى الله عليه و آله بعد الرضا، صلاه لاحد لها و لا منتهى، يا ارحم الراحمين) \par قوله عليه السلام: صلى الله عليه حتى يرضى، حتى للغايه اى الى ان يقول رضيت، و لما كان الغايه تستلزم الانتهاء لان كل شى ء اذا بلغ غايته انتهى و وقف عندها لم يرض عليه السلام بذلك بل سئل ان تكون الصلوه عليه بعد الرضا ايضا فقال: و صلى الله عليه و آله بعد الرضا لتكون الصلوه عليه جاريه مستمره ابدا لاتقف عند حد و لا تنتهى عند غايه ثم بين ذلك بقوله: صلوه لاحد لها و لا منتهى، والحد: النهايه، و المنتهى: مصدر ميمى من انتهى الامر اى بلغ النهايه. \par
001    33    الدعاء الثالث و الثلثون \par من ادعيه الصحيفه السجاديه: و هو دعائه عليه السلام فى الاستخاره \par \par
001    33    بسم الله الرحمن الرحيم \par (معنى الاستخاره) \par استخرت الله استخاره: طلبت منه الخيره و هى اسم من الاختيار كالفديه من الافتداء و فى الاساس: استخرت الله فى ذلك فخار لى اى طلبت منه خير الامرين فاختاره لى، و اصل الاستخاره: الاستخيار على وزن استفعال نقلت حركه عينه الى فائه الساكنه قبلها و قلبت العين الفا ثم حذفت لالتقاء الساكنين و عوض عنها تاء التانيث و هذا مطرد فى مصدر استفعل معتل العين كاستقام استقامه و استعاذ استعاذه فالاستخاره استفعال من الخير. \par (استحباب الاستخاره عند العامه و الخاصه) \par مقدمه: لا ريب فى استحباب الاستخاره عند العامه و الخاصه و الاخبار بذلك مستفيضه من الطريقين: اما من طريق العامه فروى البخارى فى صحيحه عن جابر بن عبدالله قال: كان رسول الله صلى الله عليه (و آله) يعلمنا الاستخاره فى الامور كلها كالسوره من القرآن يقول اذاهم احدكم بالامر فليركع ركعتين من غير الفريضه ثم ليقل: اللهم انى استخيرك بعلمك، و استقدرك بقدرتك، «الى آخر الدعاء» و سياتى، و روى الترمذى باسناده الى ابى بكران النبى صلى الله عليه (و آله) كان اذا اراد الامر قال: اللهم خرلى و اخترلى، و عن انس قال قال رسول الله صلى الله عليه (و آله) يا انس اذا هممت بامر فاستخر ربك فيه سبع مرات ثم انظر الى الذى سبق الى قلبك فان الخير فيه، و روى الحاكم بسنده فى صحيح المستدرك عنه صلى الله عليه (و آله): قال من سعاده ابن آدم استخارته الله و من شقوته تركه استخاره الله، \par و اما من طريق الخاصه فالروايات فيها اكثر من ان تحصى فمن ذلك: \par ما رواه ثقه الاسلام فى الكافى بسند صحيح قال قال ابوعبدالله عليه السلام: صل ركعتين \par
001    33    و استخر الله فو الله ما استخار الله مسلم الاخار له البته. \par و روى البرقى فى محاسنه عن ابى عبدالله عليه السلام قال قال الله عز و جل: من شقاء عبدى ان يعمل الاعمال فلا يستخيرنى. \par و عنه عليه السلام انه قال: ما ابالى اذا استخرت على اى طرفى وقعت و كان ابى يعلمنى الاستخاره كما يعلمنى السوره من القرآن. \par و عنه عليه السلام: من دخل فى امر بغير استخاره ثم ابتلى لم يوجر \par و روى الطوسى فى اماليه عن اميرالمومنين عليه السلام قال: لما و لانى النبى صلى الله عليه و آله على اليمن قال لى و هو يوصينى يا على! ما حار من استخار و لا ندم من استشار، الى غير ذلك من الاخبار البالغه جملتها حد التواتر اذا عرفت ذلك \par (هنا مسائل) \par الاولى. ذكر الشيخ المفيد فى الرساله الغريه: انه لا ينبغى للانسان ان يستخير الله تعالى فى شى ء مما نهاه عنه و لا فى اداء فرض و انما الاستخاره فى المباح و ترك نفل الى نفل لا يمكنه الجمع بينهما كالحج و الجهاد تطوعا، او لزياره مشهد دون آخر اوصله اخ دون آخر. \par الثانيه- من آداب المستخير ان يطهر ظاهره من الحدث و الخبث و باطنه من الشك و الريب و ان يصلى ركعتين يقرا فيهما بعد الحمد ما شاء و يقنت فى الثانيه و ان يتادب فى صلوته كما يتادب السائل المسكين و ان يقبل على الله بقلبه فى صلوته و دعائه الى وقت فراغه، و ان لا يكلم احدا فى اثناء الاستخاره فعن الصادق عليه السلام: كان ابى اذا اراد الاستخاره فى الامر توضا و صلى ركعتين و ان كانت الخادمه لتكلمه فيقول سبحان الله و لا يتكلم حتى يفرغ. \par و قال الجواد عليه السلام: لعلى بن اسباط: و لا تكلم احدا بين اضعاف الاستخاره حتى تتم مائه مره و اذا خرجت الاستخاره مخالفه لمراده فلا يقابلها بالكراهه بل بالشكر على ان جعله الله تعالى اهلا لان يستشيره. \par الثالثه- للاستخاره انواع وردت بها الاخبار عنهم عليهم السلام: منها الاستخاره \par
001    33    بالدعاء و فيها روايات: \par منها- ما رواه الطبرسى فى مكارم الاخلاق مرفوعا عن جابر بن عبدالله قال كان رسول الله صلى الله عليه و آله يعلمنا الاستخاره كما يعلمنا السوره من القرآن يقول: اذاهم احدكم بامر فليركع ركعتين من غير الفريضه ثم ليقل: اللهم انى استخيرك بعلمك و استقدرك بقدرتك و اسئلك من فضلك العظيم فانك تقدر و لا اقدر و تعلم و لا اعلم و انت علام الغيوب اللهم ان كنت تعلم هذا الامر «و تسميه» خيرا لى فى دينى و معاشى و عاقبه امرى فاقدره لى و يسره لى و بارك لى فيه، و ان كنت تعلم انه شر لى فى دينى و معاشى و عاقبه امرى فاصرفه عنى و اصرفنى عنه و قدر لى الخير حيث ما كان و رضنى به. و هذه الروايه هى التى ذكرها البخارى فى صحيحه مع تفاوت يسير فى الفاظ الدعاء \par و منها- ما رواه الطبرسى ايضا فى الكتاب المذكور قال كان اميرالمومنين عليه السلام يصلى ركعتين و يقول فى دبرهما: استخير الله، مائه مره ثم يقول: اللهم انى قد هممت بامر قد علمته فان كنت تعلم انه خير لى فى دينى و دنياى و آخرتى فيسره لى و ان كنت تعلم انه شرلى فى دينى و دنياى و آخرتى فاصرفه عنى كرهت نفسى ذلك ام احببت فانك تعلم و لا اعلم و انت علام الغيوب ثم يعزم. \par و منها- ما رواه ثقه الاسلام فى الكافى بسنده عن جابر عن ابى جعفر عليه السلام قال كان على بن الحسين عليهماالسلام اذا هم بامر حج او عمره او بيع او شراء او عتق تطهر ثم صلى ركعتى الاستخاره فقرا فيهما سوره الرحمن و الحشر و المعوذتين و قل هو الله احد ثم قال اللهم ان كان كذا و كذا خيرا لى فى دنياى و آخرتى و عاجل امرى و آجله فيسره لى على احسن الوجوه و اجملها و ان كان كذا و كذا شرا لى فى دينى و دنياى و آخرتى و عاجل امرى و آجله فاصرفه عنى على احسن الوجوه رب اعزم على رشدى و ان كرهت ذلك و ابته نفسى، و فى روايه اخرى: و ان كرهت او احببت ذلك نفسى بسم الله الرحمن الرحيم ما شاء الله لا حول و لا قوه الا بالله حسبى الله و نعم الوكيل ثم يمضى و يعزم. \par و منها- ما ذكره فى مكارم الاخلاق: ان رجلا جاء الى ابى عبدالله عليه السلام فقال له جعلت فداك انى ربما ركبت الحاجه فاندم عليها فقال له: اين انت عن الاستخاره؟ \par
001    33    فقال: اذا صليت صلوه الفجر فقل بعد ان ترفع يديك حذاء وجهك: اللهم انك تعلم و لا اعلم و انت علام الغيوب فصل على محمد و آله و خر لى فى جميع ما عزمت به من امورى خيار بركه و عافيه. \par و منها- ما رواه فى كتاب: من لا يحضره الفقيه ان محمد بن خالد القسرى سئل اباعبدالله عليه السلام عن الاستخاره فقال: استخر الله فى آخر ركعه من صلوه الليل و انت ساجد قيل: كيف اقول؟ قال: تقول استخير الله برحمته استخير الله برحمته. \par و منها- ما رواه ثقه الاسلام فى الكافى و شيخ الطائفه فى التهذيب عن اسحاق بن عمار قال: قلت لابى عبدالله عليه السلام ربما اردت الامر تفرق منى فريقان احدهما يامرنى و الاخر ينهانى فقال لى اذا كنت كذلك فصل ركعتين و استخر الله ماه مره و مره ثم انظر اجزم الامرين لك فافعله فان الخيره فيه انشاء الله و لتكن استخارتك فى عافيه فانه ربما خير للرجل فى قطع يده و موت ولده و ذهاب ماله. \par و منها- مارواه ثقه الاسلام و رئيس المحدثين فى الفقيه عن مرازم قال قال لى ابوعبدالله عليه السلام: اذا اراد احدكم شيئا فليصل ركعتين ثم ليحمد الله و ليثن عليه و يصلى على محمد و على اهل بيته و يقول: اللهم ان كان هذا الامر خيرا فى دينى و دنياى فيسره لى و اقدره و ان كان غير ذلك فاصرفه عنى فسئلته اى شى ء اقرا فيهما فقال: اقرا فيهما ما شئت و ان شئت قرات فيهما قل هوالله احد و قل يا ايها الكافرون، و فى روايه الفقيه و قل هوالله احد تعدل ثلث القرآن. \par و منها- ما روى عن الصادق عليه السلام قال: اذا عرضت لاحدكم حاجه فليستشر ربه فان اشار عليه اتبع و ان لم يشر توقف فقيل كيف يفعل؟ قال يسجد عقيب المكتوبه و يقول: اللهم خرلى، ثم ينظر ما الهم فيفعل فهو الذى اشار عليه ربه عزوجل. \par و منها- ما رواه البرقى باسناده عن هارون بن خارجه قال سمعت اباعبدالله عليه السلام يقول: اذا اراد احدكم امرا فلا يشاورن فيه احدا حتى يبدء فيشاور الله، قلت: و ما مشاوره الله؟ قال: يبدء فليستخر الله فيه اولا ثم بشاور فيه فانه اذا بدا بالله تبارك و تعالى اجرى الله الخيره له على لسان من يشاء من الخلق. \par
001    33    (الاستخاره بالمصحف) \par و منها (اى من انواع الاستخاره) الاستخاره بالمصحف و هى انواع: \par منها- ما رواه شيخ الطائفه فى التهذيب بسنده الى اليسع القمى قال: قلت لابى عبدالله عليه السلام: اريد الشى ء فاستخير الله فلا يوفق فيه الراى افعله اوادعه؟ فقال: انظر اذا قمت الى الصلوه فان الشيطان ابعد ما يكون من الانسان اذا قام الى الصلوه اى شى ء يقع فى قلبك فخذبه و افتح المصحف فانظر الى اول ما ترى فيه فخذ به انشاء الله. \par و منها- ما ذكره الطبرسى فى كتاب مكارم الاخلاق، يصلى صلوه جعفر فاذا فرغ دعا بدعائها ثم ينوى فرج آل محمد بدءا و عودا ثم يقول: اللهم ان كان فى قضائك و قدرك ان تفرج عن وليك و حجتك على خلقك فى عامنا هذا و شهرنا هذا فاخرج لنا راس آيه من كتابك نستدل بها على ذلك ثم تعد سبع و رقات و تعد عشرا اسطر من ظهر الورقه السابعه و تنظر ما ياتيه فى الحادى عشر من السطور ثم يعيد الفعل ثانيا لنفسه فانه تبين حاجته انشاء الله. \par و منها- ما نقل عن خط العلامه الحسن بن المطهر الحلى روى عن الصادق عليه السلام قال اذا اردت الاستخاره من الكتاب العزيز فقل بعد البسمله اللهم ان كان فى قضائك و قدرك ان تمن على شيعه آل محمد بفرج وليك و حجتك على خلقك فاخرج الينا آيه من كتابك نستدل بها على ذلك ثم تفتح المصحف و تعدست ورقات و من السابعه سته اسطر و تنظر ما فيه. \par و منها- ما ذكره السيد الجليل على بن طاووس فى كتاب الاستخارات ان المتفال بالمصحف يقرا الحمد، و آيه الكرسى، و قوله تعالى: و عنده مفاتح الغيب «الايه» ثم يقول: اللهم ان كان فى قضائك و قدرك ان تمن على امه نبيك بظهور وليك و ابن بنت نبيك فعجل ذلك و سهله و يسره و كمله و اخرج لى آيه استدل بها على امر فاتمرو نهى فانتهى و ما اريد الفال فيه فى عافيه ثم افتح المصحف وعد سبع قوائم ثم عد ما فى الصفحه اليمنى من الورقه السابعه و ما فى اليسرى من الورقه الثامه من لفظ الجلاله ثم عد قوائم بعد الجلالات ثم عدمن الصفحه اليمنى من القائمه التى ينتهى اليها العدد \par
001    33    اسطرا بعدد لفظ الجلاله و تفال بآخر سطر من ذلك يتبين لك الفال انشاء الله. \par و منها- ما نقل واشتهر عن السيد المذكور ايضا: من اراد الاستخاره بالقرآن المجيد فليقرء آيه الكرسى الى هم فيها خالدون و آيه: و عنده مفاتح الغيب لا يعلمها (الى) مبين ثم يصلى على النبى عشرا ثم يدعو بهذا الدعاء: اللهم انى توكلت عليك و تفالت بكتابك فارنى ما هو المكتوم فى سر المخزون فى غيبك يا ذا الجلال و الاكرام اللهم انت الحق و انزلت الحق بمحمد صلى الله عليه و آله اللهم ارنى الحق حقا حتى اتبعه وارنى الباطل باطلا حتى اجتنبه برحمتك يا ارحم الراحمين ثم تفتح المصحف و تعد الجلالات من الصفحه اليمنى و تعد بعدد الجلالات اوراقا من الصفحه اليسرى ثم تعد الاسطر بعدد الاوراق من الصفحه اليسرى فما ياتى بعد ذلك فهو بمنزله الوحى. \par (الاستخاره بالرقاع) \par و منها (من انواع الاستخاره) الاستخاره بالرقاع، و فى كيفيتها روايات: \par منها- ما رواه ثقه الاسلام فى الكافى عن على بن محمد رفعه عنهم عليهم السلام: انه قال لبعض اصحابه و قد سئله عن الامر يمضى فيه و لا يجد احدا يشاوره كيف يصنع؟ قال: شاور ربك، قال فقال له كيف؟ قال: انو الحاجه فى نفسك ثم اكتب رقعتين فى واحده: «لا» و فى واحده «نعم» و اجعلهما فى بندقتين من طين ثم صل ركعتين و اجعلهما تحت ذيلك و قل يا الله انى اشاورك فى امرى هذا و انت خير مستشار و مشير فاشر على بما فيه صلاح و حسن عاقبه ثم ادخل يدك فان كان فيها «نعم» فافعل و ان كان فيها «لا» لا تفعل كذا تشاور ربك. \par و منها- الاستخاره المشهوره التى مدار عمل الاصحاب عليها و هى ما رواه ثقه الاسلام فى الكافى عن غير واحد عن سهم بن زياد عن احمد بن محمد البصرى عن القسم بن عبدالرحمن الها شمى عن هارون بن خارجه عن ابى عبدالله عليه السلام قال: اذا اردت امرا فخذ ست رقاع فاكتب فى ثلث منها: بسم الله الرحمن الرحيم خيره من الله العزيز الحكيم لفلان بن فلانه «افعل» و فى ثلث منها: بسم الله الرحمن الرحيم خيره من الله العزيز الحكيم لفلان بن فلانه «لا تفعل» ثم ضعها تحت مصلاك ثم صل ركعتين \par
001    33    فاذا فرغت فاسجد سجده و قل فيها مائه مره: استخير الله برحمته خيره فى عافيه ثم استو جالسا و قل: اللهم خرلى و اختر لى فى جميع امورى فى يسر منك و عافيه ثم اضرب بيدك الى الرقاع فشوشها و اخرج واحده فان خرج ثلث متواليات «افعل» فافعل الامر الذى تريده، و ان خرج ثلث متواليات، «لا تفعل» فلا تفعله، و ان خرجت واحده «افعل» و الاخرى «لا تفعل» فاخرج من الرقاع الى خمس فانظر اكثرها فاعمل به ودع السادسه لاتحتاج اليها، و ذكر هذه الروايه شيخ الطائفه فى التهذيب ايضا. \par (انكار ابن ادريس الاستخاره بالرقاع، ورده) \par و انكر ابن ادريس الاستخاره بالرقاع مطلقا، فقال فى السرائر: اما الرقاع و البنادق و القرعه فمن اضعف اخبار الاحاد و شواذ الاخبار لان من رواتها فطحيه مطعونون مثل زرعه و رفاعه و غير هما فلا يلتفت الى ما اختصتا بروايته و لا يعرج عليه، و المحصلون من اصحابنا ما اختاروا فى كتب الفقه الا ما اخترناه من الاستخاره بالدعاء و لا يذكرون البنادق و الرقاع و القرعه الا فى كتب العبادات دون كتب الفقه، و شيخنا ابوجعفر الطوسى لم يذكر فى نهايته و مبسوطه و اقتصاده الا ماذكرناه و اخترناه و لم يتعرض للبنادق، و كذلك المفيد فى رسالته الى ولده لم يتعرض للرقاع و البنادق، بل اورد روايات كثيره فيها صلوات و ادعيه و لم يتعرض لشى ء من الرقاع، انتهى، و تعقبه العلامه الحلى فى كتاب المختلف فقال: هذا الكلام فى غايه الردائه و اى فارق بين ذكره فى كتب الفقه و كتب العبادات فان كتب العبادات هى المختصه به، و مع ذلك فقد ذكره المفيد فى المقنعه و هى كتاب فقه و فتوى، و ذكره الشيخ فى التهذيب هو اصول الفقه و اى محصل اعظم من هذين؟ و هل استفيد الفقه الا منهما. \par و اما نسبه الروايه الى زرعه و رفاعه فخطاء فان المنقول فيه روايتان: \par احديهما- رواها هارون بن خارجه عن الصادق عليه السلام. \par و الثانيه- رواها محمدبن يعقوب الكلينى عن على بن محمد رفعه عنهم عليهم السلام. \par و ليس فى طريق الروايتين زرعه و لارفاعه، و اما نسبه زرعه و رفاعه الى الفطحيه فخطاء: اما زرعه فانه واقفى و كان ثقه و اما رفاعه فانه ثقه صحيح المذهب و هذا كله يدل على \par
001    33    قله معرفته بالروايات و الرجال، و كيف يجوز ممن حاله هذا ان يقدم على رد الروايات و الفتاوى و يستبعد ما نص عليه الائمه عليهم السلام، و هلا استبعد الفرعه و هى مشروعه اجماعا فى حق الاحكام الشرعيه و القضاء بين الناس و شرعها دائم فى حق جميع المكلفين، و امر الاستخاره سهل يستخرج منه الانسان معرفه ما فيه الخيره فى بعض افعاله المباحه المشتبهه عليه منافعها و مضارها الدنيويه، انتهى كلامه. \par و قال الشيخ الشهيد محمد بن مكى فى كتاب الذكرى: ما نصه: انكار ابن ادريس الاستخاره بالرقاع لا ماخذله لاشتهارها بين الاصحاب و عدم راد لها سواه ومن اخذ اخذه كالشيخ نجم الدين فى المعتبر حيث قال هى فى حيز الشذوذ فلا عبره بها، و كيف تكون شاذه و قد دونها المحدثون فى كتبهم و المصنفون فى مصنفاتهم و قد صنف السيد العالم العابد صاحب الكرامات الظاهره و المآثر الباهره رضى الدين ابوالحسن على بن طاووس الحسنى رحمه الله كتابا ضخما فى الاستخارات و اعتمد فيه على روايه الرقاع و ذكر من آثارها عجائب و غرائب اراه الله تعالى اياه و قال اذا توالى الامر فى الرقاع فهو خير محض و ان توالى النهى فذلك النهى شر محض و ان تفرقت كان الخير و الشر موزعا بحسب تفرقها على ازمنه ذلك الامر بحسب ترتبها انتهى كلامه رفع مقامه. \par (الاستخاره بالسبحه) \par و منها (من انواع الاستخاره) الاستخاره بالسبحه و كيفيتها على وجوه: \par الاول- ما ذكره صاحب كتاب السعادات مرويا عن الصادق عليه السلام: تقرء الحمد مره و الاخلاص ثلثا و تصلى على محمد و آله خمس عشر مره ثم تقول: اللهم انى اسئلك بحق الحسين و جده و ابيه و امه و اخيه و الائمه من ذريته ان تصلى على محمد و آل محمد و ان تجعل لى الخيره فى هذه السبحه و ان ترينى ما هو الاصلح لى فى الدين و الدنيا اللهم ان كان الاصلح لى فى دينى و دنياى و عاجل امرى و آجله فعل ما انا عازم عليه فآمرنى و الا فانهنى انك على كل شى ء قدير، ثم تقبض قبضه من السبحه تعدها و تقول: سبحان الله (و الحمد لله- ظ) و لا اله الا الله، الى آخر القبضه فان كانت الاخيره: سبحان الله، فهو مخير \par
001    33    بين الفعل و الترك، و ان كان: الحمدلله، فهو امر، و ان كان: لا اله الا الله، فهو نهى. \par
001    33    (اللهم انى استخيرك بعلمك، فصل على محمد و آله، و اقض لى بالخيره، \par استخيرك، اى اطلب منك ان تختار لى اصلح الامرين او الامور، و الباء من قوله: بعلمك اما للسببيه اى بسبب علمك بخيرى و شرى، او للملابسه اى متلبسا بعلمك بخيرى و شرى، او للاستعانه اى مستعينا بعلمك فانى لا اعلم فيم خيرى، و اقض لى بالخيره، من القضاء بمعنى الحكم او اوجب لى الخيره من قضى بمعنى اوجب، قال الازهرى: القضاء لغه على وجوه مرجعها الى انقطاع الشى ء و تمامه و كل ما احكم عليه او اتم او حتم اوادى: اذا وجب او انفذ او امضى فقد قضى، و الخيره: بسكون الياء و فتحها يقال: هما لغتان بمعنى واحد، و قيل: الاولى اسم من الاختيار كالفديه اسم من الافتداء. و الثانيه اسم من تخيرت الشى كالطيره اسم من تطير، و قيل هى بفتح الياء بمعنى الخيار و الخيار هو الاختيار، \par
002    33    (غرضه عليه السلام: تائيد ايقانه و ازدياد قلبه اطمينانا الى اطمينانه) \par (قال صلوات الله و سلامه عليه) \par و الهمنا معرفه الاختيار، و اجعل ذلك ذريعه الى الرضا بما قضيت لنا و التسليم لما حكمت) \par و الهمه الله الامر: القاه فى روعه و قلبه و لقنه اياه، و الاختيار: فعل ما هو خير و اخذه و الذريعه: الوسيله. و الاشاره بذلك الى الالهام او الى معرفه الاختيار و المراد معرفه اختياره تعالى لما يختاره له اى وجه الحكمه و المصلحه فيه ليكون سببا للرضا بقضائه تعالى و التسليم لحكمه لانه اذا عرف خيريه ما اختاره تعالى تلقاه بالقبول و الرضا و اخلص التسليم لما حكم و قضى، و غرصه عليه السلام بذلك تائيد ايقانه و از دياد قلبه اطمينانا الى اطمينانه كما قال ابراهيم عليه السلام: بلى ولكن ليطمئن قلبى و الا فالعلم بانه تعالى عدل حكيم لا يفعل الاشياء الا على ما تقتضيه الحكمه و تستدعيه المصلحه كان فى الرضا والتسليم على ان للرضا مبدا \par
002    33    و منتهى: فمبدا سكون القلب: الى احكام الله تعالى، و منتهاه: فرح القلب و سروره بنزول الاحكام فى الحلو و المر، فسواله عليه السلام معرفه الاختيار لحصول المنتهى و ان كان الاول حاصلا و هو من باب سوال حق اليقين بعد علم اليقين و الله اعلم. \par (لليقين مراتب.. علم اليقين، حق اليقين، عين اليقين) \par فازح عنا ريب الارتياب، و ايدنا بيقين المخلصين، \par
003    33    زاح الشى ء يزيح زيحا: بعد و ذهب و ازاحه غيره، و الريب: قلق النفس و اضطرابها، و الارتياب: الشك مصدر ارتاب فى الامر: اذا شك فيه اى اذهب عنا القلق و الاضطراب الذى يوجبه الشك او ما يقلق النفس و يشخص بالقلب من الشك و الارتياب كقولهم: ريب المنون و ريب الزمان، قال الزمخشرى فى الكشاف: الريب: مصدر رابنى: اذا حصل فيك الرببه، و حقيقه الريبه: قلق النفس و اضطرابها و منه ما روى الحسن بن على عليهماالسلام قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله يقول: دع ما يريبك الى ما لا يريبك فان الشك ريبه و الصدق: طمانينه اى فان كون الامر مشكو كافيه مما تقلق له النفس و لا تستقر و كونه صحيحا صادقا مما تطمئن له و تسكن و منه ريب الزمان و هو ما يقلق النفوس و يشخص بالقلوب من نوائبه، انتهى، و يحتمل ان يكون المراد بالريب: التهمه فانها من معانيه كما نص عليه الفيروز آبادى فى القاموس، و على كل حال فالمراد بالارتياب و الشك: خلاف اليقين بان يتوهم ان يظن ان افعاله تعالى قد تجرى على خلاف العدل، و ان حكمته سبحانه قد يفوتها شى ء من المصالح فيربيه ذلك و يقلقه و لا تطمئن نفسه اذا وقع الامر على خلاف هواه او يحمله ذلك على تهمته تعالى عن ذلك علوا كبيرا بانه فعل به غير الاصلح او اختار له شر الامرين. \par
003    33    روى البرقى فى محاسنه عمن ذكره عن بعض اصحابه قال قلت لابى عبدالله عليه السلام من اكرم الخلق على الله؟ قال اكثرهم ذكر الله و اعملهم بطاعته، قلت: من ابغض الخلق الى الله؟ قال: من يتهم الله، قلت: و اى احديتهم الله؟ قال: نعم من استخار الله فجائته الخيره بما يكرهه فسخط فذلك يتهم الله. \par و من كلام اميرالمومنين عليه السلام: التوحيد ان لا تتوهمه و العدل ان لا تتهمه، و المراد بازاحه ريب الارتياب: ازاحه الارتياب مطلقا من باب نفى الشى ء بنفى لازمه كقوله: من اناس ليس فى اخلاقهم عاجل الفحش و لا سوء الجزع، اى لا فحش و لا جزع اصلا \par فان قلت: قد قررت سواله عليه السلام معرفه الاختيار و جعله ذريعه الى الرضا و التسليم لتاييد الايقان و ازدياد الاطمينان، و قضيته عدم حصول الشك و الارتياب راسا فكيف يكون قوله: فازح عنا ريب الارتياب متسببا عن ذلك السوال و ازاحه الشى ء و اذها به انما يكون بعد حصوله و تحققه؟ \par قلت: ليس المراد بالازاحه و الاذهاب هنا ازاله ريب الارتياب بعد كونه و حصوله و ان كان ذلك معناه فى اصل الوضع بل هو من قبيل قوله تعالى: انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت و يطهركم تطهيرا اذ معناه حسم اسباب الرجس و عدم الاعداد له راسا لا ازالته بعد حصوله، قوله عليه السلام: و ايدنا بيقين المخلصين، التاييد من الله سبحانه: تقويه امر الانسان من داخل بالبصيره و من خارج بقوه البطش، و اليقين: العلم مع زوال الشك و عدم طريانه، و المخلصين على صيغه الفاعل هم الذين اخلصوا الدين و العباده لله فلم يشركوا به و لم يعصوه، و قيل: هم الذين يخفون حسناتهم كما يخفون سيئاتهم. \par و لما كان لليقين مراتب مرتبه فى الفضل: اولها علم اليقين و ثانيها حق اليقين و ثالثها عين اليقين و كان الاول حاصلا بالبرهان و الثانى و الثالث حاصلين بالكشف و المجاهدات و الرياضات النفسانيه و الهدايات الخاصه بالاولياء المخلصين سئل عليه السلام التاييد بيقينهم. \par
004    33    و لا تسمنا عجز المعرفه عما تخيرت فنغمط قدرك، و نكره موضع رضاك، و نجنح الى التى هى ابعد من حسن العاقبه، و اقرب الى ضد العافيه) \par قوله عليه السلام: و لا تسمنا عجز المعرفه عما تخيرت، سمت فلانا الامر سوما: كلفته اياه، و سوال عدم السوم و التكليف بعجز المعرفه من قبيل: اللهم لاتسلط علينا من لا يرحمنا اى لا تخل بيننا و بين من لا يرحمنا فيتسلط علينا فكانه قال: لا تخل بيننا و بين انفسنا بمنعك التوفيق و اللطف عنا فتعجز معرفتنا عما تخيرت. و هذا فزع منه عليه السلام الى الطاف الله تعالى جريا على سنن الانبياء و الاوصياء و الصالحين فى قصر نيل الخيرات و النجاه من الشرور على جناب الله عزوجل و سلب القوى والقدره عن انفسهم و مبالغه فى استدعاء لطفه تعالى فى صرف الجهل بما يختاره له باظهار ان لا قدره له بمعرفته و العلم به ما لم يعرفه، قوله عليه السلام: فنغمط قدرك و نكره موضع رضاك، غمطه يغمطه غمطا من باب ضرب و قتل احتقره، و النعمه: كفرها فلم يشكرها، و القدر بالسكون اما بمعنى القدر بالتحريك اى التقدير و منه ليله القدر قال فى الكشاف معنى ليله القدر: ليله تقدير الامور و قضائها من قوله: فيها يفرق كل امر حكيم انتهى و اما بمعنى الخطر و عظم الشان، و منه ما قدروالله حق قدره اى ما عظموه حق عظمته، والمعنى على الاول: فنحتقر تقديرك المشتمله على المصلحه او نكفره و لا نشكره. و على الثانى: فنحتقر عظم شانك بالكراهه لما تخيرت، و موضع رضاه تعالى كنايه عما اختاره و قدره و قضاه سبحانه لتعلق مشيته و رضاه به فكانه موضع و محل لرضاه سبحانه، قوله عليه السلام: و نجنح الى التى هى ابعد من حسن العاقبه، جنح الى الشى ء يجنح بفتحتين و جنح جنوحا من باب قعد لغه: مال اليه اى يميل الى الحاله التى هى ابعد الحالات من حسن العاقبه او الى الخصله او الطريقه، و حسن العاقبه اى حسن الخاتمه، و عاقبه كل شى ء و عقباه: خاتمته، و ضد الشى ء: ما لا يجتمع معه كالسواد الذى هو ضد البياض، و ما ابلغ قوله عليه السلام: و اقرب الى ضد العافيه، فان العافيه متناوله لدفع جميع المكروهات فى الظاهر و الباطن و الدين و الدنيا و الاخره فيكون ضدها متناولا لجلب جميع المكروهات فيما ذكر. \par حببت اليه الشى ء: جعلته محبوبا لديه، و تحبيبه تعالى للطاعات و نحوها الى عباده يكون بافاضه وجوه الالطاف والتوفيق فلا دلاله فى ذلك على مسئله خلق الاعمال كما تزعمه الاشاعره، و استصعبت الامر: وجدته صعبا، و تسهيله ما يستصعب من حكمه يكون بعنايته المهيئه للذهن و النفس قبول ذلك، \par
005    33    (تحبيبه تعالى للطاعات.. يكون بافاضه الالطاف و..) \par (حبب الينا ما نكره من فضائك، و سهل علينا ما نستصعب من حكمك و الهمنا الانقياد لما او ردت علينا من مشيتك حتى لا نحب تاخير ما عجلت، و لا تعجيل ما اخرت، و لا نكره ما احببت، و لا نتخير ما كرهت، \par و الهامه الانقياد لمشيته يكون بتائيد خاص باطنى يقوى به عقله على قهر نفسه الاماره بالسوء فتنقاد و تذعن لذلك، و حتى: مرادفه لكى التعليليه اى كيلا نحب تاخير ما عجلت و لا تعجيل ما اخرت.. و قد بين سبحانه و تعالى هذا المعنى اوضح بيان بقوله: و عسى ان تكرهوا شيئا و هو خير لكم و عسى ان تحبوا شيئا و هو شر لكم و الله يعلم و انتم لا تعلمون \par
006    33    و اختم لنا بالتى هى احمد عاقبه، و اكرم مصيرا، انك تفيدالكريمه، و تعطى الجسيمه، و تفعل ما تريد، و انت على كل شى ء قدير) \par و احمد هنا افعل تفضيل من حمد مبنيا للمفعول على غير القياس اى اكثر محموديه و بيان ذلك: ان شرط نصب التميز الواقع بعد اسم التفضيل ان يكون سببيا و ذلك بان يجعل مكان اسم التفضيل فعل من لفظه و معناه و يرفع التميز به مع صحه المعنى فتقول فى زيد اكثر مالا: زيد كثر ما له بالبناء للفاعل، و فى زيد احمد عاقبه: زيد حمدت عاقبته بالبناء للمفعول فلو جعلت الفعل هنا مبنيا للفاعل لم يصح المعنى لان العاقبه انما تكون محموده لا حامده، و اما اكرم مصيرا فهو للفاعل على القياس من كرم الشى ء: اذا انتفت عنه النقايص و اتصف بالمحامد، و المصير: المرجع، و افدته مالا: اعطيته، و الكريمه: النفيسه الجيده من كل شى ء و الجسيمه: العظيمه، من جسم الشى ء جسامه اى عظم فهو جسيم و هى جسيمه. \par
001    34    الدعاء الرابع و الثلاثون \par من ادعيه الصحيفه: و هو دعائه عليه السلام اذا ابتلى اوراى بفضيحه بذنب \par \par
001    34    بسم الله الرحمن الرحيم \par
001    34    (الاشاره الى ستره تعالى عيوب عباده) \par (اللهم لك الحمد على سترك بعد علمك، و معافاتك بعد خبرك، فكلنا قد اقترف العائبه فلم تشهره، و ارتكب الفاحشه فلم تفضحه، و تستر بالمساوى فلم تدلل عليه). \par افتتح الدعاء بالنداء بوصف الالوهيه الجامعه لجميع الكمالات اظهارا لغايه التضرع و مبالغه فى ابتداء الاجابه، و تعريف الحمد للتعميم و تقديم الخبر للتخصيص اى لك الحمد كله لا لاحد غيرك، و سترت الشى ء سترا من باب قتل: غطيته، و الستر بالكسر. ما تستر به، و جمعه ستور و لم يتعرض للمستور لان غرضه الحمد على حصول اصل الستر منه تعالى من غير اعتبار تعلقه بمستور عام او خاص و لما كان المعنى: لك الحمد على حصول الستر منك و كانت اللام فيه للحقيقه كان قوله عليه السلام: على سترك مفيدا لعموم افراد الستر دفعا للتحكم اللازم من حمله على فرددون آخر، و المعافاه: مصدر عافاه الله: اذا وهب له العافيه، و قال الرضى فى شرح الشافيه فى باب ما جاء من فاعل بمعنى فعل: عافاك الله اى جعلك ذا عافيه، و الخبر بالضم: العلم، لكن اذا اضيف الى الخفايا الباطنه فهو اخص من مطلق العلم، قوله عليه السلام: فكلنا قد اقترف العائبه فلم تشهره، اقتراف الاثم: اكتسابه و فعله، قال الراغب: اصل القرف و الاقتراف: نشر اللحاء عن الشجره و الجليده عن الجرح و استعير الاقتراف للاكتساب حسنا كان او سوءا و فى الاسائه اكثر استعمالا و لهذا يقال: الاعتراف يزيل الاقتراف، و العائبه: العيب، مصدر جاء على فاعله كالعافيه و العاقبه و الشهره بالضم: ظهور الشى ء فى شنعه، شهره كمنعه، و ارتكب الذنب: اجترحه. و الفاحشه ما عظم قبحه من الافعال و الاقوال كالفحش و الفحشاء، و فضحه يفضحه من باب منع اظهر \par
001    34    معائبه و بينها الناس، و المساوى: النقايص و المعائب، قال ابوالفضل الميدانى فى مجمع الامثال: قال اللحيانى: لا واحد للمساوى و مثلها المحاسن و المقاليد، و كذا فى فقه اللغه للثعالبى، و دللت على الشى ء داليه من باب قتل دلاله: اوصلت الى معرفته و كشفت امره. \par
002    34    (لما كان الحجاب قد لا يمنع من السماع آثر لفظ الردم..) \par (كم نهى لك قد اتيناه، و امر قد وقفنا عليه فتعديناه، و سيئه اكتسبناها و خطيئه ارتكبناها، كنت المطلع عليها دون الناظرين، و القادر على اعلانها فوق القادرين، كانت عافيتك لنا حجابا دون ابصارهم، و ردما دون اسماعهم) \par كم، هنا خبريه بمعنى كثير، و المراد بها: التكثير، و النهى: قول يستدعى به ترك الفعل ممن هو دونه، و الامر: طلب وجود الفعل على جهه الاستعلاء، و وقفتنا عليه، اى امرتنا بالوقوف عنده لانتعداه و لا نتجاوزه، كما يدل عليه قوله عليه السلام: فتعديناه و يجوز ان يكون بمعنى اطلعتنا عليه و بينته لنا، من وقفته على عيبه: اذا اطلعته عليه، و تعديناه اى تجاوزناه الى غيره، و السيئه: الفعله القبيحه و هى ضد الحسنه و اكتسابها: تحملها، و الخطيئه: الذنب، و قيل: الكبيره، و قيل: الفرق بين السيئه و الخطيئه: ان الاولى تطلق على ما يقصد بالذات، و الثانيه تغلب على ما يقصد بالعرض لانه من الخطاء كمن رمى صيدا فاصاب انسانا او شرب مسكرا فجنى جنايه فى سكره و ارتكب الذنب فى فعله، علن الامر علونا من باب قعد: ظهر و انتشر فهو عالن، و يعدى بالالف فيقال: اعلنته اعلانا، و فوق: ظرف مكان نقيض تحت و قد استعير للاستعلاء الحكمى و معناه الزياده و الفضل، يقال: هذا فوق ذاك، اى افضل منه و ازيد، اى كنت القادر على اظهارها زائدا على القادرين، و العافيه هنا بمعنى المعافاه اى كانت معافاتك لنا حجابا دون ابصارهم و دون، هنا بمعنى قدام، وردما اى حاجرا حصينا موثقا، و الردم: اكبر من السدو اوثق، و لما كان الحجاب بمعنى الستر قد لا يمنع السمع من السماع آثر لفظ الردم فى جانب الاسماع لانه حاجز حصين و برزخ متين. \par
003    34    (الاشاره الى الخلق و هو كيفيه نفسانيه تصدر عنه الافعال بسهوله...) \par (فاجعل ما سترت من العوره، و اخفيت من الدخيله، و اعظا لنا، و زاجرا عن سوء الخلق، و اقتراف الخطيئه، و سعيا الى التوبه الماحيه، و الطريق المحموده، \par العوره: كل ما يستحيا منه اذا ظهر، و اصلها من العار و ذلك لما يلحق فى ظهورها من العاراى المذمه، و فى المصباح: كل شى ء يستره الانسان انفه اوحياء فهو عوره، و الدخيله هنا بمعنى الدخل بالتحريك و هو العيب و الغش و الفساد، و وعظه يعظه وعظا و عظه: امره بالطاعه و وصاه بها فهو واعظ، و منه قوله تعالى: انما اعظكم بواحده اى اوصيكم و آمركم، و قيل: الوعظ: زجر مقترن بتخويف، و قال الخليل: هو التذكير بالخير بما يرق له القلب، و الزجر: الطرد والمنع، زجره زجرا من باب قتل فهو زاجر، و منه قوله تعالى: و لقد جائهم من الانباء ما فيه مزدجر اى طرد و منع عن ارتكاب الماثم. \par و الخلق: كيفيه نفسانيه تصدر عنه الافعال بسهوله فان كان الصادر عنها الافعال الجميله عقلا و شرعا سميت الكيفيه خلقا حسنا، و ان كان الصادر عنها الافعال القبيحه سميت الكيفيه التى هى المصدر خلقا سيئا، و المعنى اجعل ذلك سببا لا تعاظنا و انزجارنا عن سوء الخلق بان يعتبر به فيكف نفسه و ينزجر عن القبيح، و لما كان الفعل قد ينسب الى سببه سماه و اعظا و زاجرا، و منه قولهم: كفى بالشيب واعظا، و كفى بالاسلام ناهيا، و اقتراف الخطيئه اى ارتكاب المعصيه. و السعى: المشى السريع و هو دون العدو و يستعمل للجد فى الامر خيرا كان او شرا، قال تعالى: و سعى فى خرابها قال الراغب: و اكثر ما يستعمل السعى فى الافعال المحموده اى و اجعل ذلك سببا للسعى الى التوبه اى الجد فيها و هو من باب اطلاق المسبب على السبب، و الماحيه: المزيله للذنب من المحو و هو ازاله الاثر، و من كلامهم: التوبه تمحو الحوبه، و الطريق: السبيل الذى يطرق بالارجل اى يضرب يذكر و يونث ثم استعير لكل مسلك يسلكه الانسان فى فعل محمودا كان او مذموما، \par
004    34    و قرب الوقت فيه، و لا تسمنا الغفله عنك، انا اليك راغبون، و من الذنوب تائبون) \par والقرب، خلاف البعد و يستعمل فى الزمان و المكان، والوقت: مقدار من الزمان مفروض لامرها و لهذا الايكاد يستعمل الا مقيدا نحو قولهم وقت كذا، و الضمير من فيه عائد الى السعى و «فى » للظرفيه المجازيه، جعل السعى ظرفا للوقت مجازا، كما يقال: اصرف وقتك فى الطاعه و فى الاساس سمت المرئه المعانقه اى اردتها منها. و معنى الغفله عنه سبحانه: الغفله عن جنابه و ذكره و الانهماك فى الحسنات الموديه الى العبد عن الحق، و فى الفقره تلميح الى قوله تعالى: و لا تطع من اغفلنا قلبه عن ذكرنا و الرغبه الى الله تعالى: الابتهال اليه و هو الاجتهاد فى الدعاء و اخلاصه و قيل: هى التضرع اليه و المسئله منه و فسر قوله تعالى: و الى ربك فارغب بالرغبه فى المسئله اى ارفع حوائجك الى ربك و لا ترفعها الى غيره. \par
005    34    (المراد من عتره النبى صلى الله عليه و آله) \par (و صل على خيرتك اللهم من خلقك: محمد و عترته الصفوه من بريتك الطاهرين، و اجعلنا لهم سامعين و مطيعين كما امرت) \par الخيره بالكسر و السكون اسم من الاختيار اى الاصطفاء، و عتره الرجل: نسله قاله الازهرى، و روى ثعلب عن ابن الانبارى: ان العتره: ولد الرجل و ذريته و عقبه من صلبه و لا تعرف العرب من العتره غير ذلك، و قيل: رهطه الادنون و يقال: اقربائه، و قال الزمخشرى فى الفائق: العتره: العشيره، و فى العين. عتره الرجل: اقربائه من ولده و ولد ولده و بنى عمه، و قال ابن الاثير فى النهايه: عتره الرجل: اخص اقاربه و عتره النبى صلى الله عليه و آله بنو عبدالمطلب، و قيل: اهل بيته الاقربون و هم اولاده و على و اولاده عليهم السلام و قيل: عترته الاقربون و الا بعدون منهم، و المعروف المشهوران عترته اهل بيته الذين حرمت عليهم الزكوه، انتهى، و صفوه الشى ء مثلثه: ما صفا منه و خلص من الشوب والكدر كصفوه، و البريه: الخلق فعيله بمعنى مفعوله من برء الله الخلق يبراهم اى خلقهم، والطاهرين: النقيين من دنس المولد و العمل البريئين من صغائر الذنوب و كبائرها كما قال تعالى: انما يريد الله \par
005    34    ليذهب عنكم الرجس اهل البيت و يطهركم تطهيرا و اجعلنا سامعين اى مجيبين لامرهم قابلين لحكمهم و اصل السماع: الاصغاء لكنهم استعملوه فى الاجابه و قبول الامر، و مطيعين اى منقادين من اطاعه اطاعه اى انقاد له، و قوله عليه السلام: كما امرت، اى اطاعه مثل الا طاعه التى امرت بها، و نظيره: فاستقم كما امرت و هو اشاره الى قوله تعالى: يا ايها الذين آمنوا اطيعوا الله و اطيعوا الرسول و اولى الامر منكم. قال الصادق عليه السلام: ايا ناعنى خاصه امر جميع المومنين الى يوم القيمه بطاعتنا. \par
001    35    الدعاء الخامس و الثلثون \par من ادعيه الصحيفه السجاديه، و هو دعائه عليه السلام: فى الرضا اذا نظر الى اصحاب الدنيا \par \par
001    35    بسم الله الرحمن الرحيم \par
001    35    (الفرق بين العيش و الحيوه) \par (الحمد لله رضى بحكم الله، شهدت ان الله قسم معايش عباده بالعدل و اخذ على جميع خلقه بالفضل) \par الرضا لغه: خلاف السخط، و عرفا سرور القلب بجريان القضاء و الحكم: القضاء و اصله: المنع، يقال: حكم بكذا اذا منع من خلافه، و شهدت اى علمت، و اصله من الشهود بمعنى الحضور مع المشاهده بالبصر ثم اطلق على المشاهده بالبصيره ايضا و هى العلم و منه اشهد ان لا اله الا الله، و القسم: افراز النصيب يقال: قسمت كذا قسما من باب ضرب، و المعايش جمع معيشه و هى ما يعيش به الانسان من المطاعم و الملابس و غيرهما مما يتعلق به البقاء و اشتقاقها من العيش و هو الحيوه المختصه بالحيوان فهو اخص من مطلق الحيوه لان الحيوه تطلق على الحيوان و على البارى تعالى بخلاف العيش، و العدل: التقسيط على سواء فتاره يراد به السواء باعتبار المقدار و منه قوله سبحانه: و لن تستطيعوا ان تعدلوا بين النساء اى فى مقدار المحبه اشاره الى ما عليه جبله الانسان من الميل فالانسان لا يقدران يسوى بينهن فى المحبه، و تاره باعتبار الحكمه و الانتظام و منه ما روى: بالعدل قامت السموات و الارض تنبيها على انه لو كان شى ء مما قامتا به زائدا عما هو عليه او ناقصا عنه على غير ما اقتضته الحكمه لم يكن العالم منتظما و انتظامه بتقدير ذلك على ما يليق بقوامه و قيامه، و هذا المعنى هو المراد هنا اى بعدل اقتضته الحكمه البالغه، و لذلك متى وصف الله سبحانه بالعدل فانما يراد ان افعاله و اقعه على نهايه الحكمه و الانتظام، قوله عليه السلام: و اخذ على جميع خلقه بالفضل، اخذهنا من الاخذ بمعنى السيره \par
001    35    يقال: لو كنت منا لا خذت باخذنا اى سرت بسيرتنا، قال الكرمانى هو بكسر الهمزه و فتحها: السيره. \par
002    35    (تستعمل الفتنه و البلاء فيما يدفع اليه الانسان من شده و رخاء) \par (اللهم صل على محمد و آله، و لا تفتنى بما اعطيتهم، و لا تفتنهم بما منعتنى فاحسد خلقك و اغمط حكمك). \par الفتن و الفتنه: الابتلاء و الامتحان فتنا و فتونا من باب ضرب و اصله من فتن الفضه اذا ادخلها النار ليعرف جيدها من رديها و منه: فبى تفتنون اى تمتحنون و يتعرف ايمانكم بنبوتى، و تستعمل الفتنه و البلاء فيما يدفع اليه الانسان من شده و رخاء، قال الله: و نبلوكم بالشر و الخير فتنه لان بالشر يمتحن و بختبر صبره و بالخير يمتحن و يتعرف شكره ثم كثر استعمال الفتنه فى ايقاع الانسان فى بليه و شده و منه قوله سبحانه: و ان كادوا ليفتنونك اى يوقعونك فى ضرار و شده فى صرفهم اياك عما اوحى اليك، و عليه عباره الدعاء اى لا توقعنى فى شده و مكروه بسبب ما اعطيتهم من متاع الدنيا و هى الحسد لهم قوله عليه السلام: و اغمط حكمك، غمطه يغمطه غمطا من باب ضرب و سمع: استحقره، اى و احتقر قضائك لما منعتنى، و لا اشكر حكمك فيما اعطيتنى اذ كان دون ما اعطيتهم. \par
003    35    (سوال مقام الرضا الذى هو سرور النفس، بمر القضاء) \par (اللهم صل على محمد و آله، و طيب بقضائك نفسى، و وسع بمواقع حكمك صدرى، وهب لى الثقه لاقر معها بان قضائك لم يجر الا بالخيره، واجعل شكرى لك على ما زويت عنى او فر من شكرى اياك على ما خولتنى). \par الطيب: ما تستلذه الحواس و النفس، و طابت نفسه بالشى ء: اذا قبلته و رضيته و لم تكرهه اى ارض بقضائك نفسى و اجعلها قابله له راضيه به، و اتسع صدره للامر: اذا سهل عليه تحمله و لم يشق عليه، و عكسه ضاق صدره بالشى ء اذا شق عليه، و مواقع الحكم: ما وقع به الحكم و تعلق به اى اجعل صدرى واسعا غير حرج و لا ضيق بما يوقعه حكمك من الامور التى يشق على النفس تحملها، و الغرض سوال مقام الرضا الذى هو سرور النفس بمر القضاء، و وثق به وثوقا وثقه: سكن اليه و اعتمد عليه اى وهب لى السكون الى تقديرك \par
003    35    و الاعتماد عليه فى انه لا يكون الاعن حكمه بالغه، والاقرار. اثبات الشى ء اما بالقلب او باللسان او بهما لكن المراد به هنا ما كان بالقلب سواء ضامه اللسان ام لا، و الخيره بسكون الياء و فتحها: اسم من الاختيار و هو اخذ ما يراه الخير او فعله، و الغرض سوال اعداده عليه السلام للاطمينان بقضاء الله تعالى و انه لايكون الا من حكمه و مصلحه فيتطيب نفسه و ينشرح صدره لجريانه و نفاذه فيه بما هو عليه، و الشكر: الاعتراف بالنعمه، و قيل: الثناء على المحسن بذكر احسانه و يتعدى تاره باللام فيقال: شكرت له و اخرى بنفسه فيقال : شكرته، و زويت عنه الشى ء: صرفته و قبضته عنه، و وفر الشى ء يفرو فورا من باب وعد: تم و كمل، و قيل: زاد و كثر، و خوله الله ما لا: اعطاه. \par
004    35    (الشريف و العزيز من هما؟) \par (و اعصمنى من ان اظن بذى عدم خساسه، او اظن بصاحب ثروه فضلا، فان الشريف من شرفته طاعتك، و العزيز من اعزته عبادتك.) \par العدم بفتحتين: الفقر، و ضم عينه مع الاسكان لغه فيه كالحزن و الحزن، و الرشد و الرشد، والخساسه: الحقاره، و قيل: الخساسه حاله يكون عليها الخسيس و هو الدنى، و الثروه: كثره المال، و الفضل هنا بمعنى الفضيله و هو خلاف النقيصه و الشرف: علو المنزله، شرف كعظم فهو شريف، و قيل: الشرف: كمال يتعلق بالذات و الحقيقه و لهذا يقال: فلان شريف الذات، و الطاعه: اسم من اطاعه اى انقاد له و العزه: الرفعه و الامتناع، و رجل عزيز منيع: لا يغلب و لا يقهر، و قد يراد بالغزيز: الكريم من عز على يعز عزا و عزه و عزازه اى كرم فهو عزيز و هذا المعنى انسب بعباره الدعاء من الاول، و العباده فى اللغه: الخضوع و الانقياد، و فى الاصطلاح: فعل المكلف على خلاف نفسه تعظيما لربه، و قيل: هو فعل اختيارى مباين للشهوات البدنيه يصدر عن نيه يراد بها التقرب الى الله تعالى طاعه للشريعه. \par
005    35    (الفرق بين الواحد و الاحد و معنى الصمد) \par (فصل على محمد و آله، و متعنا بثروه لا تنفد، و ايدنا بعز لا يفقد، و اسرحنا فى ملك الابد، انك الواحد الاحد الصمد الذى لم تلد و لم تولد و لم يكن له كفوا احد) \par
005    35    متعنا اى اعطنا ثروه لا تنفد تنتفع بها يقال: متعته بكذا تمتيعا و امتعته به امتاعا. اعطيته اياه لينتفع به و منه المتاع و هو كل ما ينتفع به من طعام و اثاث، و نفد الشى ء ينفد من باب تعب نفادا: فنى و انقطع، و الايد: القوه الشديده، و ايدته تاييدا: قويته و منه قوله تعالى: اذا يدتك بروح القدس و الفقد: عدم الشى ء بعد وجوده فهو اخص من العدم لان العدم يقال فيه و فيما لا يوجد، و سرحت الابل سرحا و سروحا من باب نفع: رعت بنفسها، و سرحتها سرحا: ارسلتها للرعى و هو من الافعال اللازمه والمتعديه و المراد بالسرح هنا: التخليه و عدم المنع كما تسرح الماشيه فى المرعى. و الملك: السلطنه و العز و العظمه، و الابد: الدهر الطويل الذى ليس بمحدود، و قيل هو استمرار الوجود فى ازمنه مقدره غير متناهيه فى جانب المستقبل، قوله عليه السلام: انك الواحد الاحد.. الواحد: اسم فاعل من وحد يحد وحدا من باب وعداى انفرد فالواحد بمعنى المنفرد، و الاحد اصله وحد صفه مشبهه منه كحسن ابدلت الواو همزه شذوذا. قال بعض المحققين: الواحد: الفرد الذى لم يزل وحده و لم يكن معه آخر، و الاحد: الفرد الذى لا يتجزى و لا يقبل الانقسام فالواحد هو المتفرد بالذات فى عدم المثل، و الاحد هو المنفرد بالمعنى، و قيل: المراد بالواحد نفى التركيب و الاجزاء الخارجه و الذهنيه عنه تعالى و بالاحد: نفى الشريك عنه فى ذاته و صفاته، و قيل: الواحديه لنفى المشاركه فى الصفات، و الاحديه لتفرد الذات و لما لم ينفك عن شانه تعالى احدهما عن الاخر قيل: الواحد: الاحد فى حكم اسم واحد: \par و قد يفرق بينهما فى الاستعمال من وجوه: \par الاول- ان الواحد يستعمل وصفا مطلقا، و الاحد يختص بوصف الله تعالى نحو: قل هو الله احد \par الثانى- ان الواحد اعم موردا لانه يطلق على من يعقل و غيره، و الاحد لا يطلق الا على من يعقل. \par الثالث- ان الواحد يجوز ان يجعل له ثان لانه لا يستوعب جنسه بخلاف الاحد الا ترى؟ انك لو قلت: فلان لا يقاومه واحد جازان يقاومه اثنان فاكثر، و لو قلت: لا يقاومه \par
005    35    احد لم يجزان يقاومه اثنان و لا اكثر فهو ابلغ. \par الرابع- ان الواحد يدخل الحساب و الضرب والعدد و القسمه، و الاحد يمتنع دخوله فى ذلك. \par الخامس- الواحد يونث بالتاء و الاحد يستوى فيه المذكر و المونث قال تعالى: لستن كاحد من النساء و لا يجوز كواحد من النساء بل كواحده. \par السادس- ان الواحد لا يصلح للافراد و الجمع بخلاف الاحد فانه يصلح لهما و لهذا وصف بالجمع فى قوله تعالى: من احد عنه حاجزين \par السابع- ان الواحد لا جمع له من لفظه فلا يقال: واحدون، و الاحد له جمع من لفظه و هو احدون و آحاد. \par والصمد: السيد المصمود اليه فى الحوائج اى المقصود من صمد اليه اى قصد فهو فعل بمعنى مفعول، لم تلد، اى لم يصدر عنه ولد لانه لا يجانسه شى ء ليمكن ان يكون له من جنسه صاحبه فيتوالدا كما نطق به قوله تعالى: انى يكون له ولد و لم تكن له صاحبه و لانه لا يفتقر الى ما يعينه و يخلفه لاستحاله الحاجه و الغناء عليه سبحانه، و فيه تنصيص على ابطال زعم المفترين فى حق الملائكه و المسيح و عزير و لذلك ورد النفى على صيغه الماضى، و لم يولد، اى لم يصدر عن شى ء لاستحاله نسبه العدم اليه سابقا و لا حقا، و عدم افتقاره الى شى ء، و لم يكن له كفوا احد، الكفو بضم الكاف و سكون الفاء و بضمتين: النظير و الممائل، و المقصود انه تعالى لم يمائله احد فى ذاته و صفاته الذاتيه و الفعليه و هو تنزيه مطلق له عن المشابهه بالخلق بنحو من الانحاء، قال: و ليس كمثله شى ء والغرض نفى امكان وجود الكفر له لابيان عدمه مع امكانه. \par قال بعض المفسرين: الايات الثلث اشاره الى نفى من يماثله و هو اما لاحق و ابطله بقوله: لم يلد، و اما سابق و ابطله بقوله: لم يولد و اما مقارن فى الوجود و زيفه بقوله: و لم يكن له كفوا احد. \par
001    36    الدعاء السادس و الثلثون \par من ادعيه الصحيفه السجاديه، و هو دعائه عليه السلام: اذا نظر الى السحاب و البرق و سمع صوت الرعد \par \par
001    36    بسم الله الرحمن الرحيم \par
001    36    (الاشاره الى آيتين من آيات الله تعالى) \par قال صلوات الله عليه. \par (اللهم ان هذين آيتان من آياتك، و هذين عونان من اعوانك، يبتدران طاعتك برحمه نافعه او نقمه ضاره، فلا تمطرنا بهما مطر السوء، و لا تلبسنا بهما لباس البلاء). \par الظاهر ان المشار اليهما بهذين: البرق و الرعد، و يحتمل ان يكون السحاب و البرق او السحاب و الرعد، و الايه: العلامه الظاهره و معنى آيتان من آياتك اى علامتان من علاماتك الداله على وحدانيتك و قدرتك كما قال تعالى: و من آياته يريكم البرق خوفا و طمعا و العون: المعين و الظهير على الامر، و اشتهر اختصاصه بمن يخدم السلطان و ينفذه السلطان فى اوامره و نواهيه و هذا المعنى هو المراد هنا اى خادمان من خدمتك نافذان فى امرك، و يبتدران طاعتك، اى يتسارعان اليها، و المراد بالرحمه هنا: المطر و الخصب التابع له، و النفع الخير، و هو ما يتوصل به الانسان الى مطلوبه. قال الراغب النفع ما يستعان به فى الوصول الى الخيرات و ما يتوصل به الى الخير فهو خير و النقمه على وزن كلمه و تخفف مثلها: العقوبه، و هى اسم من الانتقام يقال: انتقمت منه اى عاقبته، و ضره يضره ضرا من باب قتل: اذا اوقع به مكروها فهو ضار، و نعت النقمه به للذم، و المراد بالنقمه اما الصواعق التى يرسلها الله سبحانه على من يشاء كما قال فى \par
001    36    محكم كنابه: و يرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء او مطلق الضر الواقع بسبب السحاب و البرق و الرعد من السيول المغرقه و الصواعق المحرقه و عدم البيوت و فساد الزرع عند اينائه و اسقاط الثمار عند نضاجها الى غير ذلك من المفاسد المترتبه على بعض الامطار و تقديم الرحمه على النقمه فى الدعاء اشعار بسبق الرحمه الغضب على ما ورد فى الحديث القدسى: سبقت رحمتى غضبى، و تقديم الخوف على الطمع فى الايه: لان الخوف عتيد حاصل فى الحال و المطموع فيه مترقب و هو الرزق و الخصب المتوقع من انزال الغيث، قوله عليه السلام: فلا تمطرنا بهما مطر السوء، قال ابوعبيده: مطر، فى الرحمه و امطر، فى العذاب، و السوء بالفتح: مصدر سائه يسوئه: اذا فعل به ما يكره ثم اطلق على كل ضرر و شر و فساد، قوله عليه السلام: و لا تلبسنا بهما لباس البلاء، اللباس بالكسر: ما يلبس، و البلاء: المحنه و الشده و الاصابه بالمكروه و الغم لانه يبلى الجسم. \par
002    36    (طلب انزال نفع السحاب و بركته، و صرف اذاه و مضرته) \par (اللهم صل على محمد و آله، و انزل علينا نفع هذه السحائب و بركتها و اصرف عنا اذاها و مضرتها، و لا تصبنا فيها بآفه، و لا ترسل على معايشنا عاهه) \par انزل علينا اى اعطنا و اولنا و هو مجاز مرسل من باب اطلاق السبب على المسبب لان اعطاء النفع متسبب عن انزال غيث السحاب، قال الراغب: النزول فى الاصل هو انحطاط من علو، و انزل الله نعمه على الخلق: اعطاهم اياهم، و ذلك اما بانزال الشى ء نفسه كانزال القرآن، و اما بانزال اسبابه كانزال اللباس و الرزق قال الله تعالى: قد انزلنا عليكم لباسا و ينزل لكم من السماء رزقا و السحاب يونث باعتبار المعنى لان واحدته سحابه و يذكر باعتبار اللفظ، و البركه: ثبوت الخير الالهى فى الشى ء ماخوذ من برك البعير: اذا القى بركه اى صدره على الارض، و تطلق على كل نماء و زياده غير محسوسين لكون الخير الالهى يصدر من حيث لا يحس و على وجه لا يحصى و لا يحصر و صرف الله عنه السوء صرفا من باب ضرب: رده عنه، و الاذى: قيل: المكروه اليسير \par
002    36    و قيل: ما يلحق الحيوان من ضرر فى نفسه او ماله، و المضره: الضرر، و اصبته بمكروه: اوقعته به، و الافه: مرض يفسد ما اصابه، و العاهه كالافه وزنا. \par
003    36    (الاستجاره من غضب الله تعالى، و الدعاء على المشركين و الملحدين) \par (اللهم و ان كنت بعثتها نقمه و ارسلتها سخطه فانا نستجيرك من غضبك و نبتهل اليك فى سوال عفوك، فمل بالغضب الى المشركين، و ادر رحى نقمتك على الملحدين ) \par السخطه فعله من السخط بالضم و السخط بفتحتين و هو الغضب الشديد المقتضى للعقوبه و هو من الله سبحانه ايقاع العقوبه، و استجاره: طلب منه ان يجيره اى يومنه مما يخاف و يحفظه منه، و الابتهال: التضرع فى الدعاء، و الميل: الانحراف، يقال: مال عنه اى انحرف، والمعنى احرف الغضب و اصرفه عنا الى المشركين، و المشرك: اسم فاعل من اشرك بالله اى اثبت له شريكا فى الالوهيه، قال الراغب: اكثر الفقهاء يحملون المشركين على الكافرين جميعا فيدخل فيهم اهل الكتاب لقوله تعالى: و قالت اليهود عزير ابن الله و قالت النصارى المسيح ابن الله و قيل: هم من عدا اهل الكتاب لقوله تعالى: ان الذين آمنوا و الذين هادوا و الصابئين و النصارى و المجوس و الذين اشركوا فافرد المشركين عن اليهود و النصارى، و ادر رحى نقمتك، اى شدد عليهم انتقامك، من قولهم: دارت رحى الحرب اى اشتدت القتال، و رحى الحرب: حومتها، و شدتها استعاره من الرحى التى هى الطاحونه بجامع الافناء و الاذهاب، و لذلك يقال: طحنتهم الحرب اى افنتهم و اهلكتهم كما تطحن الرحى البر، و يحتمل ان يكون المراد: انزل بهم نقمتك، من قولهم: دارت عليه رحى الموت: اذا نزل به، و الملحد: اسم فاعل من الحد اى مال عن الحق و يطلق على الشرك و عباده غير الله تعالى و هو المراد هنا. \par
004    36    (الغنى على ثلثه وجوه) \par (اللهم اذهب محل بلادنا بسقياك، و اخرج و حر صدورنا برزقك، و لا تشغلنا عنك بغيرك و لا تقطع عن كافتنا ماده برك، فان الغنى من اغنيت، و ان السالم من وقيت.) \par
004    36    المحل: الجدب و القحط و انقطاع المطر، و السقيا بالضم على فعلى اسم من سقاه الله الغيث: انزله له، و الوحر بفتحتين و بالسكون و قال الجوهرى هو بالتحريك مصدر و بالتسكين اسم قال ابن الاثير فى النهايه فيه الصوم يذهب و حر الصدر هو بالتحريك: وساوسه و غشه، و قيل: الحقد و الغيظ، و قيل: العداوه و قيل: اشد الغضب، و لا تشغلنا عنك، اى عن ذكرك و دعائك و عبادتك بسوال غيرك، او تاميله، او بالاهتمام بامر الرزق و الفكر فيه و ذلك بحسم اسباب الشغل عنه تعاى بغيره و من جملتها محل البلاد و وحرا الصدور، و الماده: الزياده المتصله و البر بالكسر: الخير و التوسع فى الاحسان. \par و الغنى على ثلثه وجوه: \par احدها- عدم الحاجه مطلقا و ليس ذلك الالله تعالى و هو المذكور فى قوله تعالى: و الله هو الغنى الحميد. \par و ثانيها- قله الحاجات و القناعه و هو المشار اليه بقوله تعالى: و وجدك عائلا فاغنى اى فاغنى قلبك بالقناعه و هو المذكور فى قوله عليه السلام: الغنى غنى النفس. \par و ثالثها- كثره المقتنيات بحسب ضروب الناس و منه قوله تعالى: و من كان غنيا فليستعفف و السلامه: الخلوص من الافات، و وقيته وقايه: حفظته مما يوذيه و يضره، قال تعالى: فوقيهم شر ذلك اليوم. \par
005    36    (الفرق بين المشيه و الاراده) \par (ما عند احد دونك دفاع، و لا باحد عن سطوتك امتناع، تحكم بما شئت على من شئت، و تقضى بما اردت فيمن اردت) \par عند، هنا للحضور المعنوى نحو قال الذى عنده علم من الكتاب و دون هنا بمعنى التجاوز ظرف مستقر وقع حالا من احدو العامل متعلق الظرف اعنى عند اى ما استقر، او ما يكون عند احد دفاع حالكونه متجاوزا اياك، و الدفاع: الحمايه، و سطابه يسطو سطوا و سطوه: قهره و اذله وصال عليه، و امتنع زيد عمن يريده بسوء امتناعا: حمى نفسه بقومه او بعشيرته، \par
005    36    و اصل المنع: تحجير الشى ء و لهذا يقال: فى ضد العطاء، و المشيه و الاراده بمعنى واحد بحسب اللغه و عند اكثر المتكلمين، و فرق بعضهم بينهما بان المشيه من الله تقتضى وجود الشى ء و لذلك قيل: ماشاءالله كان و ما لم يشا لم يكن، و الاراده منه تعالى لا تقتضى وجود المراد لا محاله الا ترى؟ انه قال: يريد الله بكم اليسر و لا يريد بكم العسر قال: و ما الله يريد ظلما للعباد و معلوم انه قد يحصل العسر و الظلم فيما بين الناس. \par
006    36    (اظهار الحمد و الشكر، و معنى قبول الله تعالى للعمل) \par فلك الحمد على ما وقيتنا من البلاء، و لك الشكر على ما خولتنا من النعماء، حمدا يخلف حمد الحامدين ورائه، حمدا يملاء ارضه و سمائه \par خلفت الشى ء تخليفا: تركته خلفى اى ورائى و هو نقيض قدام، و الكلام تمثيل لرجحان حمده على سائر الحمد، و مثله قوله عليه السلام: يملاء ارضه و سمائه فانه تمثيل ايضا لكثره الحمد بكثره ما يملاء الارض و السماء. \par
007    36    (اظهار الحمد و الشكر، و معنى قبول الله تعالى للعمل) \par انك المنان بجسيم المنان، الوهاب لعظيم النعم، القابل يسير الحمد، الشاكر قليل الشكر، المحسن المجمل ذو الطول، لا اله الا انت اليك المصير) \par و المنان: صيغه مبالغه من المنه و هى النعمه الثقيله، يقال: من عليه: اذا اثقله بالنعمه الثقيله، و الجسيم فى الاصل: العظيم الجسم و هو ما له طول و عرض و عمق ثم استعمل فى المعانى ايضا قال فى الاساس: و من المجاز: امر جسيم و هو من اجسام الامور و جسيمات الخطوب، و المنن: جمع منه مثل سدره و سدر، و الوهاب من ابنيه المبالغه و هو من الهبه و هى ان تجعل ملكك لغيرك من غير عوض، و العظيم فى اصل الوضع من عظم الرجل اذا كبر عظمه، ثم استعمل لكل كبير محسوسا كان او معقولا عينا كان او معنى، و النعم: جمع نعمه بالكسر و هى فى الاصل للحاله الحسنه ثم اطلقت فيما قصد به الاحسان و النفع، و قبلت الهديه من باب تعب قبولا اى اخذتها، قالوا و القبول يقتضى الرضا و الاثابه و لذلك لايقال الا فى اخذ الشى ء على وجه يقتضى ثوابا كالهديه، و قبول الله تعالى للعمل عباره عن ان يكون العمل بحيت يرضاه و يثيب \par
007    36    عليه، و اليسير فعيل من يسر الشى ء من باب قرب اى قل فهو يسير اى قليل، و الشاكر و الشكور فى وصفه تعالى قيل هو المجازى على الشكر، و قيل: المثيب الكثير على القليل و قيل: المثنى على من شكره و اطاعه، والمحسن من الاحسان و يقال على وجهين: \par احدهما- الانعام على الغير و منه قوله تعالى: و قد احسن بى اذ اخرجنى من السجن. \par الثانى- احسان فى نفسه و ذلك اذا علم علما حسنا او عمل عملا حسنا و منه قوله تعالى: الذى احسن كل شى ء خلقه، و المجمل من اجمل الصنيعه اى حسنها و كثرها، و عن ابن عباس فى قوله تعالى: ذى الطول اى ذى النعم على عباده، و قيل: اى ذى الفضل بترك العقاب المستحق، و لما وصفه تعالى بالصفات التى لا تليق الا بالاله، وحده بالوهيه فقال: لا اله الا انت اى انت الموصوف بهذه الصفات دون غيرك و لا يستحقها سواك، ثم اتبعه بقوله اليك المصير اى اليك المرجع فحسب لا الى غيرك لا استقلالا و لا اشتراكا، والمعنى ان الامور توول الى حيث لا يملك احد النفع و الضرر و الامر و النهى غيرك. \par انتهى الجزء الثانى من (تلخيص الرياض) و يتلوه الجزء الثالث انشاءالله و يبدء بشرح الدعاء السابع و الثلثين و هو دعائه عليه السلام: اذا اعترف بالتقصير عن تاديه الشكر و قد وقع الفراغ من طبعه فى اليوم الرابع من شهر ربيع الاول من شهور السنه السادسه و الثمانين بعد الثلاثمائه و الالف من الهجره النبويه على هاجرها آلاف الثناء و التحيه و صلى الله على سيدنا محمد و آله الطاهرين و الحمد لله رب العالمين \par
001    37    الدعاء السابع و الثلثون: من ادعيه الصحيفه السجاديه و هو دعائه عليه السلام: اذا اعترف بالتقصير عن تاديه الشكر \par \par
001    37    بسم الله الرحمن الرحيم \par (ما قيل فى معنى الشكر، و بيان الفرق بين الشكر اللغوى و العرفى) \par اعترف بالشى ء: اقر به على نفسه، و التقصير يقال على وجهين: احدهما- بمعنى العجز عن الشى ء، يقال فيه: قصر عنه قصورا من باب قعد، و قصر عنه تقصيرا اى عجز عنه، و لم يبلغه، و الثانى-: التوانى فى الامر، يقال: قصر فلان فى حاجتى، اذا توانى فيها و هو بالمعنى الاول يتعدى بعن، و بالمعنى الثانى يتعدى بفى، و المراد هنا: المعنى الاول لتعديته بعن، و التاديه: مصدر ادى الحق: اذا اوصله وافيا، و الاسم: الاداء. قال الراغب: الاداء: دفع ما يحق دفعه و توفيته كاداء الجزيه و اداء الامانه. \par مقدمه \par الشكر، قيل: هو الثناء على المحسن بذكر احسانه، و قيل: هو تصور المنعم عليه النعمه و اظهارها، و قيل: هو عباره عن معروف يقابل النعمه سواء كان باللسان او بالاركان او بالجنان. فالشكر باللسان: هو الثناء على المنعم بالجميل، و الشكر بالاركان: هو مكافاته بقدر استحقاقه، و الشكر بالجنان: هو تصور النعمه، و قيل: الشكر باللسان: هو الاعتراف على وجه الاستكانه بجلاله النعمه، و الشكر بالاركان: الاتصاف بالوفاق و الخدمه، و الشكر بالجنان: هو الاعتكاف على بساط الشهود بادامه الحرمه. \par و قال الاكثرون: الشكر، قسمان: لغوى و عرفى، فاللغوى: فعل ينبى ء عن تعظيم المنعم بسبب الانعام سواء كان ذكرا باللسان او اعتقادا او محبه بالجنان او عملا و خدمه بالاركان، و العرفى: هو صرف العبد جميع ما انعم الله عليه من السمع و البصر و غيرهما الى ما خلقه الله لاجله، فبين الشكر اللغوى و الشكر العرفى عموم و خصوص مطلق. \par
001    37    (للشكرار كان ثلثه و شرح ذلك) \par و قال المحقق النصير الطوسى: اعلم ان الشكر مقابله النعمه بالقول و الفعل و النيه، و له اركان ثلثه: \par الاول- معرفه المنعم و صفاته اللايقه به، و معرفه النعمه من حيث انها نعمه، و لا تتم تلك المعرفه الابان تعرف ان النعم كلها: جليها و خفيها من الله سبحانه و انه المنعم الحقيقى و ان الاوساط كلها منقاده لحكمه، مسخره لامره. \par الثانى- الحاله التى هى ثمره تلك المعرفه و هى الخضوع و التواضع، و السرور بالنعم لا من حيث انها موافقه لغرض النفس فان فى ذلك متابعه لهواها و قصر الهمه على رضاها، بل من حيث انها هديه داله على عنايه المنعم بك، و علامه ذلك ان لا تفرح من نعم الدنيا الا بما يوجب القرب منه. \par الثالث- العمل الذى هو ثمره تلك الحال فان تلك الحال اذا حصلت فى القلب حصل فيه نشاط للعمل الموجب للقرب منه تعالى، و هذا العمل يتعلق بالقلب و اللسان و الجوارح: اما عمل القلب فالقصد الى تعظيم المنعم و تمجيده و تحميده و التفكر فى صنايعه و افعاله و آثار لطفه و العزم على ايصال الخير و الاحسان الى عامه الخلق و اما عمل اللسان فاظهار ما قصدته و نويته من التمجيد و التعظيم بتهليله و تحميده و تسبيحه و الثناء عليه و ارشاد الخلق بالامر بالمعروف و النهى عن المنكر الى غير ذلك. و اما عمل الجوارح فاستعمال نعمه الظاهره و الباطنه فى طاعته و عبادته و عدم استعمالها فى معصيته و مخالفه امره: كاعمال العين فى النظر الى عجيب مصنوعاته و آياته، و النظر فى كتابه، و استعمال السمع فى استماع دلايله و براهينه، و الانصات لقرائه كتابه، و قس على ذلك سائر الجوارح، و من هاهنا ظهر ان الشكر من اشرف معارج السالكين و اعلى مدارج العارفين و لا يبلغ حقيقته الا من ترك الدنيا وراء ظهره و هم قليلون، و لذلك قال عز من قائل: و قليل من عبادى الشكور انتهى. \par
003    37    (بيان العجز عن شكره تعالى و عن ما يستحقه سبحانه من الطاعه و العباده) (قال عليه السلام: اللهم احدا لا يبلغ من شكرك غايه الاحصل عليه من احسانك ما يلزمه شكرا، و لا يبلغ مبلغا من طاعتك و ان اجتهد الا كان مقصرا دون استحقاقك بفضلك، فاشكر عبادك عاجز عن شكرك، و اعبدهم مقصر عن طاعتك). \par مدار هذا الفصل من الدعاء على امرين: احدهما- بيان العجز عن شكره تعالى، و الثانى- بيان العجز عن ما يستحقه سبحانه من الطاعه و العباده: \par اما الاول فبينه عليه السلام بلزوم التسلسل و هو ترتيب امور غير متناهيه لانه اذا احدث شكرا على نعمه احدث الله عليه نعمه اخرى يجب عليه شكرها فيحتاج ان يشكرها كشكره الاولى، و كذلك الحال فى الثالثه و الرابعه و هذا يودى الى ما لا يتناهى و هو غير مقدور للعبد. و لزوم هذا الجزاء لشرطه بحكم وعد الله تعالى فى قوله الذى لا ياتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه و اذ تاذن ربكم لئن شكرتم لازيدنكم اى اذن ايذانا بليغا و اخبر اخبارا موكدا لا تبقى معه شائبه شبهه لما فى صيغه التفعل من معنى التكلف المحمول فى حقه تعالى على غايته التى هى الكمال. \par فى تفسير على بن ابراهيم قال ابوعبدالله عليه السلام: ايما عبدا نعم الله عليه بنعمه فعرفها بقلبه و حمد الله عليها بلسانه لم ينفد كلامه حتى يامر الله له بالزياده، و هو قوله: لئن شكرتم لازيدنكم. \par و روى ثقه الاسلام فى الكافى باسناده عنه عليه السلام قال: من اعطى الشكر اعطى الزياده. و عن ابى عبدالله عليه السلام اوحى الله عز و جل الى موسى عليه السلام: يا موسى! اشكرنى حق شكرى، فقال: يا رب و كيف اشكرك حق شكرك و ليس من شكر اشكرك به الا و انت انعمت به على؟ قال: يا موسى! الان شكرتنى حين علمت ان ذلك منى. \par و اما الثانى و هو بيان العجز عما يستحقه سبحانه من الطاعه و العباده فبينه بذكر سبب استحقاقه للعباده و الطاعه و هو فضله الذى لا نهايه له حيث قال: دون استحقاقك \par
002    37    (بيان العجز عن شكره تعالى و عن ما يستحقه سبحانه من الطاعه و العباده) (قال عليه السلام: اللهم احدا لا يبلغ من شكرك غايه الاحصل عليه من احسانك ما يلزمه شكرا، و لا يبلغ مبلغا من طاعتك و ان اجتهد الا كان مقصرا دون استحقاقك بفضلك، فاشكر عبادك عاجز عن شكرك، و اعبدهم مقصر عن طاعتك). \par مدار هذا الفصل من الدعاء على امرين: احدهما- بيان العجز عن شكره تعالى، و الثانى- بيان العجز عن ما يستحقه سبحانه من الطاعه و العباده: \par اما الاول فبينه عليه السلام بلزوم التسلسل و هو ترتيب امور غير متناهيه لانه اذا احدث شكرا على نعمه احدث الله عليه نعمه اخرى يجب عليه شكرها فيحتاج ان يشكرها كشكره الاولى، و كذلك الحال فى الثالثه و الرابعه و هذا يودى الى ما لا يتناهى و هو غير مقدور للعبد. و لزوم هذا الجزاء لشرطه بحكم وعد الله تعالى فى قوله الذى لا ياتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه و اذ تاذن ربكم لئن شكرتم لازيدنكم اى اذن ايذانا بليغا و اخبر اخبارا موكدا لا تبقى معه شائبه شبهه لما فى صيغه التفعل من معنى التكلف المحمول فى حقه تعالى على غايته التى هى الكمال. \par فى تفسير على بن ابراهيم قال ابوعبدالله عليه السلام: ايما عبدا نعم الله عليه بنعمه فعرفها بقلبه و حمد الله عليها بلسانه لم ينفد كلامه حتى يامر الله له بالزياده، و هو قوله: لئن شكرتم لازيدنكم. \par و روى ثقه الاسلام فى الكافى باسناده عنه عليه السلام قال: من اعطى الشكر اعطى الزياده. و عن ابى عبدالله عليه السلام اوحى الله عز و جل الى موسى عليه السلام: يا موسى! اشكرنى حق شكرى، فقال: يا رب و كيف اشكرك حق شكرك و ليس من شكر اشكرك به الا و انت انعمت به على؟ قال: يا موسى! الان شكرتنى حين علمت ان ذلك منى. \par و اما الثانى و هو بيان العجز عما يستحقه سبحانه من الطاعه و العباده فبينه بذكر سبب استحقاقه للعباده و الطاعه و هو فضله الذى لا نهايه له حيث قال: دون استحقاقك \par
001    37    (بيان العجز عن شكره تعالى و عن ما يستحقه سبحانه من الطاعه و العباده) (قال عليه السلام: اللهم احدا لا يبلغ من شكرك غايه الاحصل عليه من احسانك ما يلزمه شكرا، و لا يبلغ مبلغا من طاعتك و ان اجتهد الا كان مقصرا دون استحقاقك بفضلك، فاشكر عبادك عاجز عن شكرك، و اعبدهم مقصر عن طاعتك). \par مدار هذا الفصل من الدعاء على امرين: احدهما- بيان العجز عن شكره تعالى، و الثانى- بيان العجز عن ما يستحقه سبحانه من الطاعه و العباده: \par اما الاول فبينه عليه السلام بلزوم التسلسل و هو ترتيب امور غير متناهيه لانه اذا احدث شكرا على نعمه احدث الله عليه نعمه اخرى يجب عليه شكرها فيحتاج ان يشكرها كشكره الاولى، و كذلك الحال فى الثالثه و الرابعه و هذا يودى الى ما لا يتناهى و هو غير مقدور للعبد. و لزوم هذا الجزاء لشرطه بحكم وعد الله تعالى فى قوله الذى لا ياتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه و اذ تاذن ربكم لئن شكرتم لازيدنكم اى اذن ايذانا بليغا و اخبر اخبارا موكدا لا تبقى معه شائبه شبهه لما فى صيغه التفعل من معنى التكلف المحمول فى حقه تعالى على غايته التى هى الكمال. \par فى تفسير على بن ابراهيم قال ابوعبدالله عليه السلام: ايما عبدا نعم الله عليه بنعمه فعرفها بقلبه و حمد الله عليها بلسانه لم ينفد كلامه حتى يامر الله له بالزياده، و هو قوله: لئن شكرتم لازيدنكم. \par و روى ثقه الاسلام فى الكافى باسناده عنه عليه السلام قال: من اعطى الشكر اعطى الزياده. و عن ابى عبدالله عليه السلام اوحى الله عز و جل الى موسى عليه السلام: يا موسى! اشكرنى حق شكرى، فقال: يا رب و كيف اشكرك حق شكرك و ليس من شكر اشكرك به الا و انت انعمت به على؟ قال: يا موسى! الان شكرتنى حين علمت ان ذلك منى. \par و اما الثانى و هو بيان العجز عما يستحقه سبحانه من الطاعه و العباده فبينه بذكر سبب استحقاقه للعباده و الطاعه و هو فضله الذى لا نهايه له حيث قال: دون استحقاقك \par
003    37    بفضلك. و الفضل: اما بمعنى الاحسان او بمعنى الكمال، و الفضيله اما على الاول فيجب ان يكون عباده العباد و طاعتهم بقدر احسان المعبود و فضله عليهم و هذا امر ليس فى طاعه احد من البشر لانه سبحانه يستحق بكل نعمه طاعه و شكرا و نعمه غير محصوره كما قال: و ان تعدوا نعمه الله لا تحصوها اى لا تقدرون على تعدادها لكثرتها بل لعدم تناهيها فاين يقع القليل من الكثير و الذى يتناهى من الذى لا يتناهى. \par
002    37    بفضلك. و الفضل: اما بمعنى الاحسان او بمعنى الكمال، و الفضيله اما على الاول فيجب ان يكون عباده العباد و طاعتهم بقدر احسان المعبود و فضله عليهم و هذا امر ليس فى طاعه احد من البشر لانه سبحانه يستحق بكل نعمه طاعه و شكرا و نعمه غير محصوره كما قال: و ان تعدوا نعمه الله لا تحصوها اى لا تقدرون على تعدادها لكثرتها بل لعدم تناهيها فاين يقع القليل من الكثير و الذى يتناهى من الذى لا يتناهى. \par
001    37    بفضلك. و الفضل: اما بمعنى الاحسان او بمعنى الكمال، و الفضيله اما على الاول فيجب ان يكون عباده العباد و طاعتهم بقدر احسان المعبود و فضله عليهم و هذا امر ليس فى طاعه احد من البشر لانه سبحانه يستحق بكل نعمه طاعه و شكرا و نعمه غير محصوره كما قال: و ان تعدوا نعمه الله لا تحصوها اى لا تقدرون على تعدادها لكثرتها بل لعدم تناهيها فاين يقع القليل من الكثير و الذى يتناهى من الذى لا يتناهى. \par
005    37    (الغفران مع التوبه عندنا على وجه التفضل لا على وجه الوجوب) \par (لا يجب لاحد ان تغفر له باستحقاقه، و لا ان ترضى عنه باستيجابه فمن غفرت له فبطولك، و من رضيت عنه فبفضلك) \par الجمله الاولى مستانفه استينافا بيانيا كانه قيل: كيف تراهم مع العجز عن الشكر و التقصير عن الطاعه فى استحقاق المغفره و استيجاب الرضا؟ فقال: لا يجب لاحد ان تغفر له باستحقاقه و لا... و تاخير الرضا عن المغفره رعايه لاسلوب الترقى الى الاعلى لان الرضا فوق المغفره و قد يغفر السيد ذنب عبده و ليس براض عنه. و انما نفى عليه السلام وجوب المغفره و الرضا لاحد عن استحقاق و استيجاب لان المغفره و الرضا تفضل و احسان منه تعالى ان شاء فعل و ان شاء لم يفعل فلا يجب عليه سبحانه ان يغفر لاحد او يرضى عنه لاستحقاقه و استيجابه و ان تاب و اناب لان الغفران مع التوبه عندنا على وجه التفضل لاعلى وجه الوجوب خلافا للمعتزله. \par
004    37    (الغفران مع التوبه عندنا على وجه التفضل لا على وجه الوجوب) \par (لا يجب لاحد ان تغفر له باستحقاقه، و لا ان ترضى عنه باستيجابه فمن غفرت له فبطولك، و من رضيت عنه فبفضلك) \par الجمله الاولى مستانفه استينافا بيانيا كانه قيل: كيف تراهم مع العجز عن الشكر و التقصير عن الطاعه فى استحقاق المغفره و استيجاب الرضا؟ فقال: لا يجب لاحد ان تغفر له باستحقاقه و لا... و تاخير الرضا عن المغفره رعايه لاسلوب الترقى الى الاعلى لان الرضا فوق المغفره و قد يغفر السيد ذنب عبده و ليس براض عنه. و انما نفى عليه السلام وجوب المغفره و الرضا لاحد عن استحقاق و استيجاب لان المغفره و الرضا تفضل و احسان منه تعالى ان شاء فعل و ان شاء لم يفعل فلا يجب عليه سبحانه ان يغفر لاحد او يرضى عنه لاستحقاقه و استيجابه و ان تاب و اناب لان الغفران مع التوبه عندنا على وجه التفضل لاعلى وجه الوجوب خلافا للمعتزله. \par
006    37    (حاصل معنى هذا الفصل: ان احسانه تعالى الى عباده) \par (فى مقابل شكرهم له.. تفضل منه تعالى) \par (تشكر يسير ما شكرته، و تثيب على قليل ما تطاع فيه حتى كان شكر عبادك الذى اوجبت عليه ثوابهم، و اعظمت عنه جزائهم امر ملكوا استطاعه الامتناع منه دونك فكافيتهم، او لم يكن سببه بيدك فجازيتهم) \par و صفه تعالى بالشكر، قيل: المراد به: مجازاته على اليسير من الطاعه بالكثير \par
006    37    من الثواب لانه يعطى بالعمل فى ايام معدوده نعما فى الاخره غير محدوده. و من جازى الحسنه باضعافها صح ان يقال: انه شكر تلك الحسنه. و قيل: المراد: قبول اليسير من الطاعه و الثناء على فعلها و فاعلها. و قد وصف سبحانه تعالى نفسه بالشكور فى غير موضع من القرآن المجيد فقال فى سوره فاطر: انه غفور شكور و قال فيها: ان ربنا لغفور شكور و قال فى سوره الشورى: و من يقترف حسنه نزد له فيها حسنا ان الله غفور شكور قال العلامه الطبرسى: اى شكور للطاعات يعامل عباده معامله الشاكر فى توفيه الحق حتى كانه ممن وصل اليه النفع فشكره. و قال فى سوره التغابن: ان تقرضوا الله قرضا حسنا يضاعفه لكم و يغفرلكم و الله شكور حليم قال القاضى: اى يعطى الجزيل بالقليل، و اثابه اثابه: اعطاه ثواب عمله اى جزائه و منه قوله تعالى: فاثابهم الله بما قالوا جنات و اكثر ما تستعمل فى المحبوب و قد تستعمل فى المكروه على الاستعاره كاستعمال البشاره فيه و منه قوله تعالى: فاثابكم غما بغم و وجب الحق يجب وجوبا: لزم و ثبت و اوجبته ايجابا: اثبته و الزمته اى جعلته لازما و ثابتا. و اعظم الله له الاجر اعظاما: جعله عظيما. و ملكت الشى ء املكه من باب ضرب ملكا و ملكا بالفتح و الكسر: تمكنت من التصرف فيه من غير مانع. و الاستطاعه: استفعاله من الطوع و هو الانقياد فهى فى الاصل بمعنى طلب انقياد الشى ء ثم استعملت فى القدره التامه التى يتمكن بها الانسان مما يريده، و امتنع من الشى ء و عنه امتناعا: كف عنه. و دون بمعنى التجاوز كمامر مرارا. و المكافاه: المجازاه. \par و حاصل معنى هذا الفصل من الدعاء: ان احسانه تعالى الى عباده فى مقابله شكرهم له و انعامه عليهم بازاء طاعتهم و عبادتهم اياه انما هو تفضل منه تعالى اذ كان ايقاع الشكر و الطاعه و العباده منهم باقداره لهم على ذلك و توفيقه اياهم له لان كل فاعل سواه انما يستحق القدره على الفعل من وجوده تعالى لا لذاته استقلالا و تفردا به على ما علم فى مظانه. و مع ذلك فقد جعل سبحانه ثوابهم على شكره و جزائهم على طاعته ثوابا واجبا و اجرا مستحقا فاشبه شكرهم و طاعتهم امرا استقلوا لذواتهم بالقدره على ايجاده و كانوا \par
006    37    يستطيعون ان لا يوجدوه و ان يمتنعوا منه اوامرا استبدوا بتسبيب سببه فى ايقاعه فاستوجبوا بذلك الثواب و استحقوا به الجزاء، و ليس الامر كذلك بل هو سبحانه الذى اقدرهم على ذلك و وفقهم له وقادهم بزمام اللطف و العنايه اليه فلو ارادوا ان يمتنعوا منه و ان لا يفعلوه بدون ما ركبه فيهم من الاسباب ما استطاعوا عنه و كان اسباب صدوره منهم و حصوله عنهم بقدرته و اعداده عز و جل فانى لهم الاستقلال و الاستبداد فى نسبته اليهم. \par و من هنا قال موسى عليه السلام: الهى امر تنى بالشكر على نعمك و شكرى اياك نعمه من نعمك. \par و عليه قوله تعالى: يمنون عليك ان اسلموا قل لا تمنوا على اسلامكم بل الله يمن عليكم ان هديكم للايمان ان كنتم صادقين. \par
007    37    (... ان افاضته تعالى شآبيب كرمه وجوده على عباده) \par (غير موقوف على الاستحقاق و الاستيجاب) \par (بل ملكت يا الهى! قبل ان يملكوا عبادتك، و اعددت ثوابهم قبل ان يفيضوا فى طاعتك و ذلك ان سنتك الافضال، و عادتك الاحسان، و يفيضوا فى طاعتك و ذلك ان سنتك الافضال، و عادتك الاحسان، و سبيلك العفو) \par بل: حرف اضراب و معناه هنا: ابطال ما قبلها من كون شكرهم امرا ملكوا استطاعه الامتناع منه دونه تعالى و لم يكن سببه بيده سبحانه، اى ليس الامر كذلك بل كنت مالكا امرهم قبل تمكنهم من عبادتك و ايجادهم لها و توسط النداء لمزيد الخضوع و الابتهال، و الغرض انهم لم يقدروا على عبادتك و لا استطاعوا فعلها الا باقدارك لهم عليها، و توفيقك اياهم لها و لو شئت ما فعلوه اذ كل موجود سواه فهو فى تصريف قدرته و مشيته قبل وجوده و بعده لانهما مستند وجوده. و اعددت الشى ء اعدادا: هياته. و افاض فى الامر افاضه: دخل فيه. \par و مضمون هذه الفقره تقرير لما قبلها لان اعداده سبحانه ثوابهم قبل افاضتهم فى طاعته قاض بان قضاه قد جرى بتوفيقهم للدخول فى الطاعه قبل دخولهم فيها و بان لطفه قد اخذ \par
007    37    بعنان مشيتهم اليها و اقام جواد ارادتهم عليها و الا لم يكن لاعداد الثواب فائده. و الواو من قوله و ذلك، استينافيه و الاشاره الى ما ذكر من شكره تعالى ليسير الشكر و الاثابه على قليل الطاعه على وجه الايجاب مع ان وقوعهما من الشاكر و المطيع انما هو باقداره و لطفه و توفيقه سبحانه. و ما فى اسم الاشاره من معنى البعد للايذان بكون ذلك فى الغايه القصوى من العظم و الجلاله و هو مبتدء خبره قوله ان سنتك الافضال اى لان سنتك او بان سنتك الافضال، و التقدير: و ذلك واقع لاجل ان سنتك الافضال او بسبب ان سنتك الافضال و حذف الجار مطرد مع ان و ان المصدرتين. و السنه: الطريقه التى يسلكها الحى فى افعاله. و السيره التى يكون عليها. و الافضال: مصدر افضل عليه اذا اعطاه ما لا يلزمه ان يعطيه. و العاده: اسم لتكرير الفعل من عاد يعود. و الاحسان: مصدر احسن اى فعل الحسن فان كان الفعل متعديا الى الغير قيل احسن اليه و ان كان لازما بالفاعل قيل احسن. و السبيل: الطريق الذى فيه سهوله و يستعار لسيره الحى التى يكون عليها فى افعاله. و العفو: ترك المواخذه بالتقصير و الذنب. \par و مدار هذه الفقرات: ان افاضته تعالى شآبيب كرمه وجوده على عباده غير موقوف على الاستحقاق و الاستيجاب بل هى شانه و ديدنه، و فيه رد على من زعم ان الثواب مترتب على العمل ترتب الشبع على الاكل و الله اعلم. \par
008    37    (اذا كانت الملائكه المقربون و الانبياء و المرسلون يقولون:) \par (سبحانك ما عبدناك حق عبادتك فما الظن بسواهم؟) \par (فكل البريه معترفه بانك غير ظالم لمن عاقبت، و شاهده بانك متفضل على من عافيت و كل مقر على نفسه بالتقصير عما استوجبت، \par كل، هنا لاستغراق افراد المضاف اليه و هو مبتدء خبره قوله: معترفه، و تانيثه باعتبار المعنى، او لا كتساب المضاف التانيث من المضاف اليه لصحه الاستغناء بالمضاف اليه عن المضاف. كما يقال: سقطت بعض اصابعه. \par فان قلت: كيف يصح هذا الاستغراق و كثير من الناس لا يعترف بوجوده فضلا عن عدله وجوده؟ \par قلت: يجوز ان يكون الاستغراق عرفيا فالمراد بالبريه: الموحدون منهم و ان يكون حقيقيا و المراد بالاعتراف اعم من ان يكون صريحا او لزوما و اضطرارا: اما الاول فهو الاعتراف من المومنين، و اما الثانى فهو الشامل لكل احد مومنا كان او كافرا و ذلك: ان العقول متفقه على وجود الصانع سبحانه و الانقطاع اليه عند تضايق حلق البلاء عليه، كما اشار اليه سبحانه بقوله: و اذا مسكم الضر ضل من تدعون الا اياه و هذا امر مجبول عليه كل احد، لا تجد احدا الا و فزعه و انقطاعه الى خالقه مركوز فى نفسه و طبعه، و قد نبه بعضهم على هذا المعنى فقال: التوكل على الخالق و الانقطاع اليه من اطباع الخلق للعجز المعجون بجبلتهم و الحاجه المركبه فى طبيعتهم. و له من فى السموات و الارض كل له قانتون و لك حمل الاعتراف على كونه يوم القيمه كما حمل بعض المفسرين قوله تعالى: كل له قانتون على ذلك و الله اعلم. \par قوله عليه السلام: و كل مقر على نفسه بالتقصير عما استوجبت، اى من الطاعه و العباده اقرارا مستقرا بلسان المقال او الحال فانهم و ان بالغوا و اجتهدوا كانوا مقصرين غير بالغين كنه عبادته سبحانه و حقيقتها اذ لا قدر لها فى جنب نعمه عليهم سابقا و لا حقا بل هى بمعزل عما يجب لعظمته و جلاله و كبريائه، و اذا كانت الملائكه المقربون و الانبياء و المرسلون يقولون: سبحانك ما عبدناك حق عبادتك فما الظن بسواهم؟ و الى هذا المعنى اشار اميرالمومنين عليه السلام بقوله فى بعض خطبه: و تا الله لو انماثت قلوبكم انمياثا و سالت عيونكم من رغبه اليه و رهبه منه دما ثم عمرتم فى الدنيا ما الدنيا باقيه ما جزت اعمالكم عنكم و لو لم تبقوا شيئا من جهدكم انعمه عليكم العظام و هداه اياكم للايمان \par
009    37    فلو لا ان الشيطان يختدعهم عن طاعتك ما عصاك عاص، و لو لا انه صور لهم الباطل فى مثال الحق ما ضل عن طريقك ضال) \par قوله عليه السلام: فلو لا ان الشيطان يختدعهم، لو لا حرف لامتناع وجود الشى ء لوجود غيره و الممتنع هو الجواب \par
009    37    و الوجود هو وجود الاسم الواقع بعدهما. و خدعه خدعا من باب نفع و اختدعه اختداعا فانخدع: اراد به المكروه من حيث لا يعلم، و قيل: او همه خلاف ما يريد به من المكروه ليوقعه فيه من حيث لا يحتسب. و قوله عليه السلام: ما عصاك عاص، هو جواب لو لا. قوله عليه السلام و لو لا انه صور لهم الباطل، صورت الشى ء تصويرا: جعلته ذا صوره. و الباطل: نقيض الحق و عرف بانه الذى لا يكون صحيحا باصله. و المثال بمعنى الصوره. و الحق: لغه: الثابت الذى لا يسوغ انكاره، و عرفا: الحكم المطابق للواقع، يطلق على الاقوال و الاعتقادات و الملل باعتبار اشتمالها على ذلك و يقابله الباطل. و الضلال: العدول عن الطريق المستقيم. و طريقه تعالى: سبيله الذى نهج لعباده من الايمان به و توحيده و طاعته و عبادته و سائر مادعى اليه و امر به، و قيل: سبيله تعالى: كل عمل خالص سلك به طريق التقرب الى الله باداء الفرائض و النوافل و انواع التطوعات. \par
010    37    (انه تعالى هو الذى اقدر المطيع على الطاعه... ثم شكره عليها) \par (فسبحانك ما ابين كرمك فى معامله من اطاعك او عصاك تشكر للمطيع ما انت توليته له، و تملى للعاصى فيما تملك معاجلته فيه \par الفاء للترتيب الذكرى، و سبحانك: للتعجب من عموم كرمه تعالى و عظمه. و ما ابين: صيغه التعجب و ما، فيها اسم فى محل رفع على الابتداء، و اختلفوا هل هى نكره تامه بمعنى شى ء و ابتدى بها لتضمنها معنى التعجب و ما بعدها خبرها فموضعه رفع اوهى موصوله بمعنى الذى و ما بعدها صلتها فلا محل لها من الاعراب و الخبر محذوف وجوبا تقديره: الذى ابان كرمك شى ء عظيم. و بان الامر يبين و تبين و استبان: اتضح و انكشف و الاسم: البيان و الكرم هنا عباره عن التفضل و السبق بالانعام و ايثار الصفح عن الجانى و الاحسان الى المسى ء. و المعامله: مفاعله من العمل و هو الفعل عن قصد. واو، من قوله: او عصاك: للايذان بتساوى المعاملتين فى بيان الكرم المتعجب منه و ان كل واحده منهما مستقله بظهوره فان تعجب فى كل منهما كان فى محله و ان تعجب منه فيهما جميعا فكذلك. \par قوله عليه السلام: تشكر للمطيع ما انت توليته، جمله مستانفه استينافا بيانيا كانه سئل كيف بان كرمى فى معامله من اطاعنى او عصانى؟ فقال: تشكر للمطيع.. اى تجازى المطيع بالكثير على العمل الذى انت توليته اى قمت به لاجله، يقال: وليت الامر و توليته اى قمت به. \par و الغرض انه تعالى هو الذى اقدر المطيع على الطاعه له و وفقه بلطف عنايته لها ثم شكره عليها و هذا منتهى الكرم و غايه الجود. و الاملاء: التاخير و الامهال. و عاجله بذنبه: اذا اخذه به و لم يمهله اى تمهل العاصى و لا تاخذه بذنبه سريعا و انت قادر على معاجلته و عدم امهاله احسانا اليه و رفقا به. \par و لا يخفى ما فى التعبير عن الشكر و الاملاء بصيغه المضارع الموذنه بالاستمرار و عن الاعطاء و التفضل بصيغه الماضى الداله على الوقوع و الانقضاء من اللطف فانه يوذن بان الشكر و الاملاء مستمران و ان التفضل و الاعطاء قد جرى بهما قلم القضاء فلا مثوبه فى ذلك. و هكذا فليكن حسن البيان. \par
011    37    اعطيت كلا منهما ما لم- يجب له، و تفضلت على كل منهما بما يقصر عمله عنه \par و لا يخفى ما فى التعبير عن الشكر و الاملاء بصيغه المضارع الموذنه بالاستمرار و عن الاعطاء و التفضل بصيغه الماضى الداله على الوقوع و الانقضاء من اللطف فانه يوذن بان الشكر و الاملاء مستمران و ان التفضل و الاعطاء قد جرى بهما قلم القضاء فلا مثوبه فى ذلك. و هكذا فليكن حسن البيان. \par
012    37    (عله خلود اهل النار فى النار و اهل الجنه فى الجنه) \par (و لو كافات المطيع على ما انت توليته لا و شك ان يفقد ثوابك و ان تزول عنه نعمتك، و لكنك بكرمك جازيته على المده القصيره الفانيه بالمده الطويله الخالده، و على الغايه القريبه الزائله بالغايه المديده الباقيه) \par المكافاه: مفاعله من الكفو و هو المثل و المتساوى فاصل كافاته: ساويته ثم اتسع فاستعمل بمعنى المجازاه، قال الزمخشرى فى الاساس: كافاته: ساويته و هو مكافى ء له، و كافاته بصنعه: جازيته جزاء مكافيا لما صنع اى مساويا له. \par و لما كان ما تولاه سبحانه لا يقتضى مكافاه بالثواب عليه لان الانسان لا يستحق بعمل غيره ثوابا كان معنى المكافاه عليه عدم الاثابه به لان معنى المكافاه: المساواه بمقابله الفعل بالفعل و عدمه بعدمه، فمعنى قوله عليه السلام: لو كافات المطيع على ما انت توليته: لو لم تثبه على ما انت توليته بل كافاته عليه بعدم الاثابه عليه لعدم قيامه به و صدوره عنه لاوشك ان يفتقد ثوابك. \par و ما وقع لاكثر الاصحاب فى ترجمه هذه العباره بان المعنى لو جازيت المطيع على مجرد \par
012    37    عمله دون ما انت توليته او فيما انت توليته بمعزل عن مدلولها و ان كان معنى صحيحا فى نفسه. و او شك: فعل ماض من افعال المقاربه الداله على قرب ثبوت خبرها لاسمها، فمعنى اوشك: قرب و دنى و المده: البرهه و الطائفه من الزمان تقع على القليل و الكثير. و القصر: خلاف الطول. و فنى الشى ء يفنى فناء من باب رضى: عدم بعد الوجود. و خلد يخلد من باب قعد: طال بقاوه. قال الراغب: كل ما يتباطى عنه التغير و الفساد تصفه العرب بالخلود، لقولهم للايام خوالد و ذلك لطول مكثها لالدوام بقائها ثم استعير للبقاء دائما. و الخلود فى الجنه: بقاء الاشياء على الحاله من غير اعتراض الكون و الفساد عليها، انتهى. \par و غايه الشى ء: مداه و منتهاه، و الكلام على حذف مضاف اى على ذى الغايه القريبه الزائله بذى الغايه المديده الباقيه، اذ الغايه لا يتعلق بها جزاء و انما يتعلق بالمغيا. و المراد بالجزاء على المده القصيره بالمده الطويله: الجزاء على العمل فيها بالثواب عليه فى المده الطويله فهو من باب اطلاق اسم المظروف على الظرف و هو شايع فى الاستعمال. و اما قوله عليه السلام: و على الغايه القريبه بالغايه المديده فلا يتعين ان يراد بالغايه الزمان ايضا اطلاقا لاسم الجزء على الكل بل العمل نفسه و الثواب نفسه فكانه قال: و جازيته على العمل ذى الغايه القريبه الفانيه بالثواب ذى الغايه المديده الباقيه ثم من المتيقن كون المراد بالغايه فى المجازى به مدته و انما عبر عنها بالغايه على سبيل المشاكله لوقوعها فى صحبه ذى الغايه و الا فلا غايه له بدليل وصفها بالبقاء لان المراد به البقاء الاخروى و هو التابيد لا الى منتهى و لا غايه و لو لا ذلك لاستحال الكلام. و المديده: الطويله. \par تبصره: \par روى ثقه الاسلام فى الكافى بسنده عن ابى عبدالله عليه السلام انه قال: انما خلد اهل النار فى النار لان نياتهم كانت فى الدنيا ان لو خلدوا فيها ان يعصوا الله ابدا، و انما خلد اهل الجنه فى الجنه لان نياتهم كانت فى الدنيا ان لو بقوا فيها ان يطيعوا الله ابدا فبا لنيات خلد هولاء و هولاء ثم تلا قوله تعالى: قل كل يعمل على شاكلته قال: على نيته و الله اعلم. \par
013    37    (معنى القصاص و المناقشه و قول جار الله فى قوله تعالى:) \par (كل امرء بما كسب رهين...) \par (ثم لم تسمه القصاص فيما اكل من رزقك الذى يقوى به على طاعتك، و لم- تحمله على المناقشات فى الالات التى تسبب باستعمالها الى مغفرتك، و لو فعلت ذلك به لذهب بجميع ما كدح له و جمله ما سعى فيه جزاء للصغرى من اياديك و مننك و لبقى رهينا بين يديك بساير نعمك فمتى كان يستحق شيئا من ثوابك؟ لا! متى؟ \par ثم هنا للترتيب فى الذكر و التدرج فى درج الارتقاء و ذكر ما هو الاولى ثم الاولى من غير اعتبار التراخى و المهله بين تلك الدرج. و لان الثانى بعد الاول فى الزمان فان عدم سومه القصاص على ما اكل من رزقه و عدم حمله على المناقشات فى الالات متقدم على المجازاه المذكوره كما هو ظاهر. لكن لما كان الغرض ترتيب تفضله تعالى بذكر الاخص فالاخص و الا عجب فالا عجب جاء بثم تنبيها على ذلك. و لم تسمه القصاص اى لم- ترد منه، قال فى الاساس: و من المجاز سمت المراه المعانقه اردتها منها و عرضتها عليها. و القصاص: مصدر قاصه مقاصه و قصاصا من باب قاتل. قال الزمخشرى: قاصصته بما كان لى قبله اى حبست عنه مثل ذلك ماخوذه من مقاصه ولى القتيل القاتل. فمعنى عباره الدعاء: لم تحبس عليه من الجزاء مثل ما اكل من رزقك. و حملته على الامر: الزمته به كانك جعلته راكبا عليه. و المناقشه: الاستقصاء فى الحساب. و الالات: جمع الا له و هى الاداه التى يعمل بها. و تسببت الى الشى ء: توصلت اليه بسبب، و تسببت بكذا الى كذا: جعلته سببا الى الوصول اليه. و المعنى انك لم تلزمه بالمناقشه و لم تستقص فى محاسبته على الالات التى توصل بسبب استعمالها الى فوزه بمغفرتك مع ان الالات من مخلوقاتك لا مدخل لعمله فيها و لولاها لم يمكنه التوصل الى مغفرتك. و المراد بالالات: جميع القوى الظاهره و الباطنه و الجوارح و الامور و الاشياء المتعلقه بنفسه و بدنه و الخارجه عنه. و بالجمله جميع ما له مدخل فى القيام بالعمل من جوهر و عرض. و الكدح: العمل و السعى و الكسب. و الصغرى: مونث الاصغر و من: بيانيه. و الايادى: جمع يد بمعنى النعمه \par و الاحسان. و المنن: جمع منه و هى النعمه الثقيله. و الرهن: ما يوضع ثقه للدين و اصله الحبس و لذلك كان معناه شرعا: حبس الشى ء بحق يمكن اخذه منه كالدين يقال: رهنت الشى ء رهنا فهو رهين و مرهون ثم استعمل فى كل شى ء لزمه امر لا يمكنه انفكاكه منه. قال جار الله فى قوله تعالى: كل امرء بما كسب رهين اى مرهون كان نفس العبد رهن عندالله بالعمل الصالح الذى هو مطالب به كما يرهن الرجل عبده بدين عليه فان عمل صالحا فكها و خلصها و الا او بقها انتهى. \par و لما كانت النفوس بهذا المعنى مرهونه بنعمه من نعم الله تعالى لا يفكها الا الشكر بالطاعه و العمل الصالح و ليس من له ذلك الا ما لولا مسامحته سبحانه له و عدم استقصائه عليه لذهب بجميع عمله و طاعته فى مقابله اصغر نعمه و مننه لاجرم يبقى رهينا بسائر نعمه تعالى مطالبا بها لا انفكاك له منها. و لذلك فزع رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فى فكاك رهانه حيث قال: فك رهانى و ثقل ميزانى. ففزع صلى الله عليه و آله و سلم اليه سبحانه ان يكون هو الذى يتولى فكاك رهانه لعلمه عليه السلام بعجزه عنه فما الظن بغيره. قوله عليه السلام: فمتى كان يستحق من ثوابك شيئا لا! متى، الفاء فصيحه اى اذا كان الامر هكذا متى كان يستحق. و متى: ظرف يكون استفهاما عن زمان فعل فيه او يفعل، و ليس الاستفهام هنا على حقيقته بل الغرض منه استبعاد كونه مستحقا للثواب حينئذ و نفيه كقوله تعالى: انى لهم الذكرى فى استبعاد الاتعاظ. \par
014    37    هذا يا الهى! حال من اطاعك، و سبيل من تعبد لك \par و تعبد الرجل: بالغ فى العباده و اجتهد فيها. و فى الصحاح: التعبد: التنسك و هو التطوع. \par (لو علم الله ان عبدا ينيب اليه آخر الدهر لمدفى عمره الى ذلك الوقت) \par (فاما العاصى امرك و المواقع نهيك فلم تعاجله بنقمتك لكى يستبدل بحاله فى معصيتك حال الانابه الى طاعتك، و لقد كان يستحق فى اول ما هم بعصيانك كل ما اعددت لجميع خلقك من عقوبتك، \par الفاء للعطف و الترتيب الذكرى. و اما: حرف متضمن لمعنى الشرط و فعله و لذلك يجاب بالفاء و فائدته تاكيد ما صدر به و تفصيل ما فى نفس المتكلم من الاقسام نحو: هولاء فضلاء: اما زيد ففقيه، و اما عمرو فمتكلم، و اما بكر فمحدث. \par ثم قد تذكر الاقسام جميعا كالمثال، و قد يقتصر على واحد منها استغناء بكلام يذكر بعدها او قبلها فى موضع القسم فالاول كقوله تعالى: هو الذى انزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن ام الكتاب و اخر متشابهات فاما الذين فى قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنه و ابتغاء تاويله و ما يعلم تاويله الا الله و الراسخون فى العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا فاستغنى بقوله و الراسخون فى العلم عن ذكر قسيم فاما الذين فى قلوبهم زيغ، كانه قيل و اما الراسخون فى العلم فيقولون آمنا به، و الثانى كعباره الدعاء فان ذكر حال المطيع قبل اما، اغنى عن ذكر قسيم ما بعدها، و قد يستغنى بذكر احد القسمين عن الاخر كقوله تعالى: فاما الذين آمنوا بالله و اعتصموا به فسيدخلهم فى رحمه منه و فضل اى و اما الذين كفروا بالله فلهم كذا و كذا. و عصيان الامر: ترك الانقياد له. و واقع الذنب: ارتكبه. و عاجله بالنقمه اى انتقم منه و عاقبه من غير امهال. و اللام من قوله لكى تعليليه، و كى: مصدريه بمعنى ان المصدريه معنى و عملا لصحه حلول ان، محلها و الاستبدال: جعل الشى ء مكان آخر قال الراغب: و هو اعم من العوض فان العوض هو ان يصير لك الثانى باعطاء الاول. و التبديل يقال للتغيير و ان لم تات ببدله. و الباء من قوله: بحاله، للمقابله و مدخولها ابدا هو الذاهب الزائل دون الاتى الحاصل كقوله تعالى: اتستبدلون الذى هو ادنى بالذى هو خير و المعنى لكى ياخذ و يختار لنفسه بدلا من حاله فى معصيتك حال الانابه الى طاعتك. و اناب الى الله انابه و منابا: رجع. \par و فى الحديث: لو علم الله ان عبدا ينيب اليه آخر الدهر لمدفى عمره الى ذلك الوقت. قوله عليه السلام: و لقد كان يستحق، جمله مستانفه سيقت لتقرير مضمون ما قبلها من امهاله تعالى لعبده العاصى و عدم معاجلته له بالانتقام. و اللام جواب لقسم محذوف اى و بالله لقد كان يستحق، و تصدير الجمله بالقسم لزياده تحقيق مضمونها. و اول الشى ء: ابتداوه. و هم بالشى ء هما من باب قتل: اذا اراده و لم يفعله. و كل ما اعددت اى جميع ما هياته فما اما نكره موصوفه او موصوله و الجمله بعدها اما صفه اوصله. \par
015    37    فجميع ما اخرت عنه من العذاب و ابطات به عليه من سطوات النقمه و العقاب ترك من حقك، \par و البطو: اصله تاخر الانبعاث فى السير ثم استعمل فى مطلق التاخر. وسطا عليه و به سطوا و سطوه: قهره و اذله و هو البطش و الاخذ بعنف و شده. و النقمه: الانتقام و هو بمعنى العقوبه. و تركت المنزل تركا من باب قتل: رحلت عنه، و الرحيل: فارقته. ثم استعير للاسقاط فى المعانى فقيل: ترك حقه اذا اسقطه. دون: هنا بمعنى غير، اى بغير ما يجب لك او بمعنى القاصر او الاقل اى بما هو قاصر عن واجبك او باقل ما هو واجب لك، فان تاخير العذاب او عدم المعاجله به ضرب من دون ما يجب له سبحانه نظرا الى عظيم سلطانه و كبريائه و اقتداره جلت قدرته.. رضى بدون واجبك \par
016    37    فمن اكرم- يا الهى- منك، و من اشقى ممن هلك عليك؟ لا! من؟ \par (ما للعبد بالنسبه الى ما عليه كالجزء الذى لا يتجزى..) \par (و بيان ان الهدى على مراتب) \par (فتباركت ان توصف الا بالاحسان، و كرمت ان يخاف منك الا العدل، لا يخشى جورك على من عصاك، و لا يخاف اغفالك ثواب من ارضاك، فصل على محمد و آله، وهب لى املى، و زدنى من هداك ما اصل به الى التوفيق فى عملى، انك منان كريم). \par الفاء سببيه. و البركه: النماء و الزياده حسيه كانت او عقليه، و كثره الخير و دوامه، فقوله: تباركت، اما بمعنى تزايدت و تعاليت نظرا الى البركه بمعنى الزياده او بمعنى كثر خيرك نظرا الى معنى كثره الخير و دوامه فالاول باعتبار كمال الذات فى نفسها، و الثانى باعتبار كمال الفعل. و عباره الدعاء تناسب المعنيين و صيغه التفاعل للمبالغه. و قوله: ان توصف، اى عن ان توصف. و حذف الجار مع ان و ان المخففه و المثقله مطرد اذا امن اللبس. و الاستثناء مفرغ و التقدير: تباركت ان توصف بشى ء الا بالاحسان. و كرمت، اى تنزهت و تقدست، يقال: كرم زيد عن السوء يكرم بالضم فيهما \par و تكرم و تكارم اى تنزه و هو من الكرم بمعنى انتفاء النقايص و الاتصاف بجميع المحامد او بمعنى الكرم بمعنى شرف الذات و علو المقدار. و المراد بالعدل: المساواه فى المكافاه ان خيرا فخير و ان شرا فشر. و بالاحسان: ان يقابل الخير باكثر منه و الشر باقل منه و لذلك قيل: العدل مساواه و الاحسان زياده. \par و لما كان مع العدل الاستقصاء اذ ليس هو الا توفيه الحقوق و استيفائها بقدر الاستحقاق و كان العبد ما عليه اكثر مما له بل كان ماله بالنسبه الى ما عليه كالجزء الذى لا يتجزى من الشى ء الذى لا يتناهى، لا جرم وجب بحكم العقل، الخوف من عدله سبحانه، و اما الجور و الظلم فمستحيل عليه و ممتنع منه و لهذا صح ان لا يخاف منه الا العدل. \par قوله عليه السلام: لا يخشى جورك على من عصاك، جمله مستانفه استينافا بيانيا كانه سئل: كيف لا يخشى منى الا العدل؟ فقال: لانه لا يخشى جورك على من عصاك، الى آخره. و الجور: نقيض العدل، و اصله من جار عن الطريق: اذا مال عنه ثم جعل اصلا فى العدول عن كل حق. و اغفلت الشى ء اغفالا: تركته اهمالا من غير نسيان. و ارضائه تعالى عباره عن امتثال اوامره و اجتناب مناهيه. و الامل: الرجاء و المراد به هنا المامول من باب اطلاق المصدر على اسم المفعول مجازا. و الزياده: ان يضم الى ما عليه الشى ء شى ء آخر. كما قال تعالى: و الذين اهتدوا زادهم هدى و المراد بالهدى فى عباره الدعاء هو الموصل الى المطلوب فان الهدى على مراتب: \par قال الراغب: هدايه الله تعالى للانسان فى الدنيا على مراتب بعضها مترتب على بعض لا تحصل المرتبه الثانيه الا بعد الاولى و لا الثالثه الا بعد الثانيه: \par فالاولى- اعطائه العبد القوى التى بها يهتدى الى مصالحه اما تسخيرا و اما طوعا كالحواس الخمس و القوه المفكره و على ذلك قوله تعالى: اعطى كل شى ء خلقه ثم هدى و الذى قدر فهدى. \par الثانيه- الهدايه بالدعاء و بعثه الانبياء و اياها عنى بقوله سبحانه: و جعلناهم ائمه يهدون بامرنا. \par الثالثه- هدايه يوليها من اهتدى من صالحى عباده و يمدهم بها آنا فانا و حالا فحالا بحسب اكتسابهم للخيرات و استزادتهم من العلم و العمل الصالح. اياها عنى بقوله: و الذين اهتدوازادهم هدى و الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا و بتحرى هذه المراتب الثلاث يتوصل الى الهدايه للجنه المذكوره فى قوله تعالى: و قالوا الحمد لله الذى هدانا لهذا و ما كنا لنهتدى لو لا ان هدانا الله انتهى. \par و لا شك ان المرتبه الثالثه هى المقصوده فى الدعاء بدليل طلب الزياده بقوله : و زدنى من هداك. و التوفيق: جعل الله فعل عبده و عمله موافقا لما يحبه و يرضاه. و المنان المعطى للمنه كثيرا و هى النعمه الثقيله، و قيل: الكثير المن و هو الاحسان من غير طلب جزاء و لا مثوبه. و الكريم: الجواد المفضل. \par
001    38    الدعاء الثامن و الثلثون: من ادعيه الصحيفه السجاديه و هو دعائه عليه السلام: فى الاعتذار من تبعات العباد و من التقصير فى حقوقهم و فى فكاك رقبته من النار \par \par
001    38    بسم الله الرحمن الرحيم \par (العذر ثلثه اضرب، و العبد على وجهين) \par الاعتذار: مصدر اعتذرت اليه: اذا اتيت بعذر، قال الراغب: العذر: هو تحرى الانسان ما يمحو به ذنوبه و ذلك ثلاثه اضرب: \par 1- ان يقول: لم افعل. \par 2- او يقول فعلت لا جل كذا فيذكر ما يخرجه عن كونه مذنبا. \par 3- او يقول فعلت و لا اعود و نحو ذلك. و هذا الثالث هو التوبه فكل توبه عذر و ليس كل عذر توبه انتهى. و المراد بالاعتذار هنا هو الضرب الثالث اعنى التوبه و منه قوله تعالى: هذا يوم لا ينطقون و لا يوذن لهم فيعتذرون اى لا يوذن لهم فى الاعتذارفهم لا يعتذرون ارادانهم لا يكون لهم اذن فى التوبه، و انما لا يوذن لهم لانه ليس وقت توبه محلها الدنيا. و التبعات: جمع تبعه على وزن كلمه: ما يطلبه الانسان من ظلامه و غيرها. و العباد: جمع عبد و هو يطلق على وجهين: \par احدهما- المملوك بحكم الشرع و هو الانسان الذى يصح بيعه و ابتياعه. \par و الثانى- المملوك بالايجاد و ليس ذلك الا لله تعالى و هو بهذا المعنى يطلق على الانسان حرا كان اورقا و الناس كلهم عباد الله و هذا المعنى هو المراد هنا و متى اطلق لفظ العباد فالمراد بهم جميع الناس. و قصر فى الامر تقصيرا: توانى فيه و لم يهتم به. و فكاك رقبه اى خلاصها من فك الرهن اى خلصه. و الرقبه: اسم للعضو المخصوص ثم يعبربها عن الجمله. \par
001    38    (نصره المومن حق واجب على المومن يواخذ بتركه) \par (قال صلوات الله عليه: (اللهم انى اعتذر اليك من مظلوم ظلم بحضرتى فلم- \par
001    38    انصره و من معروف اسدى الى فلم اشكره و من مسى ء اعتذر الى فلم اعذره و من ذى فاقه سالنى فلم اوثره، و من حق ذى حق لزمنى لمومن فلم اوفره، و من عيب مومن ظهر لى فلم استره، و من كل اثم عرض لى فلم اهجره) \par الكلام فى هذه الفقرات على حذف مضاف و فى كل فقره قرينه داله عليه معينه له كما سنبينه فقوله عليه السلام: اعتذر اليك من مظلوم ظلم بحضرتى فلم انصره. اى اتوب اليك من خذلان مظلوم ظلم بحضرتى فلم انصره، اى خذلانى له بدليل قوله فلم انصره لان عدم النصر هو الخذلان، و هذا التقدير متحتم اذ لا معنى للاعتذار من ذات المظلوم و لا من حيث اتصافه بالمظلوميه هنا، اما الاول فظاهر، و اما الثانى فلانه لم يظلمه بل ظلمه غيره و لا وجه للاعتذار من ظلم الغير. و تعديه الاعتذار بالى لانه بمعنى التوبه، و الحضره: الحضور، يقال: كلمته بحضره فلان اى بحضوره. \par و انما اعتذر عليه السلام من عدم نصره للمظلوم بحضرته، لان نصره المومن حق واجب على المومن يواخذ بتركه كما تظافرت به النصوص عنهم عليهم السلام. \par عن ابى عبدالله عليه السلام: مامن مومن ينصر اخاه و هو يقدر على نصرته الا نصره الله فى الاخره، و مامن مومن يخذل اخاه و هو قادر على نصرته الاخذ له الله فى الدنيا و الاخره. \par قوله عليه السلام: و من معروف اسدى الى فلم اشكره، اى من كفران معروف، بقرينه قوله: فلم اشكره لان عدم شكر المعروف هو كفرانه. و المعروف: الخير و الاحسان. و فى مجمل اللغه: المعروف: الجود: و فى النهايه: اسدى و اولى و اعطى بمعنى انتهى. \par و لما كان شكر المعروف واجبا سواء كان المبتدى له خالقا او مخلوقا اعتذر عليه السلام من معروف اسدى اليه فلم يشكره. \par و من الاحاديث المشهوره عن النبى صلى الله عليه و آله و سلم اشكر لمن انعم عليك، و انعم على من شكرك. \par و روى ثقه الاسلام فى الكافى بسنده عن عمار الذهبى قال: سمعت على بن الحسين عليهماالسلام يقول: ان الله يحب كل قلب حزين، و يحب كل عبد شكور، يقول الله تبارك و تعالى لعبد من عبيده يوم القيمه: اشكرت فلانا؟ فبقول: بل شكرتك يا رب! فيقول: لم تشكرنى اذ \par
001    38    لم تشكره ثم قال: اشكركم لله اشكركم للناس. \par و عن ابى عبدالله عليه السلام: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: من اوتى اليه معروف فليكاف به فان عجز فليثن عليه فان لم يفعل فقد كفر النعمه. \par و عنه عليه السلام: لعن الله قاطعى سبيل المعروف، قيل: و ما قاطعوا سبيل المعروف؟ قال: الرجل يصنع اليه المعروف فيكفره فيمتنع صاحبه من ان يصنع ذلك الى غيره. و الروايات فى هذا المعنى اكثر من ان تحصى. \par قوله عليه السلام: و من مسى ء اعتذر الى فلم اعذره اى من لوم مسى ء اعتذر الى فلم اعذره اى لم- اقبل عذره و لم ارفع عنه اللوم. يقال عذرته عذرا من باب ضرب اى رفعت عنه اللوم فهو معذور اى غير ملوم و الاسم العذر. \par و فى وصيه النبى صلى الله عليه و آله و سلم لامير المومنين عليه السلام: يا على! من لم يقبل العذر من متنصل صادقا كان او كاذبا لم تنله شفاعتى. \par و فى وصيه اميرالمومنين عليه السلام لابنه محمد بن الحنفيه رضى الله عنه: اقبل من متنصل عذره فتنالك الشفاعه. و فى النهايه: من تنصل اليه اخوه اى انتفى من ذنبه و اعتذر اليه. \par قوله عليه السلام: و من ذى فاقه سالنى فلم اوثره، اى و من منع ذى فاقه سالنى فلم اوثره. و الفاقه: الحاجه، يقال: افتاق افتياقا: اذا احتاج و هو ذو فاقه. و آثرت السائل ايثارا: اعطيته ما سال و قد مته على نفسى. و منه قوله تعالى: و يوثرون على انفسهم و لو كان بهم خصاصه اى يقدمون من هاجر اليهم على انفسهم فى كل شى ء من اسباب المعاش. \par قوله عليه السلام: و من حق ذى حق لزمنى فلم او فره، اى و من اهمال حق ذى حق، او منع حق ذى حق لزمنى فلم او فره عليه اى لم اوفه اياه. يقال: و فرت على فلان حقه توفيرا اى وفيته اياه. و قال الفيومى فى المصباح: و فرت عليه حقه توفيرا: اعطيته الجميع فاستوفره اى استوفاه. \par قوله عليه السلام: و من عيب مومن ظهر لى فلم استره، اى و من اظهار عيب مومن. \par
001    38    عن ابى عبدالله عليه السلام: حدثنى ابى عن آبائه عن على عليه السلام عن النبى صلى الله عليه و آله و سلم انه قال: ادنى الكفر ان يسمع الرجل عن اخيه الكلمه فيحفظها عليه يريد ان يفضحه بها اولئك لاخلاق لهم. \par و عنه عليه السلام حدثنى ابى عن آبائه عن على عليه السلام قال: من قال فى مومن ما رات عياه و سمعت اذناه مما يشينه و يهدم مروته فهو من الذين قال الله عز و جل: ان الذين يحبون ان تشيع الفاحشه فى الذين آمنوا لهم عذاب اليم فى الدنيا و الاخره \par قوله عليه السلام: و من كل اثم عرض لى فلم اهجره، اى و من ارتكاب كل اثم و عرض له الامر عرضا: امكنه ان يفعله. و هجرت الشى ء هجرا: تركته و رفضته. و قال الراغب: الهجر: مفارقه الانسان غيره اما بالبدن او باللسان او بالقلب و قوله تعالى: و الرجز فاهجر حث على المفارقه بالوجوه كلها. \par
003    38    (ان للمذنب التائب فضيله على من لم يذنب من ثلثه اوجه) \par (اعتذر اليك- يا الهى- منهن و من نظائرهن اعتذار ندامه يكون واعظا لما بين يدى من اشباههن، فصل على محمد و آله، و اجعل ندامتى على ما وقعت فيه من الزلات، و عزمى على ترك ما يعرض لى من السيئات، توبه توجب لى محبتك، يا محب التوابين). \par النظائر: جمع نظيره مونث نظير و هو المثل. و الندامه: الندم و هو تمنى الانسان ان ما وقع منه لم يقع. و الوعظ: زجر مقترن بتخويف. و بين اليدين حقيقه فى المكان ثم اشتهر للزمان مستعارا فتاره يطلق على الماضى المتقدم، و منه قوله تعالى: و هذا كتاب انزلناه مبارك مصدق الذى بين يديه اى من الكتب السماويه التى قبله، و تاره يطلق على المستقبل المتاخر لان الانسان مستقبل لما سياتى فكانه بين يديه. و قد تقدم الكلام على بيان محبته تعالى \par قال بعض العلماء: اعلم ان للمذنب التائب اذا تاب توبه نصوحا فضيله على من \par
002    38    (ان للمذنب التائب فضيله على من لم يذنب من ثلثه اوجه) \par (اعتذر اليك- يا الهى- منهن و من نظائرهن اعتذار ندامه يكون واعظا لما بين يدى من اشباههن، فصل على محمد و آله، و اجعل ندامتى على ما وقعت فيه من الزلات، و عزمى على ترك ما يعرض لى من السيئات، توبه توجب لى محبتك، يا محب التوابين). \par النظائر: جمع نظيره مونث نظير و هو المثل. و الندامه: الندم و هو تمنى الانسان ان ما وقع منه لم يقع. و الوعظ: زجر مقترن بتخويف. و بين اليدين حقيقه فى المكان ثم اشتهر للزمان مستعارا فتاره يطلق على الماضى المتقدم، و منه قوله تعالى: و هذا كتاب انزلناه مبارك مصدق الذى بين يديه اى من الكتب السماويه التى قبله، و تاره يطلق على المستقبل المتاخر لان الانسان مستقبل لما سياتى فكانه بين يديه. و قد تقدم الكلام على بيان محبته تعالى \par قال بعض العلماء: اعلم ان للمذنب التائب اذا تاب توبه نصوحا فضيله على من \par
003    38    لم يذنب من ثلثه اوجه: \par الاول- من جرب العيوب و الذنوب و عرف مداخل الشيطان على الانسان يكون اهدى الى الاحتراز، فقد قيل لحكيم: فلان لا يعرف الشر، فقال ذاك اجدران يقع فيه. \par الثانى- ان المذنب التائب محتشم فقد غلب الخوف على قلبه فياتى باب مولاه خزيان منكسرا و من لم يذنب ربما يعجب بنفسه و يدل بفعله و ليس خدمه من عصى ملكا و خرج عليه خارجيا ثم عاد اليه و جلا فتجوفى عنه كخدمه من اول بطاعته. \par الثالث- ان التائب حلب الدهر شطريه خيره و شره و حلوه و مره فهو ارفق بالمذنبين و اوفق لهم و اصلح للرياسه ممن يظن ان الذنب شى ء خارج عن الطبيعه الانسانيه فيعجب بنفسه و يزرى بغيره و سئل سعيد بن جبير: من اعبد الناس؟ فقال: رجل اجترح الذنوب فكلما ذكر ذنوبه احتقر عمله. و الله اعلم. \par
002    38    لم يذنب من ثلثه اوجه: \par الاول- من جرب العيوب و الذنوب و عرف مداخل الشيطان على الانسان يكون اهدى الى الاحتراز، فقد قيل لحكيم: فلان لا يعرف الشر، فقال ذاك اجدران يقع فيه. \par الثانى- ان المذنب التائب محتشم فقد غلب الخوف على قلبه فياتى باب مولاه خزيان منكسرا و من لم يذنب ربما يعجب بنفسه و يدل بفعله و ليس خدمه من عصى ملكا و خرج عليه خارجيا ثم عاد اليه و جلا فتجوفى عنه كخدمه من اول بطاعته. \par الثالث- ان التائب حلب الدهر شطريه خيره و شره و حلوه و مره فهو ارفق بالمذنبين و اوفق لهم و اصلح للرياسه ممن يظن ان الذنب شى ء خارج عن الطبيعه الانسانيه فيعجب بنفسه و يزرى بغيره و سئل سعيد بن جبير: من اعبد الناس؟ فقال: رجل اجترح الذنوب فكلما ذكر ذنوبه احتقر عمله. و الله اعلم. \par
001    39    الدعاء التاسع و الثلثون: من ادعيه الصحيفه السجاديه: و هو دعائه عليه السلام فى طلب العفو و الرحمه \par \par
001    39    بسم الله الرحمن الرحيم \par (الاسلام فى الشرع على ضربين) \par
001    39    (اللهم صل على محمد و آله، و اكسر شهوتى عن كل محرم، وازو حرصى عن كل ماثم، و امنعنى عن اذى كل مومن و مومنه و مسلم و مسلمه). \par كسرت الرجل عن مراده: ثنيته و صرفته، اى اصرف شهوتى عن كل محرم. و الشهوه: نزوع النفس الى ما تريده، و عرفت بانها قوه نفسانيه باعثه على جلب النفع، و يقابلها الغضب و هى قوه نفسانيه باعثه على دفع الضرر و المحرم بفتح الميم و الراء المهمله المخففه: الحرام و حقيقته: موضع الحرمه و هو الممنوع منه شرعا. و زويت الشى ء: جمعته و قبضته ثم استعمل مجازا فى التحنيه و الصرف. و الحرص: فرط الرغبه و الاراده و قيل هى طلب الشى ء باجتهاد. و قد سبق الكلام على الحرص و الماثم: الاثم و هو الذنب و هو مصدر ميمى وضع موضع الاسلام. و منعته عن الامر: كففته عنه. و آذاه يوذيه اذى و اذاه اذيه: اوقع به مكروها و ضررا فى نفسه او جسمه او ما له دنيويا كان او اخرويا. \par و عطف المسلم و المسلمه على المومن و المومنه: اما من باب التتميم بناء على ان الاسلام دون الايمان او من باب الترقى من الادنى الى الاعلى بناء على ان الاسلام فوق الايمان قال الراغب: الاسلام فى الشرع على ضربين: \par احدهما- دون الايمان و هو الاعتراف باللسان و به يحقن الدم حصل معه الاعتقاد او لم يحصل و اياه قصد بقوله تعالى: قل لم تومنوا و لكن قولوا اسلمنا \par و الثانى- فوق الايمان و هو ان يكون مع الاعتراف اعتقاد بالقلب و وفاء بالفعل و \par
001    39    استسلام لله تعالى فى جميع ما قضى و قدر كما ذكر عن ابراهيم عليه السلام فى قوله: اذ قال له ربه اسلم قال اسلمت لرب العالمين و قوله: توفنى مسلما و الحقنى بالصالحين اى اجعلنى ممن استسلم لرضاك. \par
002    39    (طلب المغفره لعبد نال منه ما حظر عليه و معنى: ما ينطق عن الهوى) \par (اللهم و ايما عبد نال منى ما حظرت عليه، و انتهك منى ما حجرت عليه، فمضى بظلامتى ميتا، او حصلت لى قبله حيا فاغفر له ما الم به منى، و اعف له عما ادبر به عنى، و لا تقفه على ما ارتكب فى، و لا تكشفه عما اكتسب بى). \par اى: اسم شرط مرفوع بالابتداء و ما، زائده لتاكيد الابهام فى اى، و عبد، مخفوض باضافه اى اليه. و نال الشى ء يناله نيلا: اصابه. و الحظر: المنع. و انتهك الرجل الحرمه: تناولها بما لا يحل. و حجر عليه الشى ء حجرا من باب قتل: حرمه عليه و منعه من التصرف فيه. و الظلامه بالضم: اسم لما يطلبه المظلوم عند الظالم كالمظلمه. و القبل على وزن عنب بمعنى عند. و الم بالذنب الماما: فعله، و منى اى من ظلمى. و ادبر بالشى ء: ذهب به. و لا تقفه على ما ارتكب فى، اى لا تطلعه عليه او لا تمكنه و لا تقبح عليه فعله، قال الجوهرى: وقفته على ذنبه اى اطلعته عليه، و قال ابوعبيده: وقفته على ذنوبه: اذا بكته بها اى قبحت عليه فعلها. و لا تكشفه اى لا تفضحه. و عن، فى قوله: عما اكتسب سببيه مثلها فى قوله تعالى: و ما ينطق عن الهوى قال الرضى: اى نطقا صادرا عن الهوى. \par (و اجعل ما سمحت به من العفو عنهم و تبرعت به من الصدقه عليهم ازكى صدقات المتصدقين و اعلى صلات المتقربين، \par سمح بكذا يسمح بفتحتين سماحا و سماحه: جاد و اعطى او وافق على ما اريد منه، و اسمح بالالف لغه. و تبرع بالامر: فعله غير طالب عوضا. و تصدق بكذا: اعطاه صدقه و هى ما يخرجه الانسان من ماله على وجه القربه كالزكاه لكن الصدقه فى الاصل يقال للمتبرع به و الزكوه للواجب. و يقال لما تجافى عنه الانسان و تركه من حقه: تصدق به، و عليه عباره الدعاء و منه قوله سبحانه: فمن تصدق به فهو كفاره له و قوله تعالى: مسلمه الى اهله الا ان يصدقوا فسمى اعطائه صدقه. و الزكاء بالمد: النماء و الزياده يقال زكا الزرع: اذا حصل منه نمو و زياده و منه الزكوه لما يخرجه الانسان من حق الله سبحانه الى الفقراء لانه سبب يرجى به الزكاه و البركه. و اعلى اى اشرف و افضل. و الصلات: جمع صله بالكسر و اصلها وصل حذفت الواو و عوض منها هاء فى آخرها، يقال: و صله و صلا وصله من باب و عدوا اصله من اتصال الاشياء بعضها ببعض ثم استعمل فى العطاء فقيل وصله بالف دينار اى اعطاه، و سموا العطيه صله وضعا للمصدر موضع الاسم، و عليه عباره الدعاء اى اشرف عطايا المتقربين. و تقرب الى الله بكذا: طلب قربه تعالى بسببه و هو قرب روحانى لابدنى. \par
003    39    (السعاده المطلقه، هى السعاده الاخرويه) \par و عوضنى من عفوى عنهم عفوك و من دعائى لهم رحمتك حتى يسعد كل و احد منا بفضلك، و ينجو كل منا بمنك \par و عوضه تعويضا: اعطاه عوض ما اخذ منه اى اجعل عفوك عنى عوضا من عفوى عنهم و رحمتك عوضا من دعائى لهم بالغفران و العفو و الاغماض و الستر و حتى، يجوز ان يكون تعليليه مرادفه لكى، اى كى يسعد كل واحد منا، و يجوز ان يكون بمعنى الى فيكون المراد منه حينئذ الدوام و سعد فلان يسعد من باب تعب، فى دين اودينا حصلت له السعاده، و المراد بها هنا: السعاده المطلقه و هى السعاده الاخرويه التى هى عباره عن حسن الحيوه فى الاخره و هى المشار اليها يقوله سبحانه و تعالى: و اما الذين سعدوا ففى الجنه خالدين فيها و الباء من قوله بفضلك اما سببيه او للملابسه اى متلبسا بفضلك. و نجامن الهلاك: خلص. و من عليه: انعم عليه و احسن اليه. \par
004    39    (ان الله يقتص من حسنات الظالم و يعطيها المظلوم بازاء حقه) \par اللهم و ايما عبد من عبيدك ادركه منى درك، او مسه من ناحيتى اذى، او لحقه بى او بسببى ظلم ففته بحقه، او سبقته بمظلمته، فصل على محمد و آله، و ارضه عنى من وجدك، و اوفه حقه من عندك) \par
004    39    ادركه ادراكا: اى لحقه، و هو هنا لحوق معنوى، و الدرك بفتحتين اسم منه، ثم اطلق على ما فيه اثم يلحق به الانسان عقوبه كما سمى ذلك التبعه ايضا لما يتبعه من العقوبه. و قد يطلق الدرك و التبعه على الظلامه التى يلحق المظلوم بها الظالم و يتبعه لاجلها و قد يقال: الدرك لما يلحق الانسان من عقوبه التبعه و الاثم و به فسر ما ورد فى الحديث: و ما ادركه من درك فعلى خلاصه، قال الزمخشرى فى الاساس: اى ما يلحقه من التبعه. و كل من هذه المعانى يحسن حمل عباره الدعاء عليه. و مسه الاذى: ناله و اصابه. \par و قوله عليه السلام: بى او بسببى: يريد به ما كان بمباشرتى اناله او ما كان بمباشره غيرى و كنت انا السبب فيه. قوله عليه السلام: ففته بحقه، الفوت: بعد الشى ء عن الانسان بحيث يتعذر عليه ادراكه. و المظلمه: بمعنى الظلامه. و الوجد بالضم: الغنى، و المعنى اعطه من غناك وسعتك حتى يرضى عنى فلا يطالبنى بحقه. و اوفه حقه من عندك، اى اعطه اياه وافيا من فضلك، او تفضلا من عندك، و فائده هذا القيد: الاحتراز عن ايفائه حقه بمقاصه من حسناته. كما ورد فى الحديث: ان الله يقتص من حسنات الظالم، و يعطيها المظلوم بازاء حقه. \par
005    39    (قدم الفقهاء عند تزاحم الحقوق حقوق العباد، على حقوق الله الغنى الحميد) \par (ثم قنى ما يوجب له حكمك، و خلصنى مما يحكم به عدلك فان قوتى لا تستقل بنقمتك، و ان طاقتى لا تنهض بسخطك، فانك ان تكافنى بالحق تهلكنى، و الا تغمدنى برحمتك تو بقنى) \par لما كان ظلم العباد يتضمن محظورين: \par احدهما- الذهاب بحق الخلق. \par و الثانى- معصيه الخالق بعدم الاجتناب لما نهى عنه و التعدى لحكمه سبحانه، و كان كل منهما يقتضى مكافاه و جزاء مستقلا براسه و يوجب عقوبه و مواخذه على حده، سال عليه السلام او لا اسقاط حق خصمه و ارضائه عنه ثم التجاوز عما يوجب التعدى لحكمه تعالى. \par و انما قدم الاول و عقبه بالثانى لان حقوق العباد بناها على الضنه و الضيق، و حقوق \par
005    39    الله تعالى مبناها على المسامحه، و لذلك جاء بكلمه التراخى ايذانا بفرط رحمته و مسامحته فى حقوقه. \par و من ذلك قدم الفقهاء عند تزاحم الحقوق حقوق العباد على حقوق الله الغنى الحميد و على هذا فاللام من قوله: يوجب له تعليليه و الضمير عائد الى الظلم اى ما يوجب لاجل الظلم حكمك. و استقل بالشى ء استقلالا، و اقله اقلالا: رفعه و حمله. و اصله من القله ضد الكثره كان الحامل يجد ما يحمله قليل المحمل بالنسبه الى قوته اى خفيفا، و منه قوله تعالى: اقلت سحابا ثقالا اى رفعته و احتملته فوجدته قليلا باعتبار قوتها ثم تجوز فيه فاستعمل فى المعانى فقيل فلان يستقل بهذا الامر اى يقوى عليه و يطيقه. قال فى الاساس: و من المجاز: هو لا يستقل بهذا الامر اى لا يطيقه. و الطاقه: القدره: اسم من اطقت الشى ء اطاقه اى قدرت عليه كالطاعه اسم من اطاع اطاعه. و الا تغمدنى اى ان لم تغمدنى كقوله تقدس: الا تنصروه فقد نصره الله و هى كلمتان: ان الشرطيه و لا النافيه. و تغمدنى: فعل مضارع حذفت من اوله احدى التائين و الاصل تتغمدنى كقوله سبحانه: و لا تعاونوا على الاثم و العدوان، و تغمده الله برحمته: غمره و ستره بها. و او بقه الله: اهلكه. و فى الحديث: ليس احد يدخل الجنه بعمله، قيل: و لا انت يا رسول الله! قال صلى الله عليه و آله و سلم: و لا انا الا ان يتغمدنى الله برحمته. \par
006    39    (ذهب المعتزله و جمهور الاماميه الى ان نفى الغرض مطلقا يستلزم العبث) (اللهم انى استوهبك- يا الهى- ما لا ينقصك بذله، و استحملك مالا يبهظك حمله، \par استوهبته كذا سالته ان يهبه لى، و الهبه: العطاء من غير عوض. و النقص: الخسران فى الحظ. و البذل: العطاء من طيب نفس، يقال: بذله بذلا من باب قتل اى اعطاه و سمح به. و استحملت فلانا ثقلى: سالته ان يحمله عنى، و بهظه الحمل بهظا من باب منع: اثقله اى اسئلك ان تحمل عنى ما لا يثقلك حمله. \par
007    39    استوهبك- يا الهى- نفسى التى لم تخلقها لتمتنع بها من سوء، او لتطرق بها الى نفع، و لكن انشاتها اثباتا لقدرتك على مثلها، و احتجاجا بها على شكلها). \par و امتنع بالشى ء: احتمى به من المنع بمعنى الحمايه. و السوء: المكروه و الضرر. و تطرقت بالشى ء الى كذا: جعلته طريقا اليه كما يقال: انسبته به اى جعلته سببا، اى لم تخلقها لغرض يعود اليك من دفع ضر او جلب نفع، و لكن انشاتها اى احدثتها و اوجدتها اثباتا لقدرتك اى تحقيقا لها و تقريرا على انشاء مثلها و احتجاجا بها اى جعلتها حجه و دليلا على خلق شكلها اى مثلها فى الهيئه. \par تنبيهان: \par الاول- قد يستفاد من قوله عليه السلام: لم تخلقها لتمتنع بها من سوء.. انه تعالى لا يفعل لغرض عائد اليه من دفع مفسده او تحصيل منفعه- و هو كذلك- و برهانه: انه لو فعل لغرض لكان هو ناقصا لذاته مستكملا بتحصيل ذلك الغرض لانه لا يصلح غرضها للفاعل الا ما هو اولى به و اصلح له من عدمه، و ذلك: لان ما استوى وجوده و عدمه بالنظر الى الفاعل او كان وجوده مرجوحا بالقياس اليه لا يكون باعثا له على الفعل و سببا لاقدامه عليه بالضروره فكل ما كان غرضا له وجب ان يكون وجوده اولى بالفاعل و اصلح له من عدمه و هو معنى الكمال فاذن يكون الفاعل مستكملا بوجود الغرض و ناقصا بدونه، و هذا امر مجمع عليه. \par بقى انه هل يجوز ان يفعل لغرض عائد الى غيره ام لا؟ \par ذهبت الحكماء و الاشاعره الى انه لا يجوز، لان الغرض العائد الى الغير من نفع و احسان مثلا ان كان اولى بالنسبه اليه من عدمه عاد حديث الكمال و النقصان، و ان لم- يكن اولى بل كان مساويا او مرجوحا لم يصلح ان يكون غرضا له، لما مر من العلم الضرورى. \par و ذهبت المعتزله و جمهور الاماميه الى ان نفى الغرض مطلقا يستلزم العبث و ان امتنع عود الغرض اليه عقلا وجب ان يكون فعله سبحانه لغرض عائد الى العبد و هو احسانه اليه. \par و ادعاء العلم الضرورى بانه ان لم يكن اولى به لم يصلح ان يكون غرضا له ممنوع \par
007    39    بل يكفى فى كونه غرضا له مجرد كونه اصلح للغير، و ايضا ان ارادوا باستكماله بالغير حصول صفه الكمال بسبب الفعل فلا نسلم ان فعله لو كان لغرض كان ناقصا لذاته مستكملا بغيره لجوازان يكون كامل الذات و يحصل له بسبب كل فعل كمال و يتجدد له استحقاق الحمد و المدح لاجله، و ان ارادوا به غير ذلك فليبينوه. و المسئله ذات ذيل طويل فلتوخذ من مظانها. \par الثانى- لا يلزم من قوله عليه السلام: و لكن انشاتها اثباتا لقدرتك على مثلها.. ان يكون انشاوها لغرض عائد اليه، تعالى عن ذلك علوا كبيرا بل عائد الى العبد لان دلالتها على ثبوت قدرته على انشاء مثلها عند العقول و جعلها حجه و دليلا على خلق شكلها لذى النفوس امر يعود منفعته الى العباد ليومنوا بعموم قدرته و يوقنوا بجلاله و عظمته فيوحدوه و يعبدوه فيفوزوا برضاه و رحمته كما قال سبحانه: و فى الارض آيات للموقنين و فى انفسكم افلا تبصرون و الله اعلم. \par
008    39    (قال الطبرسى: للرغبه الى الله فى طلب المعونه و جهان) \par (و استحملك من ذنوبى ما قد بهظنى حمله، و استعين بك على ما قد فدحنى ثقله ، \par الاستعانه: طلب المعونه، قال الشيخ امين الاسلام الطبرسى: للرغبه الى الله فى طلب المعونه و جهان: \par الاول- ان يسئل الله تعالى من الطافه ما يقوى دواعيه و يسهل من الفعل عليه ما ليس بحاصل. \par و الثانى- ان يطلب بقاء كونه قادرا على طاعاته المستقبله بان يجدد له القدره حالا بعد حال عند من لا يقول ببقائها، و ان لا يفعل ما يضادها و يتعينها عند من قال ببقائها. انتهى اذا عرفت ذلك، فالاستعانه هنا من الوجه الاول: لان الغرض منها سواله تعالى ان يفيض عليه قوه يستعد بها لغفران ذنوبه و محو سيئاته التى تعاظمها كثرتها فاشتبهت حاله حال من حمل على ظهره حملا ثقيلا فاثقله، يقال: فدحه الامر فدحا من باب منع اى اثقله. \par
009    39    فصل على محمد و آله، وهب لنفسى على ظلمها نفسى، و وكل رحمتك باحتمال اصرى، فكم قد لحقت رحمتك بالمسيئين، و كم قد شمل عفوك الظالمين). \par و على: بمعنى مع اى مع ظلمها، مثلها فى قوله تعالى: و ان ربك لذو مغفره للناس على ظلمهم و آتى المال على حبه و لما كانت النفس رهينه على الوفاء بالميثاق الذى و اثقها الله تعالى به، و العهد الذى اخذه عليها، فان وفت بعهدها خرجت من وثاق الرهن و ضوعف لها الاجر كما قال سبحانه: و من اوفى بما عاهد عليه الله فسيوتيه اجرا عظيما و ان نكثت و ارتكبت ما نهيت عنه بقيت رهينه بعملها كما قال عز شانه: كل نفس بما كسبت رهينه سال ربه ان يمن عليه بفكاك نفسه من رهانها و يهبهالها. و التوكيل: جعل الانسان غيره قائما باموره او بامر منها اى اجعل رحمتك قائمه باحتمال اصرى اى يحمل ما اثقلنى من الذنوب، يقال: حمله حملا و احتمله احتمالا بمعنى، و الاصر: الحمل الثقيل الذى ياصر صاحبه اى يحبسه مكانه فلا يستطيع المشى به لثقله استعير للذنب العظيم و منه قوله جل جلاله: و لا تحمل علينا اصرا و المسيئين: الذين اساوا و عملوا السوء و هو كل ما يقبح شرعا و عقلا. و شملهم الامر من باب تعب و قعد شمولا: عمهم، و الخاطئين: اصحاب الخطايا من خطى الرجل: اذا تعمد الذنب و قصد فعله و من الخطاء المقابل للصواب دون المقابل للعمد و عليه قوله تعالى: لا ياكله الا الخاطئون. \par
010    39    (معنى الاسوه و معنى الاسار و الصنع) \par (فصل على محمد و آله، و اجعلنى اسوه من قد انهضته بتجاوزك عن مصارع الخاطئين، و خلصته بتوفيقك من ورطات المجرمين، فاصبح طليق عفوك من اسار سخطك، و عتيق صنعك من وثاق عدلك). \par الاسوه بكسر الهمزه و ضمها: القدوه و هو من يقتدى به اى يفعل مثل فعله اقتداء \par
010    39    به. و انهضته: اقمته. و الصرع: الطرح على الارض. و المصارع: مواضعه جمع مصرع. و خلص الشى ء من التلف خلوصا من باب قعد و خلاصا: سلم و نجى. و الورطات: جمع ورطه و هو الهلاك. و الطليق بمعنى المطلق و هو الاسير الذى اطلق عنه اساره و خلى عنه فانطلق اى ذهب فى سبيله و الاسار: ككتاب: ما يشد و يوثق به. و العتيق بمعنى المعتق من الاعتاق و هو تحرير العبد. و الصنع: الاحسان. و الوثاق بالفتح و يكسر بمعنى الاسار و هو ما يشد به. و الاستعارات فى هذه الفقرات ظاهره. \par
011    39    (اعلم ان خوف الخائفين من الله على قسمين.) \par (انك تفعل- يا الهى- تفعله بمن لا يجحد استحقاق عقوبتك و لا يبرى ء نفسه من استيجاب نقمتك، \par تفعله، مجزوم فى جواب الشرط و هل العامل للجزم الاداه او الشرط او هما خلاف. و جحدت الامر جحدا و جحودا: انكرته. و لا يبرى ء نفسه اى ينزهها. \par
012    39    تفعل ذلك- يا الهى- بمن خوفه منك اكثر من طمعه فيك، و بمن ياسه من النجاه او كد من رجائه للخلاص، لا ان يكون ياسه قنوطا، او ان يكون طمعه اغترارا، بل لقله حسناته بين سيئاته، و ضعف حججه فى جميع تبعاته) \par و الخوف: توقع مكروه عن اماره مظنونه او معلومه كما ان الطمع: توقع محبوب عن اماره مظنونه او معلومه و اذا علق كل منهما بالذوات كما تقول خفت زيدا و طمعت فيه فمعناه توقع مكروه او محبوب يقع من جهته و الا فالذوات لا يتعلق بها خوف و لا طمع. \par قال بعض العلماء: اعلم ان خوف الخائفين من الله تعالى قد يكون لامور مكروهه لذاتها، و قد يكون لامور مكروهه لا دائها الى ما هو مكروه لذاته. \par اما القسم الاول فمثل ان يتمثل فى نفوسهم ما هو المكروه لذاته كسكرات الموت و شدته او سوال القبر او عذابه او هو الموقف بين يدى الله تعالى و الحياء من كشف الستر و السوال عن كل صغيره و كبيره، او الخوف من المرور على الصراط وحدته او من النار و اهوالها و اغلالها، او من حرمان الجنه او من نقصان الدرجات فيها او خوف الحجاب من الله تعالى و كل هذه الاسباب مكروهه فى انفسها. \par
012    39    و يختلف حال السالكين الى الله فيها، و اعلاها رتبه خوف الفراق و الحجاب عن الله تعالى و هو خوف العارفين و ما قبل ذلك فهو خوف العابدين و الصلحاء و الزاهدين. \par و اما القسم الثانى فاقسامه كثيره كخوف الموت قبل التوبه او خوف نقض التوبه او خوف الانحراف عن القصد فى عباده الله او خوف استيلاء القوى الشهوانيه بحسب مجرى العاده فى استعمال الشهوات المالوفه او خوف تبعات النفس عنده او خوف سوء الخاتمه او خوف سبق الشقاوه فى علم الله و كل هذه و نحوها مخاوف عبادالله الصالحين و اغلبها على قلوب المتقين خوف الخاتمه فان الامر فيه خطير. \par و اعلى الاقسام و اكملها واد لها على كمال المعرفه خوف السابقه لكون الخاتمه تبعا لها و مظهره لما سبق فى اللوح المحفوظ كما تقدم \par و الياس: انقطاع الرجاء و الطمع. و الرجاء قيل: ظن يقتضى حصول ما فيه مسره و قيل: تعلق النفس بحصول محبوب فى المستقبل. \par (الخوف و الرجاء كلاهما على اقسام) \par و كما ان الخوف على اقسام فالرجاء ايضا على اقسام: \par رجاء لمغفرته تعالى مع عدم التوبه كما قال سبحانه: و ان ربك لذو مغفره للناس على ظلمهم \par و رجاء لقبول التوبه عن السيئات. \par و رجاء لقبول الحسنات. \par و رجاء للتفضل. \par و لما كان حمل النفس على الخوف دون الرجاء يوهم القنوط كما قيل: من حمل نفسه على الرجاء تعطل و من حمل نفسه على الخوف قنط، احترز عليه السلام عن ذلك بقوله: لا ان يكون ياسه قنوطا اى لالان يكون فحذف لام التعليل لا طراد حذف الجار مع ان المصدريه اى ليس كون خوفه اكثر من طمعه و ياسه اوكد من رجائه لكون ياسه قنوطا اى ياسا من رحمه الله تعالى فهو اخص من الياس، و لما كان اكثريه الخوف و زيادته على \par
012    39    الطمع و او كديه الياس و رجحانه على الرجاء يوهم كون الطمع و الرجاء فى رحمه الله غرورا اى سكونا الى الباطل و ما لا حقيقه له، احترز بقوله عليه السلام: او يكون طمعه اغترارا يقال: غره يغره غرا و غرورا و غره بالكسر اى اطمعه بالباطل و خدعه فاغتر هو اغترارا اى ليس كون خوفه اكثر من طمعه و ياسه اوكد من رجائه لكون طمعه طمعا فى ما لا حقيقه له فيكون اغترارا بل لقله حسناته، اى بل هو لا جل قله حسناته. و الضعف بالفتح لغه تميم و بالضم لغه الحجاز، و منهم من يجعل المفتوح فى الراى و المضموم فى الجسد و اتفقت النسخ هنا على الفتح، ثم هو تاره يستعمل فى خلاف القوه و تاره فى خلاف الصحه و هو المراد هنا. و الحجج جمع حجه و هى البينه الواضحه. و التبعات: جمع تبعه على وزن كلمه: ما اتبعت به صاحبك من ظلامه و نحوها. \par تنبيه: قال بعض الاصحاب: اعترافه عليه السلام بكون خوفه اكثر من طمعه، و ياسه اوكد من رجائه ينافى بالظاهر ما رواه فى الكافى من جمله حديث انه ليس من عبد مومن الا و فى قلبه نوران: نور خيفه و نور رجاء لو وزن هذا لم يزد على هذا، و لو وزن هذا لم يزد على هذا فاما ان يراد به غير المعصوم و ان المقام هنا و هو التذلل و الخضوع يقتضى ذلك، او ان مساواه النورين لا يستلزم مساواه الخوف و الرجاء، و لما ذكره عليه السلام من قله الحسنات بين السيئات، او ان الخوف يزيد بمخاطبه الخوف منه و مشاهدته انتهى. \par قلت: قد علمت آنفا من بيان اقسام الخوف فان اعلاها رتبه هو خوف الفراق و الحجاب عن الله تعالى و هو خوف العارفين، لما كان عليه السلام سيد العارفين و امام الزاهدين و وجب حمل خوفه على هذا القسم من الخوف و هذا غير الخوف الذى يجب ان يكون مساويا للرجاء فان العارف مادام فى هذه النشاه لا يزال متلبسا باحكام البشريه و اوصاف الانسانيه مع ما مزجت به الطينه من النقص و القصور و حفت به الاحوال من الشوائب و النوائب فاذا راى ما هو عليه من ذلك و استشعر عظمه ذى الجلال و تنزهه و تقدسه عن ان يلم بساحه قدسه من يشم رائحه البشريه كما قيل: ما للتراب و رب الارباب \par اشتد خوفه و كثر، و قل طمعه و قصر، و تاكد ياسه، و ضعف رجائه و تقطعت من \par
012    39    الحزن و الجزع احشاوه. \par
013    39    (قال بعضهم: لا واسطه بين الصديق و النبى) \par (فاما انت- يا الهى- فاهل ان لا يغتربك الصديقون، و لا يياس منك المجرمون، لانك الرب العظيم الذى لا يمنع احدا فضله، و لا يستقصى من احد حقه). \par يقال: فلان اهل لكذا اى جدير به و مستحق له. و اغتررت به: ظننت الامن فلم اتحفظ. و الصديقون: جمع صديق بالكسر و التشديد و هو الملازم للصدق، قال الراغب: الصديق يقال: لمن كثر منه الصدق، و قيل بل لا يكذب قط، قال سبحانه: فاولئك مع الذين انعم الله عليهم من النبيين و الصديقين و الشهداء و الصالحين و حسن اولئك رفيقا و الصديقين: قوم دون الانبياء فى الفضيله انتهى. \par و قال بعضهم لا واسطه بين الصديق و النبى و لذلك قال تعالى فى هذه الايه: من النبيين و الصديقين، و فى صفه ابراهيم عليه السلام انه كان صديقا نبيا يعنى انك ان ترقيت من الصديقين وصلت الى النبيين و ان نزلت عن النبيين و صلت اليهم. و استقصيت الامرو تقصيته: بلغت الاقصى فى البحث عنه، و استقصى حقه: اخذ كله و لم يترك منه شيئا \par
014    39    (المراد باسمائه تعالى: اسمائه الحسنى.. و هى محصوره فى نوعين) \par (تعالى ذكرك عن المذكورين، و تقدست اسمائك عن المنسوبين، و فشت نعمتك فى جميع المخلوقين، فلك الحمد على ذلك يا رب العالمين) \par تعالى اى ارتفع و تنزه من العلو و صيغه التفاعل للمبالغه و هو انشاء فى صوره الخبر لان الغرض منه استعظام ذكره و تنزيهه عن مساواته لذكر المذكورين ، و المراد بذكره تعالى: اما ذكره بالتسبيح و التحميد و التهليل و التمجيد و الثناء عليه فيكون المراد تنزهه و تعاليه عن ذكر من يذكر بالمفاخر و المحاسن من المخلوقين لان ذكر الله تعالى شرف للذاكرين و غايته سعاده الدارين. \par
014    39    و ما يترتب عليه من الفوايد و النتايج امر محقق متيقن لا ريب فيه و دائم مستمر لا انقطاع و لا زوال له و ذكر غيره ازراء بالذاكر و غايته ان اريد به المفاخره فتضييع و حرمان، و ان اريد به العارفه و التوبه فامر مشكوك فيه حتى يقع و اذا وقع فهو قليل منقطع زائل او يكون المراد ان ما يذكر به سبحانه من المحامد و الممادح منزه عن ان يذكر به المخلوقين لعدم استحقاقهم له، و اما ان يكون المراد بذكره تعالى شرفه و علوه و عظمته من قولهم: لفلان ذكر فى الناس اى شرف و نباهه وصيت و هذا المعنى فسر به قوله تعالى: و انه لذكر لك و لقومك قال الزمخشرى: اى ان الذى اوحى اليك لشرف لك و لقومك، و يقال: فلان مذكور اى ذو شرف و نباهه و شهره و منه قوله سبحانه: و القرآن ذى الذكر قال فى الكشاف: و الذكر: الشرف و النباهه و الشهره من قولك فلان مذكور. فيكون المراد بالمذكورين اولى الشرف و النباهه اى تعالى شرفك و تنزهت عظمتك عن شرف اولى الشرف لتعاليه تعالى عن صفات المخلوقين اذ لا نسبه بين الرب و المربوب فى صفه من الصفات. و تقدست اى تنزهت. و المراد باسمائه تعالى: اسمائه الحسنى الداله على معانى الكمال و نعوت الجلال، قالوا و هى محصوره فى نوعين: عدم افتقاره الى غيره و ثبوت افتقار غيره اليه. و المراد بالمنسوبين: اما اولوا الحسب و النسب من قولهم فلان نسيب و منسوب اى ذو حسب و نسب فيكون المعنى: تنزهت اسمائك ان يسمى بها غيرك من اولى الشرف و الحسب و النسب، و اما اولوا القرابه و الوصله فيكون المعنى تنزهت اسمائك عن ان يسمى بها احد من الناس و من البين ان اسمائه تعالى مختصه به متعاليه عن ان يسمى بها غيره، و اما اطلاق مثل الرحيم و الكريم و العزيز على غيره فليس معناها فى حقه تعالى هو معناها فى حق غيره بل هو بحسب اشتراك الاسم لا غير. و ايثار عنوان المنسوبيه لافاده كمال التباين بينه و بين غيره لتفرده بعدمها و اشتراك من عداه فيها. و فشى الشى ء فشوا: ظهر و كثر و انتشر. \par
001    40    الدعاء الاربعون: من ادعيه الصحيفه السجاديه و هو دعائه عليه السلام: اذا نعى اليه ميت او ذكر الموت \par \par
001    40    بسم الله الرحمن الرحيم \par (الفرق بين الميت بالتشديد و الميت بالتخفيف) \par فرق بعضهم بينهما، فقال: الميت بالتشديد يطلق على الحى الذى سيموت قال تعالى: انك ميت و انهم ميتون و بالتخفيف يطلق على من قدمات، و الصحيح ان الميت بالتشديد يطلق على من مات و على من سيموت و الميت (بالتخفيف) لا يطلق الا على من قدمات. \par
001    40    (الفرق بين الامل و الرجاء و ما ورد من التحذير من طول الامل) \par (قال صلوات الله عليه (اللهم صل على محمد و آله، و اكفنا طول الامل، و قصره عنا بصدق العمل حتى لا نومل استتمام ساعه بعد ساعه، و لا استيفاء يوم بعد يوم و لا اتصال نفس بنفس، و لا لحوق قدم بقدم، \par الامل: تعلق النفس بحصول محبوب فى المستقبل و يرادفه الطمع و الرجاء غير ان الامل كثيرا يستعمل فيما يستبعد حصوله، و الطمع فيما قرب حصوله و الرجاء بين الامل و الطمع و قد يستعمل احدهما مكان الاخر. \par و فرق بعضهم: بين الامل و الرجاء بان الامل يكون فى الممكن و المستحيل و الرجاء يخص بالممكن و الصحيح ان هذا الفرق بين التمنى و الرجاء و اما الامل فلا يكون فى المستحيل. و طول الامل عباره عن توقع امور دنيويه يستدعى حصولها مهله فى الاجل و فسحه من مستقبل الزمان. و الصدق: خلاف الكذب و اصلهما فى القول فالصدق فيه: مطابقه ما تضمنه من الحكم للواقع. و الكذب: عدم مطابقته له. و قد يستعملان فى افعال الجوارح فيقال: صدق زيد القتال و صدق فى القتال: اذا اوفاه حقه و كذب فى القتال: اذا كان بخلاف ذلك. و من هذا الباب عباره الدعاء: فصدق العمل: عباره عن تاديه حقه بالاجتهاد فيه و فعله كما يجب فيه على ما يجب. و العمل: كل فعل من الحيوان بقصد فهو اخص من الفعل و هو يستعمل فى الاعمال الصالحه و السيئه. قال تعالى: خلطوا عملا صالحا و آخر سيئا و المراد به هنا: العمل الصالح بقرينه المقام. و استتممت الشى ء اى اتممته اى لا نومل اتمام ساعه بعد ساعه، و الساعه جزء من اجزاء الزمان و العرب تطلقها و تريد بها الحين و الوقت من ليل او نهار و ان قل و عليه قوله سبحانه: لا يستاخرون ساعه و استيفاء الشى ء: اخذه وافيا. و ايقاعه هنا على اليوم مجاز عن الظلول فيه. و اليوم: اوله من طلوع الفجر الثانى الى غروب الشمس. و النفس بفتحتين: الريح الداخله و الخارجه فى البدن من المنخروا لفم و هو كالغذاء للنفس و بانقطاعه يكون بطلانها، و الغرور: الخديعه. \par و قد وردت من الاثار و الاخبار فى التحذير منه و التنفير عنه ما تضيق عنه دائره الاحصاء و تقصر عن قطع مسافته قدم الاستقصاء و كفى فى ذلك قوله تعالى : ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين ذرهم ياكلوا و يتمتعوا و يلههم الامل فسوف يعلمون فنبه سبحانه على ان ايثار التلذذ و التنعم و ما يودى اليه طول الامل من الخلاق الكافرين لا من اخلاق المومنين. \par و اما الاثار و الاخبار فمن ذلك ما ورد فى الحديث القدسى: يا موسى! لا تطول فى الدنيا املك فيقسو لذلك قلبك و قاسى القلب منى بعيد. \par و فى وصيته صلى الله عليه و آله و سلم لابى ذر: اياك و التسويف با ملك فانك بيومك و لست بما بعده فان يكن لك غد فكن فى الغد كما كنت فى اليوم و ان لم تكن غدا لم تندم على ما فرطت فى اليوم. \par يا اباذر! كم من مستقبل يوما لا يستكمله و منتظر غدا لا يبلغه. \par يا اباذر! لو نظرت الى الاجل و مصيره لا بغضت الامل و غروره. \par يا اباذر! كن كانك فى الدنيا غريب او عابر سبيل وعد نفسك من اصحاب القبور. \par يا اباذر! اذا اصبحت لا تحدث نفسك بالمساء و اذا امسيت فلا تحدث نفسك بالصباح قال بعضهم: طول الامل هو حب الدنيا فان لانسان اذا انس بها و بلذاتها ثقل عليه مفارقتها و احب دوامها فلا يتفكر فى الموت الذى هو سبب مفارقتها فان من احب شيئا كره الفكر فيما يزيله و يبطله فلا يزال تمنى نفسه البقاء فى الدنيا فلا يخطر الموت بباله و ان خطر بخاطره الموت و التوبه و الاقبال على الاعمال الاخرويه اخر ذلك من يوم الى يوم و من شهر الى شهر و من عام الى عام حتى يختطفه الموت و هو غافل عنه غير مستعد له مستغرق- القلب فى امور الدنيا فتطول فى الاخره حسرته و تكثر ندامته و ذلك هو الخسران المبين. \par
002    40    و سلمنا من غروره، و آمنا من شروره \par (الحث على ذكر الموت، و قول بعض العلماء فيه) \par (و انصب الموت بين ايدينا نصبا، و لا تجعل ذكر ناله غبا، \par نصبت الشى ء نصبا من باب ضرب: اقمته و نصب الموت بين اليدين عباره عن جعله على ذكر بحيث لا يغيب عن الذهن لحظه. و الغب بالكسر قال فى شرح جامع الاصول: ما ياكلون اللحم الاغبا اى لا يداومون على اكله. و المراد هنا: طلب المداومه على ذكر الموت بحيث لا يترك ذكره يوما او اياما. \par و قد تواترت الاخبار بالحث على ذكر الموت و من ذلك: \par اكثر و اذكرها دم اللذات. و ذلك لا ستلزامه تقصير الامل، و الجد فى العمل و العزوف عن دار الغرور و السعى لدار النعيم و السرور. \par و قال بعض العلماء: حق العاقل ان يكثر من ذكر الموت، فذكره لا يقرب اجله و يفيده ثلثا: القناعه بما رزق، و المبادره بالتوبه، و النشاط فى العباده. \par
003    40    و اجعل لنا من صالح الاعمال عملا نستبطى ء معه المصير اليك و نحرص له على و شك اللحاق بك، حتى يكون الموت ما نسنا الذى نانس به و مالفنا الذى نشتاق اليه، و حامتنا التى نحب الدنو منها) \par قوله عليه السلام: و اجعل لنا، الجعل هنا بمعنى الايجاد و هو متعد الى واحد و اللام متعلقه به اى وفقنا \par
003    40    للاتيان بعمل من صالح الاعمال و اسناد الجعل اليه تعالى لانه السبب الاول و استبطات الامر: عددته و رايته بطيئا. و المصير: مصدر ميمى من صار اليه بمعنى رجع و انتهى اى المصير الى ثوابك. \par قال الامام الطبرسى فى قوله تعالى: و اليك المصير معناه و الى جزائك المصير فجعل مصيرهم الى جزائه مصيرا اليه كقول ابراهيم عليه السلام: انى ذاهب الى ربى سيهدين و معناه الى ثواب ربى اوالى ما امرنى به. و حرص على الشى ء حرصا من باب ضرب: رغب فيه رغبته شديده. و الوشك بالفتح و الضم: السرعه. و اللحاق به تعالى عباره عن الوصول الى ثوابه و رحمته. يقال: لحق فلان بالله: اذا مات اى ادرك رحمه الله و وصل اليها. و المانس: الموضع الذى يانس به الانسان و يسكن اليه قلبه. و المالف: الموضع الذى يالفه الانسان و يانس به و يحبه. لذلك كان الموت راحه للمومنين و محبوبا للمتقين كما اشار اليه سيد المرسلين صلى الله عليه و آله و سلم: ليس للمومن راحه دون لقاء الله. و ذلك لكونه وسيله لهم الى ما اعدلهم من السعاده الاخرويه التى هى حيوه بلا موت و غنى بلا فقر و نعيم بلا شقاء و اعظم من ذلك الفوز باللقاء. و اليه الاشاره بقوله تعالى: يا ايها الذين هادوا ان زعمتم انكم اولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت ان كنتم صادقين دلت الايه على ان الصادق فى الولايه لله يتمنى الموت. و كذلك قوله سبحانه قل ان كانت لكم الدار الاخره عندالله خالصه من دون الناس فتمنوا الموت ان كنتم صادقين. \par و من كلام سيد الاولياء و خلاصه الاصفياء اميرالمومنين على عليه السلام: و الله لابن ابيطالب آنس بالموت من الطفل بثدى امه. \par و كان يطوف بين الصفين فى غلاله فقال له ابنه الحسين: ما هذا بزى المحاربين، فقال عليه السلام: يا بنى لا يبالى ابوك على الموت سقط او سقط الموت عليه. \par
004    40    (سال عليه السلام ان يجعل موته بابا يدخل به الى مغفرته و..) \par (فاذا اوردته علينا، و انزلته بنا فاسعدنا به زائرا و آنسنا به قادما و لا تشقنا \par
004    40    بضيافته، و لا تخزنا بزيارته، و اجعله بابا من ابواب مغفرتك، و مفتاحا من مفاتيح رحمتك) \par اوردته عليه: احضرته لديه يقال: ورد زيد علينا اى حضر و آنست زيدا بكذا ايناسا: جعلته يانس به ويسكن اليه لا يستوحش معه. و القادم: اسم فاعل من قدم الرجل البلد من باب تعب قدوما اذا ورده و حصل فيه. و شقى يشقى من باب علم شقاء: ضد سعد فهو شقى. و الخزى: الذل و الهوان المقارن للفضيحه و الانكسار و منه: ربنا انك من تدخل النار فقد اخزيته و ابواب المغفره: الاسباب التى يتوصل بها اليها. و لما كان الموت وسيله لحصول المغفره و الرحمه بالفعل لمن شاء الله سال عليه السلام ان يجعل موته بابا يدخل به: الى مغفرته و مفتاحا يصل به الى رحمته. \par
005    40    (حصول السعاده بسبب الموت انما يكون اذا مات الانسان مهتديا...) \par (امتنا مهتدين غير ضالين، طائعين غير مستكرهين تائبين غير عاصين و لا مصرين يا ضامن جزاء المحسنين و مستصلح عمل المفسدين) \par الجمله مستانفه استينافا بيانيا كانه سئل كيف اسعدكم به زائرا فقال: امتنا مهتدين غير ضالين، فان حصول السعاده بسبب الموت انما يكون اذا مات الانسان مهتديا غير ضال و طائعا غير مستكره و... و المراد بالاهتداء، الاهتداء الى كل حق و صواب و القبول له و العمل به و عدم الرجوع معه الى باطل و خطاء و لذلك قيده بقوله عليه السلام غير ضالين. و الضلال: العدول عن الصراط المستقيم و هو ضد الهدى. و طاثعين اى منقادين لامرك عن طيب نفس و اخلاص فى امتثال الامر. غير مستكرهين اى غير حاملين انفسنا بالكره على الطاعه على روايه مستكرهين بصيغه اسم الفاعل، او غير حامل لنا خوف العقاب و نحوه بالكره على الطاعه على روايه مستكرهين بصيغه اسم المفعول، و بهذا المعنى فسر قوله تعالى: لا اكراه فى الدين فى احد الوجوه اى لا اعتداد فى الاخره بما يفعل الانسان فى الدنيا من الطاعه كرها فان الله يعتبر السرائر و لا يرضى الا الاخلاص و لهذا قال صلى الله عليه و آله و سلم: \par
005    40    انما الاعمال بالنيات. و قال: اخلص يكفيك القليل من العمل. و غير عاصين اى غير خارجين عن الطاعه. قوله عليه السلام: يا ضامن جزاء المحسنين، من ضمن زيد المال و به من باب علم ضمانا اى التزمه فهو ضامن فهو تلميح الى قوله تعالى فى غير موضع من كلامه المجيد: ان الله لا يضيع اجر المحسنين اى الذين يعملون الاعمال الحسنه التى يستحق بها الثواب و المدح. و مستصلح عمل المفسدين اى طالب صلاح عملهم بان يبدلوا الفساد بالصلاح و ذلك اما بالامر و النهى كما هو الواقع، و اما بحسم اسباب الفساد و عدم الاعداد له و افاضه توفيقه عليهم ليستبدلوا باعمالهم السيئه اعمالا حسنه و ذلك لمن تاب اليه و اناب و سبقت له منه الحسنى. \par
001    41    الدعاء الحادى و الاربعون: من ادعيه الصحيفه السجاديه، و هو دعائه عليه السلام فى طلب الستر و الوقايه \par \par
001    41    بسم الله الرحمن الرحيم \par (اذا كان يوم القيمه تجلى الله لعبده المومن فيقفه على ذنوبه ذنبا ذنبا..) \par الستر بالفتح: تغطيه الشى ء من ستره سترا من باب قتل اى غطاه و بالكسر: ما يستر به كالستاره بالكسر و الستره بالضم. و الوقايه: حفظ الشى ء ما يوذيه و يضره يقال: وقيت الشى ء وقايه و وقاء. قال سبحانه: فوقيهم الله شر ذلك اليوم و المراد بالستر المطلوب: اخفاء الاعمال الفاضحه من غير الله سبحانه فى الدنيا و الاخره. \par اما فى الدنيا فبتوفيقه للاستتار بها و حسم اسباب اطلاع الخلق عليها و فائدته: استتباع غفرانها كما رواه ثقه الاسلام فى الكافى بسنده عن الرضا عليه السلام انه قال قال رسول الله صلى الله عليه و آله: المستتر بالحسنه تعدل سبعين حسنه و المذيع بالسيئه مخذول و المستتر بالسيئه مغفور له. \par و اما فى الاخره فباخفائها عن الملائكه و الانبياء و جميع الخلق كما روى عن الصادق عليه السلام: اذا كان يوم القيمه تجلى الله تعالى لعبده المومن فيقفه على ذنوبه ذنبا ذنبا ثم يغفر له و لا يطلع على ذلك ملكا مقربا و لا نبيا مرسلا و يستر عليه ما يكره ان يقف عليه احدثم يقول لسيئاته كونى حسنات. \par و الاخبار فى هذا كثيره. و المراد بالوقايه: الوقايه من السيئات و تبعاتها كما يدل عليه متن الدعاء و هى الوقايه التى يسئلها حمله العرش و من حوله للمومنين بقولهم: و قهم السيئات و من تق السيئات يومئذ فقد رحمته و ذلك هو الفوز العظيم \par
001    41    (قال بعض ارباب القلوب: جنته تعالى فى الاخره) \par (دار ثوابه و فى الدنيا مقام الرضا و التسليم.) \par (اللهم صل على محمد و آله، و افرشنى مهاد كرامتك، و اوردنى مشارع رحمتك، و احللنى بحبوحه جنتك) \par فرشت البساط و غيره فرشا من باب قتل و فى لغه من باب ضرب: بسطته و افرشته اياه فراشا بسطته له و هو الفراش بالكسر بمعنى مفروش ككتاب بمعنى مكتوب. و المهاد بالكسر: الفراش و جمعه مهد ككتاب و كتب، و يكون المهاد جمع مهد ايضا كسهم و سهام و يجمع على مهود ايضا كفلس و فلوس قال الفيومى: المهد و المهاد: الفراش. و الكرامه: اسم من الاكرام و هو الاعزاز. و اوردته الماء: ابلغته اياه. و المشارع: جمع مشرعه بفتح الميم و الراء و هى مورد الناس للاستسقاء. و قال الازهرى: لا تسميها العرب مشرعه حتى يكون الماء لا انقطاع له كماء الانهار و يكون ظاهرا معينا اى جاريا على وجه الارض لا يستقى منه برشاء. و بحبوحه المكان: وسطه. \par قال بعض ارباب القلوب: جنته تعالى فى الاخره: دار ثوابه، و فى الدنيا مقام الرضا و التسليم. \par و لا تسمنى بالرد عنك، و لا تحرمنى بالخيبه منك، \par
002    41    (طلب عدم المناقشه بما اكتسب، و عدم ابراز ما ستر و حجب) \par و لا تقاصنى بما اجترحت، و لا تناقشنى بما اكتسبت و لا تبرز مكتومى و لا تكشف مستورى) \par سمته ذلا اى اوليته اياه و منه: يسومونكم سوء العذاب و انما عداه عليه السلام بالباء لتضمنه معنى الاهانه كما عدوا سمع باللام فى قولهم سمع الله لمن حمده لتضمينه معنى استجاب. ورده ردا: صرفه و منعه و هو كنايه عن الحرمان و منع المعروف. و حرمت زيدا كذا حرمه من باب ضرب يتعدى الى مفعولين حرمانا و حرمه بالكسر فيهما: منعته اياه و كثيرا ما يحذف المفعول الثانى لقصد العموم. و الخيبه: عدم الظفر بالمطلوب. \par و قاصصت زيدا بما كان لى عنده قصاصا و مقاصه اى حبست عليه مثل ذلك. و اجترحت الاثم: اكتسبته اى لا تحبس على من الثواب مثل ما اكتسبته من الماثم. و ناقشته مناقشه: استقصيت فى حسابه. و برز الشى ء بروزا من باب قعد: ظهر و يتعدى بالهمزه فيقال: ابرزته فهو مبروز. و كتمت السر و الحديث كتما من باب قتل و كتمانا بالكسر: سترته فهو مكتوم. و الكشف كالضرب: الاظهار و رفع شى ء عما يواريه و يغطيه. و منه فكشفنا عنك غطائك فبصرك اليوم حديد \par (معنى الميزان و الانصاف و المراد بالعمل هنا..) \par (و لا تحمل على ميزان الانصاف عملى، و لا تعلن على عيون الملاء خبرى، \par حملته على كذا اى الزمته به واصله من الحمل على الدابه كانك جعلته لازما لزوم الراكب لمركوبه. و الميزان: آله الوزن. و الانصاف فى المعامله: العداله. و المراد بالعمل هنا مطلقه حسنا كان او سيئا. قوله عليه السلام: و لا تعلن على عيون الملاء خبرى، علن الامر علونا من باب قعد: ظهر و انتشر فهو عالن و علن علنا من باب تعب لغه فهو علن و الاسم العلانيه مخففه، و اعلنته بالالف: اظهرته و منه قوله تعالى: ثم انى اعلنت لهم و اسررت لهم اسرارا و الملاء: اشراف الناس و روسائهم و مقدموهم و هو اسم للجماعه لاواحد له من لفظه كالقوم. \par
003    41    اخف عنهم ما يكون نشره على عارا، و اطوعنهم ما يلحقنى عندك شنارا) \par قوله عليه السلام: و اخف عنهم ما يكون نشره على عارا. الاخفاء يقابل الابداء و الاعلان. و نشر الخبر نشرا من باب قتل: بثه و اشاعه. و العار: كل شى ء يلزم منه عيب و مذمه. و طوى عنى الحديث: كتمه. و الشنار بالفتح: اقبح العيب و العار و الامر المشهور بالشنعه. \par
004    41    (عماره مجالس الصالحين، عباره عن لزومها و كثره اتيانها.) \par (شرف درجتى برضوانك، و اكمل كرامتى بغفرانك، و انظمنى فى اصحاب اليمين، و وجهنى فى مسالك الامنين، و اجعلنى فى فوج الفائزين، و اعمر بى مجالس الصالحين، آمين رب العالمين). \par
004    41    الشرف بفتحتين: العلو. و الدرجه: واحده الدرج و هى المرقاه كقصبه و قصب. و الرضوان بكسر الراء: بمعنى الرضا. و كمل الشى ء كمولا من باب قعد: تم، و الاسم: الكمال و قيل الكمال امر زائد على التمام لان التمام يرد على الناقص فيتمه و الكمال يرد على التمام فيكمل اوصافه، و قيل كمال الشى ء: حصول ما فيه الغرض منه فاذا قيل كمل فمعناه: حصل ما هو الغرض منه، قال سبحانه: و الوالدات يرضعن اولادهن حولين كاملين تنبيها على ان ذلك غايه ما يتعلق به اصلاح الولد. و نظمت الدر نظما من باب ضرب: جعلته و جمعته فى سلك و هو الخيط اى اجعلنى مع اصحاب اليمين و اجمعنى بهم. قوله عليه السلام: و وجهنى فى مسالك الامنين، و جهت الشى ء: ارسلته فى جهه. و المسالك: جمع مسلك و هو موضع السلوك و هو النفاذ فى الطريق يقال سلكت الطريق سلوكا من باب قعد اى ذهبت فيه. و الامنين: جمع آمن من امن امنا من باب منع: اذا اطمانت نفسه و زال خوفه، و كانه تلميح الى قوله سبحانه: ان المتقين فى جنات و عيون ادخلوها بسلام آمنين و يجوزان يرادبهم الامنون من آفات الدنيا و عقوبات الاخره. و الفوج: الجماعه من الناس و الفوز: الظفر بالخير مع حصول السلامه. و لذلك قال الله: اصحاب الجنه هم الفائزون لظفرهم بكل خير و سلامتهم من كل شر. و العماره: نقيض الخراب. و عماره مجالس الصالحين عباره عن لزومها و كثره اتيانها لمعاشرتهم و صحبتهم و معاونتهم على الصلاح و البر و التقوى. و الصالح هو الذى يودى ما افترض الله عليه و يودى الى الناس حقوقهم. و آمين بالمد و القصر اى استجب. \par
001    42    الدعاء الثانى و الاربعون: من ادعيه الصحيفه السجاديه، و هو دعائه عليه السلام: عند ختم القرآن \par \par
001    42    بسم الله الرحمن الرحيم \par (فى معنى لفظ القرآن) \par القرآن: اسم للكتاب المنزل على نبينا محمد صلى الله عليه و آله و سلم، كما ان التوراه: اسم للكتاب المنزل على موسى عليه السلام، و الانجيل: اسم للكتاب المنزل على عيسى عليه السلام، و الزبور: اسم للكتاب المنزل على داود عليه السلام. \par و عرف بانه كلام منزل للاعجاز بسوره من مثله. و اختلف العلماء فى لفظه: فقال جماعه: هو اسم علم غير مشتق، خاص بكلام الله فهو غير مهموز و به قرا ابن كثير. و قال قوم: هو من قرنت الشى ء بالشى ء: اذا ضممت احدهما الى الاخر، و سمى به القران السور و الايات و الحروف فيه. و قال الفراء: هو مشتق من القرائن لان الايات منه يصدق بعضها بعضا و يتشابه بعضها بعضا و هى قرائن و على القولين هو بلا همز ايضا و نونه اصليه، و قال الزجاج: هذا القول سهو، و الصحيح ان ترك الهمزه فيه من باب التخفيف. و نقل حركه الهمزه الى الساكن قبلها، و اختلف القائلون بانه مهموز فقال قوم منهم اللحيانى: و هو مصدر لقرات كالرجحان و الغفران سمى به الكتاب المقروء من باب تسميه المفعول بالمصدر، و قال آخرون منهم الزجاج: هو وصف على فعلان مشتق من القراء بمعنى الجمع و منه قرات الماء فى الحوض اى جمعته قال ابو عبيده: و سمى بذلك لانه جمع السور بعضها الى بعض. \par (ان القرآن كان على عهد رسول الله (ص) مجموعا مولفا على ما هو الان عليه) \par قال الشيخ ابوجعفر محمد بن على بن الحسين بن بابويه القمى قدس سره فى كتاب الاعتقاد ما نصه: اعتقادنا ان القرآن الذى انزل الله تعالى على نبيه محمد صلى الله عليه و آله و سلم ما بين الدفتين و هو ما فى ايدى الناس ليس باكثر من ذلك و مبلغ سوره عند الناس مائه \par
001    42    و اربع عشره سوره و عندنا ان الضحى و الم نشرح سوره واحده و لا يلاف و الم تر كيف سوره واحده و من نسب الينا بانا نقول انه اكثر من ذلك فهو كاذب انتهى. \par و قال امين الاسلام الطبرسى رحمه الله: و اما الزياده فى القرآن فمجمع على بطلانه، و اما النقصان منه فقد روى بعض اصحابنا و قوم من حشويه العامه ان فى القرآن تغييرا او نقصانا، و الصحيح من مذهب اصحابنا خلافه و هو الذى نصره المرتضى و ذكر ان القرآن كان على عهد رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم مجموعا مولفا على ما هو الان عليه و استدل على ذلك بان القرآن كان يدرس و يحفظ جميعه فى ذلك الزمان حتى عين على جماعه من الصحابه فى حفظهم له، و انه كان يعرض على النبى صلى الله عليه و آله و سلم و يتلى عليه و ان جماعه من الصحابه مثل عبدالله بن مسعود و ابى بن كعب و غيرهما ختموا القرآن على النبى صلى الله عليه و آله و سلم عده ختمات و كل ذلك يدل بادنى تامل على انه كان مجموعا مرتبا غير مبتور و لا مبثوث و ذكر ان من خالف فى ذلك من الاماميه و الحشويه لا يعتد بخلافهم فان الخلاف فى ذلك مضاف الى قوم من اصحاب الحديث نقلوا اخبارا ضعيفه ظنوا صحتها لا يرجع بمثلها عن المعلوم المقطوع على صحته انتهى. \par
001    42    (النور ضربان: دنيوى و اخروى فالدنيوى ايضا ضربان و معنى المهيمن) \par (اللهم انك اعنتنى على ختم كتابك الذى انزلته نورا، و جعلته مهيمنا على كل كتاب انزلته، و فضلته على كل حديث قصصته، \par اعانه الله تعالى عباره عن توفيقه و اعداده سبحانه لعبده ان يتحرى ما فيه رضاه من طاعاته و القيام بها، كما وفقه لختم كتابه و هو قرائته جميعه من اوله الى آخره. و الكتاب: مصدر سمى به المفعول مبالغه كالخلق للمخلوق. و النزول: انتقال من علو الى سفل. و قوله عليه السلام: نورا، نصب على الحال من الضمير العائد الى الكتاب و فيه تلميح الى قوله تعالى فى سوره النساء: و انزلنا اليكم نورا مبينا قيل لانه سبب وقوع نور الايمان فى القلب، و قيل لانه يدرك به غوامض الحلال و الحرام. \par و قال الراغب: النور: الضوء المنتشر الذى يعين على الابصار، و هو ضربان: دنيوى و اخروى، فالدنيوى ضربان، معقول بعين البصيره و هو ما انتشر من الانوار الالهيه كنور العقل و نور القرآن و منه قد جائكم من الله نور و محسوس بعين البصر و هو ما انتشر من الاجسام النيره كالقمرين و النجوم النيرات و منه: هو الذى جعل الشمس ضياء و القمر نورا و من النور الاخروى قوله سبحانه و تعالى: يسعى نورهم بين ايديهم انتهى. و فى المهيمن خلاف، قال الخليل و ابوعبيده هو اسم فاعل من هيمن على كذا يهيمن اى صار رقيبا عليه و حافظا، و قال الزمخشرى: المهيمن: الرقيب على كل شى ء و الحافظ له. و فى الدعاء تلميح الى قوله تعالى: و انزلنا اليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب و مهيمنا عليه اى رقيبا على سائر الكتاب لانه يشهد لها بالصحه و الثبات. و الحديث: ضد القديم يستعمل فى قليل الكلام و كثيره لانه يحدث شيئا فشيئا. قال الراغب: يقال لكل ما قرب عهده حديث فعالا كان او مقالا. و كل كلام يبلغ الانسان من جهه السمع او الوحى فى يقظته و منامه يقال له حديث، و سمى تعالى كتابه حديثا فقال: فلياتوا بحديث مثله و قال: افمن هذا الحديث تعجبون و قصصت الحديث قصا: حدثته على وجهه و اخبرت به كما هو، من قص اثره اذا اتبعه لان من يقص الحديث يتبع ما حفظ منه شيئا فشيئا كما يقال: تلا القرآن لانه يتبع ما حفظ منه آيه بعد آيه. و فى هذه الفقره من الدعاء تلميح الى قوله تعالى: نزل احسن الحديث كتابا متشابها و فى قوله فى يوسف عليه السلام: نحن نقص عليك احسن القصص قال النظام النيسابورى: وجه كونه احسن الحديث لفظا و معنى مما لا يخفى على ذى طبع سليم فضلا عن ذى لب و قال العلامه الطبرسى: هو احسن الحديث لفرط فصاحته و لا عجازه و اشتماله على جميع ما يحتاج المكلف اليه من التنبيه على ادله التوحيد و العدل و بيان احكام الشرع و غير ذلك من المواعظ و قصص الانبياء و الترغيب و الترهيب. و قيل: سمى القرآن احسن القصص لانه بلغ النهايه فى الفصاحه و حسن المعانى و عذوبه الالفاظ مع التلائم المنافى للتنافر و التشاكل بين المقاطع و المفاصل و الفواصل. و قيل: لان فيه ذكر اخبار الامم الماضيه و اخبار الكاينات الاتيه و جميع ما يحتاج اليه العباد الى يوم القيمه باعذب لفظ و تهذيب فى احسن نظم و ترتيب انتهى. \par فظهر انه سبحانه فضل القرآن على كل حديث قصه بان حكم بانه احسن الحديث و احسن القصص و فضله بما خصه به من المزايا و الفضائل المذكوره التى اقتضت كونه احسن من كل حديث و قصص. \par
002    42    و فرقانا فرقت به بين حلالك و حرامك، و قرآنا اعربت به عن شرائع احكامك، و كتابا فصلته لعبادك تفصيلا، و وحيا انزلته على نبيك محمد- صلواتك عليه و آله- تنزيلا) \par و الفرقان، قيل: فى الاصل مصدر فرقت بين الشيئين فرقا و فرقانا من باب قتل اى فصلت ثم اطلق على الفاعل مبالغه فهو بمعنى المفارق. و قال الراغب: الفرقان كلام الله لفرقه بين الحق و الباطل فى الاعتقاد و الصدق و الكذب فى المقال و الصالح و الطالح فى الاعمال انتهى . \par (الفرق بين الشيئين قد يكون بالبصر و قد يكون بالبصيره) \par (و بيان المراد بتفصيل القرآن) \par و الفرق بين الشيئين قد يكون مبصرا مدركا بالبصر كالفرق بين النور و الظلمه ، و قد يكون بالبصيره كما تفرق بين الحق و الباطل و الحلال و الحرام. \par و حلال الله تعالى: ما اطلق فعله، و حرامه: ما منع منه و حكمه ان ياثم المرء بفعله و يثاب على تركه بنيه التقرب الى الله فيشمل الحلال و الحرام اقسام الحكم الخمسه و هى الواجب و الحرام و المندوب و المكروه و المباح، و لا يجوز لاحد الحكم بتحليل شى ء و تحريمه الا ما وجده فى القرآن و اخذه من العالم. و فصلت الشى ء تفصيلا: جعلته فصولا متمايزه و هو من الفصل بمعنى ابانه احد الشيئين عن الاخر حتى يكون بينهما فرجه و فيه تلميح الى قوله تعالى: كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعقلون و، كتاب احكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير قال الزمخشرى: فصلت اى ميزت و جعلت \par
002    42    تفاصيل فى معان مختلفه من احكام و امثال و مواعظ و وعد و وعيد و غير ذلك. \par و قيل: فصلت آياته بالامر و النهى و الوعد و الوعيد و الترغيب و الترهيب و الحلال و الحرام و المواعظ و الامثال. \par و بالجمله فالمراد بتفصيل القرآن: جعل بعضه فى الواجبات و بعضه فى المندوبات و بعضه فى المكروهات و بعضه فى المباحات و بعضه فى العقوبات و بعضه فى الاخلاق و الاداب و بعضه فى المواعظ و النصايح و بعضه فى اخبار من تقدم و انبائهم و بعضه فى اخبار ما سياتى. و بعضه فى احوال الجنه و من يدخلها و بعضه فى احوال النار و من يسكنها الى غير ذلك مع بيان كل ذلك و ايضاحه بحيث لا يشتبه شى ء منها بالاخر و هذا معنى التفصيل كما قال تعالى: و كل شى ء فصلناه تفصيلا اى بيناه فى القرآن الكريم بيانا بليغا لا التباس معه كقوله تعالى: و نزلنا عليك القرآن تبيانا لكل شى ء. \par
003    42    (المراد بظلم الضلاله و ظلم الجهاله) \par (و جعلته نورا نهتدى من ظلم الضلاله و الجهاله باتباعه، و شفاء لمن انصت بفهم التصديق الى استماعه، و ميزان قسط لا يحيف عن الحق لسانه، و نور هدى لا يطفا عن الشاهدين برهانه، و علم نجاه لا يضل من ام قصد سنته، و لا تنال ايدى الهلكات من تعلق بعروه عصمته) \par جعله نورا لكشفه ظلمات الشرك و الشك و ابانته ما خفى على الناس من الحق، و فرقه بين الحق و الباطل و ايصاله الى المطلوب من الحق كما ان النور الحسى يكشف الظلمات الحسيه و يبين ما خفى بسببها و يفصل به بين الاشياء و يدرك المطلوب. و المراد بظلم الضلاله: ظلم الكفر و الانهماك فى الغى، و بظلم الجهاله: ظلم المعاصى و الشبهات. و جمع الظلم لتعدد فنون الضلال و الجهل. و تبع زيد عمروا تبعا و اتبعه اتباعا: مشى خلفه ثم استعمل فى مطلق الاقتداء، و اتباع القرآن: تلاوته و العمل به. و الشفاء: البرء من الداء و المرض جعله شفاء لزوال الامراض القلبيه به كالجهل و الشك و الشرك و النفاق و غيرها من العقايد الزايفه الفاسده، قال الله تعالى: قد جائتكم موعظه \par
003    42    من ربكم و شفاء لما فى الصدور و الانصات: السكون للاستماع. و الفهم: تصور المعنى من لفظ المخاطب، و قيل: الفهم: ادراك خفى دقيق فهو اخص من العلم لان العلم نفس الادراك سواء كان جليا او خفيا و لهذا قال سبحانه فى قصه داود و سليمان: ففهمناها سليمان و كلا آتينا حكما و علما خص الفهم لسليمان و عمم العلم لداود و سليمان. و التصديق: ان ينسب السامع باختياره الصدق الى المخبر و المراد به هنا: اعتقاد صدق القرآن و الايمان به. و استمع له استماعا قاصدا و تعمدا ان يسمعه، قال الفيومى: استمع لما كان يقصد لانه لا يكون الا بالاصغاء و هو الميل، و سمع يكون بقصد و بدونه. \par (البدن الذى قد فسدت اخلاطه و كثرت مواد اسقامه لا يزيده) \par (الغذاء الاشرا و فسادا) \par و لما كان قبول القابل شرطا فى ظهور الاثر من الفاعل قيد عليه السلام كونه شفاء بقوله: لمن انصت بفهم التصديق الى استماعه كما قال تعالى: و ننزل من القرآن ما هو شفاء و رحمه للمومنين و لا يزيد الظالمين الاخسارا فان المراد بالظالمين الذين وضعوا التكذيب مقام التصديق، و الشك موضع الايقان، و الارتياب محل الاطمينان، فان استماع القرآن به لا يزيدهم الا هلاكا بكفرهم و تكذيبهم و شكهم و ارتيابهم و كذلك البدن الذى قد فسدت اخلاطه و كثرت مواد اسقامه لا يزيده الغذاء الا شرا و فسادا. قوله عليه السلام: و ميزان قسط لا يحيف عن الحق لسانه، القسط: العدل. و حاف يحيف: مال عن الحق و جار و ظلم. و لسان الميزان: عذبته الكائنه فى وسط العمود التى يعرف بها التعادل و الرجحان، سميت لسانا لشبهها باللسان فى الصوره و لدلالتها على الاستواء فى الوزن و عدمه كما يدل اللسان بالنطق على ما فى الضمير. و انما جعل القرآن ميزان قسط موصوفا بعدم الميل عن الحق لان قدر العباد و قبول اعمالهم انما هو بقدر ايمانهم به و اتباعهم اياه فى ما امر به و نهى عنه و دلهم عليه من الفروض و السنن و الاخلاق كما قيل فى رسول الله \par
003    42    كان خلقه القرآن فالمقبول الراجح من الاعمال: ما وافقه و المرضى: الحسن الجميل من الاخلاق و الاقوال: ما طابق ارشاده و هدايته اليه. و الحق الصائب من العقايد ما اخذ منه و المردود منها: ما خالف ذلك و كلما قرب من ذلك قرب من القبول و كلما بعد، بعد. لا جرم كان ميزان عدل لا يحيف و لا يميل لسانه فيشتبه رجحانه و نقصانه. قوله عليه السلام: و نور هدى، شبه الهدى بالنور فى الدلاله على المطلوب، و التقدير: هدى كالنور. و طفئت النار طفئا من باب تعب طفوءا على فعول: خمدت و اطفاتها طفئا: اخمدتها. قال تعالى: يريدون ان يطفئوا نور الله بافواههم و يابى الله الا ان يتم نوره و البرهان: الحجه و قيل بيان الحجه و ايضاحها. \par (معنى قوله تعالى: و كذلك جعلناكم امه وسطا و بيان ان من اهتدى بالقرآن) \par (علما و عملا لا يضل و من تمسك و اعتصم به نجا..) \par و المراد بالشاهدين: اما الشاهدون لله بالتوحيد و للانبياء بالتصديق لان القرآن اعظم برهانه لهم على ذلك، و اما محمد صلى الله عليه و آله و سلم و اهل بيته عليهم السلام لتسميته تعالى لهم شهداء فى قوله: و كذلك جعلناكم امه وسطا لتكونوا شهداء على الناس و يكون الرسول عليكم شهيدا فعن على عليه السلام: ان الله تعالى ايانا عنى بقوله لتكونوا شهداء على الناس فرسول الله شاهد علينا و نحن شهداء الله على خلقه و حجته فى ارضه. و بهذا المعنى فسر ابن عباس قوله تعالى: فاكتبنا مع الشاهدين قال: اى مع محمد و امته لانهم مخصوصون باداء الشهاده لقوله تعالى: كذلك و جعلناكم امه وسطا لتكونوا شهداء، الايه. و على هذا فتخصيصهم عليهم السلام بذلك لانهم اهله الذين يستدلون ببرهانه و دليله و يحتجون بدقيقه و جليله. قوله عليه السلام: و علم نجاه، العلم محركا: شى ء ينصب فى الفلوات ليهتدى به. و نجا من الهلاك ينجو نجاه: خلص. و اضافه العلم الى النجاه: من اضافه الشى ء الى سببه لان الضال فى الفلوات يهتدى بالعلم فينجو به من الهلكه. و امه اما من باب قتل: قصده، القصد: استقامه الطريق، قال الزمخشرى فى قوله تعالى: و على الله قصد السبيل: \par
003    42    القصد مصدر بمعنى الفاعل يقال: سبيل قصد و قاصد اى مستقيم كانه يقصد الوجه الذى يومه السالك لا يعدل عنه انتهى. و الهلكات: جمع هلكه بفتحتين بمعنى الهلاك. و العصمه الحبل و كل ما يعتصم به من عقد و سبب و منه: و لا تمسكوا بعصم الكوافر و حاصل المعنى فى الفقرتين: ان من اهتدى بالقرآن علما و عملا لا يضل و من تمسك و اعتصم به نجا من المهالك الدنيويه و الاخرويه و الله اعلم. \par
004    42    (المراد برعايه القرآن حق رعايته، و بيان ان الهدى قسمان: جلى و خفى) \par (اللهم فاذ افدتنا المعونه على تلاوته، و سهلت جواسى السنتنا بحسن عبارته، فاجعلنا ممن يرعاه حق رعايته، و يدين لك باعتقاد التسليم لمحكم آياته، و يفزع الى الاقرار بمتشابهه، و موضحات بيناته). \par المعونه: اسم من المعاونه و المظاهره. و تلوت القرآن تلاوه: قراته و اصله من تلاه بمعنى اتبعه، قال الراغب: التلاوه مختص باتباع كتب الله المنزله: تاره بالقرائه، و تاره بالارتسام لما فيه من امر و نهى و ترغيب و ترهيب، و هى اخص من القرائه فكل تلاوه قرائه و ليس كل قرائه تلاوه فقوله تعالى: و اذا تتلى عليهم آياتنها فهذا بالقرائه و قوله: يتلونه حق تلاوته مراد به الاتباع له بالعلم و العمل، و انما استعمل التلاوه فى قوله تعالى: و اتبعوا ما تتلو الشياطين لما كان يزعمه الشيطان ان ما يتلونه من كتب الله تعالى انتهى. و سهل الشى ء بضم العين سهوله: لان، و سهله تسهيلا: لينه، و الجواسى: جمع جاسى فاعل من جسا يجسو من باب منع جسوءا بالضم: اذا يبس و صلب و غلظ. و اضافتها الى الالسنه من باب اضافه الصفه الى الموصوف الى لينت ما يبس و صلب من السنتنا بحسن عبارته، و المراد بحسن عبارته: حسن بيانه، يقال عبر عما فى نفسه اى اعرب و بين و هو حسن العباره اى البيان و هى بكسر العين. و رعيته ارعاه رعيا: حفظته و منه قوله تعالى: فما رعوها حق رعايتها اى ما حافظوا عليها حق محافظتها و المراد برعايه القرآن حق رعايته: القيام بوظائفه من الايمان به و تعظيمه و حفظه و تعلمه و تعليمه و المواظبه على تلاوته و العمل باوامره و مستحباته و الوقوف عن مناهيه، و \par
004    42    الاعتبار بامثاله و قصصه و التدبر فيه و فى اسراره الى غير ذلك. و دان بالاسلام دينا بالكسر: تعبد به كتدين به. و اعتقدت كذا اعتقادا اى اعقدت عليه القلب و الضمير حتى قيل العقيده: ما يدين الانسان به. و سلم للدعوى تسليما: اعترف بصحتها. و المحكم، لغه: المتقن من احكمت الشى ء احكاما: اذا اتقنته و سياتى معناه اصطلاحا. و فزعت اليه فزعا من باب تعب: التجات و هو مفزع اى ملجا. و اقر بالشى اقرارا: اعترف به. و المتشابه: اسم فاعل من تشابه الشيئان: اذا اشبه احدهما الاخر بحيث يعجز الذهن عن التمييز بينهما ثم قيل لكل ما لا يهتدى الانسان اليه متشابها اطلاقا لاسم السبب على المسبب و نظيره المشكل اى دخل فى شكل غيره فلم يتميز و لم يظهر. و وضح الامر يضح من باب وعد وضوحا: انكشف و انجلى كاتضح. و البينات: جمع بينه و هى الدلاله الواضحه من بان الشى ء يبين اى اتضح و انكشف. قال تعالى: انزل فيه القرآن هدى للناس و بينات من الهدى و الفرقان اى آيات واضحات مكشوفات تهدى الى الحق و تفرق بينه و بين الباطل، و ذلك ان الهدى قسمان: جلى مكشوف و خفى مشتبه فوصفه اولا بجنس الهدايه ثم قال: انه من نوع البين الواضح و الله اعلم. \par (نقل الاقوال فى المحكم و المتشابه) \par تنبيهات: الاول- دل القرآن على ان كله محكم و ذلك قوله تعالى: احكمت آياته و على انه بتمامه متشابه و هو قوله تعالى: كتابا متشابها مثانى تقشعر منه، الايه و على ان بعضه محكم و بعضه متشابه و ذلك قوله تعالى: هو الذى انزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن ام الكتاب و اخر متشابهات. \par فالمراد بكونه محكما كونه كله كلاما متقنا حقا فصيح الالفاظ صحيح المعانى لا يتطرق اليه نقص و لا اختلاف و كونه بحيث لا يتمكن احد من الاتيان بمثله لوثاقه مبانيه و بلاغه معانيه. \par و بكونه كله متشابها كونه يشبه بعضه بعضا فى الحق و الصدق و الحسن و الاعجاز \par
004    42    و البرائه من التناقض. \par و يكون بعضه محكما و بعضه متشابها و ان منه محكما و هو ما وضح معناه من غير احتمال و لا اشتباه و منه متشابها و هو نقيضه على احد الاقوال. \par و قيل: المحكم: ما يومن به و يعمل به و يعتبر به، و المتشابه: ما يومن به و لا يعمل به عن ابى عبدالله عليه السلام و ابن عباس و عكرمه و قتاده. \par و قيل: المحكم: ما عرف المراد منه اما بالظهور و اما بالتاويل و المتشابه: ما استاثر الله بعلمه كقيام الساعه و خروج الدجال، و الحروف المقطعه فى اوايل السور. \par و قيل: المحكم: ما لا يحتمل من التاويل الا وجها واحدا، و المتشابه: ما احتمل اوجها. \par و قيل: المحكم: ما كان معقول المعنى، و المتشابه بخلافه كاعداد الصلوات و اختصاص الصيام برمضان دون شعبان. \par و قيل: المحكم: ما تاويله تنزيله و المتشابه ما لا يدرى الا بالتاويل. \par و قيل: المحكم: ما استقل بنفسه، و المتشابه ما لا يستقل بنفسه. \par و قيل: المحكم: ما فيه الحلال و الحرام و ما سوى ذلك متشابه يصدق بعضه بعضا. \par و قيل: المحكم: هو الناسخ و المتشابه هو المنسوخ. و عن ابى جعفر عليه السلام: المنسوخات من المتشابهات و المحكمات من الناسخات. \par و قيل: المحكم: ما لم تتكرر الفاظه و المتشابه ما تكررت الفاظه كقصه موسى و غير ذلك. \par و قيل: المحكم: ما لم تشتبه معانيه، و المتشابه ما اشتبهت معانيه نحو ثم استوى على العرش فان الاستواء عليه يطلق على الجلوس و على الاستيلاء و القهر. و قيل غير ذلك، و حكى بعضهم فى المسئله ثلثين قولا. \par (الايات عند اعتبار بعضها ببعض ثلثه اضرب) \par و قال الراغب: الايات عند اعتبار بعضها ببعض ثلثه اضرب: \par
004    42    محكم على الاطلاق. \par و متشابه على الاطلاق. \par و محكم من وجه و متشاب من وجه، فالمحكم على الاطلاق: ما لا يعرض فيه شبهه من حيث اللفظ و لا من حيث المعنى، و المتشابه فى الجمله ثلثه اضرب: \par متشابه من جهه اللفظ فقط. \par و متشابه من جهه المعنى فقط. \par ومتشابه من جهتهما. \par فالمتشابه من جهه اللفظ ضربان: \par الاول- يرجع الى الالفاظ المفرده و ذلك امام من جهه غرابته نحو الاب و يزفون، و اما من جهه مشاركه اللفظ كاليد و العين. \par و الثانى- يرجع الى جمله الكلام المركب و ذلك ثلثه اضرب: \par ضرب الاختصار الكلام نحو و ان خفتم الا تقسطوا فى اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء. \par و ضرب لبسط الكلام نحو قوله تعالى: ليس كمثله شى ء لانه لو قيل مثله شى ء كان اظهر للسامع. \par و ضرب لنظم الكلام نحو قوله تعالى: انزل على عبده الكتاب و لم يجعل له عوجا قيما تقديره: نزل على عبده الكتاب قيما لم يعجل له عوجا. \par و المتشابه من جهه المعنى: اوصاف الله تعالى و اوصاف القيمه فان تلك الصفات لا يتصور لنا اذ كان لا يحصل فى نفوسنا صوره مالم نحسه اولم يكن من جنس ما نحسه. \par و المتشابه من جهه اللفظ و المعنى خمسه اضرب: \par الاول- من جهه الكميه كالعموم و الخصوص نحو قوله تعالى: فاقتلوا \par
004    42    المشركين. \par الثانى- من جهه الكيفيه كالوجوب والندب نحو قوله تعالى: فانكحوا ما طاب لكم من النساء. \par الثالث- من جهه الزمان كالناسخ و المنسوخ نحو قوله سبحانه: اتقوا اللهحق تقاته. \par الرابع-من جهه المكان و الامور التى نزلت فيها نحو قوله تعالى: بان تاتوا البيوت من ظهورها و: انما النسى ء زياده فى الكفر فان من لا يعرف عادتهم فى الجاهليه يتعذر عليه معرفه تفسير هذه الايه. \par الخامس- من جهه الروط التى يصح بها الفعل او يفسد كشروط الصلواه و النكاح و هذه الجمله اذا تصورت علم ان ما ذكره المفسرون لا يخرج عن هذه التقاسيم نحو من قال: الم، من المتشابه، و نحو قول قتاده: المحكم، الناسخ، و المتشابه المنسوخ. قول االاصم: المحكم ما اجمع على تاويله و المتشابه ما اختلف فيه. \par (ان جميع المتشابهات على ثلثه اضرب و قال النظام الايات ثلثه اقسام) \par ثم جميع المتشابهات على ثلثه اضرب: \par ضرب: لا سبيل على الوقوف عليه كوقت الساعه و خروج الدابه و كيفيه الدابه و نحوذلك. \par و ضرب للانسان سبيل الى معرفته كالفاظ العربيه و الاحكام العقليه. \par و ضرب متردد بين الامرين يختص بمعرفته بعض الراسخين و يخفى على من دونهم و هو الضرب المشر اليه بقوله (ص) فى على عليه السلام: اللهم فقهه فى الدين و علمه التاويل. \par فاذا عرفت هذه الجمله عرفت ان الوقوف على قوله: و ما يعلم تاويله الا الله و وصله بقوله: و الراسخون فى العلم جائزان و ان لكل واحد منهما وجها حسب ما دل عليه التفصيل المتقدم انتهى. \par و قال النظام النيسابورى: الايات ثلثه اقسام: \par
004    42    احدها- ما يتاكد ظواهرها بالدلائل العقليه فذلك هو المحكم حقا. \par و ثانيها- التى قامت الدلائل القطعيه على امتناع ظواهرها فذلك الذى يحكم فيه بان مراد الله تعالى فيه غير ظاهر. \par و ثالثها- الذى لا يوجد مثل هذه الدلائل على طرفى ثبوته و انتفائه فهو المتشابه بمعنى ان الامر اشتبه فيه و لم يتميز احد الجانبين عن الاخر، لكن هاهنا عقده اخرى و هى ان الدليل العقلى مختلف فيه ايضا بحسب ما رتبه كل فريق و تخيله صادقا فى ظنه ماده و صوره فكل فريق يدعى بمقتضى فكره قد قام على ما يوافق مذهبه و تاكد به الظاهر الذى تعلق به فلا خلاص من البين الا بتاييد سماوى و نور الهى و من لم يجعل الله له نورا فماله من نور. \par (طعن بعض الملاحده فى جعل بعض القرآن محكما) \par (و بعضه متشابها و ما اجابوه) \par الثانى- (من التنبيهات) طعن بعض الملاحده فى جعل بعض القرآن محكما و بعضه متشابها، و قال: كيف يليق بالحكيم ان يجعل كتابه المرجوع اليه فى دينه الموضوع الى يوم القيمه بحيث يتمسك به صاحب كل مذهب فمثبت الرويه يتمسك بقوله تعالى: وجوه يومئذ ناضره الى ربها ناظره و نافيها يتشبث بقوله: لا تدركه الابصار و مثبت الجهه يحتج بقوله: يخافون ربهم من فوقهم و النافى لها يبرهن بقوله ليس كمثله شى ء فكل منهم يسمى الايات الموافقه لمذهبه محكمه و المخالفه له متشابهه، و ربما آل الامر فى ترجيح بعضها على بعض الى وجوه ضعيفه و تراجيح خفيه، و هذا لا يليق بالحكمه مع انه لو جعله كله واضحا جليا ظاهرا خالصا من المتشابه نقيا كان اقرب الى حصول الغرض. \par و اجاب الزمخشرى بانه لو كان كل القرآن محكما لتعلق الناس به لسهوله ماخذه و لا عرضوا عما يحتاجون فيه الى الفحص و التامل من النظر و الاستدلال، و لو فعلوا \par
004    42    ذلك لعطلوا الطريق الذى لا يتوصل الى معرفه الله و توحيده الا به، و لما فى المتشابه من الابتلاء و التميز بين الثابت على الحق و المتزلزل فيه، و لما فى تقادح العلماء و اتعابهم القرايح فى استخراج معانيه ورده الى المحكم، و من الفوائد الجليه و العلوم الجمه و نيل الدرجات عندالله، و لان المومن المعتقد ان لا مناقضه فى كلام الله سبحانه و لا اختلاف اذا ما راى يتناقض فى ظاهره و اهمه طلب ما يوفق بينه و يجريه على سنن واحد ففكر و راجع نفسه و غيره ففتح الله عليه و تبين مطابقه المتشابه المحكم ازداد طمانينه الى معتقده و قوه فى ايقانه انتهى. \par و قال النيسابورى: و ها هنا سبب اقوى و هو ان القرآن كتاب مشتمل على دعوه الخواص و العوام و طباع العامه تنبو فى الاغلب عن ادراك الحقايق فمن سمع منه فى اول الامر اثبات موجود ليس بجسم و لا متغير و لا مشار اليه، ظن ان هذا عدم و نفى و وقع فى التعطيل فكان الاصلح ان يخاطبوا بالفاظ داله على بعض ما توهموه و تخيلوه مخلوطا بما يدل على الحق الصريح، فالاول و هو الذى يخاطب به فى اول الامر من باب المتشابهات و الثانى و هو الذى يكشف لهم آخر الحال من قبيل المحكمات انتهى. \par و انا اقول: و ها هنا سبب اقوى من ذلك ايضا و هو ان فى القرآن المجيد من الاسرار الالهيه و المعارف الربانيه ما لا يحتمله كل عقل و لا ينشرح له كل صدر فلو كان القرآن كله محكما ظاهرا لضل كثير من العقول و زاغ كثير من القلوب و لكن جعل بعضه محكما و هو ما تشترك العقول على تفاوت مراتبها فى احتماله و تتفق القلوب على قبوله، و بعضه متشابها موكولا علمه الى اهله و هم اهل الذكر المامور بسوالهم فى قوله تعالى: فاسئلوا اهل الذكر ان كنتم لا تعلمون ليبينوا للناس معناه و يوضحوا لهم مقاصده على مقادير عقولهم و حسب مقاماتهم و تفاوت مراتبهم فيرشدون الى كل مقام اهله، و يخفون عن غير اهله، اذ كانوا اطباء النفوس و كما ان الطبيب يرى ان بعض الادويه ترياق و شفاء و ذلك الدواء بعينه لشخص آخر سم و هلاك كذلك كتاب الله تعالى، و الموضحون لمقاصده من الانبياء و الاوصياء يرون ان بعض الاسرار الالهيه شفاء لبعض الصدور فيلقونها اليهم \par
004    42    و ربما كان تلك الاسرار باعيانها لغير اهلها سببا لضلالهم و كفرهم اذا القيت اليهم و لذلك قال النبى و صلى الله عليه و آله و سلم: امرت ان اكلم الناس على قدر عقولهم. و هذا اقوى الاسباب فى جعل بعض القرآن محكما و بعضه متشابها و الله اعلم. \par (المراد من الراسخين فى العلم...) \par الثالث- (من التنبيهات) فى قوله عليه السلام: و يفزع الى الاقرار بمتشابهه، تلميح الى قوله تعالى: فاما الذين فى قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنه و ابتغاء تاويله و ما يعلم تاويله الا الله و الراسخون فى العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا فغرضه عليه السلام ان يجعله من الراسخين فى العلم الذين يقولون آمنا به اى بمتشابهه و هو معنى الاقرار به و تعبيره بالفزع الى الاقراراى الالتجاء به اشعار بان المتشابه لما كان محتملا لوجوه كثيره بعضها من العلوم الخفيه و بعضها يودى الى الكفر و البدعه او التناقض لم يكن للخلاص من الوقوع فى محذور الشبهه سبيل الا الفزع الى الاقرار و الايمان به على ما اراد من تلك الوجوه او غيرها. \par قال بعضهم: الراسخون فى العلم هم الذين علموا بالدلائل القطعيه ان الله تعالى عالم بالمعلومات التى لا نهايه لها و علموا ان القرآن كلام الله تعالى و انه لا يتكلم بالباطل و العبث فاذا سمعوا آيه و دلت الدلائل القطعيه على انه لا يجوز ان يكون ظاهرها مراد الله تعالى بدل المراد فيها غير ذلك الظاهر فوضوا تعيين ذلك المراد الى علمه تعالى و قطعوا بان ذلك المعنى اى شى ء كان فهو الحق و الصواب و لم يزعزعهم قطعهم بترك الظاهر و لا عدم علمهم بالمراد عن الايمان بالله و الجزم بصحه القرآن و لم يكن ذلك شبهه لهم فى الطعن فى كلام الله تعالى. \par و فى خطبه اميرالمومنين عليه السلام المعروفه بخطبه الاشباح: و اعلم ان الراسخين فى العلم هم الذين اغناهم عن اقتحام السدد المضروبه دون الغيوب الاقرار بجمله ما جهلوا تفسيره من الغيب المحجوب فمدح الله اعترافهم بالعجز عن تناول ما لم يحيطوا به علما و سمى تركهم التعمق فيما لم يكلفهم البحث عن كنهه رسوخا فاقتصر على ذلك انتهى. \par
004    42    (الاشاره الى مراتب الرسوخ) \par (و ان رسول الله صلى الله عليه و آله افضل الراسخين) \par فان قلت: قد ورد فى الصحيح عن ابى عبدالله عليه السلام انه قال نحن الراسخون فى العلم و نحن نعلم تاويله، و فى روايه اخرى عنه عليه السلام قال: الراسخون فى العلم اميرالمومنين و الائمه و فى خبر آخر عن رسول الله صلى الله عليه و آله: افضل الراسخين فى العلم قد علمه الله جميع ما انزل عليه من التنزيل و التاويل و ما كان الله لينزل عليه شيئا لم يعلمه تاويله و اوصيائه من بعده يعلمونه كله فكيف يكون الراسخون الذين اقروا بجمله ما جهلوا تفسيره و لم يعلموا تاويله؟ \par قلت: الرسوخ ليس مرتبه واحده هى تقليد ظواهر الشريعه و اعتقاد حقيقتها فقط بل تقليدها مرتبه اولى من مراتب الرسوخ و من ورائها مراتب غير متناهيه بحسب مراتب السلوك و قوه السالكين كما نص عليه بعض المحققين من اصحابنا فالراسخون الذين اشار اليهم اميرالمومنين عليه السلام هم الواقفون فى المرتبه الاولى و هم الذين اقتصروا على ما وفقتهم الشريعه عليه على سبيل الجمله، و الراسخون فى قول الصادق عليه السلام: «نحن الراسخون فى العلم و نحن نعلم تاويله» هم الواصلون الى اقصى مراتب الرسوخ كما دل عليه ما فى الخبر الاخر: رسول الله افضل الراسخين. و وقع الانكار على من ادعى هذه المرتبه فى قول اميرالمومنين من خطبه اخرى: اين الذين زعموا انهم الراسخون فى العلم دوننا كذبا و بغيا. و من هنا يظهر سر جواز الوجهين فى تلاوه الايه من الوقوف على قوله تعالى: و ما يعلم تاويله الا الله و وصله بقوله و الراسخون فى العلم: فان وقفت كان المراد بالراسخين جميع الراسخين على مراتبهم و ان وصلت كان المراد بهم العالمين بتاويله فيكون قوله: يقولون على الاول خبرا و على الثانى استينافا موضحا لحال الراسخين او حالا منهم يتضمن المدح لهم بالتصديق به مع العلم بتاويله و الله اعلم. \par
005    42    (معنى انزاله تعالى القرآن مجملا، و ما قيل فيه) \par (اللهم انك انزلته على نبيك محمد (ص) مجملا، و الهمته علم عجائبه مكملا، و ورثتنا علمه مفسرا، و فضلتنا على من جهل علمه، و قويتنا \par
005    42    عليه لترفعنا فوق من لم يطق حمله). \par اجملت الشى ء اجمالا: جمعته من غير تفصيل فهو مجمل. قال بعضهم: معنى انزاله تعالى القرآن على نبيه مجملا انه لم يبين له اسراره و عجائبه المستنبطه منه حال انزاله بل اوحاه اليه مجملا ثم الهمه بعد ذلك علمه بالتمام كما يدل عليه الفقره الثانيه. \par و قيل: اجماله بالنسبه الى غيره لا اليه ليكون هو الذى يفصله و يبينه. \par و الاولى ان يكون المراد بقوله مجملا انه مشتمل على جمله اشياء كثيره من الاسرار و الاحكام غير مبينه و لا مشروحه فيه بحيث يعلمها كل احد. \par كما ورد فى الحديث عن ابى عبدالله عليه السلام انه قال: ما من امر يختلف فيه اثنان الاوله اصل فى كتاب الله عز و جل و لكن لا يبلغه عقول الرجال. \par و عنه عليه السلام: انزل فى القرآن تبيان كل شى ء و الله ما ترك الله شيئا يحتاج اليه العباد حتى لا يستطيع عبد يقول لو كان هذا انزل فى القرآن الا و قد انزل الله فيه. و الاخبار فى هذا المعنى كثيره، و الفرق بين هذا المعنى و بين المعنى الاول ان علمه عليه السلام بما اجمل فيه لم يكن بعد عدم العلم به بل علمه به بالتمام من نفس علمه به مجملا فان النفوس القدسيه اذا علمت المجمل فقد علمت تفسيرها و ذلك كما اذا نظرت الى زيد فقد ابصرت كله اجمالا و ابصرت اجزاءه و تفاصيله جميعا عند ابصار كله بل ابصار الكل و الاجزاء ابصار واحد و انما يتفاوت بالاعتبار. و الفرق بينه و بين المعنى الثانى ان اجماله بالنسبه اليه ايضا عليه السلام لاشتماله على جمله الاحكام و الاسرار التى اودعها سبحانه فيه غير انه عليه السلام الهم علم ذلك مفصلا من علمه به مجملا بخلاف غيره و الله اعلم. \par و الالهام: القاء الله تعالى الشى ء فى النفس بطريق الفيض و عجائب القرآن نكته و لطائفه المندرجه فى الاسلوب و المبانى و اسراره و دقايقه المطويه فى المقصود و المعانى التى بعضها فوق بعض. و قيل هى ما اودع فيه من انواع العلوم التى اذا ادركها العقل تعجب. و مكملا اى بكماله من كمل الشى ء: اذا تمت اجزاوه و كملت محاسنه. و الوراثه: انتقال الشى ء اليك من غيرك من غير عقد و لا ما يجرى مجراه و خص ذلك بالمنتقل عن الميت و يقال له ميراث وارث و تراث. و فى عباره الدعاء تلميح الى قوله \par
005    42    تعالى: و الذى او حينا اليك من الكتاب هو الحق مصدقا لما بين يديه ان الله بعباده لخبير بصير ثم اورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا قال امين الاسلام الطبرسى: عن الباقر و الصادق عليهماالسلام انهما قالا هى لنا خاصه و ايانا عنى و هو اقرب الاقوال فى الايه لانهم احق الناس بوصف الاصطفاء و الاجتباء و ايراث علم الانبياء اذهم المتعبدون بحفظ القرآن و بيان حقائقه و العارفون بجلائله و دقائقه انتهى. \par و فى روايه عن الصادق عليه السلام: نحن الذين اصطفانا الله عز و جل و اورثنا هذا الكتاب الذى فيه تبيان كل شى ء. \par و عن الرضا عليه السلام فى تفسير الايه: اراد العتره الطاهره. \par (نقل الاقوال فى بيان الفرق بين التفسير و التاويل) \par و فسرت الشى ء فسرا من باب ضرب: بينته و اوضحته. و التثقيل للمبالغه و المراد به هاهنا ما يعم التاويل قطعا. \par و قد اختلف العلماء فى التفسير و التاويل: فقال ابوعبيده و المبرد و طائفه: هما بمعنى و انكر ذلك قوم حتى بالغ ابن حبيب النيسابورى فقال قد نبع فى زماننا المفسرون لوسئلوا عن الفرق بين التفسير و التاويل ما اهتدوا اليه. \par و قال الراغب: التفسير اعم من التاويل و اكثر استعماله فى الالفاظ و مفرداتها و اكثر استعمال التاويل فى المعانى و الجمل و اكثر ما يستعمل فى الكتب الالهيه و التفسير يستعمل فيها و فى غيرها. \par و قال غيره: التفسير بيان لفظ لا يحتمل الا وجها واحدا، و التاويل: توجيه لفظ متوجه الى معانى مختلفه الى معنى و احد منها بما يظهر من الادله. \par و قال الماتريدى: التفسير: القطع على ان المراد من اللفظ هذا، و الشهاده على الله انه عنى باللفظ هذا، فان قام دليل مقطوع به فصحيح و الا فتفسير بالراى و هو المنهى عنه، و التاويل: ترجيح احد المحتملات بدون القطع و الشهاده على الله. \par و قال ابوطالب الثعلبى: التفسير: بيان وضع اللفظ اما حقيقه او مجازا كتفسير الصراط \par
005    42    بالطريق و الصيب بالمطروا لتاويل: تفسير باطن اللفظ ماخوذ من الاول و هو الرجوع لعاقبه الامر فالتاويل: اخبار عن حقيقه المراد و التفسير اخبار عن دليل المراد لان اللفظ يكشف عن المراد و الكاشف دليل مثاله قوله تعالى: ان ربك لبالمرصاد تفسيره انه من الرصد يقال رصدته اى رقبته و المرصاد مفعال منه و تاويله: التحذير من التهاون بامر الله و الغفله عن الاهبه و الاستعداد للعرض عليه و قواطع الادله تقتضى بيان المراد منه على خلاف وضع اللفظ فى اللغه. \par و قال الاصبهانى فى تفسيره: اعلم ان التفسير فى عرف العلماء: كشف معانى القرآن، و بيان المراد اعم من ان يكون بحسب اللفظ المشكل و غيره و بحسب المعنى الظاهر و غيره، و التاويل اكثره فى الجمل، و التفسير: اما ان يستعمل فى غريب الالفاظ نحو البحيره و السائبه، و الوصيله او فى وجيز يتبين بشرح نحو و اقيموا الصلوه و آتوا الزكوه او فى كلام متضمن لقصه لا يمكن تصويره الا بمعرفتها كقوله تعالى: انما النسى ء زياده فى الكفر و اما التاويل: فانه يستعمل تاره عاما و تاره خاصا نحو: الكفر، المستعمل تاره فى الجحود المطلق و تاره فى جحود البارى خاصه و الايمان، المستعمل فى التصديق المطلق تاره و فى تصديق الحق اخرى، و اما فى لفظ مشترك بين معانى مختلفه نحو لفظ وجد، المستعمل فى الجده و الوجد و الوجود. \par و قال غيره: التفسير تعلق بالروايه و التاويل تعلق بالدرايه. \par و قال قوم: ما وقع مبينا فى كتاب و معينا فى صحيح السنه سمى تفسيرا لان معناه قد ظهر و وضح و ليس لاحدان يتعرض له باجتهاد و لا غيره بل يحمله على المعنى الذى ورد لا يتعداه، و التاويل: ما استنبطه العلماء العاملون بمعانى الخطاب الماهرون فى آلات العلوم. \par و قال الطبرسى: التفسير: كشف المراد عن اللفظ المشكل، و التاويل رد احد المحتملين الى ما يطابق الظاهر. \par
005    42    و قال الزركشى: التفسير: علم يفهم به كتاب الله المنزل على نبيه صلى الله عليه و آله و سلم و بيان معانيه و استخراج احكامه. \par (ان الائمه صلوات الله عليهم علموا جميع ما فى القرآن علما قطعيا) \par تنبيهات: تواترت الاخبار عن العتره الزاكيه و اجمعت الاصحاب من الفرقه الناجيه ان اميرالمومنين صلوات الله عليه و الاوصياء من ابنائه علموا جميع ما فى القرآن علما قطعيا بتاييد الهى و الهام ربانى و تعليم نبوى و قد طابق العقل فى ذلك النقل و ذلك: ان الامام اذا لم يعلم جميع ما فى القرآن لزم اهمال الخلق و بطلان الشرع و انقطاع الشريعه و كل ذلك باطل بحكم العقل و النقل. \par و من الاخبار ما ورد من طرق العامه عن ابى الطفيل قال شهدت عليا عليه السلام يخطب و هو يقول سلونى فو الله لا تسئلونى عن شى ء الا اخبرتكم و سلونى عن كتاب الله فو الله ما من آيه الا و انا اعلم بليل نزلت ام بنهار ام فى سهل ام فى جبل. \par و قال ابونعيم فى حليه الاولياء عن ابن مسعود قال ان القرآن نزل على سبعه احرف و ما منها حرف الا و له ظهر و بطن و ان على بن ابيطالب عليه السلام عنده منه الظاهر و الباطن. \par و اما الروايات فى ذلك من طرق الخاصه فاكثر من ان تحصى: \par منها- مارواه ثقه الاسلام بسند حسن عن جابر قال سمعت اباجعفر عليه السلام يقول: ما ادعى احد من الناس انه جمع القرآن كله كما انزل الاكذاب و ما جمعه و حفظه كما نزل الله الاعلى بن ابيطالب و الائمه من بعده صلوات الله عليهم اجمعين. \par و عن سيدنا اميرالمومنين عليه السلام ان فى القرآن علم ما مضى و علم ما ياتى الى يوم القيمه و حكم ما بينكم و بيان ما اصبحتم فيه تختلفون فلو سالتمونى عنه لعلمتكم. \par و عن ابى جعفر عليه السلام انه قال: ما يستطيع احدان يدعى ان عنده جميع القرآن كله ظاهره و باطنه غير الاوصياء. \par و عنه عليه السلام ان من علم ما اوتينا تفسير القرآن. \par و عن عبدالاعلى بن اعين قال سمعت اباعبدالله عليه السلام يقول: و الله انى لا علم كتاب الله من اوله الى آخره فكانه فى كفى خبر السماء و خبر ما كان و خبر ما هو كائن قال الله عز و جل \par
005    42    فيه تبيان كل شى ء قال بعض المحققين قوله عليه السلام «كانه فى كفى» تنبيه على ان علمه عليه السلام بما فى الكتاب علم شهودى بسيط واحد بالذات متعلق بالجميع كما ان رويه ما فى الكف رويه واحده متعلقه بجميع اجزائه و التعدد انما هو بحسب الاعتبار و قوله عليه السلام فيه خبر السماء يعنى من احوال الافلاك و حركاتها و احوال الملائكه و درجاتها و حركات الكواكب و مداراتها و منافع تلك الحركات و تاثيراتها الى غير ذلك من الامور الكائنه فى العلويات و المنافع المتعلقه بالفلكيات، و قوله عليه السلام و خبر الارض يعنى من جوهرها و انتهائها و ما فى جوفها و ارجائها و ما فى تحتها و اهوائها و ما فيها من المعدنيات و ما تحت الفلك من البسايط و المركبات التى تتحير فى ادراك نبذمنها عقول البشر و يتحير دون بلوغ ادنى مراتبها ظاهر الفكر و النظر، و قوله خبر ما كان و ما هو كائن اى من اخبار السابقين و اخبار اللاحقين كلياتها و جزئياتها و احوال الجنه و مقاماتها و تفاوت مراتبها و درجاتها و اخبار المثاب فيها بالانقياد و الطاعه و الماجور فيها بالعباده و الزهاده و اهوال النار و دركاتها و اهوال مراتب العقوبه و مصيباتها و تفاوت مراتب البرزخ فى النور و الظلمه و تفاوت احوال الخلق فيه بالراحه و الشده كل ذلك بدليل قوله تعالى فيه تبيان كل شى ء اى كشفه و ايضاحه فلا سبيل الى انكاره و الله اعلم. \par (البحث فى انه هل يجوز تفسير القرآن من دون مراجعه) \par (الى بيان الائمه عليهم السلام ام لا؟) \par (الثانى- ذهب جماعه من اصحابنا و غيرهم الى انه لايجوز ان يتجاوز احد المسموع فى تفسير القرآن و لا يسوغ الا بالاثار الصحيحه و النصوص الصريحه، كما دل عليه الخبر عن النبى صلى الله عليه و آله و سلم و عن الائمه القائمين مقامه، قال بعض المتاخرين من اصحابنا: قد تظافرت الاخبار عن الائمه الاطهار بالمنع من تفسير القرآن و الكلام على ظواهره و استنباط الاحكام النظريه منها للرعيه بل علم ذلك كله خاص بالائمه عليهم السلام و هم المخاطبون بالقرآن لا غيرهم و الرعيه مامورون بالرجوع اليهم فى ذلك و الطلب \par
005    42    منهم و لذلك ترى مفسرى اصحابنا المتقدمين لم يتجاوزوا النص كابى حمزه الثمالى و على ابن ابراهيم و العياشى و غيرهم من الاصحاب. \par و اما من تاخر عنهم كالشيخ الطوسى و امين الاسلام الطبرسى فانهم نقلوا فى تفاسيرهم ما صح عندهم من كلام الائمه عليهم السلام و ما لم يكن عندهم فيه شى ء نقلوا ما وصل اليهم من اقوال المفسرين من العامه بطريق الحكايه من غير ترجيح و لا رد و بينوا اللغات و الاعراب لا غير لان علم القرآن و معرفه تنزيله و تاويله و ظاهره و باطنه و محكمه و متشابهه و ناسخه و منسوخه و عامه و خاصه بينه الله تعالى لرسوله و بينه الرسول لامير المومنين و اولاده عليهم السلام و خصهم به دون غيرهم و امر الرعيه بسوالهم فان ورد عنهم فيه شى ء فذاك و الا فالسلامه فى السكوت و من تكلم فيه من اصحابنا بغير ما ورد فعن غفله عما ورد فيه من المنع. \par فان قلت: من تكلم فيه من اصحابنا لم يذكر ذلك على سبيل الجزم و انما ذكره بطريق الاحتمال و الظن الراجح. \par قلت: هذا هو القول بغير علم و هو منهى عنه بنص الكتاب. \par فان قلت: اذا منعت عن ذلك فكيف تصنع بالايات التى ظاهرها الجبر و التشبيه و غير ذلك. \par قلت: كل ما فى القرآن من المتشابهات الموافق ظاهرها لما دل البرهان على استحالته فقد ورد تاويلها و بيان المراد منها فى السنه المطهره على احسن وجه و اكمله فلا داعى الى تاويلها من عند انفسنا و الاخبار الداله على ما قلنا كثيره: \par فمن ذلك ما رواه الخاصه و العامه من قول النبى صلى الله عليه و آله و سلم: من فسر القرآن برايه فقد كفر. \par و روى الطبرسى فى مجمع البيان عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم انه قال: من قال فى القرآن بغير علم فليتبوا مقعده من النار. \par و روى فى الكافى عن ابى جعفر عليه السلام قال: ما علمتم فقولوا و ما لم تعلموا فقولوا الله اعلم ان الرجل لينتزع الايه من القرآن يخر فيها ابعبد ما بين السماء و الارض. \par
005    42    و فى روضه الكافى عن زيد الشحام قال دخل قتاده بن دعامه على ابى جعفر عليه السلام فقال يا قتاده انت فقيه اهل البصره؟ فقال هكذا يزعمون فقال ابوجعفر عليه السلام: بلغنى انك تفسر القرآن؟ فقال له قتاده: نعم، فقال ابوجعفر عليه السلام فان كنت تفسره بعلم فانت انت و ان كنت انما فسرت القرآن من تلقاء نفسك فقد هلكت و اهلكت و ان كنت اخذته من الرجال فقد هلكت و اهلكت و يحك يا قتاده انما يعرف القرآن من خوطب به و الحديث طويل اخذنا منه موضع الحاجه و الاخبار فى هذا المعنى كثيره انتهى ملخصا. و قال امين الاسلام الطبرسى فى مجمع البيان وروت العامه عن النبى صلى الله عليه و آله و سلم انه قال: من فسر القرآن برايه فان اصاب الحق فقد اخطا. قالوا و كره جماعه من التابعين القول فى القرآن بالراى كسعيد بن المسيب و عبيده السلمانى و نافع و سالم بن عبدالله و غيرهم. \par و القول فى ذلك ان الله سبحانه ندب الى الاستنباط و اوضح السبيل اليه و مدح اقواما عليه فقال جل شانه: لعلمه الذين يستنبطونه منهم و ذم آخرين على ترك تدبره و الاضراب عن التفكر فيه فقال سبحانه: افلا يتدبرون القرآن ام على قلوب اقفالها و ذكران القرآن نزل بلسان العرب فقال: انا جعلناه قرآنا عربيا \par و قال النبى صلى الله عليه و آله و سلم اذا جائكم عنى حديث فاعرضوه على كتاب الله فما وافقه فاقبلوه و ما خالفه فاضربوا به عرض الحائط. فبين ان الكتاب حجه و معروض عليه و كيف يمكن العرض عليه و هو غير مفهوم المعنى فهذا و امثاله يدل على ان الخبر متروك الظاهر فيمكن ان يكون معناه ان صح ان من حمل القرآن على رايه و لم يعمل بشواهد الفاظه فاصاب الحق فقد اخطا الدليل. \par و روى عن النبى صلى الله عليه و آله و سلم انه قال: ان القرآن ذلول ذو وجوه فاحملوه على احسن الوجوه. \par و عن عبدالله بن عباس انه قسم وجوه التفسير على اربعه اقسام: \par تفسير لا يعذر احد بجهالته. \par و تفسير تعرفه العرب بكلامها. \par و تفسير تعلمه العلماء. \par
005    42    و تفسير لا يعلمه الا الله، فاما الذى لا يعذر احد بجهالته فهو ما يلزم الكافه من الشرايع التى فى القرآن و جمل دلائل التوحيد. و اما الذى تعرفه العرب بلسانها فهو حقايق اللغه و موضوع كلامهم. و اما الذى تعلمه العلماء فهو تاويل المتشابه و فروع الاحكام. \par و اما الذى لا يعلمه الا الله تعالى فهو ما يجرى مجرى الغيوب و قيام الساعه . \par تنبيه: قال السيد الجليل على بن طاووس قوله عليه السلام: و ورثتنا علمه، و قوله و فضلتنا و نحو ذلك من الالفاظ ينبغى تبديله بالفاظ تناسب حال الداعى انتهى. \par قلت: الاولى تبديل الضمير فقط فيقال فى قوله و ورثتنا علمه: و ورثت اوصيائه علمه مفسرا عطفا على قوله انك انزلته على نبيك مجملا ثم اعاده سائر الضمائم اليهم بان يقال: و فضلتهم و قويتهم عليه لترفعهم. لما فى ذلك من ابقاء المعنى على اصله و الله اعلم. \par
006    42    (المراد من جعل قلوبهم حمله للقرآن: اعدادها لحفظه) \par (و الهامها علمه و تدبره) \par (اللهم فكما جعلت قلوبنا له حمله، و عرفتنا برحمتك شرفه و فضله، فصل على محمد الخطيب به و على آله الخزان له، و اجعلنا ممن يعترف بانه من عندك حتى لا يعارضنا الشك فى تصديقه، و لا يختلجنا الزيغ عن قصد طريقه) \par الحمله بفتحتين: جمع حامل كظالم و ظلمه و ساحر و سحره. و جعل قلوبهم حمله للقرآن: عباره عن اعدادها لحفظه و الهامها علمه و تدبره و الوقوف على حدوده و احكامه و امثاله الى غير ذلك. و عرفته الامر تعريفا: علمته اياه. و الشرف: العلو و الفضل و الكمال. و الخطيب: فعيل بمعنى فاعل من خطب يخطب من باب قتل خطبه بالضم: اذا تكلم بكلام بتضمن بترغيب الجمهور فى فعل الخير و تنفيرهم عن الشر. الخزان: جمع خازن من خزنت الشى ء خزنا من باب قتل: اذا حفظته فى الخزانه ثم عبر به عن كل حفظ كحفظ السر و نحوه و المراد باله الخزان له: الاوصياء الائمه عليهم السلام. و خلجه خلجا من باب قتل و اختلجه اختلاجا: جذبه و انتزعه. و الزيغ: الميل عن الاستقامه. \par
006    42    و قصد الطريق: استقامته، و طريق قصد اى قاصد بمعنى مستقيم فقصد طريقه اما بمعنى استقامه طريقه او طريقه المستقيم من باب اضافه الصفه الى الموصوف و الله اعلم. \par
007    42    (سيكون فتن، قلت فما المخرج منها يا رسول الله! قال: كتاب الله.) \par (اللهم صل على محمد و آله، و اجعلنا ممن يعتصم بحبله، و ياوى من المتشابهات الى حرز معقله و يسكن فى ظل جناحه، و يهتدى بضوء صباحه، و يقتدى بتبلج اسفاره و يستصبح بمصباحه، و لا يلتمس الهدى فى غيره). \par الاعتصام بالشى ء: التمسك به. و الحبل: العهد و الميثاق، و المراد به عهد الله و ميثاقه المذكور فيه كقوله سبحانه و تعالى: الم يوخذ عليهم ميثاق الكتاب ان لا يقولوا على الله الا الحق قال المفسرون: اى ميثاق الله المذكور فى كتابه، هو: ان لا يقولوا على الله الا الحق فعهده تعالى فى القرآن هو ما كلف به عباده من الاوامر و النواهى و العمل به و اللزوم لطريقته و الاخذ باحكامه، و اوى الى كذا ياوى من باب ضرب: انضم اليه و التجا و منه قوله سبحانه: ساوى الى جبل يعصمنى من الماء اى التجا. و المتشابهات الامور التى تشابهت و التبست فلم يتميز الحق فيها من الباطل و لا داعى لتخصيصها بمتشابهات القرآن. و الحرز: الموضع الحصين اى الذى يحفظ فيه. و المعقل كمسجد: الملجا. و سكن المكان و فيه: استوطنه. و الظل: الفى ء الحاصل من الحاجز بينك و بين الشمس مطلقا و قيل مخصوص بما كان منه الى الزوال و ما بعده هو الفى ء. و الجناح: الجانب ماخوذه من جناح الطائر يقال: انا فى ظل جناح فلان اى فى ذراه و ستره و حمايته. و الضوء: النور و عرف بانه كيفيه تدركها الباصره اولا و بواسطتها سائر المبصرات و فرق الحكماء بينهما فخصوا الضوء بما يكون للشى ء من ذاته كما للشمس و النور بما يكون له من غيره كما للقمر و لما كان هذا الفرق من تدقيقات الحكماء و كان الشايع فى لغه العرب اطلاق كل منهما على الاخر و اجرائهما مجرى واحدا اطلق عليه السلام الضوء على النور لان الضوء: الصبح انما هو من ضياء الشمس قطعا. و اقتدى به: فعل مثل فعله تاسيا و بلج الصبح \par
007    42    بلوجا من باب قعد و تبلج و ابتلج: اضاء و اشرق. و اسفر الصبح اسفارا: اوضح و انكشف، و قال الراغب: الاسفار يختص باللون نحو و الصبيح اذا اسفر اى اشرق لونه. و المصباح: السراج. و التمست الشى ء: طلبته. \par عن على عليه السلام قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يقول سيكون فتن، قلت: فما المخرج منها يا رسول الله؟ قال: كتاب الله فيه نباء ما قبلكم و خبر ما بعدكم و حكم ما بينكم و هو الفصل ليس بالهزل من تركه من جبار قصمه الله، و من ابتغى الهدى فى غيره اضله الله و هو حبل الله المتين و هو الذكر الحكيم، و هو الصراط المستقيم، و هو الذى لا تزيغ به الاهواء و لا تلتبس به الالسنه و لا تشبع منه العلماء و لا يخلق من كثره الرد و لا تنقضى عجائبه، من قال به صدق، و من عمل به اجر، و من حكم به عدل، و من دعى اليه هدى الى صراط مستقيم. \par
008    42    (السلامه الحقيقيه ليست الا فى الجنه، لان فيها: بقاء بلا فناء و...) \par (اللهم و كما نصبت به محمدا- (ص)- علما للدلاله عليك و انهجت بآله سبل الرضا اليك، فصل على محمد و آله، و اجعل القرآن وسيله لنا الى اشرف منازل الكرامه و سلما نعرج فيه الى محل السلامه و سببا نجزى به النجاه فى عرصه القيمه، و ذريعه نقدم بها على نعيم دار المقامه) \par نصبت العلم و نحوه نصبا من باب ضرب: اقمته، و الباء فى به للسببيه او للملابسه او للاستعانه. و العلم بالتحريك: العلامه و الرايه و المنار الذى ينصب فى الطريق ليهتدى به. و دل على الشى ء و اليه من باب قتل دلاله بكسر الدال و فتحها: ارشد اليه و هدى الى معرفته فالمراد بالدلاله عليه سبحانه: الدلاله على معرفته من كونه الها و ربا و صانعا و التصديق بوجوده و توحيده و تنزيهه عن الشريك و المثل الى غير ذلك من المعارف الالهيه و الصفات الربانيه التى دل عليها الكتاب و السنه. و نهجت الطريق و انهجته: اوضحته و ابنته، و نهج الطريق و انهج ايضا: وضح و استبان، يستعملان لازمين و متعديين. و المراد بآله: اوصيائه من عترته الذين اوضح بهم سبل رضاه الموصله اليه \par
008    42    اذ كانوا عليهم السلام هم المعدين لاذهان الخلق لقبول انوار الله. و المرشدين لنفوسهم الى سبيل رضاء الله و هى الطريق الموصله اليه تعالى التى تطابقت على الهدايه اليها السنه الانبياء و الاوصياء. \par و فى هذا المعنى عن الصادق عليه السلام: ان الله اوضح بائمه الهدى من اهل بيت نبينا عن دينه، و ابلج بهم عن سبيل منهاجه، و منح بهم من باطن ينابيع علمه، فمن عرف من امه محمد صلى الله عليه و آله و سلم واجب حق امامه وجد طعم حلاوه ايمانه، و علم فضل طلاوه اسلامه. \par و الوسيله: ما يتقرب به الى الشى ء. و منه قوله تعالى: و ابتغوا اليه الوسيله و اشرف منازل الكرامه: ارفعها و اعلاها من الشرف بمعنى المكان العالى و منازل الكرامه: ما اعده سبحانه فى دار القرار لاوليائه الابرار من المراتب و المنازل العليه من القصور المشيده و الغرف المبنيه كما قال تعالى: لكن الذين اتقوا ربهم لهم غرف من فوقها غرف مبنيه تجرى من تحتهاالانهار و السلم: ما يتوصل به الى الامكنه العاليه فيرجى به السلامه ثم جعل اسما لكل ما يتوصل به الى شى ء رفيع كالسبب. و عرج يعرج عروجا من باب قعد: ذهب فى صعود. و محل السلامه هو الجنه لانها محل الخلوص من المكاره و الافات و لذلك سميت دار السلام. \par قال الراغب: و السلامه الحقيقيه ليست الا فى الجنه لان فيها: بقاء بلا فناء و غنى بلا فقر، و عزا بلاذل، و صحه بلاسقم و لذلك قال تعالى: ادخلوها بسلام آمنين و عرصه الدار بالفتح: ساحتها و هى البقعه التى ليس فيها بناء. و القيامه: عباره عن قيام الناس عن قبورهم المذكور فى قوله تعالى: يوم يقوم الناس لرب العالمين و اصلها ما يكون من الانسان من القيام دفعه واحده ادخل فيها الهاء تنبيها على وقوعها دفعه واحده. و قدم الرجل على اهله يقدم من باب تعب قدوما: ورد عليهم من سفره و نحوه. \par
008    42    و النعيم: النعمه الوافره و هى الحاله الحسنه و طيب العيش. و دار المقامه اى دار الاقامه و هى الجنه سميت بذلك لانه لا انتقال عنها ابدا قال تعالى: الذى احلنا دار المقامه من فضله لا يمسنا فيها نصب و لا يمسنا فيها لغوب \par
009    42    (انما قدمت آناء الليل على اطراف النهار تنبيها على زياده) \par (الاهتمام بشان العباده..) \par (اللهم صل على محمد و آله، و احطط بالقرآن عنا ثقل الاوزار، وهب لنا حسن شمائل الابرار، واقف بنا آثار الذين قاموا لك به آناء الليل و اطراف النهار، حتى تطهرنا من كل دنس بتطهيره، و تقفوبنا آثار الذين استضاوا بنوره، و لم يلههم الامل عن العمل فيقطعهم بخدع غروره) \par الحط: انزال الشى ء من علو و منه قوله تعالى: و قولوا حطه اى حط عنا ذنوبنا. و الثقل بالكسر: الحمل الثقيل و الجمع اثقال و منه قوله تعالى: و ليحملن اثقالهم و اثقالا مع اثقالهم و الاوزار: جمع وزر بالكسر و هو الاثم. و الشمائل: جمع شمال بالكسر و هو الخلق يقال هو كريم الشمائل اى الاخلاق، و ما ذلك من شمالى اى من خلقى. و الابرار: جمع بر بالفتح و هو التقى او الصادق او المتوسع فى طاعه الله تعالى بالعباده و هو خلاف الفاجر ايضا. وقفوت اثره قفوا من باب قال: تبعته لانك تتبع قفاه. و قفوت به اثره: اتبعته اياه فالباء للتعديه. و الاثار: جمع اثر بفتحتين و هو الطريق المستدل به على من تقدم. و اصله من اثر المشى فى الارض و منه قوله تعالى: فهم على آثارهم يهرعون اى يسرعون. وقام بالامر: جد فيه فاجتهد. و آناء الليل: ساعاته جمع انى بالكسر و القصر و اناء بالفتح و المد. و اطراف النهار اى طرفيه و مجيئه بلفظ الجمع للمبالغه، اولان اقل الجمع اثنان، او اراد طرفى كل نهار. و انما قدمت آناء الليل على اطراف النهار هنا و فى قوله تعالى: و من آناء الليل فسبح و اطراف النهار تنبيها على زياده الاهتمام بشان العباده بالليل لان الليل وقت السكون و الراحه و هدوء \par
009    42    الاصوات فالقيام فيه اشق على النفس و ادخل فى الاخلاص و اقرب من المحافظه على الخشوع و الاخبات و الدنس بفتحتين: الوسخ، استعير للاثم لتلوث النفس و درنها به. و طهره تطهيرا: نقاه من الدنس و النجس. و المراد به هنا محو الذنوب و التجاوز عن المعصيه. و الاستضائه بالقرآن عباره عن الاهتداء بهداه، و الاخذ باوامره و نواهيه و التخلق باخلاقه و التادب بآدابه الى غير ذلك مما يدل عليه و يرشد اليه كما قال تعالى: ان هذا القرآن يهدى للتى هى اقوم. \par و اللهو: ما يشغل الانسان عما يعنيه و يهمه. و قطعت زيدا عن حقه و اقتطعته: منعته منه. و قد يستعمل الاقتطاع فى اخذ بعض الشى ء يقال: اقتطع طائفه من الشى ء اى اخذها منه، و اقتطع الذئب الشاه من الغنم اى اخذها من جمله الغنم و ذهب بها. ثم اطلق على مجرد الاصابه بالمكروه و الاهلاك من القتل و نحوه. و اراده هذا المعنى هنا انسب و اوضح من معنى القطع بمعنى الحبس و المنع. و الخدع: جمع خدعه بالضم و هى ما يخدع به الانسان مثل اللعبه بالضم لما يلعب به. و غرته الدنيا غرورا من باب قعد: خدعته بزينتها. و غرور الامل: اختداعه للانسان بتوقع الامور المحبوبه الدنيويه الموجب لملاحظتها المستلزمه لاعراض النفس عن احوال الاخره و نسيانها و بذلك يكون الهلاك الابدى و الشقاء السرمدى نعوذ بالله منه. \par
010    42    (الغرض من الايه الشريفه: لو انزلنا هذا القرآن على جبل لرايته خاشعا..) \par (اللهم صل على محمد و آله، و اجعل القرآن لنا فى ظلم الليالى مونسا، و من نزغات الشيطان و خطرات الوساوس حارسا، و لا قدامنا عن نقلها الى المعاصى حابسا، و لالسنتنا عن الخوض فى الباطل من غير ما آفه مخرسا، و لجوارحنا عن افتراف الاثام زاجرا، و لما طوت الغفله عنا من تصفح الاعتبار ناشرا، حتى توصل الى قلوبنا فهم عجائبه، و زواجر امثاله التى ضعفت الجبال الرواسى على صلابتها عن احتماله) \par
010    42    الانس: خلاف الوحشه و النفور. و التخصيص بظلم الليل لحصول الوحشه بها. و النزغات: جمع نزغه فعله من النزغ و هو شبيه النخس و الشيطان ينزغ الانسان كانه ينخسه ببعثه و حمله على ما لا ينبغى. قال تعالى: و اما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله انه سميع عليم و الخطرات: جمع خطره، قال فى الاساس: خطر ذلك ببالى و على بالى و له خطرات و خواطر و هى ما يتحرك فى القلب من راى او معنى انتهى. و الوساوس: جمع وسوسه و هى الخطره الرديه من الخطرات الداعيه الى المعاصى فاضافه الخطرات اليها من باب: خاتم حديد و اضافه الوساوس الى الشيطان من باب اضافه الفعل الى الفاعل لالقائه الدواعى الرديه فى القلب قال تعالى: فوسوس اليه الشيطان و قال: الذى يوسوس فى صدور الناس اى يلقى الخواطر الرديه فى صدورهم. و حرسه يحرسه من باب قتل: حفظه فهو حارس و الاسم: الحراسه بالكسر. \par و الاقدام: جمع قدم و هو العضو الذى يقدمه صاحبه للوطى به على الارض. و نقل الشى ء تحويله من موضع الى موضع. و الحبس: المنع. و الالسنه: جمع لسان. و خاض فى الامر خوضا: دخل فيه. و الافه: مرض يفسد ما يصيبه و هى العاهه. و من للابتداء متعلق بقوله مخرسا، و ما، بعد غير، زائده غير كافه للعمل. و خرس خرسا من باب فرح: انعقد لسانه عن الكلام فهو اخرس. و زجره زجرا من باب قتل: منعه. و طواه طيا من باب رمى: خلاف نشره. و تصفح الامر: نظر فيه. و الاعتبار: الاتعاظ و منه قوله تعالى: فاعتبروا يا اولى الابصار و العبره بالكسر: اسم منه و عجائب القرآن: اللطائف المعجبه من انواع العلوم و فنون الحكم المودعه فيه. و فى الحديث النبوى: لا تنقضى عجائبه.. و ذلك انه كلما تامله الانسان استخرج منه بفكره من بدايع الحكم و دقايق المعانى ما لم يكن عنده من قبل. و زواجر امثاله اى امثاله الزواجر اى المانعه عن ارتكاب الماثم و اتباع الاهواء. و الامثال: جمع مثل بفتحتين. \par و الرواسى: الثوابت من رسا الشى ء يرسو رسوا اى ثبت فهو راس و على صلابتها \par
010    42    اى مع صلابتها نحو و آتى المال على حبه. \par و الصلابه: مصدر صلب الشى ء بالضم اى اشتد و قوى فهو صلب بالضم. و الاحتمال بمعنى الحمل يقال: احتملته احتمالا بمعنى حملته حملا. و فى الدعاء تلميح الى قوله تعالى: لو انزلنا هذا القرآن على جبل لرايته خاشعا متصدعا من خشيه الله و الغرض، التمثيل لعظم شان القرآن المجيد و قوه تاثير ما انطوى عليه من المواعظ و القوارع بحيث لو كلف الجبال الراسيه الثابته مع غايه صلابتها بتفهيمها له و تكليفها بما فيه بعد اعطائها القوى المدركه لضعفت و عجزت عن القيام بذلك و احتماله و لرئيت خاشعه متذلله لعظمه الله متصدعه متشققه من خشيه الله، و فيه توبيخ للانسان على قسوه قلبه و عدم تخشعه عند تلاوته و قله تدبره لما فيه. \par
011    42    (ثلثه لا يحزنهم الفزع الاكبر و لا يكترثون بالحساب) \par (اللهم صل على محمد و آله و آدم بالقرآن صلاح ظاهرنا، و احجب به خطرات الوساوس عن صحه ضمائرنا، و اغسل به درن قلوبنا و علائق اوزارنا، و اجمع به منتشر امورنا، و ارو به فى موقف العرض عليك ظما هو اجرنا، و اكسنا به حلل الامان يوم الفزع الاكبر فى نشورنا.) \par دام الشى ء يدوم دوما و دواما و ديمومه: ثبت. و يعدى بالهمزه فيقال: ادامه. اى ثبت بالقرآن صلاح ظاهرنا، و قد يطلق الدوام على امتداد الزمان على الشى ء و منه: ادام الله عزك. و الصلاح: الخير و الصواب. و الظاهر: خلاف الباطن و حجبه حجبا من قتل: منعه من الوصول. و الصحه: ذهاب المرض و البرائه من كل عيب. و الضمائر جمع ضمير. و ضمير الانسان: قلبه و باطنه، و صحه الضمائر عباره عن خلوصها من سوء العقايد و سلامتها من مرض الشكوك و الارتياب. و الدرن بفتحتين: الوسخ، استعير هنا لما فى القلوب من الغفله و القسوه و نحو ذلك. \par و العلائق: جمع علاقه بالفتح اى شيئا يتعلق به. و المعنى اغسل به عنا ما يتعلق به فى اثبات اوزارنا و المواخذه عليها. و نشرت الشى ء فانتشر: فرقته فتفرق و \par
011    42    انتشروا فى الارض: تفرقوا. و انتشار الامور عباره عن عدم انتظامها و انتساقها. و روى من الماء ريا من باب علم: شرب منه حتى زال ظماوه فهوريان و المراه ريا كغضبان و غضبى و الجمع فى المذكر و المونث رواء ككتاب و يعدى بالهمزه و التضعيف فيقال: ارويته و رويته فارتوى منه. و الموقف كمسجد: محل الوقوف، و عرضت الشى ء عرضا من باب ضرب: اظهرته و ابرزته و الظما كالعطش و زنا و معنى. و قيل هو شده العطش. \par و الهواجر: جمع هاجره و هى نصف النهار عند اشتداد الحر. و قال الراغب: و هى الساعه التى يمتنع فيها من السير للحر كانها هجرت الناس و قال بعضهم: الهاجره: نصف النهار فى القيظ خاصه. و اضافه الظما اليها مجاز عقلى لكونها ظرفا له كمكر الليل و النهار. و كسوته ثوبا: البسته اياه و الكسوه بالضم و الكسر: اللباس. و الحلل: جمع حله بالضم و هى از ارورداء لا تسمى حله حتى تكون ثوبين من جنس واحد. و هى استعاره مصرحه تحقيقيه شبه عليه السلام ما يدركه الانسان من سكون النفس و اطمينان القلب عند حصول الامان بالحله من حيث انه يشمله و يلازمه كانه محيط به احاطه الحله بلابسها، و الفزع: الخوف الشديد و الاكبر اى الاعظم و فيه تلميح الى قوله تعالى: لا يحزنهم الفزع الاكبر قيل هو الخوف و الفزع من دخول النار و عذابها و قيل هو النفخه الاخيره لقوله تعالى: و يوم ينفخ فى الصور ففزع من فى السموات و من فى الارض. \par و روى ابوسعيد الخدرى عن النبى صلى الله عليه و آله و سلم انه قال: ثلثه على كثبان من مسك لا يحزنهم الفزع الاكبر و لا يكترثون بالحساب. \par رجل قرء القرآن محتسبا ثم ام به قوما محتسبا. \par و رجل اذن محتسبا. \par و مملوك ادى حق الله عز و جل و حق مولاه. \par
011    42    و النشور: مصدر نشر الميت نشورا من باب قعد اى عاش بعد الموت و هو ايضا مصدر نشر الله الميت نشورا اى احياه فهو لازم و متعد و يتعدى بالهمزه ايضا فيقال: انشره الله. و فى قوله تعالى: ثم اذا شاء انشره. \par
012    42    (معنى مدانى الاخلاق و معاليها، و المراد من حدود الله تعالى..) \par (اللهم صل على محمد و آله، و اجبر بالقرآن خلتنا من عدم الاملاق، وسق الينا به رغد العيش و خصب سعه الارزاق و جنبنا به الضرائب المذمومه و مدانى الاخلاق، و اعصمنا به من هوه الكفر و دواعى النفاق حتى يكون لنا فى القيمه الى رضوانك و جنانك قائدا، و لنا فى الدنيا عن سخطك و تعدى حدودك ذائدا، و لما عندك بتحليل حلاله و تحريم حرامه شاهدا) \par الجبر: اصلاح الشى ء بضرب من القهر و الاكراه، يقال جبرته جبرا من باب قتل فانجبر، ثم قد يستعمل الجبر تاره فى مجرد الاصلاح كعباره الدعاء، و قول اميرالمومنين عليه السلام: يا جابر كل كسير، و يا مسهل كل عسير. و تاره فى مجرد القهر و الاكراه و منه: لا جبر و لا تفويض. و الخله بالفتح: الحاجه و الفقر. و العدم بالتحريك و بضمتين: فقدان الشى ء و غلب على فقدان المال. عدمه عدما من باب تعب، و قيل: هو بالتحريك مصدر و بالضم اسم، و اعدم بالالف: افتقر فهو معدم و عديم. و الاملاق: الفقر، واصله الانفاق و الاخراج يقال: املق الرجل اذا انفق ما له حتى افتقروا ملق الدهر ماله: اذهبه و اخرجه من يده. و ساق الله اليه خيرا: ارسله اليه. و رغد عيشه بالضم رغدا ككرم كرما و رغد رغدا كسمع سمعا: اتسع و طاب و هو رغد من العيش اى رزق واسع طيب. و العيش: الحياه المختصه بالحيوان و يطلق على المعيشه و هى ما يعاش به و هو المراد هنا. و الخصب بالكسر: البركه و النماء و هو خلاف الجدب و السعه خلاف الضيق. و جنبت الرجل الشر جنوبا من باب قعد: ابعدته عنه و منه: و اجنبنى و بنى ان نعبد الاصنام و جنبته اياه تجنيبا بالتثقيل للمبالغه. \par
012    42    و الضرائب: جمع ضريبه و هى السجيه و الطبيعه من قولهم: ضرب فلان على الكرم اى طبع عليه. و مدانى الاخلاق: خلاف معاليها جمع مدناه بفتح الميم و هى مفعله من دنا يدنو دناوه اى حقر و ضعف فهو دنى اى حقير خسيس. و معنى مدانى الاخلاق: ما يكسب الخسه و الحقاره منها كما ان معالى الاخلاق و هى جمع معلاه بفتح الميم: ما يكسب الشرف و الرفعه منها، و فى نسخه ابن ادريس: مذام الاخلاق (بدل مدانى الاخلاق) جمع مذمه بالفتح و هى مفعله من الذم خلاف المدح يقال: البخل مذمه اى مما يذم عليه. و الهوه بالضم: الحفره. شبه الكفر بطريق ذا هوه يسقط فيها من سلكه. \par و دواعى النفاق: الامور الداعيه اليه. و النفاق: اظهار الايمان باللسان و كتمان الكفر بالقلب. و قاد الرجل البعير قودا من باب قال: جره خلفه فهو قائد. قال الخليل: القود: ان يكون الرجل امام الدابه آخذا بقيادها و هو خلاف السوق.. و حدود الله تعالى: شرايعه و احكامه المحدوده التى لا يجوز مجاوزتها و تعديها. قال تعالى: و من يعص الله و رسوله و يتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها و له عذاب مهين و ذاده عن الامر يذوده ذودا من باب قال: منعه و دفعه فهو ذائد. و لما عندك، اى لما هو فى حكمك من قولهم: هذا عندى افضل من هذا اى فى حكمى و منه قوله تعالى: ان كان هذا هو الحق من عندك اى فى حمكك، و المراد بتحليل حلاله: اعتقاد حل ما بين الله فيه انه حلال و هو كل شى ء لا يعاقب عليه باستعماله، و بتحريم حرامه: اعتقاد حرمه ما بين الله فيه انه حرام. و هو كل ما ياثم بفعله له مستعمله و يعاقب عليه اى و حتى يكون القرآن لاجل ما ثبت عندك و وجب فى حكمك من التكليف باتباعه و العمل باحكامه شاهدا لنا بتحليلنا حلاله و تحريمنا حرامه. \par
013    42    (من لطف الله بالعباد ان امر قابض الارواح بالابتداء) \par (من فى نزعها من اصابع الرجلين ثم..) \par (اللهم صل على محمد و آله، و هون بالقرآن عند الموت على انفسنا كرب \par
013    42    السياق و جهد الانين، و ترادف الحشارج اذا بلغت النفوس التراقى، و قيل من راق؟ و تجلى ملك الموت لقبضها من حجب الغيوب، و رماها عن قوس المنايا باسهم وحشه الفراق، و داف لها من ذعاف الموت كاسا مسمومه المذاق، و دنا من الى الاخره رحيل و انطلاق و صارت الاعمال قلائد فى الاعناق، و كانت القبور هى الماوى الى ميقات يوم التلاق) \par هان الامر يهون هونا من باب قال: سهل ولان. و عند الموت اى عند حضور الموت. و الكرب: مصدر كربه الامريكر به كربا من باب قتل: شق عليه. و ساق المريض سوقا و سياقا من باب قام: شرع فى نزع الروح. و جهده الامر و المرض جهدا من باب منع: بلغ منه المشقه و منه جهد البلاء و ان المريض يئن بالكسر انينا: تاوه و صوت من شده الالم. و التردف: التتابع. و الحشارج: جمع حشرجه و هى الصوت الذى يردده المريض فى حلقه عند الموت و فى القاموس: الحشرجه: الغرغره عند الموت و تردد النفس. و التراقى: جمع ترقوه و هو مقدم الحلق من اعلى الصدر تترقى اليها النفس عند الموت. و قال الزمخشرى: التراقى: العظام المكتنفه لثغره لنحر عن يمين و شمال انتهى. \par و المراد بالنفس التى تبلغ التراقى الروح الحيوانيه و هى الجوهر المجرد البخارى اللطيف الحامل لقوه الحياه و الحس و الحركه الاراديه و منبعه تجويف القلب الجسمانى و تنتشر بواسطه العروق الضوارب الى سائر اجزاء البدن و بواسطته تتعلق النفس الناطقه التى هى اللطيفه العالمه المدركه من الانسان بالبدن حتى قالوا انه مركب لها. \par قال بعض المفسرين: و من لطف الله بالعباد ان امر قابض الارواح بالابتداء فى نزعها من اصابع الرجلين ثم تصعد شيئا فشيئا الى ان تصل الى الصدر ثم تنتهى الى الحلق ليتمكن العبد فى هذه المهله من الاقبال بالقلب على الله تعالى و الوصيه و التوبه ما لم يعاين و الاستحلال و ذكر الله سبحانه فتخرج روحه و هو رطب اللسان بذكر الله تعالى فيرجى بذلك حسن خاتمته الله ذلك لمنه و كرمه. \par قوله عليه السلام: و قيل من راق، يجوز ان يكون من الرقيه يقال رقاه يرقيه من باب \par
013    42    رمى رقيا بالضم اذا عوذه بالله و الاسم الرقيا على فعلى و المره رقيه فالقائل هم بعض اصحاب الميت و اقاربه، و الاستفهام اما على اصل لان العاده جاريه بطلب الطبيب و الراقى وقت ما يشتد المرض، و اما بمعنى الانكار اى من الذى يقدران يرقى هذا الانسان المشرف على الموت. و يجوزان يكون اشتقاقه من الرقى بمعنى الصعود يقال رقى يرقى من باب تعب رقيا بالضم على فعول، قال تعالى: و لن نومن لرقيك فالقائل بعض الملائكه يعنى ايكم يرقى بروح هذا المحتضر ملائكه الرحمه ام ملائكه العذاب؟ \par و عن ابن عباس الملائكه يكرهون القرب من الكافر فيقول ملك الموت: من يرقى بروح هذا الكافر. و قال الكلبى: يحضر العبد عند الموت سبعه املاك من ملائكه العذاب مع ملك الموت فاذا بلغت نفس العبد التراقى نظر بعضهم الى بعض ايهم يعرج بروحه الى السماء. و الفقره من الدعاء اقتباس من قوله تعالى: كلا اذا بلغت التراقى و قيل من راق؟ و لا يضر التغيير اليسير كما مربيانه و تجلى اى ظهر و بان. و الحجب: جمع حجاب و هو الستر شبه الغيوب بالاماكن المستوره فاثبت لها الحجب على طريقه الاستعاره المكنيه التخييليه. و الغيوب: جمع غيب و هو فى الاصل مصدر غاب الشى ء يغيب غيبا من باب باع: اذا استتر عن العين ثم استعمل فيما غاب عن العلم و العقل و فيما غاب عن الذكر ايضا و لما كان ملك الموت غائبا عن اكثر الناس بجميع هذه المعانى جاء به بلفظ الجمع. \par (ان ملك الموت يسئل المومن هل اخذت فكاك رقبتك.. و يسئل الكافر..) \par و قد تواترت الاخبار بان الميت يرى ملك الموت عيانا و يخاطبه عند كشف الغطاء و يسمى وقت المعاينه. \par و فى روايه انه يسئل المومن هل اخذت فكاك رقتبك و امان برائتك و تمسك بالعصمه الكبرى فى الحياه الدنيا؟ فيقول: نعم، فيقول. و ما ذاك؟ فيقول: ولايه على ان ابيطالب عليه السلام فيقول صدقت، ثم يومنه و يبشره بما يسره. و يسال الكافر كما سال المومن فيقول لا فيبشره بسخط الله و عذابه و النار. و وحشه الفراق هى وحشه فراق الدنيا \par
013    42    و نعيمها. و دفت الدواء ادوفه دوفا بالدال المهمله: اذا بللته بماء و خلطته فهو مدوف. و الذعاف بالذال المعجمه المضمومه على وزن غراب: السم او سم ساعه، و الكاس بهمزه ساكنه: القدح مملوا من الشراب و لا تسمى كاسا الا و فيها الشراب و هى مونثه. و المسمومه اسم مفعول من سممت الطعام سما: اذا جعلت فيه السم. و المذاق مصدر ميمى بمعنى الذوق و هو ادراك طعم الشى ء. و دنايدنو دنوا: قرب. و الرحيل مصدر رحل عن البلد اذا سار عنه. و الانطلاق: الذهاب يقال: اطلقته فانطلق اذا خليت عنه فذهب مخلى. و القلائد: جمع قلاده و هى ما يعلق فى العنق، شبه الاعمال بها للزومها اربابها لزوم القلائد للاعناق. و فيه تلميح الى قوله تعالى: و كل انسان الزمناه طائره فى عنقه قال الطبرسى: معناه: و الزمنا كل انسان عمله من خير او شر فى عنقه، عن ابن عباس و مجاهد: يريد جعلناه كالطوق فى عنقه فلا يفارقه. و قال صاحب الكشاف: طائره: عمله. و الماوى: اسم للمكان الذى ياوى اليه من اوى الى منزله ياوى من باب ضرب اويا على فعول اى نزل به و اقام فيه. و يوم التلاق: يوم القيمه، قال تعالى: لينذر يوم التلاق قيل: لانه يلتقى فيه اهل السماء و الارض، و قيل: يلتقى فيه الاولون و الاخرون و الخصم و المخصوم و الظالم و المظلوم. و قيل: تلتقى الارواح و الاجساد و الله اعلم. \par
014    42    (القول فى نعيم القبر و عذابه، و ان جسر جهنم هو الصراط) \par (الممدود على متن جهنم و هو..) \par (اللهم صل على محمد و آله، و بارك لنا فى حلول دار البلى، و طول المقامه بين اطباق الثرى، و اجعل القبور بعد فراق الدنيا خير منازلنا، و افسح لنا برحمتك فى ضيق ملاحدنا، و لا تفضحنا فى حاضرى القيمه بموبقات آثامنا، \par بارك الله له فى الشى ء: جعل فيه الخير. قال الراغب: البركه ثبوت الخير الالهى فى الشى ء و المبارك: ما فيه ذلك الخير، و منه قوله تعالى: انزلنى منزلا مباركا اى حيث يوجد الخير الالهى انتهى. و الحلول فى المكان: النزول به و البلى بالكسر و القصر مصدر بلى الميت يبلى من باب تعب بلى و بلاء بالفتح و المد: اذا افنت الارض جسده فالمراد مدار البلى: القبر. \par و انما سئل عليه السلام البركه فى حلوله، لما تواترت به الاخبار و انعقد عليه الاجماع من ثبوت نعيم القبر و عذابه فسئل عليه السلام ان يجعل له الخير فى حلوله ليفوز بنعيمه و يجيره من عذابه. \par و فى الحديث المشهور: القبر روضه من رياض الجنه او حفره من حفر النار نعوذ بالله منها. و المقامه بالضم مصدر بمعنى الاقامه. و الاطباق: جمع طبق بفتحتين كسبب و اسباب و هو فى الاصل: الشى ء الذى يكون على مقدار الشى ء مطبقا له من جميع جوانبه كالغطاء له و منه يقال: اطبقوا على الامر بالالف: اذا اجتمعوا عليه متوافقين غير متخالفين ثم استعمل فى الشى ء الذى يكون فوق الاخر تاره و فيما يوافق غيره اخرى فاطباق الثرى: ما كان بعضها فوق بعض. و الثرى: قيل: هو التراب مطلقا، و قيل هو التراب الندى فان لم يكن نديا فهو التراب. قال بعضهم: كان طول الاقامه بين اطباق الثرى اشاره الى مراتب الاستحالات. \par قوله عليه السلام: و اجعل القبور بعد فراق الدنيا خير منازلنا المراد: خير منازلنا بعد فراق الدنيا الى وقت دخول الجنه. \par فقد ورد فى الحديث عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم انه قال: ان القبر اول منزل من منازل الاخره فان نجا منه فما بعده ايسر منه و ان لم ينج منه فما بعده اشد منه. \par و الفسحه بالضم: السعه. و الضيق بالكسر: اسم من ضاق الشى ء ضيقا من باب سار: خلاف اتسع. و فى القاموس: الضيق بالفتح: ما ضاق عنه صدرك، و بالكسر يكون فيما يتسع و يضيق كالدار و الثوب و الملاحد: جمع ملحد بمعنى اللحد و هو الشق يكون فى جانب القبر. و حاضر القيمه: اما بمعنى الجمع الكثير الذين يحضرون يوم القيمه من قولهم للحى العظيم و القبيله الكبيره حاضر، قال الجوهرى: الحاضر: الحى العظيم يقال حاضر طى و هو جمع كما يقال سامر للسمار و حاج للحجاج، و اما بمعنى المكان المحضور يوم القيمه. قال الخطابى: ربما جعلوا الحاضر اسما للمكان المحضور فيقولون نزلنا حاضر بنى فلان فهو فاعل بمعنى مفعول. \par
015    42    و ارحم بالقرآن فى موقف العرض عليك ذل مقامنا، و ثبت به عند اضطراب جسر جهنم يوم المجاز عليها زلل اقدامنا، و نور به قبل البعث سدف قبورنا، و نجنا به من كل كرب يوم القيمه و شدائد اهوال يوم الطامه، \par و المقام بالفتح يكون مصدرا و اسم مكان القيام و زمانه، و كذلك المقام بالضم يكون مصدرا بمعنى الاقامه و اسم مكانها و زمانها. و ثبت الشى ء ثبوتا من باب قعد: استقر. و الاضطراب: افتعال من الضرب و معناه كثره الذهاب فى الجهات و عدم الاستقرار فى جهه و هو من الضرب فى الارض و هو الذهاب فيها و سمى الذهاب فى الارض ضربا لضربها بالارجل و الجسر بكسر الجيم و فتحها: ما يعبر عليه مبنيا كان او غير مبنى. و جسر جهنم هو الصراط الممدود على متن جهنم و هو طريق المومنين الى الجنه. \par و قد تواترت الاخبار بانه يمد يوم القيمه على متن جهنم جسر اوله فى الموقف و آخره على باب الجنه يجوزه من اخلص لله فيدخل الجنه و من عصاه سقط عن جنبيه الى النار. \par و ورد فى وصفه انه ادق من الشعر، و احد من السيف و ان المومن يجوزه كالبرق الخاطف. و اما اضطرابه الذى دل عليه متن الدعاء: \par فقد ورد فى بعض الاخبار: ان الصراط يتزلزل و يرتعد باهله حتى تكاد مفاصلهم ينحل بعضها من بعض و الخلايق يتساقطون منه فى النار كالذر فلا ينجو الامن رحم الله. \par (نقل كلام الحكماء و المتشرعه فى حقيقه الصراط) \par تنبيه: قال بعض العلماء: اعلم ان الصراط الموعود به فى القرآن الكريم حق يجب الايمان به و ان اختلف الناس فى حقيقته. و ظاهر الشريعه و الذى عليه جمهور المسلمين و من اثبت المعاد الجسمانى يقتضى انه جسم فى غايه الدقه و الحده ممدود على جهنم و هو طريق الى الجنه يجوزه اليها من اطاع الله و يسقط عنه الى النار من عصاه. و اما الحكماء فقالوا بحقيته لكنهم قالوا حقيقته هو الوسط الحقيقى بين الاخلاق المتضاده كالسخاوه بين التبذير و البخل، و الشجاعه بين التهور و الجبن، و الاقتصاد بين الاسراف و التقصير، و التواضع بين التكبر و المهانه، و العداله بين الظلم و الانظلام فالاوساط بين هذه الاخلاق المتضاده هى الاخلاق المحموده و لكل واحد منها طرفا تفريط و افراط هما مذمومان و كل واحد منها هو غايه البعد بين طرفيه و ليس من طرف الزياده و لا من طرف النقصان، قالوا: و تحقيق ذلك ان كمال الانسان فى التشبه بالملائكه و هم منفكون عن هذه الاوصاف المتضاده و ليس فى امكان الانسان الانفكاك عنها بالكليه فغايته: التباعد عنها الى الوسط تباعدا يشبه الانفكاك عنها فالسخى كانه لا بخيل و لامبذر فالصراط المستقيم هو الوسط الحق الذى لا ميل له الى احدا الجانبين و لا عرض له و هو ادق من الشعر و لذلك قال تعالى: و لن تستطيعوا ان تعدلوا بين النساء و لو حرصتم فلا تميلوا كل الميل و السف: جمع سدفه بالضم و هى الظلمه. و الكرب: الغم و الحزن. و الاهوال جمع هول و هو الفزع و الخوف. و الطامه: القيمه من طم الامر طما من باب قتل اى علا و غلب لانها تطم على سائر الطامات اى تعلوها و تغلبها و من ذلك يقال: ما من طامه الا و فوقها طامه و القيمه فوق كل طامه و لذلك وصفها تعالى بالكبرى فى قوله: فاذا جائت الطامه الكبرى اى العظمى. و قيل: هى النفخه الثانيه، و قيل: هى الساعه التى يساق فيها الخلايق الى محشرهم، و قيل: الساعه التى يساق فيها اهل الجنه الى الجنه و اهل النار الى النار. \par
016    42    و بيض و جوهنا يوم تسود وجوه الظلمه فى يوم الحسره و الندامه، و اجعل لنا فى صدور المومنين ودا و لا تجعل الحيوه علينا نكدا) \par و بياض الوجوه و سوادها كنايتان عن ظهور بهجه السرور و كائبه الخوف فيها. و يوم الحسره هو يوم القيمه لتحسر جميع الناس فيه و تاسفهم: اما المسى ء فعلى اسائته و اما المحسن فعلى عدم ازدياده من الاحسان. و قيل: انما يتحسر من يستحق العقاب و اما المومن فلا يتحسر و فيه تلميح الى قوله تعالى: و انذرهم يوم الحسره اذ قضى الامر اى فرغ من الحساب. \par
016    42    (سئل ابوعبدالله (ع) عن قوله تعالى: و انذرهم يوم الحسره، قال.) \par عن ابى عبدالله عليه السلام قال سئل عن قوله تعالى: و انذرهم يوم الحسره قال: ينادى مناد من عندالله و ذلك بعد ما صار اهل الجنه فى الجنه و اهل النار: فى النار هل تعرفون الموت فى صوره من الصور؟ فيقولون لا، فيوتى بالموت فى صوره كبش املح فيوقف بين الجنه و النار ثم ينادون جميعا: اشرفوا و انظروا الى الموت فيشرفون ثم يامر الله به فيذبح ثم قال يا اهل الجنه خلود فلا موت ابدا و يا اهل النار خلود فلا موت ابدا و هو قول الله تعالى: و انذرهم يوم الحسره اذ قضى الامروهم فى غفله اى قضى على اهل الجنه الخلود فيها و على اهل النار الخلود فيها. (و فى روايه اخرى): فيفرح اهل الجنه فرحا لو كان احد يومئذ ميتا لما توافرحا و يشهق اهل النار شهقه لو كان احد يومئذ ميتا لما توا حزنا. و الندامه: كراهه الانسان شيئا فعله و تمنيه انه لم يكن فعله. و سمى يوم القيمه بيوم الندامه لندامه اهل الضلال به. قال تعالى: و اسروا الندامه لما راوا العذاب و قضى بينهم بالقسط و هم لا يظلمون و الود بتثليث الواو: المحبه و فيه تلميح الى قوله تعالى: ان الذين آمنوا و عملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا قال المفسرون اى سحدث لهم فى القلوب موده من غير ما سبب من الاسباب المعهوده كقرابه او اصطناع معروف كما يقذف فى قلوب اعدائهم الرعب. و نكد العيش نكدا من باب تعب فهو نكد و نكد كجبل و كتف: اشتد و تعسر و قل. \par
017    42    (اللهم صل على محمد عبدك و رسولك كما بلغ رسالتك، و صدع بامرك، و نصح لعبادك، \par الكاف للتعليل او للتشبيه و نظيرها قوله تعالى: و اذكروه كما هديكم و صدع بالامر: جهر به من قولهم صدع بالحجه: اذا تكلم بها جهارا. و فيه تلميح الى قوله تعالى: فاصدع بما تومر و اعرض عن المشركين اى بالامر او بما تومر به، قال الفراء اراد: اظهر دينك، يقال صدع بالحق: اذا اظهره و تكلم به جهارا، و صدع بالحجه اى تكلم بها و اظهرها اظهارا تاما كانه شق باطنها. و النصح: تحرى الانسان فعلا او قولا فيه صلاح صاحبه. \par
018    42    (طلبه عليه السلام من الله تعالى ان يجعل النبى صلى الله عليه و آله) \par (اقرب النبيين منه تعالى) \par اللهم اجعل نبينا- صلواتك عليه و على آله- يوم القيمه اقرب النبيين منك مجلسا، و امكنهم منك شفاعه و اجلهم عندك قدرا، و اوجههم عندك جاها) \par قوله عليه السلام: اقرب النبيين منك مجلسا، قرب المنزله و المرتبه لا القرب المكانى لتنزهه تعالى عن ذلك، و لما كان صلى الله عليه و آله اشرف النبيين و سيد المرسلين دعا له عليه السلام بان يجعله يوم القيمه اقربهم منه تعالى منزله اظهارا لشرفه و كرامته لديه سبحانه على روس الخلائق حيث يجتمع الاولون و الاخرون ليشهد ذلك الخلايق اجمعون. و مكن فلان عند السلطان مكانه وزن ضخم ضخامه: عظم عنده و ارتفع فهو مكين هو امكن من غيره. و جل يجل من باب ضرب جلاله: عظم فهو جليل. و قدر الشى ء بالسكون مبلغه ثم استعمل فى الحرمه و الوقار و التعظيم، يقال ما لفلان عندى قدر اى حرمه و وقار. و وجه بالضم و جاهه فهو وجيه: اذا كان له رتبه و حرمه. \par
019    42    (الاشاره الى نوره و سبيله و حوضه و ان له (ص) حوضين:) \par (فى الموقف و داخل الجنه) \par (اللهم صل على محمد و آل محمد و شرف بنيانه، و عظم برهانه، و ثقل ميزانه و تقبل شفاعته، و قرب و سيلته، و بيض وجهه، و اتم نوره، و ارفع درجته، \par الشرف بفتحتين: علو المنزله و المكان العالى، و شرفه الله تشريفا: اعلاه. و البنيان: البناء و كلاهما مصدران و يستعملان بمعنى المبنى. و البرهان: الدليل و الحجه و تعظيمه عباره عن اعلانه و اظهاره و قهر الخصم به و اذعان العقول و الافهام له. و تثقيل الميزان: كنايه عن ترجيح الحسنات و تكثير الخيرات قال تعالى: فاما من ثقلت موازينه فهو فى عيشه راضيه تقبل شفاعته اى اقبلها. و الوسيله: ما يتوسل به الى الشى ء برغبه. \par قال الراغب: و حقيقه الوسيله الى الله تعالى: مراعاه سبيله بالعلم و العباده و تحرى مكارم الشريعه انتهى. و تقريبها عباره عن قبولها و كمال الرضا بها. و تبييض الوجه كنايه عن ايتائه من الكرامه و الفضيله ما يسر به فيظهر لذلك بهجه المسره فى وجهه و قوله تعالى: يوم تبيض وجوه عباره عن المسره و اسودادها عباره عن الغم. و على نحو ذلك قوله تعالى: وجوه يومئذ ناضره و وجوه يومئذ مسفره ضاحكه مستبشره. و نوره صلى الله عليه و آله و سلم: اما النور الذى بعث به اى الدين، و اتمامه: انتشاره فى قلوب العالمين، و اما النور الذى فى جوهر ذاته، و اتمامه: زياده كماله. و رفع درجته: عباره عن اعطاء كمال الرفعه و تشريفه بالفضيله التامه. \par
020    42    (الاشاره الى نوره و سبيله و حوضه و ان له (ص) حوضين:) \par (فى الموقف و داخل الجنه) \par و احينا على سنته، و توفنا على ملته» و خذبنا منهاجه، و اسلك بنا سبيله، و اجعلنا من اهل طاعته، و احشرنا فى زمرته، و اوردنا حوضه، و اسقنا بكاسه) \par و سنته صلى الله عليه و آله و سلم: طريقته التى كان عليها و سبيله التى دعا اليها و هى الموصله الى ثواب الله تعالى و جواره. و ملته: دينه غير ان المله لا تستعمل الا فى جمله الشرايع دون آحادها و لا تستند الا الى النبى الذى تستند اليه نحو: فاتبعوا مله ابراهيم و لا تكاد توجد مضافه الى الله و لا الى آحاد امه النبى فلا يقال: مله الله و لا ملتى و لا مله زيد كما يقال دين الله و دينى و دين زيد. و اصل الاخذ: التناول و امساك الشى ء باليد يقال اخذ الخطام و اخذ بالخطام اى امسكه ثم استعمل فى مطلق الاستيلاء على الشى ء و ما تضمن معناه فيقال: خذبنا طريق القوم اى سربنا طريقهم لما فى السير بالشى ء من الاستيلاء عليه. و المنهاج: الطريق الواضح اى سر بنا منهاجه. \par و لما كان غرضه عليه السلام بالسوال: افاضه قوه جاذبه قاهره له على سلوك منها جه صلى الله عليه و آله و سلم آثر التعبير بالاخذ الذى لا يكون الا بطريق الاستيلاء و القهر، و سلكت بزيد الطريق: ذهبت به فيه و السبيل: الطريق الذى فيه سهوله يذكر و يونث و المراد بسبيله \par
020    42    صلى الله عليه و آله و سلم: السبيل المشار اليها بقوله تعالى: قل هذه سبيلى الدعو الى الله على بصيره انا و من اتبعنى اى هذه السبيل التى هى الدعوه الى التوحيد و الايمان بالاخلاص سبيلى و طريقى و سيرتى و قوله: ادعو الى الله: تفسير لسبيله. و اجعلنا من اهل طاعته اى من المنقادين لاحكامه الممتثلين لاوامره. و الحشر: اخراج الجماعه عن مقرهم و ازعاجهم منه، و قيل جمعهم من كل ناحيه للخروج. و الزمره بالضم: الجماعه من الناس و اشتقاقها من الزمر و هو الصوت اذا لجماعه لا تخلو عنه. و ورد البعير و غيره الماء يرده ورودا: بلغه و وافاه و يعدى بالهمزه فيقال: اوردته ايرادا. و الحوض: مجتمع الماء و حوضه صلى الله عليه و آله هو الذى يرده خيار امته يوم القيمه. و الصحيح ان للنبى صلى الله عليه و آله و سلم حوضين: احدهما فى الموقف قبل الصراط و الاخر داخل الجنه. و الضمير فى قوله: و اسقنا بكاسه يحتمل عوده الى الحوض اشاره الى الاقداح و الانيه و الاكواب التى فيه، و يحتمل عوده الى النبى صلى الله عليه و آله و سلم و اضافتها اليه باعتبار انه الساقى بها، او باعتباران السقى بها انما يكون باذنه صلى الله عليه و آله و سلم. \par
022    42    (العرب تصف كل نفيس مستحسن بكونه كريما، و المراد) \par (بالملائكه المقربين..) \par (و صل اللهم على محمد و آله، صلوه تبلغه بها افضل ما يامل من خيرك و فضلك و كرامتك، انك ذو رحمه واسعه و فضل كريم، الله اجزه بما بلغ من رسالاتك و ادى من آياتك و نصح لعبادك و جاهد فى سبيلك افضل ما جزيت احدا من ملائكتك المقربين و انبيائك المرسلين المصطفين و السلام عليه و على آله الطيبين الطاهرين و رحمه الله و بركاته) \par قال الراغب: صلوه الله على العباد فى التحقيق تزكيه لهم اى تنميه بالخيرات و البركات و هى من الملائكه و الناس: الدعاء و الاستغفار. و املته امله من باب طلب: رجوته فانا آمل و هو مامول على فاعل و مفعول و املته تاميلا مبالغه و تكثير و هو اكثر استعمالا من المخفف. و الخير: ما يختار و يرغب فيه. و خيره تعالى خير مطلق اى مرغوب فيه \par
021    42    (العرب تصف كل نفيس مستحسن بكونه كريما، و المراد) \par (بالملائكه المقربين..) \par (و صل اللهم على محمد و آله، صلوه تبلغه بها افضل ما يامل من خيرك و فضلك و كرامتك، انك ذو رحمه واسعه و فضل كريم، الله اجزه بما بلغ من رسالاتك و ادى من آياتك و نصح لعبادك و جاهد فى سبيلك افضل ما جزيت احدا من ملائكتك المقربين و انبيائك المرسلين المصطفين و السلام عليه و على آله الطيبين الطاهرين و رحمه الله و بركاته) \par قال الراغب: صلوه الله على العباد فى التحقيق تزكيه لهم اى تنميه بالخيرات و البركات و هى من الملائكه و الناس: الدعاء و الاستغفار. و املته امله من باب طلب: رجوته فانا آمل و هو مامول على فاعل و مفعول و املته تاميلا مبالغه و تكثير و هو اكثر استعمالا من المخفف. و الخير: ما يختار و يرغب فيه. و خيره تعالى خير مطلق اى مرغوب فيه \par
022    42    على كل حال و عند كل احد. و الفضل: العطاء الذى لا يلزم المعطى و عليه قوله تعالى: و اسئلوا الله من فضله و الكرامه: اسم من اكرمه اكراما اذا فعل به ما يوجب تعظيمه و توقيره. و جمله: انك ذو رحمه واسعه: مستانفه و هى تعليل لما قبلها و تحريك لسلسله الاجابه و هو اقتباس من قوله تعالى: فقل ربكم ذو رحمه واسعه اى لا تضيق عن شى ء كما قال تعالى: و رحمتى وسعت كل شى ء و فضل كريم اى خطير كبير وافر كثير لا يخاف عليه فناء و لا نقصان. و العرب تصف كل نفيس مستحسن بكونه كريما. قال الواحدى: الكرام: اسم جامع لكل ما يحمد و يستحسن فى بابه فالله تعالى كريم لانه محمود فى كل ما يحتاج اليه، و القرآن كريم لانه يوجد فيه بيان كل شى ء، اولئك لهم مغفره و رزق كريم هو نعيم الجنه المقرون بالدوام و اللذه. \par و الباء فى قوله: بما بلغ للمقابله و هى الداخله على الاعواض نحو اشتريته بالف، و كافات احسانه بضعف و قوله تعالى: ادخلوا الجنه بما كنتم تعملون و يجوزان يكون للسببيه اى بسبب تبليغ ما بلغ من رسالاتك و ما، على التقديرين موصوله و من، بيان لها. و بلغ الرساله تبليغا: انهاها و اداها الى المرسول اليه بها. و الرساله بالكسر قد تكون اسم مصدر بمعنى التوجيه و قد تكون بمعنى القول المتحمل و هو المراد هنا. و ادى من آياتك اى و بما اوصله منها من ادى الامانه تاديه: اذا اوصلها الى اهلها، و الاسم الاداء بالمد. و الايات: جمع آيه اما بمعنى الايه من القرآن و معنى تاديتها ظاهر، و اما بمعنى العلامه اى علامات ربوبيتك و وحدانيتك فتكون تاديتها عباره عن تنبيه الخلق عليها و ارشادهم اليها. و نصحه صلى الله عليه و آله و سلم للعباد هو تحريه و قصده لما فيه صلاحهم قولا و فعلا. و الجهاد و المجاهده: استفراغ الوسع فى مدافعه العدو و هو يكون باليد و اللسان، قال عليه السلام: جاهدوا الكفار بايديكم و السنتكم. و سبيله تعالى: ما يوصل الى رضاه و ثوابه. و الملائكه المقربون: قيل هم الذين قربهم الله تعالى و رفع منازلهم على غيرهم من خلقه، و قيل: \par
021    42    على كل حال و عند كل احد. و الفضل: العطاء الذى لا يلزم المعطى و عليه قوله تعالى: و اسئلوا الله من فضله و الكرامه: اسم من اكرمه اكراما اذا فعل به ما يوجب تعظيمه و توقيره. و جمله: انك ذو رحمه واسعه: مستانفه و هى تعليل لما قبلها و تحريك لسلسله الاجابه و هو اقتباس من قوله تعالى: فقل ربكم ذو رحمه واسعه اى لا تضيق عن شى ء كما قال تعالى: و رحمتى وسعت كل شى ء و فضل كريم اى خطير كبير وافر كثير لا يخاف عليه فناء و لا نقصان. و العرب تصف كل نفيس مستحسن بكونه كريما. قال الواحدى: الكرام: اسم جامع لكل ما يحمد و يستحسن فى بابه فالله تعالى كريم لانه محمود فى كل ما يحتاج اليه، و القرآن كريم لانه يوجد فيه بيان كل شى ء، اولئك لهم مغفره و رزق كريم هو نعيم الجنه المقرون بالدوام و اللذه. \par و الباء فى قوله: بما بلغ للمقابله و هى الداخله على الاعواض نحو اشتريته بالف، و كافات احسانه بضعف و قوله تعالى: ادخلوا الجنه بما كنتم تعملون و يجوزان يكون للسببيه اى بسبب تبليغ ما بلغ من رسالاتك و ما، على التقديرين موصوله و من، بيان لها. و بلغ الرساله تبليغا: انهاها و اداها الى المرسول اليه بها. و الرساله بالكسر قد تكون اسم مصدر بمعنى التوجيه و قد تكون بمعنى القول المتحمل و هو المراد هنا. و ادى من آياتك اى و بما اوصله منها من ادى الامانه تاديه: اذا اوصلها الى اهلها، و الاسم الاداء بالمد. و الايات: جمع آيه اما بمعنى الايه من القرآن و معنى تاديتها ظاهر، و اما بمعنى العلامه اى علامات ربوبيتك و وحدانيتك فتكون تاديتها عباره عن تنبيه الخلق عليها و ارشادهم اليها. و نصحه صلى الله عليه و آله و سلم للعباد هو تحريه و قصده لما فيه صلاحهم قولا و فعلا. و الجهاد و المجاهده: استفراغ الوسع فى مدافعه العدو و هو يكون باليد و اللسان، قال عليه السلام: جاهدوا الكفار بايديكم و السنتكم. و سبيله تعالى: ما يوصل الى رضاه و ثوابه. و الملائكه المقربون: قيل هم الذين قربهم الله تعالى و رفع منازلهم على غيرهم من خلقه، و قيل: \par
022    42    هم الكروبيون الذين حول العرش، و قيل هم اعلى من الكروبيين رتبه. و النبى من اوحى اليه بملك او الهم فى قلبه او نبه بالرويا الصالحه فالرسول افضل بالوحى الخاص الذى فوق وحى النبوه. و اصطفاء الله سبحانه للانبياء و المرسلين يعود الى افاضه الكمال النبوى عليهم بحسب ما وهبته لهم العنايه الالهيه من القبول و الاستعداد. و الطيب من الانسان: من تعرى دنس الجهل و الفسق و قبايح الاعمال و تحلى بالعلم و الايمان و محاسن الافعال. و الطاهر: من طهر من نجاسه الميلاد و تنزه عن درن المعاصى و الفساد. و رحمه الله تعالى: انعامه و افضاله و بركاته و خيراته الناميه المتكاثره التى لا تحصى و لا تحصر. \par
021    42    هم الكروبيون الذين حول العرش، و قيل هم اعلى من الكروبيين رتبه. و النبى من اوحى اليه بملك او الهم فى قلبه او نبه بالرويا الصالحه فالرسول افضل بالوحى الخاص الذى فوق وحى النبوه. و اصطفاء الله سبحانه للانبياء و المرسلين يعود الى افاضه الكمال النبوى عليهم بحسب ما وهبته لهم العنايه الالهيه من القبول و الاستعداد. و الطيب من الانسان: من تعرى دنس الجهل و الفسق و قبايح الاعمال و تحلى بالعلم و الايمان و محاسن الافعال. و الطاهر: من طهر من نجاسه الميلاد و تنزه عن درن المعاصى و الفساد. و رحمه الله تعالى: انعامه و افضاله و بركاته و خيراته الناميه المتكاثره التى لا تحصى و لا تحصر. \par
001    43    الدعاء الثالث و الاربعون: من ادعيه الصحيفه السجاديه، و هو دعائه عليه السلام: اذا نظر الى الهلال \par \par
001    43    بسم الله الرحمن الرحيم \par
001    43    (الاشاره الى سرعه حركه القمر، فانه اسرع من سائر الكواكب) \par قال صلوات الله و سلامه عليه: (ايها الخلق المطيع، الدائب السريع، المتردد فى منازل التقدير، المتصرف فى فلك التدبير). \par الخلق فى الاصل مصدر بمعنى التقدير و ابداع الشى ء من غير اصل و لا احتذاء ثم استعمل بمعنى المخلوق كاللفظ بمعنى الملفوظ. و داب فى عمله دابا من باب منع و دابا بفتحتين و دوبا على فعول بالضم: جد و اجتهد و تعب فهو دائب فقيل: الدوب: دوام العمل على حاله مستمره مطرده. اخذا من الداب بمعنى العاده المستمره دائما على حاله قال تعالى: و سخرلكم الشمس و القمر دائبين اى مستمرين فى سيرهما و انارتهما و سائر منافعهما و خواصهما على عاده مطرده دائمه. و السرعه: ضد البطوء يقال: سرع سرعا فهو سريع على وزن صغر صغرا فهو صغير، و اسرع اسراعا فهو مسرع. \par و فرق سيبويه بين سرع و اسرع فقال: اسرع طلب ذلك من نفسه و تكلفه كانه اسرع المشى اى عجله و اما سرع فكانها غريزه. \par و وصفه عليه السلام: القمر بالسرعه اشاره الى سرعه حركته العرضيه التى تكون بتوسط فلك تدويره فانه اسرع من سائر الكواكب حركه بهذا الاعتبار اما الثوابت فظاهر لكون حركتها من ابطا الحركات حتى ان القدماء لم يدركوها فقيل انها تتم الدوره فى ثلثين الف سنه و قيل فى سته و ثلثين الف سنه، و اما السيارات فلان زحل يتم الدوره فى ثلثين سنه و المشترى فى اثنتى عشره سنه و المريخ فى سنه و عشره اشهر و نصف شهر و كلا من الشمس و الزهره و عطارد فى قريب سنه و اما القمر فيتم الدوره فى نحو من ثمانيه و عشرين \par
001    43    يوما فكان اسرعها حركه و اما حركته الذاتيه و ان قال بهاجم غفير من اساطين الحكماء حيث اثبتوا لجميع الكواكب حركه داتيه تدور بها على انفسها فهى على تقدير ثبوتها غير محسوسه و لا معروفه فحمل وصف القمر بالسرعه على هذه الحركه بعيد نعم لا يبعد حمله على حركته المحسوسه على انها ذاتيه له كما ذهب اليه بعضهم من جواز كون بعض حركات السيارات فى افلاكها من قبيل حركه السابح فى الماء و يويده ظاهر قوله تعالى: و الشمس و القمر كل فى فلك يسبحون. \par (المراد بمنازل التقدير. و معنى قوله تعالى: و القمر قدرناه منازل.) \par قوله عليه السلام: المتردد فى منازل التقدير، يقال: ترددت الى فلان اى رجعت اليه مره بعد اخرى و ترددت فى الطريق اذا سرت فيها مره بعد اخرى. و المراد بمنازل التقدير: منازل القمر التى قدرت له اى جعلت له على مقدار مخصوص و وجه مخصوص حسب ما اقتضته الحكمه و هى المشار اليها بقوله تعالى: و القمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم. \par و قوله تعالى: هو الذى جعل الشمس ضياء و القمر نورا و قدره منازل لتعلموا عدد السنين و الحساب اى قدرنا مسيره منازل او قدرناه ذا منازل. و كذلك قوله تعالى: و قدره منازل. \par قوله عليه السلام: المتصرف فى فلك التدبير، الفلك بفتحتين: مدار النجوم سمى بذلك تشبيها بفلكه المغزل لدورانه. قال بعض المتاخرين: المراد بتصرفه فى فلك التدبير: دورانه فيه. شبه تدبيره تعالى بالفلك و عبر عن دوران القمر على وفق التدبير بتصرفه فى الفلك انتهى. \par (اطبق الطبيعيون على ان الافلاك باجمعها حيه ناطقه) \par (عاشقه مطيعه لمبدعها و..) \par قال العلامه البهائى قدس سره: خطابه عليه السلام للقمر و نداوه له و وصفه اياه بالطاعه و الجد و التعب و التردد فى المنازل و التصرف فى الفلك ربما يعطى بظاهره كونه ذا حيوه \par
001    43    و ادراك. و لا استبعاد فى ذلك نظرا الى قدره الله تعالى الا انه لم يثبت بدليل عقلى قاطع يشفى العليل او نقلى ساطع لا يقبل التاويل. \par نعم امثال هذه الظواهر ربما اشعر به و قد يستند فى ذلك بظاهر قوله تعالى: و الشمس و القمر كل فى فلك يسبحون فان الواو و النون حقيقه لا يستعمل لغير العقلاء و قد اطبق الطبيعيون على ان الافلاك باجمعها حيه ناطقه عاشقه مطيعه لمبدعها و خالقها و اكثرهم على ان غرضها من حركاتها نيل التشبه بجنابه و التقرب اليه جل شانه و بعضهم على ان حركاتها لورود الشوارق القدسيه عليها آنا فآنا فهى من قبيل هزه الطرب و الرقص الحاصل من شده السرور و الفرح. \par و ذهب جم غفير منهم الى انه لا ميت فى شى ء من الكواكب ايضا حتى اثبتوا الكل و احد منها نفسا على حده تحركه حركه مستديره على نفسه. و ابن سينا مال فى الشفاء الى هذا القول و رجحه و حكم به فى النمط السادس من الاشارات. و لو قال به قائل لم يكن مجازفا و كلام ابن سينا و امثاله و ان لم يكن حجه يركن اليها الديانيون فى امثال هذه المطالب الا انه يصلح للتاييد و لم يرد فى الشريعه المطهره ما ينافى ذلك القول و لا قام دليل عقلى على بطلانه. و اذا جازان يكون لمثل البعوضه و النمله فما دونهما حيوه فاى مانع من ان يكون لتلك الاجرام الشريفه ايضا حيوه؟ \par و قد ذهب جماعه الى ان لجميع الاشياء نفوسا مجرده و نطقا و جعلوا قوله تعالى: و ان من شى ء الا يسبح بحمده محمولا على ظاهره. و ليس غرضنا من هذا الكلام ترجيح القول بحيوه الافلاك بل كسر سوره استبعاد المصرين على انكاره و رده و تسكين صوله المشنعين على من قال به او جوزه و الله الهادى- انتهى كلامه رفع مقامه. \par
002    43    (الفرق بين النور و الضوء، و المراد بزياده نور القمر و نقصانه..) \par (آمنت بمن نور بك الظلم، و اوضح بك البهم، و جعلك آيه من آيات ملكه، و علامه من علامات سلطانه، و امتهنك بالزياده و النقصان و \par
002    43    الطلوع و الافول و الاناره و الكسوف، فى كل ذلك انت له مطيع، و الى ارادته سريع). \par المراد بالايمان هنا: اذعان النفس على سبيل التصديق و هو معناه اللغوى. و النور: كيفيه تدركها الباصره اولا و بواسطتها سائر المبصرات فهو عرض قائم بالجسم و يرادفها الضوء لغه. و فرق بينهما الحكماء بان تلك الكيفيه ان كانت للشى ء من ذاته فهى الضوء كما للشمس و ان كانت له من غيره فهى النور كما للقمر و عليه جرى قوله تعالى: جعل الشمس ضياء و القمر نورا و الظلم: جمع ظلمه و هى عدم الضوء عما من شانه ان يكون مضيئا فالتقابل بين النور و الظلمه تقابل العدم و الملكه. و البهم: جمع مهمه بالضم كظلمه و ظلم و هى ما يصعب ادراكه على الحاسه ان كان محسوسا و على الفهم ان كان معقولا. و الايه: العلامه الظاهره. و ملكه و سلطانه تعالى عباره عن استيلائه القاهر و غلبته التامه و قدرته على التصرف الكلى فى الامور العامه بالامر و النهى. و الامتهان: افتعال من المهن يقال مهن مهنا من بابى قتل و نفع: خدم غيره فهو ما هن و المهنه بالفتح اخص من المهن مثل الضربه و الضرب، و امتهنته امتهانا: استخدمته و امتهنته ايضا: ابتذلته اى استعملته فى الخدمه. و المراد بالزياده و النقصان: زياده نور القمر و نقصانه بحسب ما يظهر للحس من المستنير بنور الشمس من جرمه فى الاشكال الهلاليه و البدريه لان الزياده و النقصان حاصلان له فى الواقع و بحسب نفس الامر لان الازيد من نصفه منير دائما كما بين فى محله. \par قوله عليه السلام: فى كل ذلك انت له مطيع و الى ارادته سريع، تقرير لانقياده و طاعته للمشيه و الاراده الالهيه و ايثار الجمله الاسميه للاشعار بدوام الطاعه و استمرار سرعه الانقياد و تقديم الظرف فى الفقرتين للاهتمام و رعايه التقفيه. \par
003    43    (التنزيه المسنفاد من سبحان الله ثلثه انواع..) \par (سبحانه ما اعجب ما دبر فى امرك! و الطف ما صنع فى شانك! جعلك مفتاح شهر حادث لامر حادث، \par سبحان، قيل: اسم مصدر كعثمان، و قيل: مصدر كغفران بمعنى التنزيه. \par قال بعض الاعلام: التنزيه المستفاد من سبحان الله ثلثه انواع: \par 1- تنزيه الذات عن نقص الامكان الذى هو منبع السوء. \par 2- و تنزيه الصفات عن و صمه الحدوث بل عن كونها مغايره للذات المقدسه و زائده عليها. \par 3- و تنزيه الافعال عن القبح و العبث و كونها جالبه اليه نفعا او دافعه عنه ضرا كافعال العباد، انتهى. \par و القصد هنا: التعجب من عجيب صنعه تعالى. و ما اعجب: صيغه تعجب و قد اجمعوا على ان «ما» فيها اسم تعجب لان فى اعجب ضميرا يعود عليها و الضمير لا يعود الاعلى الاسماء و على انها مبتدء لانها مجرده عن العوامل اللفظيه للاسناد اليها. و دبرت الامر تدبيرا: فعلته عن فكره و رويه و هو هنا مستعار لتقديره سبحانه على حسب ارادته لتنزهه تعالى عن الفكره و الرويه. و اللطف هنا عباره عن دقه ما فى شانه من المصالح و الحكم التى لا تدركها العقول و الافهام. \par و الامر و الشان مترادفان، و قد يراد بالامر: الابداع، قال الراغب: الامر لفظ عام للافعال و الاقوال كلها و على ذلك قوله تعالى: و اليه يرجع الامر كله و يقال للابداع امر، نحو: الاله الخلق و الامر و على ذلك حمل الحكماء قوله تعالى: قل الروح من امر ربى اى هو من ابداعه و يختص ذلك بالله دون الخلائق انتهى. و الشهر: العدد المعروف من الايام ما بين الهلالين و جمعه شهور و اشهر. و حدث الشى ء حدوثا من باب قعد: تجدد وجوده فهو حادث و اللام من قوله لامر حادث تعليليه متعلقه بحادث السابق اى ان حدوث ذلك الشهر لاجل امضاء امر حادث متجدد، و يجوز تعقلها بجعل و تنكير امر للابهام و عدم التعيين اى امر مبهم علينا حاله لا نعلمه. \par
004    43    فاسئل الله ربى و ربك، و خالقى و خالقك و مقدرى \par
004    43    و مقدرك، و مصورى و مصورك، ان يصلى على محمد و آله، و ان يجعلك هلال بركه لا تمحقها الايام، و طهاره لا تدنسها الاثام \par و الفاء فى فاسئل الله للدلاله على ترتب السوال على ما قبلها اى بسبب كون ذلك الامر الحادث مبهما اسئل الله ان يجعلك هلال بركه و امن و سلامه و نحو ذلك و لا مانع من جعلها فصيحه اى اذا كان الامر كذلك فاسئل الله. و البركه: الزياده و النماء فى الخير. و محقه محقا من باب نفع: نقصه و اذهب منه البركه، و قيل: هو ذهاب الشى ء كله حتى لا يرى له اثر و منه يمحق الله الربا و انمحق الهلال لثلاث ليال من آخر الشهر: لا يكاد يرى لخفائه و الاسم: المحاق بالضم و الكسر لغه. \par (المراد من الطهاره و الدنس، و الاحسان يقال على وجهين..) \par و الطهاره: النقاء و النزاهه من الدنس و النجس و يندرج فيها هنا نزاهه الجوارح عن الافعال المستقبحه و اللسان عن الاقوال المستهجنه و النفس عن الاخلاق و الادناس الجسمانيه و الغواشى الظلمانيه بل النزاهه عن كل ما يشغل عن الاقبال على الحق كائنا ما كان فان كل ذلك مما يعد دنسا عند اهل الله تعالى. و الدنس: الوسخ و تدنيس الاثام للطهاره القلبيه ظاهر فان كل معصيه يرتكبها فاعلها يحصل منها ظلمه فى القلب كما يحصل للنفس المتنفس فى المرآه ظلمه فيها فاذا تراكمت ظلمات الاثام على القلب صارت رينا و طبعا فيه كما تصير الانفاس و الابخره المتراكمه على جرم المرآه صداء فيه. \par
005    43    هلال امن من الافات، و سلامه من السيئات هلال سعد لا نحس فيه، و يمن لا نكد معه، و يسر لا يمازجه عسر و خير لا يشوبه شر، هلال امن و ايمان و نعمه و احسان و سلامه و اسلام) \par و اسناد المحق الى الايام و التدنيس الى الاثام مجاز عقلى. و الامن: طمانينه النفس و زوال الخوف من لقاء مكروه. و سعد يسعد من باب تعب سعدا: خلاف شقى و الاسم منه السعاده. \par قال الراغب: و هى معاونه الامور الالهيه للانسان على نيل الخير و تضاده الشقاوه. و النحس: ضد السعد ايضا. و اليمن: البركه و حصول الخير. و النكد: تعسر المطلوب و شده العيش و اليسر بضمتين و بسكون السين: السهوله يقال يسر الامر يسرا من باب تعب \par
005    43    و يسر يسرا من باب قرب اى سهل فهو يسير و يضاده العسر. و شابه شوبا من باب قال: خلطه مثل شوب اللبن بالماء. و النعمه: ما قصد به الافضال و النفع و قد تفسر بالحاله الحسنه و حملها على كل من المعنيين هنا صحيح. \par و الاحسان يقال على وجهين: \par احدهما- الانعام على الغير، يقال احسن الى الغير اى انعم عليه. \par و الثانى- احسان فى فعله و ذلك اذا علم علما حسنا او عمل عملا حسنا و منه قوله عليه السلام: الاحسان ان تعبد الله كانك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك. و اراده هذا المعنى هنا احسن من الاول. \par
006    43    (تعريف العباده، و معنى العصمه، و المراد من العافيه..) \par (اللهم صل على محمد و آله، و اجعلنا من ارضى من طلع عليه، و ازكى من نظر اليه، و اسعد من تعبد لك فيه، و وفقنا فيه للتوبه، و اعصمنا فيه من الحوبه، و احفظنا فيه من مباشره معصيتك، \par ارضى: اسم تفضيل يجوزان يكون للفاعل على ما هو القياس فى بنائه و يجوز ان يكون للمفعول كاشهر و الوم فانه قياس عند سيبويه و هو كثير فى كلامهم. و طلع الشى ء طلوعا من باب قعد: بدا من علو و المراد بطلوعه: ظهوره للحس و العيان كما هو الظاهر. \par ثم المراد: اما طلوعه الخاص فى هذه الليله و اما طلوعه فى الزمان الماضى مطلقا، و مثله قوله عليه السلام: و ازكى من نظر اليه و الزكاء بالفتح و المد: الصلاح يقال: زكى الرجل يزكو اذا صلح. و تعبد الرجل لله تنسك و تذلل و عرفوا العباده بانها: فعل اختيارى مباين للشهوات البدنيه تصدر عن نيه يراد بها التقرب الى الله تعالى طاعه للشريعه و وفقه الله لطاعته توفيقا: هداه و ارشده و سدده. و التوبه: الرجوع الى الله بحل عقده الاصرار على القلب ثم القيام بحقوق الرب و قد مر الكلام عليها فى شرح دعائها و عصمه الله من المكروه يعصمه من باب ضرب: حفظه و وقاه و الاسم منه: العصمه بالكسر و هى فى الاصطلاح: لطف يفعله الله بالمكلف بحيث لا يكون له معه داع الى فعل المعصيه مع قدرته عليها. و اراده هذا المعنى هنا لا يساعد عليها تعديه الفعل بمن اذ لم يعهد تعديتها بها مرادا بها هذا المعنى و الحوبه بالفتح: الخطيئه و الاثم. و باشر الامر مباشره وليه بنفسه و حقيقتها الصاق البشره بالبشره ثم كثر حتى استعمل فى مطلق مزاوله الانسان الامر بنفسه و هى هنا عباره عن اقتراف المعصيه. \par
007    43    (تعريف العباده، و معنى العصمه، و المراد من العافيه..) \par و اوزعنا فيه شكر نعمتك، و البسنا فيه جنن العافيه، و اتمم علينا باستكمال طاعتك فيه المنه، انك المنان الحميد و صلى الله على محمد و آله الطيبين الطاهرين) \par و اوزعه الله الشكر: الهمه. و قيل او لعه به من الوزوع بمعنى الولوع بالشى. و الجنن: جمع جنه بالضم و هى الستر من جنه يجنه من باب قتل اى ستره. و العافيه: دفع الله عن العبد ما يضره و تستعمل فى دفع المضرات البدنيه و النفسيه معا. و اتم الله عليه المنه: اكملها من تم الشى ء يتم بالكسر اى كملت اجزاوه و استكملت الشى ء بمعنى اكلمته اى اتممته. و المنه: النعمه الثقيله و منه: لقد من الله على المومنين \par
001    44    الدعاء الرابع و الاربعون: من ادعيه الصحيفه السجاديه و هو دعائه عليه السلام اذا دخل شهر رمضان \par \par
001    44    (معنى الحمد و الشكر و الفرق بينهما، و المراد بالحمد فى عباره الدعاء..) \par قال صلوات الله و سلامه عليه: (الحمد لله الذى هدانا لحمده، و جعلنا من اهله لنكون لاحسانه من الشاكرين، و ليجزينا على ذلك جزاء المحسنين، \par الحمد: هو الثناء باللسان على الجميل سواء تعلق بالفضائل كالعلم ام بالفواضل كالبر و الشكر: فعل ينبى ء عن تعظيم المنعم لاجل النعمه سواء كان نعتا باللسان او اعتقادا و محبه بالجنان او عملا و خدمه بالاركان و قد جمعها الشاعر فى قوله: \par افادتكم النعماء منى ثلثه \par يدى و لسانى و الضمير المحجبا \par فالحمد اعم مطلقا لانه يعم النعمه و غيرها و اخص موردا اذ هو اللسان فقط و الشكر بالعكس اذ متعلقه النعمه فقط و مورده يعم اللسان و غيره فبينهما عموم و خصوص من وجه فهما يتصاد قان فى الثناء باللسان على الاحسان و يتفارقان فى صدق الحمد فقط على النعت بالعلم و صدق الشكر فقط على المحبه بالجنان لاجل الاحسان. \par اذا عرفت ذلك فالمراد بالحمد فى عباره الدعاء: هو الثناء باللسان على الاحسان لان وصفه تعالى بالهدايه لحمده و جعله من اهله يقتضى ان يكون له مدخل فى اقتضاء الحمد لما تقرر فى الاصول من ان ترتيب الوصف على الحكم مشعر بالعليه و لذلك علل عليه السلام بقوله: لنكون لاحسانه من الشاكرين. و الجزاء: المكافاه على الشى ء جزاه به و عليه جزاء. و ذلك، اشاره الى الحمد و ما فيه من البعد لتفخيمه و تعظيمه، اى و ليجزينا تعالى على حمده جزاء مثل جزاء المحسنين. و فى تشبيه جزاء الحامدين بجزاء المحسنين من تعظيم امر الحمد ما لا يخفى حيث جعل ما يترتب عليه من الثواب و الجزاء مثل ما يترتب على الاحسان الذى حقيقته الاتيان بالاعمال على الوجه اللائق و هو حسنها الوصفى المستلزم لحسنها الذاتى و قد فسره صلى الله عليه و آله و سلم: الاحسان ان تعبد الله كانك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك. \par و فيه تلميح الى ما وعده سبحانه من الزياده على كل من الشكر و الاحسان حيث قال فى الشكر: لئن شكرتم لازيدنكم و قال فى الاحسان: سنزيد المحسنين و قال: للذين احسنوا الحسنى و زياده \par
002    44    و الحمد لله الذى حبانا بدينه، و اختصنا بملته و سبلنا فى سبل احسانه لنسلكها بمنه الى رضوانه، حمدا يتقبله منا، و يرضى به عنا). \par و حبوت الرجل احبو حباء بالكسر و المد: اعطيته الشى ء بغير عوض و الاسم منه الحبوه بالضم. و خصصته بكذا اخصه خصوصا من باب قعدوا ختصصته به اختصاصا و خصصته به تخصيصا: جعلته له دون غيره. و المراد بدينه تعالى الاسلام لقوله تعالى: افغير دين الله يبغون؟ قال الراغب يعنى الاسلام، و المله بمعناه و قد تقدم الكلام على انهما يتحدان بالذات و يختلفان بالاعتبار فان الشريعه من حيث انها يطاع بها تسمى دينا و من حيث يجتمع عليها يسمى مله. و كان المراد باختصاصه تعالى ايانا بملته اختصاصه ايانا بالهدايه اليها و الا فالدعوه اليها عامه، او اختصاصه ايانا دون الامم السالفه. و سبلنا اى سيرنا فى سبل احسانه. و الاحسان هنا بمعنى الانعام و الافضال. و سلكت الطريق سلوكا من باب قعد: ذهبت فيه و الرضوان: الرضا بالكثير و لما كان اعظم الرضا، رضى الله تعالى خص لفظ الرضوان فى القرآن بما كان من الله تعالى و التقبل: قبول الشى ء على وجه يقتضى ثوابا كالهدايه. \par و لما لم تكن كل عباده متقبله بل انما تتقبل اذا كانت على وجه مخصوص كما قال تعالى: انما يتقبل الله من المتقين جاء بالمصدر المنصوب على المفعوليه المطلقه المفيد لبيان نوع عامله فقال حمدا يتقبله منا و يرضى به عنا. \par
003    44    (و الحمد لله الذى جعل من تلك السبل شهره شهر رمضان شهر الصيام و شهر الاسلام و شهر الطهور و شهر التمحيص و شهر القيام). \par الاشاره فى تلك السبل الى سبل احسانه التى سبلنا فيها. و اضافه الشهر الى الضمير العائد اليه سبحانه اما لتعظيمه او لمزيد الاختصاص المفهوم مما نطق به الحديث القدسى الذى رواه الخاصه و العامه ان الله تعالى يقول: الصوم لى و انا اجزى به، و اما اشعارا بان رمضان من اسمائه تعالى كما مر و شهر رمضان بدل من شهره بدل كل و هو فى حكم تكرير العامل من حيث انه المقصود بالنسبه و فائدته التنصيص على ان شهره تعالى هو شهر رمضان. و شهر الصيام اما بدل من شهر رمضان او عطف بيان على جهه المدح كما قاله الزمخشرى فى قوله تعالى: جعل الله الكعبه البيت الحرام ان البيت الحرام عطف على جهه المدح كما فى الصفه لاعلى جهه التوضيح. و قال ابن هشام فى نحو: آمنا برب العالمين رب موسى و هارون يحتمل بدل الكل و عطف البيان. و الاسلام: اما بمعناه اللغوى اى الانقياد و الطاعه لكثره الطاعات فى هذا الشهر او بمعنى دين الاسلام لكون افتراض صومه من خصايص هذه الامه عندنا و عند الجمهور من العامه. و الطهور بالفتح بمعنى الطهاره و هى النقاء من الدنس و النجس. و التمحيص: تخليص الشى ء مما فيه عيب و منه قوله تعالى: و ليمحص ما فى قلوبكم قال الراغب: التمحيص هاهنا كالتزكيه و التطهير و نحو ذلك من الالفاظ. و قال الجوهرى: التمحيص: الابتلاء و الاختبار و عليه تفسير ابن عباس و مجاهد و السدى لقوله تعالى: و ليمحص الله الذين آمنوا اى ليبتلى الله الذين آمنوا و القيام: مصدر قام يقوم قوما و قياما اى انتصب ثم استعمل فى الصلوه ليلا لكثره الانتصاب فيها يقال: قام ليله اى صلى فيه جميعه و منه حديث: من قام رمضان ايمانا و احتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، و من قام ليله القدر ايمانا و احتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه اى اكثر الصلوه فيه ليلا و انما خص القيام بصلوه الليل لانه خلاف \par
003    44    المعهود فى الليل بخلافه فى النهار و لذلك يقال: فلان يقوم الليل اى يصلى و يتهجد فيه و لا يقال يقوم النهار و ان قطع عامته بالصلوه. و انما قيل لشهر رمضان: شهر القيام لكثره الصلوات المسنونه فيه ليلا. \par (بيان الاختلاف فى قوله تعالى: انزل فيه القرآن، و فائده وصف) \par (الشهر بانزال القرآن.) \par (الذى انزل فيه القرآن هدى للناس و بينات من الهدى و الفرقان ) \par الموصول فى محل النصب على انه صفه ثانيه لشهر رمضان موضحه او مادحه او على تقدير اخص او امدح. او فى محل الرفع على المدح او التعظيم بتقدير مبتدء اى هو الذى انزل. \par قال امين الاسلام الطبرسى قدس الله سره: اختلف فى قوله: انزل فيه القرآن \par فقيل: ان الله تعالى انزل جميع القرآن فى ليله القدر الى سماء الدنيا ثم انزل على النبى صلى الله عليه و آله و سلم نحو ما فى طول عشرين سنه عن ابن عباس و سعيد بن جبير و الحسن و قتاده و هو المروى عن ابى عبدالله عليه السلام . \par و قيل: ان الله تعالى ابتدا انزاله فى ليله القدر من شهر رمضان. عن ابى اسحاق. \par و قيل: انه كان ينزل الى السماء الدنيا فى ليله القدر ما يحتاج اليه فى تلك السنه جمله واحده ثم ينزل على مواقع النجوم ارسالا فى الشهور و الايام عن السدى بسنده الى ابن عباس. \par و روى الثعلبى باسناده الى ابى ذر الغفارى عن النبى صلى الله عليه و آله و سلم انه قال: انزلت صحف ابراهيم عليه السلام لثل مضين من شهر رمضان و فى روايه الواحدى اول ليله منه و انزلت توريه موسى (ع) لست مضين من شهر رمضان و انزل انجيل عيسى عليه السلام لثلث عشره خلت من رمضان و انزل زبور داود عليه السلام لثمان عشره ليله مضت من شهر رمضان و انزل الفرقان على محمد صلى الله عليه و آله و سلم لاربع و عشرين مضين من شهر رمضان و هذا بعينه رواه العياشى عن ابى عبدالله عليه السلام عن آبائه عن النبى صلى الله عليه و آله و سلم انتهى. \par و فى روايه عن ابى عبدالله عليه السلام نزل القرآن فى اول ليله من شهر رمضان. \par و فى اخرى عنه عليه السلام: انه انزل فى ليله ثلث و عشرين منه. \par قوله عليه السلام: هدى للناس و بينات من الهدى، منصوبان على الحاليه اى انزل و هو هدايه للناس الى الحق و هو آيات واضحات مكشوفات من جمله ما يهتدى الى الحق و يفرق بينه و بين الباطل من الكتب السماويه. \par و قال النيسابورى: لما كان الهدى قسمين: جلى مكشوف، و خفى مشتبه، و صفه اولا بجنس الهدايه ثم قال: انه من نوع البين الواضح. \par قال المفسرون: فائده وصف الشهر بانزال القرآن فيه: التنبيه على عله تخصيصه بالصوم فيه و ذلك انه كما خص باعظم آيات الربوبيه ناسب ان يخص باشق سمات العبوديه فبقدر هضم النفس يترقى العبد فى مدارج الانس و يصل الى معارج القدس و تنكشف عنه الحجب الناسوتيه و يطلع على الحكم اللاهوتيه، و الحرمات: جمع حرمه كغرفه و غرفات و هى ما لا يحل انتهاكه اى تناولها بما لا يحل. و الموفور: اسم من و فرت الشى ء و فرا من باب وعد اى اتممته و اكملته، و يقال ايضا و فر الشى ء و فورا: اذا تم و كمل يتعدى و لا يتعدى. و الفضائل: جمع فضيله و هى الدرجه الرفيعه فى الفضل و الخير و الكمال. و المشهوره: الظاهره المعروفه من شهرت الشى ء: اذا اظهرته و ابرزته. و حرم الله الشى ء تحريما: منع من فعله. و احله احلالا: اباحه. و اعظمت الشى ء اعظاما و عظمته تعظيما: فخمته و وقرته اى لاجل الاعظام. و الحجر: المنع. و المطاعم و المشارب: جمع مطعم و مشرب بمعنى الطعام و الشراب و هما ما يوكل و يشرب. و الوقت مقدار من الزمان مفروض لامرما. و بينا اى واضحا. \par (السبب فى تعبين الاوقات لعباده مخصوصه كشهر رمضان و..) \par قال بعض العلماء: السبب فى تعيين بعض الاوقات لعباده مخصوصه كشهر رمضان للصوم و اشهر الحج للحج ان لبعض الاوقات اثرا فى زياده الثواب او العقاب كالامكنه و كان الحكماء يختارون لاجابه الدعاء اوقاتا مخصوصه و فيه فائده اخرى و هى ان الانسان جبل على اتباع الشهوه و الهوى و منعه من ذلك على الاطلاق شاق عليه فخص بعض الازمنه و الامكنه بطاعه ليسهل عليه الاتيان بها فيهما و لا يمتنع عن ذلك. \par ثم لو اقتصر على ذلك فهو امر مطلوب فى نفسه و ان جره ذلك الى الاستدامه و الاستقامه بحسب الالفه و الاعتياد او لاعتقاده ان الاقدام على ضد ذلك يبطل مساعيه السالفه فذلك هو المطلوب الكلى و لا ريب ان تخصيص ذلك من الشارع اقرب الى اتحاد الاراء و اتفاق الكلمه. و الله اعلم. \par
004    44    فابان فضيلته على سائر الشهور بما جعل له من الحرمات الموفوره، و الفضائل المشهوره فحرم فيه ما احل فى غيره اعظاما و حجر فيه المطاعم و المشارب اكراما و جعل له وقتا بينا لا يجيز جل و عز ان يقدم قبله و لا يقبل ان يوخر عنه) \par الموصول فى محل النصب على انه صفه ثانيه لشهر رمضان موضحه او مادحه او على تقدير اخص او امدح. او فى محل الرفع على المدح او التعظيم بتقدير مبتدء اى هو الذى انزل. \par قال امين الاسلام الطبرسى قدس الله سره: اختلف فى قوله: انزل فيه القرآن \par فقيل: ان الله تعالى انزل جميع القرآن فى ليله القدر الى سماء الدنيا ثم انزل على النبى صلى الله عليه و آله و سلم نحو ما فى طول عشرين سنه عن ابن عباس و سعيد بن جبير و الحسن و قتاده و هو المروى عن ابى عبدالله عليه السلام . \par و قيل: ان الله تعالى ابتدا انزاله فى ليله القدر من شهر رمضان. عن ابى اسحاق. \par و قيل: انه كان ينزل الى السماء الدنيا فى ليله القدر ما يحتاج اليه فى تلك السنه جمله واحده ثم ينزل على مواقع النجوم ارسالا فى الشهور و الايام عن السدى بسنده الى ابن عباس. \par و روى الثعلبى باسناده الى ابى ذر الغفارى عن النبى صلى الله عليه و آله و سلم انه قال: انزلت صحف ابراهيم عليه السلام لثل مضين من شهر رمضان و فى روايه الواحدى اول ليله منه و انزلت توريه موسى (ع) لست مضين من شهر رمضان و انزل انجيل عيسى عليه السلام لثلث عشره \par
004    44    خلت من رمضان و انزل زبور داود عليه السلام لثمان عشره ليله مضت من شهر رمضان و انزل الفرقان على محمد صلى الله عليه و آله و سلم لاربع و عشرين مضين من شهر رمضان و هذا بعينه رواه العياشى عن ابى عبدالله عليه السلام عن آبائه عن النبى صلى الله عليه و آله و سلم انتهى. \par و فى روايه عن ابى عبدالله عليه السلام نزل القرآن فى اول ليله من شهر رمضان. \par و فى اخرى عنه عليه السلام: انه انزل فى ليله ثلث و عشرين منه. \par قوله عليه السلام: هدى للناس و بينات من الهدى، منصوبان على الحاليه اى انزل و هو هدايه للناس الى الحق و هو آيات واضحات مكشوفات من جمله ما يهتدى الى الحق و يفرق بينه و بين الباطل من الكتب السماويه. \par و قال النيسابورى: لما كان الهدى قسمين: جلى مكشوف، و خفى مشتبه، و صفه اولا بجنس الهدايه ثم قال: انه من نوع البين الواضح. \par قال المفسرون: فائده وصف الشهر بانزال القرآن فيه: التنبيه على عله تخصيصه بالصوم فيه و ذلك انه كما خص باعظم آيات الربوبيه ناسب ان يخص باشق سمات العبوديه فبقدر هضم النفس يترقى العبد فى مدارج الانس و يصل الى معارج القدس و تنكشف عنه الحجب الناسوتيه و يطلع على الحكم اللاهوتيه، و الحرمات: جمع حرمه كغرفه و غرفات و هى ما لا يحل انتهاكه اى تناولها بما لا يحل. و الموفور: اسم من و فرت الشى ء و فرا من باب وعد اى اتممته و اكملته، و يقال ايضا و فر الشى ء و فورا: اذا تم و كمل يتعدى و لا يتعدى. و الفضائل: جمع فضيله و هى الدرجه الرفيعه فى الفضل و الخير و الكمال. و المشهوره: الظاهره المعروفه من شهرت الشى ء: اذا اظهرته و ابرزته. و حرم الله الشى ء تحريما: منع من فعله. و احله احلالا: اباحه. و اعظمت الشى ء اعظاما و عظمته تعظيما: فخمته و وقرته اى لاجل الاعظام. و الحجر: المنع. و المطاعم و المشارب: جمع مطعم و مشرب بمعنى الطعام و الشراب و هما ما يوكل و يشرب. و الوقت مقدار من الزمان مفروض لامرما. و بينا اى واضحا. \par (السبب فى تعبين الاوقات لعباده مخصوصه كشهر رمضان و..) \par قال بعض العلماء: السبب فى تعيين بعض الاوقات لعباده مخصوصه كشهر رمضان للصوم و اشهر \par
004    44    الحج للحج ان لبعض الاوقات اثرا فى زياده الثواب او العقاب كالامكنه و كان الحكماء يختارون لاجابه الدعاء اوقاتا مخصوصه و فيه فائده اخرى و هى ان الانسان جبل على اتباع الشهوه و الهوى و منعه من ذلك على الاطلاق شاق عليه فخص بعض الازمنه و الامكنه بطاعه ليسهل عليه الاتيان بها فيهما و لا يمتنع عن ذلك. \par ثم لو اقتصر على ذلك فهو امر مطلوب فى نفسه و ان جره ذلك الى الاستدامه و الاستقامه بحسب الالفه و الاعتياد او لاعتقاده ان الاقدام على ضد ذلك يبطل مساعيه السالفه فذلك هو المطلوب الكلى و لا ريب ان تخصيص ذلك من الشارع اقرب الى اتحاد الاراء و اتفاق الكلمه. و الله اعلم. \par
005    44    (معنى كون ليله القدر خيرا من الف شهر، و الاشاره) \par (الى بعض الروايات الوارده..) \par (ثم فضل ليله واحده من لياليه على ليالى الف شهر و سماها ليله القدر تنزل الملائكه و الروح فيها باذن ربهم من كل امر سلام دائم البركه الى طلوع الفجر على من يشاء من عباده بما احكم من قضائه.) \par معنى كونها خيرا من الف شهر: ان العباده فيها خير من العباده فى الف شهر ليس فيها هذه الليله و ذلك لما فيها من الخيرات و البركات و تقدير الارزاق و المنافع الدينيه و الدنيويه كما رواه ثقه الاسلام فى الكافى بسنده عن ابى عبدالله عليه السلام قال قال له بعض اصحابنا- قال و لا اعلمه الاسعيد السمان- كيف تكون ليله القدر خيرا من الف شهر؟ قال: العمل فيها خير من العمل فى الف شهر ليس فيها ليله القدر. \par قال بعضهم: و تخصيص الالف بالذكر للاشعار بالانتهاء الى عدد لا اسم لما فوقه على الخصوص فتخصيصه بالذكر للتكثير \par
005    44    و قال مجاهد: كان فى بنى اسرائيل رجل يقوم الليل حتى يصبح ثم يجاهد النهار حتى يمسى فعل ذلك الف شهر فتعجب رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و المومنون من ذلك فانزل الله تعالى سوره انا انزلناه، فاعطوا ليله هى خير من مده ذلك الغازى. و يويده ما روى عن مالك بن انس ان رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ارى اعمار الناس فاستقصرها و خاف ان لا يبلغوا من الاعمار مثل ما بلغه سائر الامم فاعطاه الله ليله هى خير من الف شهر لسائر الامم. و قيل: ان الرجل فيما مضى ما كان يستحق اسم العابد حتى يعبد الله الف شهر. \par و روى ثقه الاسلام بسنده عن ابى عبدالله عليه السلام قال ارى رسول الله بنى اميه يصعدون على منبره من بعده و يضلون الناس عن الصراط القهقرى فاصبح كئيبا حزينا قال فهبط جبرئيل عليه السلام فقال يا رسول الله: مالى اراك كئيبا حزينا فقال يا جبرئيل انى رايت بنى اميه فى ليلتى هذه يصعدون منبرى و يضلون الناس عن الصراط القهقرى، قال: و الذى بعثك بالحق نبيا اننى ما اطلعت على ذلك، فعرج الى السماء فلم يلبث ان نزل عليه بآى من القرآن يونسه بها قال: افرايت ان متعناهم سنين ثم جائهم ما كانوا يوعدون ما اغنى عنهم ما كانوا يمتعون و انزل عليه: انا انزلناه فى ليله القدر و ما ادريك ما ليله القدر ليله القدر خير من الف شهر جعل الله عز و جل ليله القدر لنبيه صلى الله عليه و آله و سلم خيرا من الف شهر ملك بنى اميه. \par قوله عليه السلام: و سماها ليله القدر، قال اكثر العلماء: القدر بمعنى التقدير. قال على بن ابراهيم: معنى ليله القدر: ان الله يقدر فيها الاجال و الارزاق و كل امر يحدث من موت او حيوه او خصب او جدب او خير او شر كما قال تعالى: فيها يفرق كل امر حكيم الى سنه و هذا المعنى هو المروى عن ابى جعفر عليه السلام على ما رواه ثقه \par
005    44    الاسلام بسنده عن حمران عنه عليه السلام انه قال: يقدر فى ليله القدر كل شى ء يكون فى تلك السنه الى مثلها من قابل خير و شر و طاعه و معصيه و مولود و اجل و رزق فما قدر فى تلك السنه و قضى فهو المحتوم و لله عز و جل فيه المشيه. الحديث. \par و المراد: اظهار تلك المقادير للملائكه و النبى و الائمه عليهم السلام فى تلك الليله و الا فالمقادير من الازل الى الابد ثابته فى اللوح المحفوظ. و قيل: القدر بمعنى الشرف و الخطر يعنى ليله الشرف و العظمه من قولهم: لفلان قدر عند الناس اى منزله و خطر كما يناسبه قوله: ليله القدر خير من الف شهر. \par ثم هذا الشرف اما يرجع الى الفاعل اى من اتى فيها بالطاعه صار ذا قدر و شرف ، و اما ان يرجع الى الفعل لان الطاعه فيها اكثر ثوابا و قبولا. و عن الوراق: من شرفها انه انزل فيها كتاب ذو قدر على لسان ملك ذى قدر الى امه ذوى قدر و لعل الله تعالى انما ذكر لفظ القدر فى هذه السوره ثلث مرات لهذا السبب. و قيل: التقدير بمعنى الضيق ذلك لان الارض فى هذه الليله تضيق عن الملائكه من قوله تعالى: و من قدر عليه رزقه و هذا القول يعزى الى الخليل بن احمد رحمه الله. قوله عليه السلام: تنزل الملائكه و الروح فيها باذن ربهم اى تتنزل فحذفت احدى التائين تخفيفا على حد قوله تعالى: نارا تلظى و قوله: من كل امر اى من اجل كل امر قضاه الله عز و جل من رزق و اجل و نحو ذلك لتلك السنه الى مثلها من العام القابل كقوله تعالى: فيها يفرق كل امر حكيم قال النيسابورى: و معنى سلام، هى ان هذه الليله ما هى الاسلامه و خير فاما سائر الليالى فيكون فيها بلاء و سلامه، او ماهى الاسلام لكثره سلام الملائكه على المومنين. و قال ابومسلم: يعنى هذه الليله سالمه عن الرياح المزعجه و الصواعق و نحوها او هى سلامه على تسلط الشيطان و نحته، او سالمه عن تفاوت العباده فى اجزائها بخلاف سائر الليالى فان النفل فيها كلما قرب من الفجر الثانى كان افضل. \par و قوله عليه السلام: بما احكم من قضائه، متعلق بتنزل اى تنزل الملائكه و الروح على \par
005    44    من يشاء من عباده بما احكم من قضائه. و المراد: بمن يشاء من عباده: امام الزمان (ع) و بما احكم من قضائه: ما قضى و ابرم و امضى و حتم و لم يكن فيه تقديم و تاخير و لا تبديل و تغيير. \par
006    44    (سئل عليه السلام فى هذه الفقرات ما ينبغى ان يكون الانسان) \par (متحليا به فى هذا الشهر) \par (اللهم صل على محمد و آله، و الهمنا معرفه فضله، و اجلال حرمته، و التحفظ مما حظرت فيه، و اعنا على صيامه بكف الجوارح عن معاصيك و استعمالها فيه بما يرضيك حتى لا نصغى باسماعنا الى لغو، و لا نسرع بابصارنا الى لهو، \par الالهام، لغه: الاعلام مطلقا و اصطلاحا: القاء الخير فى قلب الغير بلا استفاضه فكريه منه، فان حمل هنا على معناه اللغوى فالمراد بمعرفه فضله: العلم به ولو بالتعلم و الاستفاضه و ان حمل على الاصطلاحى فالمراد بها ادراكه على ما هو عليه اذ لا يكون ذلك الا بالالهام المصطلح، و يرجح هذا: تفسير الجمهور للمعرفه بانها ادراك الشى ء على ما هو عليه و ان كان مسبوقا بالجهل و لهذا لا يقال: الله عارف و يقال عالم. \par و الغرض من سوال الهام معرفه فضله و اجلال حرمته و التحفظ مما حظر فيه: ايفائه حقه من الاحترام و الاحتراز عما لا يحل فيه كما ينبغى و يجب كيلا يكون مقصرا او متوانيا و اجلال الشى ء: تعظيمه و الحرمه: ما لا يحل انتهاكه. و التحفظ: التحرز. و حظره حظرا من باب قتل: منعه و حرمه و الباء من قوله بكف الجوارح للملابسه اى ملتبسين بمنع الجوارح يقال كففته عن الشى ء كفا من باب قتل اى منعته. و الجوارح: الاعضاء، جمع جارحه و استعمالها: العمل بها. و حتى تعليليه بمعنى كى. و اصغيت الى حديثه: ملت بسمعى اليه. و اللغو من الكلام: ما لا يعتد به و هو الذى يورد لا عن رويه و فكر فيجرى مجرى اللغاء و هو صوت العصافير و نحوها من الطيور. و اسرع اليه: عجل، و الباء من بابصارنا للاله. و اللهو: ما يشغل الانسان عما يعنيه و يهمه و تقييد الاسراع بالابصار للمبالغه فى سوال اجتنابه اذ كان النظر رائد الفجور. و فى التوراه: النظر يزرع الشهوه و رب شهوه اورثت حزنا طويلا و لذلك امر سبحانه المومنين بغض الابصار اولا ثم بحفظ الفروج ثانيا فقال: قل للمومنين يغضوا من ابصارهم و يحفظوا فروجهم \par
007    44    و حتى لا نبسط ايدينا الى محظور، و لا نخطو باقدامنا الى محجور و حتى لا تعى بطوننا الا ما احللت، و لا تنطق السنتنا الا بما مثلت، و لا نتكلف الا ما يدنى من ثوابك، و لا نتعاطى الا الذى يقى من عقابك، ثم خلص ذلك كله من رئاء المرائين، و سمعه المسمعين، لا نشرك فيه احدا دونك، و لا نبتغى فيه مرادا سواك). \par و بسط يده الى الشى ء: مدها نحوه اى لا نمد ايدينا الى طلب محظور او الى اخذه. \par قال الراغب: بسط الكف و اليد يستعمل تاره للطلب نحو: الا كباسط كفيه الى الماء و تاره للاخذ نحو: و الملائكه باسطوا ايديهم و تاره للبطش و الضرب نحو: و يبسطوا اليكم ايديهم و خطوت اخطو خطوا: مشيت، و التقييد بالاقدام مع ان الخطو لا يكون الا بها لغرض التفصيل بعد الاجمال فى قوله بكف الجوارح بالنص على جارحه و المحجور: المحظور. و وعيت الشى ء وعيا من باب وعد: حفظته و جمعته. و احل الله الشى ء جعله حلالا و المراد به هنا: ما اطلق اكله و شربه. و مثلت اى حدثت من المثل بالتحريك بمعنى الحديث قال فى القاموس: و المثل محركه: الحجه و الحديث و تكلفت الشى ء: تجشمته على مشقه و بذلت المجهود فى العمل له و هو من الكلفه بالضم بمعنى المشقه. و تعاطيت كذا اى اقدمت عليه و فعلته و فلان يتعاطى ما لا ينبغى له و منه: فتعاطى فعقر و خلص ذلك اى سلمه من خلص بمعنى سلم و نجا او اجعله خالصا من خلص الماء من الكدر اى صفا منه. و الرياء: ترك الاخلاص فى العمل بملاحظه غير الله تعالى فيه و اصله من الرويه كانه لا يعمل الا اذا راى الناس و راوه و السمعه بالضم كالرياء الا انها تتعلق بحاسه السمع و الرياء بحاسه البصر. \par قال الفارابى فى ديوان الادب يقال: فعل ذلك رياء و سمعه: اذا فعل ذلك ليراه الناس و يسمعوا به. و المسمعين: جمع مسمع اسم فاعل من اسمعه فسمع و المراد به \par
007    44    هنا الفاعل للسمعه كانه يسمع الناس ما يفعله. \par (تنبيهات:) \par الاول- اجمع المسلمون من الخاصه و العامه على ان شهر رمضان افضل الشهور \par الثانى- فى قوله عليه السلام: و اعنا على صيامه بكف الجوارح.. اشاره الى آداب الصائم و قد وردت بذلك اخبار كثيره عنهم عليهم السلام: \par فمنه قول الصادق عليه السلام فى الصحيح اذا صمت فليصم سمعك و بصرك و شعرك و جلدك. و عدد اشياء غير هذا، و قال: لا يكون يوم صومك كيوم فطرك. \par و عنه عليه السلام: ان الصيام ليس من الطعام و الشراب وحده ان مريم (ع) قالت انى نذرت للرحمن صوما اى صمتا فاحفظوا السنتكم و غضوا ابصاركم و لا تحاسدوا و لا تنازعوا فان الحسد ياكل الايمان كما ياكل النار الحطب. \par و عنه عليه السلام قال سمع رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم امراه تسب جاريه لها و هى صائمه فدعا رسول الله بطعام فقال لها: كلى فقالت: انى صائمه فقال كيف تكونين صائمه و قد سببت جاريتك! ان الصوم ليس من الطعام و الشراب. \par و عنه عليه السلام: اذا صمت فليصم سمعك و بصرك من الحرام و القبيح ودع المراء و اذى الخادم و ليكن عليك و قار الصائم و لا تجعل يوم صومك كيوم فطرك. \par الثالث- فى قوله عليه السلام لا نشرك فيه احدا دونك و لا نبتغى به مرادا سواك، اشاره الى اخلاص العمل و هو تصفيه العمل عن ان يكون لغير الله فيه نصيب، و قيل هو ان لا يريد عامله عليه عوضا فى الدارين و هذا التعريف اشد انطباقا على قوله عليه السلام: و لا نبتغى به مرادا سواك و هى درجه عليه عزيزه المنال و اليها اشار اميرالمومنين عليه السلام بقوله: ما عبدتك خوفا من نارك و لا طمعا فى جنتك و لكن وجدتك اهلا للعباده فعبدتك. و قد اسلفنا الكلام على الاخلاص فى العمل. \par
007    44    (الرياء فى العباده و حكم الضمائم الراجعه اليها) \par تتمه- قال شيخنا الشهيد قدس سره: كل عباده اريد بها غير الله ليراه الناس فهى المشتمله على الرياء سواء اريد بها مع ذلك الله ام لا؟ اما لو كان للعمل غايه دنيويه شرعيه او اخرويه فارادها الانسان فانه لا يسمى رياء كطلب الغازى الجهاد لله و للغنيمه، و قرائه الامام للصلوه و التعليم و تلاوه آيه من القرآن بقصد القرائه و التفهيم و تحسين الصلوه من المقتدى به ليقتدى به الناس، و منه صلوه الفريضه فى المسجد و اظهار الزكوه الواجبه و كذا مريد الحج و التجاره او الصائم ليقطع عنه شهوه النكاح او ليصح جسمه. فان الخبر دال عليهما و منه الوضوء للتبرد مع القربه او التنظيف معها فالضابط: ان كل ضميمه يقصد بها العبد منفعه لازمه للعباده لا يريد بها اجتلاب نفع من الناس و لا دفع ضرر عنه لا من حيث العباده فلو قصد دفع ضرر بعباده التقيه لم يكن رياء انتهى. \par و المتاخرون من اصحابنا حكموا بفساد العباده بقصد هذه الضمائم لفوات الاخلاص، و فصل بعضهم فقال: ان كانت الضميمه راجحه و لاحظ القاصد رجحانها وجوبا او ندبا كالحميه فى الصوم لوجوب حفظ البدن و الاعلام بالدخول فى الصلوه للتعاون على البر فينبغى ان لا تكون مضره اذهى حينئذ موكده و انما الكلام فى الضمائم غير الملحوظه الرجحان فصوم من ضم قصد الحميه مثلا صحيح مستحبا كان الصوم او واجبا معينا كان الواجب او غير معين. قال شيخنا البهائى و فى النفس من صحه غير المعين شى ء و عدمها محتمل و الله اعلم. \par
008    44    (للصلوه اربعه آلاف حد و بيان ان اركانها خمسه..) \par (اللهم صل على محمد و آله، و قفنا فيه على مواقيت الصلوات الخمس بحدودها التى حددت، و فروضها التى فرضت، و وظائفها التى وظفت، و اوقاتها التى وقت، \par وقفت فلانا على الامر: اطلعته عليه. و المواقيت: جمع ميقات بمعنى الوقت اى اوقات الصلوات و يستعار للمكان و منه مواقيت الحج لمواضع الاحرام. و وقت الله الصلوه توقيتا وقتها يقتها وقتا من باب وعد: حددلها وقتا. و الباء من بحدودها للمصاحبه اى مع حدودها اى احكامها و منه قوله تعالى: و اجدر ان لا يعلموا حدود ما انزل الله اى احكامه و حددت الشى ء اى ميزته عن غيره. \par و فى الصحيح عن ابى عبدالله عليه السلام انه قال للصلوه اربعه آلاف حد و فى روايه: للصلوه اربعه آلاف باب. و الفروض: جمع فرض بمعنى المفروض من فرض الله الاحكام فرضا: اوجبها. و الوظائف: جمع وظيفه و هى ما يقدر من عمل و رزق و نحو ذلك. و الاوقات: جمع وقت و هو مقدار من الزمان مفروض لامرما. \par
009    44    و انزلنا فيها منزله المصيبين لمنازلها الحافظين لاركانها، المودين لها فى اوقاتها على ماسنه عبدك و رسولك- صلواتك عليه و آله- فى ركوعها و سجودها و جميع فواضلها على اتم الطهور و اسبغه، و ابين الخشوع و ابلغه. \par و انزلت زيدا منزله عمر و فى كذا اى جعلت له ما جعلت لعمرو فيه. و اصبت الشى ء: ادركته و وجدته و منازل الصلوه عباره عن مراتبها التى تليق بها من قولهم عرفت لفلان منزلته اى مرتبته من الفضل و الشرف و هو رفيع المنازل. \par و فى الحديث انزلوا الناس منازلهم اى اكرموا كلا على حسب فضله و شرفه. و الاركان: جمع ركن و ركن الشى ء لغه: جانبه القوى الذى يعتمد عليه. و اركان العباده: جوانبها التى عليها مبناها و بتركها يكون بطلانها. و عرف الركن من الصلوه بما تبطل الصلوه بزيادته و نقصه عمدا و سهوا. و اركانها خمسه: النيه و التكبير و القيام و الركوع و السجود. \par (ذهب بعضهم الى ان النيه ليست بركن من الصلوه لانها شرط لا جزء منها..) \par و ذهب بعضهم الى ان النيه ليست بركن منها لانها شرط لاجزء منها و ركن الشى ء لا يكون الاجزء منه و اول الصلوه التكبير لقوله عليه السلام: تحريمها التكبير فهى خارجه عنها. \par و استدل القائلون بركنيتها بالتيام حقيقه الصلوه منها و اشتراطها بما يشترط فى الصلوه من الطهاره و الستر و الاستقبال و نحوها. \par و اجيب بان الاستدلال بالتيام الصلوه منها مصادره و اشتراطها بشروط الصلوه لا يدل على الجزئيه. \par
009    44    قال بعض المحققين من مشايخنا: و هذا الخلاف قليل الجدوى للاتفاق على اعتبارها فى الصلوه و بطلانها بالاخلال بها عمدا و سهوا. \par و ربما يظهر ثمرته فى مواضع نادره كالنذر لمن نذران يصلى فى وقت كذا و نذران يصلى فى وقت كذا، قيل و فيمن سهى عن فعل النيه بعد التكبير ففعلها ثم ذكر فعلها قبل التكبير فان قلنا بانها شرط لم تبطل الصلوه و ان قلنا انها جزء بطلت لزياده ركن لان كل من قال بجزئيتها قال بركنيتها. و فيه نظر للمنع من كون استحضار النيه فى اثناء الصلوه عمدا و سهوا مبطلا لان استحضارها حكما بمعنى الاستدامه واجب فكيف يبطل الاستحضارها بالفعل؟ فان قيل: القصد الى استيناف النيه قصد للمنافى، قلنا فالبطلان حينئذ لقصد المنافى لالزياده الركن و هو يتحقق على القول بشرطيتها ايضا. وادى الصلوه: فعلها، و اصله من اداء الامانه و هو ايصالها الى اهلها و دفع كل ما يجب دفعه. و توفيته يسمى اداء كاداء الجزيه و اداء الخراج و قد تكرر منه عليه السلام فى هذا الفصل ذكر الاوقات اهتماما بشانها. \par (الاشاره الى فضيله الصلوات الخمس، و معنى اسباغ الوضوء) \par (و المراد من الخشوع فى الصلوه) \par فعن الصادق عليه السلام: هذه الصلوات الخمس المفروضات من اقام حدود هن و حافظ على مواقيتهن اتى الله يوم القيمه و له عنده عهد يدخله الجنه و من لم يقم حدودهن و لم يحافظ على مواقيتهن لقى الله و لا عهد له ان شاء عذبه و ان شاء غفر له. \par و عن ابى جعفر عليه السلام: ايما مومن حافظ على الصلوات المفروضه فصلاها لوقتها فليس هذا من الغافلين. و الظاهر ان المراد بالمحافظه على المواقيت: المحافظه على اول الوقت و ما قرب منه. و الفواضل: جمع فاضله و هى اسم من الفضيله، قال فى القاموس: الفضيله: الدرجه الرفيعه فى الفضل و الاسم الفاضله. و الطهور بالفتح و الضم على الروايتين بمعنى الطهاره. و المراد باتميته: الاتيان على الوجه المفروض مع كمال الاحتياط، و با سبغيته: الاتيان به على الوجه المسنون بتمامه. قال بعضهم: اسباغ الوضوء: اتمامه و اكماله و ذلك فى وجهين: اتمامه على ما فرض الله و اكماله على ما \par
009    44    سنه رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم. و الطهور هنا يعم الغسل و الوضوء و ازاله النجس، و الخشوع: الخضوع و التذلل و فيه تلميح الى قوله تعالى: الذين هم فى صلوتهم خاشعون و الخشوع فى الصلوه قيل: خشيه القلب و التواضع و قيل: هو ان ينظر الى موضع سجوده بدليل ان النبى صلى الله عليه و آله و سلم كان يرفع بصره الى السماء فلما نزلت هذه الايه طاطا راسه و نظر الى مصلاه. \par و عن اميرالمومنين عليه السلام: هو ان لا يلتفت يمينا و لا شمالا و لا يعرف من على يمينه و لا شماله. \par و روى ان النبى صلى الله عليه و آله و سلم راى رجلا يعبث بلحيته فى صلوته فقال لو خشع قلبه لخشعت جوارحه. \par قال بعضهم: فى هذا دلاله على ان الخشوع فى الصلوه يكون فى القلب و الجوارح. فاما فى القلب فهو ان يفزع قلبه بجمع الهمه لها و الاعراض عما سواها فلا يكون فيه غير العباده و المعبود. \par و اما فى الجوارح فهو غض البصر و ترك الالتفات و العبث. و ابين الخشوع اى افضله من البون بمعنى الفضل و المزيه او اوضحه من باب الشى ء يبين بيانا اذا انكشف و اتضح لانه كلما كان اظهر على الجوارح كان ادل على خشوع القلب و عدم التفاته الى غير العباده و المعبود. و ابلغه اى اشده انتهاء الى الغايه من البلوغ و هو الانتهاء الى الغايه و الامد و الله اعلم. \par
010    44    (الاشاره الى بعض عقوبات مانع الزكوه) \par (و وفقنا فيه لان نصل ارحامنا بالبر و الصله، و ان نتعاهد جيراننا بالافضال و العطيه، و ان نخلص اموالنا من التبعات، و ان نطهرها باخراج الزكوات، و ان نراجع من هاجرنا، و ان ننصف من ظلمنا، و ان نسالم من عادانا حاشى من عودى فيك و لك، فانه العدو الذى لا نواليه، و الحزب الذى لانصافيه، \par الارحام: جمع رحم ككتف: القرابه و اصله من رحم المراه و هو موضع تكوين الولد منها لكونهم خارجين من رحم واحده. يقال: وصل رحمه: اذا احسن اليها. و البر: التوسع فى فعل الخير. و الصله: الاحسان و العطيه و منه: هذه صله الامير و صلاته. و تعاهدت الشى ء و تعهدته: تفقدته و جددت العهد به اى العلم به من قولهم: هو قريب العهد بكذا اى قريب العلم. و فى الحديث: تعلموا كتاب الله و تعاهدوه اى حافظوا عليه بتجديد العهد و التلاوه لئلا ينسى. و الجيران: جمع جار و هو المجاور فى السكن. و الافضال: الاحسان. و العطيه: اسم للمعطى و الجمع: العطايا. و التبعات: جمع تبعه ككلمه و المراد بها هنا: ما يتبع المال من الحقوق. و تطهير الاموال باخراج الزكوات: عباره عن تنقيتها من دنس منع الزكوه لما ورد فى الصحيح: \par عن ابى عبدالله عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: ملعون ملعون مال لا يزكى. \par و فى الصحيح عنه عليه السلام ايضا: ما من عبد يمنع درهما فى حقه الا انفق اثنين فى غير حقه و ما من رجل يمنع حقا من ماله الا طوقه الله عز و جل به حيه من نار يوم القيمه. \par و عن ابى جعفر عليه السلام فى قوله تعالى: سيطوقون ما بخلوا به يوم القيمه قال ما من عبد منع من زكوه ما له شيئا الا جعل الله ذلك يوم القيمه ثعبانا من نار يطوق فى عنقه ينهش من لحمه حتى يفرغ من الحساب ثم قال و هو قول الله عز و جل: سيطوقون ما بخلوا به يوم القيمه، يعنى ما بخلوا به من الزكوه. \par و الاخبار فى هذا المعنى اكثر من ان تحصى و كل هذه العقوبات ادناس تتعلق بمنع الزكوه و تترتب عليه. و الزكوه فى اللغه: النماء و الزياده و تطلق على الطهاره ايضا و نقلت فى الشرع الى القدر المخرج من النصاب لانها تزيد فى بركه المخرج به. \par (ما الرحم؟ و ما الصله؟ و بم الصله؟ و هل الصله واجبه ام مستحبه؟) \par و يتعلق بهذه الفقرات من الدعاء مسائل لاباس بالتنبيه عليها: \par (المسئله) الاولى- قال الشهيد قدس سره: كل رحم توصل للكتاب و السنه و الاجماع على الترغيب فى صله الارحام و الكلام عليها فى مواضع: \par الاول- ما الرحم؟: الظاهر انه المعروف بنسبته و ان بعد و ان كان بعضه آكد من بعض ذكرا كان او انثى. و قصره بعض العامه على المحارم الذين يحرم التناكح بينهم ان كانوا ذكورا و اناثا و ان كان من قبيل يقدر احدهما ذكرا و الاخر انثى فان حرم التناكح فهم الرحم و احتج بان تحريم الاختين انما كان لما يتضمن من قطيعه الرحم و كذا تحريم الجمع بين العمه و الخاله و ابنه الاخ و الاخت مع عدم الرضا عندنا و مطلقا عندهم، و هذا بالاعراض عنه حقيق فان الوضع اللغوى يقتضى ما قلناه و العرف ايضا و الاخبار دلت عليه. روى على بن ابراهيم عن على عليه السلام فى قوله تعالى: فهل عسيتم ان توليتم ان تفسدوا فى الارض و تقطعوا ارحامكم انها نزلت فى بنى اميه و هو يدل على تسميه القرابه المتباعده رحما. \par الثانى- ما الصله التى يخرج بها عن القطيعه؟ و الجواب: المرجع فى ذلك الى العرف لانه ليس له حقيقه شرعيه و لا لغويه و هى تختلف باختلاف العادات و بعد المنازل و قربها. \par الثالث- بم الصله؟ و الجواب: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: صلوا ارحامكم و لو بالسلام و فيه تنبيه على ان السلام صله و لا ريب ان مع فقر بعض الارحام و هم العمود تجب الصله بالمال و تستحب لباقى الاقارب و تتاكد فى الوارث و هو قدر النفقه و مع الغنى فبالهدايه فى الاحيان بنفسه او رسوله و اعظم الصله ما كان بالنفس. و فيه اخبار كثيره ثم يدفع الضرر عنها ثم يجلب النفع اليها ثم بصله من يجب و ان لم يكن رحما للواصل كزوج الاب و الاخ و ادناه السلام بنفسه ثم برسوله و الدعاء بظهر الغيب و الثناء فى المحضر. الرابع- هل الصله واجبه ام مستحبه؟ و الجواب: انها تنقسم الى الواجب و هى ما يخرج به عن القطيعه فان قطيعه الرحم معصيه بل قيل هى من الكبائر و المستحب مازاد على ذلك. \par (الفرق بين البر و الصله) \par المسئله الثانيه- يمكن ان يكون عطف الصله على البر فى قوله: بالبر و الصله من باب عطف الخاص على العام لان البر اسم جامع لانواع الطاعات و اعمال القربات و منه بر الوالدين و هو استرضائهما بكل ما امكن و الصله للرحم و ان كانت شرعا اعم من معناها المشهور لغه و هو العطيه و الاحسان كما عرفت الا انها اخص من البر على كل حال لان من البر ما لا يسمى صله لا عرفا و لا لغه الاترى الى ما روى عن صاحب الدعاء عليه السلام انه بلغ من بره بوالدته انه كان لا ياكل معها فى صحفه فقيل له فى ذلك فقال اخشى ان تسبق يدى الى ما سبقت عينها اليه فهذا المعنى الذى لا حظه عليه السلام نوع من انواع البر و لكن لا يسمى صله عرفا فضلا عن اللغه. \par فما وقع لبعضهم انه من باب عطف الشى ء على مرادفه ليس بشى ء و لك ان تفرق بينهما بان البر ما اتسع من الاحسان كما نص عليه ارباب اللغه، و الصله اعم منه فكل برصله من دون عكس فيكون من باب عطف العام على الخاص. \par (الجار ثلثه، و بعض الاخبار الوارده فى الجبران) \par المسئله الثالثه- الجار لغه قيل من يقرب مسكنه منك، و قيل من يجاورك بيت بيت و يلاصقك فى السكن و قد تقدم بيان حد الجوار شرعا و ذكر الخلاف فيه هل هو اربعون دارا من كل جانب او اربعون ذراعا من كل جانب او هو راجع الى العرف؟ الى كل ذهب جماعه من اصحابنا و على كل تقدير فقد نص بعض مشايخنا على انه اذا لم يقدر على القيام بامر الجميع كان عليه تقديم الاقرب فالاقرب و انكان الابعد ذا رحم فلا يبعد القول بتقديمه و قد نص الكتاب و السنه على الاحسان الى الجار قال تعالى: و اعبدوا الله و لا تشركوا به شيئا و بالوالدين احسانا و بذى القربى و اليتامى و المساكين و الجار ذى القربى و الجار الجنب و الصاحب بالجنب و ابن السبيل و ما ملكت ايمانكم ان الله لا يحب من كان مختالا فخورا قال امين الاسلام الطبرسى فى مجمع البيان: قيل معنى الجار ذى القربى: الجار القريب ذى النسب، و الجار الجنب: الجار الذى ليس بينك و بينه قرابه عن ابن عباس و جماعه. و قيل: المراد الجار ذى القربى منك بالاسلام، و الجار الجنب: المشرك البعيد فى الدين. \par فقد روى عن النبى صلى الله عليه و آله و سلم انه قال: الجيران ثلثه: \par جار له ثلثه حقوق: حق الجوار و حق القرابه و حق الاسلام. \par و جار له حقان: حق الجوار و حق الاسلام. \par و جار له حق الجوار و هو المشرك من اهل الكتاب. \par و قال الزجاج: الجار ذى القربى الذى يقاربك و تقار به و يعرفك و تعرفه، و الجار الجنب: البعيد. قال و لا يجوز ان يكون المراد بذى القربى القرب من القرابه لانه قد سبق ذكر القرابه و الامر بالاحسان اليهم بقوله: و بذى القربى. \par و يمكن ان يجاب عنه بان يقال هذا جائز و ان كان قد سبق ذكر القرابه لان الجار اذا كان قريبا فله حق القرابه و الجوار، و القريب الذى ليس بجار له حق القرابه حسب فحسن افراد الجار القريب بالذكر انتهى. و اما الصاحب بالجنب فليس المراد به الجار بل قيل هو الرفيق فى امر حسن كتعلم و صناعه و سفر لانه صحبك و حصل بجنبك و منهم من قعد بجنبك فى مسجد او مجلس، و قيل هو المنقطع اليك يرجو نفعك و رفدك، و قيل هو الخادم يخدمك و قيل هو المرئه و الاولى حمله على الجميع. \par و فى الحديث قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: ما زال جبرئيل يوصينى بالجار حتى ظننت انه سيورثه. \par و عن اميرالمومنين عليه السلام: الله الله فى جيرانكم فانه وصيه نبيكم ما زال يوصينى بهم حتى ظننت انه سيورثهم. \par و الاخبار فى ذلك كثير من طريق الخاصه و العامه و ما زالت العرب فى جاهليتها و اسلامها تعظم امر الجار و تفتخر بذلك و تعير من لا يعتنى به. \par (المشهور بين اصحابنا انه ليس فى المال حق واجب سوى الزكوه و الخمس) \par المسئله الرابعه- الظاهران المراد بالتبعات فى قوله عليه السلام: و ان تخلص اموالنا من التبعات: ما سوى الزكوه من الحقوق فرضا كانت كالخمس و واجب النفقات او ندبا و هو ما عداه مما ليس حقا واجبا. قال صاحب المدارك: المشهور بين اصحابنا خصوصا المتاخرين انه ليس فى المال حق واجب سوى الزكوه و الخمس انتهى. \par و انما سمى ما ليس بواجب تبعه لما وقع من التاكيد فى استحباب الافضال لذى المال حتى وقع التعبير عنه فى الاخبار بانه فرض من الله تعالى. \par قوله عليه السلام: و ان نراجع من هاجرنا، المراجعه: المعاوده و منه راجع الرجل امراته. و فى المحكم: راجع الشى ء: رجع اليه، و هاجره بمعنى هجره اى تركه و رفضه. و انصفت الرجل: عاملت بالعدل و القسط و الاسم: النصفه بفتحتين لانك اعطيته من الحق مثل ما تستحقه لنفسك و الغرض: التوقى من الميل و الجور فى معامله الظالم بان يوفقه تعالى لمعاملته بالانصاف لا بما يقتضيه التشفى و تودى اليه الحميه و الغيظ. و سالمه مسالمه و سلاما: صالحه و الاسم: السلم بكسر السين و فتحها و سكون اللام. و عاداه معاداه نصب له العداوه و هى حاله تتمكن من القلب لقصد الاضرار و الانتقام. و حاشا هنا للاستثناء و هى حرف بمنزله الا عند سيبويه و اكثر البصريين لكنها تجر المستثنى فما بعدها مجرور بها. و فيك اى لا جلك و لك: من باب عطف الشى ء على مرادفه. و صافاه مصافاه: اخلصه الود و صدقه المحبه و الاخاء و اصله من الصفو و هو الخلوص من الكدر. \par
011    44    و ان نتقرب اليك فيه من الاعمال الزاكيه بما تطهرنا به من \par
011    44    الذنوب، و تعصمنا فيه مما تستانف من العيوب، حتى لا يورد عليك احد من ملائكتك الا دون ما نورد من ابواب الطاعه لك، و انواع القربه اليك) \par و الاعمال الزاكيه: الصالحه او الناميه المباركه من زكى يزكو بمعنى صلح او من زكى الزرع يزكو اذا حصل منه نمو كثير و بركه. و التطهير من الذنوب هنا بمعنى غفرانها و اذهابها بالاعمال الزاكيه كما قال تعالى: ان الحسنات يذهبن السيئات. و تعصمنا: اى تحفظنا من عصمه الله من المكروه يعصمه من باب ضرب اى حفظه و وقاه. و استانفت الشى ء استينافا: ابتداته، و المعنى و تحفظنا مما نريد ان نستانفه من العيوب او مما نشارف استينافه من العيوب تعبيرا بالفعل عن ارادته او مشارفته كقوله تعالى: و الذين يتوفون منكم و \par
011    44    يذرون ازواجا وصيه لازواجهم اى و الذين يشارفون الوفاه و ترك الازواج يوصون وصيه لازواجهم لان الوصيه لا تكون بعد الوفاه و كذلك العصمه لا تكون بعد الاستيناف و لكن قبلها. و العيب فى الاصل مصدرعا به اذا ادخل فيه نقصا ثم استعمل اسما فجمع على عيوب. و حتى تعليليه بمعنى كى اى كيلا يورد عليك احد من ملائكتك الا دون ما نورده من ابواب الطاعه و انواع القربه اليك، يقال اوردت على فلان كذا اى اتيته به. \par (ذكر احتمالات اربعه فى قوله عليه السلام: حتى لا يورد عليك احد..) \par قال بعضهم: حاصل هذا الكلام: حتى تكون اعمال الملائكه دون اعمالنا من الطاعه و القربه. \par و قيل معناه: حتى لا يورد عليك احد من ملائكتك الذين هم كتبه الاعمال من ذنوبنا الادون ما نورده من ابواب الطاعه لك و انواع القربه اليك. \par و قيل معناه: حتى لا يورد عليك احد من ملائكتك من اعمال العباد الا دون ما نورده عليك من ابواب الطاعه و انواع القربه. \par قلت: و يحتمل وجها آخر و هو ان يكون المعنى حتى لا يورد عليك احد من ملائكتك من اعمالنا الا دون ما نورده من ابواب الطاعه، فان من ابواب الطاعه، فان من ابواب الطاعه ما لا يعلمه الملائكه و لا يكتبونه كما يدل على ذلك صريحا ما: \par رواه ثقه الاسلام فى الكافى بسند حسن او صحيح عن زراره عن احدهما عليهماالسلام قال: لا يكتب الملك الا ما سمع و قد قال الله عز و جل: و اذكر ربك فى نفسك تضرعا و خيفه فلا يعلم ثواب ذلك الذكر فى نفس الرجل غير الله عز و جل لعظمته، و هذا وجه سديد و لا يخفى انه انسب من الوجوه المتقدمه. \par و لكن الاولى ان يقدر المستثنى اعم من جميع ما ذكر لان الاستثناء مفرغ و هو انما يكون فى الجنس الذى لا اعم منه. و دون: وصف لموصوف محذوف و التقدير حتى لا يورد عليك احد من ملائكتك شيئا من الاعمال الا عملا دون ما نورده من ابواب الطاعه اى \par
011    44    اقل منه كما و كيفا. و ابواب الطاعه: انواعها و اقسامها. و انواع القربه اى انواع اسبابها و ذرائعها. \par
012    44    (الاشاره الى اعلى درجه الجنه و هى الفردوس و المراد من الرفيق الاعلى) \par (اللهم انى اسئلك بحق هذا الشهر، و بحق من تعبد لك فيه من ابتدائه الى وقت فنائه، من ملك قربته، او نبى ارسلته، او عبد صالح اختصصته ان تصلى على محمد و آله، و اهلنا فيه لما وعدت اوليائك من كرامتك، و اوجب لنا فيه ما اوجبت لاهل المبالغه فى طاعتك، و اجعلنا فى نظم من استحق الرفيع الاعلى برحمتك). \par التاكيد تاكيد بان لصدق الرغبه و كمال العنايه و الاهتمام و اظهار غايه التضرع و الابتهال، و بحق هذا الشهر اى بما ثبت عندك و وجب لديك من الفضيله و الكرامه، و تعبد الرجل: تنسك و اجتهد فى العباده. و قوله عليه السلام: من ابتدائه اى وقت ابتدائه فحذف المضاف و اناب المصدر منا به توسعا و منه قوله تعالى: و من الليل فسبحه و ادبار النجوم اى وقت ادبارها و فى عباره الدعاء شاهد لورود من لابتداء الغايه فى الزمان، و ارسلته اى بعثته، و الاختصاص: افراد بعض الشى ء بما لا يشاركه فيه الجمله تقول: اختص الله محمدا لنفسه اى جعله خاصته بحيث لا يشاركه احد فيما له عنده من المنزله. و اهلنا فيه لما و عدت اوليائك اى اجعلنا اهلا له يقال اهلك الله للخير تاهيلا و فلان اهل للاكرام اى مستحق و مستوجب له و هم اهل له يستوى فيه المفرد و الجمع و منه: هو اهل التقوى و اهل المغفره اى حقيق بان يتقى و حقيق بان يغفر، و الاولياء: جمع ولى و هو فعيل بمعنى المفعول و هو من يتولى الله تعالى حفظه و حراسته على التوالى او بمعنى الفاعل اى يتولى عباده الله تعالى و طاعته على الولاء من غير تخلل معصيه. قال بعضهم: و كلا الوصفين شرط فى الولايه. و اوجب لنا اى اثبت لنا من وجب الشى ء يجب وجوبا اذا ثبت و لزم. و اهل المبالغه: المتصفون بها كما يقال اهل العلم لمن اتصف به و المبالغه: مصدر بالغ فى كذا اى بذل جهده فى فعله و تتبعه. و النظم: التاليف \par
012    44    و ضم الشى ء الى آخر و المنظوم، يقال نظم من اللولو اى منظوم منه. و فى الاساس: جائنا نظم من جراد و نظام منه اى صف و عليه فالمعنى و اجعلنا فى جماعه من استحق الرفيع الاعلى او فى صفهم. و الرفيع: فعيل بمعنى فاعل من رفع ككرم رفعه اى شرف و علا و ارتفع فهو رفيع اى المقام الرفيع الاعلى و المراد به: اعلى مراتب الجنه و درجاتها. \par و فى الحديث: ان فى الجنه ماه درجه بين كل درجتين منها مثل ما بين السماء و الارض و اعلى درجاتها منها الفردوس و عليها يكون العرش و هى اوسط شى ء فى الجنه و منها تفجر انهار الجنه فاذا سالتم الله فاسالوه الفردوس. \par و فى نسخه: من استحق الرفيق الاعلى، قال ابن الاثير فى الحديث: و الحقنى بالرفيق الاعلى: الرفيق: جماعه الانبياء الساكنين اعلى عليين فعيل بمعنى جماعه كالصديق و الخليط يقع على الواحد و الجمع. \par
013    44    (المراد بدينه تعالى.. و عرفوا الدين بانه وضع الهى لاولى الالباب..) \par (اللهم صل على محمد و آله، و جنبنا الالحاد فى توحيدك، و التقصير فى تمجيدك، و الشك فى دينك، و العمى عن سبيلك، و الاغفال لحرمتك، و الانخداع لعدوك الشيطان الرجيم). \par جنبت الرجل الشر جنوبا من باب قعد: ابعدته عنه، و جنبته بالتشديد مبالغه كانك جعلته على جانب منه اى ناحيه و منه: و اجنبنى و بنى ان نعبد الاصنام و الالحاد: الميل عن الحق الى الباطل و التقصير فى الامر: التوانى فيه. و مجدته تمجيدا نسبته الى المجد و وصفته به. و الشك: الارتياب و اضطراب القلب و النفس، و قال جماعه: الشك: خلاف اليقين فقولهم: خلاف اليقين هو التردد بين شيئين سواء استوى طرفاه او رجح احدهما على الاخر قال تعالى: فان كنت فى شك مما انزلنا اليك قال المفسرون: اى غير متيقن و هو يعم الحالتين و هذا المعنى هو المراد هنا و المراد بدينه تعالى: الاسلام لقوله تعالى و من يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه و عرفوا الدين بانه وضع الهى \par
013    44    لاولى الالباب يتناول الاصول و الفروع. و العمى: فقدان البصر و يستعار للقلب كنايه عن الضلال بجامع عدم الاهتداء و هو المراد هنا. و سبيله تعالى: كل ما يتوصل به الى رضاه و ثوابه. و اغفلت الشى ء اغفالا: تركته اهمالا من غير نسيان. و الحرمه بالضم: ما يجب القيام به و يحرم التفريط فيه و الاغفال له. و منه قوله تعالى: و من يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه و يدخل فيه ما حرم الله تعالى من ترك الواجبات و فعل المحرمات. و الانخداع: مطاوع خدعته خدعا من باب منع فانخدع اذا اظهرت له خلاف ما تخفيه فوثق بك و اطمان اليك. و الشيطان الرجيم: المردود عن الخيرات و عن منازل الملاء الاعلى. \par
014    44    (ان لله فى كل ليله من شهر رمضان عند الافطار سبعين) \par (الف الف عتيق من النار) \par (اللهم صل على محمد و آله، و اذا كان لك فى كل ليله من ليالى شهرنا هذا رقاب يعتقها عفوك، او يهبها صفحك فاجعل رقابنا من تلك الرقاب، و اجعلنا لشهرنا من خير اهل و اصحاب) \par اذا هنا واقعه موقع اذ فى كونها للماضى مثلها فى قوله تعالى: و لا على الذين اذا ما اتوك لتحملهم قلت لا اجد لنزول الايه بعد الاتيان. و كذلك الدعاء وقع بعد ان ثبت ان له تعالى فى كل ليله من ليالى هذا الشهر رقابا يعتقها عفوه و هى و ان كانت للمستقبل غالبا لكن نص الجمهور على انها قد تكون للماضى كاذ كما ان اذ تكون للمستقبل كاذا. و الرقاب: جمع رقبه و هى العنق و فجعلت كنايه عن جميع الذات. و اوفى قوله: «او يهبها صفحك» للتنويع، قال الراغب: الصفح: ترك التثريب و التقرير بالمذنب و هو ابلغ من العفو و قد يعفو الانسان و لا يصفح. \par و قد ورد بمضمون هذه الفقره من الدعاء جمله احاديث: \par روى ثقه الاسلام فى الكافى بسنده عن ابى جعفر عليه السلام قال كان رسول الله يقبل بوجهه الى الناس فيقول يا معشر الناس اذا طلع هلال شهر رمضان غلت مرده الشياطين \par
014    44    و فتحت ابواب السماء و ابواب الجنان و ابواب الرحمه و غلقت ابواب النار و استجيب الدعاء و كان فيه عند كل فطر عتقاء يعتقهم الله من النار و ينادى مناد كل ليله هل من سائل هل من مستغفر؟ الحديث. \par و بسنده عن ابى عبدالله عليه السلام: ان لله عز و جل فى كل ليله من شهر رمضان عتقاء و طلقاء من النار الامن افطر على مسكر فاذا كان فى آخر ليله منه اعتق فيها مثل ما اعتق فى جميعه. \par و روى شيخ الطائفه فى التهذيب بسنده عن عمر بن يزيد عن ابى عبدالله عليه السلام قال: ان لله فى كل يوم من شهر رمضان عتقاء من النار الامن افطر على مسكر او مشاحن او صاحب شاهين قال قلت: و اى شى ء صاحب شاهين؟ قال: الشطرنج. \par و روى شيخ ابومحمد هارون بن موسى التلعكبرى باسناده عن ابى عبدالله عليه السلام فى خبر طويل: ان على بن الحسين عليه السلام كان يقول: ان لله فى كل ليله من شهر رمضان عند الافطار سبعين الف الف عتيق من النار كل قد استوجب النار فاذا كان آخر ليله من شهر رمضان اعتق فيها مثل ما اعتق فى جميعه. \par
015    44    (الفرق بين الخطيئه و السيئه) \par (اللهم صل على محمد و آله، و امحق ذنوبنا مع امحاق هلاله، و اسلخ عنا تبعا تنامع انسلاخ ايامه حتى ينقضى عنا و قد صفيتنا فيه من الخطيئات، و اخلصتنا فيه من السيئات، \par المحق: ذهاب الشى ء كله حتى لا يبقى منه شى ء و الفعل من باب منع و منه انمحاق الهلال لثلاث ليال من آخر الشهر لذهاب نوره كله. و المراد بالهلال: القمر، تسميه له على ما كان عليه كتسميه البالغ يتيما، او المراد به الليلتان من آخر الشهرست و عشرين و سبع و عشرين يسمى فى هاتين الليلتين هلالا ايضا. و يحتمل ان يكون المراد به الشهر اى العدد المعروف من الايام فقد نقل الفيومى فى المصباح انه قيل: ان الهلال هو الشهر بعينه فيكون المراد بامحاقه: انقضائه و فنائه. و السلخ: اخراج الشى ء مما لابسه و نزعه عنه من سلخ الشاه و هو نزع جلدها عنها و الفعل من باب منع و قتل اى و انزع عنا تبعاتنا. و انسلاخ الايام: انقضائها و مضيها قال تعالى: فاذا انسلخ الاشهر الحرام فاقتلوا المشركين اى اذا انقضت و مضت. و صفا الشى صفوا من باب قعد و صفاء: اذا خلص من الكدر فهو صاف، و صفيته من القذى تصفيه: ازلته عنه. و خلص الماء من الكدر خلوصا من باب قعد: صفا، و اخلصته اخلاصا كخلصته تخليصا: صفيته و منه اخلص له الموده، و اخلص لله دينه. \par و فرقوا بين الخطيئه و السيئه: بان الخطيئه: الصغيره، و السيئه: الكبيره لان الخطاء بالصغيره انسب و السوء بالكبيره الصق. و قيل: الخطيئه ما لا عمد فيه و السيئه ما كان عن عمد. \par و قيل: الخطيئه: ما كان بين الانسان و بين الله، و السيئه ما كان بينه و بين العباد. \par و قال الراغب: السيئه و الخطيئه متقاربان الا ان الخطيئه اكثر ما تستعمل فيما لا يكون مقصودا اليه فى نفسه بل يكون القصد الى شى ء لكن تولد من ذلك: الفعل كمن يرمى صيدا فاصاب انسانا، او شرب مسكرا فجنى جنايه فان كان ذلك الشى ء الذى تولدت الخطيئه منه محظورا فعله كشرب المسكر كان ما يتولد من الخطاء عنه غير متجافى عنه. \par
016    44    اللهم صل على محمد و آله، و ان ملنا فيه فعدلنا، و ان زغنا فيه فقومنا، و ان اشتمل علينا عدوك الشيطان فاستنقذنا منه) \par و الميل: العدول عن الوسط الى احد الجانبين و يستعمل فى الجور، و مال الحائط ميلازال عن استواء. و عدلته تعديلا: سويته فاستوى. و الزيغ: الميل عن الاستقامه و منه: فلما زاغوا ازاغ الله قلوبهم اى لما فارقوا الاستقامه عاملهم الله بذلك: و قومته تقويما فتقوم: عدلته فتعدل، و اشتمل على الشى ء: احاط به واصله من الاشتمال بالثوب و هو ان يدير الثوب على جسده كله لا يخرج منه يده. و انقذته من الشر و استنقذته منه: اذا خلصته منه قال تعالى: و كنتم على شفا حفره من النار فانقذكم منها. \par
017    44    (ان المصابيح زينه محسوسه لادراكها بالبصر، و الطاعه للاوقات زينه) \par (معقوله لا دراكها بالعقل) \par (اللهم اشحنه بعبادتنا اياك، و زين اوقاته بطاعتنا لك، و اعنا فى نهاره على صيامه و فى ليله على الصلوه و التضرع اليك، و الخشوع لك، و الذله بين يديك حتى لا يشهد نهاره علينا بغفله و لا ليله بتفريط، \par شحن السفينه شحنا من باب نفع: ملاءها و اتم جهازها كلها. و زين اوقاته بطاعتنا اى اجعلها زينه لها كما قال تعالى: و لقد زينا السماء الدنيا بمصابيح لان المصابيح للسماء زينه محسوسه لادراكها بالبصر، و الطاعه للاوقات زينه معقوله لادراكها بالعقل و اسناد الشحن و التزيين الى الله سبحانه من باب الاسناد الى السبب اذ كان هو المقدر على ذلك و الموفق له، و اعانه الله تعالى للعبد عباره عن افاضه قوه على استعداده تقوى بها نفسه و عقله و جسده على المستحسن من الاعمال كالصلوه و الزكوه و الصيام. و التضرع: المبالغه فى الابتهال و السوال و الخشوع: الخضوع و التواضع، و قيل: الخشوع باعتبار افعال الجوارح. و الخضوع و التواضع يعتبران بالاخلاق و الافعال الظاهره و الباطنه و لذلك قيل: اذا تواضع القلب خشعت الجوارح. و الذله بالكسر: الهوان و الاستكانه و هى اشرف القربات الى الله تعالى لانها انما تكون عن قهر النفس الاماره بالسوء و شرف المخلوق فى اظهار العبوديه و المذله و الضراعه له سبحانه كما قال: لن يستنكف المسيح ان يكون عبدا لله و لا الملائكه المقربون تنبيها على ان ذلك رفعه و عزه لاضعه و ذله. قوله عليه السلام: حتى لا يشهد نهاره علينا بغفله، تعليل لمضمون الفقر الاربع السابقه و هذه الشهاده انما تكون بلسان الحال فان النهار و الليل لما كانا ظرفين لما يقع فيهما كان حضور هما و ما يكون فيهما فى علم الله بمنزله الشهاده عنده و الغفله: سهو يعترى الانسان من قله التحفظ و التيقظ، و قيل: هى متابعه النفس على ما تشتهيه. و قال سهل: الغفله: ابطال الوقت بالبطاله و هذا المعنى هنا انسب بسياق الدعاء من غيره. و التفريط التقصير. \par
018    44    اللهم و اجعلنا فى سائر الشهور و الايام كذلك ما عمرتنا. \par و سائر الشهور: باقيها اى فيما بقى من الشهور و الايام سوى شهر رمضان. ما مصدريه زمانيه اى مده تعميرنا. \par (ما خلق الله خلقا الا جعل له فى الجنه منزلا و فى النار منزلا) \par (و اجعلنا من عبادك الصالحين الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون و الذين يوتون ما آتوا و قلوبهم و جله انهم الى ربهم راجعون، و من الذين يسارعون فى الخيرات و هم لها سابقون). \par فيه اقتباسان: \par الاول- من قوله تعالى: اولئك هم الوارثون، الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون فالمراد بعباده الصالحين هم المشار اليهم بقوله تعالى: اولئك هم الوارثون و هم المومنون باعتبار اتصافهم بالصفات السبع المذكوره فى قوله تعالى: قد افلح المومنون، الذينهم فى صلوتهم خاشعون، و الذينهم عن اللغو معرضون. و الذينهم للزكوه فاعلون، و الذينهم لفروجهم حافظون، الا على ازواجهم او ما ملكت ايمانهم فانهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فاولئك هم العادون، و الذينهم لا ما ناتهم و عهدهم راعون، و الذينهم على صلواتهم يحافظون و عبر عنهم بالصالحين للاشاره الى ان الصلاح ينتظم جميع هذه الصفات و لذلك فسروا: الصالح: بانه القائم بما يلزمه من حقوق الله سبحانه و حقوق الناس. و قوله تعالى: يرثون الفردوس اى ينالونها و يملكونها كما ينال الوارث الارث بجامع الحصول من غير كد و لا تعب فكانت شبيها بالميراث. \par قال الراغب: يقال لكل من حصل له شى ء من غير تعب: قد ورث كذا و يقال لمن خول شيئا مهنئا اورث كذا قال تعالى: تلك الجنه التى نورث من عبادنا من كان تقيا و قيل: الوجه فى ذلك ان الميراث كما يطلق على ما ملكه الميت يطلق على ما يقدر ملكه فيه و لذلك قالوا للديه انها ميراث المقتول و كل من فى الجنه فله مسكن \par
018    44    مفروض فى النار على تقدير كفره، و كل من فى النار فله مسكن مفروض فى الجنه على تقدير ايمانه فاذا تبادل المسكنان كان جميع اهل الجنه وارثين ولكن كل الفردوس لا يكون ميراثا بل بعضه ميراث و بعضه بالاستحقاق الا انه يصدق بالجمله انهم ورثوا الفردوس. \par عن ابى عبدالله عليه السلام قال: ما خلق الله خلقا الا جعل له فى الجنه منزلا و فى النار منزلا فاذا دخل اهل الجنه الجنه و اهل النار النار نادى مناد يا اهل الجنه اشرفوا فيشرفون على اهل النار و ترفع لهم منازلهم فيها ثم يقال لهم هذه منازلكم التى لو عصيتم لدخلتموها يعنى فى النار قال فلو ان احدا مات فرحا لمات اهل الجنه فى ذلك اليوم فرحا لما صرف عنهم من العذاب ثم ينادى مناد: يا اهل النار ارفعوا روسكم فيرفعون روسهم فينظرون الى منازلهم فى الجنه و ما فيها من النعيم فيقال: هذه منازلكم التى لواطعتم ربكم لدخلتموها قال فلو ان احدا مات حزنا لمات اهل النار فيورث هولاء منازل هولاء و يورث هولاء منازل هولاء و ذلك قول الله عز و جل: اولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون. \par و الفردوس: الجنه و لهذا انث الضمير فى قوله: هم فيها خالدون، قيل هو اسم لجميع الجنه و قيل لطبقتها العليا و اصل الفردوس: البستان و جمعه فراديس. \par و الاقتباس الثانى- من قوله تعالى: ان الذين هم من خشيه ربهم مشفقون و الذين هم بايات ربهم يومنون، و الذينهم بربهم لا يشركون، و الذين يوتون ما آتوا و قلوبهم و جله انهم الى ربهم راجعون اولئك يسارعون فى الخيرات و هم لها سابقون و فى هذا الاقتباس دليل على جواز تغيير لفظ المقتبس بزياده او نقصان و نحو ذلك لان المقتبس ليس بقرآن حقيقه بل كلام يماثله. فقوله عليه السلام: و من الذين يسارعون فى الخيرات مقتبس من قوله تعالى: اولئك يسارعون فى الخيرات فغيره الى ما ترى فلو كان المقتبس قرآنا لما ساغ ذلك بوجه. \par
019    44    (الفرق بين الوقت و الحين) \par (اللهم صل على محمد و آله، فى كل وقت و كل اوان و على كل حال عدد ما صليت على من صليت عليه، و اضعاف ذلك كله بالاضعاف التى لا يحصيها غيرك انك فعال لما تريد). \par الوقت: مقدار من الزمان مفروض لا مرما. و الاوان: الحين و هو الزمان قل او كثر سواء كان مفروض الامرام لا، فكل وقت حين دون العكس فعطف قوله: و كل اوان على كل وقت من باب عطف العام على الخاص. و عدد منصوب على انه مفعول مطلق يبين لعدد عامله اى صل عليه صلوه مثل عدد ما صليت فحذف الموصوف ثم المضاف و اقيم المضاف اليه مقامه، و ضعف الشى ء: مثله و ضعفاه: مثلاه. و اضعافه: امثاله، و احصيت الشى ء احصاء: احطت به حصرا و عدا، و قال الراغب: الاحصاء: التحصيل بالعدد و ذلك من لفظ الحصى لانهم كانوا يعتمدونه فى العدد كاعتمادنا فيه على الاصابع و جمله: انك فعال لما تريد، تعليل للدعاء و مزيد استدعاء للاجابه اى لا يمتنع عليك شى ء تريده و لا يعجزك امر تشائه بل كل ما تريده فانك تفعله البته لا يصرفك عنه صارف و لا يمنعك منه مانع. و قال الزمخشرى: انما قيل: فعال لان ما يريد و يفعل فى غايه الكثره. \par
001    45    الدعاء الخامس و الاربعون: من ادعيه الصحيفه السجاديه دعائه عليه السلام فى وداع شهر رمضان \par \par
001    45    بسم الله الرحمن الرحيم \par (ما معنى الوداع لشهر رمضان و ليس هو من الحيوان الذى يخاطب) \par (او يعقل ما يقال له باللسان؟) \par الوداع بالفتح: اسم من التوديع كالسلام اسم من التسليم يقال: و دعته توديعا: اذا شيعته عند سفره. و قال الراغب: التوديع: اصله من الدعه و هى الراحه و خفض العيش و هو ان يدعو للمسافر بان يتحمل الله عنه كآبه السفر و ان يبلغه الدعه كما ان التسليم دعاء له بالسلامه فصار ذلك متعارفا فى تشييع المسافر و تركه. \par قال السيد الجليل سند الطائفه ابوالقاسم رضى الدين على بن طاوس الحسنى قدس الله روحه و نور ضريحه فى كتاب الاقبال بالاعمال: \par ان سئل سائل فقال: ما معنى الوداع لشهر رمضان و ليس هو من الحيوان الذى يخاطب او يعقل ما يقال له باللسان؟ \par فالجواب: ان عاده ذوى العقول قبل الرسول و مع الرسول و بعد الرسول قد جرت بمخاطبه الديار و الاوطان و الشباب و اوقات الصفا و الامان و الاحسان ببيان المقال و هو محادثه لها بلسان الحال، فلما جاء ادب الاسلام امضى ما شهدت بجوازه من ذلك احكام العقول و الافهام و نطق به القرآن المجيد فقال جل جلاله: يوم نقول لجهنم هل امتلاءت؟ و تقول هل من مزيد؟ فاخبر ان جهنم ترد الجواب بالمقال و هو اشاره الى لسان الحال و ذلك كثير فى القرآن الشريف و فى كلام الائمه عليهم السلام و كلام اهل التعريف فلا يحتاج اولوالالباب الى الاطاله فى الجواب، فلما كان شهر رمضان قد صحبه ذو العنايه به من اهل \par
001    45    الاسلام و الايمان صحبه افضل لهم من صحبه الديار و المنازل و كان انفع لهم من الاهل و ارفع من الاعيان و الاماثل اقتضت دواعى لسان الحال ان يودع عند الفراق و الانفصال انتهى كلامه رفع مقامه. \par قلت: و هو فى اصطلاح اهل البيان من باب الاستعاره المكنيه التخييليه: شبه شهر رمضان بالصاحب الذى عزم على السفر بجامع الذهاب ثم طوى ذكر المشبه به و ذكر المشبه و جعل اثبات الوداع له تنبيها على ذلك و هو التخييل و قس ذلك الحال فى خطابه بما يخاطب به العقلاء المميزين فيما سياتى فى اثناء الدعاء. \par ( ان خلق الله الخلق و تكليفه اياهم بعبادته و شكره انما) \par (هو ليربحوا عليه لا ليربح هو عليهم) \par
001    45    (اللهم يا من لا يرغب فى الجزاء، \par رغبت فى الشى ء من باب علم رغبا بفتح الراء و الغين: اردته، و رغبت عنه: اذا لم ترده. و الجزاء: المكافاه على الشى ء اى لا يريد من خلقه مكافاه على احسانه اليهم لانه غنى لنفسه فلا يحتاج الى غيره حتى ان خلقه لهم و تكليفه اياهم بعبادته و شكره انما هو ليربحوا عليه لا ليربح هو عليهم كما قال عز و جل: ما اريد منهم من رزق و ما اريد ان يطعمون و قال جل و علا: و من يشكر فانما يشكر لنفسه و من كفر فان الله غنى حميد \par
002    45    و يا من لا يندم على العطاء \par و ندم على الشى ء ندما و ندامه من باب فرح: اسف و حزن على ما وقع منه و تمنى انه لم يقع و تنزيهه تعالى عن الندم اما مطلقا فلان حقيقته: تحسر النفس و غمها من تغير راى فى امر فائت و ذلك محال عليه سبحانه من وجهين: \par احدهما- ان التحسر و الغم من توابع المزاج و لما كان البارى عز و جل منزها عن الجسميه و المزاج وجب ان يكون منزها عن التحسر و الغم. \par الثانى- ان تغير الراى فى امر فائت انما يكون عن الجهل بعواقب الامور و ما يترتب على ذلك الامر من نفع و ضر و الجهل عليه تعالى محال. \par و اما الندم على خصوص العطاء فهو محال عليه سبحانه من وجوه: \par الاول- ما علمت من استحاله مطلق الندم عليه فيمتنع الندم على خصوص العطاء عليه جل جلاله لان نفى العام يقتضى نفى الخاص. \par الثانى- ان الندم على العطاء انما يكون لاحد الامرين: اما لتضرر المعطى بذلك العطاء الذى ندم عليه و التضرر على الله تعالى محال، و اما لظهور عدم قابليه من اعطاه لذلك العطاء فيتمنى انه لم يقع و ذلك محال عليه سبحانه لاستلزامه الجهل السابق و هو محال كما عرفت. \par الثالث- ان ما يصدر عنه تعالى من عطاء و منع مضبوط بنظام الحكمه و العدل كما قال فى محكم كتابه: و ان من شى ء الا عندنا خزائنه و ما ننزله الا بقدر معلوم اى متلبسا بمقدار معين تقتضيه الحكمه و تستدعيه المشيه التابعه لها و ما كان عن حكمه مقتضيه له يستحيل الندم عليه. \par
003    45    و يا من لا يكافى عبده على السواء \par و كافاته كفاء و مكافاه: جزيته بالاحسان احسانا و بالاسائه اسائه واصله من الكفو بمعنى المثل. و السواء: اسم مصدر بمعنى الاستواء يقال هما على سواء فى هذا الامر و على سويه اى على تعادل و تماثل من غير تفاوت ثم اطلق على العدل و استعمل استعماله. \par و المعنى انه تعالى لا يكافى عبده على عمله بالسويه بل ان كان احسانا ضاعفه له كما قال عز و جل: من جاء بالحسنه فله عشر امثالها و ان كان سيئه غفرها كما قال تبارك و تعالى: و ان ربك لذو مغفره للناس على ظلمهم و ان عذبه عليها فبعد انذار و امهال لا يستحقه بل تفضلا منه فصح انه لم يكافئه عليها بالسويه ايضا. \par
004    45    منتك ابتداء و عفوك تفضل، و عقوبتك عدل، و قضائك خيره، \par و منتك ابتداء اى نعمتك مبتداه لا عن استحقاق كما جاء فى الدعاء ايضا: يا من بداء بالنعمه قبل استحقاقها. و عفوك تفضل اى غير واجب عليك و لا لازم لك و كل جميل لا يلزم فاعله فهو تفضل. و عقوبتك عدل اى انصاف لاستحاله الظلم و الجور عليه تعالى و قد تكرر هذا المعنى فى القرآن المجيد كقوله تعالى: فاليوم لا تظلم نفس شيئا و لا تجزون الا ما كنتم تعملون و قوله تعالى: و وجدوا ما عملوا حاضرا و لا يظلم ربك احدا و قوله تعالى: انما تجزون ما كنتم تعملون و مثله فى القرآن العزيز كثيره. و قضائك خيره اى حكمك اختيار و الخيره بكسر الخاء المعجمه و سكون الياء المثناه من تحت و فتحها: اسم من الاختيار و هو فعل ما هو خير او اخذه اى لا تقضى و لا تحكم الا بما هو خير و ان خفى وجه ذلك علينا فعدم العلم بالشى ء لا يستلزم العلم بعدمه، كيف؟ و علمه سبحانه فعلى كامل و علمنا انفعالى ناقص فهو تبارك و تعالى يعلم الاسباب و ما يترتب عليها و الحوادث و ما نشات هى منها و يحيط علمه بالمبادى و الغايات لا يعزب عنه مثقال ذره فى السموات و لا فى الارض و نحن قد تخفى علينا المصلحه و العاقبه و تشتبه علينا المصالح بالمفاسد. \par و بالجمله فمن تصور قصور نفسه و كمال علم الله تعالى علم انه لا يقضى الا بما هو خير و لا يامر الا بما هو اصلح. \par
005    45    ان اعطيت لم تشب عطائك بمن، و ان منعت لم يكن منعك تعديا، \par و شابه شوبا من باب قال: خلطه مثل شوب اللبن. و المن: قول يكدر العطاء و ينقصه لما يتضمن من التعيير الذى تنكسر منه القلوب و لذلك نهى سبحانه عنه بقوله: و لا تبطلوا صدقاتكم بالمن و الاذى و المنع هنا ضد العطاء. و نزل اعطيت و منعت، هنا منزله اللازم لان المعنى: ان وجد منك عطاء او منع فهو كقوله تعالى: هل يستوى الذين يعلمون و الذين لا يعلمون و قولهم: زيد يعطى و يمنع اى يفعل العطاء و المنع و يوجد هذه الحقيقه. و التعدى: الظلم و تجاوز الحد. \par (انما لم يكن منعه تعالى تعديا لوجهين، و بيان ذلك..) \par و انما لم يكن منعه تعالى تعديا لوجهين: \par احدهما- ان عطائه و منعه سبحانه لا يصدر ان الا بمقتضى الحكمه و العدل فلا يكون منه تعديا و ظلما. \par الثانى- ان المنع انما يكون ظلما اذا كان فاعله مانعا لذى حق حقه و منعه سبحانه ليس كذلك اذ ليس لاحد على الله حق حتى يكون منعه تعديا و ظلما و الى هذا اشار مولانا الرضا عليه السلام و قد ساله رجل فقال اخبرنى عن الجواد، فقال ان لكلامك وجهين: \par فان كنت تسئل عن المخلوق فان الجواد الذى يودى ما افترض الله عليه و ان كنت تسال عن الخالق فهو الجواد ان اعطى و هو الجواد ان منع لانه ان اعطاك، اعطاك ما ليس لك و ان منعك منعك ما ليس لك. \par
006    45    تشكر من شكرك و انت الهمته شكرك، \par قوله عليه السلام: تشكر من شكرك و انت الهمته شكرك، شكره تعالى لعباده قيل عباره عن مجازاته على شكرهم له، و قيل هو قبوله يسير العمل منهم و اثابتهم الكثير عليه اذ كان حقيقه الشكر لا يجوز عليه سبحانه من حيث كان اعترافا بالنعمه و لا يصح ان يكون سبحانه منعما عليه. و جمله قوله عليه السلام: و انت الهمته شكرك، فى محل نصب على الحال اى و الحال انك الهمته و عرفته ان يشكرك، و الغرض بيان مزيد كرمه سبحانه و سعه فضله و احسانه حيث الهم عباده الشكر ثم اثابهم عليه. \par
007    45    و تكافى ء من حمدك و انت علمته حمدك. \par تكافى ء من حمدك اى تجازيه و تثيبه عليه مع انك علمته حمدك. \par
008    45    (الاشاره الى ستره تعالى، و بعض الاخبار الوارده فى الستر) \par (تستر على من لو شئت فضحته و تجود على من لو شئت منعته، و كلاهما اهل منك للفضيحه و المنع غير انك بنيت افعالك على التفضل، و اجريت قدرتك على التجاوز، \par ستره سترا من باب قتل: غطاه و ستره تعالى عباره عن اخفاء: مساويه و عدم اطلاع الخلق على فضائحه و عيوبه. \par و منه الحديث: من ستر اخاه المسلم فى الدنيا ستره الله يوم القيمه. و تعديته بعلى لتضمينه معنى الاشفاق و الابقاء و انما اصله ان يتعدى بنفسه كما وقع فى الحديث. و ورد فى حديث آخر يعدى بعلى للتضمين المذكور: \par و هو قوله عليه السلام: من ستر على مومن فكانما احيا ميتا. و حذف مفعول فعل المشيه و الاراده و نحوهما مطرد اذا وقع شرطا اى لو شئت فضحه فضحته و لو شئت منعه منعته كقوله تعالى فلو شاء لهديكم اجمعين اى لو شاء هدايتكم لهديكم اجمعين و فائدته البيان بعد الابهام فانه متى قيل: لو شئت، و لو شاء، علم السامع ان هناك شيئا علقت المشيه عليه لكنه مبهم عنده فاذا جى ء بجواب الشرط صار مبينا و هذا اوقع فى النفس لكن يشترط ان لا يكون تعلق فعل المشيه بالمفعول غريبا نادرا كقوله: فلو شئت ان ابكى دما لبكيته فان تعلق فعل المشيه ببكاء الدم غريب نادر الوقوع فلابد من ذكر المفعول ليتقرر فى نفس السامع و يانس به. و فضحه فضحا من باب نفع: كشفه. و كلا: اسم لفظه مفرد و معناه مثنى و يلزم اضافته الى مثنى نحو قام كلا الرجلين او الى ضميره كما وقع فى عباره الدعاء. و اهل منك اى مستحق منك للفضيحه و المنع. قوله عليه السلام: غير انك، غير بمعنى الا و الاستثناء منقطع اى لكنك بنيت افعالك على التفضل لان كل استثناء منقطع يقدر بلكن عند البصريين، و الكوفيون يقدرونه بسوى قال بعض المحققين: و يرده انها لا تفيد الاستدراك و المستثنى المنقطع للاستدراك و دفع توهم دخوله فى الحكم السابق. و نصب غير على الاستثناء لانها تعرب باتفاق اعراب المستثنى بالا و المستثنى المنقطع اذا لم يصح فيه التفريع وجب نصبه اجماعا. و بنيت افعالك على التفضل اى اثبتها و قررتها على الجميل و الاحسان الذى لا يلزمك و لا يجب عليك و لا يترتب على عمل فيكون اجرا و جزاء، شبه التفضل بالاساس و القاعده التى يبنى عليها. و اجريت قدرتك على التجاوز اى جعلتها جاريه مستمره على العفو يقال: تجاوز عنه اذا عفا عنه، \par
009    45    و تلقيت من عصاك بالحلم، و امهلت من قصد لنفسه بالظلم تستنظرهم باناتك الى الانابه و تترك معاجلتهم الى التوبه لكيلا يهلك عليك هالكهم، و لا يشقى بنعمتك شقيهم الاعن طول الاعذار اليه، و بعد ترادف الحجه عليه، كرما من عفوك يا كريم و عائده من عطفك يا حليم). \par و تلقيت من عصاك بالحلم اى استقبلته به و منه قوله تعالى: تتلقيهم الملائكه اى يستقبلونهم. و الحلم هو الامساك عن المبادره الى الانتقام. و امهلت من قصد لنفسه بالظلم \par
009    45    اى انظرته و لم تستعجله. و قصدت الشى له و اليه قصدا من باب ضرب: طلبته و اردته بعينه اى و لم تعاجل بالانتقام من ظلم نفسه. قوله: تستنظرهم باناتك الى الانابه، جمله مستانفه للتعليل اى لانك تستنظرهم، يقال: انتظرته و استنظرته: اذا تانيت عليه و لم تستعجله، و الاناه على وزن حصاه: اسم من تانى فى الامر اى تمهل و تمكث و لم يعجل. و الانابه: الرجوع الى الله تعالى بالتوبه و اخلاص العمل قال تعالى: و انيبوا الى ربكم و اسلموا له و استنظاره تعالى عباره عن طلب عنايته عود الخلق الى طاعته و رجوعهم الى ما فيه نجاتهم من التوبه و الانابه اليه. و المعاجله: مصدر عاجله بذنبه اذا اخذه به و لم يمهله. و قوله عليه السلام: لكيلا يهلك عليك هالكهم اى لئلا يستوجب العذاب على غير رضا منك مستوجبه منهم. و لا يشقى بنعمتك اى بسبب نعمتك فان النعمه قد تكون سببا للشقاء. \par
010    45    (انت الذى فتحت لعبادك بابا الى عفوك، و سميته التوبه، و جعلت على ذلك الباب دليلا من وحيك لئلا يضلوا عنه، فقلت- تبارك اسمك-: توبوا الى الله توبه نصوحا عسى ربكم ان يكفر عنكم سيئاتكم و يدخلكم جنات تجرى من تحتهاالانهار، \par الفتح: ازاله الاغلاق. و الباب: مدخل الامكنه كالمدينه و الدار. و الضلال هنا بمعنى الميل عن القصد. و تبارك: اما من البروك المستلزم للمقام فى موضع و احد و الثبات فيه و اما من البركه بمعنى الزياده و النمو فبالاعتبار الاول هو اشاره الى عظمته باعتبار دوام بقائه و تحقق وجوده و بالاعتبار الثانى اشاره الى فضله و احسانه و لطفه و هدايته. و تخصيص آيه التحريم بالذكر دون غيرها من الايات فى معنى التوبه لتضمنها صريحا ارشاد المومنين الى طريق التوبه و وصف التوبه بالنصوح: هو من قولهم عسل ناصح اذا خلص من الشمع اى توبه خالصه لوجه الله تعالى بان يندم على الذنوب بقبحها و كونها خلاف رضاء الله لا لخوف النار مثلا. و قد حكم المحقق الطوسى فى التجريد بان الندم على الذنوب خوفا من النار ليس توبه. \par
011    45    يوم لا يخزى الله النبى و الذين آمنوا معه، نورهم يسعى بين ايديهم و بايمانهم، يقولون: ربنا اتمم لنا نورنا، و اغفرلنا، انك على كل شى ء قدير. فما عذر من اغفل دخول ذلك المنزل بعد فتح الباب و اقامه الدليل؟) \par قوله: نورهم يسعى بين ايديهم و بايمانهم. قال المفسرون اى على الصراط يوم القيمه و هو دليلهم الى الجنه، و قيل: المراد بالنور: الضياء الذى يرونه و يمرون فيه، و عن قتاده: ان المومن يضى ء له نوره كما بين عدن الى صنعاء و دون ذلك حتى ان من المومنين من لا يضى ء له نوره الا موضع قدميه. \par و قال عبدالله بن مسعود: يوتون نورهم على اقدار اعمالهم فمنهم من نوره مثل الجبل و ادناهم نورا من نوره على ابهامه ينطفى مره و يقد اخرى. \par و قال النيسابورى: الكمالات و الخيرات كلها انوار يوم القيمه و اكمل الانوار معرفه الله سبحانه، و انما قال: من بين ايديهم و بايمانهم لان ذلك اماره النجاه و لهذا ورد ان السعداء يوتون صحائف اعمالهم من هاتين الجهتين كما ان الاشقياء يوتونها من شمائلهم و وراء ظهورهم و معنى سعى النور بين ايديهم و بايمانهم: سعيه بسعيهم مقدما اياهم و جنيبا لهم. \par و عن ابى عبدالله عليه السلام فى قوله تعالى: يسعى نورهم بين ايديهم و بايمانهم، قال: ائمه المومنين يوم القيمه تسعى بين ايدى المومنين و بايمانهم حتى ينزلوهم منازل الجنه. \par و عن ابى جعفر عليه السلام فى معنى الايه: فمن كان له نور يومئذ نجا و كل مومن له نور و قوله: يقولون.. اى يقولون اذا طفى نور المنافقين: ربنا اتمم لنا نورنا خوفا من زواله على عاده البشريه او يدعون بذلك تقربا الى الله تعالى مع تمام نورهم لانه يجوز ان يدعو المومن بما هو حاصل له مثل «اهدنا» و قيل تفاوت انوارهم بحسب اعمالهم فيسالون اتمامه تفضلا لا مجازاه لانقطاع التكليف و العمل يومئذ. و قيل: السابقون الى \par
011    45    الجنه يمرون مثل البرق على الصراط و بعضهم كالريح و بعضهم حبوا و زحفا و اولئك الذين يقولون ربنا اتمم لنا نورنا. و قوله: و اغفر لنا اى ما كان منا مما يوجب عدم اتمام النور انك على كل شى ء من اطفاء النور و اتمامه قدير فاعل لما تشاء لا يعجزك شى ء و اغفلت الشى ء اغفالا: تركته اهمالا من غير نسيان. \par
012    45    (شبه عليه السلام فعل الطاعات و الحسنات) \par (بالمتاجره لله سبحانه بجامع طلب المنفعه) \par (و انت الذى زدت فى السوم على نفسك لعبادك، تريد ربحهم فى متاجرتهم لك و فوزهم بالوفاده عليك، و الزياده منك، فقلت- تبارك اسمك و تعاليت-: من جاء بالحسنه فله عشر امثالها و من جاء بالسيئه فلا يجزى الامثلها \par زاد الشى ء يزيد زيدا و زياده فهو زائد و زدته انا، يستعمل لازما و متعديا فانا زائد اياه و قد يعدى بفى كعباره الدعاء و منه الحديث: لا يزيد فى العمر الا البر. و السوم: مصدر سام البايع السلعه من باب قال، اذا عرضها للبيع و ذكر ثمنها. و سامها المشترى ايضا طلب بيعها و عرف بانه طلب البيع بالثمن الذى يقدر به المبيع. و الربح: الزياده الحاصله فى المبايعه. و المتاجره مفاعله من التجاره و هى التصرف فى راس المال طلبا للربح. و تاجرت زيدا: اوقعت معه التجاره. \par و اعلم انه عليه السلام شبه فعل الطاعات و الحسنات بالمتاجره لله سبحانه بجامع طلب المنعه و هى استعاره تحقيقيه تصريحيه حيث اطلق اسم المشبه به على المشبه و ذكر السوم و الربح ترشيحا لها. و فى قوله: زدت فى السوم على نفسك ايذان بكمال العنايه بهم من حيث جعله تعالى هو الطالب لمتاجرتهم اياه بدليل زيادته فى السوم الذى هو فى الاغلب من شان البايع لا شان المشترى الا ان يكون المشترى هو الراغب فى السلعه و الطالب لبيعها و هى نكته عجيبه قال من يتنبه لها الامن نور الله قلبه لفهم مقاصده عليه السلام جعلنا الله منهم. \par و فاز بالشى ء فوزا: ظفر به مع السلامه. و وفد عليه و اليه و فدا من باب و عدو و فودا و وفاده: ورد عليه منتجعا له و مسترفدا اياه فهو و افدوهم و فد كصاحب و صحب. و تعاليت اى ارتفعت بذاتك و تنزهت عن مماثله المخلوقين فى ذاتك و صفاتك و افعالك و عن ان يحيط بك وصف الواصفين بل علم العارفين. \par قوله تعالى: من جاء بالحسنه فله عشر امثالها قيل معناه اى من جاء بالخصله الواحده من خصال الطاعه فله عشر امثالها و من جاء بالسيئه اى بالخصله الواحده من خصال الشر فلا يجزى الامثلها. و قيل اى من جاء يوم القيمه بالاعمال الحسنه من المومنين اذ لا حسنه بدون ايمان فله عشر حسنات امثالها فاقام الصفه مقام الموصوف بعد حذفه كقرائه من قرا عشر امثالها بالرفع و التنوين على الوصف و من جاء بالسيئه اى بالاعمال السيئه كائنا من كان من العالمين فلا يجزى الامثلها و ذلك من عظيم فضل الله تعالى و جزيل احسانه على عباده حيث لا يقتصر فى الثواب على قدر الاستحقاق بل يزيد عليه و ربما يعفو عن ذنوب المومن منا منه عليه و تفضلا و ان عاقب، عاقب على قدر الاستحقاق. \par و المفسرون على ان العشر اقل موعود من الاضعاف و قد جاء الوعد بسبعين و بسبعماه و بغير حساب، و قيل: ليس المراد التحديد و الحصر فى عدد خاص بل الاضعاف و الكثره مطلقا. \par عن ابى ذر قال حدثنى الصادق المصدق عليه السلام: ان الله قال: الحسنه عشر او ازيد و السيئه واحده او اغفر فالويل لمن غلبت آحاده اعشاره. \par
013    45    و قلت: مثل الذين ينفقون اموالهم فى سبيل الله كمثل حبه انبتت سبع سنابل فى كل سنبله مائه حبه، و الله يضاعف لمن يشاء، و قلت من ذا الذى يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له اضعافا كثيره، و ما انزلت من نظائر هن فى القرآن من تضاعيف الحسنات). \par قوله عليه السلام: قوله تعالى: مثل الذين ينفقون اموالهم هذا التمثيل تصوير للاضعاف سواء وجد فى الدنيا سنبله بهذه الصفه او لم توجد. \par
013    45    قوله تعالى: من ذا الذى يقرض الله قرضا حسنا من: اسم استفهام فى اللفظ و معناه: الترغيب و انما بنى الكلام على الاستفهام لانه ادخل فى الترغيب و الحث على الفعل من ظاهر الامر و هو فى موضع رفع بالابتداء و ذا، اسم اشاره و هو الخبر و الموصول نعت له او بدل منه، و اجاز الكوفيون كون ذا زائده و الموصول مع صلته خبر المبتدء، و ظاهر كلام جماعه انه يجوز ان يكون من و ذا مركبتين كما فى قولك: ماذا صنعت فى احد الوجهين. \par و الاكثرون على ان لفظ القرض فى الايه مجاز فان القرض انما ياخذه من يحتاج اليه لحاجه و ذلك فى حق الله محال و لان البدل فى القرض المعتاد لا يكون الا بالمثل و ها هنا يضاعف و لان المال الذى ياخذه المستقرض لا يكون ملكا له و ها هنا المال الماخوذ ملك الله ثم مع حصول هذه الفروق سمى الله تعالى الانفاق او النفقه فى سبيله قرضا له تنبيها على ان ذلك لا يضيع عندالله سبحانه فكما ان القرض يجب ادائه و لا يجوز الاخلال به فكذا الثواب المستحق على ذلك و اصل الى المكلف لا محاله. \par
014    45    (الاقوال فى معنى اذكرونى اذ كركم) \par (و انت الذى دللتهم بقولك من غيبك و ترغيبك الذى فيه حظهم على مالو سترته عنهم لم تدركه ابصارهم و لم تعه اسماعهم، و لم تلحقه اوهامهم، فقلت: اذكرونى اذكركم، و اشكرو الى و لا تكفرون، و قلت: لئن شكرتم لازيدنكم و لئن كفرتم ان عذابى لشديد، \par دللته على الشى ء و اليه من باب قتل دلاله: ارشدته اليه و الغيب فى الاصل مصدر غاب الشى ء اذا استتر عن العيون و استعمل فى كل غائب عن الحاسه و عما يغيب عن علم الانسان بمعنى الغائب و المراد به هنا: ما لا يقع تحت الحواس و لا تقتضيه بدايه العقول و انما يعلم بالوحى و اخبار الانبياء عليهم السلام. و اضافته اليه تعالى لاختصاص علمه به تعالى كما قال سبحانه: و لله غيب السموات و الارض اى يختص به علم ما غاب عن العباد فيهما. و الحظ: الجد و البخت. و ادراك الشى ء عباره عن الوصول اليه و الاحاطه به. و البصر: ادراك حاسه النظر و قد يطلق على العين من حيث انها محله اى لم تصل اليه ابصارهم و لم تحط به. و وعيت الحديث وعيا من باب وعد: حفظته قال تعالى: و تعيها اذن واعيه و السمع: ادراك القوه السامعه و تطلق على الاذن لكونها محله كما فى البصر اى لم تحفظه اسماعهم. و لحقته الحقه من باب تعب لحاقا: ادركته. و المراد بالوهم هنا: الادراك المتعلق بالقوه العقليه المتعلقه بالمعقولات و القوه المتعلقه بالمحسوسات جميعا و قد شاع ذلك فى الاستعمال و دلت عليه مضامين الاخبار. و الغرض: انك لو لم تدلهم و ترشدهم الى ذلك لم يمكنهم ادراكه بوجه و هذا معنى الغيب. \par و معنى اذكرونى اذكركم: \par اى اذكرونى بالطاعه اذكركم بالثواب. \par و قيل: اذكرونى بطاعتى اذكركم برحمتى. \par و قيل: اذكرونى بطاعتى اذكركم بمعونتى. \par و قيل: اذكرونى بالشكر اذكركم بزياده. \par و قيل: اذكرونى على ظهر الارض اذكركم فى بطنها. \par و قيل: اذكرونى فى الدنيا اذكركم فى العقبى. \par و قيل: اذكرونى فى النعمه و الرخاء اذكركم فى الشده و البلاء. \par و قيل: اذكرونى بالدعاء اذكركم بالاجابه. \par و قيل: اذكرونى فى الخلوات اذكركم فى الفلوات. \par و قيل: اذكرونى بالصدق و الاخلاص اذكركم بالخلاص و مزيد الاختصاص. \par و قيل: اذكرونى بالعبوديه اذكركم بالربوبيه. \par و كل ذلك عائد الى حمل الذكر على ماله تعلق بالثواب و اظهار الرضا و استحقاق المنزله و الاكرام فالحمل على جميع هذه الاقوال مفرده و مجموعه صحيح و قد مر ذكر \par الشكر غير مره. قوله عليه السلام: قلت «لئن شكرتم لازيدنكم» اولها: و اذ تاذن ربكم لئن شكرتم لازيدنكم الى آخرها، و التاذن: الايذان بمعنى الاعلام يقال آذنه و تاذنه مثل اوعده و توعده اى اعلمه اى و اذكروا اذ تاذن ربكم اى آذن ايذانا بليغا لا يبقى معه شائبه شبهه لما فى صيغه التفعل من معنى التكلف المحمول فى حقه تعالى على غايته التى هى الكمال. \par (الشكر عباره عن صرف العبد جميع ما انعم الله به عليه فيما اعطاه لاجله) \par (و بعض المطالب المربوطه بالدعاء) \par قال بعض المحققين فى تفسير هذه الايه قد تقرر ان الشكر بالحقيقه عباره عن صرف العبد جميع اصناف ما انعم الله تعالى به عليه فيما اعطاه لاجله، و لا شك ان المكلف اذا سلك هذا الطريق كان دائما فى مطالعه اقسام نعم الله و فى ملاحظه دقايق لطفه و صنعه و فى اعمال الجوارح فى الاعمال الصالحه الكاسبه لانوار الملكات الحميده، و شغل النفس بمطالعه النعم يوجب مزيد محبه المنعم و قد يترقى العبد من هذه الحاله الى ان يصير حبه للمنعم شاغلا له عن رويه النعم و تصدر منه الاعمال الصالحه بطريق الاعتياد حتى يصير التطبع طباعا و التكلف خلقا و هذا معنى امتراء الشكر مزيد الانعام و قد تفيض عليه بحكم وعد الله الذى هو الحق و الصدق سجال مواهبه الدينيه و الدنيويه لانه مهما صار مطيعا منقادا لواجب الوجود سبحانه تجلى فيه نور الوجوب فلا غروان ينقاد لذلك النور كثير من الممكنات و ينفتح عليه باب التصرف فى الخلق بالحق للحق و ان كان حال المكلف بضد ما قلناه ظهر عليه اضداد تلك الاثار لا محاله و ذلك قوله تعالى: و لئن كفرتم يعنى كفران النعمه ان عذابى لشديد. \par
015    45    و قلت: ادعونى استجب لكم، ان الذين يستكبرون عن عبادتى سيدخلون جهنم داخرين.) \par قوله عليه السلام: و قلت: ادعونى استجب لكم و اولها: و قال ربكم ادعونى استجب لكم، و اكثر المفسرين على ان الدعاء ها هنا بمعنى العباده، و الاستجابه بمعنى الاثابه و لما عبر عن العباده بالدعاء جعل الاثابه استجابه للمجانسه و ذلك لقوله سبحانه: \par
015    45    ان الذين يستكبرون عن عبادتى. و الدعاء بمعنى العباده كثير فى القرآن كقوله: ان يدعون من دونه الا اناثا. \par روى النعمان بن بشير ان رسول الله صلى الله عليه و آله قال: الدعاء: العباده و قرء هذه الايه. \par و جوز آخرون ان يكون الدعاء و الاستجابه على ظاهر هما و يراد بعبادتى: دعائى اى سوالى لان الدعاء باب من العباده و يصدقه قول ابن عباس: افضل العباده الدعاء و هو المروى عن اهل البيت عليهم السلام. \par روى زراره عن ابى جعفر عليه السلام قال: ان الله عز و جل يقول: ان الذين يستكبرون عن عبادتى سيدخلون جهنم داخرين قال: هو الدعاء و افضل العباده الدعاء. \par و روى حماد بن عيسى عن ابى عبدالله عليه السلام قال: سمعته يقول: ادع و لا تقل قد فرغ من الامر فان الدعاء هو العباده ان الله عز و جل يقول: ان الذين يستكبرون عن عبادتى سيدخلون جهنم داخرين، و قال: ادعونى استجب لكم. \par و قد تواترت الاخبار عنهم عليهم السلام فى هذا المعنى و سبق ذكر كثير منها فيما تقدم و هو صريح قوله عليه السلام فى متن الدعاء: فسميت دعائك عباده. و معنى قوله داخرين: اذلاء صاغرين. \par قال بعض اهل التحقيق: كل من دعا الله و فى قلبه مثقال ذره من المال و الجاه و غير ذلك فدعائه لسانى لا قلبى و لهذا قد لا يستجاب لانه اعتمد على غير الله و فيه بشاره على ان دعاء المومنن وقت حلول اجله يكون مستجابا البته لانقطاع تعلقه حينئذ عما سوى الله. \par قوله عليه السلام: فسميت دعائك عباده، و انما سماه عباده لانه افضل ابوابها كما مر فان العباده اظهار غايه التذلل و لا اعظم من ذلك من الدعاء و السوال المحقق للحاجه و الافتقار و الخضوع و الانكسار. و انما سمى تركه استكبارا لما فيه من التعظم و عدم الاذعان له بالفاقه اليه عز و جل كان التارك له اظهر من نفسه ما ليس له و هو الغنى عن \par
015    45    ربه سبحانه و هذا حقيقه الاستكبار المذموم. \par
016    45    (قول صاحب الكشاف فى آيه: انما نطعمكم لوجه الله..) \par (فذكروك بمنك، و شكروك بفضلك، و دعوك بامرك، و تصدقوا لك طلبا لمزيدك، و فيها كانت نجاتهم من غضبك، و فوزهم برضاك \par بمنك اى بانعامك من من عليه يمن منا من باب قتل اى انعم عليه. و الفضل: ما لا يلزم المعطى اعطائه. و تصدق: اعطى صدقه، و لك اى لا جلك لا لغرض من اغراض النفس و حظ من حظوظها كالرئاء و السمعه. و فيه ظاهرا تاييد لقول من قال بان اراده الفوز بثواب الله تعالى و السلامه من سخطه ليست امرا مخالفا لاراده وجه الله سبحانه فانه عليه السلام جعل التصدق له سبحانه لغرض طلب مزيده. \par و يحتمل ان يكون طلب المزيد عله للتصدق المعلل على معنى انهم تصدقوا لوجهك لانهم طلبوا مزيدك و من طلب مزيدك لازم الاخلاص فى التصدق لك، نبه على مثل ذلك صاحب الكشف فى قوله تعالى: انما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء و لا شكورا انا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا قال صاحب الكشاف: انا نخاف، يحتمل ان احساننا اليكم للخوف من شده ذلك اليوم لا اراده مكافاتكم، و يحتمل انا لا نريد منكم المكافاه لخوف عقاب الله على طلب المكافاه. قال صاحب الكشف: فيكون على الاحتمال الثانى تعليلا لعدم اراده الجزاء و الشكور ليبقى قوله لوجه الله خالصا غير مشوب بحظ النفس من جلب نفع او دفع ضر و لو جعل عله للاطعام المعلل على معنى انما خصصنا الاحسان لوجه الله لا نخاف يوم جزائه و من خافه لازم الاخلاص لكان وجها انتهى. \par قوله عليه السلام: و فيها كانت نجاتهم من غضبك، قيل: الضمير عائد الى الامور المذكوره من الذكر و الشكر و الدعاء و التصدق. و قيل الى الزياده المطلوبه من التصدق. و يحتمل \par عوده على الصدقه المدلول عليها بقوله فتصدقوا لك. \par و اظهر من ذلك كله عوده الى الدلاله التى تضمنها قوله عليه السلام فى صدر هذا الفصل من الدعاء: و انت الذى دللتهم بقولك من غيبك كما يقتضيه بلاغه النظم و يقضى به الذوق السليم. \par
017    45    و لو دل مخلوق مخلوقا من نفسه على مثل الذى دللت عليه عبادك منك كان موصوفا بالاحسان، و منعوتا بالامتنان و محمودا بكل لسان، فلك الحمد ما وجد فى حمدك مذهب، و ما بقى للحمد لفظ تحمد به، و معنى ينصرف اليه). \par قوله عليه السلام: و لودل مخلوق مخلوقا.. لو: حرف شرط لتقديره و فرضه واقعا فى الماضى مع الجزم و القطع بانتفاء الشرط فيلزم انتفاء المشروط كما تقول: لو جئتك لا كرمتك معلقا الاكرام بالمجى ء مع الجزم بانتفائه فيلزم انتفاء الاكرام فهى اذن لا متناع الثانى و هو الجزاء لامتناع الاول و هو الشرط اى الدلاله على ان انتفاء الثانى فى الخارج بسبب انتفاء الاول لا انه يستدل بامتناع الاول على امتناع الثانى. \par و جمله الشرط فى الدعاء مستانفه للاستدلال بقضيه العقل ان دلالته تعالى على ما يدل عليه عباده نعمه مستوجبه للشكر مقتضيه للحمد فان المخلوق الذى لو دل على مثل ذلك كان محمودا انما كان يدل عليه بمشيته تعالى و قضائه و قدره و اقداره و انما هو كالواسطه فى ذلك و الدال حقيقه ليس الا هو سبحانه فاذا كان من هو كالواسطه مستوجبا للحمد بشهاده العقول فالفاعل الحقيقى اولى بان يكون محمودا. \par
018    45    (سبيله تعالى عباره عن طريقه التى يتوصل بها اليه و تسهيلها عباره..) \par (يا من تحمد الى عباده بالاحسان و الفضل، و غمرهم بالمن و الطول، ما افشى فينا نعمتك و اسبغ علينا منتك! و اخصنا ببرك! هديتنا لدينك الذى اصطفيت، و ملتك التى ارتضيت و سبيلك الذى سهلت و بصرتنا الزلفه لديك، و الوصول الى كرامتك). \par تحمد الى عباده اى خطب اليهم حمده و اراده منهم. و غمره يغمره غمرا من باب قتل: غطاه و ستره و الطول بالفتح: الانعام. و فشى الشى ء يفشو فشوا و فشوء: ظهر و انتشر. و سبغت النعمه سبوغا من باب قعد: اتسعت و فاضت و اسبغها الله افاضها و اوسعها و اتمها. و خصصته بكذا اخصه خصوصا من باب قعد: اذا جعلته له دون غيره اى ما اشد مخصوصيتنا ببرك، و مجى ء اسم التفضيل للمفعول و ان كان على غير القياس الا انه \par
018    45    قد سمع فى الفصيح نحو: اعذر و اشهر و اشغل و حيث كان عليه السلام افصح العرب فى زمانه لا يحتاج فيه الى السماع من غيره قطعا على ان بعض علماء العربيه اجازه قياسا بقله اذا امن اللبس. و البر بالكسر: الفضل الواسع، و التوسع فى فعل الخير. \par
019    45    و قد تقدم الكلام على معنى الدين و المله و الفرق بينهما. و سبيله تعالى طريقه التى يتوصل بها اليه و تسهيلها عباره عن تيسير سلوكها لمن هداه الله اليها، و بصرته الشى ء تبصيرا: عرفته اياه و اوضحته له. و الزلفه بالضم: القربه و الحظوه و المنزله اى عرفتنا القربه عندك و المنزله لديك لنطلبها، او عرفتنا كيف نطلبها و نصل اليها. و الكرامه: اسم من اكرمه اذا اوصل اليه نفعا شريفا يرفع به منزلته و يعلى مقداره. \par
020    45    (معنى الصفايا، و الفروض.. و حد بانه) \par (ما امر الله عباده ان يفعلوه كالصلوه و..) \par (اللهم و انت جعلت من صفايا تلك الوظائف، و خصائص تلك الفروض شهر رمضان الذى اختصصته من سائر الشهور، و تخيرته من جميع الازمنه و الدهور، و آثرته على كل اوقات السنه بما انزلت فيه من القرآن و النور، و ضاعفت فيه من الايمان، و فرضت فيه من الصيام، و رغبت فيه من القيام و اجللت فيه من ليله القدر التى هى خير من الف شهر) \par الصفايا: جمع صفيه كعطايا جمع عطيه و هى مونث الصفى و هو الخيار و الخالص من كل شى ء، و منه الصفى و الصفيه لما يصطفيه الرئيس لنفسه من المغنم قبل القسمه اى يختاره كالفرس و السيف و الجاريه. و الوظايف: جمع وظيفه و هى ما يقدر من عمل و رزق و نحوه. و الخصائص: جمع خصيصه بمعنى مخصوصه من خص الشى ء: اذا افرده بما لا يشاركه فيه الجمله. و الفروض: جمع فرض بمعنى المفروض من فرض الله الاحكام فرضا اوجبها و حد بانه ما امر الله عباده ان يفعلوه كالصلوه و الزكوه و الصوم و الحج و قيل هو ما ثبت بدليل مقطوع به كالكتاب و الاجماع فهو اخص من الواجب. و اختصصته اى خصصته. و سائر الشهور اى جميعها بشهاده ما بعده و فيه شاهد لاستعمال سائر بمعنى الجميع و هى لغه صحيحه ذكرها الجوهرى و وافقه عليها ابومنصور \par
020    45    الجو اليقى فى اول كتابه شرح ادب الكاتب فلا عبره بقول صاحب الكشف: لم يذكر ذلك غير الجوهرى و قد تقدم الكلام على ذلك. و تخيرته اى اخترته بمعنى فضلته و منه قوله تعالى: و لقد اخترناهم على علم اى فضلناهم. و آثرته بالمد بمعنى فضلته ايضا و مصدره الايثار. و ضاعفت الشى: ضممت اليه مثله فصاعدا. و اجللت فيه من ليله القدر اى عظمت قدرها من الجلاله و هى عظم القدر. \par
021    45    (ان صوم شهر رمضان من خصائص هذه الامه) \par (ثم آثرتنا به على سائر الامم، و اصطفيتنا بفضله دون اهل الملل، فصمنا بامرك نهاره، و قمنا بعونك ليله، متعرضين بصيامه و قيامه لما عرضتنا له من رحمتك، و تسببنا اليه من مثوبتك، و انت الملى ء بما رغب فيه اليك، الجواد بما سئلت من فضلك، القريب الى من حاول قربك) \par آثرتنا به اى اكرمتنا و فضلتنا به. و اصطفيتنا اى اخترتنا بسبب فضيلته. و هاتان الفقرتان صريحتان فى ان صوم شهر رمضان من خصائص هذه الامه. \par و اختلفوا فى التشبيه الذى دلت عليه الكاف فى قوله تعالى: كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم. \par فعن ابى عبدالله (ع) ان المراد بقوله: الذين من قبلكم: الانبياء فانه كان مفروضا عليهم دون الامم ففضلت به هذه الامه و فرض صيامه على رسول الله و على امته. و قيل: المراد به التشبيه فى اصل الوجوب دون الوقت و المقدار و المعنى ان الصوم عباده قديمه ما اخلى الله امه من ايجابها عليهم و لم يوجبها عليكم و حدكم. \par و عن اميرالمومنين عليه السلام فى قوله: الذين من قبلكم: اولهم آدم عليه السلام. و الغرض من ذلك تاكيد الحكم و الترغيب فيه و تطييب انفس المخاطبين به فان الشاق اذا عم سهل عمله. و تسبب الى الشى ء: توصل اليه. \par و الملى ء مهموز على فعيل: الغنى المقتدر يقال: هو ملى ء بذلك اى مضطلع به \par
021    45    قادر عليه و جاد يجود من باب قال جودا بالضم: تكرم فهو جواد و جاد بماله: بذله. و القرب: خلاف البعد و يستعملان فى الزمان و المكان و هما من عوارض الجسميه و الله تعالى منزه عن ذلك فالمراد بقر به سبحانه: دنوه بجوده من قابل فضله. \par
022    45    (و قد اقام فينا هذا الشهر مقام حمد، و صحبنا صحبه مبرور، و اربحنا افضل ارباح العالمين، ثم قد فارقنا عند تمام وقته و انقطاع مدته، و وفاء عدده، \par اقام بالمكان، اقامه: مكث فيه و المقام بالضم مصدر ميمى بمعنى الاقامه. و صحبت الشى ء اصحبه: من علم صحبه لازمه قال ابن فارس: كل شى ء لازم شيئا فقد صحبه. و المبرور: اسم مفعول من بره: اذا احسن اليه. و اربحته ارباحا من باب اكرم اى اعطيته ربحا بالكسر و هو الزياده الحاصله فى المبايعه ثم يتجوز به فى كل ما يعود من ثمره عمل و جمعه ارباح. و فارقته مفارقه و فراقا: انفصلت عنه و الاسم الفرقه بالضم. و تمام الشى ء: انتهائه الى حد لا يحتاج الى شى ء خارج عنه فان احتاج الى شى ء خارج عنه فهو ناقص و انقطع الشى ء انقطاعا: ذهب و منه قولهم: انقطع الحر و البرد و مده الشى ء بالضم: وقته و زمانه. و الوفاء: بلوغ التمام و منه درهم و اف اى تام الوزن. و عدده اى كميته و هى ايامه المعدوده. \par
023    45    (نحن مودعوه و داع من عز فراقه علينا) \par فنحن مودعوه وداع من عز فراقه علينا، و غمنا و اوحشنا انصرافه عنا، و لزمنا له الذمام المحفوظ، و الحرمه المرعيه و الحق المقضى). \par و عز فراقه اى عظم و صعب من قولهم: عز على كذا اذا اشتد و صعب و منه قوله تعالى: عزيز عليه ما عنتم و غمنا اى احزننا و اصل الغم: التغطيه و الستر و منه غم الهلال بالبناء للمفعول اذا ستر بغيم او نحوه. و سمى الحزن غما لانه يغطى السرور و اوحشنا اى اهمنا قال فى الصحاح: الوحشه: الخلوه و الهم و اصله من الوحش: خلاف الانس. و انصرافه عنا اى ذهابه. و لزم الشى ء يلزم من باب علم لزوما: ثبت و وجب و يقال لزمه ذلك ايضا: اذا تعلق به و الذمام: العهد، سمى بذلك لان الرجل يذم على اضاعته. و المحفوظ: اسم مفعول من حفظت العهد: اذا راعيته و منعته من الضياع اى الذمام و العهد \par
023    45    الذى من حقه ان يحفظ كقوله تعالى: كان على ربك وعدا مسئولا اى من حقه ان يسئل او يطلب. و الحرمه بالضم: ما لا يحل انتهاكه. و رعيتها: حفظتها اى الحرمه الحقيقيه ان ترعى و تحفظ. و الحق هنا بمعنى الواجب و اللازم و منه كان حقا علينا نصر المومنين و قضيت الحق: اديته و قمت به من القضاء بمعنى الفصل كانه فصل الامر فيه بادائه. و المقضى اى الذى من حقه ان يقضى. \par
024    45    (كل شى ء يشرف فى بابه فانه يوصف بالكرم) \par فنحن قائلون: السلام عليك يا شهر الله الاكبر، و يا عيد اوليائه، السلام عليك يا اكرم مصحوب من الاوقات، و يا خير شهر فى الايام و الساعات، \par اضافه الشهر الى الله تعالى للتعظيم. و وصفه بالاكبر لانه افضل الشهور. و العيد فى اللغه: ما يعود الى الانسان فى وقت معلوم و منه العيد لانه يعود كل سنه بفرح جديد و قيل: العيد: السرور العايد و لذلك يستعمل فى كل وقت فيه مسره. و انما جعله عليه السلام عيدا لاوليائه دون غيرهم لسرورهم و ابتهاجهم به دون. من سواهم. و معنى كونه اكرم مصحوب من الاوقات: انه اشرف الاوقات المصحوبه. قال الراغب: كل شى ء يشرف فى بابه فانه يوصف بالكرم قال تعالى: فانبتنا فيها من كل زوج كريم و قال: انه لقرآن كريم و قال بعضهم: الكرم ينعت به كل ما يرضى و يحمد فى بابه فيقال: مكان كريم و زمان كريم اذا كان كل منهما مرضيا فيما يتعلق به من المنافع قال تعالى: و مقام كريم و خير، من قوله: خير شهر للتفضيل يقال: هذا خير من هذا اى يفضله، و اسقاط الالف منه و من شهر مرادا بهما التفضيل و هى لغه جميع العرب ما عدا بنى عامر فانهم يقولون: اخير و اشر على القياس. \par
025    45    السلام عليك من شهر قربت فيه الامال، و نشرت فيه الاعمال، و من فى قوله من شهر بيانيه. و قرب الامال فيه عباره عن قرب نجاحها و حصولها و ذلك لانه من اعظم اوقات الاجابه و مظانها فكان الامال قريبه الحصول فيه لان الانسان اذا دعا الله تعالى بنجاح امله فيه او شك ان يستجاب له. و المراد بالاعمال هنا: الاعمال الصالحه. و نشرها عباره عن بثها و بسطها لكثره القيام بها فى هذا الشهر دون غيره. \par
026    45    السلام عليك من قرين جل قدره موجودا، و افجع فقده مفقودا، و مرجو آلم فراقه، \par و القرين: المقارن و المصاحب و جل الشى ء يجل بالكسر فهو جليل: و جل قدره اى عظمت حرمته. و الفجيعه: الرزيه. و نفد الشى ء عدمه بعد وجوده فهو اخص من العدم لان العدم يقال فيه و فيما لا يوجد. و المرجو: اسم مفعول من رجوته بمعنى املته. و الالم محركه: الوجع الشديد. \par
027    45    السلام عليك من اليف انس مقبلا فسر، و اوحش منقضيا فمض، \par و الاليف: اسم فاعل كعليم من الفته الفا من باب علم: اذا انست به و احببته و الاسم: الالفه بالضم. و انقضى الشى ء: ذهب و تصرم. مضه الوجع و الهم و امضه بالهمزه و بدونها: بلغ منه و اقلقه. \par
028    45    السلام عليك من مجاور رقت فيه القلوب، و قلت فيه الذنوب \par و المجاور: الجار فى السكن. ورق القلب اى خشع. و قله الذنوب باعتبار التناهى عنها و باعتبار غفرانها و التجاوز عنها. \par
029    45    (السلام عليك من ناصراعان على الشيطان، و صاحب سهل سبل الاحسان، \par لما كان الزمان من الاسباب المعده لحصول ما يحصل فى هذا العالم من الخير و الشر و كان شهر رمضان من الازمنه التى اعدها التى تعالى لاخبات النفوس و اقصارها عن المعاصى و القيام بالطاعات و كسب المثوبات حتى ان اكثر من مرد على الفسق و الفجور يتناهى فيه عما كان يرتكبه فى غيره و ينتهكه من الحرمات شبهه عليه السلام بالناصر المعين على الشيطان و الصاحب المسهل سبل الاحسان. \par و عن النبى صلى الله عليه و آله و سلم: انه تعالى و كل بكل شيطان سبعه املاك فى شهر رمضان فليس بمحلول حتى ينقضى. \par
030    45    (الاشاره الى اكثر عتقاء الله فى شهر رمضان) \par السلام عليك ما اكثر عتقاء الله فيك، و ما اسعد من رعى حرمتك بك، \par و اما اكثر عتقاء الله فيه فقد ورد بذلك اخبار عديده: \par فمنها ما روى عن الصادق عليه السلام: اذا كان اول ليله من شهر رمضان غفر الله لمن شاء من الخلق فاذا كان الليله التى تليها ضاعف كلما اعتق و هكذا فاذا كان آخر ليله ضاعف فيها كلما اعتق. \par و السعاده: معاونه الامور الالهيه للانسان على نيل الخير، و تضادها الشقاوه يقال: سعد يسعد من باب لقب سعدا و اسعده الله فهو مسعود و لا يقال مسعد. و رعى حرمته: حفظها و لم ينتهكها. و رعى حرمته عباره عن تعظيم قدره باجتناب ما يكره من قول و فعل فيه: \par كما روى عن ابى عبدالله عليه السلام انه قال: اذا صمت فليصم سمعك و بصرك و شعرك و جلدك و عدد اشياء غير هذا و قال: لا يكون يوم صومك كيوم فطرك. \par و عنه عليه السلام: اذا صمتم فاحفظوا السنتكم و غضوا ابصاركم و لا تنازعوا و لا تحاسدوا \par
031    45    السلام عليك ما كان امحاك للذنوب، و استرك لانواع العيوب، \par و المحو: ازاله الاثر و محو الذنوب: غفرانها و قيل محوها من صحائفها. و الستر: تغطيه الشى ء و معنى ستره للعيوب: كونه سببا لترك ذكرها بالتجاوز عنها فلا يطلع عليها احد، و اسناد المحو و الستر الى الشهر من باب المجاز العقلى. \par
032    45    السلام عليك ما كان اطولك على المجرمين، و اهيبك فى صدور المومنين، \par و الطول و القصر من الاسماء المتضايفه و يستعملان فى الاعيان و الاعراض كالزمان و نحوه قال تعالى: فطال عليهم الامد \par و الاجرام: اكتساب الاثم يقال: اجرم فهو مجرم. و معنى شده طوله على المجرمين: استثقالهم له و كراهيتهم اياه فهم يرون ايامه اطول الايام و شهره اطول الشهور. و هابه يهابه من باب تعب هيبه: خافه و حذره و يقال بمعنى اجله و وقره و عظمه ايضا قال ابن فارس: الهيبه: الاجلال و كلا المعنيين محتمل هنا. \par
033    45    السلام عليك من شهر لا تنافسه الايام، \par و نافسته منافسه: باريته فى الكرم و نافست فى الشى ء: رغبت فيه على وجه المعارضه و المغالبه عليه. و قال الراغب: المنافسه مجاهده النفس للتشبه بالافاضل و اللحوق بهم من غير ادخال ضرر على غيره. و المعنى ان الايام لا تباريه و لا تعارضه فى فضله اذ كان افضل الشهور و سيدها كما ورد فى الحديث. \par
034    45    السلام عليك من شهر هو من كل امر سلام، \par و السلام: مصدر بمعنى السلامه و هى الخلوص و التعرى من الافات اى هو سلامه من كل امر. \par
035    45    السلام عليك غير كريه المصاحبه و لا ذميم الملابسه) \par و كره الامر و المنظر كراهه فهو كريه مثل قبح قباحه فهو قبيح و زنا و معنى. و المعنى غير قبيح المصاحبه او غير مكروه المصاحبه. و ذممت الشى ء اذمه ذما: خلاف مدحته فهو ذميم و مذموم اى غير محمود. و لا بست فلانا ملابسه: خالطته و هى ابلغ من المصاحبه كان كلا منهما لبس صاحبه و الله اعلم. \par
036    45    السلام عليك كما وفدت علينا بالبركات، و غسلت عنا دنس الخطيئات \par الكاف فى قوله: كما وفدت للتعليل اى لوفودك علينا بالبركات كقوله تعالى: و اذكروه كما هديكم اى لهدايته اياكم. و وفد على القوم وفدا من باب و عدو و فودا فهو وافد اى قدم عليهم. و البركه: الخير الالهى و النماء و الزياده و السعاده. و الدنس محركه: الوسخ. \par
037    45    السلام عليك غير مودع برما، و لا متروك صيامه ساما، \par و برم بالشى ء برما مثل ضجر ضجرا فهو ضجر و زنا و معنى. و السام بالتحريك: الملاله. \par
038    45    السلام عليك من مطلوب قبل وقته، و محزون عليه قبل فوته، \par و طلب الشى ء قبل وقته: كنايه عن تمنى حصوله و ذلك لمحبته و شوق النفس اليه كما ان الحزن عليه قبل فوته لشده الرغبه فى بقائه و الحرص على اقتنائه و كم هنا خبريه بمعنى كثير. \par
039    45    السلام عليك كم من سوء صرف بك عنا، و كم من خير افيض بك علينا، \par و صرف الله عنه السوء: رده عنه. و فاض الخير: كثر. \par
040    45    السلام عليك و على ليله القدر التى خير من الف شهر، \par
041    45    السلام عليك ما كان احصرنا بالامس عليك، و اشد شوقنا غدا اليك. \par و الحرص فرط الاراده. و امس: اسم علم على اليوم الذى قبل يومك الذى انت فيه بليله و يستعمل فيما قبله من الزمن الماضى مجازا كما استعمل هنا و منه قوله تعالى: كان لم تغن بالامس وغد: اليوم الذى ياتى بعد يومك الذى انت فيه بليله ثم توسعوا فيه فاطلقوه على البعيد المترقب من الزمان و هو المراد هنا \par
042    45    السلام عليك و على فضلك الذى حرمناه، و على ماض من بركاتك سلبناه). \par و حرمناه اى منعناه بانقضائه. و السلب: اخذ الشى ء من الغير قهرا قال تعالى: و ان يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه و فى التعبير عن فواته بالسلب ايذان بكراهته لمضيه و انه لم يكن عن رضى بل عن قهر لا كما عليه اكثر الناس من فرحهم و استبشارهم بانقضائه و انصرامه و الله اعلم. \par
043    45    (الجهل على ثلثه اضرب و بيانها) \par (اللهم انا اهل هذا الشهر الذى شرفتنا به، و وفقتنا بمنك له حين جهل الاشقياء وقته، و حرمو الشقائهم فضله \par تصدير الجمله بحرف التاكيد لوفور النشاط و الرغبه، او لكمال العنايه و الاهتمام او لاظهار كمال التضرع و الابتهال فان كلا من ذلك يناسب المقام. و اهل هذا الشهر اى المختصون به اختصاص الرجل باهله و قرابته. و الشرف: علو المنزله. و وفقه الله لكذا توفيقا: سدده و جعله موافقا له. و المن: الاحسان. و الحين: وقت حصول الشى ء و هو مبهم المعنى و يتخصص بالمضاف اليه اى وقت جهل الاشقياء وقته. \par و الجهل على ثلثه اضرب: \par احدها- خلو النفس من العلم و هذا المعنى هو الاصل. \par و الثانى- اعتقاد الشى ء بخلاف ما هو عليه. \par و الثالث- فعل الشى ء بخلاف ما حقه ان يفعل سواء اعتقد فيه اعتقادا صحيحا او فاسدا كمن يترك الصلوه عمدا و هذا المعنى هو المراد هنا و لذلك وصف اصحابه بالشقاء فاسنده الى الاشقياء و هم التاركون لصيامه فجهلهم لوقته عباره عن اهمالهم له و اعراضهم عما يجب فيه من صيام و غيره. و الشقاء: المضره اللاحقه فى العاقبه لكن المراد به هنا سوء صنيعهم الذى هو سبب شقائهم و لذلك علل به حرمانهم فضله. و نظير ذلك قوله تعالى: الم تكن آياتى تتلى عليكم فكنتم بها تكذبون قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا و كنا قوما ضالين. \par قال امين الاسلام الطبرسى فى مجمع البيان يعنى استعلت علينا سيئاتنا التى اوجبت لنا الشقاوه. و لما كانت سيئاتهم التى شقوا بها سبب شقاوتهم سميت شقاوه توسعا- انتهى و المعنى: انهم حرموا لتركهم صيامه و قيامه الموجب لشقائهم فضله. \par
044    45    انت ولى ما آثرتنا به من معرفته، و هديتنا له من سنته، و قد تولينا بتوفيقك صيامه و قيامه على تقصير، و ادينا فيه قليلا من كثير \par و الولى فعيل بمعنى فاعل من وليه: اذا قام به. و آثرته بالمد: فضلته اى بما فضلتنا به من معرفته و العلم به. و السنه: الطريقه اى هديتنا له من طريقه صيامه و قيامه و ما يجب فيه و يحرم و يندب و يكره و توليت الامر: تقلدته و قمت به. و على بمعنى مع اى مع تقصيره كقوله تعالى: و ان ربك لذو مغفره للناس على ظلمهم اى مع ظلمهم. و الاداء: تسليم عين الثابت فى الذمه بالسبب الموجب كالوقت للصلوه و الشهر للصوم الى من يستحق ذلك الواجب. \par و لما كان ما يستحقه تعالى على العبد من الطاعات اكثر من ان تفى به طاقه البشر كما ورد: \par عن ابى الحسن عليه السلام ان الله لا يعبد حق عبادته، قال عليه السلام و ادينا فيه قليلا من كثيره. \par
045    45    اللهم فلك الحمد اقرارا بالاسائه و اعترافا بالاضاعه، و لك من قلوبنا عقد الندم، و من السنتنا صدق الاعتذار، فاجرنا على ما اصابنا فيه من التفريط اجرا نستدرك به الفضل المرغوب فيه، و نعتاض به من انواع الذخر المحروص عليه، \par قوله عليه السلام: اللهم فلك الحمد اقرارا بالاسائه و اعترافا بالاضاعه، الفاء لسببيه العمل فيه مع التقصير للحمد فانه يقتضيه و ان قل. و نصب اقرارا و اعترافا يحتمل المصدريه و الحاليه و المفعول لاجله اى حمد اقرار و اعتراف او مقرا و معترفا او للاقرار و الاعتراف. و المراد بالاضاعه هنا: الاهمال و التقصير فى الاعمال و اصلها الاهلاك من ضاع الشى يضيع ضياعا بالفتح: اذ اهلك و اضاعه اضاعه: اهلكه اهلاكا فاطلقت على الاهمال من باب اطلاق المسبب على السبب لان اهمال الشى ء يفضى الى هلاكه و ذهابه. و العقد: نقيض الحل ثم اطلق على احكام الامر و ابرامه و تاكيده و منه عقد العهد و اليمين اذا اكدهما، يعنى لك من قلوبنا تاكيد الندم و تحقيقه. و قال ابن الاثير فى النهايه: و فى حديث الدعاء: لك من قلوبنا عقده الندم، يريد عقد العزم على الندامه و هو تحقيق التوبه. و صدق الاعتذار عباره عن مطابقته لما فى الضمير و الاعتقاد يقال: اعتذر اعتذارا اذا اتى بعذر و اجره ياجره من بابى ضرب و قتل و آجره بالمد لغه ثالثه: اذا اثابه. و التفريط: التقصير يقال: ما فرطت فى كذا اى ما قصرت و هو من حيث هو لا يقتضى المثوبه لكن الاعتراف به و الندم عليه من موجباتها لان من عرف تقصير نفسه و نقصها كان فى مقام الذل و الفقر و الانكسار و لا عبوديه اشرف منها و لذلك ورد: \par فى الحديث عنهم (ع): اكثر من ان تقول: اللهم لا تخرجنى من التقصير. اى من الاعتراف به. \par و عن ابى جعفر عليه السلام انه قال لبعض اصحابه: لا اخرجك الله من النقص و التقصير اى من ان تعد طاعتك ناقصه و نفسك مقصره. و استدركت الشى ء بالشى ء: حاولت ادراكه به و منه استدراك ما فات. و الفضل: الخير و الزياده و الاحسان. و اعتاض: اخذ العوض. و الذخر بالضم: الذخيره من ذخرت الشى ء ذخرا من باب نفع: اعددته لوقت الحاجه و الاسم الذخر بالضم ايضا. \par
046    45    و اوجب لنا عذرك على ما قصرنا فيه من حقك، و ابلغ باعمارنا ما بين ايدينا من شهر رمضان المقبل، فاذا بلغتناه فاعنا على تناول ما انت اهله من العباده، و ادنا الى القيام بما يستحقه من الطاعه، و اجرلنا من صالح العمل ما يكون دركا لحقك فى الشهرين من شهور الدهر). \par و اوجب له الشى ء: اثبته له. و عذرته فيما صنع من باب ضرب رفعت عنه اللوم فهو معذور اى غير ملوم و الاسم العذر و الجمع: اعذار. و بلغت به المكان بلوغا من باب قعد اى بلغته و اوصلته اليه، و منه الحديث: قيل للقمان ما بلغ بك ما نرى؟ قال الطيبى فى شرح المشكوه: اى اى شى ء بلغك الى هذه الرتبه العليه التى نراك فيها. \par و ما بين ايدينا اى ما نستقبله لان ما يستقبله الانسان يكون بين يديه و اصل ذلك فى الاجسام ثم استعمل فى المعانى توسعا. و اقبل الشهر و العام اقبالا و قبل قبولا من باب قعد فهو مقبل و قابل: خلاف ادبر. قالوا: يقال فى المعانى: قبل و اقبل معا و فى الاشخاص: اقبل بالالف لا غير. و اعانته تعالى: توفيقه و تسديده بازاحه العلل و تقويه العزيمه. و التناول فى الاصل: اخذ الشى باليد يقال تناولت الكتاب اذا اخذته بيدك ثم استعمل فى مطلق الفعل توسعا كما وقع هنا اى اعنا على فعل ما انت اهله من العباده اى ما نستوجبه منها، يقال هو اهل لكذا اى مستوجب له و حقيق به. و اداه الى كذا: اوصله اليه. و قام بالامر يقوم به قياما: راعاه و حفظه. و اجرى له نفقه: جعلها جاريه اى داره متصله. و صالح العمل: ما لا فساد فيه. و الدرك بفتحتين: اسم من ادركت الشى ء اذا لحقته و وصلت اليه اى وفقنا دائما لان نعمل من العمل الصالح ما يكون ادراكا لحقك اى لما ثبت و وجب لك من الطاعه و العباده فى الشهرين اى الماضى و القابل من شهرى رمضان و قوله عليه السلام: من شهور الدهر، المراد بالدهر: مده العمر. \par
047    45    (حكم النسيان اذا كان منشاه التفريط و قله المبالاه...) \par (اللهم و ما الممنا به فى شهرنا هذا من لمم او اثم، او واقعنا فيه من ذنب، و اكتسبنا فيه من خطيئه على تعمدمنا، او على نسيان ظلمنا فيه انفسنا، او انتهكنا به حرمه من غيرنا، فصل على محمد و آله و استرنا بسترك، و اعف عنا بعفوك، و لا تنصبنا فيه لا عين الشامتين، و لا تبسط علينا فيه السن الطاعنين، و استعملنا بما يكون حطه و كفاره لما انكرت منا فيه برافتك التى لا تنفد، و فضلك الذى لا ينقص). \par الم بالمكان الماما: نزل به و لم يطل فيه لبثه، و الم بالامر: لم يتعمق فيه، و الم بالطعام: لم يسرف فى اكله، و اللمم بفتحتين، قيل: مقاربه الذنب، و قيل: فعل الصغيره ثم لا يعاوده كالنظره و القبله، و فى الكشاف فى قوله تعالى: الذين يجتنبون كبائر الاثم و الفواحش الا اللمم ان ربك واسع المغفره اللمم: ما قل و صغر، و منه اللمم: المس من الجنون و اللوثه منه، و الم بالمكان: اذا قل فيه لبثه، و الم بالطعام: قل منه اكله و المراد: الصغائر من الذنوب و قال الراغب: اللمم: مقاربه المعصيه و يعبر به عن الصغيره. \par عن ابى عبدالله عليه السلام: ما من مومن الاوله ذنب يهجره زمانا ثم يلم به و ذلك \par
047    45    قول الله عز و جل الا اللمم و الاثم قيل هو الكبيره و قيل هو جنس يشتمل على كبائر الذنوب و صغائرها. و واقعت الامر: خالطته و منه الوقاع للجماع. و الذنب: تستعمل فى كل فعل تستوخم عقباه. و الخطيئه: السيئه و قد يفرق بينهما بان الخطيئه: ما لا تكون عن قصد و تعمد لانها من الخطاء و السيئه: ما يكون مقصودا اليه فى نفسه، و قيل: الخطيئه: الكبيره من خطا: اذا قصد الذنب لامن اخطا اذا قصد شيئا و اتفق منه غيره. قوله عليه السلام: على تعمد، متعلق بجميع الافعال المذكوره قبله على طريق التنازع او بمحذوف وقع حالا من ضمير المتكلم مع غيره اى كائنين على تعمد، و تعمدت الشى ء تعمدا: قصدت اليه بالنيه و هو خلاف السهو و النسيان، و عرف النسيان بالغفله عن معلوم يقظه. \par فان قلت: ما وقع عن نسيان متجاوز عنه لقوله صلى الله عليه و آله و سلم: رفع عن امتى: الخطاء و النسيان و ما استكرهوا عليه فما معنى سوال العفو عنه؟ \par قلت: النسيان قد يكون منشاه التفريط و قله المبالاه فما يكون عن مثله غير متجاوز عنه، الا ترى ان من ترك التلاوه و تغافل عن تعاهد القرآن حتى نسيه فانه يكون ملوما على نسيانه بخلاف ما لو واظب على تلاوته ثم نسيه فانه يكون معذورا و من اشتغل بشى ء من الشواغل حتى نسى الصلوه ففاته ادائها كان مواخذا لتفريطه فيها و قله مبالاته بها بخلاف من اكل او شرب و هو صائم ناسيا، و الحاصل انه ذكر النسيان و مراده ما هو مسبب عنه من تفريط و اغفال. على ان العلم بان النسيان و ما وقع عنه مغفور لا يمنع من حسن طلب العفو عنه بالدعاء فر بما يدعو الداعى بما يعلم انه حاصل له قبل الدعاء من فضل الله تعالى اما لاعتداد تلك النعمه، و اما لاستدامتها او لغير ذلك كقوله تعالى: قال رب احكم بالحق و قول ابراهيم عليه السلام: و لا تخزنى يوم يبعثون. \par و نصبته نصبا من باب ضرب: اقمته و رفعته و يقال: هو نصب عينه اى منصوب بحذائه ينظر اليه. و شمت به يشمت من باب علم فهو شامت: اذا فرح بمصيبه نزلت به \par
047    45    و الاسم: الشماته. و بسط الشى ء: نشره و توسيعه، بسطه يبسطه بسطا من باب كتب و بسط اللسان كنايه عن التوسع و الاكثار فى النطق و الكلام. و الطعن: الضرب بالرمح و نحوه طعنه طعنا من باب نفع فهو طاعن ثم استعير للقدح و العيب و الوقيعه يقال طعن عليه و طعن فيه. و استعملته: جعلته عاملا. و الحطه بالكسر: اسم من استحطه و زره ساله ان يحطه عنه و اصلها من الحط و هو انزال الشى ء من علو و منه قوله تعالى: و قولوا حطه نغفرلكم خطاياكم و معناه حط عنا ذنوبنا. و الكفاره: ما يغطى الذنب و يستره من كفرت الشى ء تكفيرا: اذا سترته. و انكرت عليه انكارا اذا عبت عليه فعله و نهيته و الرافه: الرحمه و قيل اشد الرحمه. و نفد الشى ء ينفد من باب تعب نفادا، فنى و انقطع. و الفضل: الاحسان. و نقص نقصا من باب قتل و نقصانا: ذهب منه شى ء بعد تمامه. \par
048    45    (طلب جبر المصيبه و.. و غفران الذنوب ما خفى منها و ما علن) \par (اللهم صل على محمد و آله، و اجبر مصيبتنا بشهرنا، و بارك لنا فى يوم عيدنا و فطرنا، و اجعله من خير يوم مر علينا اجلبه لعفو، و امحاه لذنب، و اغفرلنا ما خفى من ذنوبنا و ما علن) \par جبر مصيبته يجبرها جبرا من باب قتل: اذا فعل مع صاحبها ما ينساها به، و قيل: رد عليه، ما ذهب منه او عوضه عنه، و اصله من جبر العظم الكسير و هو اصلاحه. و المصيبه: الشده النازله و اصلها من اصابه السهم و هو وصوله الى الغرض. و بارك له فى كذا: جعل له فيه البركه و هى الخير و الزياده و النماء. و الفطر بالكسر: اسم من فطر الصائم فطورا من باب قعد: اذا اكل و شرب كافطر افطارا. و اجلبه بالخفض: بدل من خير يوم و هو افعل تفضيل من جلب الشى جلبا من بابى قتل و ضرب بمعنى ساقه، قال الراغب: اصل الجلب: سوق الشى ء. و امحى: اسم تفضيل من محى الله الذنب اذا غفره و اصل المحو: ازاله الاثر. و اسناد الجلب و المحو الى اليوم مجاز عقلى. و علن الامر علونا من باب قعد: ظهر و انتشر و منه العلانيه ضد السر. \par
049    45    (معنى انسلاخ الشهر، و طلب محو الخطايا و السيئات و.) \par (اللهم اسلخنا بانسلاخ هذا الشهر من خطايانا، و اخرجنا بخروجه من \par
049    45    سيئاتنا، و اجعلنا من اسعد اهله به و اجزلهم قسما فيه، و اوفرهم حظا منه) السلخ: نزع جلد الحيوان يقال: سلخته سلخا من بابى ضرب و منع فانسلخ و منه سلخت الشهر: اذا صرت فى آخره، و انسلخ الشهر اى مضى. و الباء من قوله: بانسلاخ هذا الشهر بمعنى مع، اى انزعنا مع مضى هذا الشهر من خطايانا و الغرض: محوها و غفرانها. و اجزلهم قسما اى اكثر هم من جزل الشى ء بالضم جزاله: اذا كثر و اتسع فهو جزيل. و القسم بالكسر كحمل: الحصه و النصيب و الجمع اقسام كحمل و احمال. و اوفرهم حظا اى اتمهم و اكملهم من و فر الشى ء يفر من باب وعد و فورا اى اتم و كمل. و الحظ: النصيب و الجمع حظوظ كفلس و فلوس. \par
050    45    (معنى اتقاء الذنوب حق تقاتها..) \par (اللهم و من رعى هذا الشهر حق رعايته، و حفظ حرمته حق حفظها، و قام بحدوده حق قيامها، و اتقى ذنوبه حق تقاتها، او تقرب اليك بقربه اوجبت رضاك له، و عطفت رحمتك عليه، فهب لنا مثله من وجدك، و اعطنا اضعافه من فضلك، فان فضلك لا يغيض، و ان خزائنك لا تنقص بل تفيض، و ان معادن احسانك لا تفنى، و ان عطائك للعطاء المهنا) \par الرعايه: الحفظ. و الحرمه: ما وجب القيام به و حرم التفريط فيه فهى كالحق بمعنى الواجب و يجوز ان يكون المراد بالحرمه: ما حرم فيه. و بحفظها: اجتنابها و هو اولى لان التاسيس خير من التاكيد و بكل من المعنيين فسر قوله تعالى: و من يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه قيل حرماته تعالى: حقوقه و فروضه التى لا تحل انتهاكها، و تعظيمها: القيام بها و المحافظه عليها، و قيل: هى ما نهى عنها و حرم الوقوع فيها و تعظيمها: مجانبتها و ترك ملابستها. و قام بالامر: جد فيه و اجتهد و حدوده: احكامه من الفروض و المحرمات جمع حد و اصله من الحد بمعنى المنع و الفصل بين الشيئين فكان حدود الشرع و احكامه فصلت بين ما يحل و يحرم و ما يوتى و يجتنب. و اتقيت الشى ء: تحفظت منه و صنت نفسى عنه و هو من الوقايه و هى حفظ الشى ء و صيانته مما \par
050    45    يوذيه و يضره. و التقاه و التقوى و التقيه اسماء بمعنى من اتقيته اتقاء و معنى اتقاء الذنوب حق تقاتها: التحفظ و الاحتراس منها و صيانه النفس عنها كما يحق و كما يجب ان يتحفظ و يحترس منها و لايتم ذلك الاباداء كل ما فرض الله و ترك كل ما حرم الله و لا يكون ذلك الا بالتورع عن كل ما فيه شبهه و لا يكون ذلك الابترك ما لا باس به حذرا من الوقوع فيما فيه باس، كما روى: الحلال بين و الحرام بين و من رتع حول الحمى او شك ان يقع فيه. \par و التقرب: التحرى لما تقتضى حظوه و منزله. و القربه بالضم: ما يتقرب به الى الله و يطلب به المنزله لديه، و اوجبت رضاك له اى اثبتته و حققته له. و عطفت الشى ء عطفا من باب ضرب: ثنيته و املته كعطف الحبل و الغصن ثم استعير للشفقه اذ اعدى بعلى فيقال عطفت الناقه على ولدها: اذا حنت و اشفقت عليه. و عطف الله قلبك على: جعله عاطفا على اى مشفقا. و مثله اى ما يشبهه كميه و كيفيه و ذاتا و صفه لان المثل اعم الالفاظ الموضوعه للمشابهه. و الوجد بالضم: الغنى. و الاضعاف: جمع ضعف بالكسر و ضعف الشى ء مثله و ما زاد عليه و للزياده حد. و الفضل: الزياده و الخير و الاحسان. و غاض الماء غيضا من باب سار اى ذهب فى الارض، و غاض الشى ء ايضا قل و نقص و منه: اعطاه غيضا من فيض اى قليلا من كثير. و خزائن الله: مقدوراته التى تسع الناس، و قيل: جوده الواسع و قدرته. و قيل قوله كن، و بكل ذلك فسر قوله تعالى: قل لا اقول لكم عندى خزائن الله. \par و نقص الشى ء: ذهب منه شى ء بعد تمامه. و فاض السيل: كثير و سال من شفه الوادى. و حوض فائض يفيض من جوانبه لامتلائه. و فاض الخير: كثر و اتسع. و المعادن: جمع معدن كمجلس: اسم مكان من عدن بالمكان عدنا و عدونا من بابى ضرب و قعد بمعنى اقام و استقر. و العطاء: اسم من الاعطاء بمعنى الصله. و المهنا: اسم مفعول من هنا الشى ء بضم العين و الهمزه هنائه بالفتح و المد: تيسر من غير مشقه و لاعناء فهو هنى ء و هناه الله اياه بالتشديد اعطاه اياه هنيئا فهو مهنا بالهمزه. \par
051    45    (فى هذه الفقره ايذان بسعه فضل الله و عموم جوده) \par (و احسانه الذى تقصر العقول عن ادراك ساحل بحره) \par (اللهم صل على محمد و آله، و اكتب لنا مثل اجور من صامه او تعبد لك فيه الى يوم القيمه) \par اكتب لنا اى اوجب لنا و حقق لنا و عبر عن ذلك بلفظ الكتابه لانها منتهى الايجاب فان الشى ء يوجب ثم يكتب فالايجاب مبدء و الكتابه منتهى فاذا اريد توكيد الشى ء عبر عن مبدئه بمنتهاه و لان الكتابه اثبت و ادوم الاترى انه يقال: كتب رزق فلان فى الديوان و يدل ذلك على ثبوته و دوامه على مر الزمان. و الاجور: جمع اجر و هو ثواب العمل. و تعبد: تنسك و اجتهد فى العباده و تفرد لها. و لما كان التعبد اعم من الصيام عطفه عليه. واو، يجوز ان تكون بمعنى الواو و يجوز ان تكون على بابها من انها لاحد الشيئين و لا ينافى ذلك سوال مثل اجورهما معا بل هى فى ذلك ابلغ لانه لو عطف بالواو جاز ان لا يكون سائلا ايجاب مثل اجر احدهما له فلا يجاب فيه فلما جاء باو، علم ان الراغب فى ايجاب مثل اجر احدهما هو فى ايجاب مثل اجرهما جميعا ارغب فهو من قبيل دلاله النص. و فى هذه الفقره من الدعاء ايذان بسعه فضل الله و عموم جوده و احسانه الذى تقصر العقول عن ادراك ساحل بحره فانه لو لم يجز ان يعطى سبحانه اجر من عمل له من لم يعمل لما صح الدعاء بذلك و الله ذو الفضل العظيم. \par
052    45    (التوبه من المكروهات و الشبهات من شان الابرار و المقربين) \par (اللهم انا نتوب اليك فى يوم فطرنا الذى جعلته للمومنين عيدا و سرورا، و لاهل ملتك مجمعا و محتشدا من كل ذنب اذنبناه، او سوء اسلفناه، او خاطر شر اضمرناه، توبه من لا ينطوى على رجوع الى ذنب، و لا يعود بعدها فى خطيئه، توبه نصوحا خلصت من الشك و الارتياب، فتقبلها منا، و ارض عنا، و ثبتنا عليها) \par ايثار صيغه المتكلم مع الغير على ان حقيقه التوبه يقتضى صيغه المتكلم وحده: اما لملاحظه جميع قواه و حواسه الظاهره و الباطنه، او للاشعار بانه واحد من التائبين \par
052    45    نفيا لتوهم ادعاء التفردبها، او للتوصل الى قبول توبته بادراجها فى جمله توبه غيره ممن تقبل توبته و عرض الجميع صفقه واحده لئلا يتوزع قبولا و ردا اذ كان تبعيض الصفقه قد نهى سبحانه عنه عباده فهو اولى بعدم تبعيضها، او للاشعار باشتراك سائر الموحدين له فى الحاله العارضه له بناء على تعاضد الادله الملجئه الى ذلك. و السرور: الفرح و جعل اليوم سرورا من باب اطلاق الامر على باعثه او اطلاق اسم الحال على المحل. \par و المله: الدين و لا يستعمل الا فى جمله الشرائع دون آحادها فلا يقال للصلوه مله بخلاف الدين و فى اضافتها الى الله سبحانه فى قوله عليه السلام: اهل ملتك، ابطال لقول الراغب اذا لفرق بين المله و الدين ان المله لا تضاف الا الى النبى الذى تسند اليه نحو: فاتبعوا مله ابراهيم و لا تكاد توجد مضافه الى الله و لا الى آحاد الامه فلا يقال مله الله و لا ملتى كما يقال دين الله و دينى انتهى. و المجمع بفتح الميم الثانيه و كسرها: محل الاجتماع. و المحتشد: محل الاحتشاء و هو الاجتماع ايضا يقال: حشد القوم حشودا من باب قعد و احشدوا و احتشدوا و تحشدوا: اذا اجتمعوا لامر واحد، او دعوا فاجابوا، و انما كان يوم الفطر مجمعا و محتشدا لاجتماع الناس فيه متعاونين على الفطر و الصلوه و اجابتهم للداعى الى الخروج الى المصلى و الى الصلوه فيه و حقوقهم فى التعاون على ذلك. \par و السوء: كل ما يغم الانسان و يسوئه من امور الدنيا و الاخره فكل ذنب سوء من غير عكس و فائده عطفه عليه شمول نحو المكروهات و الشبهات فان التوبه منها من شان الابرار و المقربين اذ كان ملابستها مما تسوء المتقين. و سلف سلوفا من باب قعد: مضى و انقضى. و الخاطر: ما يعرض فى القلب و يرد عليه و هو ينقسم الى خاطر خير و خاطر شر فما كان باعثا على مفروض او مندوب فهو خاطر خير و ما كان داعيا الى مخالفه الحق فهو خاطر شر و لذلك قيده عليه السلام بالاضافه الى الشر. و اضمر فلان كذا: عزم عليه بقلبه اخذا من الضمير و هو قلب الانسان و باطنه. \par و انطوى على كذا: اشتمل عليه قلبه و ضميره و اصله من طى الصحيفه و الثوب و هو مطاوع طوى كشحه على الامر: اذ اكتمه و اخفاه. و العود: الرجوع الى الشى ء بعد \par
052    45    الانصراف عنه بالذات او بالقول او بالعزيمه. و الشك: خلاف اليقين و اصله اضطراب النفس و قلق القلب و عدم الاطمينان. و الارتياب: اسوء الشك و قيل: هو الشك مع التهمه اى توبه لا اشك فى نصاحتها و صدقها و لا اتهم نفسى فى ايقاعها و العزم عليها. و التقبل: قبول الشى ء على وجه يقتضى ثوابا قال تعالى: انما يتقبل الله من المتقين و ثبته على الشى ء تثبيتا: جعله ثابتا عليه اى دائما غير زائل عنه من ثبت يثبت ثبوتا من باب قعد: اذا دام و استقر و الله اعلم. \par
053    45    (طلب عليه السلام ان يرزقه الله خوف عقاب الوعيد، و شوق ثواب الموعود..) \par اللهم ارزقنا خوف عقاب الوعيد، و شوق ثواب الموعود حتى نجد لذه ما ندعوك به، و كابه ما نستجيرك منه، \par الرزق: العطاء الجارى دنيويا كان او اخرويا، فارزقنا بمعنى اعطنا. و الوعيد: مصدر بمعنى التهدد بالعقوبه قال تعالى: ذلك لمن خاف مقامى و خاف وعيد و قال: لا تختصموا لدى و قد قدمت اليكم بالوعيد و الموعود: اما مصدر بمعنى الوعد، او اسم مفعول على الحذف و الايصال و يكون المراد: الشى ء الموعود به، و حتى بمعنى كى ندعوك به اى نسئلك اياه و نرغب اليك فيه. و الكابه بمد الهمزه: مصدر كئب يكاب من باب تعب: اذا حزن اشد الحزن فهو كئيب، و قيل: هى تغير النفس بالانكسار من شده الهم و الحزن. \par
054    45    و اجعلنا عندك من التوابين الذين اوجبت لهم محبتك، و قبلت منهم مراجعه طاعتك، يا اعدل العادلين) \par قوله عليه السلام: و اجعلنا عندك من التوابين الذين اوجبت لهم محبتك اى صيرنا فى حكمك و كتابك. و قبلت منهم مراجعه طاعتك اى رضيت مراجعتهم من قبلت الشى ء: اذا رضيته، و مراجعه الشى ء: معاودته يقال: راجعته بمعنى رجعت اليه اى عدت لان التائب كان قد فارق الطاعه ثم عاد اليها. \par
055    45    (قال بعض المحققين: و لعل معنى المجاوزه:) \par (ان الله تعالى يطالب المذنب بذنبه و..) \par (اللهم تجاوز عن آبائنا و امهاتنا و اهل ديننا جميعا من سلف منهم و من غبر الى يوم القيامه). \par تجاوزت عن الشى ء: عفوت عنه و صفحت من باب تفاعل بمعنى فعل. قال بعض المحققين: و لعل معنى المجاوزه ان الله تعالى يطالب المذنب بذنبه و المذنب يطالبه بعفوه الى ان يتمسك عند الخوف من عذابه برحمته فاذا عفى الرب فقد تجاوزا عن المطالبه. و سلف اى مضى، و غبر غبورا من باب قعد اى بقى و منه الغبار لما يبقى من التراب و قد يستعمل فيما مضى فيكون من الاضداد. و قوله عليه السلام: الى يوم القيمه: غايه للغبور دفعا لتوهم ان المراد به البقاء حال الدعاء و ان معنى من سلف منهم و من غبر: الاموات و الاحياء. \par
056    45    (معنى: فاذكروا الله كذكركم آبائكم. و الفرق بين الاجابه و الاستحابه) \par (اللهم صل على محمد نبينا و آله كما صليت على ملائكتك المقربين، و صل عليه و آله كما صليت على انبيائك المرسلين، و صل عليه و آله كما صليت على عبادك الصالحين، و افضل من ذلك يا رب العالمين، صلوه تبلغنا بركتها و ينالنا نفعها، و يستجاب لها دعائنا، انك اكرم من رغب اليه، و اكفى من توكل عليه، و اعطى من سئل من فضله، و انت على كل شى ء قدير). \par ما مصدريه اى كصلاتك على ملائكتك المقربين و الظاهر ان هذا التشبيه من حيث اصل الصلوه لا من حيث المصلى عليه لان نبينا صلى الله عليه و آله و سلم افضل المخلوقات من الملائكه و غيرهم فمعناه اللهم صل على محمد و آله بمقدار شرفهم و فضلهم عندك كما صليت على ملائكتك المقربين بمقدار فضلهم و شرفهم عندك كقوله تعالى: فاذكروا الله كذكركم آبائكم يعنى اذكروا الله بقدر نعمه و اياديه عليكم كما تذكرون آبائكم بقدر نعمتهم عليكم. و تشبيه الشى ء بالشى ء يصلح من وجه واحد و ان كان لا يشبهه من كل الوجوه، كما قال تعالى: ان مثل عيسى عندالله كمثل آدم يعنى من وجه واحد و هو خلقه عيسى بغير اب. قوله عليه السلام: و افضل من ذلك، اى و صل عليه صلوه افضل من ذلك. و تبلغنا بركتها، اى تصل الينا، \par
056    45    من بلغ المنزل: اذا و صل اليه. و الاستجابه بمعنى الاجابه يقال اجاب الله دعائه و استجاب دعائه. \par و قال تاج القراء: الاجابه عامه و الاستجابه خاصه باعطاء المسئول. و الرغبه: السوال و الطلب. و كفى الشى ء يكفى كفايه فهو كاف: اذا حصل به الاستنغاء عن غيره و الله كاف عبده قائم بامره مغنيه عمن سواه. و انت على كل شى ء قدير اى لا تفتقر الى سبب و لا يمنعك مانع. \par
001    46    الدعاء السادس و الاربعون: من ادعيه الصحيفه السجاديه و هو دعائه (ع) فى يوم الفطر اذا انصرف من صلوته قام قائما ثم استقبل القبله و فى يوم الجمعه \par \par
001    46    بسم الله الرحمن الرحيم \par (معنى يا من يرحم من لا يرحمه العباد و حكايه شاب.. فارق الدنيا..) \par
001    46    يا من يرحم من لا يرحمه العباد، \par الرحمه: قيل هى ترك عقوبه من يستحقها، و قيل: ايصال الخير و دفع الشر و اصلها الرقه و التعطف و لما كانت رحمته تعالى تشمل جميع الموجودات من طريق الخلق و الرزق و النفع و دفع الضر من غير شائبه غرض و لا ضميمه عليه و كانت رحمه غيره من العباد لا تخلو من عله و غرض و هو طلب عوض عليها اما ثواب آجل او ثناء عاجل و اما ازاله رقه الجنسيه و ازاحه خساسه البخل فاذا انتفت العله و عدم الغرض انتفت الرحمه ضروره انتفاء المعلول لانتفاء العله لا جرم صدق انه سبحانه يرحم من لا يرحمه العباد، و مع ذلك فعفوه عن المجرمين و حلمه عن الخاطئين مع انتهاكهم من حرماته ما لو انتهكه احد من حرمه ادنى مقتدر على الانتقام لعاجله به و لم يبق عليه. \par قال بعض العارفين: من كمال رحمته: ستره لعيوبك و هو يعلم منك ما لو علمه ابواك لفارقاك، و لو علمت به امراتك لجفتك، و لو اطلعت عليه امتك لا قدمت على الفرار، و لو علمه جارك لسعى فى تخريب دارك فاى رحمه اكمل من رحمته؟ \par و عن عمران بن الحصين قال كان فى عهد النبى صلى الله عليه و آله و سلم شاب فيه اتراف و رهق و \par
001    46    كان له اب يزجره فلا يزد جر فلما فارق الدنيا لم يصل عليه ابوه و لم يصلح من تجهيزه ما ينبغى ان يفعله فلما جن عليه الليل راى ابنه فى المنام فى قصر على سرير يجل حسنهما عن الوصف و عليه حلل خضر و وجهه يتهلل اشراقا فسئله عن حاله فقال: لما بلغت روحى التراقى ندمت على ما سلف منى و لم ارمنك اشفاقا و رحمه فقدمت على ربى نادما مجفوا مهجورا يبرا منى و لم يرحمنى اقرب الناس منى سببا و امسهم بى نسبا فرحمنى ربى و لم يقنطنى من رحمته فادخلنى هذه الروضه كما ترى. \par
002    46    و يا من يقبل من لا تقبله البلاد، \par و قبلت الشى: رضيت به و لم ارده. و البلاد: جمع بلده ككلبه و كلاب و جمع البلد: بلدان بالضم. \par
003    46    و يا من لا يحتقر اهل الحاجه اليه، \par و حقر الشى ء بالضم حقاره: هان قدره فلا يعبا به، و احتقره اى استخف به و استقله و اهانه. \par و لما كانت الحاجه مناط الذل و الحقاره و كان من عدى الله سبحانه و تعالى لا ينفك من احتقار اهل الحاجه اليه كان هذا الوصف مما تفرد الله جل جلاله به، و كرهه من عباده و نهى عنه حيث قال: و اما السائل فلا تنهر و قال تعالى: قول معروف و مغفره خير من صدقه يتبعها اذى \par قال بعض العارفين: من جمله الفوائد فى فتح باب الحاجه على العباد الى المعبود: تكريمهم بفتح باب المناجاه عليهم حتى اذا احتاجوا الى جلب نفع او دفع ضر توجهوا اليه برفع الهمم فشرفوا لمناجاته و منحوا من هباته و لو لا الحاجه لم يتشرفوا بالمناجاه. \par و منها- ارادته تعالى ان يتحببوا اليه فكلما وردت على العبد اسباب الحاجه و الفاقه و توجه الى الله فيها فاستجاب له وجد العبد لذلك حلاوه فى نفسه و راحه فى قلبه فاوجب له ذلك زياده المحبه لربه تعالى قال صلى الله عليه و آله و سلم: احبوا الله لما يغذيكم به من نعمه فكلما تجددت النعم بنيل مطلوب او دفع مكروه تجدد له من الحب بحسبها. \par و منها- ان الحاجه باب الى الله تعالى و سبب يوصل العبد اليه الم تسمع قوله تعالى: يا ايها الناس انتم الفقراء الى الله و الله هو الغنى الحميد فجعل الفقر الى الله سببا \par
003    46    يودى الى الوصول اليه و الدوام بين يديه. \par و لما كان الانسان خيره خلقه جعل افتقاره اليه عاجلا لامور المعاش و آجلا لنعيم الاخره اكثروا بين من افتقار سائر المخلوقين الا ترى الى قوله: انتم الفقراء كيف عرف الخبر لقصد انهم جنس الفقراء مبالغه. و كل ذلك لحبه تعالى للاحسان و عنايته باهل الحاجه اليه فكيف يحتقرهم. \par
004    46    و يا من لا يخيب الملحين عليه، \par و خيبه الله تعالى: جعله خائبا اى غير ظافر بمطلوبه. و الملحون: جمع ملح اسم فاعل من الح الرجل على غريمه اذا لزمه و اقبل عليه مواظبا للتقاضى منه، و الح فى السوال: اذا دام عليه و لازمه. و لما كان الباعث على تخييب الملحين الضجر من مداومه السوال المفضى الى اجابه السائل و كان من سوى الله سبحانه ينقصه ذلك و هو قوله تعالى: لا ينقص من خزائنه ان يهب الدنيا لمن سالها بل لا تزيده كثره العطاء الاكرما وجودا لم يكن من شانه ان يخيب الملحين عليه بل كان الالحاح عليه احب اليه و لذلك ورد استحباب الالحاح فى الدعاء \par
005    46    و يا من لا يجبه بالرد اهل الداله عليه، \par و جبهه يجبهه جبها من باب منع: لقيه بمكروه و استقبله بسوء و الداله بتشديد اللام: اسم من ادل على صديقه و قريبه و على من له منزله عنده اذا انبسط و اجترء و افرط عليه ثقه بمحبته، و منه حديث: يمشى على الصراط مدلا اى منبسطا لا خوف عليه و هو من دلال المرئه على زوجها اذا ارته جراه عليه فى تغنج كانها تخالفه و ليس بها خلاف. \par
006    46    و يا من يجتبى صغير ما يتحف به، و يشكر يسير ما يعمل له، \par و اجتبيت الشى ء: اخترته و اصطفيته. و المراد بالصغير هنا باعتبار القدر و المنزله، و اتحفته بالشى ء اتحافا: بررته به و خصصته به لطفا و كرامه. و شكره تعالى ليسير ما يعمل له، عباره عن مجازاته عليه بجزيل الجزاء و ثنائه على عامله بجميل الثناء. \par (اياك ان تحقر من الاعمال الصالحه شيئا ابدا، و حكايه رجل راى فى المنام) \par قال بعض اهل العرفان: اياك ان تحقر من الاعمال الصالحه شيئا ابدا صغيرا كان او كبيرا اذ لا ها جس يهجس لك فى الطاعه الاشكر الله تعالى عليه و كفى دليلا على ذلك قوله تعالى: و من يعمل مثقال ذره خيرا يره. \par و قد حكى ان رجلا راى فى المنام فقيل له ما فعل الله بك؟ فقال حاسبنى فخفت كفه حسناتى فوقعت فيها صره فثقلت كفه حسناتى فقلت: ما هذا يا رب؟ فقال لى: كف تراب القيته فى قبر مسلم. فرجح بذلك المقدار ميزانه فانظر كيف شكر الله تعالى له ذلك و خبائه له فى خزائنه من حيث لم تطلع عليه الملائكه لانها حسنه دقت عن ان تكتبها الملائكه للطافه الجزاء عليها اذ لم تكن غير قبضه تراب فاخذها جلت عظمته برافته و كرمه و ادخرها لعبده فى خزائنه الى وقت حاجته اليها فجعلها سببا لنجاته فكيف يحتقر شى ء من صالح الاعمال و ان دق. \par
007    46    و يا من يشكر على القليل و يجازى بالجليل، \par و اجتبيت الشى ء: اخترته و اصطفيته. و المراد بالصغير هنا باعتبار القدر و المنزله، و اتحفته بالشى ء اتحافا: بررته به و خصصته به لطفا و كرامه. و شكره تعالى ليسير ما يعمل له، عباره عن مجازاته عليه بجزيل الجزاء و ثنائه على عامله بجميل الثناء. \par (اياك ان تحقر من الاعمال الصالحه شيئا ابدا، و حكايه رجل راى فى المنام) \par قال بعض اهل العرفان: اياك ان تحقر من الاعمال الصالحه شيئا ابدا صغيرا كان او كبيرا اذ لا ها جس يهجس لك فى الطاعه الاشكر الله تعالى عليه و كفى دليلا على ذلك قوله تعالى: و من يعمل مثقال ذره خيرا يره. \par و قد حكى ان رجلا راى فى المنام فقيل له ما فعل الله بك؟ فقال حاسبنى فخفت كفه حسناتى فوقعت فيها صره فثقلت كفه حسناتى فقلت: ما هذا يا رب؟ فقال لى: كف تراب القيته فى قبر مسلم. فرجح بذلك المقدار ميزانه فانظر كيف شكر الله تعالى له ذلك و خبائه له فى خزائنه من حيث لم تطلع عليه الملائكه لانها حسنه دقت عن ان تكتبها الملائكه للطافه الجزاء عليها اذ لم تكن غير قبضه تراب فاخذها جلت عظمته برافته و كرمه و ادخرها لعبده فى خزائنه الى وقت حاجته اليها فجعلها سببا لنجاته فكيف يحتقر شى ء من صالح الاعمال و ان دق. \par
008    46    و يا من يدنو الى من دنا منه، \par و دنا منه و دنا اليه يدنو دنوا: قرب فهو دان. \par
009    46    و يا من يدعو الى نفسه من ادبر عنه، \par و دعوت زيدا ادعوه دعاء: ناديته و طلبت اقباله اى يطلب اليه اقبال من ادبر عنه و هو تمثيل لامره العصاه بالتوبه اليه. و خصه بالمجرمين على الانابه له. \par قال رجل لرابعه: انى عصيت الله افترينه يقبلنى؟ قالت: و يحك انه يدعوا لمدبرين عنه فكيف لا يقبل المقبلين اليه؟ \par
010    46    و يا من لا يغير النعمه و لا يبادر بالنقمه \par التغيير، يقال على وجهين: \par احدهما- لتغيير صوره الشى ء دون ذاته كما يقال غيرت دارى اذا بنيتها بناء غير الذى كان. \par الثانى- لتبديله بغيره كما تقول: غيرت ثوبى و دابتى اذا ابدلتهما بغيرهما و هذا المعنى هو المراد هنا لان تغيير النعمه عباره عن سلبها و تبديلها بالنقمه و فيه تلميح الى قوله تعالى: ذلك بان الله لم يك مغيرا نعمه انعمها على قوم حتى يغيروا ما بانفسهم و قوله تعالى: ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم و الالف و اللام فى النعمه للجنس اى لا يغير شيئا من جنس النعمه جل اوهان كما ان التنكير فى الايه الاولى يفيد العموم اى اى نعمه كانت جلت اوهانت. و بادر مبادره و بدارا: اسرع و عجل. و النقمه مثل كلمه و تخفف مثلها: اسم من انتقم منه اذا عاقبه او بالغ فى العقوبه. \par و لما كان غرض العنايه الالهيه سوق كل ناقص الى كما له كانت من سنته تعالى عدم مبادره العصاه بالانتقام و معاجلتهم بالعقاب بل ينظرهم و يمهلهم ليرجعوا عن عصيانهم و \par
010    46    غيهم الى الطاعه و الرشد و يخرجوا من ظلمات الجهل و ورطات المآثم الى نور الحق و متسع الجود. \par
011    46    و يا من يثمر الحسنه حتى ينميها، و يتجاوز عن السيئه حتى يفيها \par قوله عليه السلام: و يا من يثمر الحسنه حتى ينميها اى يجعلها ذات ثمره و يرتب عليها منافع حتى يكثرها، يقال لكل نفع صدر عن شى ء و يرتب عليه: ثمرته كقولك: و النجاه ثمره الصدق، و الظفر ثمره الصبر، و الجنه ثمره الايمان. و يثمر هنا مضارع اثمره اى صيره ذا ثمر. و نمى الشى ء ينمى من باب رمى نماء بالفتح و المد: زاد و كثر و فى لغه ينمو نموا من باب قعد و يتعدى بالهمزه و التضعيف. \par و فى الحديث: ان الصدقه تقع فى يد الرحمن فيربيها كما يربى احدكم فلوه او فصيلته. و تجاوز عن السيئه: صفح و عفى عنها. و عفت الريح المنزل: محته و طمست اثره. و عفا المنزل يعفو: درس و انمحى يتعدى و لا يتعدى. \par
012    46    (فى اصطلاح ارباب القلوب: الجلال من الصفات ما يتعلق بالقهر) \par (و الغضب، كما ان الجمال من الصفات..) \par (انصرفت الامال دون مدى كرمك بالحاجات، و امتلاءت بفيض جودك اوعيه الطلبات، و تفسخت دون بلوغ نعتك الصفات، فلك العلو الاعلى فوق كل عال، و الجلال الامجد دون كل جلال، \par الانصراف: الانقلاب و الرجوع يقال: انصرف الناس من المسجد اى انقلبوا و رجعوا الى بيوتهم. و الامال: جمع امل محركه كسبب و اسباب و هو الرجاء. و دون: نقيض فوق و هو تقصير عن الغايه. و المدى بفتحتين: الغايه. و المعنى ان الامال رجعت بقضاء الحاجات قبل وصولها الى منتهى كرمك و بلوغ غايته اذ لا غايه لكرمك. و ملاءت الاناء بالهمز ملاء من باب نفع فامتلاء: جعلت فيه مقدار ما ياخذه. و الفيض: مصدر فاض السيل اذا كثر و سال من جوانب الاوديه. و الاوعيه جمع و عاء بالكسر و المد و هو الظرف. و الطلبات: جمع طلبه مثل كلمه و هى الحاجه: و تفسخ فلان تحت الحمل الثقيل: ضعف و عجز. قال الراغب: الجلاله بالهاء: عظم القدر و الجلال بغير الهاء: التناهى فى ذلك و خص بوصف الله تعالى فقيل ذو الجلال و الاكرام و لم يستعمل فى غيره، و قيل: الجلال راجع الى كمال الصفات و الكبر راجع الى كمال الذات و العظمه راجعه الى كمال الذات و الصفات: و قيل: الجلال من الصفات السلبيه لانه بمعنى كونه منزها عن كل ما للممكنات من الصفات المحدثه و الكمالات المستفاده من الغير المستلزمه للنقصان الذاتى من قولهم: انا اجلك عن كذا اى انزهك عنه. و قيل: هو عباره عن استغنائه المطلق. \par و فى اصطلاح ارباب القلوب: الجلال من الصفات ما يتعلق بالقهر و الغضب كما ان الجمال من الصفات ما يتعلق باللطف و الرضا. \par و بيان ذلك: ان الجلال عباره عن احتجاب الحق عن الخلق بعزته من ان يعرفه احد غيره بحقيقته و هو يته كما يعرف هو ذاته فان ذاته سبحانه لا يراها احد على ما هى عليه الا هو، و الجمال عباره عن تجليه تعالى لذاته و لخلقه فى مخلوقاته كما قال اميرالمومنين عليه السلام: الحمد لله المتجلى لخلقه بخلقه، و كما قال الصادق عليه السلام: لقد تجلى الله لخلقه فى كلامه! و لكنهم لا يبصرون، و فى كلام بعض العارفين: ما رايت شيئا الا و رايت الله فيه، فلما كان فى الجلال و نعوته معنى الاحتجاب و العزه لزمه العلو و القهر من الحضره الالهيه و الخضوع و الرهبه منا و لما كان فى الجمال و نعوته معنى الدنو و السفور لزمه اللطف و الرحمه و العطف من الحضره الالهيه و الانس منا و على كل معنى حمل الجلال فله سبحانه الجلال الامجد اى الاعز الاشرف من المجد و هو العز و الشرف متجاوزا كل جلال سوى جلاله فان دون كما علمت مما اتسع فيه فاستعمل فى كل تجاوز حد الى حد و تخطى امر الى امر او فوق كل جلال. \par قال فى القاموس: دون، نقيض فوق و بمعنى فوق ضد و ذلك لما ثبت ان الكمال المطلق فى كل صفه ثبوتيه و سلبيه ليس الا لله تعالى و اما غيره فكما له بالقياس الى من هو دونه هذا، \par
013    46    كل جليل عندك صغير، و كل شريف فى جنب شرفك حقير). \par و لما كان كل جليل و شريف سواه سبحانه فهو فى ذل الحاجه و اسر العبوديه بالنسبه الى كمال جلاله و شرفه و علوه اذ كل موجود سواه فى تصريف قدرته و مشيته اللتين هما مستند و جوده ثبت ان كل جليل بالنسبه اليه تعالى صغير و كل شريف فى جنب شرفه و علوه حقير و ان صدق عليه عرفا انه جليل و شريف بالنسبه الى من هو دونه و الله اعلم. \par
013    46    (با به تعالى عباره عما يتوصل به الى تحصيل نعمه من الاسباب) \par (خاب الوافدون على غيرك، و خسر المتعرضون الالك، و ضاع الملمون الابك، و اجدب المنتجعون الامن انتجع فضلك، \par خاب خيبه: لم يظفر بما طلب. و الوافدون: جمع وافد اسم فاعل من وفد فلان على الملك وفدا من باب وعد و وفودا: اذا ورد عليه و جائه مسترفدا و مستنجزا حاجته. و خسر من باب علم خسرا و خسرانا بضمها و خساره بالفتح: ضل و هلك و انتقص راس ماله. و تعرض للمعروف و تعرضه يتعدى بنفسه و بالحرف: اذا تصدى له و طلب و منه: تعرضوا لنفحات الله. و اجدب القوم اجدابا: اصابهم الجدب و هو انقطاع الامطار و يبس الارض. \par و انتجع القوم: اذا ذهبوا لطلب الكلاء و العشب و فى المثل: من اجدب انتجع ثم توسعوا فيه فاستعملوا فى طلب المعروف ايضا قال فى الاساس: و من المجاز انتجعت فلانا: طلبت معروفه. \par
014    46    بابك مفتوح للراغبين وجودك مباح للسائلين، و اغاثتك قريب من المستغيثين، \par و بابه تعالى عباره عما يتوصل به الى تحصيل نعمه من الاسباب اذ كان الباب فى الاصل مدخل الدار الذى يتوصل منه اليها ثم استعير فى كل ما يتوصل به الى شى ء. و المباح: اسم مفعول من اباح الرجل ماله اذا اذن فى اخذه و تركه و جعله مطلق الطرفين و لذلك عرفوا المباح بما استوى طرفاه. و الغوث: النصره. \par
015    46    لا يخيب منك الاملون، و لا يياس من عطائك المتعرضون، و لا يشقى بنقمتك المستغفرون) \par و فى الفقره الاخيره تلميح الى قوله تعالى: ما كان الله ليعذبهم و انت فيهم و ما كان الله معذبهم و هم يستغفرون. \par
016    46    (رزقك مبسوط لمن عصاك، و حلمك معترض لمن ناواك، عادتك الاحسان الى المسيئين، و سنتك الابقاء على المعتدين حتى لقد غرتهم اناتك عن الرجوع، و صدهم امهالك عن النزوع، \par مبسوط اى موسع، و انما جعله لمن عصاه اظهارا لكمال حلمه و كرمه فان من بسط رزقه لمن عصاه فهو لمن اطاعه ابسط. و الحلم: ضبط النفس و الطبع عن هيجان الغضب، و لما كان حلمه سبحانه شاملا لكل احد من ولى و عدو و كان الحلم عن العدو اعظم و اظهر و اعجب، نص على اعتراضه لمن ناواه دون من والاه فان من حلم عن مناويه فهو عن مواليه احلم، يقال عرض له من بابى ضرب و علم و اعترض له و تعرض له: اذا تصدى. و ناواه مناواه: عاداه. و السنه: الطريقه و المراد بسنته تعالى هنا طريقه حكمته و ابقى عليه ابقاء: اذا رحمه و اشفق عليه و الاسم: البقاء. و الاعتداء: مجاوزه الحق و اصله من العدو و هو التجاوز. و غره غرورا: اطمعه فيما لا يصح. و الاناه على وزن حصاه: اسم من تانى فى الامر اى تمهل و لم تعجل. و الرجوع: العود و المراد به هنا الرجوع عن الاصرار الى التوبه او عن الباطل الى الحق. و صده عن كذا يصده صدا من باب قتل: منعه. و الامهال: الانظار و عدم المعاجله. و نزع الشى ء من باب ضرب نزوعا: كف و اقلع عنه. \par و لما كان ظاهر الكلام يوهم ان اناته تعالى لهم و امهاله اياهم كان سببا غائيا لغرورهم و صدهم، دفع ذلك \par
017    46    (معنى كون الانسان من اهل السعاده و الشقاوه) \par و انما تانيت بهم ليفيوا الى امرك، \par
017    46    و امهلتهم ثقه بدوام ملكك، فمن كان من اهل السعاده ختمت له بها، و من كان من اهل الشقاوه خذلته لها) \par بقوله عليه السلام: و انما تانيت بهم ليفيوا الى امرك و امهلتهم بدوام ملكك، فبين ان اناته لهم و عدم معاجلته اياهم ليس الا ليرجعوا الى امره من الطاعه اذ كان غرض العنايه الالهيه سوق كل ناقص الى كماله فكان الغرض من التانى لهم انها هو طلب خلاصهم و استعدادهم لما ينالون به كرامته بالرجوع من ظلمات الجهل و ورطات المعاصى و امهاله و انظاره اياهم لوثوقه بدوام ملكه فلم يعاجلهم بالانتقام اذ كانت المعاجله من شان من يخاف الفوت و اما من كان واثقا بقدرته و تسلطه على من يشاء متى شاء لا يخاف انقضاء مده سلطانه و لا يخشى انتهاء زمان اقتداره فلا داعى له الى المعاجله بل الاولى به انظار من عصاه و امهال من ناواه فان فاء الى الطاعه و نزع عن المعصيه فبها و الافهو له بالمرصاد. و خذلته خذلا من باب قتل: تركت نصرته و اعانته و الاسم: الخذلان بالكسر. \par
017    46    و معنى كونه من اهل السعاده او الشقاوه من قدرت له السعاده او الشقاوه تقديرا سابقا على الخلق. \par كما رواه ثقه الاسلام فى الكافى بسند صحيح عن ابى عبدالله عليه السلام قال: ان الله خلق السعاده و الشقاوه قبل ان يخلق، فمن خلقه الله سعيدا لم يبغضه ابدا و ان عمل شرا ابغض عمله و لم يبغضه، و ان كان شقيا لم يحبه و ان عمل صالحا احب عمله و ابغضه لما يصير اليه فاذا احب الله شيئا لم يبغضه ابدا و اذا ابغض شيئا لم يحبه ابدا. \par قال بعض اصحابنا فى شرح هذا الحديث اعلم ان السعاده و الشقاوه حالتان متقابلتان للانسان و لهما اثر و سبب قريب و سبب بعيد: اما الاثر فهو استحقاق الثواب و العقاب، و اما السبب القريب فهو الاتيان بالخيرات التى خيرها الايمان و الاتيان بالشرور التى شرها الكفر. و قد تطلق السعاده و الشقاوه على نفس هذا السبب ايضا و اما السبب البعيد فهو ما اشار اليه سيدنا الامام الباقر عليه السلام بقوله ان الله جل و عز قبل ان يخلق الخلق قال كن ماء عذبا اخلق منك جنتى و اهل طاعتى و كن ملحا اجاجا اخلق منك نارى و اهل معصيتى ثم امرهما فامتزجا فمن ثم صار يلد المومن الكافر و الكافر المومن- الحديث، فان هذين المائين سبب لاقتدار الانسان على الخير و الشر و تكليفه و ابتلائه بهما و مبدء الاستعداد لقبول السعاده و الشقاوه و ميله اليهما و لا يقتضى ذلك الجبر لان الجبر انما يلزم لو خلقه من ماء اجاج فقط فان ذلك كان يوجب انتفاء القدره على الخير. و الظاهر ان السعاده و الشقاوه يطلقان على هذا السبب ايضا و بالجمله هما فى الحقيقه الحالتان المذكورتان و اطلاقهما على السببين المذكورين توسع من باب تسميه الشى ء باسم سببه. \par اذا عرفت ذلك فقوله عليه السلام: ان الله خلق السعاده و الشقاوه قبل ان يخلق الخلق معناه قدر هما قبل تقدير الخلق او قبل ايجاده فلا يراد انهما عرضى له كيف يتصور تحققه قبل تحقق معروضه هذا ان اريد بهما الحالتان المذكورتان او السبب القريب و ان اريد بهما سببهما البعيد فيحتمل ان يراد بخلقهما تقدير هما و ان يراد به ايجادهما لان مبدء الخير و الشر ما اوجده الله تعالى فى مبدء الانسان الذى هو الماء الذى اختمرت به طينته. و قوله عليه السلام: فمن خلقه سعيدا اى من كان تقديره او ايجاده مقرونا بسعادته فى \par
017    46    علم الله فلا يردان سعادته مكتوبه له لا انه تعالى موجد لها على ما هو الحق عند الاماميه و قس على ذلك قوله: و ان كان شقيا، الا ان فى تغيير اسلوب العباره فى طرف الشقى ايماء لطيفا الى انه تعالى لا يخلق احدا شقيا و انما الشقاوه من كسب العبد بخلاف السعاده فانها و ان كانت ايضا من كسبه الا انه لحسن استعداده صار محلا للطفه تعالى و توفيقه له فى اكتسابها فكانه تعالى خالق لها، انتهى كلامه ملخصا. \par و بهذا التقرير ظهر معنى قوله عليه السلام: فمن كان من اهل السعاده.. و فى قوله عليه السلام: ختمت له بها، ايذان بان من كان من اهل السعاده و ان عمل عمل من كان من اهل الشقاوه بمقتضى ما فيه من القوه الداعيه الى الشر فلن يخذله الله تعالى بل لابد ان يختم عمله بعمل اهل السعاده. \par كما رواه ثقه الاسلام فى الكافى بسنده عن ابى عبدالله عليه السلام قال: انه يسلك بالسعيد فى طريق الاشقياء حتى يقول الناس ما اشبهه بهم بل هو منهم ثم يتداركه السعاده و قد يسلك بالشقى طريق السعاده حتى يقول الناس ما اشبهه بهم بل هو منهم ثم يتداركه الشقاوه ان من كتبه الله سعيدا و ان لم يبق من الدنيا الافواق ناقه ختم له بالسعاده. \par
018    46    (ان طول امهالك لهم و عدم المبادره لهم بالانتقام) \par (لم يوجب ضعف حجتك عليهم..) \par (كلهم صائرون الى حكمك، و امورهم آئله الى امرك، لم يهن على طول مدتهم سلطانك، و لم يدحض لترك معاجلتهم برهانك، \par صار الشى ء الى كذا: انتهى اليه. و الحكم: القضاء، يقال: حكم به من باب قتل حكما اى قضى به. و الامور: جمع امر قال الراغب: هو لفظ عام للافعال و الاقوال كلها و على ذلك قوله تعالى: و اليه يرجع الامر كله و آل الشى ء يول اولا و مالا رجع فهو آئل. و الى امرك اى الى قضائك و نفاذ ارادتك و مشيتك و المعنى ان كل من كان من اهل الشقاوه و اهل السعاده منتهون الى حكمك و راجعه امورهم الى قضائك \par
018    46    تحكم فيهم حكما فصلا بما تراه من ثواب و عقاب و عفو و انتقام كمال قال تعالى: ثم الى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون. \par و وهن يهن و هنا من باب وعد: ضعف فهو واهن. و على بمعنى مع اى مع طول مدتهم كان سلطانه تعالى لزم طول مدتهم لزوم الراكب لمركوبه فلم تخل من معنى الاستعلاء. و المراد بالسلطان هنا: الحجه سميت بذلك لما للحق من التسلط على القلوب و الهجوم عليها و منه قوله تعالى: اتريدون ان تجعلو الله عليكم سلطانا مبينا اى حجه ظاهره، و المراد بطول مدتهم: اما طول اعمارهم كما قال تعالى: بل متعنا هولاء و آبائهم حتى طال عليهم العمر او طول المده التى لم يعاجلوا فيها بالجزاء و بكلا المعنيين فسر قوله تعالى: و لا يكونوا كالذين اوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الامد فقست قلوبهم و المعنى ان طول امهالك لهم و عدم المبادره لهم بالانتقام لم يوجب ضعف حجتك عليهم فى الانتقام منهم بان يفوتك ذلك كما هو شان حجج المخلوقين. \par الا ترى ان من كانت له حجه على شخص و لم يبادر باقامتها عليه و لم ياخذ بها حقه منه بل امهله حتى طالت مدته و فاته وقت اقامتها عليه ضعفت حجته و عجزت عن اخذ حقه بها و توجه اللوم عليه فى امهاله بل لم يغنه اقامه الحجه عليه حينئذ. و يحتمل ان يراد بالسلطان: التسلط و التمكن من القهر و المعنى ظاهر. و دحضت الحجه دحضا من باب نفع: بطلت. و البرهان: الحجه و ايضاحها. و المعنى ان ترك معاجلتك لهم و املائك لهم لم يوجب بطلان حجتك عليهم بان يقال لو كانت لله حجه عليهم لم يترك معاجلتهم. \par
019    46    و قائمه اى ثابته من قام الشى ء: اذا ثبت. \par (من شان العرب ان يشتقوا من لفظ الشى ء الذى يريدون المبالغه فى وصفه) \par (.. و من ذلك قولهم: ظل ظليل.. و شعر شاعر) \par فالويل الدائم لمن جنح عنك، و الخيبه الخاذله لمن خاب منك، و الشقاء الاشقى لمن اغتربك، \par قال ابن عباس: الويل: العذاب الاليم، و قال الخليل: معنى الويل: شده الشر. و قيل: الحزن. و قيل: العذاب و الهلاك. و قيل: الهوان و الخزى و قال الاصمعى: هو التقبيح و منه: و لكم الويل مما تصفون و قال الفراء: الويل: كلمه شتم و دعاء و اصلها وى و هى كلمه تعجب او كلمه تنبيه على الخطا جيى ء بعدها بلام الجر مفتوحه مع المضمر نحو: وى لك و وى له ثم خلطت اللام بوى حتى صارت لام الكلمه فادخلوا بعدها لاما اخرى لصيروره الاولى لام الكلمه فقالوا: ويلا له ثم نقل الى باب المبتدء فقيل ويل لك و ادخل عليها لام التعريف فقيل: الويل له. \par و جنح عن الشى ء و اليه يجنح بفتحتين: مال و جنح جنوحا من باب قعد لغه و اصله من الجناح كان الجانح يستعين بجناحه فى الميل الى الشى ء او فى الميل عنه. و الخيبه فوت الظفر بالمطلوب. و الخذلان: ترك النصره و الاعانه. و الشقاء: خلاف السعاده و وصفه بلا شقى من باب ظل ظليل و داهيه دهياء و شعر شاعر. قال المرزوقى: من شان العرب ان يشتقوا من لفظ الشى ء الذى يريدون المبالغه فى وصفه ما يتبعونه تاكيدا او تنبيها على تناهيه و من ذلك قولهم: ظل ظليل و داهيه دهياء و شعر شاعر انتهى. و اغتر به اغترارا: ظن الامن من جهته فاجترا عليه و لم يتحفظ منه و لم ياخذ حذره يقال: غره غرورا فاغترهو: اذا او همه الا من من المحذور و جراه عليه فاجترء هو و منه قوله تعالى: و لا يغرنكم بالله الغرور اى الشيطان. و قوله تعالى: يا ايها الانسان ما غرك بربك الكريم اى ما خدعك به و ما جراك على عصيانه: قال الجوهرى: يقال: ما غرك بفلان اى كيف اجترات عليه. \par فان قلت: الوصف بالكرم فى الايه يقتضى الاغترار به فكيف وقع الانكار على المغتربه؟ \par قلت: اجيب بان الكرم لا ينافى الحكمه بل هو مبنى عليها الا ترى؟ ان ايصال النعم الى الغير لو لم يكن مبنيا على داعيه الحكمه كان تبذيرا لا كرما فكانه سبحانه قال: كيف اغتررت بكرمى و كرمى صادر عن الحكمه و هى تقتضى ان لا يهمل و ان امهل و ان يجرى امور العباد بينهم على العدل و الانصاف لاعلى الجور و الاعتساف فينتقم للمظلوم من الظالم و يميز بين البر و الفاجر، و ايضا فالكرم السابق لا يوجب كرما لا حقا بالعفو و الغفران لجميع المعاصى لان غايه الكرم هى ان يبتدى بالنعم من غير عوض و لا غرض اما الكريم اذا امر المنعم عليه بشى ء فتلقاه بالعصيان و قابل النعمه بالكفران فليس من الكرم ان يغمض عن جرمه بل قد يعد ذلك ضعفا و ذله لا سيما اذا كان المنعم به هو معرفه المنعم. \par و الحاصل: ان التعرض لعنوان الكرميه للايذان بكفران النعمه لا للاذن فى الانهماك فى عصيانه اغترارا بكرمه. \par
020    46    ما اكثر تصرفه فى عذابك، و ما اطول تردده \par
020    46    فى عقابك، و ما ابعد غايته من الفرج، و ما اقنطه من سهوله المخرج، عدلا من قضائك لا تجور فيه، و انصافا من حكمك لا تحيف عليه). \par قوله عليه السلام: و ما اكثر تصرفه فى عذابك اى تقلبه فيه و تردده اى رجوعه فيه مره بعد اخرى من رده الى الشى ء اى رجعه اليه و الغايه هنا بمعنى المدى. و الفرج: انكشاف الغم و القنوط: الياس. و المخرج: المخلص. و العدل: خلاف الجور. و انصفته انصافا: عاملته بالعدل و القسط و الاسم النصفه بفتحتين: و حاف فى حكمه يحيف حيفا: جاز و ظلم. \par
021    46    (فقد ظاهرت الحجج، و ابليت الاعذار، و قد تقدمت بالوعيد، و تلطفت فى الترغيب، و ضربت الامثال، و اطلت الامهال و اخرت و انت مستطيع للمعاجله، و تانيت و انت ملى ء بالمبادره \par ظاهرت الحجج اى تابعتها و واترتها و كثرتها من المظاهره بمعنى المعاونه كانه جعل بعضها ظهيرا لبعض. بليته عذرا: اذا بينته بيانا لا لوم عليك بعده. و الاعذار: \par جمع عذر بالضم و هو من الانسان: تحريه ما يمحوبه ذنوبه و من الله سبحانه بيان الحجج التى تقوم بعذره اذا عاقب الجانى فلا يكون عليه لوم و لا ينسب اليه جور فى ذلك و لذلك فسر بعضهم قوله تعالى: عذرا او نذرا فقال: اى حجه او تخويفا. \par و تقدمت الى فلان بكذا اى اعلمته قبل الحاجه الى فعله. و الوعيد فى الشر كالوعد فى الخير. و تلطفت به: ترفقت. و رغبته فى الشى ء ترغيبا: بينت له محاسنه و عددت عليه فضائله ليرغب فيه و يحرص عليه. قوله عليه السلام: و ضربت الامثال تلميح الى قوله تعالى: و تلك الامثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون و قوله تعالى: و تلك الامثال نضربها للناس و ما يعقلها الا العالمون و قوله تعالى: و لقد ضربنا فى هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون و الطول: خلاف القصر. و امهلته امهالا: انظرته و لم اعجل عليه. و اخرته تاخيرا: ضد قدمته. و الاستطاعه: القدره: و قيل: الاستطاعه اخص من القدره و كل مستطيع قادر و ليس كل قادر بمستطيع. و عاجله بذنبه: لم يمهله و لم يوخر عقوبته و هو من العجله بمعنى السرعه. و تانى فى الامر: تمكث و لم يعجل و فلان مليى ء بكذا اى قادر عليه. و بادر اليه مبادره و بدارا: اسرع. \par
022    46    (امهاله تعالى مع قدرته على الانتقام) \par لم تكن اناتك عجزا، و لا امهالك و هنا، و لا امساكك غفله، و لا انتظارك مداراه. بل لتكون حجتك ابلغ، و كرمك اكمل، و احسانك اوفى، و نعمتك اتم) \par و الاناه كحصاه: اسم من التانى بمعنى التمكث و التمهل. و العجز: القصور عن فعل الشى ء و هو ضد القدره. و الوهن: الضعف. و امسكت عن الامر امساكا: كففت عنه و منعت نفسى منه و المعنى امساكك نفسك العذاب عن الخلق. و الغفله: سهو يعترى من قله التيقظ و التحفظ. و الانظار: التاخير و الامهال. و داراه مداراه: لاطفه و لاينه اتقاء شره. قوله عليه السلام: لتكون حجتك ابلغ اى ابين و اوضح فلا تكون حجته ابلغ منها. و الكرم يستعمل بمعنى انتفاء النقايص عن الشى ء و اتصافه بجميع المحامد و قد يعبر عن ايثار الصفح عن الجانى و الاحسان الى المسيى ء و السبق بالانعام و يكون عباره عن الجاه و السودد اللذين يكونان عن بذل المعروف و التحلى بالمحمود من اخلاق و صفات. و الاكمل: البالغ فى الكمال غايته فلا اكمل منه و الاوفى: الاشد وفاء. و الاتم: الزائد فى التمام من تم الشى ء: اذا انتهى الى حد لا يحتاج الى شى ء خارج عنه و هو ضد النقصان. \par كل ذلك كان و لم تزل، و هو كائن و لا تزال، \par
023    46    (معنى قوله عليه السلام: حجتك اجل من ان توصف بكلها) \par حجتك اجل من ان توصف بكلها، و مجدك ارفع من ان يحد بكنهه، و نعمتك اكثر من ان تحصى باسرها، و احسانك اكثر من ان تشكر على اقله) \par ذلك اشاره الى المذكور من مظاهره الحجج و ابلاء الاعداء و التقدم بالوعيد الى غير ذلك مما فصله فى الفصل السابق. و كان، هنا تامه بمعنى ثبت اى وقع. \par قوله عليه السلام: حجتك اجل من ان توصف بكلها، اى اعظم من ان تنعت بكل وصفها ففى الكلام حذف مضاف دل عليه المعنى لان الغرض تنزيه حجته تعالى عن اقتدار المخلوقين على الاحاطه بوصفها لا تنزيهها عن وصف جميع اجزائها كما هو ظاهر. و المجد: قيل السعه فى الكرم و الجلاله و قيل: هو العز و الشرف و قيل: شرف الذات اذا قارنه حسن الفعال سمى مجدا. و حددت الشى ء حدا وصفته وصفا محيطا بمعناه مميزا له عن غيره. و كنه الشى ء: حقيقته و نهايته، و عرفته كنه المعرفه اى حقيقه المعرفه. قوله عليه السلام: من ان تحصى باسرها اى من ان تحصى جميعها. \par
024    46    (و قد قصر بى السكوت عن تحميدك، و فههنى الامساك عن تمجيدك، و قصار اى الاقرار بالحسور، لا رغبه- يا الهى- بل عجزا، \par قصرت بنا النفقه قصورا من باب قعد و قصرت تقصيرا للمبالغه: لم تبلغ بنا مقصدنا، فالباء للتعديه مثل خرجت به و السكوت: الضمت و ترك الكلام و التحميد: حمدالله مره بعد اخرى. و الفهه و الفهاهه: العى و الحصر فى النطق و قد فهه فهها محركا من باب تعب و فهه الله ايضا يتعدى و لا يتعدى. و امسك عن الامر امساكا: كف عنه. \par
024    46    و مجده تمجيدا: اعظمه و اثنى عليه. و قصار اى اى غايتى و آخر امرى يقال: قصاراك ان تفعل كذا بالضم اى غايتك وجهدك. و اقر بالشى ء اقرارا: اعترف به. و الحسور: الكلال و الانقطاع من حسر البصر حسورا اى كل و انقطع عن النظر لطول مدى و نحوه و فى النهايه: حسر: اذا اعيا و تعب فهو حسير. \par قوله عليه السلام: لا رغبه يا الهى بل عجزا، نصب على المفعول لاجله اى اقرارى بالحسور لا لرغبه فيه اولا لرغبه عن تحميدك او تمجيدك بل لعجزى عن القيام بما يجب لك منهما، و يحتمل النصب على المصدريه و التقدير: لا ارغب رغبه بل عجزت عجزا. \par
025    46    (الفرق بين الاجابه و الاستجابه) \par فها انا ذا اومك بالوفاده، و اسالك حسن الرفاده، فصل على محمد و آله، و اسمع نجواى، و استجب دعائى، و لا تختم يومى بخيبتى، و لا تجبهنى بالرد فى مسالتى، و اكرم من عندك منصرفى، و اليك منقلبى) \par قوله عليه السلام: فها انا ذا اومك، الفاء فصيحه اى اذا كان الامر كذلك فها انا اقصدك من امه اما من باب قتل اى قصده. و الوفاده بالكسر، مصدر وفد عليه وفدا من باب وعد و وفودا و وفاده فهو وافد و هم وفد قال الراغب: هم الذين يقدمون على الملوك مستنجزين الحوائج و قال ابن الاثير: هم الذين يقصدون الامراء لزياره و استرفاد و انتجاع و غير ذلك انتهى. و الرفاده بالكسر: الاعانه. و النجوى: اسم من ناجيته: اذا ساررته و خاطبته سرا. و معنى اسمع نجواى: اجب دعائى لك سرا و تقبله من قولهم سمع الله دعائه اى اجابه و منه سمع الله لمن حمده لان غرض السماع الاجابه. و الاستجابه: الاجابه يقال اجاب الله دعائه و استجابه بمعنى و ليست السين فيه للطلب قال تعالى: اجيب دعوه الداع و قال ادعونى استجب لكم و فرق بعضهم بين الاجابه و الاستجابه فقال: الاجابه عامه و الاستجابه خاصه باعطاء المسئول. \par و الخيبه: الحرمان و الخسران. و جبهه بالمكروه كمنعه: لقيه به. ورد السائل ردا: منعه، و صرفه محروما لم يعطه شيئا. و المنصرف و المنقلب بفتح العين فيهما مصدر ان بمعنى الانصراف و الانقلاب و هما بمعنى يقال صرفته فانصرف و قلبته فانقلب و اصلهما من الصرف و القلب بمعنى رد الشى ء من حاله الى حاله و امر الى امر و لهذا اذا عديا بمن او عن كانا بمعنى الذهاب يقال انصرفت عنه و من عنده و انقلبت عنه و منه المكان اى ذهبت عنه و اذا عديا بالى كانا بمعنى الاتيان و الرجوع يقال انصرفت اليه و انقلبت اليه اى رجعت اليه و اتيته و ما ذاك الا ان كلا من الذهاب و الرجوع تحول من حال الى حال و تردد من امر الى امر. \par (فى معنى الحول، و حديث: لا حول و لا قوه الا بالله كنز من كنوز الجنه) \par (انك غير ضائق بما تريد، و لا عاجز عما تسال، و انت على كل شى ء قدير، و لا حول و لا قوه الا بالله العلى العظيم) \par ضاق بالامر: شق عليه و لم يسعه قدرته اى لا يشق عليك ما تريده و لا تعجز عنه. و انت على كل شى ء قدير اى مبالغ فى القدره عليه تتصرف فيه حسب ما تقتضيه مشيتك المبنيه على الحكم البالغه. و الحول، قيل: المراد به هنا القدره اى لا قدره على شى ء و لا قوه الا باعانه الله سبحانه، و قيل: الحركه، اى لا حركه و لا استطاعه على التصرف الا بمشيته تعالى، و قيل: الحيله بمعنى تقليب الفكر للاهتداء الى المقصود. \par و قد روى رئيس المحدثين قدس سره فى كتاب التوحيد عن الباقر عليه السلام: ان الحول هاهنا بمعنى التحول و الانتقال و المعنى اى لا حول لنا عن المعاصى و لا قوه لنا على الطاعه الا بتوفيق الله سبحانه. \par و فى الحديث: لا حول و لا قوه الا بالله كنز من كنوز الجنه. \par قال بعض العلماء: فى هذه الكلمه الشريفه تسليم للقضاء و القدر و اظهار الفقر الى الله بطلب المونه منه فى جميع الامور و ابراز لعجز البشر بسلب القوه و الحركه فى الخيرات و الطاعات و صرف الشرور و السيئات عنهم و اثباتهما للملك العلام توقيرا و تعظيما له و دلاله على التوحيد الخفى لان من نفى الحيله و الحركه و القوه و الاستطاعه عن غيره و اثبتها له سبحانه على الحصر الحقيقى و بينه انه بايجاده و استعانته و توفيقه لزمه القول بانه لم يخرج شى ء من ملكه و ملكوته و انه لا شريك له تحقيقا لمعنى الحصر. و فى ختم الدعاء بها اشعار بما: \par رواه ثقه الاسلام فى الكافى بسند صحيح عن ابى عبدالله عليه السلام انه قال: اذا دعا الرجل فقال بعد ما دعا: ما شاء الله لا قوه الا بالله، قال الله عز و جل استبسل عبدى و استسلم لامرى اقضوا حاجته اى وطن نفسه لحكمى من قولهم استبسل للموت اذا وطن نفسه على الموت او و كل امره الى من استبسله لعمله و به اذا و كله اليه. و الله سبحانه و تعالى اعلم. \par
001    47    الدعاء السابع و الاربعون: من ادعيه الصحيفه السجاديه: دعائه عليه السلام فى يوم عرفه \par \par
001    47    بسم الله الرحمن الرحيم \par (معنى عرفه و عرفات) \par يوم عرفه هو اليوم التاسع من ذى الحجه الحرام و عرفه اسم لموقف الحاج ذلك اليوم و هو على اثنى عشر ميلا من مكه و يسمى عرفات ايضا و هو المذكور فى التنزيل قال تعالى: فاذا افضتم من عرفات و قال النيسابورى فى تفسيره: عرفات جمع عرفه و كلاهما علم للموقف كان كل قطعه من تلك الارض عرفه فسمى مجموع تلك القطعه بعرفات. روى ان جبرئيل عليه السلام عمد بابراهيم (ع) الى تلك البقعه فقال له اعرف بها نناسكك و اعترف بذنبك فسميت عرفه و عرفات \par
002    47    (الاقتباس من القرآن يجوز فيه التغيير بناء على انه ليس بقرآن حقيقه) \par (الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد بديع السموات و الارض ذا الجلال و الاكرام، رب الارباب، و اله كل مالوه، و خالق كل مخلوق و وارث كل شى ء، ليس كمثله شى ء، و لا يعزب عنه علم شى ء و هو بكل شى ء محيط، و هو على كل شى ء رقيب). \par بديع السموات و الارض اى مبدعهما و مخترعهما، و ذا الجلال و الاكرام اى صاحب الاستغناء المطلق و الفضل التام، و قيل: الذى عنده الجلال و الاكرام اى التعظيم و النعمه للمخلصين من عباده، و قيل معناه: اهل ان يعظم و ينزه عما لا يليق بجنابه الاقدس. و رب الارباب اى مالك كل مالك و اله كل مالوه اى معبود كل معبود فان \par
001    47    (الاقتباس من القرآن يجوز فيه التغيير بناء على انه ليس بقرآن حقيقه) \par (الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد بديع السموات و الارض ذا الجلال و الاكرام، رب الارباب، و اله كل مالوه، و خالق كل مخلوق و وارث كل شى ء، ليس كمثله شى ء، و لا يعزب عنه علم شى ء و هو بكل شى ء محيط، و هو على كل شى ء رقيب). \par بديع السموات و الارض اى مبدعهما و مخترعهما، و ذا الجلال و الاكرام اى صاحب الاستغناء المطلق و الفضل التام، و قيل: الذى عنده الجلال و الاكرام اى التعظيم و النعمه للمخلصين من عباده، و قيل معناه: اهل ان يعظم و ينزه عما لا يليق بجنابه الاقدس. و رب الارباب اى مالك كل مالك و اله كل مالوه اى معبود كل معبود فان \par
002    47    الا له اسم بمعنى المالوه كالكتاب بمعنى المكتوب و خالق كل مخلوق اى مبدع كل مبدع فان الخلق هنا بمعنى الابداع و هو بهذا المعنى ليس الا لله تعالى. \par و وارث كل شى ء اى الصائر اليه كل شى ء اذ كان و صفه تعالى بالوارث من حيث ان الاشياء كلها صائره اليه قال تعالى: نرث الارض و من عليها و قال: و لله ميراث السموات و الارض و قال: و نحن الوارثون. \par قوله عليه السلام: ليس كمثله شى ء، اقتباس من قوله تعالى ليس كمثله شى ء و هو السميع البصير اى ليس مثله شى ء فى شان من الشون فالكاف زائده لان المقصود نفى ان يكون شى ء مثله لا مثل مثله و انما زيدت لتوكيد نفى المثل لان زياده الحرف بمنزله اعاده الجمله ثانيا، و انما لم يكن كمثله شى ء لانه لو كان ذا شبه من خلقه لكان مفتقرا الى موثر و مدبر مثله، و ايضا المثليه هى الاتفاق بالكيفيه و لا كيفيه له تقدس و تعالى. \par و لا يعزب عنه علم شى ء، فيه تلميح الى قوله تعالى: و ما يعزب عن ربك من مثقال ذره فى الارض و لا فى السماء و لا اصغر من ذلك و لا اكبر الا فى كتاب مبين يقال عزب يعزب عزوبا من باب قعد اى غاب و بعد و قال العلامه الطبرسى: العزوب: الذهاب عن المعلوم و ضده: حضور المعنى للنفس. و هو بكل شى ء محيط، اقتباس من قوله تعالى: الا انه بكل شى ء محيط و الاحاطه بالشى ء: الاستداره به من جوانبه يقال احاط القوم بالبلد: اذا احدقوا به و استداروا بجوانبه. و على كل شى ء رقيب، اقتباس من قوله تعالى: و كان الله على كل شى ء رقيبا و قد تقدم ان الاقتباس يجوز فيه التغيير بناء على انه ليس بقرآن حقيقه بل كلام يماثله و الرقيب بمعنى الحفيظ. \par
001    47    الا له اسم بمعنى المالوه كالكتاب بمعنى المكتوب و خالق كل مخلوق اى مبدع كل مبدع فان الخلق هنا بمعنى الابداع و هو بهذا المعنى ليس الا لله تعالى. \par و وارث كل شى ء اى الصائر اليه كل شى ء اذ كان و صفه تعالى بالوارث من حيث ان الاشياء كلها صائره اليه قال تعالى: نرث الارض و من عليها و قال: و لله ميراث السموات و الارض و قال: و نحن الوارثون. \par قوله عليه السلام: ليس كمثله شى ء، اقتباس من قوله تعالى ليس كمثله شى ء و هو السميع البصير اى ليس مثله شى ء فى شان من الشون فالكاف زائده لان المقصود نفى ان يكون شى ء مثله لا مثل مثله و انما زيدت لتوكيد نفى المثل لان زياده الحرف بمنزله اعاده الجمله ثانيا، و انما لم يكن كمثله شى ء لانه لو كان ذا شبه من خلقه لكان مفتقرا الى موثر و مدبر مثله، و ايضا المثليه هى الاتفاق بالكيفيه و لا كيفيه له تقدس و تعالى. \par و لا يعزب عنه علم شى ء، فيه تلميح الى قوله تعالى: و ما يعزب عن ربك من مثقال ذره فى الارض و لا فى السماء و لا اصغر من ذلك و لا اكبر الا فى كتاب مبين يقال عزب يعزب عزوبا من باب قعد اى غاب و بعد و قال العلامه الطبرسى: العزوب: الذهاب عن المعلوم و ضده: حضور المعنى للنفس. و هو بكل شى ء محيط، اقتباس من قوله تعالى: الا انه بكل شى ء محيط و الاحاطه بالشى ء: الاستداره به من جوانبه يقال احاط القوم بالبلد: اذا احدقوا به و استداروا بجوانبه. و على كل شى ء رقيب، اقتباس من قوله تعالى: و كان الله على كل شى ء رقيبا و قد تقدم ان الاقتباس يجوز فيه التغيير بناء على انه ليس بقرآن حقيقه بل كلام يماثله و الرقيب بمعنى الحفيظ. \par
003    47    (الاحد اخص من الواحد، و معنى احديته تعالى) \par (انت الله لا اله الا انت الاحد المتوحد الفرد المتفرد، و انت الله لا اله الا انت \par
003    47    الكريم المتكرم، و انت الله لا اله الا انت العظيم المتعظم الكبير المتكبر، \par الاحد يحتمل ان يكون نعتا لله و ان يكون خبرا بعد خبر و ان يكون بدلا من الخبر و اصله و حد فابدلت الواو همزه و قال مكى: اصله وحد فابدلت الواو همزه فاجتمع الفان لان الهمزه تشبه الالف فحذفت احديهما تخفيفا، قال ابوحاتم: هو اسم اكمل من الواحد الا ترى؟ انك اذا قلت فلان لا يقاومه و احد جاز ان يقال لكن يقاومه اثنان بخلاف قولك: لا يقاومه احد و هو مخصوص باولى العلم دون غيرهم بخلاف الواحد. \par قال بعض المحققين: الاحد اخص من الواحد لان الواحد مقول بالتشكيك على ما لا ينقسم اصلا و على ما ينقسم عقلا و على ما ينقسم حسا بالقوه و ما ينقسم بالفعل و كل سابق اولى من اللاحق و الاحد يختص بالاول و لذلك اختص به تعالى لاختصاصه بالاحديه فلا يشاركه فيها غيره فلهذا لا ينعت به غير الله فلا يقال رجل احد. و المتوحد: البليغ للوحدانيه كالمتكبر البليغ للكبرياء و معنى احديته تعالى انه لاثانى له فى الوجود و الوجوب و لا كثره فى ذاته و صفاته ذهنا و خارجا و فى اصطلاح ارباب الحال: الاحد هو اسم الذات باعتبار انتفاء تعدد الصفات و الاسماء و النسب و التعينات عنه تعالى و الاحديه اعتبار الذات مع اسقاط الجميع. و الفرد: قيل هو الوتر و هو الواحد. و قال الراغب: الفرد: الذى لا يختلط به غيره فهو اعم من الوتر و اخص من الواحد و يقال فى الله فرد تنبيها على انه خلاف الاشياء كلها فى الازدواج المنبه \par عليه بقوله تعالى: و من كل شى ء خلقنا زوجين و قيل: المستغنى عما سواه كما نبه عليه بقوله: غنى عن العالمين و اذا قيل هو متفرد بوحدانيته فمعناه: هو مستغن عن كل تركيب و ازدواج تنبيها على انه بخلاف الموجودات كلها- انتهى. \par و قيل: الفرد: من لا نظير له، و المتفرد، البليغ للفردانيه. و قيل: هو الذى تفرد بخصوص وجوده تفردا لا يتصور ان يشاركه غيره فيه فهو الفرد المطلق ازلا و ابدا و المخلوق انما يكون فردا اذا لم يكن له فى ابناء جنسه نظير فى خصله من خصال الخير و ذلك بالاضافه الى ابناء جنسه و بالاضافه الى الوقت اذ يمكن ان يظهر فى وقت آخر مثله و بالاضافه الى بعض الخصال دون الجميع فلا فردانيه على الاطلاق الا الله تعالى. \par
004    47    و الكريم: ذو الكرم و الوجود. قال الراغب: اذا وصف الله بالكرم بمعنى انتفاء النقائص عن الشى ء و اتصافه بجميع المحامد و هذا المعنى صحيح فى وصفه تعالى. \par و المتكرم: البليغ الكرم او المتنزه عما لا يليق بجنابه الاقدس من قولهم تكرم عنه بمعنى تنزه. و العظيم: الذى جاوز حدود العقول ان يقف على صفات كماله و نعوت جلاله و اصل العظم فى الاجسام ثم استعمل فى مدركات البصائر و هى متفاوته فى العظم تفاوت الاجسام فما لا يتصور ان يحيط العقل اصلا بكنه حقيقته و صفته منها فهو العظيم المطلق و هو الله تعالى. و المتعظم: البليغ العظمه او المستنكف ان يكون له نظير فى عظمته. و الكبير: هو الذى كل شى ء دونه لكمال وجوده. \par (كمال الوجود يرجع الى شيئين) \par و كمال الوجود يرجع الى شيئين: \par احدهما- دوامه ازلا و ابدا فكل وجود مقطوع سابقا او لاحقا فهو ناقص و لذلك يقال للانسان اذا طالت مده وجوده انه كبير اى كبير السن طويل مده البقاء و لا يقال عظيم فالكبير يستعمل فيما لا يستعمل فيه العظيم فان كان ما طال وجوده مع كونه محدوده و مده البقاء كبيرا فالدائم الازلى الابدى الذى يستحيل عليه العدم اولى بان يكون كبيرا. \par و الثانى- ان وجوده هو الوجود الذى يصدر عنه وجود كل موجود فان كان الذى تم وجوده فى نفسه كاملا و كبيرا فالذى حصل منه الوجود لجميع الموجودات احق ان يكون كاملا و كبيرا. و المتكبر: ذو الكبرياء و العظمه و الجبروت فهو الذى يرى الكل حقيرا بالاضافه الى ذاته و لا يرى الكمال و الشرف و العز الالنفسه فان كانت هذه الرويه صادقه كان التكبر حقا محمودا و كان صاحبها جديرا بان يتكبر حقا و لا يتصور ذلك على الاطلاق الا لله تعالى. و ان كان ذلك الراى باطلا و لم يكن ما يراه من التفرد بالعظمه كما يراه كان التكبر باطلا مذموما و كل من راى العظمه و الكبرياء لنفسه على الخصوص \par
004    47    دون غيره كانت رويته كاذبه و نظره باطلا الا الله تعالى. \par
005    47    و انت الله لا اله الا انت العلى المتعال، الشديد المحال \par و العلى: الذى رتبته اعلى المراتب العقليه و هى رتبته العليه فان ذاته المقدسه هى مبدء كل موجود حسى و عقلى و علته التامه المطلقه التى لا يتصور فيها النقصان بوجه. و المتعال: المبالغ فى العلو او المستعلى على كل شى ء بقدرته او المتنزه عن نعوت المخلوقات و عن كل ما لا يجوز عليه فى ذاته و صفاته و افعاله. الشديد المحال اى الاخذ بالعقاب. او معناه شديد الكيد و المكر لا عدائه، و المحال و المماحله: شده المماكره و قد اختلفت عبارات المفسرين فى قوله تعالى و هو شديد المحال فعن على عليه السلام: شديد الاخذ، و قال مجاهد و قتاده: شديد القوه، و قال الحسن: شديد النقمه، و قيل: شديد القدره و قال الجبائى: شديد الكيد للكفار و قيل شديد الحقد و معناه راجع الى اراده ايصال الشر الى مستحقه مع اخفاء تلك الاراده عنه \par
006    47    (معنى الاوليه و الاخريه، و المراد بالعدد هنا..) (و انت الله لا اله الا انت، الرحمن الرحيم، العليم الحكيم، \par الرحمن الرحيم: صفتان مشتبهان عند الجمهور بنيتا للمبالغه. و الرحمه: لغه رقه القلب و عطفه و المراد بها هنا التفضل و الاحسان، و الرحمن ابلغ من الرحيم لكثره حروفه مختص بالله و تقديمه على الرحيم لاختصاصه به تعالى. و العليم اى العالم بجميع المعلومات و هو مبالغه للعالم، قال سيبويه: اذا ارادوا المبالغه عدلوا الى فعيل نحو عليم و رحيم و ايثار المبالغه لكمال علمه و هو احاطته علما بكل شى ء ظاهره و باطنه و دقيقه و جليله، او له و آخره. و الحكيم اى العالم بالاشياء و ايجادها على غايه الاحكام و قيل: العالم بحقايق الاشياء و اوصافها و خواصها و احكامها على ما هى عليه. \par
007    47    و انت الله لا اله الا انت، السميع البصير، القديم الخبير، \par و السميع: هو الذى لا يعزب عن ادراكه مسموع و ان خفى فيسمع السر و النجوى بل ما هو ادق و اخفى. و البصير هو الذى يشاهد و يرى حتى لا يعزب عنه ما تحت الثرى. و القديم اى الموجود الذى لا يكون وجوده من غيره و هو يستلزم الوجوب فهو بهذا المعنى للواجب تعالى و قد يفسر بما لا اول لوجوده و هو صحيح ايضا و يرادفه الازلى. و الخبير هو الذى لا تعزب عنه الاخبار الباطنه فلا يجرى فى الملك و الملكوت شى ء و لا تتحرك ذره و لا تسكن و لا تضطرب نفس و لا تطمئن الا و يكون عنده خبره و هو بمعنى العليم لكن العلم اذا اضيف الى الخفايا الباطنه سمى خبره و سمى صاحبها خبيرا فهو اخص من مطلق العلم. \par
008    47    و انت الله لا اله الا انت الكريم الاكرم، الدائم الادوم) \par و الاكرم اى الاعظم كرما كما قال تعالى: و ربك الاكرم و الادوم اى البليغ الدوام و افعل هنا مجرد عن معنى التفضيل اذ لا يقاس بدوامه سبحانه دوام دائم فيفضل عليه، و لك ان تريد بالدوام طول البقاء مطلقا فيتحقق المشاركه و يصح التفضيل و الله اعلم. \par
009    47    (الاوليه و الاخريه امر ان اعتباريان.. لذاته المقدسه) (و انت الله لا اله الا انت، قبل كل احد، و الاخر بعد كل عدد). الاوليه و الاخريه: امر ان اعتباريان اضافيان تحدثهما العقول لذاته المقدسه و ذلك انك اذا لا حظت ترتيب الوجود فى سلسله الحاجه اليه سبحانه و جدته تعالى بالاضافه اليها اول اذ كان انتهائه فى سلسله الحاجه الى عنايه المطلق فهو اول بالعليه و الذات و الشرف و اذ ليس بذى مكان فالتقدم بالمكان منفى عنه و الزمان متاخر عنه اذ هو من لواحق الحركه المتاخره عن الجسم المتاخر من علته فلم يلحقه القبليه الزمانيه فضلا عن ان يسبق عليه فكان قبل كل شى ء و لم يكن شى ء قبله مطلقا- لا من الزمانيات و لا من غيرها. و لما كان كل موجود سواه ممكن العدم فله من ذاته ان لا يستحق وجودا فضلا عن ان يستحق الاخريه و البعديه المطلقه و هو تعالى واجب لذاته فهو المستحق لبعديه الوجود و آخريته لذاته و بالقياس الى كل موجود فاذن هو الاول المطلق الذى لا احد و لا شى ء قبله و الاخر المطلق الذى لا شى ء بعده. و المراد بالعدد هنا: المعدود و هو يشمل كل ما سوى الله تعالى اذ لا ممكن الا و يلحقه العد و هو جعله مبدء كثره يصلح ان يعد بها و يكون معدودا بالنسبه اليها لان كل ممكن مركب اذ لا اقل فيه من الامكان و الوجود او الجنس و الفصل او الماده و الصوره و لذلك قيل كل ممكن زوج تركيبى و \par
009    47    يحتمل ان يكون معنى الاخر: بعد كل عدد انتهاء الممكنات اليه اذا عدت و رتبت سلسلتها من الابد الى الازل. \par
010    47    (لا ذره من ذرات العالم الا و نور الانوار محيط بها.) (و انت الله لا اله الا انت الدانى فى علوه، و العالى فى دنوه، \par الدنو: القرب، و اصله فى المسافه و المكان يقال دنوت منه دنوا: اذا قربت منه مكانا و ليس المراد به هنا هذا المعنى لتقدسه سبحانه عن الجسميه التى هى من لوازم المكان فالمراد بدنوه تعالى: دنوه من كل شى ء بحسب علمه الذى لا يعزب عنه مثقال ذره فى الارض و لا فى السماء و بهذا الاعتبار هو ادنى الى كل شى ء من نفسه لانه تعالى هو الموجد له و العالم به، و قيل المراد بدنوه: دنوه و قربه بالايجاد و التدبير و الحفظ و الكلاءه. و قيل: هو تمثيل لحاله تعالى فى سرعه اجابته لمن دعاه و انجاحه حاجه من ساله و رجاه بحال من دنا و قرب مكانه فاذا دعى اسرعت اجابته. و قال النظام النيسابورى: لا ذره من ذرات العالم الا و نور الانوار محيط بها قاهر عليها قريب منها اقرب و ادنى من وجودها اليها لا بمجرد العلم فقط و لا بمعنى الصنع و الايجاد فقط بل بضرب آخر لا يكشف المقال عنه الا الخيال مع ان التعبير بذلك توجب شنعه الجهال. و فى، من قوله فى علوه و فى دنوه، للمصاحبه اى مع علوه و دنوه. \par
011    47    و انت الله لا اله الا انت ذو البهاء و المجد و الكبرياء و الحمد). \par و البهاء: ما يملاء العين من الحسن و الجمال يقال بها يبهو مثل علا يعلو بهاء: اذا ملاء العين حسنه و جماله و قد يستعمل فى حسن الهيئه و بهاء الله تعالى: عظمته. و المجد: السعه فى الكرم و الجلاله. و مجده تعالى: سعه فيضه و كثره جوده و عظمه جلاله. و الكبرياء: الترفع و الاستنكاف عن الطاعه و الانقياد و هى صفه لا يستحقها غير الله تعالى و لذلك ورد فى الحديث: الكبرياء ردائى و العظمه ازارى فمن نازعنى فى شى ء منهما قصمه. و الحمد: الثناء بالفضيله و لما كانت الكبرياء مستلزمه للذم عطف عليها الحمد ايذانا بانها من الصفات التى لا تليق بغيره سبحانه و لا يحمد على الاتصاف بها سواه. \par
012    47    (الرد على الحكماء حيث زعموا ان الاجسام لها اصل قديم ازلى) (و انت الله لا اله الا انت، الذى انشات الاشياء من غير سنخ و صورت ما صورت من غير مثال، و ابتدعت المبتدعات بلا احتذاء \par الانشاء: احداث الشى ء و ايجاده. و السنخ من كل شى ء: اصله اى من غير اصل يكون مبدء الانشاء و الاشياء و ايجادها غير مخلوق له فيكون له شريكا فى المبدئيه. و فيه رد على الفلاسفه حيث زعموا ان الاجسام لها اصل قديم ازلى هى الماده فيلزمهم القول بثبوت قديم غيره تعالى مشارك فى المبدئيه و هو محال و فى نسخه: من غير شبح محركه و هو الشخص بمعنى الجسم المولف المدرك بالرويه و الحس و كان المراد به مواد الجسمانيات او مطلق الماده توسعا و هى ما يحصل الشى ء معه بالقوه و مثل هذه العباره قول اميرالمومنين عليه السلام فى خطبه له: لم يخلق الاشياء من اصول ازليه و لا من اوائل ابديه. و صورت الشى ء تصويرا: جعلت له صوره و الصوره: هيئه حاصله للشى ء عند ايقاع التاليف بين اجزائه. و الحكماء جعلوا الصوره نوعين: 1- صوره نوعيه و تسمى بالطبيعه و هى التى تختلف بها الاجسام انواعا و رسموها بانها جوهر بسيط لا يتم وجوده بالفعل دون ما حل فيه. 2- و صوره جسميه و رسموها بانها جوهر من شانه ان يخرج به محله من القوه الى الفعل. و المثال بالكسر: مصدر ما ثله مماثله و مثالا كقاتله مقاتله و قتالا اى شابهه ثم استعمل فى وضع شى ء ما ليحتذى به فيما يعمل، او مقابله شى ء بشى ء و هو نظيره و المعنى انه تعالى افاض الصور على المصورات ابتداء و اختراعا من غير مثال تحتذى عليه من خالق كان قبله. و احتذيت به احتذاء: اقتديت به فى فعله. \par
013    47    انت الذى قدرت كل شى ء تقديرا، و يسرت كل شى ء تيسيرا و دبرت مادونك تدبيرا، \par و تقديره كل شى ء، عباره عن ايجاده لجميع الاشياء على وفق قضائه كلا بمقدار معلوم او اعطائه لكل موجود المقدار الذى يستحقه من الكمال من الوجود و لواحق الوجود كالاجل و الرزق و نحو هما على وفق القضاء الالهى. و تيسير الشى ء: تهيئته لما يراد منه يقال يسر الفرس للركوب: اذا اسرجه و الجمه ليركب و منه قوله تعالى: فسنيسره لليسرى اى فسنهيئه للطريقه اليسرى و اصله من التيسير بمعنى التسهيل. و المعنى انه تعالى هياكل شى ء لما خلقه له فهيا الشمس سراجا و القمر نورا و النهار للنشور و الليل للسكون و الفلك للدوران و الماء للسقياء و النار للاحراق و الخيل للركوب و الابل للحمل و البقر للحرث الى غير ذلك. \par
014    47    انت الذى لم يعنك على خلقك شريك، و لم يوازرك فى امرك وزير، و لم يكن لك مشاهد و لا نظير \par قوله عليه السلام: و لم يوازرك فى امرك وزير، المراد بالامر هنا: حكم القدره الالهيه على الممكنات بالوجود. قوله عليه السلام: و لم يكن لك مشاهد و لا نظير، المشاهد: اسم فاعل من شاهدته مشاهده مثل عاينته معاينه وزنا و معنى. و انما لم يكن له سبحانه و تعالى مشاهد لتنزهه عن ادراك الحواس مطلقا. و انما خص المشاهده بالذكر و هى انما تطلق على ادراك البصر لوقوع الشبهه و قوتها فى اذهان كثير من الخلق فى جواز ادراكه تعالى بهذه الحاسه حتى ان مذهب اكثر العامه: ان تنزيهه تعالى عن ذلك ضلال بل كفر. تعالى الله عما يقول العادلون. و يحتمل ان يكون تلميحا الى قوله تعالى فى الكهف: ما اشهدتهم خلق السموات و الارض و لا خلق انفسهم و ما كنت متخذا لمضلين عضدا فان الاشهاد و ان كان بمعنى الحضار لكنه يستلزم المشاهده بل قيل: الشهود: الحضور مع المشاهد. \par
015    47    (معنى قوله تعالى: انما امره اذا اراد شيئا ان يقول له كن فيكون) (انت الذى اردت فكان حتما ما اردت، و قضيت فكان عدلا ما قضيت، و حكمت فكان نصفا ما حكمت) الحتم: مصدر بمعنى احكام الامر و ابرامه و الجزم به يقال حتمت على الشى ء حتما: اذا اوجبته عليه جزما بحيث لا يسعه خلافه. و المعنى ان ارادته تعالى اذا تعلقت بامر وجب وقوعه و تحتم كونه من غير توقف على شى ء اصلا و لا مهله و لا تراخ فكانت ارادته ايجابا و ابراما لا يتخلف عنه المراد بوجه من الوجوه كما قال تعالى: انما امره اذا اراد شيئا \par
015    47    ان يقول له كن فيكون و هو تمثيل لقدرته تعالى و سهوله تاتى المقدورات حسب ما تقتضيه ارادته، و تصوير لسرعه حدوثها عند تعلق الاراده بها بما هو علم فيها من طاعه المامور المطيع للامر القوى المطاع. و قضيت اى حكمت حكما فصلا لان القضاء: الفصل فى الحكم و قيل هو فصل الامر قولا كان او فعلا. و النصف بالكسر و الفتح و الضم ساكنا و محركا و النصفه: اسم من انصف انصافا: اذا عدل و اقسط. \par
016    47    انت الذى لا يحويك مكان، و لم يقم لسلطانك سلطان، و لم يعيك برهان و لا بيان، \par حواه يحويه حوايه: ضمه و جمعه. و فى نسخه: لا يحوزك، من حازه يحوزه حوزا و حيازه بمعنى ضمه و جمعه ايضا: و المكان فى اللغه: الموضع الحاوى للشى ء. و لما كان تعالى مبرء عن الجسميه و لواحقها و كل ما كان كذلك فهو برى ء عن المكان و لواحقه فينتج انه برى ء عن المكان و لواحقه فصدق انه لا يحويه مكان. و لم يقم لسلطانك سلطان، اى لم يطقه و لم يقدر على مقاومته، قال الزمخشرى فى الاساس: ما قام له و لا يقوم له: اذا لم يطقه: و السلطان: التسلط و القهر و الغلبه. و عنى بالامر و عن حجته يعى من باب تعب عيا: عجز عنه، و اعيا اعياء: اعجزه، و البرهان: الحجه الواضحه. و البيان فى الاصل: اسم من بان الشى ء يبين فهو بين و ابان ابانه و بين و استبان كلها بمعنى الوضوح و الانكشاف و جميعها تستعمل لازما و متعديا الا الثلاثى فلا يكون الا لازما ثم خص بايضاح المتكلم المراد للسامع و اظهار المعنى و كشفه و قد يفسر باخراج الشى ء من حيز الاشكال الى حد المتجلى. و المعنى انه تعالى لم يعجزه اقامه برهان و حجه على احد و لا بيان ما اراد بيانه و ايضاحه لبرائته من العجز عن شى ء. \par
017    47    (معنى: احصيت كل شى ء عددا، و قدرت كل شى ء تقديرا) \par انت الذى احصيت كل شى ء عددا و جعلت لكل شى ء امدا، و قدرت كل شى ء تقديرا). \par قوله عليه السلام: و احصيت كل شى ء عددا، اقتباس من قوله تعالى: و احاط بما لديهم \par
017    47    من الالفاظ المشتركه مثل الذات و الموجود و العالم و القادر و السميع و البصير فيجب حملها عند اطلاقها عليه على المعنى الذى يليق بشانه و اعتقاد ان ذاته و وجوده و علمه و قدرته و سمعه و بصره ليست كذواتنا و وجودنا و علمنا و قدرتنا و سمعنا و بصرنا و ان المراد منها فى شانه ما هو اعلى و اشرف مما يصل الى عقولنا و ان الاشتراك ليس الا بمجرد اللفظ فقط من غير اشتراك فى المعنى بوجه من الوجوه فاستعما لها فى حقه تعالى كاستعمال الالفاظ فى مجازاتها هذا و اطلاق الكيفيه عليه سبحانه و بهذا المعنى وقع فى حديث: رواه ثقه الاسلام فى الكافى- فى باب اطلاق القول بانه شى ء- عن ابى عبدالله عليه السلام حيث قال و لكن لابد من اثبات ان له كيفيه لا يستحقها غيره و لا يشاركه فيها و لا يحاط بها و لا يعلمها غيره انتهى. قوله عليه السلام: و لم تدرك الابصار موضع اينيتك، الاينيه: حاله تعرض للشى ء بسبب حصوله فى المكان سميت بذلك لان «اين» اسم موضوع للاستفهام به عن المكان و انما لم تدرك الابصار موضع اينيته تعالى لانه لا اينيه له لتنزهه عن الجسميه و لواحقها. و الحصول فى المكان تابع للجسميه فالاينيه محال عليه تعالى. \par
018    47    (لا اينيه له تعالى لتنزهه عن الجسميه و لو احقها) (انت الذى قصرت الاوهام عن ذاتيتك، و عجزت الافهام عن كيفيتك و لم تدرك الابصار مع موضع اينيتك). قصرت الاوهام اى عجزت غير ان اكثر النسخ المشهوره على ضبط قصرت بالضم و هو من قصر: خلاف طال و مصدره القصر كعنب فالمعنى على هذا. ان الاوهام تناهت و انقطعت عن ادراك ذاتيتك و ذاتيته تعالى عباره عن كنهه و حقيقته القائمه بذاتها فان ياء النسبه اذا لحقتها التاء افادت معنى المصدر كالهويه و الربوبيه. و انما قصرت الاوهام عن ادراك ذاتيته تعالى لان الوهم انما يتعلق بالامور المحسوسه و ذات الصور و الاحياز حتى انه لا يدرك نفسه الا و يقدرها ذات مقدار و حجم فلو ادراك ذاتيته تعالى لا دركها فى جهه و حيز ذات مقدار و صوره شخصيه متعلقه بالمحسوس و كل ذلك فى حق الواجب المنزه عن شوائب الكثره محال. و الافهام: جمع فهم و هو فى الاصل بمعنى تصور المعنى من لفظ المخاطب ثم اطلق على قوه النفس الفاهمه. و المراد بكيفيته تعالى: ما ينبغى له من الصفات اللائقه به المخصوصه به التى لا يعلم حقيقتها غيره تعالى. و اطلاق لفظ الكيفيه عليها على سبيل التوسع و التجوز لتعاليه جل شانه عما يتبادر الى الاذهان من اطلاق هذا اللفظ و غيره \par
018    47    و اما ان يتحقق من بعض الوجود و حينئذ ما به التماثل اما الحقيقه او جزئها او اوامر خارج عنها فان كان الاول كان ما به الامتياز عرضيا للحقيقه لازما او زائلا لكن ذلك باطل لان المقتضى لذلك العرض اما الماهيه فيلزم ان يكون مشتركا بين المثلين لان مقتضى الماهيه الواحده لا يختلف فما به الامتياز لاحد المثلين عن الاخر حاصل الاخر- هذا خلف- او غيرها فيكون ذات واجب الوجود مفتقره فى تحصيل ما يميزها عن غيرها الى غير (مميز «ظ») خارجى هذا محال، و اما ان كان ما به التماثل و الاتحاد جزء من المثلين لزم كون كل منهما مركبا فكل منهما ممكن- هذا خلف- فبقى ان يكون التماثل بامر خارج عن حقيقتهما مع اختلاف الحقيقتين لكن ذلك باطل اما اولا فلامتناع وصف واجب الوجود بامر خارج عن حقيقته لاستلزام اثبات الصفه الخارجه عنه له تثنيته و تركيبه. و اما ثانيا فلان ذلك الامر الخارجى المشترك ان كان كمالا لذات واجب الوجود فواجب مستفيد للكمال من غيره- هذا خلف- و ان لم يكن كمالا كان ناقصا لان الزياده على الكمال نقصان فثبت ان كل ماله مثل فليس بواجب لذاته فلم يكن تعالى موجودا بالتمثيل. و يحتمل ان يكون المراد بتمثيله: تصويره من مثلت الشى ء تمثيلا: اذا صورته فيكون المعنى انه سبحانه لم تتصوره العقول و الاوهام فيتعقل او يتوهم له صوره فيكون حاصلا عندها و موجودا فيها بصورته و ذلك لتنزهه تعالى عن الصوره بانواعها نوعيه كانت او جسميه او شخصيه لاستلزامها المحل او التركيب و هو تعالى منزه عن ذلك لانه وحده مجرده و بساطه محضه لاكثره و لا اثنينيه فيه اصلا. قوله عليه السلام: و لم تلد فتكون مولودا، ولد يلد من باب وعد: اذا حصل منه ولد. قال المفسرون: انما لم يلد لانه لا يجانسه شى ء ليمكن ان يكون له من جنسه صاحبه فتوالد كما نطق به قوله تعالى: انى يكون له ولد و لم تكن له صاحبه و لا يحتاج الى ما يعينه و يخلفه فيحتاج الى ان يلد لاستحاله الحاجه و الفناء عليه. قوله عليه السلام: فتكون مولودا اى فبسبب ذلك لم تكن مولودا. \par
019    47    (معنى الحد لغه و عرفا و انه سبحانه منزه عن الحد بالمعنيين) (انت الذى لا تحد فتكون محدودا، و لم تمثل فتكون موجودا، و لم تلد فتكون مولودا). حد الشى ء لغه: منتهاه كحد الدار و نحوها و عرفا: ما يشرح حقيقه ذات الشى ء و يدل على ماهيته و هو سبحانه منزه عن الحد بالمعنيين: اما الاول- فلانه من لواحق الامتداد و هو من لوازم الجسميه. و اما الثانى- فلان الحقيقه انما تعلم من جهه ما هى و يشير العقل الى كنهها اذ كانت مركبه و قد ثبت بالبرهان تنزهه عن الجسميه و التركيب. قوله عليه السلام: و لم- تمثل فتكون موجودا اى مدركا بالتمثيل من مثله اذا جعل له مثلا و الغرض نفى وجدانه تعالى بالتمثيل و ذلك ان كل ماله مثل فليس بواجب الوجود لذاته لان المثليه اما ان يتحقق من كل وجه فلا تعدد اذن لان التعدد يقتضى المغايره بوجه ما و ذلك ينافى الاتحاد و المثليه من كل وجه- هذا خلف- \par
019    47    و احصى كل شى ء عددا يقال: احصيت كذا احصاء: اذا حصلته بالعدد و اصله من لفظ الحصى و ذلك انهم كانوا يعتمدونه بالعدد كاعتمادنا فيه على الاصابع و قيل: كانوا اذا بلغ الحساب عقدا معينا من عقود الاعداد كالعشره و المائه و الالف وضعوا حصاه ليحفظوا بها كميه ذلك العقد فيبنى عليه حسابه. و احصى كل شى ء اى حصله و احاط به قال ابن عباس اى احصى ما خلق و عرف عدد ما خلق لم يفته علم شى ء حتى مثاقيل الذر و الخردل. و قوله: عددا اى فردا فردا. قوله عليه السلام: و جعلت لكل شى ء امدا اى غايه ينتهى اليها و المراد بالشى ء هنا: كل موجود سواه تعالى. و قدرت كل شى ء تقديرا اى جعلت كل شى ء بمقدار معلوم حسب ما اقتضته الحكمه و المصلحه. \par
020    47    (لما كان سبحانه واجب الوجود لذاته... استحال ان يكون له منازع..) (انت الذى لا ضد معك فيعاندك، و لا عدل لك فيكاثرك، و لا ندلك فيعارضك). الضد: المنازع المساوى فى القوه و عانده معانده و عنادا: عارضه و فعل مثل فعله. و لما كان سبحانه واجب الوجود لذاته و ما سواه ممكن و الواجب لذاته اقوى من الممكن لذاته استحال ان يكون له منازع مساوفى القوه فيعارضه بالخلاف او يباريه فى فعله و ايضا فجميع ما فى الوجود معلوله، منه مبدوه و اليه معاده فانى يكون له ضد بهذا المعنى و العدل بفتح العين و كسرها: المثل و النظير كالعديل، و قيل: عدل الشى ء بالكسر: مثله من جنسه او مقداره. قال ابن فارس: العدل الذى يعادل فى الوزن و القدر و عدله بالفتح ما يقوم مقامه من غير جنسه و منه قوله تعالى: او عدل ذلك صياما و هو فى الاصل: مصدر يقال عدلت هذا بهذا عدلا من باب ضرب: اذا جعلته مثله و قائما مقامه قال تعالى: ثم الذين كفروا بربهم يعدلون اى يجعلون له عديلا و كاثره مكاثره: غالبه فى الكثره و الند: المثل، قال الراغب: ند الشى: مشاركه فى جوهره و ذلك ضرب من المماثله فان المثل يقال فى اى مشاركه كانت فكل ند مثل و ليس كل مثل ندا. عارضه معارضه: فعل مثل فعله، و قد يراد بالمعارضه: المقابله على سبيل الممانعه. \par
021    47    (الفرق بين الابتداء و الاختراع و الاستحداث و الابتداع) (انت الذى ابتدء، و اخترع، و استحدث، و ابتدع، و احسن صنع ما صنع). الابتداء هو الايجاد الذى لم يوجد الموجد قبله مثله، و الاختراع هو الايجاد لا من شى ء، و الاستحداث هو الايجاد الذى لم يسبق غير الموجد الى ايجاد مثله، و الابتداع هو الايجاد لا لعله. و صنع الشى ء من باب منع صنعا بالضم: عمله. و احسانه تعالى صنع ما صنع عباره عن احكامه له و اتقانه اياه. \par
022    47    (لما كان تعالى منزها عن المكان.. فالمراد بمكانه تعالى..) (سبحانك ما اجل شانك، و اسنى فى الاماكن مكانك، و اصدع بالحق فرقانك). سبحان: علم للتسبيح و هو التنزيه كعثمان علما للرجل و قيل هو مصدر كغفران بمعنى التنزيه و المعنى انزهك او تنزهت عن صفات المخلوقين او عما يتوهمه العادلون بك. ما اجل شانك اى ما اعظم امرك العظيم فان الشان لا يقال الا فيما يعظم من الامور و المراد به: ما عم من صفاته و افعاله. و ما اسنى اى ما ارفع من السناء بالمد و هو الرفعه و العلو. و الاماكن: جمع مكان و هو لغه: الموضع الحاوى للشى ء. و لما كان تعالى منزها عن المكان لبرائته عن الجسميه و لواحقها فالمراد بمكانه تعالى مرتبته العقليه التى هى مرتبه علوه المطلق الذى كل عال بالنسبه اليه سافل لما علمت سابقا ان علوه بحسب الرتبه و العليه لانه مبدء كل موجود حسى و عقلى و اليه ينتهى سلسله العليه فى الممكنات لاجرم كانت مرتبته اعلى المراتب العقليه على الاطلاق و له العلو المطلق فى الوجود العارى عن امكان ان يكون فى مرتبته او فوق مرتبته شى ء و لذلك عبر عليه السلام عن جلالتها و عظمتها بصيغه التعجب الذى هو استعظام زياده فى وصف خفى سببها. و صدع بالحق: جهر به و اظهره فارقا بينه و بين الباطل و منه قوله تعالى: فاصدع بما تومر اى اجهر به و اظهره، و الحق لغه: هو الثابت الذى لا يسوغ انكاره، و عرفا هو الحكم المطابق للواقع يطلق على الاقوال و العقايد و الاديان و المذاهب باعتبار اشتمالها على ذلك و يقابله الباطل. و الفرقان: قيل مصدر فرق بين الشيئين فرقا و فرقانا كالغفران مصدر غفر، قال الراغب: الفرقان ابلغ من الفرق لانه يستعمل فى الفرق بين الباطل و الحق باحكامه او بين المحق و المبطل باعجازه. \par
023    47    (قيل: لطغه تعالى عباره عن اجراء القضاء على وفق الاراده و..) (سبحانك من لطيف ما الطفك، و روف ما ارافك، و حكيم ما اعرفك) من، بيانيه. و اللطف فى اللغه خلاف الضخامه يقال لطف الشى ء يلطف لطفا \par
023    47    و لطافه من باب قرب اذا صغر جسمه و قل حجمه و قد يعبر عن الحركه الخفيه و عن تعاطى الامور الدقيقه و اذا وصف به البارى جل شانه فليس المراد به احد هذه المعانى لاستلزامها الجسميه و الامكان و هو منزه عن ذلك بل اطلاقه عليه تعالى اما باعتبار نفعه بعباده من حيث ايصاله اليهم ما يفتقرون اليه و ينتفعون به فى الدارين و تهيئه له ما يهتدون به الى المصالح من حيث لا يعلمون، او باعتبار علمه بدقايق الامور و ذوات الاشياء اللطيفه الصغيره و صفاتها و افعالها و حركاتها، او باعتبار تنزهه عن ادراك الحواس او باعتبار تصرفه فى الذوات و الصفات تصرفا خفيا بفعل الاسباب المعده لها لافاضه كما لاتها عليها. و قيل: لطفه تعالى عباره عن اجراء القضاء على وفق الاراده و ايصال نفع فيه دقه. و الرافه: الرحمه و قيل: ابلغ من الرحمه لانها لا يكاد تقع فيما يكره و الرحمه تقع فيه للمصلحه و الحكيم، قيل: هو من الحكم بمعنى القضاء اى القاضى بالحق، و قيل: من الاحكام و هو الاتقان اى الذى احكم الاشياء و اتقنها، و قيل: من الحكمه بمعنى العلم، قال الراغب: الحكمه: اصابه الحق بالعلم و العمل فالحكمه من الله معرفه الاشياء و ايجادها على غايه الاحكام و من الانسان معرفه الموجودات و فعل الخيرات فاذا قيل فى الله تعالى هو حكيم فمعناه بخلاف معناه اذا وصف به الانسان انتهى. \par
024    47    (لما كان المتصف بالملك تلزمه المناعه و الحمايه، تعجب من مناعته تعالى) (سبحانك من مليك ما امنعك، و جواد ما اوسعك، و رفيع ما ارفعك ذو البهاء و المجد و الكبرياء و الحمد). المليك فعيل من الملك بالضم و هو التصرف فى الامر و النهى فى الناس يقال: ملك على الناس امرهم من باب ضرب اذا تولى التصرف فيهم فهو ملك بكسر اللام و تسكن و مليك و الاسم الملك بالضم و يعبر عنه بالسلطان و السلطنه، و ملكه تعالى عباره عن سلطانه القاهر و استيلائه الباهر، و غلبته التامه، و قدرته الكامله على التصرف الكلى فى الامور العامه بالامر و النهى. و منع مناعه كضخم ضخامه و هو منيع: اذا عز و قوى فلا يقدر عليه من يريده، و قال فى الاساس: منع فلان مناعه: صار ممنوعا محميا. و لما كان المتصف بالملك تلزمه المناعه و الحمايه تعجب من مناعته \par
024    47    تعالى، قال الزمخشرى: معنى التعجب فى مثل هذا المقام: تعظيم الامر فى قلوب السامعين لان التعجب لا يكون الامن شى ء خارج عن نظائره و اشكاله. و الجواد: اسم فاعل بالمعنى اللغوى من جاد يجود من باب قال جواد بالضم: اذا بذل ماله فهو جواد وجوده تعالى عباره عن افاضته الخير من غير بخل و منع و تعويق على كل قابل له بقدر قابليته و السعه: خلاف الضيق، و الواسع من اسمائه تعالى هو الذى يسع ما يسال و وسع غناه كل فقير، و وسع رزقه جميع خلقه. و الغرض: تعظيم سعه جوده و فيض كرمه تعالى و مجده و عظم شانه و قوله: ذوالبهاء خبر مبتدء محذوف اى انت ذو البهاء و هاتان الفقرتان تقدمتا فى صدر الدعاء و لا توجد ان فى بعض النسخ القديمه هنا. \par
025    47    (بسط اليد مجاز عن محض الجود من غير قصد.. الى اثبات يدو بسط) (سبحانك بسطت بالخيرات يدك، و عرفت الهدايه من عندك، فمن التمسك لدين او دنيا وجدك) بسط اليد مجاز عن محض الجود من غير قصد فى ذلك الى اثبات يد و بسط. و الهدايه: الدلاله بلطف على ما يوصل الى المطلوب و لذلك اختصت بالخير و الفاء من قوله فمن التمسك، فصيحه اى اذا كنت كذلك فمن طلبك و قصدك لتحصيل دين او دنيا وجدك اى وجد و ادرك فضلك و احسانك كافلا بنيل طلبته. \par
026    47    (المراد من العرش و الكرسى) (سبحانك خضع لك من جرى فى علمك، و خشع لعظمتك ما دون عرشك، و انقاد للتسليم اليك كل خلقك) خضع اى ذل و انقاد. و جرى فى علمك اى حصل و وقع من قولهم جرى الامر: اذا وقع. و حيث عبر عليه السلام بمن المختصه بالعقلاء فالمراد من جرى فى علمه من الملائكه و الثقلين. و المراد بخضوعهم اما كون جميعهم فى ملكه و تحت قدرته لا يمتنع عن تصرفه فيه كيف يشاء او طاعتهم له فى الحيوه و البقاء و الموت و البعث و ان عصوا فى العباده و \par
026    47    هذا مروى عن ابن عباس فى تفسير قوله تعالى: و له من فى السموات و الارض كل له قانتون قال اى مطيعون، فسئل ما بال الكفار فاجاب انهم يطيعون يوم القيمه، او خضوع الجميع طوعا و كرها كما قال تعالى: و له اسلم من فى السموات و الارض طوعا و كرها اى اخلص له الانقياد و خصص له الخضوع كل من فى السموات و الارض طائعين و كارهين فالملائكه و المسلمون الصالحون من الثقلين ينقادون له طوعا فيما يتعلق بالدين و ينقاد اليه الثقلان كرها فى غير الدين من الالام و المكاره التى تخالف طباعهم لانهم لا يمكنهم دفع قضائه و قدره، و اما الكافرون فينقادون فى الدين كرها بالسيف و معاينه ما يلجى ء الى الاسلام و الطاعه كنتق الجبل و ادراك الغرق و الاشراف على الموت و مثل هذه الايه قوله تعالى: و لله يسجد من فى السموات و الارض طوعا و كرها و خشع اى تواضع و قد تقدم الكلام على الفرق بين الخضوع و الخشوع فلا نعيده. و ما دون عرشك اى ما تحته و المراد به كل شى ء غيره تعالى كما قال اميرالمومنين عليه السلام: كل شى ء خاشع له. و العرش يطلق على معنيين: احدهما- العلم المحيط بجميع الاشياء. و الثانى- الجسم المحيط بالكرسى و ما بينه و الكرسى هو الجسم المحيط بالسموات السبع و ما بينهما، قيل: و لعل العرش هو الفلك المشهور بالفلك الاعظم و الكرسى هو الفلك المشهور بفلك البروج و على اى المعنيين للعرش حملت قوله عليه السلام: مادون عرشك، كان المراد بما دونه جميع الاشياء و هو ما سوى الله تعالى لاحاطته بكل شى ء. \par
027    47    (المراد بالجس و المس و الفرق بينهما) (سبحانك لا تحس و لا تجس و لا تمس و لا تكاد و لا تماط و لا تنازع و لا تجارى و لا تمارى و لا تخادع و لا تماكر) احس بالشى ء احساسا: ادركه بشى ء من الحواس الظاهره او الباطنه. و جسه \par
027    47    جسا من باب قتل: اذا مسه بيده يقال: جسه الطبيب: اذا مسه ليعرف حرارته من برودته و جس الشاه ليعرف سمنها من هزالها. و لما كان ذلك من لواحق الجسميه كان سبحانه منزها عنه لبرائته من الجسميه و لواحقها. و مسه مسا من باب تعب و فى لغه من باب قتل اى افضيت اليه بيدى من غير حائل. و قال البيضاوى: المس: اتصال الشى ء بالبشره بحيث تتاثر الحاسه به و اللمس كالطلب له و لذلك يقال: المسه فلا اجده. و قال العلامه الطبرسى: المس نظير اللمس و الفرق بينهما ان مع المس احساسا و اصله اللصوق وحده للجمع بين الشيئين على نهايه القرب انتهى. و بالجمله فعطف المس على الجس من باب عطف العام على الخاص فان الجس لا يكون الا باليد و المس: الاتصال بالبشره مطلقا فكل جس مس من غير عكس و كلاهما ممتنعان عليه تعالى لاستلزامهما الجسميه الممتنعه عليه سبحانه. و كاده كيدا من باب باع: خدعه و مكر به و الاسم المكيده و حقيقته ان يوهم صاحبه خلاف ما يريد به من المكروه ليوقعه فيه من حيث لا يحتسب و ذلك لا يصح عليه تعالى لان العالم الذى لا تخفى عليه خافيه لا يكاد و لا يخدع. و ما طه يميطه ميطا من باب باع: نحاه و ابعده. و نازعته نزاعا و منازعه: خاصمته و جادلته. و جاراه مجاراه: جرى معه ثم استعمل فى معنى المناظره و ماراه مماراه و مراء: حاجه فيما فيه مريه اى تردد قال تعالى: و لا تمار فيهم الامراء ظاهرا و خادعه مخادعه و خداعا كخدعه خدعا و خديعه من باب منع: اذا اظهر له خلاف ما يخفيه. و ما كره مما كره: مكر كل بصاحبه، و المكر: صرف الغير عما يقصده بحيله و وجه نفى جميع هذه الاحوال عنه تعالى ظاهر. \par
028    47    (ان حكمه تعالى بما كلفهم به هدايه الى نجاتهم و ارشاد لهم الى ما به سعادتهم) (سبحانك سبيلك جدد، و امرك رشد، و انت حى صمد) السبيل: الطريق. قال ابن الاثير: و سبيل الله عام يقع على كل عمل خالص سلك به طريق التقرب الى الله باداء الفرائض و النوافل و انواع التطوعات انتهى. و الظاهر ان المراد بها هنا السبل التى دعى الى سلوكها عباده عن السنه رسله و انبيائه و هى دينه الذى \par
028    47    لا يقبل من العباد غيره. و الجدد بفتحتين: الارض الصلبه المستويه و منه المثل: من سلك الجدد امن العثار. و المعنى ان طريقك لا يعثر من سلكها و هى استعاره محسوس لمعقول و ذكر الجدد ترشيح، مثل اهدنا الصراط المستقيم و الامر: الشان و الطريقه. و الرشد بفتحتين و بالضم و السكون، و الرشاد: الهدى و الاستقامه و الحق و الصواب اى شانك و طريقتك و اقوالك و افعالك هدايه و استقامه و حق و صواب. و يجوز ان يراد بامره تعالى هنا: حكمه المتعلق بافعال المكلفين و ظاهر ان حكمه تعالى بما كلفهم به هدايه الى نجاتهم و ارشاد لهم الى ما به سعادتهم. و الحى: الباقى الذى لا سبيل للموت و الفناء عليه. و الصمد هو الذى يصمد اليه فى الحوائج و يقصد اليه فى الرغائب يقال: صمد اليه: اذا قصده فهو فعل بمعنى مفعول كالحلب بمعنى المحلوب و الخضد بمعنى المخضود و له نظائر. \par
029    47    (معنى القضاء و القدر، و ان القدر ما لم يكن قضاء فمر جوان..) (سبحانك قولك حكم، و قضائك حتم، و ارادتك عزم) قولك اى كلامك و الحكم: الحكمه يعنى كلامك حكمه و هى كل مانع من الجهل و القبح و اصل الحكم: المنع فكانه يمنع الباطل عن معارضه الحق. و قضائه تعالى عباره عن حكمه بوجود ما يريد وجوده و هو الفصل بتمام الامر. و الحتم: الواجب الذى لا يسوغ خلافه. و فى الحديث: القضاء الابرام و اذ اقضى الشى ء امضى فذلك لامر دله. و قال الراغب: القضاء من الله اخص من القدر لان القضاء: الفصل، و القدر هو التقدير. و ذكر بعض العلماء: ان القدر بمنزله المعد للكيل و القضاء بمنزله الكيل و لهذا قال ابوعبيده لعمر لما اراد الفرار من الطاعون بالشام اتفر من قضاء الله؟ قال: افر من قضاء الله الى قدر الله. تنبيها على ان القدر ما لم يكن قضاء فمرجو ان يدفعه الله فاذا قضى فلا مدفع له، و يشهد لذلك قوله تعالى: و كان امرا مقضيا و ارادته تعالى: ايجاده للاشياء بحسب اختياره. و العزم: مصدر عزم على الشى ء يعزم عزما من باب ضرب: اذا اراد فعله و قطع عليه. و لما كانت الاراده من غيره تعالى قد تقترن بالعزم و قد تتجرد عنه بحسب \par
029    47    تصور المنفعه حكم بان ارادته تعالى لا تكون الا عزما لانه متى اختار شيئا اوجده من غير توقف على شى ء. \par
030    47    (قسمت المشيه على نوعين: حتميه قطعيه.. و مشيه تخييريه غير قطعيه) (سبحانك لا راد لمشيتك و لا مبدل لكلماتك) مشيته هنا بمعنى ارادته يعنى انه اذا اراد وقوع شى ء اولا وقوعه فلا يرد ما اراده شى ء فالمشيئه بمعنى المشى ء اعنى ما تعلقت به المشيه و المراد بها المشيه الحتميه لا التخييريه لانه تعالى شاء من آدم و زوجه ان لا ياكلا من الشجره و من ابليس السجود لادم و من الكفره الايمان و من العصاه الانابه و لم يقع ماشاء و لذلك قسمت المشيه على نوعين: 1- حتميه قطعيه لا يجوز تخلف المراد عنها كما هو شان ارادته و مشيته بالنسبه الى افعاله تعالى. 2- و مشيه تخييريه غير قطعيه يجوز تخلف المراد عنها كما هو شان ارادته و مشيته بالنسبه الى افعال العباد. و يجوز ان يكون المعنى انه اذا شاء و اراد شيئا فلا راد لارادته و مشيته له بحيث يكون اراده خلافه و هذا المعنى اظهر بالنسبه الى ظاهر العباره، و ان كان الاول اشهر فى المراد منها. قوله عليه السلام: و لا مبدل لكلماتك. اقتباس من قوله تعالى: و تمت كلمه ربك صدقا و عدلا لا مبدل لكلماته و قال الراغب: الكلمه هنا القضيه و كل قضيه تسمى كلمه سواء كان ذلك مقالا او فعالا و وصفها بالصدق لانه يقال قول صدق و فعل صدق و تمامها اشاره الى نحو قوله: اليوم اكملت لكم دينكم و نبه بذلك على انه لا نسخ للشريعه بعد هذا، و قيل: اشاره الى ما قال عليه السلام: اول ما خلق الله القلم فقال له اجر بما هو كائن الى يوم القيمه. و قيل: الكلمه هى القرآن و تسميته كلمه كتسميه القصيده كلمه فذكرانها تتم و تبقى بحفظ الله تعالى اياها فعبر عن ذلك بلفظ الماضى تنبيها على ان ذلك فى حكم الكائن، و قيل: عنى بها ما وعد من الثواب و \par
030    47    العقاب، و قيل: عنى بالكلمات: الايات و المعجزات فنبه على ان ما ارسل من الايات تام و فيه بلاغ و قوله: لا مبدل لكلماته رد لقولهم: ائت بقرآن غير هذا او بدله و قيل: اراد بكلمه ربك: احكامه التى حكم بها و بين انه شرع لعباده ما فيه بلاغ. \par
031    47    (يقال للمصنوعات آيات.. و معنى غلبه آياته سبحانه) \par (سبحانك باهر الايات، فاطر السموات، بارى ء النسمات). \par بهره بهرا من باب نفع: غلبه فهو باهر و منه قيل للقمر: الباهر لغلبه ضوئه ضوء الكواكب. و الايات: جمع آيه و هى العلامه الظاهره و آيات الله: دلالته و كتبه المنزله على رسله و يقال للمصنوعات آيات من حيث دلالتها على الصانع و قدرته و معنى غلبه آياته سبحانه: غلبه دلائله و حججه التى تدل على الوهيته و وحدانيته و قدرته و ساير صفاته لمن جحد و الحد و ظهورها على جميع دلائل المبطلين و حججهم كما قال تعالى: بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فاذا هو زاهق و لكم الويل مما تصفون اى نورد الايات الباهره و الادله القاهره على الشبه الباطله فتعلوها و تمحقها فاذا هى ذاهبه هالكه و لكم الهلاك مما تصفونه به مما لا يليق بشانه سبحانه و تعالى. و الفطر: الشق عن الشى ء باظهاره للحس، و قيل: الشق طولا، و فاطر السموات اى مبدعها من غير مثال تحتذيه و لا قانون ينتجه كانه شق العدم باخراجها منه. و البارء: الخالق، و النسمات: جمع نسمه بفتحتين و هى النفس بالسكون و تجمع على نسم ايضا. \par
032    47    لك الحمد حمدا يدوم بدوام ملكك، \par الدوام فى الاصل: السكون و منه الحديث: نهى ان يبول الانسان فى الماء الدائم ثم استعمل فى امتداد الشى ء فقيل: دام الشى ء: اذا امتد زمانه و اذا وصف به الله سبحانه فالمراد به استمرار وجوده بلا انقطاع فهو الدائم الذى لا ينتهى تقدير وجوده فى المستقبل الى آخر فمعنى قوله عليه السلام: يدوم بدوام ملكك اى يستمر وجود ثوابه و اجره ملتبسا باستمرار وجود ملكك، و الغرض عدم انقطاعه و انتهائه اذ كان ملكه تعالى دائما لا ينتهى الى آخر. \par
033    47    معنى الدوام و الخلود، \par و لك الحمد حمدا خالدا بنعمتك، \par و الخلود هنا: دوام البقاء و ان قيل هو فى الاصل: الثبات المديد دام او لم يدم. \par
034    47    و لك الحمد حمدا يوازى صنعك، \par و وازاه موازاه حاذاه و قابله. قال ابن الاثير: الموازاه: المقابله و المواجهه و الصنع بالضم: الرزق. \par
035    47    و مع: اسم ظرف لمكان الاجتماع و زمانه) \par و لك الحمد حمدا يزيد على رضاك، \par و لك الحمد حمدا مع حمد كل حامد، و شكرا يقصر عنه شكر كل شاكر). \par و الرضا: سكون النفس بالنسبه الى ما يلايمها و يوافقها عند تصور كونه موافقا او ملائما لها و اذا اطلق على الله سبحانه فيعود الى علمه بموافقه امره و ارادته و طاعته. قيل و معنى يزيد على رضاك: اى يزيد على ما يرضى به منا من الحمد فرضاك بمعنى مرضيك، و قيل اى يزيد على رضاك بعملنا لكونه تعالى يرضى من عباده بالقليل من العمل. \par
036    47    و مع اسم ظرف لمكان الاجتماع و زمانه، و قد يراد به مجرد الاجتماع و الاشتراك من غير ملاحظه المكان و الزمان نحو: و كونوا مع الصادقين و هو فى عباره الدعاء كذلك غير ان الظاهر ان المراد بها هنا الاجتماع فى الشرف و الرتبه من جهه الكثره. قال الراغب: مع: تقتضى الاجتماع اما فى المكان او فى الزمان او فى الشرف و الرتبه و نحوهما معا فى العلو فالمعنى: حمدا يشارك و يجامع حمد جميع الحامدين فى كثرته او المعنى يحاذى حمد كل حامد فيكون معه لا يقصر عنه و لا يقف دونه. و قصر عن الامر قصورا من باب قعد: عجز عنه و منه قصر السهم عن الهدف قصورا اذا لم يبلغه. \par
037    47    حمدا لا ينبغى الا لك، و لا يتقرب به الا اليك \par ينبغى: مطاوع بغى يقال: بغيته اى طلبته فانبغى كما يقال كسرته فانكسر. و تقرب الى الله بكذا: فعله طلبا للقربه عنده. \par
038    47    حمدا يستدام به الاول، و يستدعى به دوام الاخر \par و استدمت الشى ء: طلبت دوامه اى بقائه و امتداد زمانه يقال انا استديم الله نعمتك اى اطلب دوامها. \par و استدعيت الشى ء: طلبته و التمسته و اصله من الدعاء بمعنى النداء و هو طلب الحضور لان المستدعى للشى ء يطلب حضوره اى يطلب به دوام الاخر، \par
039    47    حمدا يتضاعف على كرور الازمنه و يتزايد اضعافا مترادفه، \par و تضاعف الشى ء: زاد على اصله فحصل مثلاه و اكثر و هو من الضعف بالكسر و المراد به هنا زياده غير محصوره. و كرور الازمنه اى عودها مره اخرى من كر يكر كرا و كرورا من باب قتل: اذا عاد و رجع بعد الذهاب يقال: افناه كر الليل و النهار اى عودهما مره بعد اخرى اذا عاد و رجع بعد الذهاب و منه تكرير الشى ء و هو اعادته مرارا. و تزايد الشى ء من الزياده و تفاعل هنا بمعنى تفعل الذى هو للعمل المتكرر فى مهله. و المعنى تزايد شيئا فشيئا. و نصب اضعافا اما على التمييز المحول عن الفاعل و الاصل: يتزايد اضعافه بدليل قوله قبله: يتضاعف على كرور الازمنه ثم حول الاسناد الى الحمد و نصب اضعافا على التمييز او على المفعوليه المطلقه لنيابته عن مصدر الفعل و الاصل تزايد اضعاف فحذف المصدر و انيب اضعافا منا به او على الحاليه اى حالكونه اضعافا، و مترادفه اى متتابعه متلاحقه من ترادف القوم اى تتابعوا و تلاحقوا و ردفته ردفا من بابى سمع و قتل: لحقته و تبعته. \par
040    47    (المراد بالحفظه: الملائكه الذين يحفظون اعمال العبادوهم ايضا..) \par حمدا يعجز عن احصائه الحفظه، و يزيد على ما احصته فى كتابك الكتبه ) \par و احصاء الشى ء تحصيله بالعدد و منه و احصى كل شى عددا اى حصله و احاط به. و الحفظه: جمع حافظ من حفظت الشى ء: اذا رعيته، و تعهدته و المراد بهم هنا الملائكه الذين يحفظون اعمال العباد و يحصون حسناتهم و سيئاتهم و هم ايضا الكتبه الذين يكتبون الاعمال بدليل قوله تعالى: و ان عليكم لحافظين كراما كاتبين \par
041    47    (المراد بالعرش و الكرسى) \par (حمدا يوازن عرشك المجيد، و يعادل كرسيك الرفيع، \par وازن الشى ء الشى ء: ساواه فى الوزن. و عرشه تعالى قيل عباره عن علمه المحيط بجميع الاشياء من باب التشبيه لا ستقرارها فيه، و قيل: هو مطاف الملائكه، و قيل هو: \par الفلك التاسع المسمى بالفلك الاعظم و الفلك الاعلى و قيل هو كنايه عن سلطانه و ملكه تعالى و قال الراغب: عرش الله تعالى مما لا يعلمه البشر الا بالاسم على الحقيقه. و المجد: السعه فى الكرم وصف به العرش لسعته و جلالته و عظمته. و عدل الشى ء عدلا من باب ضرب و عادله معادله: ساواه فى وزنه و مقداره. و كرسيه تعالى قيل مجاز عن علمه ايضا كالعرش. \par و فى الحديث عن الصادق عليه السلام و قد سئل عن قوله عز و جل: وسع كرسيه السموات و الارض قال: علمه. و قيل مجاز عن ملكه و سلطانه على التشبيه بكرسى الملك. و قيل: هو جسم بين يدى العرش محيط بالسموات السبع، قيل: و لعله الفلك الثامن المسمى بفلك البروج. \par و عن ابى عبدالله عليه السلام قال: كل شى ء خلق الله فى جوف الكرسى خلا عرشه فانه اعظم من ان يحيط به الكرسى. \par و عنه عليه السلام قال: الكرسى عند العرش كحلقه فى فلاه قى و القى بكسر القاف: قفر الارض. \par و من طرق العامه عنه صلى الله عليه و آله و سلم: ما السموات السبع و الارضون السبع مع الكرسى الا كحلقه فى فلاه و فضل العرش على الكرسى كفضل تلك الفلاه على تلك الحلقه. \par و فى بعض الروايات عن اهل البيت عليهم السلام ما يدل على ان الكرسى اعظم من العرش و هو لا ينافى الروايات الداله على ان العرش اعظم منه لان المراد بالكرسى فى الروايات الداله على انه اعظم من العرش: علمه المحيط بجميع الاشياء او ملكه و سلطانه و بالعرش الجسم المحيط فهو بهذا المعنى داخل فى الكرسى فكان الكرسى بهذا المعنى مظم منه و ليس المراد به فلك البروج كما توهمه بعضهم فانه يستحيل ان يكون اعظم اعن العرش بمعنى الفلك الاعظم. و الرفيع: فعيل من الرفعه بمعنى العلو فان حمل الكرسى على معنى الجسم المحيط فالرفعه حسيه و الا فعقليه. و المراد بموازنه الحمد و معادلته للعرش و الكرسى: التعظيم و التفخيم لشانه، و يحتمل ان يكون المراد انه لو وزن و عدل بهما لوازنهما حقيقه بناء على القول بتجسم الاعمال فى الاخره. \par
042    47    حمدا يكمل لديك ثوابه، و يستغرق كل جزاء جزائه \par و كمال الشى ء: حصول ما فيه الغرض منه و يقال كمل الشى ء يكمل بضم العين فيهما كما لا اى حصل ما هو الغرض منه. \par (ان الجزاء فى الاخره هو عين العمل هنا خيرا كان او شرا) \par و الثواب: ما يرجع الى الانسان من جزاء اعماله و اصله من ثاب ثوبا من باب قال اى رجع فسمى جزاء العمل ثوابا على تصور انه هو هو و الصحيح ان الجزاء فى الاخره فهو عين العمل هنا خيرا كان او شرا فالاعمال الصالحه تظهر فى النشاه الاخره انوارا و روحا و ريحانا و ثمارا و حورا و ولدانا، و الاعمال القبيحه تبرز هناك ظلمات و كربات و عقارب و حيات فاذن الجزاء هو عين العمل سمى ثوابا لثوبه اى رجوعه الى صاحبه ان خيرا فخير و ان شرا فشر لكنه فى صوره اخرى فان الحقيقه الواحده تختلف صورها باختلاف المواطن فتتحلى فى كل موطن بحليه و تتزيى فى كل نشاه بزى، و الثواب يقال فى الخير و الشر لكن الاكثر استعماله فى الخير. و استغراق الشى ء: استيعابه و هو اخذ جميعه. و الجزاء: مصدر جزاه الله على فعله خيرا او شرا: اثابه عليه و قضاه له. و معنى استغراق جزائه كل جزاء: اشتمال جزائه على مثل جزاء جميع الاحوال فلا يكون جزاء عمل من الاعمال الصالحه الا و اشتمل جزاء الحمد على مثله. و نظير هذه العباره: \par قول ابى جعفر الثانى عليه السلام: من قرا انا انزلناه فى ليله القدر عشر مرات بعد العصر مرت له على مثل اعمال الخلايق فى ذلك اليوم اى مرت قرائته لها مشتمله على مثل ثواب اعمال الخلايق فى ذلك اليوم. \par
043    47    حمدا ظاهره وفق لباطنه، و باطنه وفق لصدق النيه، \par و ظاهر الحمد: ما اعلن منه و باطنه ما اسر منه كما قال تعالى: و ذروا ظاهر الاثم و باطنه اى ما يعلن من الذنوب و ما يسر او ظاهره ما عمل بالجوارح و باطنه ما عمل بالقلب و بذلك فسرت الايه ايضا. و لما كان ما يسر من العمل خالصا فى الغالب عن الرياء، و السمعه سال عليه السلام ان يكون ظاهر حمده موافقا لباطنه اى فى الخلوص من شائبه يشوبه ثم لما كان الباطن من العمل قد يخلو عن صدق النيه اى حسنها و هو الاقبال على العمل من صميم القلب او تزكيتها عن جميع النقايص و تصفيتها من غير وجه الله تعالى سال عليه السلام ان يكون باطن حمده موافقا لصدق النيه و حسنها فيه فيكون الظاهر كباطنه و باطنه مشتملا على صدق النيه فيه. \par
044    47    حمدا لم يحمدك خلق مثله، و لا يعرف احد سواك فضله) \par و قوله عليه السلام: لم يحمدك خلق مثله، اى كيفيه و كميه فلا يكون حمد ازكى ثوابا و لا اكثر عددا منه. و فضله اى فضيلته و كماله او خيره او زيادته على غيره من الحمد من فضل فضلا من باب قتل اى زاد. \par
045    47    (اعانته تعالى عباره عن افاضه قوه على استعداد العبد. و تاييده عباره..) \par (حمدا يعان من اجتهد فى تعديده، و يويد من اغرق نزعا فى توفيته، \par حذف الفاعل من قوله يعان و يويد، و اسندهما الى مفعوليهما للعلم به و تعينه حقيقه كقوله تعالى: و خلق الانسان ضعيفا و اعانته تعالى عباره عن افاضه قوه على استعداد العبد يقوى بها على تحصيل الكمالات الموصوله الى السعاده الاخرويه و تاييده عباره عن تقويته و امداده بما يقوى به على فعل الخيرات من فتح بصيرته و شرح صدره و الهامه رشده الى غير ذلك. و الاجتهاد فى الشى ء: اخذ النفس ببذل الطاقه و تحمل المشقه من الجهد بالفتح و الضم بمعنى الطاقه و المشقه و قيل: هو بالفتح: المشقه و بالضم: الطاقه و الوسع. \par و التعديد: مصدر عدده: اذا جعله ذا عدد. و العدد هنا كنايه عن الكثره، و قال الراغب: قد يتجوز بالعدد فيقال: شى ء معدود للقليل مقابله لما لا يحصى كثره و يقال على الضد من ذلك نحو جيش عديد اى كثير و انهم لذو عدد اى هم بحيث ان يعد و الكثرتهم و يقال فى القليل: هم شى ء غير معدود اذا عرفت ذلك فالمراد بتعديده هنا تكثيره و توفيره لاعده و احصاوه و المعنى حمدا تفيض المعونه على من بذل وسعه و طاقته و تحمل المشقه فى تعديده و تكثيره. و اغرق فى الشى ء: بالغ فيه و اطنب. و نزع القوس نزعا من باب ضرب: مدها يقال اغرق الرامى نزعا اى استوفى مد القوس و بالغ فيه. هذا هو الاصل ثم استعير لكل من بالغ فى شى ء. \par و وفاه حقه توفيه: اعطاه اياه و افيا اى تاما و المعنى حمدا تويد العنايه الالهيه من بالغ امره فى ايفائه حقه الذى يجب له من الاداب و السنن و اخلاص النيه و صدق الرغبه الى غير ذلك. \par
046    47    حمدا يجمع ما خلقت من الحمد، و ينتظم ما انت خالقه من بعد \par و جمعت الشى ء جمعا من باب نفع: ضممته بتقريب بعضه من بعض. و ينتظم اى يجمع و يشمل و اصله من نظم اللولو و هو جمعه فى سلك. و بعد: ظرف مبهم قطع عن الاضافه لفظا لا معنى فمبنى على الضم و الاصل من بعد ذلك و انما بنى لا بهامه مع تضمنه معنى الاضافه الذى هو معنى الحرف و كان البناء على الحركه فرارا من التقاء الساكنين و كانت ضمه و هى اقوى الحركات جبرا لما لحقه من الوهن بحذف المضاف اليه مع انه مقصود. \par
047    47    حمدا لا حمد اقرب الى قولك منه، و لا احمد ممن يحمدك به، \par قوله عليه السلام: حمدا لا حمد اقرب الى قولك منه، الجمله المصدره بلا فى محل نصب نعت للمفعول المطلق قبلها، و لا، لنفى الجنس و حمد اسمها و الفتحه فيه فتحه بناء لتركيبه معها تركيب خمسه عشر. و قيل لتضمنه معنى من الاستغراقيه و وجب تنكيره ليدل بوقوعه فى سياق النفى على العموم و اقرب خبرها و وجب تنكيره ايضا اذ لا يخبر بمعرفه عن نكره و اقرب بمعنى ادنى. و الى قولك اى الى ما توثره و تعنى به من الحمد من قولهم فلان يقول بكذا اى يعتنى به و يهواه. \par قال الراغب: قد يستعمل القول فى العنايه الصادقه بالشى ء كقولك فلان يقول بكذا. و يحتمل ان يراد به الحكم اى الى حكمك بان تحمدوا لقول بهذا المعنى مشهور و منه فى التنزيل: لقد حق القول على اكثرهم اى حكمه تعالى عليهم. و احمد من قوله و لا احمد: افعل تفضيل من الحمد و هو اما بمعنى فاعل اى لا اكثر حمدا منه لله تعالى او بمعنى مفعول و المعنى لا اكثر منه فى الناس محموديه، و بكلا المعنيين فسر اسمه صلى الله عليه و آله و سلم غير ان المعنى الاول انسب بالمقام هنا. \par
048    47    حمدا يوجب بكرمك المزيد بوفوره، و تصله بمزيد بعد مزيد طولا منك، \par قوله عليه السلام: يوجب بكرمك المزيد بوفوره اى يثبت و يقتضى المزيد بان يكون معدا للحامديه لقبول افاضته مزيد النعم عليه فان الجود الالهى لا بخل فيه و لا منع و انما النقصان من جهه العبد لعدم الاستحقاق و القابليه فاذا استعد لقبول نعمه تعالى افاضها عليه و كلما توفر الاستعداد توفر المزيد فلا يزال يستعد بالحمد على النعم السابقه للمريد بالنعم اللاحقه الى ان يخرج كل كمال له بالقوه الى الفعل فيترقى الى اعلى المراتب و اشرف المنازل و لما كان اللزوم المزيد للحمد انما هو بجعل الله تعالى كرما منه تعالى و ملاحظه لعباده بعين عنايته و شمولا لهم بسعه رحمته كما قال تعالى: لئن شكرتم لازيدنكم فعلق زياده النعمه بمجرد الشكر اشار عليه السلام الى ذلك بقوله: بكرمك و الباء فيه للسببيه. \par و المزيد: مصدر ميمى بمعنى الزياده. و وفر المال يفر من باب وعد و كرم وفورا كثر و اتسع فهو و فرو و افر اى بكثرته و اتساعه و الباء فيه للسببيه ايضا و هى متعلقه بالمزيد. و وصلت الشى ء بالشى ء وصلا من باب وعد لائمته و الحقته به. و الطول: بالفتح الفضل و المن اى فضلا منك و منا. \par
049    47    حمدا كما يجب لكرم وجهك و يقابل عز جلالك \par قوله عليه السلام: حمدا يجب لكرم وجهك، اى يحق و يثبت من حيث انه لا يليق و لا يحسن بغيره. و وجهه تعالى هنا اما بمعنى ذاته كقوله تعالى: كل شى ء هالك الا وجهه او صفاته من حيث توجه كل شى ء اليها فى جميع الامور. و كرمه عباره عن اتصافه بجميع المحامد و تنزهه عن جميع النقائص. و العز: الغلبه و القهر و الجلال و العظمه. و معنى مقابله الحمد لعز جلاله: كونه لائقا بعز جلاله و قهر عظمته بحيث يصلح ان يكون قبالته اى تجاهه من المقابله بمعنى المواجهه خلاف المذابره و منه: قعدت قباله الكعبه اى مقابلا لها و الله اعلم. \par
050    47    (اصطفائه صلى الله عليه و آله من وجهين..) \par (رب صل على محمد و آل محمد المنتجب المصطفى المكرم المقرب، افضل صلواتك، و بارك عليه اتم بركاتك، و ترحم عليه امتع رحماتك). \par حذف حرف النداء و هو «يا» خاصه اى يا رب و لا يقدر غيرها كما تظافرت عليه نصوصهم لانها اعم و اغلب فى الاستعمال و الحذف نوع من التصرف فلا يليق الا بما كثر دوره لا بما قل، و النكته فى حذفه استشعار كمال قربه تعالى و كمال اقباله سبحانه \par
050    47    عليه من حيث سبق علمه جل شانه بالغرض من النداء الذى هو لسئوال الصلوه على حبيبه و آله و هو مما يقبل الله سبحانه على الداعى له اتم الاقبال، كيف؟ و هو القائل: ان الله و ملائكته يصلون على النبى يا ايها الذين آمنوا صلوا عليه و سلموا تسليما و وضع الظاهر موضع المضمر من قوله: و آل محمد و لم يقل و آله تبركا بذكر اسمه صلى الله عليه و آله و سلم مره اخرى و استلذاذا له و بسطا للكلام حيث الاصغاء مطلوب مع تضمنه مزيد تعظيم لشان المضاف و تحريص لاكرامه. \par و المنتجب: المستخلص و اصله من النجب محركه و هو لحاء الشجره و قشرها يقال: انتجب العود اذا اخذ قشره و جعله خالصا منه كانه ابقى خلاصته و نقاه مما يشوبه. و المصطفى المختار من الاصطفاء و هو اخذ صفوه الشى ء كما ان المختار من الاختيار و هو اخذ خيره الشى ء و انتجابه. \par و اصطفاوه صلى الله عليه و آله و سلم من وجهين: \par احدهما- من جهه شرف نسبه و طهاره اصله كما قال صلى الله عليه و آله و سلم: لم يزل الله ينقلنى من اصلاب الطاهرين الى ارحام الطاهرات لم يدنسنى بدنس الجاهليه. \par و كما قال اميرالمومنين عليه السلام: كلما نسخ الله الخلق فرقتين جعله فى خير هما لم تسهم فيه عاهر و لا ضرب فيه فاجر. \par و الثانى- من جهه افاضه الكمال النبوى عليه دون سائر الخلق و اكرامه باعداد نفسه الشريفه لقبول انوار النبوه و اسرار الرساله و تخصيص العنايه الالهيه له بذلك. و المكرم: المبالغ فى اكرامه بجليل الكرامات و رفيع المقامات. و المقرب: الذى قربت مرتبته عندالله تعالى و ادنيت منزلته منه تعالى كما قال سبحانه: ثم دنى فتدلى فكان قاب قوسين او ادنى و هذا القرب ليس بالمكان و لا بالزمان بل انما هو بحسب الذات قربا معنويا روحانيا و هو المشار اليه بقوله تعالى: فى مقعد صدق عند مليك مقتدر و يسمى فى عرف القوم بالمكانه، قالوا و هى المنزله التى هى ارفع المنازل و اشرف عندالله تعالى. و افضل الصلوات: اشرفها و اعظمها كما و كيفا، و صلوته تعالى قيل: رحمته، \par
050    47    و قيل: ثناوه، و قيل كرامته، و قيل: تزكيته اى تطهيره لمن ارتضى من عباده بحيث يستحق فى الدنيا الاوصاف المحموده و فى الاخره الاجر و المثوبه. و بارك عليه اى افض عليه بركاتك، و بركاته تعالى نعمه الدائمه و خيراته الناميه حالا بعد حال. و ترحم عليه اى بالغ فى افاضه انفع رحماتك عليه يقال: امتعه الله بالشى ء و امتعه به اى نفعه به و منه المتاع و هو كل ما ينتفع به. \par
051    47    (المضارع، كما يفيد الاستمرار فى الاثبات، يفيده فى النفى بحسب المقام) \par (رب صل على محمد و آله، صلوه زاكيه لا تكون صلوه ازكى منها، و صل عليه صلوه ناميه لا تكون صلوه انمى منها، و صل عليه صلوه راضيه لا تكون صلوه فوقها). \par زاكيه اى زائده الخير من زكا الشى ء يزكو زكاء بالفتح و المد: اذا زاد. و لا تكون اى لا تحصل صلوه فى المستقبل ازيد منها دائما مستمرا فان المضارع كما يفيد الاستمرار فى الاثبات يفيده فى النفى بحسب المقام. و ناميه اى كثيره من نمى الشى ء ينمى من باب رمى نماء بالفتح و المد اى كثر. و راضيه اى ذات رضى على النسبه بالصيغه فان النسبه نسبتان: نسبه بالحرف كقرشى و بصرى، و نسبه بالصيغه كلا بن و تامر للمنسوب الى اللبن و التمر اى ذى لبن و ذى تمر، و دارع و نابل نسبه الى الدرع و النبل اى ذى درع و ذى نبل. و الغرض المبالغه فانه لا يجعل الفعل فاعلا الا اذا كان الفاعل مبالغا فيه. و قوله عليه السلام: لا يكون صلوه فوقها اى اعلى و ارفع منها منزله و رتبه عنده تعالى لتناسب المصلى عليه فى شرف القدر و علو المكانه لديه سبحانه. \par
052    47    (لما كان مراتب استحقاق كرامته سبحانه غير متناهيه.. سئل عليه السلام..) \par (رب صل على محمد و آله، صلوه ترضيه، و تزيد على رضاه، و صل عليه صلوه ترضيك و تزيد على رضاك له وصل عليه صلوه لا ترضى له الا بها و لا ترى غيره لها اهلا). \par ارضاه الشى ء فرضيه و رضى به اى اقنعه فقنع به و اختاره و لم يطلب معه غيره. و تزيد على رضاه اى مرضيه من قولهم هذا شى ء رضا اى مرضيه اى تزيد ما يرضاه من الصلوه. \par
052    47    و لما كانت مراتب استحقاق كرامته سبحانه غير متناهيه و كان صلى الله عليه و آله احب خلقه اليه و اكرمهم عليه و كان جديرا ان لا يكتفى فى الصلوه عليه و الرحمه له بما يرضاه بل بما يزيد على رضاه، سال عليه السلام ان يصلى عليه صلوه يرضى هو بها بل تزيد على رضاه سبحانه اذ كان مقتضى و فور احسانه و كمال امتنانه ان يبلغ نفسا هى محل الرساله اقصى مراتب الخيرات و اعلى درجات الرحمات. ثم لما استشعر عليه السلام انه تعالى لا يرضى له الا بالصلوه التى هى اتم الصلوات و الرحمه التى هى اكمل الرحمات سال ان يصلى عليه صلوه لا يرضى له الا بها فلا تكون صلوه اشرف منها اذ لو كان فوقها صلوه لم يرض بما دونها. و لا ينافى ذلك ان مراتب استحقاق كرامته تعالى غير متناهيه لان المسئول ان يصلى عليه صلوه غير متناهيه. \par ثم لما كان صلى الله عليه و آله و سلم فى الرتبه التى لا يشاركه فيها احد من الشرف و الكمال سال عليه السلام ان يصلى عليه صلوه لا يشاركه فيها احد فقال: لا ترى غيره لها اهلا. و الرويه هنا بمعنى العلم فان الرويه اذا عديت الى مفعولين اقتضت معنى العلم او رجحان الظن. \par
053    47    (معنى رضى الله تعالى عن العبد و سخطه منه) \par (رب صل على محمد و آله، صلوه تجاوز رضوانك، و يتصل اتصالها ببقائك و لا ينفد كمالا تنفد كلماتك). \par جاوزت الشى ء و تجاوزته: تعديته. و الرضوان بكسر الراء بمعنى الرضا. و قال الراغب: الرضوان: الرضا الكثير و لما كان اعظم الرضا رضى الله خص لفظ الرضوان فى القرآن بما كان من الله تعالى. انتهى. \par و رضى الله تعالى عن العبد قيل هو عباره عن ان يراه موتمر الامره و منتهيا عن نهيه. و قيل: هو عباره عن ثوابه كما ان سخطه عباره عن عقابه. و قيل: هو مدحه على الطاعه و ثناوه عليه، و قيل هو معنى يستحقه العبد من ربه بالاحسان فى طاعته، و لعل هذا المعنى انسب المعانى المذكوره هنا فيكون المراد بتجاوز الصلوه رضوانه تعالى: تجاوز المقدار الذى استحقه عليه السلام فى طاعته باحسانه من رضوانه جل و علا و الغرض طلب الزياده على منتهى الاستحقاق. و اتصل الشى ء اتصالا: استمر و لم ينقطع، و اتصل بغيره: التام به. \par
053    47    و بقائه تعالى عباره عن عدم انتهاء تقدير وجوده فى الاستقبال الى آخر و يعبر عنه باستمرار وجوده بلا انقطاع ايضا و المعنى صلوه تستمر باستمرار وجودك فلا يكون لها آخر تنتهى اليه. و نفد الشى ء ينفد بالدال المهمله من باب تعب نفادا: فنى و انقطع. و فى هذه الفقره تلميح الى قوله تعالى: و لو ان ما فى الارض من شجره اقلام و البحر يمده من بعده سبعه ابحر ما نفدت كلمات الله ان الله عزيز حكيم. \par
054    47    (الصلوه من الله سبحانه: الرحمه، و من الملائكه: الاستغفار و من الادميين.. ) \par (رب صل على محمد و آله، صلوه تنتظم صلوات ملائكتك و انبيائك و رسلك و اهل طاعتك، و تشتمل على صلوات عبادك من جنك و انسك و اهل اجابتك و تجتمع على صلوه كل من ذرات و برات من اصناف خلقك) \par تنتظم اى تنظم و تجمع و صيغه الافتعال هنا للمبالغه ككسب و اكتسب قال الرضى : لابد لزياده البناء من معنى و لو لم يكن الا التاكيد و المعنى صلوه تجمع المطلوب و الغرض من صلوات ملائكتك و انبيائك و رسلك.. هو الاعتناء بما فيه خيره و صلاح امره و الاهتمام باظهار شرفه و تعظيم شانه و الا فالصلوه من الله تعالى مغايره للصلوه من الملائكه و من الادميين على ما هو المشهور من انها من الله سبحانه: الرحمه و من الملائكه: الاستغفار و من الادميين: دعاء بعضهم لبعض فلا تكون صلوته سبحانه بمعنى صلوات غيره حتى تجمعها. \par هذا ان حملنا اضافه الصلوات الى الملائكه و غيرهم على معنى الصلوات منهم فتكون الاضافه الى الفاعل، و ان حملناها على معنى الصلوات من الله عليهم فالمعنى تحتوى على مقدار صلواتك عليهم و تجمع ثواب جملتها و الغرض ان يصلى عليه صلوه تعادل و توازى جميع صلواته على الطوائف المذكورين. و اشتمل على الشى ء: احاط به و منه اشتمال الرحم على الولد. و اضافه عباد الى كاف الخطاب مع ما فى ذلك من التشريف للايذان بان المراد بهم: عباده الذين وصفهم بقوله تعالى: و عباد الرحمن الذين يمشون على الارض هونا و اذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما و الذين يبيتون لربهم سجدا و قياما الى آخر ما و صفهم به لا مطلق العباد بدليل عطف اهل الاجابه عليهم فانه من عطف \par
054    47    العام على الخاص. \par و قال بعض المفسرين: لفظ العباد يختص بالمومنين فى اكثر القرآن كقوله: فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون احسنه عينا يشرب بها عباد الله قل يا عبادى الذين اسرفوا على انفسهم و قل لعبادى يقولوا التى هى احسن فادخلى فى عبادى و اهل اجابته تعالى هم الذين اجابوا داعيه من الانس و الجن لقولهم: يا قومنا اجيبوا داعى الله و الجمع: ضم الشى ء بتقريب بعضه من بعض يقال: جمعته فاجتمع و عدى الاجتماع هنا بعلى لتضمينه معنى الاشتمال كما يقال: انطوى على الامر. اى تجتمع مشتمله على صلوه من ذرات و برات اى خلقت يقال: ذرا الله الخلق و براهم بمعنى فهو من باب عطف الشى ء على مرادفه نحو: انما اشكوبثى و حزنى و الغرض: التاكيد. و الاصناف: جمع صنف بالكسر: الطائفه من كل شى ء. قال الجوهرى: هو النوع و الضرب. \par
055    47    (قول بعض العلماء فى الصلوه على محمد و آل محمد) \par (رب صل عليه و آله، صلوه تحيط بكل صلوه سالفه و مستانفه، و صل عليه و على آله صلوه مرضيه لك و لمن دونك، و تنشى ء مع ذلك صلوات تضاعف معها تلك الصلوات عندها و تزيدها كرور الايام زياده فى تضاعيف لا يعدها غيرك). \par احاط القوم بالبلد احاطه: استداروا به من كل جانب و منه قيل للبناء: حائط. و سلف الشى ء سلوفا من باب قعد: مضى و انقضى فهو سالف و الجمع: سلف و سلاف مثل خدم و خدام و اما الاسلاف فجمع سلف كسبب و اسباب فهو جمع جمع. و استانفت الشى ء: ابتداته و احدثته يقال: هذا شى ء مستانف اى مبتدء لم يتقدم قبل هذا الوقت اى بكل صلوه ماضيه و مبتداه و اللام فى مرضيه لك و لمن دونك: مبنيه للفاعل لان المعنى: ترضاها و يرضاها من سواك. \par
055    47    قال بعض العلماء: لما عجز الامه عن قضاء حق الرسول سئلوا الله تعالى ان يقضيه عنهم فقالوا: اللهم صل على محمد و آل محمد نظيره ما وقع فى بعض المناجاه: الهى انت تعلم عجزى عن مواقع شكرك فاشكر نفسك عنى. نشا: حدث و تجدد اى تحدث مع المذكور من الصلوه صلوات تضاعف معها اى مجموعا اليها يقول فعلت هذا مع هذا اى مجموعا اليه و المراد تضاعف مع هذه الصلوات التى تنشها تلك الصلوات المسئوله سابقا بان تزيد عليها امثالها زياده غير محصوره. و قوله: عندها، حال من الصلوات قبلها و الضمير عائد الى الصلوات المسئول انشاوها و المعنى تضاعف معها تلك الصلوات عند انشاء الصلوات المسئول انشاوها او عند حصولها فحذف المضاف و اقيم المضاف اليه مقامه و هو كثير فى كلامهم جدا. و كرور الايام اى عودها مره بعد اخرى. و تضاعيف الشى ء: ما ضعف منه قال صاحب المحكم: و ليس له واحد و نظيره فى انه لا واحد له: تباشير الصبح لمقدمات ضيائه، و تعاشيب الارض لما يظهر من اعشابها اولا، و تعاجيب الدهر لما ياتى من عجائبه انتهى. \par
056    47    (ذكر عليه السلام لا طائب اهل بيته سبعه اوصاف هى جهات استحقاق) \par (الصلوه من الله عليهم) \par رب صل على اطائب اهل بيته الذين اخترتهم لامرك، و جعلتهم خزنه علمك، و حفظه دينك، و خلفائك فى ارضك، و حججك على عبادك، و طهرتهم من الرجس و الدنس تطهيرا بارادتك، و جعلتهم الوسيله اليك و المسلك الى جنتك). \par الاطائب: جمع اطيب كاكابر جمع اكبر و اكارم جمع اكرم و هو افعل تفضيل من طاب يطيب طيبا فهو طيب: اذا كان لذيذا فان اصل الطيب: ما تستلذه الحواس ثم استعمل فى التنزه عن النقائص و التعرى من القبايح و الاتصاف بصفات الكمال فان الشى ء لا يستلذ حتى يخلص مما يستكره و تنفر عنه النفس و يحتوى على ما يهتش له الطبع و يلائم النفس فوصفوا كل حسن جيد بانه طيب. و اهل بيته عندنا هم اهل الكساء الذين ادخلهم صلى الله عليه و آله و سلم معه تحت الكساء و قال: اللهم هولاء اهل بيتى و خاصتى فاذهب عنهم \par
056    47    الرجس و طهرهم تطهيرا و هم على و فاطمه و الحسنان كما تواترت به الروايات من الفريقين ثم اطلق اهل البيت على باقى الائمه المعصومين عليهم السلام تغليبا و هو معلوم من السنه المتواتره. و قد يطلق ايضا على مطلق اولاده صلى الله عليه و آله و سلم كما ورد فى الحديث: \par اول من اشفع له يوم القيمه اهل بيتى ثم الاقرب فالا قرب. فان حملت اهل بيته فى عباره الدعاء على الائمه المعصومين عليهم السلام فاضافه الاطائب اليهم من اضافه الصفه الى موصوفها اى اهل بيته الاطائب و ان حملته على مطلق الاولاد فالاضافه بيانيه و المعنى الاطائب من اهل بيته فالموصول على الاول يحتمل ان يكون نعتا للمضاف و المضاف اليه و على الثانى نعت للمضاف لا غير. \par ثم ذكر عليه السلام لا طائب اهل بيته سبعه اوصاف هى جهات استحقاق الصلوه من الله عليهم: \par الاول- اختياره اياهم للقيام يامره و دينه فى العالم و هدايه الخلق الى سلوك سبيله و هو يعود الى افاضه كمال الرياسه العامه عليهم بحسب ما وهبت لهم العنايه الالهيه من القبول و الاستعداد. \par الثانى- جعله لهم خزنه علمه و الخزنه: جمع خازن من خزنت الشى ء خزنا من باب ضرب: اذا حفظه فى الخزانه ثم عبر به عن كل حفظ و لما كان من شان الخزنه حفظ ما يوضع فى الخزائن و صيانته عن الضياع و التلف و كانت نفوسهم الشريفه و اذهانهم الطاهره حافظه للعلم عن ضياعه و صائنه له عن تدنسه باذهان غير اهله استعار لهم لفظ الخزنه و هى استعاره مكنيه تخييليه شبه العلم بالشى ء النفيس الذى وضع فى الخزانه و اثبت له لفظ الخزنه تخييلا. \par الثالث- جعله لهم حفظه دينه جمع حافظ اى حافظين له عن و صمات الشياطين و تبديلهم و تحريفهم. \par الرابع- جعله لهم خلفائه فى ارضه جمع خليف ككريم و كرماء و هو من يخلف غيره و ينوب منا به فعيل بمعنى فاعل و منه: جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح و يقال فيه خليفه بالتاء للمبالغه و يجمع على خلائف و منه: و هو الذى جعلكم خلائف \par
056    47    و معنى كونهم خلفاءه تعالى قيامهم عليهم السلام باجراء احكامه و تنفيذ اوامره فى العالم و سياسه الناس و جذب النفوس الناطقه الى جناب عزته بحسب ما افاض عليهم من القوه على ذلك و الاستعداد له و ما منحهم من الكمال الذى يقتدرون معه على تكميل الناقصين من ابناء نوعهم و ذلك لجعلهم عليهم السلام و سايط بينه جلت عظمته و بين المتسخلف عليهم لقصور استعدادهم عن قبول الفيض بالذات فاختصهم سبحانه من خلقه و جعلهم خلفائه فى ارضه. \par اخرج احمد و الحاكم عن ابن مسعود انه سئل كم يملك هذه الامه من خليفه؟ فقال سالنا عنها رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فقال اثنى عشر كعده بنى اسرائيل. \par الخامس- جعلهم حججه على عباده جمع حجه و هى لغه: الغلبه من حجه: اذا غلبه و شاع استعمالها فى البرهان مجازا او حقيقه عرفيه ثم شاع فى السنه و عرف المتشرعين اطلاقها على من نصبه الله لهدايه خلقه و دعوتهم اليه لاحتجاجه سبحانه على من لم يقتد به فضل عن سبيله و تاه فى ظلمات الجهل و بيداء الضلاله كما قال تعالى: لئلا يكون للناس على الله حجه بعد الرسل. \par السادس- تطهيره سبحانه لهم من الرجس و الدنس بارادته و هو تلميح الى قوله تعالى: انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت و يطهركم تطهيرا و الرجس: القذر و النجس، قال الفارابى: كل شى ء يستقذر فهو رجس. \par و عن ابن عباس: الرجس: عمل الشيطان و ما ليس لله فيه رضا. و الدنس بالتحريك: الوسخ. \par اتفقت الشيعه على اختصاص الايه بالنبى و على و فاطمه و الحسن و الحسين عليهم السلام و وافقهم على ذلك من الصحابه ابوسعيد الخدرى و زيد بن ارقم و انس بن مالك و واثله بن \par
056    47    الاسقع و عايشه و ام سلمه. \par و قال اهل السنه: نساء النبى صلى الله عليه و آله و سلم من اهل بيته لان صدر الايه و ما بعدها فى الازواج بل الخطاب فيها متوجه اليهن. \par و استدلت الشيعه على ما ذهبت اليه من التخصيص روايه و درايه اما الروايه فهى من الطريقين و بين الفريقين من الكثره و الشهره بحيث لا تخفى، و اما الدرايه: فقالوا ان لفظه انما محققه لما اثبت بعدها نافيه لما لم يثبت فان قول القائل: انما لك عندى درهم، و انما فى الدار زيد يقتضى انه ليس له عنده سوى درهم و ليس فى الدار سوى زيد. اذا تقرر هذا فلا تخلوا الاراده فى الايه ان تكون هى الاراده المطلقه او الاراده التى يتبعها التطهير و ذهاب الرجس فلا يجوز الوجه الاول لان الله تعالى قد اراد من كل مكلف هذه الاراده المطلقه فلا اختصاص لها باهل البيت دون سائر الخلق و هذا القول يقتضى المدح و التعظيم لهم بغير شك و لا شبهه، و لا مدح فى الاراده المجرده فثبت الوجه الثانى و فى ثبوته ثبوت عصمه المعنيين بالايه من جميع القبايح لان اللام فى الرجس للجنس و نفى الماهيه نفى لكل جزئياتها و قد علمنا ان عدا من ذكرناه من اهل البيت حين نزول الايه غير مقطوع على عصمته فثبت ان الايه مختصه بهم لبطلان تعلقها بغيرهم. \par و ما اعتمدوا عليه من ان صدر الايه و ما بعدها فى الازواج فجوا به ان من عرف عاده العرب العرباء فى كلامهم و اسلوب البلغاء و الفصحاء فى خطابهم لايذهب عليه ان هذا من باب الاستطراد و هو خروج المتكلم من غرضه الاول الى غرض آخر ثم عوده الى غرضه الاول. و اتفقت كلمه اهل البيان على ان ذلك من محاسن البديع فى الكلام نثرا و نظما و القرآن المجيد و خطب البلغاء و اشعارهم مملوه من ذلك. \par الثامن- جعله اياهم المسلك الى جنته، و المسلك: الطريق و لما كان الطريق الى الشى ء موديا سالكه اليه و كان الله تعالى قد نصبهم لارشاد خلقه فكان امتثال اوامرهم و التمسك بحبلهم و الاقتداء باثارهم و الاعتراف بخصايصهم مستلزما للوصول الى الجنه، صدق انه تعالى جعلهم المسلك الى جنته. \par
057    47    (مدار هذا الفصل من الدعاء: سئواله عليه السلام صلوه تكون) \par (سببا لمزيد افاضه وجوه نعمه تعالى عليهم و..) \par (رب صل على محمد و آله، صلوه تجزل لهم بها من نحلك و كرامتك، و تكمل لهم الاشياء من عطاياك و نوافلك و توفر عليهم الحظ من عوائدك و فوائدك) \par اجزل له فى العطاء: اوسعه. و النحل: جمع نحله بالكسر كسدره و سدر و هى العطيه على سبيل التبرع. و الكرامه: التكريم و هو ان يوصل الى الانسان نفع لا تلحقه فيه غضاضه او كون ما يوصل اليه شيئا شريفا. و اكملت الشى ء اكمالا: اتممته و جعلته بحيث يحصل ما به الغرض منه. و العطايا: جمع عطيه و هى ما تعطيه غيرك و تصله به. و النوافل: جمع نافله و هى ما يفعل من الاحسان مما لا يجب و لا يراد به عوض. و وفرت عليه حقه: اعطيته الجميع فاستوفره اى فاستوفاه. و الحظ: النصيب و العوائد: جمع عائده و هى الصله و المعروف و كل منفعه تعود عليك من شى ء، من قولهم: عاد عليهم بمعروفه. و الفوائد: جمع فائده و هى ما استفدته من مال او علم و اصلها الزياده تحصل للانسان و مدار هذا الفصل من الدعاء سئواله عليه السلام صلوه تكون سببا لمزيد افاضه وجوه نعمه تعالى عليهم و تكثيرها و توفيرها لهم. \par
058    47    (لم يتبين لاحد من الاوائل و الاواخر كميه اعداد سمواته تعالى على) \par (ما هى ليه..) \par رب صل عليه و عليهم صلوه لا امد فى اولها، و لا غايه لامدها، و لا نهايه لاخرها، \par الامد يستعمل لمعنيين. \par احدهما- الغايه بمعنى النهايه. \par و الثانى- مده الشى ء المضروب لها حد ينتهى اليه. و على كل من المعنيين حمل قوله تعالى: لنعلم اى الحزبين احصى لما لبثوا امدا فالامد الاول فى قوله عليه السلام: لا امد فى اولها، بمعنى الغايه اى لا غايه لها يرتقى اليها زمان حصولها و المعنى لاحد لاولها يكون مبدا لها. و الامد الثانى فى قوله: و لا غايه لامدها بمعنى المده التى تكون فيه. و الغايه بمعنى المنتهى اى لا انتهاء لمدتها و الغرض ان تكون الصلوه عليهم ازليه ابديه بمعنى استمرار وجودها فى ازمنه مقدره غير متناهيه لا فى جانب الماضى و هو الازل و لا فى جانب المستقبل و هو الابد. و قوله عليه السلام: و لا نهايه لاخرها اى لا منتهى و لا غايه لما تاخر وجوده و كان بعد الاول منها فالمراد بالاخر: خلاف ما تقدم منها و سبق لا بمعنى ما ليس بعد صلوه حتى يلزم التناقض بنفى النهايه عنه. \par
059    47    رب صل عليهم زنه عرشك و مادونه، و ملاء سمواتك و ما فوقهن، و عدد ارضيك و ما تحتهن و ما بينهن، صلوه تقربهم منك زلفى و تكون لك و لهم رضى، و متصله بنظائرهن ابدا). \par و قوله عليه السلام: زنه عرشك و مادونه اى ما تحته و هو جميع العالم اى صل عليهم صلوه توازن عرشك فى عظمه و مادونه فى مقداره و ملاء سمواتك بكسر الميم و هو ما يملاوها اى مقدار ما يملاوها و المقصود التنبيه على كثرتها او عظم اجرها و وفور ثوابها اى لو كانت اجساما لكان مقدارها ملاء سمواتك و ما فوقهن و عدد ارضيك و ما بينهن و ما تحتهن و الذى دل عليه النقل: ان لله سبحانه سبع سموات و لكن تخصيص عدد بالذكر لا يدل على نفى الزايد فاثبت اهل الارصاد تسعه افلاك على ما استقر عليه رايهم و تفاصيلها معلومه من كتبهم و بالجمله فلم يتبين لاحد من الاوائل و الاواخر كميه اعداد سمواته تعالى على ما هى عليه لا عقلا و لا نقلا و ما يعلم جنود ربك الا هو. \par روى ثقه الاسلام فى كتاب الروضه بسنده عن ابى حمزه الثمالى عن ابى جعفر عليه السلام قال قال لى ليله و انا عنده و نظر الى السماء: يا اباحمزه: هذه قبه ابينا آدم عليه السلام و ان لله تعالى سواها تسعه و ثلثين قبه فيها خلق ما عصوا الله طرفه عين. \par و قوله عليه السلام: و ما فوقهن، الظاهر ان المراد فوق كل منها فيقتضى ان ما بين كل سمائين فرجه كما ورد فى دعاء آخر: رب السموات السبع و ما بينهن و الاخبار مملوه بذلك فلا عبره بقول الفلاسفه: ان الافلاك متلاصقه ليس بينها شى ء. \par
059    47    (ان الارض متعدده، و انها سبع كالسموات) \par و قوله: عدد ارضيك، ظاهر فى تعدد الارض و هو ظاهر قوله تعالى: الله الذى خلق سبع سموات و من الارض مثلهن يتنزل الامر بينهن لتعلموا ان الله على كل شى ء قدير قال العلامه النيسابورى: ظاهر هذه الايه يدل على ان الارض متعدده و انها سبع كالسموات و معنى يتنزل الامر بينهن: ان حكم الله و امره يجرى فيما بين السموات و الارضين او فيما بين كل منهما و لا يعلم تلك الاجرام و لا تلك الاحكام و لا كيفيه تنفيذها فيهن الاعلام الغيوب تعالى و تقدس. \par و قال الشيخ امين الاسلام الطبرسى فى تفسيره مجمع البيان قوله تعالى: و من الارض مثلهن اى فى العدد لا فى الكيفيه لان كيفيه السماء مخالفه لكيفيه الارض و ليس فى القرآن آيه تدل على ان الارضين سبع مثل السموات الا هذه الايه. \par روى العياشى باسناده عن الحسين بن خالد عن ابى الحسن عليه السلام قال: بسط كفه اليسرى ثم وضع اليمنى عليها فقال هذه الارض الدنيا و السماء الدنيا عليها قبه و الارض الثانيه فوق السماء الدنيا و السماء الثانيه فوقها و الارض الثالثه فوق السماء الثانيه و السماء الثالثه فوقها قبه حتى ذكر الرابعه و الخامسه و السادسه فقال و الارض السابعه فوق السماء السادسه و السماء السابعه فوقها قبه و عرش الرحمن فوق السماء السابعه و هو قوله: سبع سموات و من الارض مثلهن يتنزل الامر بينهن و انما صاحب الامر النبى و هو على وجه الارض و انما يتنزل الامر من فوق من بين السموات و الارضين. \par و فى روايه قلت: فما تحتنا الا ارض واحده؟ فقال ما تحتنا الارض واحده و ان الست فهى فوقنا. \par قال بعض الاصحاب: كانه عليه السلام جعل كل سماء ارضا بالاضافه الى مافوقها و سماء بالاضافه الى ما تحتها فيكون التعدد باعتبار تعدد سطحيها. \par قوله عليه السلام: تقربهم منك زلفى، جمله فعليه فى محل نصب الصلوه و الرابط ضمير الصلوه و التقدير: تقربهم هى اى الصلوه، و اسناد التقرب الى الصلوه مجاز حكمى \par
059    47    من باب اسناد الفعل الى السبب. و قوله عليه السلام: متصله بنظائرهن، معنى اتصالها بنظائر هن كونها جاريه عقبها من غير انفصال بينهن و المقصود ان تكون الصلوه عليهم متواتره لا انفصال لها و لا انقطاع. \par
060    47    (عرفوا الامام تاره بانه الانسان الذى.. و تاره بانه..) \par (اللهم انك ايدت دينك فى كل او ان بامام اقمته علما لعبادك، و منارا فى بلادك بعد ان وصلت حبله بحبلك، و جعلته الذريعه الى رضوانك، و افترضت طاعته، و حذرت معصيته، و امرت بامتثال امره، و الانتهاء عند نهيه و لا يتقدمه متقدم و لا يتاخر عنه متاخر فهو عصمه اللائذين، و كهف المومنين، و عروه المتمسكين، و بهاء العالمين). \par ايدت اى قويت من الايد بالفتح بمعنى القوه الشديده. و دينه تعالى: اما توحيده و طاعته و شريعته التى احل حلالها و حرم حرامها و اقام بها صلاح النشاتين فى الارض او دين الاسلام بخصوصه و بكل من المعنيين فسر قوله تعالى : افغير دين الله يبغون قال بعض المفسرين: دينه: توحيده الذى دعا اليه الانبياء و المرسلون. \par و قال الراغب يعنى بدين الله، الاسلام لقوله تعالى: و من يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه فان حمل على الاول فالمراد بكل او ان منذ خلق الله الخلق الى انقضاء الدنيا، و بالامام اعم من ان يكون نبيا او وصيا و ان حمل على الثانى فالمراد بعد نبينا صلى الله عليه و آله و سلم الى قيام الساعه و يكون المراد بالامام احد الائمه المعصومين الذين هم اهل بيت نبينا خاتم النبيين و اوصياوه صلى الله عليه و آله و سلم و عليهم السلام. \par و عرفوا الامام تاره بانه الانسان الذى له الرياسه العامه فى امور الدين و الدنيا بالاصاله فى دار التكليف فيدخل فيه النبى و عليه قوله تعالى لابراهيم عليه السلام: انى جاعلك للناس اماما و تاره بانه الانسان الذى استخلفه الرسول او خليفته فى اقامه قوانين الشريعه و حفظ حوزه المله على وجه يجب اتباعه على كافه الامه فيختص بالوصى. \par و العلم بالتحريك: العلامه و الجبل المرتفع و الرايه و صاحب كمال مشهور \par
060    47    يقال فلان علم اى مشهور فى كماله. و فى المحكم: العلم شى ء ينصب فى الفلوات تهتدى به الضاله و الجبل الطويل. و الجمع اعلام و علام و نظيره جبل و اجبال و جبال انتهى. و المنار بالفتح: علم الطريق، و قيل: الموضع المرتفع يوقد فى اعلاه النار لهدايه الضال. قال بعضهم: استعمال لفظ العلم و المنار هنا استعاره حسنه للامام من حيث اهتداء الناس به فى سلوك طريق الحق و رجوع الخلق اليه عند التباس الشبه و اشتباه الحق بالباطل. قال الراغب: حبله، هو الذى يكون معه التوصل به اليه من القرآن و النبى و العقل و غير ذلك مما اذا اعتصمت به اداك الى جواره. و يقال للعهد و الذمه: حبل ايضا لانه يعقد بهما الامان كما يعقد بالحبل و منه: ضربت عليهم الذله اينما ثقفوا الا بحبل من الله و حبل من الناس اى ذمه من الله و ذمه من المسلمين، اذا عرفت ذلك فقوله: و صلت حبله بحبلك: اما بمعنى مطلق السبب اى جعلت الوصله اليه و صله اليك و امره امرك واحدا او بمعنى الذمه و العهد اى جعلت ذمته موصوله بذمتك و معناه: \par ما رواه على بن ابراهيم بسنده عن الصادق عليه السلام من جمله حديث: من وفى بذمتنا فقد و فى بعهد الله و ذمته و من حقر ذمتنا فقد حقر ذمه الله عز و جل و عهده. \par و جاء فى بعض الاخبار عن ارباب العصمه عليهم السلام تفسير حبل الله بولايته و عليه فيجوز ان يكون المراد بقوله: و صلت حبله بحبلك اى ولايته بولايتك. و الذريعه: الوسيله و رضوان الله تعالى: رضاه. \par و لما كانت طاعه الامام و الاقتداء به وصله الى ثواب الله تعالى لاجرم كان وسيله الى رضاه سبحانه. و فرض الاحكام فرضا من باب قعد و افترضها: اوجبها، و الطاعه: اسم من اطاعه اى انقاد له و مضى لامره. و الحذر محركه: الاحتراز من مخوف يقال حذرته حذرا من باب تعب و حذرته الشى ء بالتشديد فحذره و منه: و يحذركم الله نفسه و المعصيه الخروج عن الطاعه. و امتثال الامر: اطاعته و الانتهاء: الانزجار عما نهى عنه. \par قوله عليه السلام: و لا يتقدمه متقدم اى لا يسبقه احد بقول و لا فعل حتى يامر به كما قال \par
060    47    تعالى: لا تقدموا بين يدى الله و رسوله اى لا تقدموا امرا قبله او لا تتقدموا. قال الراغب: و تحقيقه: لا تسبقوه بالقول و الحكم بل افعلوا ما رسمه لكم كما يفعله العباد المكرمون و هم الملائكه حيث قال: لا يسبقونه بالقول و قال الزمخشرى: فلان يتقدم بين يدى الله: اذا عجل فى الامر و النهى دونه. قوله عليه السلام: و لا يتاخر عنه متاخر اى لا يتخلف احد عما امر به و رسمه و حاصله انه اوجب اتباعه و الاذعان له فيما حكم فليس لاحد ان يقضى امرا دونه و لا يتخلف عما قضاه. و العصمه: ما يعتصم به اى يمتنع به من سبب او عقد. و لاذبه يلوذ لو اذا بالكسر و قد يضم و يفتح: التجا به فهو لائذ. و الكهف: الغار و هو بيت منقور فى الجبل و فى الاساس: و من المجاز فلان كهف قوله: ملجاهم و فى المصباح: فلان كهف لانه يلجا اليه كالبيت على الاستعاره. و العروه بالضم: واحده عرى من الدلوه و الكوز و نحوهما مما يتعلق به. و تمسك بالشى ء: تعلق به كاستمسك فهو متمسك و مستمسك قال تعالى: و لا تمسكوا بعصم الكوافر و قال: فمن يكفر بالطاغوت و يومن بالله فقد استمسك بالعروه الوثقى و البهاء: الحسن و الجمال و قد يستعمل بمعنى حسن الهيئه و فى الاساس: شى ء بهى: اذا املاء العين حسنه. \par (وصف الامام عليه السلام باربعه اوصاف) \par و قد وصف عليه السلام الامام باربعه اوصاف: \par احدها- انه عصمه اللائذين اى مانع لمن لاذبه و التجا اليه بسبب هدايته له الى سلوك الصراط المستقيم عن التورط فى احد طرفى فى الافراط و التفريط. \par و ثانيها- انه كهف المومنين اى ملجا جماعه المومنين الذين يلجاون اليه عند حلول الشبهات و يعولون عليه فى الخلاص من الظلمات. \par و ثالثها- انه عروه للمتمسكين اى منقذ من تمسك به و اقتدى باثره و انقاد لامره و نهيه من مهاوى الهلكات و الوقوع فى مساقط النقمات. \par و رابعها- انه بهاء العالمين اى به يكون انتظام امر العالم و حسن هيئته اذ بهداء \par
060    47    و سيرته يعتدل ميزان العدل و يقوم عماد الحق فى الخلق. و الكلام فى كل ذلك مبنى على التمثيل اعنى تمثيل الهيئه العقليه بالهيئه الحسيه على ما قرر فى الاستعاره التمثيليه. \par (البحث فى الامام (ع) و لزوم وجوده. و بيان الفرق) \par (بين النبى و الرسول و المحدث) \par تبصره: مضمون هذا الفصل من الدعاء مما تطابق عليه العقل و النقل: \par اما العقل فبيانه ان الانسان غير مكتف فى الوجود و البقاء بذاته لان نوعه لم ينحصر فى شخصه فلا يعيش فى الدنيا الا بتمدن و اجتماع و تعاون و لا يمكن وجوده بالانفراد فافترقت اعداد و اختلفت اضراب و انعقدت ضياع و بلاد فاضطروا فى معاملاتهم و مناكحاتهم و جناياتهم الى قانون مرجوع اليه بين كافه الخلق يحكمون به بالعدل و الا تغالبوا و تهارشوا و فسد الجميع و انقطع النسل و اختل النظام لما جبل عليه كل احد ان يشتهى ما يحتاج اليه و يغضب على من يزاحمه فيه و ذلك القانون هو الشرع و لابد من شارع يعين لهم منهجا يسلكونه لانتظام معاشهم فى الدنيا و يسن لهم طريقا يصلون به الى الله و يعرض عليهم ما يذكرهم امر الاخره و الرحيل الى ربهم و ينذرهم و ينادون فيه من مكان قريب و يهديهم الى الصراط المستقيم و لابد ان يكون انسانا لان مباشره الملك لتعليم الانسان على هذا الوجه مستحيل و درجه باقى الحيوانات انزل من هذا فتعين ان يكون انسانا و لابد من تخصيصه بايات من الله داله على ان شريعته من عند ربهم العادل القاهر الغافر المنتقم ليخضع له النوع و يجب لمن وفق لها ان يقر بنبوته و هى المعجزه، و كما لا بد فى العنايه لنظام العالم من المطر و العنايه لم تقصر عن ارسال السماء مدارا لحاجه الخلق فنظام العالم لا يستغنى عمن يعرفهم صلاح الدنيا و الاخره. نعم من لم يهمل انبات الشعر على الحاجبين للزينه لا للضروره كيف يهمل من وجوده رحمه للعالمين و اقامنه علما يهتدى به لسلوك صراطه المستقيم؟ فانظر الى عنايته و لطفه تعالى كيف اعد لخلقه بايجاد ذلك الشخص مع النفع العاجل، السلامه فى العقبى و الخير الاجل فهذا هو خليفه الله فى ارضه و هو الامام الذى نصبه علما لعباده و منارا فى بلاده. \par فان قلت: هذا البيان انما يوجب بعثه النبى الذى هو الشارع المبين للشريعه \par
060    47    لا مطلق الامام. \par قلت: كما احتاج المكلفون الى نبى يستفيد الشريعه و الحكمه من الوحى فكذلك يحتاجون الى حافظ لما بلغه النبى الى الامه بعد فوته اذ لا يمكنهم حفظ جميع احكامه، و الكتاب لا يفى بعد النبى بمعرفه الاحكام على وجه يرفع الاحتياج الى الامام فان فيه مجملا و مفصلا و محكما و متشابها و خاصا و عاما و ناسخا و منسوخا و علوما باطنه و دقايق غامضه من الاحكام و غيرهما مما لا يتيسر الاحاطه به الا لنبى بطريق الوحى او وصى ذى اذن واعيه يعى كل ما يسمعه من النبى فيحفظه على وجهه و الاجتهاد ممنوع و ان قلنا بصحته فانما هى عند الضروره و هى منتفيه من جانبه فلا بد لتلك الامور من حافظ عالم بها على وجهها و لا يتيسر كما عرفت الا لذى نفس قدسيه و حدس عال و بصيره منيره مصقوله من دنس الجهل و صدا الصفات الذميمه لتنطبع فيها العلوم الالهيه و تظهر فيها الاسرار الغيبيه. \par و لذلك قال بعض اهل العرفان: ان النبوه و الرساله من حيث ماهيتهما و حكمهما ما انقطعتا و ما نسختا و انما انقطع مسمى النبى و الرسول و انقطع نزول الملك حامل الوحى على نهج التمثل و على هذا وردت الاخبار عن الائمه الاطهار فى الفرق بين النبى و الرسول و المحدث: ان الرسول من يظهر له الملك فيكلمه و النبى هو الذى يرى فى منامه و ربما اجتمعت النبوه و الرساله لواحد و المحدث: الذى يسمع الصوت و لا يرى الصوره و اشتهر الخبر: \par عن النبى صلى الله عليه و آله و سلم: ان فى امتى محدثين مكلمين، \par و عنه عليه السلام: ان لله عبادا ليسوا بانبياء يغبطهم النبيون. \par و اما النقل فهو مستفيض من طرق العامه و الخاصه: اما من طرق العامه فمنه الحديث المشهور المتفق على روايته: \par عن النبى صلى الله عليه و آله و سلم: من مات و لم يعرف امام زمانه مات ميته جاهليه. و فى معناه ما اخرجه الحاكم و صححه ابن عمر: \par ان رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال: من مات و ليس عليه امام جماعه فان موته موته جاهليه. و اخرج ابن مردويه عن على عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فى قول الله تعالى: \par
060    47    يوم ندعو كل اناس بامامهم قال: يدعى كل قوم بامام زمانهم و كتاب ربهم و سنه نبيهم. و اخرج ابن عساكر عن خالد بن صفوان انه قال لا تخلو الارض من قائم لله بحجته فى عباده. \par و اما من طرق الخاصه فالاخبار فى ذلك اكثر من ان تحصى: \par فمنها- مارواه غير واحد عن اميرالمومنين عليه السلام فى حديث كميل بن زياد النخعى المشهور انه قال: اللهم بل لا تخلو الارض من قائم لله بحجه اما ظاهر مشهور او خائف مغمور لئلا تبطل حجج الله و بيناته و اين اولئك؟ اولئك و الله الا قلون عددا الاعظمون خطرا بهم يحفظ الله حججه و بيناته حتى يودعوها نظرائهم و يزرعوها فى قلوب اشباههم هجم بهم العلم على حقايق الامور و باشروا روح اليقين و استلانوا ما استوعره المترفون و انسوا بما استوحش منه الجاهلون و صحبوا الدنيا بارواح ابدانهم معلقه بالمحل الاعلى اولئك خلفاء الله فى ارضه و دعاته الى دينه آه آه شوقا الى رويتهم. \par و بسنده عنه عليه السلام: ان الله اجل و اعظم من ان يترك الارض بغير امام عادل. \par و بسنده عن ابى جعفر عليه السلام قال: و الله ما ترك ارضا منذ قبض الله آدم الا و فيها امام يهتدى به الى الله عز و جل و هو حجه على عباده و لا تبقى الارض بغير امام حجه لله على عباده. \par و بسنده عن اميرالمومنين عليه السلام انه قال: اللهم انك لا تخلى ارضك من حجه لك على خلقك. \par و بسنده عن ابى عبدالله عليه السلام انه قال: ان الارض لا تخلوا الا و فيها امام كيما ان زاد المومنون شيئا ردهم و ان نقصوا شيئا اتمه لهم. \par و لو قصدنا استيفاء الاخبار فى هذا المعنى طال بنا الشرح و خرجنا عن المقصود. \par
061    47    (الفتح: ازاله الاغلاق و الاشكال و ذلك ضربان.. و المراد بجنده تعالى..) \par (اللهم و اوزع لوليك شكر ما انعمت به علينا، و او زعنا مثله فيه، و آته من لدنك سلطانا نصيرا، و افتح له فتحا يسيرا، و اعنه بركنك الاعز، و اشدد ازره، و قو عضده، و راعه بعينك، و احمه بحفظك، و انصره بملائكتك و امدده بجندك الاغلب). \par
061    47    اوزعه الله الشى ء: الهمه اياه. و المراد بالولى من جعل له الولايه على خلقه فى ارضه فيكون بمعنى الامام. و قوله عليه السلام: و اوزعنا مثله اى مثل ذلك الا يزاع او مثل ذلك الشكر. و فيه اى بسببه كقوله تعالى: فذ لكن الذى لمتننى فيه اى و الهمنا شكر ما انعمت علينا بسببه كما تلهمه. قوله عليه السلام: و آته من لدنك سلطانا نصيرا. اقتباس من قوله تعالى: و اجعل لى من لدنك سلطانا نصيرا و الايتاء: الاعطاء يقال آتيته ما لا بالمد اى اعطيته و منه: و آت ذاالقربى حقه و السلطان: الحجه الظاهره و الملك و العز و النصير: الناصر اى اعطه من عندك حجه ظاهره تنصره بها على جميع من خالفه، او ملكا و عزا الناصر اى اعطه من عندك حجه ظاهره تنصره بها على جميع من خالفه، او ملكا و عزا ناصرا له و لشيعته. قوله عليه السلام: و افتح لى فتحا يسيرا، قال الراغب: الفتح ازاله الاغلاق و الاشكال و ذلك ضربان: \par احدهما- ما يدرك بالبصر كفتح الباب و الغلق و القفل. \par و الثانى ما يدرك بالبصيره كفتح الهم و هو ازاله الغم و ذلك ضربان: \par احدهما- فى الامور الدنيويه كغم يفرج و فقر يزال باعطاء المال و نحوه. \par و الثانى- فتح المستغلق من العلوم نحو قولك فلان فتح من العلم بابا مغلقا. و قوله تعالى: انا فتحنا لك فتحا مبينا قيل عنى فتح مكه و قيل بل عنى ما فتح عليه من العلوم و الهدايات التى هى ذريعه الى الثواب و المقامات المحموده التى صارت وسيله لغفران ذنوبه. و الفتح فى قوله تعالى: اذا جاء نصر الله و الفتح يحتمل النصر و الظفر و الحكم من فتح القضيه اذا حكم فيها و فصل الامر و ما يفتح الله من المعارف و على ذلك: نصر من الله و فتح قريب قوله عليه السلام: و اعنه بركنك الاعز، اعانه على الامر اعانه: ظاهره كعاونه و الركن فى الاصل: احد اركان البيت و هى جوانبه التى يعتمد بناوه عليها بعد الاساس ثم استعير للقوه. و الاعز: الاقوى الامنع من العزه بمعنى الغلبه و القوه و المنعه و الشد: الاحكام. و الازر: القوه اى احكم قوته. و العضد: ما بين المرفق الى الكتف ثم استعير \par
061    47    للقوه لان اليد تشتد بشده العضد و جمله البدن تقوى على مزاوله الامور بشده اليد و لهذا يقال فى دعاء الخير: شد الله عضده. و راعه اى احفظه. \par و اصل المراعاه: مراقبه الشى ء الى ماذا يصير و ما منه يكون و منه راعيت النجوم ثم استعمل فى مطلق الحفظ فقيل: راعاك الله اى حفظك. و بعينك اى بحياطتك و كلائتك و مراقبتك و حميته من الاعداء حميا من باب رمى و حميه بالكسر: منعته عنهم و الحمايه بالكسر اسم منه. و الحفظ: منع الشى ء من الضياع و التلف. و امددته بمدد: اعنته و قويته به. و الجند: الانصار و الاعوان و الجمع اجناد و جنود و الواحد جندى فالياء للوحده مثل روم و رومى. و الاغلب: افعل تفضيل من غلبت الخصم غلبا من باب ضرب اذا قهرته و ظفرت به و الاسم الغلب و الغلبه محركتين. و المراد بجنده تعالى: المومنون المجاهدون فى سبيله كما قال سبحانه: و ان جندنا لهم الغالبون فان المراد بهم اتباع المرسلين قالوا: و لا يقدح فى ذلك انهزامهم فى بعض المشاهد فان قاعده امرهم و اساسه الظفر و الغلبه و ان وقع فى اثناء ذلك شوب من الابتلاء و المحنه و الحكم للعاقبه و ما لا الامر و الله اعلم. \par
062    47    (كنت اشرب فلا اروى فلما عرفت الله رويت بلا شرب) \par (و اقم به كتابك و حدودك و شرايعك و سنن رسولك، صلواتك اللهم عليه و آله، و احى به ما اماته الظالمون من معالم دينك، و اجل به صداء الجور عن طريقتك، و ابن به الضراء عن سبيلك، و ازل به الناكبين عن صراطك و امحق به بغاه قصدك عوجا) \par اقامه الكتاب عباره عن تعديل احكامه و ابانه محكمه و متشابهه و مجمله و مفصله و ناسخه و منسوخه و تلاوته كما انزل و حفظه من ان يقع فى شى ء من ذلك زيغ و خلل من اقمت العود: اذا قومته و عدلته. و الكتاب: اما مصدر سمى به المفعول كالخلق للمخلوق و اما فعال بنى للمفعول كاللباس للملبوس من الكتب و هو ضم الحروف بعضها الى بعض و اصله الضم و الجمع فى المحسوسات و منه الكتيبه للجيش. \par و حدوده تعالى: احكامه: جمع حد و اصله الحاجز بين الشيئين الذين يمنع \par
062    47    اختلاط احدهما بالاخر فلا يتجاوز كل منهما الى صاحبه سمى به الحكم لتمييزه و عدم جواز تجاوزه الى غيره. و الشرايع: جمع شريعه و هى الطريقه الالهيه من الدين ماخوذ من شريعه الماء، و هى مورد الناس للشرب و الاستسقاء سميت بذلك اما لوضوحها و ظهورها و اما لان من وردها فقد روى و تطهر. \par كما قال بعض اصحاب القلوب كنت اشرب فلا اروى فلما عرفت الله رويت بلا شرب. و السنن: جمع سنه و هى لغه: الطريقه و السيره مرضيه كانت او غير مرضيه و فى عرف الشرع قد تطلق على المندوب و المستحب و قد تطلق على الاحاديث المرويه عن النبى صلى الله عليه و آله و سلم و اهل بيته عليهم السلام فيقابل بها الكتاب و يقال ورد بهذا الحكم الكتاب و السنه او ماورد به كتاب و لا سنه و قد تطلق على ما واظب عليه الرسول مع الترك احيانا. \par فان كانت المواظبه المذكوره على سبيل العباده فهو سنن الهدى. و ان كانت على سبيل العاده فسنن الزوايد فسنه الهدى ما يكون اقامتها تكميلا للدين و هى التى يتعلق بتركها كراهه و اسائه و سنن الزوايد هى التى اخذها هدى اى اقامتها حسنه و لا يتعلق بتركها كراهه و اسائه كسننه صلى الله عليه و آله و سلم فى قيامه و قعوده و منامه و اكله و شربه و لباسه. \par و قد يقال سن رسول الله (ص) كذا اى شرعه و جعله شرعا فالمراد بسنته فى الدعاء اما سنن الهدى و اماما شرعه صلى الله عليه و آله و سلم من الاحكام الشرعيه. و المعالم: جمع معلم و هو الاثر الذى يستدل به على الطريق و هى هنا على الاستعاره شبه دلائل الدين و بيناته التى يتوصل بها الى اثبات الحق منه باثار الطريق التى يتوصل بها الى محجته بجامع الاهتداء الى المطلوب. و اماته الظالمين لها عباره عن اهمالها و نبذها و عدم القيام بها كما ان احيائها هنا عباره عن ابدائها و ايضاحها و الاعتناء بها: و اجلو جلاء بالكسر و المد: كشفت صدائه و هو ما علاه من الوسخ. و الجور: الظلم و العدول عن الحق. و طريقته تعالى: ما نهجه و شرعه لعباده و كلفهم به من الفرائض و السنن الموصل التزامها و القيام بها الى رضاه و ثوابه. \par و ابنت الشى ء ابانه: قطعته و فصلته. و الضراء بتشديد الراء: المضره و الشده اى اقطع به الشده المواقعه فى سبيلك بسبب تغلب ارباب الظلم و الجور و عدم تمكن الامام \par
062    47    من هدايه عامه الخلق الى سلوكها و الدلاله عليها: و زال الشى ء يزول زوالا: ذهب و ازلته ازاله: اذهبته و نكب عن الطريق نكوبا من باب قعد و نكبا: مال و عدل. و صراطه تعالى: دين الاسلام. و محقه الله محقا من باب نفع: اذهبه كله حتى لا يرى منه اثر. و البغاه بالضم: جمع باغ كقضاه جمع قاض و هو اسم فاعل من بغيت الشى ء ابغيه بغيا: اذا طلبته و قيل اذا بالغت فى طلبه نظرا الى ان اصله من البغى و هو طلب تجاوز الاقتصاد فيما يتحرى تجاوزه فيقال بغيت الشى ء: اذا طلبته اكثر مما يجب. و القصد: استقامه الطريق. و العوج: الاعوجاج و الانحراف. و معنى طلب الاعوجاج و الانحراف لقصده اى استقامه طريقه تعالى تلبيسهم على الناس بايهامهم ان فيه ميلاعن الحق او القاء الشكوك و الشبهات فى الدلائل و التاويلات الباطله لينحرفوا عنه كما هو شان الكافرين و الفاسقين و الخوارج و الناصبين قاتلهم الله انى يوفكون. \par
063    47    (لو جائنا رسول الله بهذا الدين جمله و بالقرآن دفعه لثقلت.. علينا) \par (و الن جانبه لاوليائك، و ابسط يده على اعدائك، وهب لنا رافته و رحمته و تعطفه و تحننه، و اجعلنا له سامعين مطيعين و فى رضاه ساعين، و الى نصرته و المدافعه عنه مكنفين، و اليك و الى رسولك صلواتك اللهم عليه و آله بذلك متقربين) \par اللين بالكسر: ضد الخشونه. و الجانب: الناحيه و هو هنا مجاز عن النفس كقوله تعالى: و ناى بجانبه قال الزمخشرى: وضع جانبه موضع نفسه لان مكان الشى ء وجهته ينزل منزله الشى ء نفسه فكانه قال و ناى بنفسه فقوله عليه السلام: و الن جانبه اى الن نفسه. و بيان الحكمه فى ذلك ان كلا من النبى و وصيه امام العالمين فوجب ان يكون اكثرهم حلما و احسنهم خلقا لان الغرض من اقامته و نصبه التزام التكاليف، و ذلك لايتم الا اذا مالت قلوب الامه اليه و سكنت نفوسهم لديه و راوا فيه آثار الشفقه و امارات النصيحه وحب الخير لهم و اخذهم باللطف و الرفق. \par و لذلك قال بعض الصحابه: لقد احسن الله الينا كل الاحسان فلو جائنا رسول الله \par
063    47    بهذا الدين جمله و بالقرآن دفعه لثقلت هذه التكاليف علينا فما كنا ندخل فى الاسلام و لكنه دعانا الى كلمه واحده فلما قبلناها و عرفنا حلاوه الايمان قبلنا ماورائها كله على سبيل الرفق الى ان تم هذا الدين و كملت هذه الشريعه . \par و لما كانت دواعى الخير و ارادته و فعله انما هى بالهام الله تعالى و توفيقه و اعانته توسل عليه السلام بالدعاء اليه سبحانه فى الانه جانب وليه لاوليائه من المومنين ليتم الغرض و يحصل المقصود باحسن وجه و اسهل طريقه. و بسط يده بسطا من باب قتل: مدها و هو هنا عباره عن التسلط اى و سلطه على اعدائك فهو من باب التثميل و ليس هناك بسط و لا يد و منه قوله تعالى: و الملائكه باسطوا ايديهم قال فى القاموس: اى مسلطون عليهم كما يقال بسطت يده عليه و الغرض: الدعاء له بتمكينه من القهر لاعداء الله من المشركين و المنافقين الذين امر الله نبيه عليه السلام بجهادهم و الغلظه عليهم بقوله: يا ايها النبى جاهد الكفار و المنافقين و اغلظ عليهم و ماويهم جهنم و بئس المصير و عداوه الله تعالى عباره عن كراهه القيام بطاعته و البعد عن التمسك بدينه لان العدو لا يكاد يوافق عدوه و ينقاد لامره، و الرافه: شده الرحمه و قدمها مع انها ابلغ و البلاغه تقتضى الترقى، اقتداء بالتنزيل فى قوله تعالى: بالمومنين روف رحيم. \par و التقديم فيه محافظه على الفواصل. و العطف و التعطف اذا عديا بعلى فالمراد بهما الميل و الشفقه. و التحنن: الاشفاق و الرقه. قوله عليه السلام سامعين له اى مجيبين له مو تمرين لامره و عبر عن الاجابه بالسماع لان غرض السماع الاجابه و منه: سمع الله لمن حمده اى اجاب حمد من حمده. و دافع عنه مدافعه: دفع عنه ما يخافه من ضرر و مكروه. و مكنفين اى معينين من اكنفه بمعنى اعانه ككنفه. قوله عليه السلام: بذلك متقربين اشاره الى المذكور من السمع و الطاعه و السعى فى رضاه و الاكناف له. \par
064    47    (التسليم لامرهم... و هو مرتبه فوق الرضا لان الراضى.) \par (اللهم و صل على اوليائهم المعترفين بمقامهم، المتبعين منهجهم، \par
064    47    المقتفين آثارهم، المستمسكين بعروتهم، المتمسكين بولايتهم الموتمين بامامتهم المسلمين لامرهم، المجتهدين فى طاعتهم المنتظرين ايامهم المادين اليهم اعينهم). \par الولايه هنا بمعنى المحبه و النصره و الاعتقاد اى وصل على محبيهم و انصارهم و المعتقدين فيهم. و يحتمل ان يكون جمع ولى بمعنى الموالى كالجليس بمعنى المجالس من والاه موالاه بمعنى تابعه او من الموالاه: ضد المعاداه و منه اللهم و ال من والاه و عاد من عاداه. و اعاد الضمير جمعا لدلاله السياق على تعدد الائمه الذين ايد الله بهم دينه و نصبهم اعلاما لعباده و منارا فى بلاده و المراد بهم هنا الائمه المعصومون من اهل بيت خاتم النبيين صلوات الله عليه و عليهم اجمعين. و الاعتراف: الاقرار. و المقام فى الاصل: مكان المقام ثم استعمل فى المنزله و المرتبه المعنويه للشخص و المراد به هنا مرتبتهم التى رتبهم الله فيها من الخلافه و الرياسه العامه و ما جعل لهم من الشرف و الفضيله على سائر الخلق. \par و اتبعته اتباعا: اقتفيته و سرت فى اثره ثم استعمل فى الايتمام بالشى ء و العمل به و منه حديث: اتبعوا القرآن اى ائتموا به و اعملوا بما فيه و قوله تعالى: و ان هذا صراطى مستقيما فاتبعوه اى هذا دينى فاقتدوا به و اعملوا عليه. و المنهج و المنهاج: الطريق الواضح ثم استعير للطريقه فى الدين كما استعيرت الشريعه لها و هى بمعناه و منه: لكل جعلنا منكم شرعه و منهاجا قال ابن عباس: الشرعه: ما ورد به القرآن و المنهاج: ما وردت به السنه و على هذا فالمراد بمنهجهم: سنتهم. و قفوت اثره و اقتفيته: تبعته و اصله فى المشى ثم كنى به عن الاقتداء و الائتمام فى الفعل. \par و استمسك بالشى ء و تمسكت و امسكت به كله بمعنى اعتصمت به و تعلقت به. \par و المراد بعروتهم دينهم و هديهم شبهه بالعروه التى يتعلق بها. و ولايتهم محبتهم و اعتقاد وجوب طاعتهم و ائتم به: اقتدى. و الامامه: الرياسه العامه على جميع الخلق. و التسليم لامرهم الانقياد لحكمهم و الاذعان لهم ظاهرا و باطنا و القبول منهم من غير انكار منهم بقلب و لا لسان. قال بعض علمائنا و هو مرتبه فوق الرضا لان الراضى قد يرى لنفسه وجودا \par
064    47    و اراده الا انه يرضى بما صدر عنهم عليهم السلام و ان خالف طبعه، و المسلم برى ء من ذلك و انما نظره اليهم. \par (التسليم لهم عليهم السلام بكل ما جاء عنهم و.. و ان كان لا يظهر وجه حكمته..) \par (و الاشاره الى ايام المهدى صلوات الله عليه) \par اذا عرفت ذلك فنقول: من اصول الشريعه التسليم لهم عليهم السلام بكل ما جاء عنهم و صدر منهم و ان كان لا يظهر وجه حكمته للناس فان لله تعالى اسرارا و مصالح يخفى بعضها و لا يعلمه الا الله و الراسخون فى العلم فيجب على المكلفين ان لا ينكروا و لا يعترضوا من ذلك ما لم يعرفوا كما يفعله المبتدعه بل ينبغى التسليم و يتحتم الاذعان لما صح نقله عنهم عليهم السلام. \par و قد ورد فى التسليم اخبار كثيره و عقد له ثقه الاسلام فى الكافى بابا عنوانه باب التسليم و فضل المسلمين فمن ذلك ما رواه بسند صحيح عن ابى عبدالله عليه السلام انه قال: لو ان قوما عبدوا الله وحده لا شريك له و اقاموا الصلوه و آتوا الزكوه و حجوا البيت و صاموا شهر رمضان ثم قالوا لشى ء صنعه الله او صنعه رسول الله: الاصنع خلاف الذى صنع او وجدوا ذلك فى قلوبهم لكانوا بذلك مشركين ثم تلا هذه الايه: فلا و ربك لا يومنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا فى انفسهم حرجا مما قضيت و يسلموا تسليما ثم قال ابوعبدالله عليه السلام: عليكم بالتسليم. \par و بسنده عن سدير قال قلت لابى جعفر عليه السلام انى تركت مواليك مختلفين يبرء بعضهم من بعض قال فقال: و ما انت و ذاك انما كلف الناس ثلثه: معرفه الائمه، و التسليم لهم فيما ورد عليهم، و الرد اليهم فيما اختلفوا فيه. \par و بسنده عن زيد الشحام عن ابى عبدالله عليه السلام قال قلت له ان عندنا رجلا يقال له كليب فلا يجى ء عنكم شى ء الاقال انا اسلم فسميناه كليب تسليم قال فترحم عليه ثم قال اتدرون ما التسليم؟ فسكتنا فقال: هو و الله الاخبات قول الله عز و جل: الذين آمنوا و عملوا الصالحات و اخبتوا الى ربهم و الاجتهاد: اخذ النفس ببذل الوسع و الطاقه اى الذين \par
064    47    استفرغوا وسعهم فى طاعتهم و الايتمار بما امروا به. و الانتظار: طلب ادراك ما ياتى من الامر كانه ينظر متى يكون و هو كالترجى غير ان الترجى يختص بالخير و الانتظار يعم الخير و الشر. و المراد بايامهم: دولتهم و ملكهم و ظهور خلافتهم و تمكنهم فى الارض و الخلق و عبر عن ذلك بالايام لكونها ظرفا له كما قال تعالى: و ذكرهم بايام الله اى وقايعه فى الامم الخاليه و الاشاره بذلك الى ايام صاحب الامر المهدى المنتظر صلوات الله و سلامه عليه و انما اضافها الى جميعهم لان دولته دولتهم و كلمته كلمتهم جميعا فالمنسوب الى بعضهم منسوب الى كلهم كما قال تعالى: فقد آتينا آل ابراهيم الكتاب و الحكمه و آتيناهم ملكا عظيما قال ابن عباس: الملك فى آل ابراهيم ملك يوسف و داود و سليمان عليهم السلام و انما نسبه الى عامتهم لان تشريف البعض تشريف للكل. \par قال العلامه الطبرسى فى تفسير قوله تعالى: وعد الله الذين آمنوا منكم و عملوا الصالحات ليستخلفنهم فى الارض كما استخلف الذين من قبلهم و ليمكنن لهم دينهم الذى ارتضى لهم و ليبدلنهم من بعد خوفهم امنا يعبدوننى و لا يشركون بى شيئا المروى عن اهل البيت عليهم السلام انها فى المهدى من آل محمد عليهم السلام. \par روى العياشى باسناده عن على بن الحسين عليهماالسلام انه قرا الايه و قال: هم و الله شيعتنا اهل البيت يفعل الله ذلك بهم على يدى رجل منا و هو مهدى هذه الامه و هو الذى قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم لو لم يبق من الدنيا الا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يلى رجل من عترتى اسمه اسمى يملاء الارض قسطا وعد لا كما ملئت جورا و ظلما. و تضمنت هذه الايه البشاره لهم بالاستخلاف و التمكن فى البلاد و ارتفاع الخوف عنهم عند قيام المهدى منهم و يكون المراد بقوله تعالى: كما استخلف الذين من قبلهم هو ان جعل الصالح للخلافه خليفه مثل آدم و داود و سليمان عليهم السلام. \par و يدل على ذلك قوله: انى جاعل فى الارض خليفه و يا داود انا جعلناك خليفه و آتيناهم ملكا عظيما و على هذا اجماع العتره الطاهره و اجماعهم حجه \par
064    47    لقول النبى صلى الله عليه و آله و سلم: انى تارك فيكم الثقلين: كتاب الله و عترتى اهل بيتى لن يفترقا حتى يردا على الحوض. و ايضا فان التمكن فى الارض على الاطلاق لم يتفق فيما مضى فهو منتظر لان الله عز و جل لا يخلف وعده- انتهى كلامه. \par و من كلام اميرالمومنين عليه السلام فى نهج البلاغه: لتعطفن الدنيا علينا بعد شماسها عطف الضروس على ولدها. و تلا عقيب ذلك: و نريد ان نمن على الذين استضعفوا فى الارض و نجعلهم ائمه و نجعلهم الوارثين. \par عن ابى عبدالله عليه السلام: هذه الايه جاريه فينا الى يوم القيمه. قوله عليه السلام: المادين اليهم اعينهم، مدعينه الى الشى ء طمح ببصره اليه راغبا فيه متمنيا له قال تعالى: لا تمدن عينيك الى ما متعنا به ازواجا منهم قال صاحب الكشاف: اى لا تطمح ببصرك طموح راغب فيه متمن له و التقدير نظر عينيك قال: و مد النظر: تطويله و ان لا يكاد يرده استحسانا للمنظور اليه و اعجابا به و تمنيا ان يكون له. فالكلام هنا على التمثيل شبه حالهم فى توقع ظهور دولتهم و تمكنهم عليهم السلام و تمنيهم حصول ذلك و رغبتهم فيه بحال من يمد عينيه الى الشى ء راغبا فيه متمنيا له. \par روى ثقه الاسلام فى الكافى فى باب كراهيه التوقيت بسنده عن محمد بن منصور الصيقلى عن ابيه قال: كنت انا و الحرث بن المغيره و جماعه من اصحابنا جلوسا و ابوعبدالله عليه السلام لا يسمع كلامنا فقال لنا فى اى شى ء انتم؟ هيهات هيهات لا و الله لا يكون ما تمدون اليه اعينكم حتى تغربلوا، لا و الله لا يكون ما تمدون اليه اعينكم حتى تمحصوا، لا و الله لا يكون ما تمدون اليه اعينكم حتى تميزوا، لا و الله لا يكون ما تمدون اليه اعينكم الا بعد اياس، لا و الله لا يكون ما تمدون اليه اعينكم حتى يشقى من يشقى و يسعد من يسعد. يريد بما يمدون اليه اعينهم: ظهور القائم من آل محمد عليهم السلام و الله اعلم. \par (المنتظر لامرنا كالمتشحط بدمه فى سبيل الله و..) \par تنبيه- فى وصفه عليه السلام اوليائهم بهذين الوصفين اعنى انتظار ايامهم و مد اعينهم \par
064    47    اليهم دلاله على ان ذلك من نعوتهم و فضائلهم التى يمدحون بها و يثابون عليها و هو كذلك. \par فعن ابى عبدالله عليه السلام عن آبائه عن اميرالمومنين عليه السلام انه قال: المنتظر لامرنا كالمتشحط بدمه فى سبيل الله. \par و روى الصدوق فى اكمال الدين باسناده عن ابى عبدالله عليه السلام: من مات منكم على هذا الامر منتظرا له كان كمن كان فى فسطاط القائم. \par و باسناده عن الباقر عليه السلام قال: القائل منكم ان ادركت قائم آل محمد عليهم السلام نصرته كان كالمقارع معه بسيفه بل كالشهيد معه. \par و باسناده عن ابى الحسن عن آبائه عليهم السلام ان رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال: افضل اعمال امتى انتظار الفرج. \par و باسناده عن الرضا عليه السلام قال: ما احسن الصبر و انتظار الفرج اما سمعت قول الله عز و جل: فانتظروا انى معكم من المنتظرين فعليكم بالصبر فانه انما يجى ء الفرج على الياس فقد كان الذين من قبلكم اصبر منكم. \par الصلوات المباركات الزاكيات، \par البركه محركه: ثبوت الخير الالهى فى الشى ء. و الزكاء: النماء الحاصل من الله سبحانه. و قد يعبر بالزاكى عن الطيب و منه: ازكى طعاما \par
065    47    (سميت الجنه بدار السلام، اسلامتها من كل بليه و مكروه و آفه) \par و سلم عليهم و على ارواحهم و اجمع على التقوى امرهم، و اصلح لهم شئونهم، و تب عليهم، انك انت التواب الرحيم، و خير الغافرين، و اجعلنا معهم فى دار السلام برحمتك يا ارحم الراحمين). \par و سلم عليهم اى افض سلامك عليهم و السلام: اسم من التسليم كالكلام من التكليم يقال: سلم الله تسليما: اذا وقاه من الافات و البليات، و قوله عليهم و على ارواحهم، من قبيل عطف الخاص على العام و فائدته التنبيه على فضله كانه ليس داخلا فى المعطوف عليه لشرفه و مزيته و هو هنا كذلك فان المراد بالارواح النفوس الناطقه، و الانسان و ان كان عباره عن هذا الشخص المركب \par
065    47    عن الجسم و الروح الا ان الروح هى حقيقته و الجسم انما هو آله لها فخص الارواح بالذكر اظهارا لمرتبتها. و جمعت الشى ء جمعا من باب نفع: الفته و ضممته بعد التفرقه و الانتشار و الامر: لفظ عام للافعال و الاقوال و منه: و ما امر فرعون برشيد و التقوى: وقايه النفس عما يوثم. اى اجعل اقوالهم و افعالهم مجتمعه على التقوى بان توفقهم لاجتناب الماثم فى كل قول و فعل يكون منهم. و اصلاح الشى ء: ازاله ما فيه من فساد. و الشئون: جمع شان بمعنى الحال اى اصلح لهم احوالهم. قوله عليه السلام: و تب عليهم اى اقبل توبتهم و قيل: التوبه من الله تعالى: الرجوع عن العقوبه الى اللطف و التفضل و التواب: المبالغ فى قبول التوبه كما و كيفا. و الرحيم: المتفضل على عباده بانواع النعم. و خير الغافرين لانه اذا اغفر ستر و بدل السيئه بالحسنه و الحق بترك العقاب ترك العتاب. و دار السلام: الجنه قال تعالى: لهم دار السلام قيل سميت بذلك لسلامتها من كل بليه و مكروه و آفه. قوله عليه السلام: برحمتك يا ارحم الراحمين اى بسبب رحمتك التى وسعت كل شى ء و ندائه تعالى بعنوان الارحميه للمبالغه فى استدعاء الاجابه و استجلاب آثار الرحمه له و لهم. و فى الحديث: ان النبى صلى الله عليه و آله و سلم مر برجل و هو يقول: يا ارحم الراحمين فقال له: سل فقد نظر الله اليك. \par و فيه: ان الله ملكا موكلا بمن يقول: يا ارحم الراحمين فمن قالها ثلثا قال الملك ان ارحم الراحمين قد اقبل عليك. \par
066    47    (بعض الاخبار الوارده فى فضل يوم عرفه و شرفه) \par (اللهم هذا يوم عرفه يوم شرفته و كرمته و عظمته، نشرت فيه رحمتك و مننت فيه بعفوك، و اجزلت فيه عطيتك، و تفضلت به على عبادك) \par الغرض من الاخبار فى هذه الجمل: الاعتراف و التصديق بمضمونها. و تشريف هذا اليوم و تكريمه و تعظيمه عباره عن التنويه بشانه و اختصاصه بما اختصه به دون سائر الامم من اجتماع الامم فيه فى ذلك الموقف و جعل الوقوف فيه بذلك المكان اعظم اركان الحج حتى قال صلى الله عليه و آله و سلم: الحج عرفه. و كراهيه الاشتغال فيه بشى ء من امور الدنيا احتراما له \par
066    47    و استحباب الاكثار فيه من التكبير و التحميد و التهليل و وجوب الاستغفار و الذكر و الدعاء و استحبابه الى غير ذلك مما يوخذ من موضعه و لما كان الغايه من ذلك نشر رحمته تعالى و بسطها على عباده و منته عليهم بالعفو و المغفره و اجز اله و عطايا لهم و التفضل عليهم جاء عليه السلام بقوله: نشرت فيه رحمتك، جمله مستانفه على وجه التعليل فلم يعطفها على ما قبلها اى شرفته و كرمته و عظمته لانك نشرت فيه رحمتك و مننت فيه بعفوك. \par روى عن على بن الحسين عليهماالسلام صاحب الدعاء ان رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال فى حجه الوداع- لما وقف بعرفه و همت الشمس ان تغيب-: يا بلال قل للناس فلينصتوا فلما انصتوا قال رسول الله ان ربكم تطول عليكم فى هذا اليوم فغفر لمحسنكم و شفع محسنكم فى مسيئكم فافيضوا مغفورا لكم. \par و عن النبى صلى الله عليه و آله و سلم انه قال لرجل انصارى: يوم عرفه يوم يباهى الله عز و جل به الملائكه فلو حضرت ذلك اليوم برمل عالج و قطر السماء و ايام العالم ذنوبا فانه تبت ذلك اليوم. و فى روايه: اذا وقعت بعرفات الى غروب الشمس فان كان عليك من الذنوب مثل رمل عالج او بعدد نجوم السماء او قطر المطر يغفرها الله لك. \par و عن الرضا عليه السلام: ما وقف احد فى تلك الجبال الاستجاب الله له فاما المومنون فيستجاب لهم فى آخرتهم و اما الكافر فيستجاب لهم فى دنياه. \par و عن ابى جعفر عليه السلام: ما يقف احد على تلك الجبال بر و لا فاجر الا استجاب الله له فاما البر فيستجاب له فى آخرته و دنياه و اما الفاجر فيستجاب له فى دنياه. \par و عن الصادق عليه السلام: ما من رجل من اهل الكوره وقف بعرفه من المومنين الا غفر الله لاهل تلك الكوره من المومنين و ما من رجل وقف بعرفه من اهل بيت من المومنين الا غفر الله لاهل ذلك البيت من المومنين. \par و سمع على بن الحسين يوم عرفه سائلا يسئل الناس فقال له: و يحك اغير الله تسئل فى هذا المقام؟ انه ليرجى لما فى بطون الحبالى فى هذا اليوم ان يكون سعيدا. \par و الاخبار فى شرفه و فضله كثيره نقتصر منها على هذا القدر. \par
067    47    (قول بعض المفسرين فى قوله تعالى: و اسبغ عليكم. و معنى حبل الله) \par (اللهم و انا عبدك الذى انعمت عليه قبل خلقك له و بعد خلقك اياه فجعلته ممن هديته لدينك و وفقته لحقك، و عصمته بحبلك، و ادخلته فى حزبك و ارشدته لموالاه اوليائك، و معاداه اعدائك). \par المراد بخلقه تعالى: خلق الانسانيه: بنفخ الروح المشار اليه بقوله سبحانه: ثم انشاناه خلقا آخر و اعلم نعمه جلت قدرته على عبده قبل خلقه او بعد خلقه اياه، اجل من ان تحد و تحصى و تعد و لا يحيط بها كما و كيفا الا علمه تعالى حتى قال بعض المفسرين فى قوله تعالى: و اسبغ عليكم نعمه ظاهره و باطنه ان الباطنه ما لا نعلمه اصلا غير انا نذكر من ظاهر انعامه تعالى على عبده قبل خلقه امورا: \par احدها- تعلق ارادته عز و جل بايجاده عنايه منه به ورحمه له مع استغنائه عنه. كما ورد فى الدعاء: يا بارى ء خلقى رحمه بى و كان عن خلقى غنيا. \par الثانى- عنايته تعالى بسد جميع انحاء عدمه الاصلى اعنى الموانع العدميه التى يتوقف وجوده على ارتفاعها اى بقائها على العدم المعبر عنه بارتفاع الموانع ضروره ان شيئا من الممكنات لا يستحق الوجود ابتداء و انما ذلك من جناب المبدء الاول تعالى شانه فلا يتصور وجوده ابتداء الا مع بقاء الموانع التى يتوقف وجوده على عدمها مع امكان وجودها فى نفسها فارتفاعها ببقائها على العدم من آثار نعمه الفائضه على كل مخلوق. \par الثالث- ايجاده ما يتوقف عليه وجوده من الامور الوجوديه التى هى مباديه و علله و شرائطه البعيده و القريبه فمنها امور حسيه و امور معنويه و منها وسائط جسمانيه و روحانيه كالابوين و ما يتوقف عليه وجودهما ابتداء و بقاء و الملائكه المدبرات و المقسمات الى غير ذلك مما لا يكاد يبلغ الحاسب بلوغ مرتبه معتد بها من مراتبه فضلا عن بلوغ غايته. \par و اما انعامه عليه بعد خلقه فاظهر من ان ينبه عليه غير انه عليه السلام ذكر اعظمه و \par
067    47    اشرفه الذى يترتب عليه السعاده العظمى و ما هو ذريعه اليها فقال: فجعلته ممن هديته لدينك، و الفاء للدلاله على ترتب مضمون مدخولها على ما قبله فان نعمه الهدايه الى الاسلام عنوان النعم كلها فمن فازبها فقد حازبها بحذا فيرها. \par و المراد بالهدايه هنا: الدلاله الموصله الى المطلوب قطعا و الدين الاسلام لقوله تعالى: ان الدين عندالله الاسلام و من يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه و حق الله تعالى: ما وجب له من قول و فعل و اعتقاد من حق الشى ء يحق حقا من باب ضرب: اذا وجب و ثبت اى وفقته للقيام بحقك. و عصمته بحبلك اى حميته و وقيته بكتابك او بدينك او الولايه لاوليائك حسب ما فسر به قوله تعالى: و اعتصموا بحبل الله جميعا قال العلامه امين الاسلام الطبرسى فى مجمع البيان: قيل فى معنى حبل الله اقوال: \par احدها- انه القرآن عن ابى سعيد الخدرى و جماعه. \par و ثانيها- انه دين الله عن ابن عباس و ابن زيد. \par و ثالثها- ما رواه ابان بن تغلب عن جعفر بن محمد عليهماالسلام: نحن حبل الله الذى قال: و اعتصموا بحبل الله جميعا و الاولى حمله على الجميع و الذى يويده: \par مارواه ابوسعيد الخدرى عن النبى صلى الله عليه و آله و سلم انه قال: ايها الناس انى قد تركت فيكم حبلين ان اخذتم بهما لن تضلوا بعدى احدهما اكبر من الاخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء الى الارض و عترتى اهل بيتى الا و انهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض. و ادخلته فى حزبك اى جعلته فى زمرتهم و نظمته فى سلكهم و منه: فادخلى فى عبادى و ارشده الله الى كذا: هداه اليه. و الموالاه: مصدر والاه يواليه اى احبه و صادقه فهو ولى له اى موال كالجليس بمعنى المجالس و ضده المعاداه. و قد علمت ان عداوه الله سبحانه مخالفه امره عنادا و الخروج عن طاعته مكابره لان العدو لا يوافق عدوه و لا يدخل فى طاعته. \par
068    47    (قول الشيطان: لما قضى الامر... و ان كلامه مبنى على الانصاف و الصدق) \par (ثم امرته فلم ياتمر، و زجرته فلم ينزجر، و نيهته عن معصيتك فخالف امرك الى نهيك، لا معانده لك، و لا استكبارا عليك، بل دعاه هواه الى ما زيلته، و الى ما حذرته، و اعانه على ذلك عدوك و عدوه، فاقدم عليه عارفا بوعيدك راجيا لعفوك، واثقا بتجاوزك و كان احق عبادك مع ما مننت عليه الا يفعل). \par ثم، هنا لاستبعاد عدم الائتمار لامر من انعم عليه بتلك النعم و عدم الانزجار لزجره و مخالفه امره قال الرضى: و قد يجى ء «ثم» فى الجمل خاصه لاستبعاد مضمون ما بعدها عن مضمون ما قبلها و عدم مناسبته له كقوله تعالى: خلق السموات و الارض ثم الذين كفروا بربهم يعدلون فالاشراك بخالق السموات و الارض مستبعد غير مناسب و هذا المعنى فرع التراخى و مجازه. و الامر: طلب الفعل بالقول على طريق الاستعلاء. و الائتمار: قبول الامر يقال: امرته فائتمر اى سمع و اطاع. و الزجر: المنع يقال: زجرته كمنعته فانزجر. و النهى: طلب ترك الفعل بالقول استعلاء. و المعصيه: مخالفه الامر قصدا و عاند فلان فلانا عنادا و معانده: فعل ما لا يرضاه و لا غرض له بذلك الا خلافه. و الاستكبار من الكبر بالكسر فالسكون و هو العظمه. بل: حرف اضراب مطلقا فان تلاها مفرد كانت عاطفه و ان تلاها جمله كانت حرف ابتداء لا عاطفه عند الجمهور خلافا لابن مالك و غيره. و معنى الاضراب حينئذ اما الابطال نحو: ام يقولون به جنه بل جائهم بالحق و مثله عباره الدعاء. و اما الانتقال من غرض الى آخر اهم منه. و الدعاء على الشى ء: الحث على قصده. و الهوى: ميل النفس الى الشهوه و يطلق على النفس المائله الى الشهوه. و المعنيان محتملان هنا، قيل: سمى بذلك لانه يهوى بصاحبه فى الدنيا الى واهيه و فى الاخره الى هاويه. و زيلت الشى ء تزييلا: نحيته و ميزته عن غيره و منه قوله تعالى فزيلنا بينهم اى ميزنا و فرقنا. و المراد بما زيله تعالى: محارمه و مناهيه التى نحاها و ميزها و هى حدوده التى امر بمباينتها و نهى عن مقاربتها بقوله: تلك حدود الله فلا- \par
068    47    تقربوها و انما سميت الحدود حدودا لتميزها و فصلها عن غيرها من حددت الدار حدا من باب قتل: ميزتها عن مجاوراتها بذكر نهاياتها. و الحذر محركه: الاحتراز من مخوف. و اعانه على ذلك اى ظاهره. و اعانته عباره عن تقويه داعيه الهوى فى قلب الانسان بالقاء الوساوس اليه و تحسينه اللذات و الشهوات له فيميل اليها و يعزم عليها و يرتكب بذلك المعاصى و يستوجب سخط خالقه و عقابه. \par و فى نسبته عليه السلام ذلك اولا الى داعيه الهوى ثم اعانه الشيطان عليه دلاله على ان الانسان هو الذى يختار بسوء رايه و اتباع هواه مقارفه الذنوب و ليس من الشيطان الا الوسوسه و التزيين كما دل على ذلك قوله تعالى: و قال الشيطان لما قضى الامر ان الله و عدكم وعد الحق و وعدتكم فاخلفتكم و ما كان لى عليكم من سلطان الا ان دعوتكم فاستجبتم لى فلا تلومونى و لوموا انفسكم و حكايه قول الشيطان و ان لم يصلح للحجه الا ان عدم انكار الله عليه حجه. هذا مع ان كلام اللعين مبنى على الانصاف و الصدق. و اقدم على الامر اقداما: شجع و جسر و هجم عليه و لم يتوقف. و عارفا بوعيدك اى عالما به فان المعرفه جائت بمعنى العلم كما جاء العلم بمعناها و منه: مما عرفوا من الحق اى علموا. و الوعيد: التهديد. و واثقا بتجاوزك اى معتمدا عليه. و قوله عليه السلام: و كان احق عبادك، حاليه اى و الحال انه كان اولى عبادك مع ما مننت به ان لا يفعل. \par
069    47    (الفرق بين الذنب و الخطيئه، و بين الصفح و العفو، و معنى الغفران) \par (و ها انا ذا بين يديك صاغرا ذليلا خاضعا خاشعا معترفا بعظيم من الذنوب تحملته، و جليل من الخطايا اجترمته، مستجيرا بصفحك، لائذا برحمتك، موقنا انه لا يجيرنى منك مجير، و لا يمنعنى منك مانع، \par الواو للاستيناف. و «ها» حرف تنبيه. و تصدير الجمله بحرف التنبيه اظهار لكمال التضرع و الابتهال و انه عن اعتقاد و صميم قلب و ايذان بالذل و التواضع فان الذليل لا يقبل كلامه او من شانه ان لا يقبل فيفتقر الى التنبيه عليه. و بين يديك اى مطروحا بين يديك او واقفا بين يديك اى امامك. و صغر يصغر من باب تعب: ذل و هان فهو صاغر و الاسم الصغار. و الذليل: فعيل بمعنى فاعل من ذل يذل ذلا من باب ضرب اى ضعف و هان فهو ذليل و الاسم الذل بالضم. و خشع خشوعا رمى ببصره نحو الارض و خفض صوته فهو خاشع. و خضع يخضع خضوعا: ذل و استكان فهو خاضع. و قيل: الخشوع قريب من الخضوع الا ان الخضوع فى البدن و الاعناق، و الخشوع فى الصوت و البصر. و اعترف بالذنب: اقربه. و العظيم من الذنوب: ما عظم كما او كيفيه. و الجليل من الخطايا: ما عظم كيفيه لان الجلاله: عظم القدر. و تحمل الذنوب: استعاره لاكتسابها. و اجترام الخطايا: اقترافها و اكتسابها. \par و الفرق بين الذنب و الخطيئه ان الذنب قد يطلق على ما يقصد بالذات و الخطيئه تغلب على ما يقصد بالعرض لانها من الخطاء. و استجاره: طلب ان يجيره اى يومنه و الصفح: مصدر صفحت عن الذنب صفحا من باب نفع: عفوت عنه. و قال الراغب: الصفح ترك التثريب و هو ابلغ من العفو و قد يعفو الانسان و لا يصفح. و لاذ الرجل بالحبل لوذا من باب قال و لو ذا مثلثه: التجا فهو لائذ. و ايقن بالشى ء ايقانا: علمه علما يقينا و هو العلم الحاصل عن نظر و استدلال و لهذا لا يسمى علم الله يقينا. \par و المجير: الحامى و الحافظ من اجاره اذا حماه و حفظه مما يخافه. و منعت فلانا المكروه و منعته منه: حميته منه و منه فلان يمنع الجار اى يحميه مما يضام. \par
070    47    فعد على بما تعود به على من اقترف، وجد على بما تجود به على من القى بيده اليك من عفوك، و امنن على بما لا يتعاظمك ان تمن به على من املك من غفرانك) \par و عاد عليه بمعروفه عودا من باب قال: جاد و تفضل و الاسم العائده. و اقترف الذنب: فعله. و القاء الشى ء: طرحه. و المراد باليد: النفس اى من القى نفسه اليك، و الباء كثيرا ما تزاد فى المفعول نحو: و هزى اليك بجذع النخله و يحتمل ان تكون للسببيه. و مفعول الالقاء محذوف و الاصل: القى نفسه اليك بيده كما يقال: اهلك نفسه بيده: اذا تسبب لهلاكها. و مننت عليه بكذا منا من باب قتل: انعمت و تعاظمه الامر: شق عليه و عظم فى عينه. قال فى الاساس: هذا الامر لا يتعاظمنى اى لا يعظم فى عينى و لا ابالى به، و الغفران من الله هو ان يصون \par
070    47    العبد من ان يمسه العذاب و اصله من الغفر و هو الباس الشى ء ما يصونه من الدنس و منه المغفر للاله التى يلبسها المقاتل راسه ليصونه من اصابه الجراح . \par
071    47    و اجعل لى فى هذا اليوم نصيبا انال به حظا من رضوانك، و لا تردنى صفرا مما ينقلب به المتعبدون لك من عبادك \par الجعل هنا بمعنى الايجاد اى اوجد لى فى هذا اليوم. و النصيب: الحصه و القسمه المعينه كانها نصبت لمن قسمت له. و نلت خيرا اناله من باب تعب: اصبته، و نال من عدوه: بلغ منه مقصوده. و الحظ: النصيب و الجد و البخت و الحظوه. و الرضوان بالضم و الكسر: الرضى و قيل الكثير منه و لذلك خص فى التنزيل بما كان من الله تعالى من حيث ان رضاه اعظم الرضا. و الصفر بالكسر فالسكون: الخالى يقال بيت صفر اى خال من المتاع و هو صفر اليدين ليس فيهما شى ء. و الانقلاب: الانصراف اى لا تردنى خاليا مما ينصرف به المتعبدون يقال: تعبد الرجل: اذا تنسك و اجتهد فى العباده. \par
072    47    (الاوصياءهم ابواب الله عز و جل التى يوتى منها و لو لا هم ما عرف الله) \par و انى و ان لم اقدم ما قدموه من الصالحات فقد قدمت توحيدك و نفى الاضداد و الانداد و الاشباه عنك، و اتيتك من الابواب التى امرت ان يوتى منها و تقربت منها و تقربت اليك بما لا يقرب به احدمنك الا بالتقرب به، \par و قدم الامر تقديما: اسلفه و فعله من قبل و منه: و نكتب ما قدموا اى ما فعلوه قبل و من الصالحات بيان لما قدموه اى من الاعمال الصالحات فحذف الموصوف و اقام الوصف مقامه و توحيده: تنزيهه عن شائبه التعدد و التركيب بوجه من الوجوه. و نفيت الشى ء نفيا من باب رمى: دفعته و لم اثبته. و الاضداد و الانداد: جمع ضدوند يقال ليس لله ضد و لا ندو معناه نفى ما يسد مسده و نفى ما ينافيه. و الاشباه: اما جمع شبه بكسر فسكون كحمل و احمال او شبه محركا كسبب و اسباب و هو بمعنى الشبيه و المثل. \par قوله عليه السلام: و اتيتك من الابواب التى امرت ان توتى منها، الاتيان: المجى ء بسهوله يقال: اتى الرجل ياتى اتيا اى جاء و اتيته انا اى جئته. و معنى اتيان الله تعالى: الاقبال عليه و التوجه اليه بالطاعه كقوله تعالى: و ان من شيعته لابراهيم اذ جاء ربه بقلب سليم اى اقبل عليه بقلبه و اخلص العمل له. و الابواب: جمع باب و هو مدخل البيت و الدار و نحوهما ثم استعير لما يتوصل به الى الشى ء يقال: هذا باب الى كذا اى يتوصل به اليه و منه: انا مدينه العلم و على بابها اى به يتوصل اليه و المعنى انى دنتك و اقبلت عليك و توجهت اليك من الجهات التى امرت ان يتوجه اليك منها و هى الوسائط التى امر الله تعالى ان يتوصل اليه بالتمسك بها و اقتفاء آثارها و الاقتداء بها من النبى و اهل بيته القائمين مقامه الهادين الى سبيله الدالين عليه و لذلك جاء بالابواب بلفظ الجمع و فيه تلميح الى قوله تعالى: و اتوا البيوت من ابوابها. \par فعن ابى جعفر عليه السلام قال يعنى ان يوتى الامر من وجهه اى الامور كان فدخل فى عموم ذلك اتيان الله تعالى من بابه. \par روى ثقه الاسلام فى الكافى بسنده عن ابى بصير قال قال ابوعبدالله عليه السلام : الاوصياء هم ابواب الله عز و جل التى يوتى منها و لو لا هم ما عرف الله عز و جل و بهم احتج الله تبارك و تعالى على خلقه. \par و عن ابى جعفر عليه السلام: آل محمد ابواب الله و سبيله و الدعاه الى الجنه و القاده اليها و الادلاء عليها الى يوم القيمه. \par (اهميه ولايه ولاه امر الله و مودتهم و هم اهل بيت النبى صلى الله عليه و آله) \par و فى استعاره لفظ الباب اشعار بانه لا مدخل يتوصل به اليه سبحانه سوى من جعله بابا للوصول اليه اذ لا يدخل الى الدار و لا يتوصل اليها الا من بابها فمن ظن انه يتوصل اليه سبحانه من غير هذه الابواب فقد ظن باطلا و اخطا سهمه الثغره و ضل سواء السبيل. \par قال الشيخ العارف مجد الدين البغدادى: رايت النبى صلى الله عليه و آله و سلم فى المنام فقلت ما تقول فى حق ابن سينا فقال صلى الله عليه و آله و سلم: ذاك رجل اراد ان يصل الى الله تعالى بلا وساطتى فحجبته هكذا بيدى فسقط فى النار. \par و عن اميرالمومنين عليه السلام من جمله حديث: ان الله عزوجل لو شاء لعرف العباد نفسه و لكن جعلنا ابوابه و صراطه و سبيله و الوجه الذى يوتى منه فمن عدل عن ولايتنا او فضل علينا غيرنا فانهم عن الصراط لناكبون. \par و عن الصادق عليه السلام من جمله حديث: من اتى البيوت من ابوابها اهتدى و من اخذ فى غيرها سلك طريق الردى، وصل الله طاعه ولى امره بطاعه رسوله، و طاعه رسوله بطاعته فمن ترك طاعه ولاه الامر لم يطع الله و لا رسوله. \par و الاخبار فى هذا المعنى اكثر من ان تحصى. قوله عليه السلام: و تقربت اليك بمالا يقرب به احد منك الا بالتقرب به. تقرب الى الله بكذا: طلب به القرب المتحقق بحصول الرفعه عنده و نيل الثواب لديه سبحانه تشبيها بالقرب المكانى اى طلبت القرب منك بالامر الذى لا يقرب احد منك فى حال من الاحوال الا حالكونه ملتبسا بالتقرب به. و المراد به ولايه ولاه امر الله و مودتهم و هم اهل بيت النبى صلى الله عليه و عليهم الذين افترض الله طاعتهم و حتم ولايتهم اذ هى الامر الذى لا يرفع عمل الا به و لا تقبل حسنه الا معه كما نطقت بذلك الاخبار و تظافرت به الروايات من الطريقين: \par اخرج الموفق احمد المعروف بفخر خوارزم بسنده عن جعفر بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: من احب عليا قبل الله منه صلوته و صيامه و قيامه و استجاب دعائه الامن احب عليا اعطاه الله بكل عرق فى بدنه مدينه فى الجنه الا و من احب آل محمد عليهم السلام امن من الحساب و النار و الصراط الا و من مات على بغض آل محمد صلوات الله عليهم جاء يوم القيمه مكتوب بين عينيه: آئس من رحمته. \par و عن عمر بن يقظان الاسدى عن ابى عبدالله عليه السلام فى قوله تعالى: اليه يصعد الكلم الطيب و العمل الصالح يرفعه قال: ولايتنا اهل البيت و اهوى بيده الى صدره فمن لم يتولنا لم يرفع الله له عملا. \par و اخرج ابن مردويه و الموفق بن احمد و غيرهما عن زيد بن على عن ابيه عن جده عن النبى صلى الله عليه و آله و سلم قال: يا على! لو ان عبدا عبدالله مثل ما قام نوح فى قومه و كان له مثل احد ذهبا فانفقه فى سبيل الله و مد فى عمره حتى حج الف عام على قدميه ثم قتل بين الصفا و المروه مظلوما ثم لم يوالك يا على لم يشم رائحه الجنه و لم يدخلها. \par و فى تاريخ النسائى و شرف المصطفى و اللفظ له قال النبى صلى الله عليه و آله و سلم: لو ان عبدا عبدالله بين الركن و المقام الف عام ثم الف عام ثم الف عام و لم يكن يحبنا اهل البيت لاكبه الله على منخره فى النار. \par و اخرج ابوالمويد فى المناقب و ابوتراب فى الحدائق عن انس بن مالك و الديلمى فى الفردوس عن معاذ و جماعه عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: حب على ابن ابيطالب حسنه لا تضرمعها سيئه و بغضه سيئه لا تنفع معها حسنه. \par و اخرج غير واحد عن عمار و معاذ و عايشه عن النبى صلى الله عليه و آله و سلم قال: النظر الى على ابن ابيطالب عباده و ذكره عباده و لا يقبل ايمان عبد الا بولايته و البرائه من اعدائه. \par و عن ابى جعفر عليه السلام فى قوله تعالى: قل هذه سبيلى ادعوا الى الله على بصيره يعنى بالسبيل على بن ابيطالب و لا ينال ما عندالله الا بولايته. \par و على ما ذكرنا فاتضح ان المراد «بما لا يقرب احد من الله تعالى الا بالتقرب به» حب على و اوصيائه من ابنائه و مودتهم و ولايتهم فانه عماد كل قربه و قوام كل عمل و ما سواه تبع له. \par
073    47    ثم اتبعت ذلك بالانابه اليك و التذلل و الاستكانه لك، و حسن الظن بك، و الثقه بما عندك، و شفعته برجائك الذى قل ما يخيب عليه راجيك). \par و الانابه الى الله: الرجوع اليه بالتوبه و اخلاص العمل و منه: و انيبوا الى ربكم و اسلموا له و التذلل: تفعل من الذل و هو خلاف العز و التفعل هنا اما للتكلف كانه قهر نفسه على ذلك او للاعتقاد اى اعتقد فى نفسه انها ذليله كما يقال فى ضده: تكبر اى اعتقد فى نفسه انها كبيره. و الاستكانه: الخضوع و التضرع. و حسن الظن به تعالى عباره عن رجاء الفوز بالسعاده الابديه و الخلاص من الشقاوه السر مديه و ترقب النعم الدنيويه و الاخرويه من فضله و رحمته وجوده و كرمه لا بمحض العمل و مجرد السعى فان العمل و ان بلغ حد الكمال قاصر فى جناب عزته، ناقص فى ازاء عظمته \par
073    47    لا يوجب الوصول الى كمال قربه و الفوز بجلائل نعمه و الثقه بما عنده عباره عن الاعتماد على ما عنده من خزائن رحمته الدنيويه و الاخرويه. \par و فى الحديث: لا يكمل ايمان احدكم حتى يكون بما عندالله اوثق منه بما فى يده و شفعت الشى ء شفعا من باب نفع: ضممته الى الفرد اى و ضممت ذلك الى رجائك الذى لا يخيب عليه راجيك. و قل هنا فى معنى النفى و كثيرا ما يقصد بالقليل: النفى من حيث ان القليل اقرب شى ء الى النفى فيقوم مقامه. \par
074    47    (معنى السئوال و الخوف و الشفاعه و الذره) \par (و سئلتك مساله الحقير الذليل البائس الفقير الخائف المستجير، و مع ذلك خيفه و تضرعا و تعوذا و تلوذا، لا مستطيلا بتكبر المتكبرين و لا متعاليا بداله المطيعين و لا مستطيلا بشفاعه الشافعين \par السئوال: استدعاء مطلوب يقال: سالت الله العافيه سئوالا و مسئله اى استدعيتها و طلبتها. و حقر الشى ء بضم العين حقاره: هان قدره فلا يعبا به فهو حقير. و ذل ذلا بالضم: هان و ضعف فهو ذليل. و بئس بالكسر يباس من باب تعب بوسا بالضم: اذا نزل به الضر فضرع له فهو بائس. و فقر يفقر من باب تعب فقرا: احتاج فهو فقير. و الخوف: توقع مكروه عن اماره مظنونه او معلومه يقال: خاف يخاف خوفا و خيفه و مخافه. و استجار: طلب ان يجار اى يحمى من مكروه يناله فهو مستجير، و مع ذلك خيفه و تضرعا متعلق بمضمر معطوف على قوله عليه السلام: و سالتك اى و دعوتك مع ذلك خيفه و تضرعا بدليل و ادعوه خوفا و طمعا، ادعوا ربكم تضرعا و خيفه فحذف الفعل كما حذف من قوله تعالى: و الذين تبووا الدار و الايمان اى و اعتقدوا الايمان و قوله: علفتها تبنا و ماء باردا اى و سقيتها ماء، و ذلك اشاره الى المعنى المذكور من سئواله تعالى مسئله الحقير الذليل. \par و الخيفه: الخوف. و التضرع: الخضوع و الابتهال و المبالغه فى الرغبه و السئوال و التعوذ و التلوذ: تفعل من عاذبه و لا ذاى اعتصم به و لجا اليه و صيغه التفعل للمبالغه و اصلها التكلف فان من تكلف شيئا التمسه بجهده. و استطال استطاله: علا و ترفع كتطاول يقال هو يستطيل على الناس و يتطاول. و الداله: اسم من ادل فلان على قريبه و على من له منزله عنده اى انبسط و اجترء عليه ثقه بمحبته و منزلته عنده. و الشفاعه: الانضمام الى آخر ناصرا له و مانعا عنه و اكثر ما تستعمل فى انضمام من هو اعلى مرتبه الى من هو ادنى و منه الشفاعه فى القيامه. \par
075    47    (معنى السئوال و الخوف و الشفاعه و الذره) \par و انا بعد اقل الاقلين و اذل الاذلين و مثل الذره او دونها. \par و اقل الاقلين، من القله بمعنى الذله و الصغار يقال: فلان يقل عن ذلك اى يصغر عنه و يحقر. و اذل الاذلين: عطف، مفاده التاكيد و التفسير للمعطوف عليه. و الذره: واحده الذر و هو اصغر النمل، و قيل: الذره ما يرى فى عين الشمس من الهباء و عن ابن عباس: اذا وضعت راحتك على الارض ثم رفعتها فكل واحد مما لزق بها من التراب مثقال ذره. قوله عليه السلام: او دونها، اضراب عن التشبيه بالذره شبه نفسه فى الحقاره بالذره اولا ثم بدا له فاضرب عنه و ابطله فقال: او دونها اى بل انا دونها مبالغه فى تحقير نفسه و اغراقا فى التواضع له تعالى. \par (معنى المترف و اطلاقه على الملوك و الجبابره) \par (فيامن لم يعاجل المسيئين، و لا ينده المترفين، و يا من يمن باقاله العاثرين، و يتفضل بانظار الخاطئين، \par عاجله الله بذنبه: اخذه به و لم يمهله و النده: الزجر و الرد يقال ندهته ندها من باب نفع. و المترفين: جمع مترف بفتح الراء المهمله اسم مفعول من اترفه اترافا اى نعمه، قال النيسابورى: المترف فى اللغه: المنعم الذى قد ابطرته النعمه و سعه العيش. و قال ابن عرفه: المترف المتروك يصنع ما يشاء لا يمنع منه و يطلق المترفون على الملوك و الجبابره ايضا لانهم المتنعمون الذين لا يمنعون من تنعمهم و لا يزجرون عما شاوا ان يصنعوه و المراد بهم هنا ما يعم الجميع و المعنى انه تعالى املى لهم و امهلهم فلا يزجرهم \par
075    47    عن تنعمهم و عن صنعهم ما شاوا. \par و من عليه بكذا من باب قتل: انعم و تفضل و اقال الله عثرته اقاله: سامحه بذنبه و غفر زلته. و الانظار: الامهال و التاخير و منه انظرنى الى يوم يبعثون اى امهلنى و اخرنى. و الخاطى ء: اسم فاعل من خطا خطا من باب علم قال ابوعبيده: خطا و اخطا بمعنى واحد لمن يذنب على غير عمد و قال غيره: خطا فى الدين و اخطا فى كل شى ء عامدا كان او غير عامد و قيل خطا: اذا تعمد ما نهى عنه فهو خاطى ء و اخطا: اذا اراد الصواب فصار الى غيره و هذا المعنى انسب بعباره الدعاء من الاولين. \par
076    47    انا المسى ء المعترف الخاطى ء العاثر \par و المسى ء: اسم فاعل من اساء فى فعله اذا فعل سوء و هو كل ما يقبح. و اعترف بالشى ء: اقر به على نفسه. و العاثر: الساقط فى الاثم. \par
077    47    انا الذى اقدم عليك مجترئا، \par و اقدم اقداما: اجترء فيكون مجترئا حالا موكده لعاملها و فى المصباح اقدم على العيب اقداما: كنايه عن الرضاء به و قدم عليه يقدم من باب تعب مثله. \par
078    47    انا الذى عصاك متعمدا، \par و عصى العبد مولاه عصيا من باب رمى و معصيه: خرج عن طاعته و الاسم العصيان. و تعمدت الشى ء: قصدت اليه. \par
079    47    انا الذى استخفى من عبادك و بارزك، \par و الاستخفاء: طلب الاختفاء و هو الاستتار. \par و العباد: جمع عبد و هو الانسان حرا كان اورقا. و المبارزه: مفاعليه من البروز يقال برز بروزا: اذا خرج الى البراز بالفتح و هو الفضاء. \par
080    47    انا الذى هاب عبادك و امنك، \par وهابه يهابه من باب تعب هيبه و مهابه: حذره و خافه و الامن: عدم الخوف و طمانينه النفس يقال امنه و امن منه من باب تعب امنا و امانا: اذا سكنت نفسه منه و لم تخش له ضررا. \par
081    47    انا الذى لم يرهب سطوتك، و لم يخف باسك، \par و رهب رهبا من باب تعب: خاف و الاسم الرهبه و قيل الرهب و الرهبه: مخافه مع تحرز و اضطراب. وسطا عليه و به يسطو سطوا وسطوه: و ثب عليه و رفع يده فبطش به و قهره و اذله. و الباس: شده النكايه و فرط القوه فى الاضرار. \par
082    47    انا الجانى على نفسه، \par و جنى على نفسه من باب رمى جنايه: اذنب ذنبا يواخذ به. \par
083    47    انا المرتهن ببليته، \par و المرتهن بضم الميم و فتح الهاء: اسم مفعول بمعنى مرهون من الرهن و هوما وضع و ثيقه للدين و لما كان الرهن محتبسا فى يده المرتهن استعير ذلك للمحتبس اى شى ء كان و منه: كل امرى ء بما كسب رهين \par
084    47    انا القليل الحياء، \par و فلان قليل الحياء اى لاحياء له كما يقال قليل الخير اى لا يكاد يفعله. \par
085    47    انا الطويل العناء \par و طال الشى ء يطول طولا بالضم: امتد. و العناء بالفتح و المد: النصب \par
085    47    و التعب يقال عنى كتعب وزنا و معنى و المراد بطول عنائه اما فى الدنيا فبالاهتمام بما اكتسب و طول الفكر فى الارتهان بماجنى و كثره الخشيه و الاضطراب مما اقترف و القدوم على ما قدم و اما فى الاخره فبالوقوع فى جزاء ما اسلف و عقاب ما اجرم ان لم يتغمده الله بغفر انه و الله اعلم. \par
086    47    (بحق من انتجبت من خلقك، و بمن اصطفيته لنفسك بحق من اخترت من بريتك، و من اجتبيت لشانك، بحق من وصلت طاعته بطاعتك، و من جعلت معصيته كمعصيتك، بحق من قرنت موالاته بموالاتك، و من نطت معاداته بمعاداتك، تغمدنى فى يومى هذا بما تتغمد به من جار اليك متنصلا، و عاذ باستغفارك تائبا، \par المراد بحقهم: ما ثبت لهم عنده تعالى من المنزله و الرتبه الرفيعه و الثواب الذى وجب لهم بوعده الحق و الانتجاب و الاصطفاء و الاختيار و الاجتباء كلها بمعنى واحد و هو عائد الى افاضه كمال الرياسه العامه عليهم و اختصاصهم بمزيد القرب و الزلفى لديه سبحانه بحسب ما و هبته لهم العنايه الالهيه من القبول و الاستعداد. و وصلت طاعته بطاعتك اى جعلت طاعته متصله بطاعتك متحده بها فان اصل الاتصال اتحاد الاشياء بعضها ببعض كاتحاد طرفى الدائره و المعنى انك حكمت بان من اطاعه فقد اطاعك كما قال تعالى: من يطع الرسول فقد اطاع الله و جعلت معصيته كمعصيتك اى مثلها فى النهى عنها و ترتب العقاب عليها. \par و قرنت موالاته بموالاتك اى جمعت بين محبته و محبتك. و نطت الشى ء بالشى ء نوطا من باب قال: علقته به اى جعلت معاداته منوطه بمعاداتك فمن عاداه عاداك و تغمده الله برحمته: غشاه بها و جلله. و جار يجار جارا من باب نفع و جوارا بالضم مهموز العين فى الكل: ضج و رفع صوته بالدعاء و تفرع و استغاث و منه فاليه تجارون و تنصل من ذنبه: خرج و تبرء. و عاذ باستغفارك اى اعتصم به حالكونه تائبا. \par
087    47    و تولنى بما تتولى به اهل طاعتك و الزلفى لديك و المكانه منك \par و تولاه الله بحفظه: وليه به و قام عليه بحفظه و المعنى كن متوليا اياى بما تكون متوليا به اهل طاعتك. و الزلفى بالضم: القرب و المكانه و المنزله. \par
088    47    (معنى العهد، و عهود الله الى خلقه ثلثه: عهد اخذه..) \par و توحدنى بما تتوحد به من و فى بعهدك و اتعب نفسه فى ذاتك و اجهدها فى مرضاتك. \par و توحده الله بكذا اى قام له به وحده تعالى من غير واسطه او و كول له الى غيره يقال: توحده الله بعصمته اى عصمه و قام بحفظه و لم يكله الى غيره. و وفى بالعهد: اذا اتمه و لم ينقصه و لهم يهمل حفظه و العهد الوصيه و الموثق، قال الراغب: العهد: حفظ الشى ء و مراعاته حالا بعد حال و سمى الموثق الذى يلزم مراعاته عهدا قال تعالى: اوفوا بالعقود اى اوفوا بحفظ الايمان. \par و عهد الله تعالى تاره يكون بما ركزه فى عقولنا، \par و تاره يكون بما امرنا به بكتابه و بالسنه رسله، \par و تاره بما نلزمه و ليس بلازم فى اصل الشرع كالنذر و ما بجرى مجراه. و قيل: عهد الله تعالى الايمان به و الطاعه له فانه تعالى عهد الى عباده ان يومنوا به و يطيعوه بنصب الدلائل و ارسال الرسل و انزال الكتب و للوفاء به عرض عريض فاول مراتبه الاتيان بكلمتى الشهاده و آخرها الاستغراق فى بحر التوحيد بحيث يغفل العبد عن نفسه فضلا عن غيره. \par و قال الزمخشرى: المراد بعهد الله تعالى ماركز فى عقول الخلق من الحجه على التوحيد كانه امر و وصاهم به و وثقه عليهم و هو معنى قوله تعالى: و اشهدهم على انفسهم الست بربكم قالوا بلى و قيل: عهود الله الى خلقه ثلثه: \par عهد اخذه على جميع ذريه آدم و هو ان يقروا بربوبيته و هو قوله تعالى: و اذ اخذ ربك الايه. \par و عهد خص به النبيين و هو ان يبلغوا الرساله و يقيموا الدين و لا يتفرقوا فيه و هو قوله: و اذ اخذنا من النبيين ميثاقهم الايه. \par و عهد خص به العلماء و هو ان يبينوا الحق و لا يكتموه و هو قوله: و اذ اخذ الله ميثاق \par
088    47    الذين اوتوا الكتاب لتبيننه للناس و لا تكتمونه قوله عليه السلام: و اتعب نفسه فى ذاتك اى فى حقك و المراد طاعتك و عبادتك كقوله: فى جنب الله قال البيضاوى: اى فى حقه و هو طاعته. و اجهد نفسه فى مرضاتك اى استفرغ طاقته و بلغ جهده فى تحرى رضاك. و الغرض المبالغه فى السعى و العمل فيما يوجب رضوانه تعالى. \par
089    47    (و لا تواخذنى بتفريطى فى جنبك، و تعدى طورى فى حدودك، و مجاوزه احكامك، \par اخذه الله بذنبه اخذا من باب قتل: عاقبه عليه و آخذه بالمد مواخذه مثله و منه و لو يواخذ الله الناس بظلمهم قال الراغب: تخصيص لفظ المواخذه تنبيه على معنى المجازاه و المقابله لما اخذوه من النعم فلم يقابلوه بالشكر. و فرط فى الامر تفريطا: قصر فيه و ضيعه. و تعدى فلان طوره اى تجاوز حده و قدره و حاله التى تليق به. و حدود الله تعالى قيل احكامه و قيل محارمه التى منع من مقاربتها و ارتكابها لقوله تعالى: تلك حدود الله فلا تقربوها و هو الظاهر لعطفه عليه السلام و قوله و مجاوزه احكامك، على تعدى الطور فى حدوده فيكون من باب عطف العام على الخاص فان الاحكام تشمل المحارم و الواجبات و غيرها. \par
090    47    (قول الصادق (ع) فى تفسير قوله تعالى: سنستدرجهم من حيث لا يعلمون) \par و لا تستدر جنى باملائك لى استدراج من منعنى خير ما عنده و لم يشركك فى حلول نعمته بى) \par قوله عليه السلام: و لا تستدرجنى باملائك لى. \par ورد عن ابى عبدالله عليه السلام فى تفسيره حيث سئل عن قوله تعالى: سنستدرجهم من حيث لا يعلمون فقال: هو العبد يذنب الذنب فيجدد له النعمه معه تلهيه تلك النعمه عن الاستغفار من ذلك الذنب. و فى القاموس: استدراج الله العبد انه كلما جدد خطيئه جدد له نعمه و انساه الاستغفار و ان ياخذه قليلا قليلا و لا يباغته. و الاملاء: الامهال و التاخير \par عن ابى عبدالله عليه السلام: اذا اراد الله بعبد خيرا فاذنب ذنبا اتبعه بنقمه يذكره الاستغفار و اذا اراد بعبد شرا فاذنب ذنبا اتبعه بنعمه لينسيه الاستغفار و يتمادى فيها و هو قوله تعالى: سنستدرجهم من حيث لا يعلمون. \par
091    47    قول بعض ارباب القلوب فى الغفله، \par و نبهنى من رقده الغافلين، و سنه المسرفين، و نعسه المخذولين، \par نبهه من نومه تنبيها: ايقظه. و الرقده: فعله من الرقاد و هو النوم و قيل هو المستطاب من النوم القليل. و غفل عن الشى ء غفولا من باب قعد و غفله و غفلا محركه: سها عنه و لم يتذكره فغاب عن باله و قد يستعمل فيمن تركه اهمالا و اعراضا كما فى قوله تعالى: و هم فى غفله معرضون و هو المراد هنا و لذلك قال ارباب القلوب: الغفله متابعه النفس على ما تشتهيه. و قال سهل بن عبدالله: الغفله: ابطال الوقت بالبطاله. و السنه: اصلها و سن حذف فاوها و عوض عنها الهاء كعده وزنه و هى ما يتقدم النوم من الفتور قال تعالى: لا تاخذه سنه و لا نوم و اسرف على فعله اسرافا: تجاوز الحد و تعدى الطور فهو مسرف قال تعالى: و ان المسرفين هم اصحاب النار اى المتجاوزين فى امورهم. و النعسه و النعاس بالضم: النوم القليل و قيل هو اول النوم. و خذله الله خذلا من باب قتل و خذلانا: ترك اعانته و منعه لطفه فتمادى فى غيه و انهمك فى ضلاله فهو مخذول. \par
092    47    و خذ بقلبى اذا ما استعملت به القانتين و استعبدت به المتعبدين، و استنقذت به المتهاونين \par و اخذت الحظام و بالحظام على زياده الباء اخذا من باب قتل امسكته و قبضت عليه ثم استعمل فى مطلق الاستيلاء على الشى ء بالحس او بالمعنى. و استعملته: جعلته عاملا. وقنت يقنت قنوتا من باب قعد: دعا و خضع و منه كل له قانتون و استعبد الله عباده بالصلوه و الزكوه: طلب منهم ان يعبدوه بها. و تعبد الرجل: بالغ فى العباده فهو متعبد و استنقذته من الشر و انقذته: خلصته منه و منه: و كنتم على شفا حفره من النار فانقذكم منها و تهاون بالامر و استهان به اى استخف و لم يهتم به و المراد بالمتهاونين هنا المتهاونون بالطاعه و العباده. \par
093    47    و اعذنى مما يباعدنى عنك، و يحول بين و بينى حظى منك، و يصدنى عما احاول لديك، \par و عاذنا الله من السوء عصمنا. و باعدته عن الشى مباعده فتباعد: ابعدته فبعد و ايثار صيغه المفاعله لافاده المبالغه فان الفعل متى غولب فيه بولغ فيه قطعا و فائدتها الايذان بان كل ابعاد عنه تعالى مباعده و المراد الابعاد عن ثوابه او طاعته لا الابعاد المكانى تعالى عن ذلك. و حال الشى ء بينى و بينك حيلوله: حجز و منع الاتصال. و الحظ: النصيب. و صددته عن كذا صدا من باب قتل: صرفته و منعته. و حاولت الشى ء احاوله محاوله: اردته و طلبته \par
094    47    و معنى المسابقه الى الخيرات \par و سهل لى مسلك الخيرات اليك، و المسابقه اليها من حيث امرت، و المشاحه فيها على ما اردت). \par و سهل الله الطريق تسهيلا: جعله سهلا لا صعوبه فى سلوكه، و المسابقه الى الخيرات عباره عن فرط الرغبه فيها لان من رغب فى امر حرص ان لا يسبقه اليه غيره و سارع فى الوصول اليه و الاستيلاء عليه، و الشح بالضم: البخل و قيل مع الحرص. و تشاح القوم مشاحه: شح بعضهم على بعض فاذا قيل هم يتشاحون على كذا او بينهم مشاحه عليه فالمعنى يريد كل منهم ان لا يفوته فهو يشح به على الاخر. \par
095    47    و لا تمحقنى فيمن تمحق من المستخفين بما او عدت، \par المحق: نقصان الشى ء حالا بعد حال يقال محقه الله محقا من باب نفع فانمحق نقص و ذهب شيئا فشيئا حتى يفنى كله. و استخف بحقه: استهان به و لم يباله و اوعده ايعادا تهدده \par
096    47    (ان صفاته تعالى توخذ باعتبار الغايات.. دون المبادى التى) \par (هى انفعالات) \par و لا تهلكنى مع من تهلك من المتعرضين لمقتك، \par و الهلاك: عدم الشى ء و فناوه يقال هلك الشى ء هلكا من باب ضرب و هلاكا و الاسم الهلك بالضم مثل قفل و يعدى بالهمزه فيقال اهلكه الله و يعبر به عن العذاب و استيجاب النار اعاذنا الله منها و هو الهلاك و الاكبر و منه: و ان يهلكون الا انفسهم و ما يشعرون و هو المراد هنا. \par و تعرض للامر: تصدى له و طلبه. و المقت: البغض الشديد لمن تراه متعاطيا امرا قبيحا و مقته تعالى عباره عن شديد عذابه و اليم عقابه فان صفاته تعالى توخذ باعتبار الغايات التى هى افعال دون المبادى التى هى انفعالات، \par
097    47    و لا تتبرنى فيمن تتبر من المنحرفين عن سبيلك، \par و تبر يتبر من باب قتل: هلك و يعدى بالتضعيف فيقال تبره تتبيرا و الاسم: التبار بالفتح و منه قوله تعالى: و كلا تبرنا تتبيرا. \par و انحرف عن الطريق انحرافا: مال عنه. \par
098    47    و نجنى من غمرات الفتنه، و خلصنى من لهوات البلوى، و اجرنى من اخذ الاملاء \par و نجاه الله من الهلاك و انجاه بالتضعيف و الهمزه: خلصه. و الغمرات: الشدائد جمع غمره و منه غمرات الموت و الفتنه: المحنه و البلاء و اللهوات: جمع لهاه كحصاه و هى اللحمه المشرفه على الحلق فى اقصى الفم. و البلوى اسم من البلاء. و الاملاء: الامهال. \par
099    47    و حل بينى و بين عدو يضلنى و هوى يوبقنى و منقصه ترهقنى). \par و الحيلوله: الفصل بين الشيئين اى احجز بينى و بين كل عدو يضلنى. و الهوى: ميل النفس الى شهواتها. و اوبقه ايباقا: اهلكه و منه يرتكب الموبقات اى المعاصى. و المنقصه: النقصان و هو الخسران فى الحظ. و ترهقنى اى تغشانى و تلحقنى يقال رهقه يرهقه رهقا من باب تعب اى لحقه و ادركه. \par
100    47    و لا تعرض عنى اعراض من لا ترضى عنه بعد غضبك، \par اعرض عنه اعراضا: صد عنه. و اعراض من: مفعول مطلق مبين لنوع عامله و الاصل اعراضك عمن لا ترضى عنه فحذف المضاف اليه و الجار و اضاف المصدر الى المجرور اجراء له مجرى المفعول به على طريقه حذف الجار و ايصال الفعل، و المعنى من لا يفوز بحصول رضاك عنه بعد ان غضبت عليه بل يستمر عدم رضاك عنه فان المضارع كما يفيد الاستمرار فى الاثبات يفيده فى النفى بحسب المقام كما تقرر فى محله. و الغضب: هيجان النفس لاراده الانتقام و عند اسناده الى الله تعالى يراد به غايته بطريق اطلاق اسم السبب بالنسبه الينا على مسببه القريب ان اريد به اراده الانتقام و على مسببه البعيد ان اريد به نفس الانتقام. \par
101    47    و لا تويسنى من الامل فيك فيغلب على القنوط من رحمتك، \par و يئس من الشى ء يياس ياسا من باب سمع: انقطع رجائه و امله منه و لم يبق له فيه طمع. و الامل هنا بمعنى المامول اطلاقا للمصدر على اسم المفعول كاللفظ بمعنى الملفوظ. و الغلبه: القهر. و القنوط: الياس و قيل من الخير فهو اخص من مطلق الياس. \par
102    47    (معنى قوله تعالى: لا تحملنا ما لا طاقه لنا به) \par و لا تمنحنى بما لا طاقه لى به فتبهظنى مما تحملنيه من فضل محبتك، \par و الامتحان: الابتلاء. و الطاقه: اسم لمقدار ما يمكن الانسان ان يفعله بلا مشقه و منه قوله تعالى: لا تحملنا مالا طاقه لنا به ايما يصعب علينا حمله و مزاولته من التكاليف التى لا يكاد من كلفها يخلو من التفريط لا ما قدره لنا به لعدم جوازه عقلا و نقلا. و قيل: بل هو استعفاء من التكليف بما لا تفى به الطاقه البشريه حقيقه فتمسكت الاشاعره فى جواز تكليف مالا يطاق عقلا و الا لما سئل التخلص منه. \par و اجابت المعتزله على تسليمه بان ذلك لا يدل على جوازه كما ان قول ابراهيم عليه السلام: و لا تخزنى يوم يبعثون لا يدل على ان خزى الانبياء جائز: و بهظه الحمل بهظا من باب منع: اثقله. و الفضل بمعنى الزياده. \par
103    47    و لا ترسلنى من يدك ارسال من لاخير فيه، و لا حاجه بك اليه. و الا انابه له، \par و الارسال هنا: خلاف الامساك يقال ارسله من يده اى خلاه و اطلقه و منه قوله تعالى: و ما يمسك فلا مرسل له من بعده اى لا تخلنى من يدك تخليتك من لا خير فيه و المراد به: من علم الله سبحانه انه لا يفى ء و لا يرجع الى خير ابدا فيمنعه لطفه و يكله الى نفسه و الارسال من اليد مجاز عن اطراح الشى ء و تركه من غير قصد فى ذلك الى اثبات يدوا رسالها كما ان غل اليد و بسطها فى قوله تعالى: و قالت اليهود يد الله مغلوله غلت ايديهم و لعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان مجاز عن محض الجود و البخل من غير قصد الى اثبات يد و غل و بسط و اصله كنايه فيمن يجوز عليه اراده المعنى الحقيقى. و قوله عليه السلام و لا حاجه بك، فيه تاكيد لمضمون ما قبله و الفائده التاكيديه معتبره فى الاطناب كما تقرر فى محله. \par قال بعضهم: و لفظ الحاجه مستعار فى حقه تعالى باعتبار طلبه للطاعه و العباده بالاوامر و غيرها كطلب ذى الحاجه ما يحتاج اليه و سلب الحاجه كنايه عن سلب اللطف به و ترك الاقبال اليه لان اللطف و الاقبال متلازمان للحاجه فنفى الملزوم و اراد اللازم. و قوله عليه السلام و لا انابه له من باب الايغال و هو ختم الكلام بما يفيد نكته يتم المعنى بدونه فان من لا خير فيه و لا حاجه بالله تعالى اليه لا انابه و لا رجوع له اليه تعالى قطعا لكنه ايغال افاد زياده المبالغه فى استمراره على الانهماك فيما هو عليه من الغى و الفساد و عدم انابته و رجوعه عما هو فيه الى سبيل الرشاد اعاذنا الله من ذلك بمنه و كرمه. \par
104    47    و لا ترم بى رمى من سقط من عين رعايتك، و من اشتمل عليه الخزى من عندك \par قوله عليه السلام: و لا ترم بى رمى من سقط من عين رعايتك، رميت الشى ء و رميت به: القيته من يدى و هو هنا مجاز عن سلب اللطف و الخذلان. و سقط فلان من عينى اى من نظرى و معناه: قل اعتنائى به و احترامى له و هو من باب الكنايه. و رعاه يرعاه رعيا و رعايه: حفظه و راقبه و اشتمل عليه الامر: احاط به. و الخزى: الذل و الهوان المقارن للفضيحه و الندامه و قد يكون بمعنى الهلاك و الوقوع فى بليه و المعنى من اشتمل عليه الخزى من جميع جوانبه و احاط به احاطه الثوب بالبدن و السور بالبلد فلا محيص له منه و لا مخرج له عنه و من عندك، متعلق بمحذوف هو حال من الخزى اى كائنا من عندك. \par المراد من الاخذ باليد.. و معنى الغرور، \par بل خذ بيدى من سقطه المتردين و وهله المتعسفين، و زله المغرورين و ورطه الهالكين \par الاخذ باليد مجاز عن الانقاذ يقال اخذ بيده من ورطه اى انقذه منها. و سقط سقوطا: وقع من علو. و تردى فى مهواه: سقط فيها و يكون بمعنى هلك، تفعل من الردى و هو الهلاك. و المراد بالمتردين: اما الهاوون فى مهاوى الغى و الضلال على الاستعاره او الساقطون فى قعر جهنم اعاذنا الله منها و على كل حال فليس المراد من الاخذ باليذ: الانقاذ بعد الوقوع و الخلاص بعد السقوط بل صرفه عن ذلك قبل الوقوع و عدم الاعداد له بحسم اسبابه كما فى قوله تعالى: انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت فليس المراد باذهاب الرجس: ازالته بعد حصوله بل عدم مفارقته كما مر فمعنى خذ بيدى من سقطه المتردين: سلمنى من مثل سقطتهم. \par و الوهله: المره من الوهل بمعنى الفزع يقال و هل و هلا من باب تعب اى فزع فهو و هل و يجوز ان يكون من الوهل بمعنى الغلط و الوهم يقال و هل عن الشى ء و فيه من باب تعب ايضا: غلط فيه. و تعسف الطريق تعسفا و اعتسفته اعتسافا و عسفته عسفا من باب ضرب: اذا سلكته و خبطته على غير هدايه و قصد. و الزله: المره من الزلل و هو زلق الرجل حال المشى و منه زل فى منطقه او فعله زله اى اخطا. و الغرور: سكون النفس الى ما يوافق الهوى و يميل اليه الطبع يقال: غرته نفسه و غره الشيطان و غرته الدنيا غرورا من باب قعد: اذا خدعه كل منها بما يوافق هواه و يميل اليه طبعه. و الورطه كل امر تعسر النجاه منه و الهلاك. و فى الاساس: وقع فى ورطه: فى بليه لا مخلص منها و اصلها: الهوه الغمضه و اصل الهلاك: بطلان الشى ء و عدمه راسا ثم اطلق على استحقاق العذاب و استيجاب النار و هو الهلاك الاكبر و هذا المعنى هو المراد هنا من قوله عليه السلام: و ورطه الهالكين. \par
105    47    و ان الجنه اعظم السعادات \par و عافنى مما ابتليت به طبقات عبيدك و امائك، و بلغنى مبالغ من عنيت به، و انعمت عليه، و رضيت عنه، فاعشته حميدا و توفيته سعيدا \par و عافاه الله من المكروه: وهب له العافيه منه و هى دفاع الله عن العبد ما يسوئه من البلايا و العلل. \par و طبقات الناس: جماعاتهم و اصنافهم المختلفه لان كل جماعه طبقه اى متطابقه و متوافقه و يقال: الناس طبقات اى منازل و درجات بعضها ارفع من بعض و الغرض سئوال المعافاه من اصناف البلايا و انواعها اذ كل طبقه من الناس ذكورا و اناثا لا تنفك عن بليه تخصها و بلغت المنزل بلوغا من باب قعد: وصلته و انتهيت اليه و بلغته اياه تبليغا: اوصلته اليه. و المبالغ: جمع مبلغ كمقعد و مبلغ الشى ء: منتهاه و غايته التى يصل اليها و منه قوله تعالى: ذلك مبلغهم من العلم اى منتهى علمهم الذى لا يكادون يتجاوزونه. و \par
105    47    عنيت بفلان بالبناء للمفعول عنايه: اهتممت بامره. و الانعام: ايصال النعمه. و رضاه تعالى: ثوابه و سخطه: عقابه. و الفاء من قوله: فاعشته عاطفه سببيه اى فبسبب ذلك احييته فى الدنيا حميدا اى محمود الاخلاق و الافعال عندك او حامدا لك على انه فعيل بمعنى مفعول او بمعنى فاعل. و توفيته اى امته و اصل التوفى كونه بمعنى الاستيفاء و هو اخذ الحق كملا لكنه صار حقيقه عرفيه فى اخذ الروح و استيفائها فيقال: توفاه الله: اذا اماته و منه الله يتوفى الانفس حين موتها و سعيدا اى قد وجبت له الجنه لانها اعظم السعادات و لذلك قال تعالى: و اما الذين سعدوا ففى الجنه خالدين فيها. \par
106    47    و طوقنى طوق الاقلاع عما يحبط الحسنات، و يذهب بالبركات، \par الطوق: حلقه مستديره تجعل فى العنق و هى قد تكون خلقه كطوق الحمامه و قد تكون صنعه كطوق الذهب و الفضه و طوقته تطويقا: البسته اياه. و اقلع عن الامر اقلاعا: تركته بالمره. و حبط العمل من باب تعب حبوطا: بطل و فسد و احبطه الله احباطا: ابطله فلم يوجره عليه. قالوا و اصله من حبطت الدابه حبطا بالتحريك: اذا اصابت مرعى طيبا فافرطت فى الاكل حتى تنتفخ فتموت و اسناده الى ما مجاز عقلى من باب اسناد الفعل الى سببه اى عن الذنب الذى يبطل الحسنات و يفسد بسببه. \par فان قلت: هذا يدل على ان الذنب يحبط العمل، و المعروف من مذهب الاماميه القول ببطلان الاحباط و هو اسقاط ما تقدم من ثواب المكلف بمعصيته المتاخره و استدلوا عليه باستلزامه الظلم لان من اطاع و اساء و كانت اسائته اكثر يكون بمنزله من لم يحسن، و بقوله تعالى: فمن يعمل مثقال ذره خيرا يره و الايفاء بوعده واجب فكيف سئل عليه السلام الاقلاع عما يحبط الحسنات؟ \par قلت: اما الكفر الطارى على الطاعات فمحبط بالاجماع و لا خلاف فى ذلك بين الاماميه و اما احباط السيئات للحسنات فالذى عليه اكثر الاماميه كما صرح فى شرح الياقوت القول ببطلانه على ما ذكر، خلافا لجمهور المعتزله و تاولوا ما ورد من الايات الداله على الاحباط كقوله تعالى: لا تبطلوا صدقاتكم بالمن و الاذى و قوله: لا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض ان تحبط اعمالكم و انتم لا تشعرون و قوله: اولئك حبطت اعمالهم الى غير ذلك بانه من باب المجاز على ان المعنى ان فعل هذه الاشياء لاعلى الوجه الذى ينتهض سببا للثواب فاذا فعلت على هذا الوجه الموجب للذم و العقاب كان مفوتا للثواب فاطلق الاحباط على هذا التفويت مجازا. \par اذا عرفت ذلك فعباره الدعاء وارده على هذا الاسلوب من الايات فمعنى الاقلاع عما يحبط الحسنات الاقلاع عما يفوت ثواب الحسنات و هو فعلها على الوجه الذى لا ينتهض سببا للثواب فكانه يحبطها و يبطل ثوابها. و البركات: الخيرات الالهيه. و الذهاب بها عباره عن التسبب فى زوالها و الا فالذاهب بها انما هو الله تعالى. \par كما قال اميرالمومنين صلوات الله عليه: و ايم الله ما كان قوم فى خفض عيش فزال عنهم الا بذنوب اجترحوها لان الله ليس بظلام للعبيد. \par و عن الصادق عليه السلام: ما انعم الله على عبد نعمه فسلبها اياه حتى يذنب ذنبا يستحق بذلك السلب. \par و عنه عليه السلام: قال كان ابى يقول: ان الله قضى قضاء حتما لا ينعم على العبد بنعمه فيسلبها حتى يحدث العبد ذنبا يستحق بذلك النقمه. \par
107    47    (الاشاره الى الاحباط، و ان الذنوب تزيل النعم و تسلبها) \par و اشعر قلبى الازدجار عن قبايح السيئات، و فواضح الحوبات، \par و الاشعار: الباس الشعار بالكسر و هو ما يلى الجسد من الثياب المماسه للشعر اى الزم الازدجار قلبى ملازمه الشعار جسده و الازدجار: افتعال من الزجر و هو المنع و النهى يقال: زجرته فازد جر اى منعته فامتنع. و القبايح: جمع قبيحه من قبح الامر بالضم قباحه: اذا نبت عنه النفس و انكره القلب و العقل. و الفواضح: جمع فاضحه من فضحه فضحا من باب منع اى كشف معائبه و شهره. و الحوبات: جمع حوبه بالفتح و هى الخطيئه و الاثم. \par
108    47    و لا تشغلنى بما لا ادركه الابك عما لا يرضيك عنى غيره. \par و شغله بكذا شغلا من باب منع: \par
108    47    الهاه به. و ادركت ادراكا: بلغته. \par و لما كانت الامور جميعها بيدالله سبحانه فلا يدرك الانسان ما يريده و يطلبه من الخير الا باذنه تعالى و كان من المقرر المعلوم انه تعالى اذا رضى عن عبده هياله اسباب الخيرات و فتح له ابواب المبرات و انا له ما اراد و بلغه اقصى المراد و ما لم يرض عنه منعه خيره بل اعقبه ضيره كما قال سبحانه: و لو ان اهل القرى آمنوا و اتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء و الارض و لكن كذبوا فاخذناهم بما كانوا يكسبون كان من الواجب على العبد ان لا يشتغل بغير ما يرضى عنه سيده الذى لا سبيل الى ادراك شى ء من الخير الا به فانه اذا رضى عنه ما احب و اوجده ما اراد ادراكه من غير تعب فلذلك سئل عليه السلام: ان لا يشغله عما لا يرضيه عنه غيره بطلب ما لا يدركه الا به اذ لا فائده فى الاشتغال به و لا سبيل الى ادراكه بوجه الا باذنه تعالى و اذنه موقوف على رضاه فكان الاشتغال بما لا يرضيه عنه غيره هو الواجب لا غير. \par
109    47    و انزع من قلبى حب دنيا دنيه تنهى عما عندك، و تصد عن ابتغاء الوسيله اليك، و تذهل عن التقرب منك، \par نزعت الشى ء نزعا من باب ضرب: جذبته من مقره و قلعته من موضعه و يستعمل ذلك فى الاعراض كعباره الدعاء و منه: و نزعنا ما فى صدورهم من غل و الحب: انجذاب النفس الى الشى ء الذى يرغب فيه و دنيا تانيث ادنى اى حب متاعها. و الدنيه: الخسيسه الحقيره القدر مونث دنى ء على فعيل. و النهى: الزجر عن الشى ء و صددته عن كذا صدا من باب قتل: منعته و صرفته. و ابتغاء الشى ء: الاجتهاد فى طلبه. و الوسيله فعيله بمعنى ما يتوصل به و يتقرب الى الله عز و جل من فعل الطاعات و ترك المعاصى من وسل الى كذا اى تقرب اليه شى ء. و معنى صد الدنيا عنها انها سبب للصدود عنها كما ذكرناه. و ذهلت عن الشى ء اذهل من باب منع ذهولا: غفلت عنه. \par
110    47    (حسن التفرد بمناجاته تعالى، و ايثار لفظ التزيين للايذان.) \par و زين لى التفرد بمناجاتك بالليل و النهار. \par و زينت له الشى ء تزيينا: اظهرت له حسنه بالفعل او بالقول و المراد به هنا افاضه قوه على استعداد عقله يعلم بها و يظهر له حسن التفرد بمناجاته تعالى و ايثار لفظ التزيين للايذان بان ذلك زينه يتزين بها العقل و النفس كما قال تعالى: و لكن الله حبب اليكم الايمان و زينه فى قلوبكم و تفرد بالشى ء: تخلى به كفرد من باب قتل و افرد افرادا و فرد تفريدا و منه طوبى للمفردين روى بالتخفيف من باب الافعال و بالتشديد من باب التفعيل. و المناجاه: مصدر ناجاه اى ساره و مناجاته تعالى عباره عن دعائه سرا فى الخلوه بل مطلق ذكره سبحانه. \par
111    47    العصمه، لغه و اصطلاحا، \par وهب لى عصمه تدنينى من خشيتك، و تقطعنى عن ركوب محارمك و تفكنى من اسر العظائم، \par العصمه بالكسر لغه اسم من عصمه الله من المكروه يعصمه من باب ضرب اى حفظه و وقاه و منعه عنه و فى الاصطلاح قيل: هى ملكه اجتناب المعاصى مع التمكن منها. و قيل: هى ملكه تمنع الفجور و يحصل بها العلم بمثالب المعاصى و مناقب الطاعات. و قال الراغب: هى فيض الهى يقوى به الانسان على تحرى الخير و تجنب الشر حتى يصير كما نع له من باطنه و ان لم يكن منعا محسوسا. و جمله تدنينى فى محل نصب نعت لها و الدنو: القرب. و الخشيه: خوف يشوبه تعظيم المخشى و اكثر ما يكون عن علم بما يخشى منه و لذلك خص العلماء بها فى قوله تعالى: انما يخشى الله من عباده العلماء و قطعته عن كذا قطعا من باب منع: حبسته عنه و منعته منه. و اصل الركوب: كون الانسان على ظهر حيوان ثم استعير فى المعانى فقيل ركب ذنبا و ارتكبه: اذا اقترفه كانه حمل نفسه عليه. \par و المحارم: جمع محرم كجعفر و هو الحرمه التى لا يحل انتهاكها و المراد بها: ما حرمه الله تعالى و منع منه. و فككت الاسير فكا من باب قتل خلصته من الاسر و هو الشد بالقد. و العظائم: جمع عظيمه و هى النازله و المصيبه الشديده. و قد يعبر بالعظائم عن كبائر الذنوب لانها مصائب فى الدين. و التاء فى عظيمه مثلها فى كبيره اعنى اماره للنقل من الوصفيه الى الاسميه و علامه لكون الوصف غالبا غير مفتقر الى موصوف. و المراد بسوال فكه من اسر العظايم: حفظه من الوقوع فيه لا التخلص بعد الاسر فهو من باب سبحان من صغر جسم البعوضه و كبر جسم الفيل، \par
112    47    و معنى اللهم انى اسئلك \par العفو و العافيه و المعافاه \par وهب لى التطهير من دنس العصيان، و اذهب عنى درن الخطايا، و سربلنى بسربال عافيتك، و ردنى، ردا معافاتك، و جللنى سوابغ نعمائك و ظاهر لدى فضلك و طولك، \par و مثله قوله عليه السلام: وهب لى التطهير من دنس العصيان و اذهب عنى درن الخطايا و الدنس: الوسخ و مثله الدرن و زنا و معنى. و السربال: القميص و الدرع او كل ما يلبس، و سر بلته اياه فتسربل به: البسته اياه فلبسه. و الرداء بالكسر و المد: برد يضعه الانسان على عاتقيه و بين كتفيه فوق ثيابه. و رديته رداء: البسته اياه. و المعافاه: مفاعله من العافيه او من العفو و فى الدعاء: اللهم انى اسالك العفو و العافيه و المعافاه قال ابن الاثير: العفو: محو الذنوب و العافيه: ان تسلم من الاسقام و البلايا و هى الصحه و ضده المرض، و المعافاه هى ان يعافيك الله من الناس و يعافيهم منك اى يغنيك عنهم و يغنيهم عنك و يصرف اذاك عنهم و اذاهم عنك. و قيل هى مفاعله من العفو و هو ان يعفو عن الناس و يعفوا عنه فلا يكون يوم القيمه قصاص. \par و جلله بالثوب: غطاه به. و السوابغ: جمع سابغه و هى الفائضه الواسعه من سبغ الثوب سبوغا من باب قعد: اذا اتسع و كمل و منه سبوغ النعمه و هو اتساعها و اسبغ الله النعمه: افاضها و وسعها. و النعماء: اسم جنس يقع على القليل و الكثير كالنعمه. و ظاهر الله عليه نعمته: تابعها و واترها كانه جعل بعضها ظهرا لبعض اى معينا له و منه ظاهر بين در عين اى طابق و لبس احدهما فوق الاخر. و الفضل: العطاء ابتداء. \par و الطول بالفتح: الغنى و السعه و المن و الزياده فى الفضل. \par
113    47    و ايدنى بتوفيقك و تسديدك، و اعنى على صالح النيه، و مرضى القول، و مستحسن العمل). \par و ايده تاييدا: قواه. و التوفيق لغه: جعل الشى ء موافقا للاخر و عرفا جعل الله فعل عبده موافقا لما يحبه و \par
113    47    يرضاه. و التسديد لغه: التقويم و اصطلاحا تقويم الله تعالى اراده عبده و حركاته نحو الغرض المطلوب اليه ليهجم اليه فى اسرع مده. و صلح الشى ء يصلح صلوحا من باب قعد و صلح بالضم لغه: خلاف فسد فهو صالح و الاسم الصلاح. و النيه لغه: القصد و شرعا توجه القلب نحو الفعل ابتغاء لوجه الله. و رضيت الشى ء و رضيت به رضى: اخترته فهو مرضى. و القول فى الاصل مصدر قال اى نطق ثم اطلق على المقول من باب اطلاق المصدر على اسم المفعول كالخلق بمعنى المخلوق و المراد به هنا اللفظ المفيد لا اللفظ الموضوع لمعنى مفردا كان او مركبا مفيدا كان او غير مفيد على ما اصطلح عليه النحاه لانه ما لم يكن مفيدا لم بكن مرضيا، و لذلك ذهب محققوا المفسرين الى ان المراد بالقول فى قوله تعالى: ما يلفظ من قول الالديه رقيب عتيد ما يوجر عليه او يوزر به و هو الذى يكتبه الملكان و زيفوا قول من ذهب الى انهما يكتبان كل شى ء حتى انينه، و استحسنه استحسانا: عده حسنا. و العمل: الفعل و قيل اخص منه. \par و لا تكلنى الى حولى و قوتى دون حولك و قوتك، \par و كلته الى نفسه: خليت بينه و بين نفسه. و الحول: القدره على التصرف و عرفوا القدره بانها صفه توثر وفق الاراده، و قيل: القدره كون الحى بحيث ان شاء فعل و ان شاء ترك. و القوه هى المعنى الذى يتمكن به الحى من مزاوله الافعال الشاقه. و حوله تعالى عباره عن قدرته و هى تعود الى اعتبار كونه مصدرا لاثاره، و قوته تعود الى كمال قدرته. \par
114    47    و الفرق بين الساهى و الناسى \par و لا تخزنى يوم تبعثنى للقائك، و لا تفضحنى بين يدى اوليائك و لا تنسنى ذكرك، و لا تذهب عنى شكرك، بل الزمنيه فى احوال السهو عند غفلات الجاهلين لالائك، و او زعنى ان اثنى بما او ليتنيه، و اعترف بما اسديته الى، \par و الخزى: الهوان المقترن بالفضيحه يقال: اخزاه الله اى اهانه و فضحه. و بعث الله الميت: احياه. و لقائه تعالى عباره عن لقاء ثوابه او جزائه مطلقا فان حمل على الثواب فسوال عدم الخزى لغرض حصوله مع التعظيم و الاجلال و ان حمل على مطلق الجزاء فالمطلوب عدم الفضيحه. و بين يدى الشى ء عباره عن قدامه. و المعنى لا تفضحنى يوم القيمه قدام اوليائك اذا حشر الخلائق. و انساه الله ذكره جعله ناسيا له بتعرضه للنسيان كما قال تعالى فلما زاغوا ازاغ الله قلوبهم او خذله و خلى بينه و بين الاسباب الموديه الى النسيان بسبب تركه امره و اتباعه هواه كما قيل فى قوله تعالى: و لا تطع من اغفلنا قلبه عن ذكرنا و اتبع هواه. \par و اذهاب الشكر عباره عن عدم التوفيق له بسلب اللطف عنه او بتعرضه لموجبه. و الزمته الامر الزاما: جعلته لازما له اى ثابتا دائما غير مفارق له و لا منقطع عنه من لزم الشى ء لزوما اى ثبت و دام و منه و الزمهم كلمه التقوى و السهو: الغفله و قيل: هو الخطاء الكائن عن غفله و الغفله عن الشى ء ان لا يخطر بباله. و فرق بعضهم بين الساهى و الناسى بان الناسى اذا ذكرته ذكر و الساهى بخلافه. و الالاء: النعم واحدها الى مقصورا و جهل النعمه: لم يقم بشكرها بل اضاعه. و اوزعنى اى الهمنى. و الثناء بالمد: الذكر الجميل و اوليته معروفا اى منحته و انلته و اصله من الولى كالرمى و هو القرب. و اعترف بالشى ء اعترافا: اقر به و اصله اظهار المعرفه به. \par
115    47    و اجعل رغبتى اليك فوق رغبه الراغبين و حمدى اياك فوق حمد الحامدين \par و اسديت اليه: احسنت. و الرغبه الى الله: الابتهال اليه و التضرع له و سوال فضله و احسانه. و فوق: ظرف مكان نقيض تحت نحو زيد فوق السطح ثم استعير للاستعلاء الحكمى اما باعتبار الفضيله نحو: و الذين اتقوا فوقهم يوم القيمه و اما باعتبار العدد نحو: فان كن نساء فوق اثنتين اى اكثر من اثنتين و هو فى عباره الدعاء من هذا الباب اى اجعل رغبتى اليك افضل او ازيد من رغبه الراغبين و مثله قوله: فوق حمد الحامدين و معنى جعله افضل او ازيد: جعل الثواب المترتب عليه اعظم و اوفر من الثواب المترتب على حمد غيره. \par
116    47    (العبد لا يستغنى عن ربه فى كل حال و.. فما معنى التقييد بقوله..؟) \par (و لا تخذلنى عند فاقتى اليك، و لا تهلكنى بما اسديته اليك، و لا \par
116    47    تجبهنى بما جبهت به المعاندين لك، فانى لك مسلم) \par خذله خذلا من باب قتل: ترك اعانته و نصره و الاسم الخذلان بالكسر. و الفاقه: الفقر و الحاجه. \par فان قلت: العبد لا يستغنى عن ربه فى كل حال و فى كل وقت فما معنى التقييد بقوله: عند فاقتى اليك، و هو لا يخلو من الفاقه اليه طرفه عين؟ \par قلت: المقصود بالفاقه هنا حاله الاضطرار التى يتوجه فيها الى اعانته تعالى و نصره و يلجاء اليه فى كشفها عنه كما قال تعالى: ثم اذا مسكم الضر فاليه تجارون لامطلق الحاجه، يدل على ذلك ان الخذلان لا يكون الا عند طلب الاعانه و توقعها لا مطلقا. و الاهلاك هنا بمعنى التعذيب اى لا تعذ بنى فان الهلاك كثيرا ما يستعمل فى العذاب و منه: افتهلكنا بما فعل المبطلون. اسدى اليه: احسن. و انما عبر عليه السلام بالاسداء الذى لا يستعمل الا فى الاحسان لان مراده به الاعمال الصالحه التى قدمها و سعى فى القيام بها و اعتقد القربه بها الى الله تعالى و حسب انها احسان و انه قام برضاء الله و طاعته فيها و هى فى نفسها موجبه للهلاك لعدم وقوعها على الوجه اللائق الموجب لحسنها فى نفسها و كانه تلميح الى قوله تعالى: قل هل ننبئكم بالاخسرين اعمالا، الذين ضل سعيهم فى الحيوه الدنيا و هم يحسبون انهم يحسنون صنعا قال العلامه الطبرسى: اى بطل عملهم و اجتهادهم فى الحيوه الدنيا و هم يظنون انهم محسنون و ان اعمالهم طاعه و قربه. و قال النيسابورى: و يندرج فيه كل من ياتى بعمل خير لا يبتنى على ايمان و اخلاص انتهى. و غرضه عليه السلام طلب العفو و الصفح عنه و عدم المواخذه له على ما كان بهذه المثابه من الاعمال ان وقعت منه. \par و اما ما وقع لبعض المترجمين من ان الاسداء هنا مجرد عن معنى الاحسان و ان المراد بما اسداه: الاعمال السيئه التى قدمها و هو معترف بالاسائه فيها فمن ضيق العطن وجبهته جبها من باب منع: رددته اقبح الرد و لقيته بما يكره. و العناد: الخلاف و \par
116    47    العصيان. و اسلم الله اسلاما و سلم لله تسليما بمعنى اى انقاد لامره و اذعن لحكمه و اطاع و استسلم فى جميع ما قضى و قدر. \par (اعلم ان الحجه لك، و انك اولى بالفضل، و اعود بالاحسان و اهل التقوى، و اهل المغفره و انك بان تعفوا ولى منك بان تعاقب، و انك بان تستر اقرب منك الى ان تشهر، \par العلم هنا بمعنى اليقين و هو التصديق الجازم المطابق الثابت و هو بهذا المعنى يتعدى الى مفعولين نحو علمت زيدا قائما لكنه اذا وقع على ان المشدده و صلتها سدت الجمله مسد المفعولين لا شتمالها على المسند و المسند اليه كعباره المتن، و نحوها: و اعلم انه لا اله الا الله و جمله قوله عليه السلام: اعلم، مستانفه استينافا بيانيا و لذلك جاء بها منفصله عما قبلها كانه سئل كيف انت مسلم؟ فقال: اعلم ان الحجه لك. و الحجه: الدلاله البينه الواضحه من الحج بمعنى القصد كانها تقصد اثبات الحكم و تطلبه و لما كانت احكامه تعالى كلها منوطه بالحق لا جرم كانت الحجه له فى كل حكم فوجب التسليم له. و فلان اولى بكذا اى احق به. و الفضل: الافضال: و عاد بمعروفه يعود عودا من باب قال انعم به و الاسم العائده و لما كان سبحانه الغنى المطلق الذى لا تنقص خزائنه و لا يفره المنع و لا يكديه الاعطاء و الجود كان اولى و اجدر بالافضال و اعود و اكرم بالاحسان و هو اهل لكذا اى مستحق له قال تعالى: هو اهل التقوى و اهل المغفره اى حقيق بان يتقى عقابه و يومن به و يطاع و حقيق بان يغفر لمن آمن به و اطاعه و قيل: هو اهل ان يتقى محارمه و اهل ان يغفر الذنوب و شهرت الشى ء اشهره شهره من باب منع: ابرزته بين الناس و الاسم الشهره بالضم. و فى الاساس: و من المجاز شهرت فلانا استخففت به و فضحته. و فى القاموس: الشهره بالضم: ظهور الشى ء فى شنعه و لما كانت رحمته و فضله و احسانه تعالى من مقتضيات ذاته، و عقابه و انتقامه من مقتضيات ذنوب العباد و جرائمهم الموجبه لذلك لاجرم كان سبحانه بان يعفو اولى منه بان يعاقب و بان يستر اقرب منه الى ان يشهر و لذلك كان عفوه اكثر من عقابه، و غفرانه اوسع من انتقامه. و فى الدعاء: يا عظيم العفو يا واسع المغفره. \par
117    47    (ان الكمالات و الخيرات كلها انوار و اكمل الانوار معرفه الله سبحانه) \par فاحينى حيوه طيبه تنتظم بما اريد، و تبلغ ما احب من حيث لا آتى ما تكره و لا ارتكب ما نهيت عنه، و امتنى ميته من يسعى نوره بين يديه و عن يمينه) \par و الفاء من قوله عليه السلام: فاحينى فصيحه اى اذا كنت بهذه المثابه من الكرم و الجود فاحينى حيوه طيبه و الطيب: ما يستلذه الحواس. \par و عن ابن عباس فى قوله تعالى: فلنحيينه حيوه طيبه هى الرزق الحلال و عن الحسن هى القناعه. و تنتظم بما اريد اى تتصل و تضم من النظم بمعنى ضم الشى ء الى آخر. و تبلغ ما احب اى تنتهى اليه من البلوغ بمعنى الانتهاء الى آخر الامد. و كراهته تعالى للشى ء تعود الى علمه بعدم المصلحه فيه و منه: و لكن كره الله انبعاثهم و ارتكب الذنب: اكتسبه، و الميته بالكسر للحال و الهيئه و اصلها موته قلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها اى كموت من يسعى نوره بين يديه اى قدامه و عن يمينه اى من جهه يمينه. و معنى سعى النور: سعيه بسعى صاحبه متقدما بين يديه و جنيبا له من جهه اليمين. و انما خصت هاتان الجهتان لان ذلك جعل اماره النجاه و لهذا ورد: ان السعداء يوتون صحائف اعمالهم من هاتين الجهتين كما ان الاشقياء يوتونها من شمائلهم و وراء ظهورهم فيحل النور فى الجهتين شعارا لهم. و فيه تلميح الى قوله تعالى: يوم ترى المومنين و المومنات يسعى نورهم بين ايديهم و بايمانهم و الذين آمنوا معه نورهم يسعى بين ايديهم و بايمانهم قال اكثر المفسرين: اذا ذهب اهل الجنه الى الجنه و مروا على الصراط يسعون و سعى بسعيهم نورهم جنيبا و متقدما فيكون دليلهم الى الجنه. \par و اختلف فى حقيقه هذا النور، فقال قتاده يريد بالنور: الضياء الذى يرونه و يمرون فيه. و قال الضحاك: نورهم: هداهم. و عن ابن مسعود مرفوعا: ان كل انسان يحصل \par
117    47    له نور يوم القيمه على قدر ثوابه فمنهم من يضى ء له نور كما بين عدن الى صنعاء و منهم من نوره مثل الجبل و منهم من لا يضى ء له نوره الا موضع قدمه و ادناهم نورا من يكون نوره على ابهامه ينطفى ء مره و يتقد اخرى. و عن مجاهد: ما من عبد الا و ينادى يوم القيمه يا فلان: ها، نورك و يا فلان لا نور لك. \par و قال المحققون: ان الكمالات و الخيرات كلها انوار و اكمل الانوار معرفه الله سبحانه. \par و روى ثقه الاسلام بسنده عن ابى عبدالله عليه السلام فى قوله تعالى: يسعى نورهم بين ايديهم و بايمانهم، قال: ائمه المومنين يوم القيمه تسعى بين يدى المومنين و بايمانهم حتى ينزلوهم منازل اهل الجنه. \par و عن ابى جعفر عليه السلام: من كان له نور يومئذ نجا و كل مومن له نور. \par
118    47    (الفرق بين التواضع و الخشوع، و بيان حقيقه الخلوه و معناها) \par و ذللنى بين يديك، و اعزنى عند خلقك، و ضعنى اذا خلوت بك، و ارفعنى بين عبادك، و اغننى عمن هو غنى عنى و زدنى اليك فاقه و فقرا \par ذلله تذليلا: صيره ذليلا كاذله اذلالا قال الجوهرى: اذله و ذلله و استذله كله بمعنى و هو من الذل بالضم: ضد العز و يعبر عنه بالمهانه و الضعه و الحقاره. و الغرض سواله تعالى افاضه قوه على عقله يقوى بها على قهر النفس و تذليلها للاتصاف بالخضوع و الخشوع و الاستكانه و الافتقار حال عبادته و ملاحظه عظمته و جلاله عز و جل و هو روح العباده. \par و فى الحديث عن ابى عبدالله عليه السلام قال اوحى الله تعالى الى موسى عليه السلام ان يا موسى اتدرى لم اصطفيتك بكلامى دون خلقى؟ قال: يا رب و لم ذاك؟ قال فاوحى الله تعالى اليه: يا موسى انى قلبت عبادى ظهر البطن فلم اجد فيهم احدا اذل لى نفسا منك يا موسى انك اذا صليت وضعت خدك على التراب او قال: على الارض. و اعزه الله اعزازا: جعله عزيزا اى معظما موقرا و عند، هنا للحضور المعنوى و المراد باعزازه عندهم: جعله بحيث تميل قلوبهم الى تعظيمه و توقيره و محبته و اجتناب اذلاله و اهانته و الاستخفاف به ظاهرا و باطنا. و وضعه الله وضعا: حط من قدره و اذله و المراد به هنا جعله متواضعا له خاضعا لعظمته متسما بالذل و الافتقار و العجز اليه سبحانه. قال الراغب: الفرق بين التواضع و الخشوع ان التواضع تعتبر بالاخلاق و الافعال الظاهره و الباطنه و الخشوع يقال باعتبار الجوارح و لذلك قيل: اذا تواضع القلب خشعت الجوارح و قوله عليه السلام: اذا خلوت بك اى اذا انفردت عن الخلق بمناجاتك و ليس المراد الانفراد الجسمانى فقط بل العمده الانفراد بالسر و لذلك عرف ارباب القلوب الخلوه بانها محادثه السرمع الحق بحيث لا يرى غيره من بشر و ملك قالوا: هذا حقيقه الخلوه و معناها و اما صورتها فهو ما يتوصل به الى هذا المعنى من التبتل الى الله تعالى و الانقطاع عن الغير. و قال بعضهم: الخلوه فى الحقيقه خلو السر عن غير الله لا الانقطاع عن الاخوان و لهذا قيل للعارف كائن بائن اى كائن مع الخلق بائن عنهم بالسر- كالبدر يبعد فى السماء محله و كانه معنا لقرب ضيائه. و رفعه الله رفعا من باب منع: شرفه و اعلى منزلته بين العباد. و الغنى: سلب الحاجه الى الغير و اغناه الله: لم يجعل له حاجه الى غيره اى لا تجعل لى حاجه الى من لا حاجه له الى. و لما كان سلب مطلق الحاجه الى الخلق مما لا سبيل اليه فى هذه الدار اذ كان قوام الانسان و معيشته و نظام امره لا يتيسر الا باحتياج بعضهم الى بعض و تعاونهم على اسباب العيش خص عليه السلام سوال اغنائه بان يكون عمن هو غنى عنه حتى لا يحتاج الى مسئلته و لا يفتقر الى فضله و احسانه فخرج بذلك من لابد من الحاجه اليه و عدم الاستغناء عنه ممن لا يستغنى هو ايضاعنه عليه السلام كارباب الصنايع و الحرف و الاجراء و الخدم و نحوهم فانه لابد من حاجته اليهم و حاجتهم اليه. و الزياده: ان ينضم الى ما عليه الشى ء فى نفسه شى ء آخر يقال زدته فازداد. و الفاقه: الحاجه و الفقر. و الفاقه و الخصاصه و الاملاق و المسكنه و المتربه واحد. \par و لما كان كل ممكن مفتقرا فى طرفيه منتهيا فى سلسله الحاجه اليه سبحانه سال عليه السلام ان يزيده فاقه و فقرا اليه و ذلك بتوفيقه للانقطاع اليه تعالى عن غيره من كل وجه فان العبد كلما ازداد انقطاعا الى ربه ازداد فقرا اليه و كان توكله فى قضاء جميع حاجاته عليه و لذلك قال بعضهم: الفقران لا يستغنى الا بالله و رسمه رفض الاسباب. و قالوا: صدق الانقطاع الى الله تعالى ان لا يكون لك حاجه الى غيره و فائده ازدياد الفاقه و الفقر اليه سبحانه ازدياد محبته و شكره و التشرف بكثره دعائه و مناجاته فانه كلما وردت على العبد فاقه و سال ربه رفعها عنه فرفعها وجد لذلك حلاوه فى نفسه و راحه فى قلبه فاوجب له ذلك تجديد الحب لربه و اثمر له شكره عليها و كان ذلك سببا لدعائه و سئواله اولا و لحمده و شكره آخرا فازداد عن ربه رضى و عليه توكلا و اليه توسلا و به غناء و فيما عند غيره زهدا فيحظى بالمنزله عنده و الزلفى لديه. \par
119    47    و اعذنى من شماته الاعداء، و من حلول البلاء، و من الذل و العناء). \par و الشماته: الفرح بمصيبه من تعاديه و يعاديك و حل العذاب يحل بضم الحاء و كسرها حلولا: نزل. و البلاء: الغم و اصابه المكروه قال الراغب: سمى الغم بلاء من حيث انه يبلى الجسم اى يخلقه و الذل: الهوان. و العناء بالفتح و المد: التعب و النصب يقال عنى يعنى من باب تعب: اذا اصابته مشقه. و العناء ايضا من عنا يعنو من باب قعد اى خضع و ذل فهو عان و لما كانت هذه المكروهات مما يشده القلب و يشغله عن التوجه و الاقبال فى الطاعات و العبادات سال عليه السلام اعاذته منها لئلا تعوقه عن توجهه اليه و الاقبال عليه بالاشتغال بمكابدتها و الاهتمام بمزاولتها. \par تغمدنى فيما اطلعت عليه منى بما يتغمد به القادر على البطش لولا حلمه. و الاخذ على الجريره لو لا اناته، \par
120    47    و اذا اردت بقوم فتنه او سوء فنجنى منها لو اذا بك، و اذ لم تقمنى مقام فضيحه فى دنياك فلا تقمنى مثله فى آخرتك، \par فتنه اى عذابه و قيل خزيه و اهلاكه. و قال الراغب: اصل الفتن: ادخال الذهب النار لتظهر جودته و ردائته و يستعمل فى ادخال الانسان النار و قوله: ذوقوا فتنتكم اى عذابكم. و السوء: كل ما يسوء الانسان و يغمه من الامور الدنيويه و الاخرويه و من الاحوال النفسيه و البدنيه و الخارجيه كالهم و الضلال و الامراض و فوات مال و فقد حميم. و انما عطف السوء على الفتنه باو، التى هى لاحد الشيئين دون الواو لان الطالب للنجاه من احدهما هو للنجاه منهما جميعا اطلب فهو من قبيل دلاله النص و المعنى اذا اردت بقوم فتنه او سوء بعد قيام الحجه عليهم و استيجابهم لذلك فنجنى منها و انما افرد الضمير و اعاده الى الفتنه لانها اهم او اعم من السوء اذهى كل شر و فساد او لانها مبدء كل سوء فالنجاه منها نجاه من السوء او تقديره: اذا اردت بقوم فتنه فنجنى منها او سوء فنجنى منه فحذف الثانى لدلاله الاول عليه و نظيره قوله تعالى: و اذا راو تجاره او لهوا الفضوا اليها قال ابوالبقاء انت الضمير لانه اعاده الى التجاره لانها كانت اهم عندهم من اللهو. قال صاحب الكشاف: فان قلت: كيف قال اليها و قد ذكر شيئين؟ قلت: تقديره: اذا راوا تجاره انفضوا اليها و اذار او الهوا انفضوا اليه فحذف احدهما لدلاله المذكور عليه. انتهى. و اللواذ بالكسر: الاعتصام، و انتصابه على الحاليه من مفعول نجنى اى لائذا بك و المقام بالضم: مصدر ميمى بمعنى الاقامه و بالفتح: مصدر بمعنى القيام اى لم تقفنى موقف فضيحه. \par
121    47    المراد باوائل مننه تعالى... و باواخرها \par و اشفع لى اوائل مننك باواخرها، و قديم فوائدك بحوادثها) \par تغمده الله برحمته: ستره بها و البسه اياها. و اطلعت على الشى ء اطلاعا من باب الافتعال: علمت به. و القادر على الشى ء: القوى عليه، المتمكن منه و البطش: الاخذ بعنف عند ثوران الغضب. و الحلم: ضبط النفس و الطبع عن هيجان الغضب. و الجريره: ما يجره الانسان الى نفسه من ذنب. و الاناه على وزن حصاه: اسم من تانى فى الامر. \par و المراد باوائل مننه تعالى: ما افاضه عليه من نعمه الدنيويه و الاخرويه و باواخرها: المستقبل منها. و يحتمل ان يكون المراد بالاوائل: النعم الدنيويه و بالاواخر: النعم الاخرويه. \par (طول العمر فى الغفله و بعد الامل موجب لقسوه القلب و...) \par و لا تمددلى مدا يقسو معه قلبى، و لا تقر عنى قارعه يذهب لها بهائى و لا تسمنى خسيسه يصغر لها قدرى، و لا نقيصه يجهل من اجلها مكانى \par المد: الزياده يقال مد البحر يمد مدا من باب قتل: زاد و مد غيره مدا. زاده يستعمل لازما و متعديا- و مد الله له مدا: امهله و زاد فى عمره و قسوه القلب: غلظه و جفائه و عدم لينه و خشوعه و لما كان طول العمر و مده فى الغفله و بعد الامل موجبا لقسوه القلب و جفائه بحيث لا يتاثر بالمواعظ و لا يخشع لنصح واعظ سال عليه السلام ان لا يكون الامهال له فى الحيوه و الزياده فى العمر و المال امهالا يودى الى قساوه قلبه كما قال تعالى: فطال عليهم الامد فقست قلوبهم قال النيسابورى اى طالت اعمارهم فى الغفله و الامل البعيد فحصلت القسوه فى قلوبهم بسببه. و قرعه امر يقرعه قرعا من باب نفع: فجاه و قرعت الشى ء قرعا من باب نفع ايضا: ضربته بشده و اعتماد بحيث يحصل منه صوت شديد. و القارعه: الداهيه الشديده يقال اصابته قوارع الدهر اى دواهيه و شدائده و منه القارعه للقيمه لانها تقرع القلوب و الاسماع بفنون الافزاع و الاهوال و قوله تعالى: و لا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعه اى داهيه تفجاهم. و البهاء بالفتح و المد: الحسن و الجمال و البهجه و العظمه يقال عليه بهاء الملوك اى بهجتهم و عظمتهم. و لا تسمنى اى لا تولنى و لا تلزمنى و منه: يسومونكم سوء العذاب اى يلزمونكم من قولهم: سامه خسفا اى اولاه و الزمه ذلا. و الخسيسه: الحاله الدنيه الحقيره من خس الشى ء يخس من بابى ضرب و تعب خساسه اى حقر فهو خسيس و الانثى خسيسه يقال: رفعت خسيسته: اذا فعلت ما فيه رفعته. و يصغر: مضارع صغر بالضم: اذا هان و ذهبت مهابته فى اعين الناس. و القدر: الحرمه و المنزله. و النقصيصه: العيب و الخصله الدنيه. و يجهل بها مكانى اى يضاع بها مرتبتى من قولهم: جهل حق فلان اى اضاعه اولا يعلم بها مكانى من الجهل بمعنى الخلو من العلم و اصل المكان: موضع الكون ثم اطلق على المنزله و الرتبه المعنويه لانه يكون فيها معنى. و المعنى لا تسمنى عيبا يستر و يغطى منزلتى و مكانتى التى شرفتنى بها فيجهلها الناس و يستخفون بى. \par
122    47    و لا ترعنى روعه ابلس بها و لا خيفه اوجس دونها \par و راعه روعا من باب قال: افزعه و الروعه: الفزعه. و ابلس الرجل ابلاسا: اذا سكت من باس و هم و منه: فاذا هم مبلسون و فى القاموس: ابلس: يئس و تحير و النسخ القديمه على ضبط ابلس بضم او له و كسر ثالثه و هو الموافق لما فى كتب اللغه من كون ابلس لازما لا غير و اما روايه بضم الاول و فتح الثالث على ما لم يسم فاعله، فهى يقتضى ان الهمزه فى ابلس للتعديه و ان لازمه بلس و لم اقف فيه على نص. و الخيفه: الحاله التى عليها الانسان من الخوف و منه: فاوجس فى نفسه خيفه موسى و تستعمل استعمال الخوف و منه: و الملائكه من خيفته اى من خوفه و اراده هذا المعنى هنا اظهر من الاول. و اوجس الرجل: اذا وجد فى نفسه ما يجده الخائف. و دون، هنا بمعنى عند اى عندها و منه الحديث: من قتل دون ماله (شهيد) اى عنده. \par (الفرق بين الهيبه و الحذر و الرهبه و بين التلاوه و القرائه) \par (اجعل هيبتى فى وعيدك، و حذرى من اعذارك و انذارك و رهبتى عند تلاوه آياتك \par الجمله مستانفه استينافا بيانيا كانه سئل فماذا تريد ان اصنع بك؟ فقال: اجعل هيبتى فى وعيدك و الهيبه و الحذر و الرهبه فى اللغه الفاظ متقاربه المعنى لتضمنها معنى الخوف الذى هو توقع حلول مكروه لكن فرق بينها بان الهيبه: خوف جالب للخضوع عن استشعار تعظيم و اجلال و لذلك فسرها بعضهم بالاجلال و ليس كذلك بل الاجلال ناشى ء عنها، و الحذر: خوف مع تحرز من المخوف، و الرهبه خوف مع انزعاج و اضطراب. و الوعيد فى الشر كالوعد فى الخير قال تعالى: فذكر بالقرآن من يخاف وعيد و معنى جعل هيبته فى وعيده تعالى: قصرها عليه بحيث لا يهاب غيره كما ان المظروف لا يحل غير ظرفه فشبه الوعيد بما يكون محلا و ظرفا للشى ء محيطا به فتكون استعاره بالكنايه. \par روى ان صاحب الدعاء عليه السلام كان فى سجوده فوقع حريق فى داره فلم ينصرف عن صلوته فسئل عن حاله فقال الهتنى النار الكبرى عن هذه النار. و اعذر اعذارا: اتى ما يعذر عليه و صار فى فعله معذورا و معنى اعذار الله تعالى انه اذا عذب من انذره و استوجب عقوبته يكون معذورا و لا يكون لاحد عليه حجه و حاصله كون العذر له فى العقوبه و الانتقام. \par و فى الحديث: ما احد احب اليه العذر من الله و لذلك ارسل الرسل و انزل الكتب اى ما احد احب اليه فى كونه معذورا لا لوم عليه من الله تعالى لئلا يكون للناس عليه حجه. \par و منه قول اميرالمومنين عليه السلام: العمر الذى اعذر الله فيه الى ابن آدم ستون سنه. \par قال العلامه ميثم البحرانى: اعذر اليه: اتاه بالعذر. و اعذار الله اليه: امها له اياه المده المذكوره التى هى مظنه تحصيل الزاد ليوم المعاد فان ما بعد الستين تضعف فيه القوى النفسانيه و البدنيه و تكل عن العمل فمن قصر الى تلك الغايه فقد توجه اللوم عليه و انقطعت حجته بالاعذار اليه. و الانذار: اخبار فيه تخويف و تحذير كما ان التبشير: اخبار فيه سرور يقال انذرته به و انذرته اياه اى اخبرته بانه مخوف يجب الاحتراز منه. و تلوت القرآن تلاوه: قرائته و اصله من تلاه بمعنى تبعه. و قال الراغب: التلاوه تختص باتباع كتب الله المنزله تاره بالقرائه و تاره بالارتسام لما فيه من امر و نهى و ترغيب و ترهيب او ما يتوهم فيه ذلك و هى اخص من القرائه فكل تلاوه قرائه و ليس كل قرائه تلاوه فقوله تعالى: و اذا تتلى عليهم آياتنا هذه بالقرائه و اما قوله: يتلونه حق تلاوته فاتباع له بالعلم و العمل. و قوله تعالى: و اتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان انما استعمل فيه لفظ التلاوه لما كان يزعم الشياطين ان ما تتلوه من كتب الله تعالى- انتهى. و الايات: جمع آيه و هى لغه: العلامه الظاهره و تطلق على كل جمله من القرآن داله على حكم سوره كانت او فصولا او فصلا من سوره و قد يقال لكل طائفه من سور القرآن منقطعه عما قبلها و عما بعدها و على هذا اعتبار آيات السور التى تعد بها السوره و المراد بها هنا المعنى الاول لانه اعم. \par
123    47    و اعمر ليلى بايقاظى فيه لعبادتك، و تفردى بالتهجد لك و تجردى بسكونى اليك و انزال حوائجى بك و منازلتى اياك فى فكاك رقبتى من نارك و اجارتى مما فيه اهلها من عذابك). \par و عمر الله بك منزلك من باب قتل عماره: جعله اهلا. و عماره الليل على الاستعاره شبه ظرف الزمان و هو الليل بظرف المكان و هو المنزل بجامع الظرفيه و ذكر العماره تنبيها على ذلك على طريق الاستعاره المكنيه التخييليه و لك حملها على التبعيه و التمثيليه. و يقظ يقظا من باب تعب و يقظه محركه و يقاظه: خلاف نام و ايقظه بالالف ايقاظا فتيقظ و استيقظ و هو يقظان و هى يقظى. \par و هجد الرجل هجودا من باب قعد: نام و تهجد تهجدا: ترك الهجود اى النوم للصلوه فان صيغه التفعل تجى ء للتجنب كالتاثم و التحرج اى تجنب الاثم و الحرج و منه قوله تعالى: و من الليل فتهجد به اى الق الهجود عن نفسك و اكثر المفسرين على ان التهجد لا يكون الا بعد النوم. و قال بعضهم: ما تنفلت به فى كل الليل يسمى تهجدا. و تجرد للامر تجردا: جد فيه و اجتهد و اصله من التجرد و هو التعرى لان الانسان اذا زاول شيئا عظيما القى عنه فضول ثيابه و ربما نزعها، و التجرد فى اصطلاح ارباب القلوب: القاء ما سوى الله عن القلب و السر و قد يطلق على الانقطاع عن غيره تعالى و الانفراد عن مخالطه الناس بالخلوه و العزله و لعل هذا المعنى هو المراد هنا بقرينه قوله عليه السلام: بسكونى اليك قال الزمخشرى فى الاساس: سكنت الى فلان: استانست به و لا تسكن نفسى الى غيره. و الباء من قوله بسكونى للسببيه او للملابسه و انزل به حاجته: سالها منه و عول عليه فى قضائها. و المنازله: مفاعله من النزول يقال نازله فى الحرب منازله و نزالا اى نزل كل واحد فى مقابله الاخر. قال ابن الاثير فى النهايه و فيه نازلت ربى فى كذا اى راجعته و سالته مره بعد مره. \par فان قلت: ما معنى المفاعله هنا و هى لا تكون الا من اثنين؟ قلت: معناها: افاده المبالغه فى الكيفيه فان الفعل متى غلوب فيه بولغ فيه قطعا او فى الكميه كما فى الممارسه و المحاوله لمداومته على النزول به تعالى فى فكاك رقبته من النار. و اضافه النار الى كاف الخطاب لتهويل امرها كما فى نار الله. و اجاره الله من السوء اجاره: حفظه و وقاه منه. \par
124    47    (اول مراتب الجهل: السهو ثم الغفله ثم الغمره) \par (و لا تذرنى فى طغيانى عامها، و لا فى غمرتى ساهيا حتى حين، و لا تجعلنى عظه لمن اتعظ، و لا نكالا لمن اعتبر. و لا فتنه لمن نظر، و لا تمكربى فيمن تمكر به، و لا تستبدل بى غيرى و لا تغير لى اسما، و لا تبدل لى جسما، و لا تتخذنى هزوا لخلقك و لا سخريا لك، و لا تبعا الا لمرضاتك، و لا ممتهنا الا بالانتقام لك). \par هو يذر الشى ء مثل يسعه اى يدعه و يتركه و ذره اى اتركه قالوا و اماتت العرب ماضيه و مصدره فاذا اريد الماضى قيل: ترك و اذا اريد المصدر قيل تركا و لا يستعمل منه اسم الفاعل. و الطغيان: مجاوزه الحد فى كل امر، و قيل: هو تجاوز الحد فى العصيان. و عمه عمها من باب تعب: اذا تردد متحيرا فهو عامه و عمه و قيل: العمه فى البصيره كالعمى فى البصر و هو التحير و التردد فى الراى. و فى الدعاء تلميح الى قوله تعالى: من يضلل الله فلا هادى له و يذرهم فى طغيانهم يعمهون و المراد بتركه تعالى فى الطغيان خذلانه و منع لطفه. و الغمره: الانهماك فى الباطل قال الراغب: هى معظم الماء الساتر لمقره فجعلت مثلا للجهاله التى تغمر صاحبها، و قيل: الغمره: الماء الذى يغمر القامه شبهت بها الجهاله التى تغمر قلب صاحبها قال تعالى: الذين هم فى غمره ساهون قال ابن عباس اى فى ضلالتهم متمادون و قيل: ان اول مراتب الجهل: السهو ثم الغفله ثم الغمره فتكون الغمره عباره عن المبالغه فى الجهل. و السهو هنا عباره عن الغفله عما امروا به و عما يرادبهم. و حتى بمعنى الى و الحين: المده من الزمان قلت او كثرت. قال الفراء: الحين حينان: حين لا يوقف على حده و الحين الذى فى قوله تعالى: توتى اكلها كل حين باذن ربها سته اشهر و فى هذه الفقره من الدعاء تلميح الى قوله تعالى: فذرهم فى غمرتهم حتى حين قيل اى الى حين الموت و قيل اى الى حين العذاب و قال النيسابورى و التحقيق انه الحاله التى تظهر عندها الحسره و الندامه و ذلك اذا عرفهم الله بطلان ما \par
124    47    كانوا عليه و عرفهم سوء منفلبهم فيشمل الموت و القبر و المحاسبه و النار و وعظه و عظا و عظه من باب وعد: زجره و خوفه من القبيح و ارتكا به و تطلق العظه على ما يتعظ كالموعظه و هو المراد هنا و المعنى لا تجعلنى بسبب ما يلحقنى من المكروه سببا لا تعاظ غيرى و اجتنابه الوقوع فى مثل حالى و النكال بالفتح: اسم من نكل به تنكيلا: اذا عذبه تعذيبا يمتنع من رآه من مباشره سببه و اصله من نكلته عن كذا اى منعته و فطمته و نكلت الدابه قيدتها و منه النكل بالكسر للقيد و اللجام لانهما ما نعان. و اعتبر اى اتعظ و تذكر و هذه الفقره كالتى قبلها و مفادها المبالغه و الالحاح فى الدعاء. قوله عليه السلام: و لا فتنه لمن نظر اى يفتتن بى من نظر الى. و المراد بالفتنه هنا: ما يوقع فى الضلال عن الحق خيرا كان او شرا. \par فالخير بان يخو له من متاع الدنيا ما يحسده عليه من نظر اليه او يميل بسببه اليه ميلا يوجب شغله عن التوجه الى الله و سلوك سبيله. \par و الشر بان يبليه ببلاء و محنه يقول من نظر اليه: لو كان هذا على حق لما اصابه هذا البلاء فيتبرء منه و يقع فيه و هو احد الوجوه التى فسر بها قوله تعالى: ربنا لا تجعلنا فتنه للذين كفروا و مكره تعالى عباره عن استدراجه بطول الصحه و تظاهر النعمه. قال الراغب: من مكر الله امهال العبد و تمكينه من اعراض الدنيا. و الاستبدال: جعل الشى ء مكان آخر و الباء للمقابله اى لا تاخذ و تجعل بمقابلتى غيرى كما قال تعالى: اتستبدلون الذى هو ادنى بالذى هو خير اى اتاخذون الذى هو ادنى بمقابله ما هو خير. و تغيير الشى ء: تبديله بغيره. و الاسم: ما يقع به ذكر المسمى فيعرف به. قال بعضهم: و المراد بعدم تغيير اسمه ان لا يمحو اسمه من ديوان السعداء و يكتبه فى ديوان الاشقياء. و تبديل الجسم: تغييره عن حاله: اما بافه فى الدنيا، او بتشويه بالنار فى الاخره كما ورد فى الدعاء: و لا تشوه خلقى بالنار، و الاتخاذ: الجعل اى لا تجعلنى هزوا للناس. و الهزو بالضم و بضمتين مهموزا: اسم من هزء به هزءا من باب تعب و فى لغه من باب نفع اى سخر منه و استخف به. و السخرى بالضم و الكسر على لفظ المنسوب اسم من سخر منه و به سخرا من باب تعب اى استهزء به وضحك منه احتقارا له و استخفافا \par
124    47    به و معنى جعله سخريا له تعالى مع استحالته عليه جل شانه: انزال الهوان و الحقاره به لان غرض الساخر بمن يسخر منه الازراء به و الاهانه له: و منه قوله تعالى: سخر الله منهم و قوله: الله يستهزى ء بهم و يجوز ان يراد به الاستدراج و الامهال و هو انه كلما احدث ذنبا جدد الله له نعمه و امهله ليزداد اثما ثم ياخذه مغافصه فسمى ذلك سخريا و استهزاء من حيث تشابه الصورتين فيكون الكلام استعاره. و تبع زيد عمروا تبعا من باب تعب: اقتفى اثره و ذلك تاره بالجسم كان يمشى خلفه و تاره بالائتمار و الارتسام و هو المراد هنا. و التبع محركه بمعنى التابع يكون واحدا و جمعا تقول: المصلى تبع لامامه، و الناس تبع لامامهم. و قوله: الا لمرضاتك، استثناء مفرغ اى و لا تجعلنى تابعا لشى ء الا لمرضاتك. و امتهنه امتهانا: ابتذله فى الخدمه و هو افتعال من المهنه قال الاصمعى: المهنه بفتح الميم: الخدمه. و المعنى لا تجعلنى مبتذلا فى الخدمه بشى ء من الاشياء الا بالانتقام لك اى معاقبه اعدائك و مكافاتهم لاجلك. \par
125    47    (ان المومن لا يخرج من الدنيا الا و يوتى بريحان من الجنه يشمه) \par (و اوجدنى برد عفوك، و حلاوه رحمتك و روحك و ريحانك، و جنه نعيمك، و اذقنى طعم الفراغ لما تحب بسعه من سعتك، و الاجتهاد فيما يزلف لديك و عندك و اتحفنى بتحفه من تحفاتك، \par اوجدته الشى ء فوجده: جعلته واجدا له اى مدركا له و ظافرا به. و البرد: خلاف الحر و يعبر به عن الطيب و اللذه فيقال: برد العيش اى طيبه و لذته و عيش بارد اى طيب هنى ء. قال بعضهم: و العرب تصف سائر ما يستلذ بالبروده يشهد لذلك قوله عليه السلام: من وجد برد حبنا فليحمد الله. اراد لذه حبنا. و الحلاوه: خلاف المراره. شبه عليه السلام الرحمه بالعسل فى ميل الطبع اليه و رغبته فيه فاثبت لها الحلاوه على طريق الاستعاره المكنيه التخييليه. و الروح بالفتح: الراحه و هى زوال المشقه و التعب، و قيل: هو الهواء الذى تستلذه النفس و يزيل عنها الهم. و الريحان: الرزق. قيل لاعرابى الى اين؟ قال: اطلب ريحان الله اى من رزقه و قيل: هو الريحان المشموم من ريحان الجنه يوتى به عند الموت فيشمه. \par روى ان المومن لا يخرج من الدنيا الا و يوتى بريحان من الجنه يشمه و قيل كل نباهه و شرف. و قيل: الروح: النجاه من النار و الريحان: الدخول فى دار القرار. و جنه النعيم: اسم للدار الاخره التى وعد المتقون. سميت بذلك لما تضمنه من الانواع التى يتعم بها من الماكول و المشروب و الملبوس و الصور الحسنه و الروايح الطيبه و المناظر البهجه و المساكن العاليه و اللذه و البهجه و السرور و قره الاعين و غير ذلك من النعيم الظاهر و الباطن و فى الدعاء تلميح الى قوله تعالى: فاما ان كان من المقربين، فروح و ريحان و جنه نعيم و الذوق: ادراك طعم الشى ء باللسان. و الفراغ: الخلاص من الاشغال و المهام. و السعه: الغنى و اصلها من السعه: خلاف الضيق. و اجتهد فى الامر: بذل جهده و طاقته فيه. و يزلف لديك اى يقرب، من الزلفه بالضم و هى القربه. و اتحفته بالشى ء اتحافا بررته به و اطرفته. و التحفه بالضم: البر و اللطف و الطرفه و قيل: اصلها و حفه بالواو فابدلت تاء كتراث و تجاه. و تحفاته تعالى: خصائص بره و لطفه. \par و فى الحديث النبوى: ما من يوم و ليله الاولى فيهما تحفه من الله عز و جل. \par
126    47    و اجعل تجارتى رابحه و كرتى غير خاسره، و اخفنى مقامك، و شوقنى لقائك. \par و التجاره: التصدى للبيع و الشراء طلبا للربح و هو الزياده الحاصله فى المبايعه: استعار عليه السلام التجاره لتحصيل الثواب بالطاعه كما فى قوله تعالى: يرجون تجاره لن تبور و الكره: الرجعه من كر كرا من باب قتل اى عاد و رجع، و اخفته اخافه: صيرته خائفا غير آمن. و مقامه تعالى: موقف الحساب الذى يقف به عباده يوم القيمه. و الشوق: اهتياج القلب الى لقاء المحبوب و يتعدى بالتضعيف فيقال شوقته تشويقا. و لقائه تعالى عباره عن لقاء ثوابه خاصه هنا لا متناع لقائه تعالى على الحقيقه اجماعا. \par التوبه النصوح \par و تب على توبه نصوحا لا تبقى معها ذنوبا صغيره و لا كبيره، و لا تذر معها علانيه و لا سريره، \par التوبه فى اللغه: الرجوع، و الهاء فى التوبه لتانيث المصدر و قيل للوحده كضربه و النصوح: المبالغه فى النصح لصاحبها من ان يعود الى ما تاب عنه او الخالصه من الريب من قولهم عسل نصوح اذا كان خالصا من الشمع او هى من النصاحه و هى الخياطه بمعنى انها تنصح من الدين ما مزقته الذنوب او تجمع بين صاحبها و بين اولياء الله و احبائه كما يجمع الخياط بين قطع الثوب. و صغيره بالنصب نعت للذنوب للتاويل بالجماعه و لا كبيره، عطف عليها و لا، زائده لتاكيد النفى و قد تقدم الكلام على الصغائر و الكبائر من الذنوب و علن الامر علونا من باب قعد و علن علنا من باب تعب. ظهر و انتشر فهو عالن و علن و الاسم العلانيه مخففه كثمانيه. و السريره و الستر بمعنى و هو ما يكتم. و المراد ما ظهر من الذنوب و ما خفى منها. \par
127    47    و اللسان الصدق، و الذكر النامى، \par و انزع الغل من صدرى للمومنين، و اعطف بقلبى على الخاشعين، و كن لى كما تكون للصالحين، و حلنى حليه المتقين و اجعل لى لسان صدق فى الغابرين، و ذكرا ناميا فى آخرين، و واف بى عرصه الاولين، \par و نزعت الشى ء نزعا من باب ضرب: قلعته من مكانه و اخرجته من مقره. و الغل بالكسر: الحقد و هو الانطواء على العداوه و البغضاء. قال تعالى: و نزعنا ما فى صدورهم من غل اى ازلنا ما فيها من الاحقاد فلم يكن بينهم الا التواد و التعاطف. و عطفت الشى ء عطفا من باب ضرب: ثنيته و املته فعطف هو عطوفا: مال ثم استعير لميل القلب و الشفقه اذا عدى بعلى فقيل عطف عليه: اذا حن عليه و مال بقلبه اليه و عطفت اليه الرحم: اذا اوجبت عطفه عليه و ميله اليه. و الخشوع: الاخبات و التواضع و المراد بعطف قلبه عليهم: جعله مائلا اليهم محبا لهم فان المرء مع من احب و يحتمل ان يكون الغرض من ذلك: القربه الى الله بمحبتهم فان محبتهم من محبته تعالى. و كن لى اى دم لى و استمر لى من كان التامه. و حليته احليه تحليه: البسته الحليه بالكسر و هى اسم لكل ما يتزين به مصاغ الذهب و الفضه و تطلق الحليه على الصفه و النعت ايضا و المعنيان محتملان هنا و الغرض سئوال اعداده للاتصاف بما اتصف به المتقون من التقوى التى هى عباره عن كمال التوقى عما يضره فى الاخره و قد سبق الكلام عليها و على تفصيل مراتبها قوله عليه السلام: و اجعل لى لسان صدق فى الغابرين، اقتباس من قوله تعالى حكايه عن ابراهيم عليه السلام: و اجعل لى لسان صدق فى الاخرين قال العلامه الطبرسى: اى ثنا، حسنا فى آخر الامم و ذكرا جميلا و قبولا عاما فى الذين ياتون بعدى الى يوم القيمه. و العرب تضع اللسان موضع القول على الاستعاره لان القول يكون بها و يقولون جائنى لسان فلان اى مدحه و ذمه. و الغابرين جمع غابر بمعنى الباقى من غبر غبورا من باب قعد اى بقى. قال: \par خير البرايا من مضى و من غبر \par ائمه عدتهم اثنى عشر \par و معنى كونهم غابرين اى باقين انهم لم ياتوا بعد و لم يخلقوا و هو معنى الاخرين فى الايه الشريفه. و قوله عليه السلام: و ذكرا ناميا فى الاخرين، تاكيد لما قبله فان المراد بالذكر: الصيت الحسن و الذكر الجميل. قال الزمخشرى فى الاساس: و من المجاز لفلان ذكر فى الناس اى صيت و شرف و منه: و انه لذكر لك و لقومك و ناميا اى رفيعا عاليا. و فى الفقرتين دلاله على ان الذكر الجميل مرغوب فيه لعموم اثره و شموله كل زمان و كل مكان بخلاف الحيوه المستعاره فان اثرها لا يجاوز مسكن الحى و لذلك قيل: الذكر الجميل حيوه ثانيه. و وافيت به: جئت به، من وافيت القوم اى جئتهم و اتيتهم. و العرصه: بفتح العين: كل بقعه واسعه ليس فيها بناء و المراد بها هنا البقعه التى تقف فيها الاولون من ارض المحشر اى اوصلنى اليها و احضرنى فيها ليكون حشرى معهم. و قيل: عرصه الدار: ساحتها و قال صاحب المحكم: عرصه الدار: وسطها و فى الاساس: العرصه: ارض الدار. فعلى هذا فيكون المراد بعرصه الاولين: مجتمعهم فى بحبوحه الجنه و المراد بالاولين المشار اليهم بقوله تعالى: و السابقون الاولون من المهاجرين و الانصار قال على بن ابراهيم: هم النقباء و ابوذر و المقداد و سلمان و عمار \par
127    47    و من آمن و صدق و ثبت على ولايه اميرالمومنين. قال النيسابورى: و الظاهر: ان الايه عامه فى كل من سبق الى الهجره و النصره. و قال العلامه الطبرسى: السابقون الاولون هم السابقون الى الايمان و الى الطاعات و انما مدحهم بالسبق لان السابق الى الشى ء يتبعه غيره فيكون متبوعا و غيره تابع فهو امام وداع له الى الخير لسبقه اليه، قال: و فى هذه الايه دلاله على فضل السابقين و مزيتهم على غيرهم لما لحقهم من انواع المشقه فى نصره الدين فمنها: مفارقه العشاير و الاقربين، و منها مباينه المالوف من الدين، و منها نصره الاسلام مع قله العدد و كثره العدو، و منها السبق الى الايمان و الدعاء اليه انتهى. \par
128    47    و سبوغ النعمه \par و تمم سبوغ نعمتك على، و ظاهر كراماتها لدى. \par قوله عليه السلام: و تمم سبوغ نعمتك على، تمام الشى ء: انتهائه الى حد لا يحتاج الى شى ء خارج عنه. و سبغه النعمه سبوغا من باب قعد: اتسعت قال تعالى: و اسبغ عليكم نعمه ظاهره و باطنه قالوا: الظاهره: ما يقف عليها الانسان، و الباطنه: مالا يعرفها. و ظاهرت الشى ء: تابعته و آليته كانه من المظاهره و هى التقويه و المعاونه اى وال و تابع كرامات نعمتك عندى. و الكرامات: جمع كرامه و هى الاسم من الاكرام و هو ان يوصل الى الانسان نفع لا يلحقه فيه غضاضه او جعل ما يوصل اليه شيئا شريفا يوجب تشريفه و اعزازه. \par (العرب تجعل الكرم صفه مدح لكل ممدوح، و نفيه ذما لكل مذموم..) \par (املاء من فوائدك يدى، و سق كرائم مواهبك الى، و جاورلى الاطيبين من اوليائك فى الجنان التى زينتها لاصفيائك، و جللنى شرائف نحلك فى المقامات المعده لاحبائك، \par الجمله الاولى مستانفه استينافا بيانيا و ما بعدها معطوفه عليها كانه سئل كيف اتمم سبوغ نعمتى عليك، و اظاهر كراماتها لديك؟ فقال: املاء من فوائدك يدى و سق كرائم مواهبك الى، و ملاءت الاناء ملاء من باب نفع مهموز الاخر: جعلت فيه مقدار ما ياخذوه و ملاء اليد مجاز عن كثره العطاء يقال ملاء يده بنواله: اذا اجزل له العطيه و اكثر له المنحه و لا يقصد من يتكلم به ملاء و لا يدا بل هو ما وقع مجازا عنه كانهما كلامان متعقبان على حقيقه واحده حتى انه يستعمل و لو كان النوال اضعاف ما يملاء اليدين بل لو كان المعطى اقطع اليدين فاعطاه معط عطاء جز لا لقالوا: ملاء بعطيه يده و نظير ذلك بسط اليد و قبضها فى المجاز عن الجود و البخل. و ساق اليه خيرا منحه اياه و اوصله اليه و اصله من سوق الدابه و هو بعثها على السير. \par و كرائم المواهب: نفايسها و خيارها و العرب تجعل الكرم صفه مدح لكل ممدوح و نفيه ذما لكل مذموم تقول هو سمين كريم، و ما هذه الدار بواسعه و لا كريمه. و جاوره مجاوره: صار جارا له و هو من يقرب مسكنه منك. و الباء فى جاور بى للتعديه كذهب به بمعنى اذهبه اى صيرنى جارا للاطيبين جمع اطيب افعل تفضيل من طاب يطيب طيبا: اذا تعرى من دنس الجهل و الفسق و طهر من نجاسه الخطايا و قبيح الاعمال و لذلك تقول لهم الملائكه: سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين قال جار الله: اراد: طبتم من دنس المعاصى و طهرتم من خبث الخطايا و لذلك عقبه بقوله فادخلوها خالدين ليعلم ان الطهاره من المعاصى هى السبب فى دخول الجنه و الخلود فيها لانها دار طهرها الله من كل دنس فلا يدخلها الا من هو موصوف بصفتها- رزقنا الله بعميم فضله و حسن توفيقه (اللهم آمين بحق محمد و آله الطاهرين). \par و قوله: من اوليائك بيان للاطيبين اى الذين هم اوليائك و يحتمل التبعيض. و الاولياء: جمع ولى فعيل بمعنى فاعل و هو من توالت طاعته لله من غير ان يتخللها عصيان او بمعنى مفعول فهو من توالى عليه احسان الله عز و جل و افضاله. و زينتها اى خلقتها مزينه. \par و فى الحديث: ارض الجنه من ورق و ترابها مسك و اصول اشجارها ذهب و افنانها لولو و زبر جد و ياقوت و الورق و الثمر تحت ذلك و النصوص فى هذا المعنى اكثر من ان تحصى. و الاصفياء: جمع صفى و هو من اصطفاه الله تعالى من عباده اى اختاره منهم و اصطفاوه تعالى يعود الى افاده الكمالات و المعارف عليهم بحسب ما و هبت لهم العنايه الالهيه من \par
128    47    القبول و الاستعداد و جلل الارض المطر بالتثقيل: عمها و طبقها فلم يدع شيئا الا غطى عليه و منه جللت الشى ء: اذا غطيته و الشرائف: جمع شريفه و هى العاليه القدر الرفيعه المنزله و اصلها من الشرف و هو ما علامن الارض. و النحل: جمع نحله بالكسر و هى العطاء بغير عوض و المقامات: جمع مقامه بالفتح هى مفعله من القيام يقال مقام و مقامه كمكان و مكانه و هما فى الاصل اسمان لموضع القيام الا انهم اتسعوا فيهما فاستعملوهما استعمال المكان و المجلس قال الله تعالى: خير مقاما و احسن نديا فالمراد بالمقامات الاماكن و المجالس. و المعده: المهياه من اعددت الشى ء اعدادا اى هياته بحيث يتناول وقت الحاجه اليه و الاحباء: جمع حبيب فعيل بمعنى مفعول او بمعنى فاعل و اطلاقه بالمعنى الاول اشهر. و فى القاموس الحبيب: المحب قالوا محبه الله للعبد: انعامه عليه و محبه العبد له: طلب الزلفى لديه. \par
129    47    و اجعل لى عندك مقيلا آوى اليه مطمئنا و مثابه اتبووها، و اقر عينا). \par و المقيل: المكان الذى يروى اليه راحه للاسترواح الى الازواج و التمتع بمغازلتهن و ملامستهن سمى بذلك لان التمتع به يكون غالبا وقت القيلوله و هى النوم نصف النهار، و قال الازهرى: القيلوله عند العرب: الاستراحه نصف النهار اذا اشتد الحر و ان لم يكن مع ذلك نوم و الدليل على ذلك قوله تعالى: اصحاب الجنه يومئذ خير مستقرا و احسن مقيلا و الجنه لا نوم فيها. و عن ابنى عباس و مسعود: لا ينتصف النهار يوم القيمه حتى يقيل اهل الجنه فى الجنه و اهل النار فى النار. واوى الى منزله ياوى من باب ضرب اويا على فعول بالضم: انضم اليه و نزله و سكنه و اقام به و ربما عدى بنفسه فقيل اوى منزله. و الاطمينان: سكون النفس بعد الانزعاج و اطمان بالموضع: اقام به و اتخذه وطنا. و المثابه: مفعله من الثوب و هو الرجوع يقال: ثاب فلان الى داره يثوب ثوبا من باب قال: اذا رجع اى مكانا رجع اليها و منه قوله تعالى: و اذ جعلنا البيت مثابه للناس اى مكانا يثوب اليه الناس على مرور الاوقات و تبوء المكان: حل به و اقام فيه. و قر عينا يقر من باب ضرب و تعب قره بالضم و هو البرد جعل ذلك كنايه عن السرور لان للسرور دمعه بارده و للحزن دمعه حاره. \par قست الشى بالشى ء و عليه اقيسه قيسا من باب باع و قايسته به مقايسه و قياسا من باب قاتل قدرته على مثاله. و المقياس: المقدار اى لا تجعل عقوبتى بمقدار عظيمات الجرائر منى و الجرائر: جمع جريره و هى ما يجره الانسان من ذنب. قوله عليه السلام: يوم تبلى السرائر اقتباس من قوله تعالى: انه على رجعه لقادر يوم تبلى السرائر قال النيسابورى اى يمتحن ما اسر فى القلوب من العقايد و النيات و ما اخفى من الاعمال الحسنه او القبيحه و حقيقه البلاء فى حقه تعالى يرجع الى الكشف و الاظهار كقوله: و نبلو اخباركم قال الامين الطبرسى: السرائر: اعمال بنى آدم و الفرائض التى اوجبت عليه و هى سرائر بين الله و العبد و تبلى اى تختبر تلك السرائر يوم القيمه حتى يظهر خيرها من شرها و موديها و مضيعها. \par عن معاذ بن جبل قال سئلت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: ما هذه السرائر التى تبلى بها العباد فى الاخره؟ فقال: سرائركم هى اعمالكم من الصلوه و الزكوه و الصيام و الوضوء و الغسل من الجنابه و كل مفروض لان الاعمال كلها سرائر خفيه فان شاء قال الرجل صليت و لم يصل و ان شاء قال توضات و لم يتوضا فذلك قوله يوم تبلى السرائر. و قيل: يظهر الله اعمال كل احد لاهل القيمه حتى يعلموا على اى شى ء اثابه و يكون فيه زياده سرور له و ان يكن من اهل العقوبه يظهر عمله ليعلموا على اى شى ء عاقبه و يكون فى ذلك زياده غم له. و السرائر: ما اسره من خير و شر و ما اظهره من ايمان و كفر. \par و الشك: الارتياب و هو خلاف اليقين. و الشبهه بالضم: الالتباس سميت بذلك لانه تشبه الحق و تلتبس به. قوله عليه السلام: من كل رحمه اى بسبب كل رحمه لك او طريقا كائنا من كل رحمه او طريقا الى كل رحمه عند من اثبت «من» بمعنى الى و هم الكوفيون و اختاره ابن مالك فى التسهيل و شرحه و استدل له بصحه قولك تقربت منه و هو بمعنى تقربت اليه و فى نسخه: من كل وجهه و هو الانسب و الوجهه بكسر الواو: الجهه و قيل هى كل مكان استقبلته. و اجزل له العطاء: اذا اوسعه و اكثره. و القسم: جمع قسمه كسدره و سدر و هى اسم من قسمت الشى ء قسما من باب ضرب: اذا جعلته حصصا و اجزاء و تطلق على النصيب ايضا. و المواهب: جمع موهبه و هى العطيه و النوال: العطاء. و فرت عليه حقه توفيرا اعطيته اياه جميعه و لم انقص منه شيئا. و الحظوظ: جمع حظ كفلس و فلوس و هو النصيب و الافضال: التفضل و هو الاعطاء الذى لا يلزم المعطى. \par
130    47    و اجعل قلبى واثقا بما عندك، و همى مستفرغا لما هو لك. \par و وثقت به اثق بكسر هما ثقه و وثوقا: اعتمدت على وفائه و سكنت اليه. و اللهم: عقد القلب على فعل شى ء قبل ان يفعل خيرا كان او شرا قال: هممت و لم افعل. و استفرغت الشى ء: استقصيته و منه استفرغ مجهوده فى كذا: اذا بذل جهده و طاقته فيه اى اجعل همى جميعه مبذولا لما هو لك من الطاعه و العباده حتى لا اهم و لا اعقد قلبى على شى ء غيره. \par (و استعملنى بما تستعمل به خالصتك و اشرب قلبى عند ذهول العقول طاعتك، و اجمع لى الغنى و العفاف و الدعه و المعافاه و الصحه و السعه و الطمانينه و العافيه، \par استعملته: جعلته عاملا كاعملته نحو استخرجته بمعنى اخرجته غير ان فى استفعل زياده مبالغه اذ لابد للزياده من معنى و خالصه الرجل: من خالصه الود و صافاه المحبه يقال هم خالصتى و التاء فيها جماعه للدلاله على الجمع نحو سائله و وارده و شاربه. قال الرضى: و التاء فى مثل ذلك صفه الجماعه تقديرا كانه قيل جماعه خالصه فحذف الموصوف لزوما للعلم به. و الاشراب: افعال من الشرب يقال شرب هو و اشربته انا: اذا حملته على الشرب و جعلته شاربا. و اشرب فلان حب فلان اى خالطه كانه سقاه و منه قوله تعالى: و اشربوا فى قلوبهم العجل و ذهل يذهل ذهولا: غفل و العقول: جمع عقل و المراد به هنا قوه ادراك الخير و الشر و التمييز بينهما و التمكن من معرفه اسباب الامور ذوات الاسباب و ما يودى اليها و ما يمنع منها و هو بهذا المعنى مناط التكليف و الثواب و العقاب و الغنى يقال على معان: \par احدها- عدم الحاجه مطلقا و ليس ذلك الا لله تعالى و هو المذكور فى قوله تعالى ان الله هو الغنى الحميد. \par و الثانى- قله الحاجه و هو المذكور فى قوله عليه السلام: الغنى: غنى النفس. \par و الثالث- كثره المال بحسب ضروب الناس و هو المراد فى قوله تعالى: و من كان غنيا فليستعفف و المراد هنا المعنى الثانى و اما المعنى الثالث فقد عبر عنه عليه السلام بالسعه و سياتى. و العفاف: حصول حاله للنفس تمتنع بها عن غلبه الشهوات يقال: عف يعف من باب ضرب عفه بالكسر و عفافا بالفتح. و اصله الاقتصار على تناول القليل الجارى مجرى العفافه و هى البقيه من الشى ء. و الدعه: الراحه و خفض العيش و الهاء عوض عن الواو يقال: ودع الرجل بضم الدال و فتحها وداعه بالفتح. و المعافاه: مصدر عافاه الله معافاه اى محاعنه الاسقام و ازال عنه المرض و الصحه بالكسر حاله طبيعيه فى البدن تجرى افعاله معها على المجرى الطبيعى. و السعه: بسطه الرزق و كثره المال و منه: لينفق ذو سعه من سعته و الطمانينه: سكون القلب و عدم قلقه و انزعاجه. و العافيه: دفع جميع المكروهات فى البدن و الباطن فى الدين و الدنيا و الاخره. قال بعضهم: هى لفظ جامع لانواع خير الدارين و لذلك ورد فى الحديث: \par ما سئل الله شيئا احب اليه من ان يسال العافيه. \par
131    47    (الغنى: يقال على معان.. و معنى العافيه، و معنى احباط الحسنه) \par و لا تحبط حسناتى بما يشوبها من معصيتك و لا خلواتى بما يعرض لى من نزغات فتنتك) \par و احبط الله عمله: ابطله. و شابه يشوبه شوبا: خلطه مثل شوب اللبن بالماء فهو مشوب. و المراد بالمعصيه التى تحبط بشوبها الحسنات: ما يفوت ثوابها كالصدقه المشوبه بالرياء و المن و الاذى كما قال تعالى: لا تبطلوا صدقاتكم بالمن و الاذى كالذى ينفق ماله رئاء الناس فلا ينافيه قوله تعالى: و آخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا و آخر سيئا عسى الله ان يتوب عليهم ان الله غفور رحيم \par
131    47    فان المراد بهذا الخلط انهم تعاطوا هذا مره و ذاك مره و لم يشب العمل الصالح ما يفوت ثوابه حتى يحبطه و قد علمت: ان معنى احباط الحسنه عندنا فعلها على الوجه الذى لا ينتهض سببا للثواب لا اسقاط ما تقدم من ثوابها بالمعصيه المتاخره و لعل هذا هو السر فى التعبير بالواو دون الباء فى الايه الشريفه فان قولك: خلطت الماء باللبن يقتضى ايراد الماء على اللبن دون العكس و قولك: خلطت الماء و اللبن: معناه ايقاع الخلط بينهما من غير اختصاص احدهما بكونه مخلوطا و الاخر بكونه مخلوطا به. \par قال العلامه الطبرسى: و فى هذه الايه دلاله على بطلان القول بالاحباط لانه لوصح الاحباط لكان احد العملين اذا طرء على الاخر احبطه و ابطله فلم يجتمعا فلا يكون لقوله: خلطوا، معنى قال و قد يستعمل لفظ الخلط فى الجمع من غير امتزاج يقال خلطت الدراهم و الدنانير انتهى. قلت: و من هنا يظهر ايثار التعبير بالشوب دون الخلط فى عباره الدعاء اذ لابد فى الشوب من الامتزاج و هو الذى يكون سببا للاحباط بمعنى تفويته للثواب فالمراد بالشوب فى الدعاء غير الخلط فى الايه فلا منافاه بينهما. \par و الخلوات: جمع خلوه و هى لغه: الانفراد يقال خلا الرجل بنفسه و خلوت بزيد خلوه اى انفردت به و اصطلاحا: محادثه السر مع الحق بحيث لا يرى غيره هذا حقيقه الخلوه و معناها، و اما صورتها فهو ما يتوصل به الى هذا المعنى من التبتل الى الله تعالى و الانقطاع اليه. و عرض له عارض من باب ضرب: منعه مانع ظهر له يقال سرت فعرض لى فى الطريق عارض من جبل و نحوه اى مانع يمنعنى من المضى. و النزغات: جمع نزغه فعله من النزغ و هو دخول امر فى امر لافساده يقال نزغ الشيطان بين القوم اى دخل بينهم فافسد امرهم و منه: من بعد ان نزغ الشيطان بينى و بين اخوتى و الفتنه: البلاء و الامتحان و اصلها من الفتن و هو ادخال الذهب النار لتظهر جودته و ردائته و تستعمل الفتنه فيما يدفع اليه الانسان من شده و رخاء لامتحان صبره و شكره قال تعالى: و نبلوكم بالشر و الخير فتنه \par قال الراغب: الفتنه فى الشده اظهر معنى و اكثر استعمالا و هى من الافعال التى \par
131    47    تكون من الله و من العبد كالبليه و المصيبه و القتل و العذاب و غير ذلك من الافعال الكريهه و متى كانت من الله تكون على وجه الحكمه و متى كان من الانسان بغير امر الله تكون بضد ذلك و لهذا يذم الله تعالى الانسان بايقاع الفتنه فى كل مكان نحو: و الفتنه اشد من القتل انتهى و المعنى لا تبطل خلواتى بما يمنعنى منها من دخول امر يفسدها من محنه او منحه قدرتها على لتمتحن بها صبرى او شكرى. \par (الفسق، له طبقات ثلث. و الظلم ثلثه انواع) \par (وصن وجهى عن الطلب الى احد من العالمين، و دينى عن التماس ما عند الفاسقين، \par صانه صونا من باب قال: حفظه و طلبت الى زيد اطلب من باب قتل طلبا محركه رغبت اليه اى سالته. و من، للتبعيض. و المراد بالعالمين: عالمى زمانه عليه السلام و المراد بالدين هنا: الطاعه و الايمان و كمال العبوديه. و التماس الشى ء: طلبه. و الفاسقين: جمع فاسق اسم فاعل من فسق فسوقا من باب قعد خرج عن الطاعه و الاسم: الفسق بالكسر و الفسق فى العرف اعم من الكفر يقع بالقليل و الكثير من الذنوب لكن تعورف فيما كانت كثيره و اكثر ما يقال: الفاسق فيمن التزم حكم الشرع و اقر به ثم اخل بجميع احكامه او بعضها قال تعالى: و من كفر بعد ذلك فاولئك هم الفاسقون اى من يستر نعمه الله فقد خرج عن طاعته و انما قيل للكافر الاصلى فاسق لانه خرج عما التزمه العقل و اقتضته الفطره قال تعالى: افمن كان مومنا كمن كان فاسقا فقابل به الايمان فالفاسق اعم من الكافر، و الظالم اعم من الفاسق. \par و قال بعضهم: الفسق: الخروج عن طاعه الله بارتكاب الكبيره التى من جملتها الاصرار على الصغائر و له طبقات ثلث: \par الاولى- التغابى و هو ان يرتكبها احيانا مستقبحا لها. \par و الثانيه- الانهماك و هو ان يعتاد ارتكابها غير مبال بها. \par و الثالثه- الجحود و هو ان يرتكبها مع جحود قبحها و هذه الطبقه من مراتب الكفر فما لم يبلغها الفاسق لا يسلب عنه اسم المومن لاتصافه بالتصديق الذى يدور عليه الايمان و لقوله تعالى: و ان طائفتان من المومنين اقتتلوا و انما سال عليه السلام اولا صيانه وجهه عن الطلب الى احد من العالمين لما فى سئوال الناس من الذل و الدنيه و امتهان النفس مع كراهيه الله سبحانه للمسئله منهم كما وردت به الاخبار عنهم عليه السلام: \par فعن ابى عبدالله عليه السلام: اياكم و سوال الناس فانه ذل فى الدنيا و فقر تعجلونه و حساب طويل يوم القيمه. \par و عنه عليه السلام: رحم الله عبدا عف و تعفف و كف عن المسئله فانه يتعجل الدنيه فى الدنيا و لا يغنى الناس عنه شيئا. \par و عنه عليه السلام: قال قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: ان الله تبارك و تعالى احب شيئا لنفسه و ابغضه لخلقه: ابغض لخلقه المسئله و احب لنفسه ان يسئل و ليس شى ء احب الى الله عز و جل من ان يسئل فلا يستحيى احدكم ان يسئل الله من فضله و لو شسع نعل. \par و عن ابى جعفر عليه السلام: لو يعلم السائل ما فى المسئله ما سال احد احدا و لو يعلم المعطى ما فى العطيه ما رد احدا حدا. و الروايات فى هذا المعنى كثيره. و سئل عليه السلام ثانيا صيانه دينه عن التماس ما عند الفاسقين لما فى ذلك من المنافاه للدين من المعصيه و قله الورع و التعرض لمقت الله سبحانه و سخطه كما تظافرت به الاخبار عنهم (ع): \par فعن الصادق عليه السلام: اتقوا الله وصونوا دينكم بالورع و قووه بالتقيه و الاستغناء بالله انه من خضع لصاحب سلطان و لمن يخالفه على دينه طلبا لما فى يديه من دنياه اخمله الله و مقته عليه و وكله اليه فان هو غلب على شى ء من دنياه فصار اليه منه شى ء نزع الله البركه منه و لم ياجره على شى ء ينفقه فى حج و لا عتق و لا بر. \par و عن جهم بن حميد قال قال لى ابوعبدالله عليه السلام: اما تغشى سلطان هولاء؟ قال: قلت \par لا، قال: و لم؟ قلت: فرارا بدينى قال: و عزمت على ذلك؟ قلت: نعم، قال: الان سلم لك دينك. \par و عن فضيل بن عياض: قال سئلت اباعبدالله عليه السلام عن الورع عن الناس قال: الذى يتورع عن محارم الله و يتجنب هولاء و اذا لم يتق الشبهات وقع فى الحرام و هو لا يعرفه. و الظالمون: جمع ظالم و هو فاعل الظلم. \par قال بعض الحكماء: الظلم ثلثه انواع: \par الاول- بين الانسان و بين الله تعالى و اعظمه الكفر و الشرك و النفاق و لذلك قال تعالى: ان الشرك لظلم عظيم و اياه قصد سبحانه بقوله: الا لعنه الله على الظالمين. \par و الثانى- ظلم بينه و بين الناس و اياه قصد بقوله: انما السبيل على الذين يظلمون الناس. \par و الثالث- ظلم بينه و بين نفسه و اياه قصد بقوله عز و جل: فمنهم ظالم لنفسه و قوله: و لا تقربا هذه الشجره فتكونا من الظالمين اى من الظالمين انفسهم، و كل هذه الثلاثه فى الحقيقه ظلم للنفس فان الانسان اول ما يهم بالظلم فقد ظلم نفسه فان الظالم ابدا مبتدء بنفسه فى الظلم فلهذا قال فى غير موضع: و ما ظلمهم الله و لكن كانوا انفسهم يظلمون انتهى. \par اذا عرفت ذلك فالمراد بالظالمين فى الدعاء ما يتناول الانواع الثلثه من الظلم. \par
132    47    و لا تجعلنى للظالمين ظهيرا، و لا لهم على محو كتابك يدا و نصيرا و حطنى من حيث لا اعلم حياطه تقينى بها و افتح لى ابواب توبتك و رحمتك و رافتك و رزقك الواسع، انى اليك من الراغبين، و اتمم لى انعامك انك خير المنعمين). \par و الظهر، المعين اى لا تجعلنى معينا للظالمين لاجل ظلمهم لان ترتب الحكم على الوصف مشعر بالعليه كما تقرر فى الاصول فلا ينافيه قوله عليه السلام: انصر اخاك ظالما او مظلوما فقيل كيف ينصره ظالما؟ قال يكفه عن الظلم و انما سمى الكف عن الظلم نصرا لانه ينصره بذلك على الشيطان الذى يقويه و على نفسه التى تامر بالسوء. و المحو: الازاله و اذهاب الاثر و المراد به هنا ابطال احكام الكتاب العزيز و عدم العمل باوامره و نواهيه. و يدا اى معينا و مقويا لهم على ذلك و اصله من اليد بمعنى الجارحه لما لها من القوه. و النصير: فعيل بمعنى فاعل من نصرته نصرا من باب قتل اى اعنته و قويته. و حاطه حوطا من باب قال و حيطه و حياطه: حفظه و صانه. و حيث عباره عن مكان \par
132    47    مبهم يشرح بالجمله التى بعده اى احفظنى من حيث لا اعلم ما يراد بى و كانه تلميح الى قوله تعالى سنستدرجهم من حيث لا يعلمون و قوله تقينى بها اى كل سوء فحذف المفعول للتعميم مع الاختصار بقرينه ان المقام مقام المبالغه فى طلب الوقايه. و فتح ابواب التوبه و الرحمه و الرافه و الرزق عباره عن الاعداد للوصول اليها و هو استعاره. و الرافه: ادق من الرحمه و لا تكاد تقع فى المكروه، و الرحمه قد تقع فى المكروه للمصلحه. و جمله انى اليك من الراغبين، تعليل للسئوال او لاعطاء المسئول، و اتمام الانعام: قيل عباره عن فعل ما يقتضيه و تبقيته على صاحبه و الزياده فيه و قيل: اسدائه من غير نقص. و قيل اتمام الانعام: دخول الجنه. و جمله قوله عليه السلام: انك خير المنعمين تعليل للدعاء و مزيد استدعاء للاجابه فان كونه خير المنعمين مقتض لافاضه الانعام و اتمامه. \par
133    47    (طلب الحج و العمره، و معنى ابد الابدين) \par (و اجعل باقى عمرى فى الحج و العمره ابتغاء وجهك يا رب العالمين و صلى الله على محمد و آله الطيبين الطاهرين، و السلام عليه و عليهم ابد الابدين). \par باقى العمر: ما تاخر منه و هو خلاف ماضيه و اصل الحج: القصد و خص فى عرف الشرع بقصد بيت الله الحرام اقامه للنسك. و العمره: اسم من الاعتمار و هو الزياره لان فيها عماره الود و خصت فى عرف الشرع بزياره البيت بشروط مخصوصه مذكوره فى محلها و تسمى الحج الاصغر و ابتغاء الشى ء: الاجتهاد فى طلبه. و وجهه تعالى عباره عن رضوانه و ثوابه لانه الجهه التى امر بابتغائها اى اجعل ما بقى من عمرى مصروفا فى الحج و العمره لاجل طلب رضوانك و ثوابك. و النداء لاظهار مزيد الضراعه و استدعاء الاجابه و ختم الدعاء بالصلوه على محمد و آله لما مر مرارا من ان الدعاء لا يزال محجوبا حتى يصلى على محمد و آل محمد صلوات الله و سلامه عليهم. و الابد: الدهر الطويل الذى ليس بمحدود. و قالت الحكماء: الابد: استمرار الوجود فى ازمنه مقدره غير متناهيه فى جانب المستقبل كما ان الازل استمرار الوجود فى ازمنه مقدره غير متناهيه فى جانب الماضى و الابدين مالا يكون منعدما و معنى ابد الابدين: مده بقاء الباقين على الابد. قال الجوهرى: يقال: لا افعله ابد الابدين كما يقال دهر الداهرين و عوض العائضين و عوض معناه: الابد. \par
001    48    الدعاء الثامن و الاربعون: من ادعيه الصحيفه السجاديه و هو دعائه عليه السلام يوم الاضحى و يوم الجمعه \par \par
001    48    بسم الله الرحمن الرحيم \par (معنى الاضحى) \par يوم الاضحى هو اليوم العاشر من ذى الحجه و هو يوم العيد و اول ايام النحر سمى بذلك لوقوع الاضحى فيه و هو جمع اضحاه لغه فى الاضحيه بضم الهمزه و كسرها اتباعا للحاء و الياء مخففه و الجمع اضاحى و يقال ضحيه ايضا و الجمع ضحايا كعطيه و عطايا و هى الشاه التى تضحى بها اى تذبح ضحوه و يقال الاضحى مرادا به اليوم من غير اضافه يوم اليه. \par
001    48    (معنى المبارك و الفرق بين السوال و الطلب) \par قال صلوات الله و سلامه عليه. \par (اللهم هذا يوم مبارك. و المسلمون فيه مجتمعون فى اقطار ارضك، يشهد السائل منهم و الطالب و الراغب و الراهب و انت الناظر فى حوائجهم) \par البركه: الزياده و النماء من حيث لا يوجد بالحس ظاهرا مكشوفا يشار اليه فاذا عهد من الشى ء هذا المعنى خافيا عن الحس قيل هذه بركه و اشتقاقها من البروك و هو اللزوم و الثبوت لثبوتها فى الشى ء و يوصف بها كل شى ء لزمه و ثبت فيه خير الهى و ليس لضدها اسم معروف و لذلك يقال: قليل البركه و لا يسند فعل البركه الا الى الله تعالى لكون الخير الالهى يفيض و يصدر من حيث لا يحس فلا يقال باركت انافى الشى ء و لا بارك زيد فيه و انما يقال بارك الله فيه فهو مبارك و الاصل مبارك فيه و كل ما وجد فيه خير الهى غير محسوس و زياده خافيه عن الحس فهو مبارك و الى هذه الزياده اشير بما روى: لا ينقص مال من صدقه لا الى النقصان المحسوس حسب ما قال بعض الخاسرين حيث قيل له ذلك فقال بينى و بينكم الميزان. و انما وصف اليوم بكونه \par
001    48    مباركا لما خص به من نماء الاعمال و زياده الثواب فى الطاعات و اجابه الدعوات الواقعه فيه. \par و اجتمع القوم اجتماعا: انضم بعضهم الى بعض. و الاقطار: جمع قطر بالضم كقفل و اقفال و هو الجانب و الناحيه. و يشهد اى يحضر كقوله تعالى: فمن شهد منكم الشهر اى حضر فى الشهر و لم يكون مسافرا و من فى قوله عليه السلام منهم للتبيين، و الفرق بين السئوال و الطلب: ان السئوال يكون بالقول، و الطلب يكون بالقول و الفعل، و السوال يستدعى جوابا اما باللسان او باليد و الطلب قد يفتقر الى جواب و قد لا يفتقر و ان كل سئوال طلب و ليس كل طلب سئوالا. و الراغبه: الاتساع فى الاراده من رغب الشى ء يرغب رغبا من باب تعب اى اتسع و منه حوض رغيب اى متسع. و الرهبه: خوف مع تحرز و اضطراب. و الناظر فى حوائجهم اى المدبر لها من نظرت فى الامر: اذا تدبرته و معنى تدبيره تعالى: تقديره و قضائه كما قال سبحانه: يدبر الامر من السماء الى الارض اى يقدره و يقضيه على حسب ارادته و الجمله فى محل نصب على الحال اى و الحال انك انت الناظر فى حوائجهم اى فيما يفتقرون اليه. \par (الفرق بين الجود و الكرم \par فاسئلك بجودك و كرمك و هو ان ما سئلتك عليك ان تصلى على محمد و آله، \par الجود: افاده ما ينبغى بلا عوض قال الراغب: وصفه تعالى بالجواد لما نبه عليه قوله عز و علا: اعطى كل شى ء خلقه ثم هدى و الكرم: ايثار الغير بالخير، و قيل: الكرم اذا وصف به الله سبحانه فهو اسم لاحسانه و نعمه المتظافره، و قيل: الفرق بين الجود و الكرم ان الجود بذل المقتنيات، و الكرم: الاخلاق و الافعال المحموده. \par و هان عليه الامر هونا من باب قال: اذا سهل و لم يصعب عليه. فالمراد بهو ان ما ساله عليه تعالى حقارته عنده تعالى و قلته لديه بالنسبه الى عظيم جوده و وافر كرمه. \par
002    48    و الفرق بينه تعالى) \par (و بين العبد فى صفه الحلم) \par (و اسئلك اللهم ربنا بان لك الملك، و لك الحمد، لا اله الا انت الحليم الكريم الحنان المنان ذو الجلال و الاكرام بديع السموات و الارض، مهما قسمت بين عبادك المومنين: من خير او عافيه او بركه او هدى او عمل بطاعتك، او خير تمن به عليهم تهديهم به اليك، او ترفع لهم عندك درجه، او تعطيهم به خيرا من خير الدنيا و الاخره ان توفر حظى و نصيبى منه). \par و الحلم فى الانسان عدم انفعال نفسه عن المكروهات الموجبات للغضب و الاضطراب و اما فى حقه تعالى فيعود الى اعتبار عدم انفعاله عن مخالفه عبيده امره و نهيه و كونه لا يستخفه عند عصيانهم غضب و لا يستفزه الى تعجيل الانتقام منهم مع كمال قدرته على ما يشاء غيظ و لا طيش. و الفرق بينه تعالى و بين العبد فى هذا الوصف: ان سلب الانفعال عنه سلب مطلق و سلبه عن العبد سلب عما من شانه ان يكون له ذلك الشى ء فكان عدم الانفعال عنه سبحانه ابلغ و اتم من عدمه عن العبد. \par و بهذا الاعتبار كان حلمه جل شانه اعظم و لما وصفه تعالى بالحلم اردفه بوصفه بالكرم الذى هو كثيرا ما يعبر به عن ايثار الصفح عن الجانى و الاحسان الى المسى ء لاستلزام عظمه الحلم له، و الحنان: الكثير الرحمه لعباده و فى القاموس: الذى يقبل على من اعرض عنه، و المنان: الكثير المن و هو النعمه الثقيله و العطاء الواسع. و ذو الجلال و الاكرام اى صاحب العظمه و الكبرياء و الاحسان و الانعام. و بديع السموات و الارض اى مبدعهما و موجدهما من غير مثال سابق. مهما: كلمه بسيطه لا مركبه من مه و ما الشرطيه خلافا للاخفش و الزجاج و هى اسم لما لا يعقل ضمن معنى الشرط لا حرف شرط عند الجمهور بدليل عود الضمير اليها فى قوله تعالى: مهما تاتنا به من آيه فالضمير المجرور فى به عائد اليها و لا يعود الضمير الا الى الاسم. \par و زعم السهيلى و ابن يسعون: انها تاتى حرفا و اما معناها فهى موضوعه لزياده التعميم بمعنى اى شى ء من الاشياء حقير او خطير قليل او كثير بحيث لا يخرج عنه البعض و لا يستثنى. و قال التفتازانى: وجه كونها اعم هو الوضع او المناسبه على ما قيل ان الزياده فى البناء للزياده فى المعنى و هى من كلم المجازات الجازمه لفعلين شرطا و جوابا تقول مهما تفعل افعل اى اى شى ء تفعل افعل. \par
003    48    (معنى غفران الله لعبده. و القادر هو الذى ان شاء فعل و ان...) \par (و اسئلك اللهم بان لك الملك و الحمد، لا اله الا انت، ان تصلى على محمد عبدك و رسولك و حبيبك و صفوتك و خيرتك من خلقك، و على آل محمد الابرار الطاهرين الاخيار، صلوه لا يقوى على احصائها الا انت، و ان تشركنا فى صالح من دعاك فى هذا اليوم من عبادك المومنين، يا رب العالمين، و ان تغفرلنا و لهم انك على كل شى ء قدير). \par يقال قوى على الامر يقوى من باب علم اذا اطاقه و استطاعه و الاسم: القوه. و الاحصاء: التحصيل بالعدد. و اشركته فى الامر اشراكا: جعلته شريكا و اما شركته من غير الف اشركه من باب تعب فمعناه: صرت له شريكا. و قوله عليه السلام: فى صالح من دعاك، اما على حذف المضاف اليه اى فى صالح دعاء من دعاك، كما يوجد كذلك فى بعض النسخ القديمه او على حذف الموصوف اى للدعاء الصالح فاستغنى عن الموصوف بصفته ثم اضافها الى الداعى. \par و غفران الله لعبده: صونه من ان يمسه العذاب و اصله من الغفر و هو الباس الشى ء ما يصونه عما يفسده و منه المغفر بالكسر و هو ما يلبس عند القتال تحت البيضه. و جمله قوله عليه السلام: انك على كل شى ء قدير، تعليل للدعاء و مزيد استدعاء للاجابه فان كمال قدرته تعالى على جميع الاشياء مقتض لسواله كل شى ء و اجابته كل دعاء اذ لا يعجز عن مسئول و لا يعز عليه انجاح مطلوب. و الشى ء بحسب مفهومه اللغوى يقع على كل ما يصح ان يعلم و يخبر عنه كائنا ما كان على انه فى الاصل مصدر شاء، اطلق على المفعول و اكتفى فى ذلك باعتبار تعلق المشيه به من حيث العلم و الاخبار عنه و قد خص هاهنا بالممكن موجودا كان او معدوما بقضيه اختصاص تعلق القدره به لما انها عباره عن التمكن من الايجاد و الاعدام الخاصين به. و القادر هو الذى ان شاء فعل و ان لم يشا لم يفعل. و القدير هو الفعال لكل ما يشاء و لذلك لا يوصف به غير البارى جل جلاله. \par
004    48    (لم اصب خيرا قط الامنك، و لم يصرف عنى سوء قط احد غيرك) \par (اللهم اليك تعمدت بحاجتى، و بك انزلت اليوم فقرى و فاقتى و مسكنتى و انى بمغفرتك و رحمتك اوثق منى بعملى، و لمغفرتك و رحمتك اوسع من ذنوبى، فصل على محمد و آل محمد و تول قضاء كل حاجه هى لى بقدرتك عليها، و تيسير ذلك عليك، و بفقرى اليك، و غناك عنى، فانى لم اصب خيرا قط الا منك، و لم يصرف عنى سوء قط احد غيرك، و لا ارجو لامر آخرتى و دنياى سواك). \par عمدت الشى ء عمدا من باب ضرب و عمدت اليه و له و تعمدته و اعمدته: قصدته. و تقديم الجار و المجرور فى الفقرتين للقصر اى اليك قصدت بحاجتى لا الى غيرك، و بك انزلت فقرى لا بغيرك. و النزول فى الاصل: انحطاط من علو يقال نزل عن دابته و نزل فى مكان كذا اى حط- رحله فيه. ثم استعمل فى المعانى فقيل نزل به مكروه اى اصابه. و انزلت حاجتى بزيد و عليه اى سالتها منه. و الفقر: فقد ما يحتاج اليه الانسان. و الفاقه: الحاجه و اوسع اى اكثر من قولهم وسع الشى ء بالضم و اتسع اى كثر. \par و تولى الامر: قام به و تقلده اى قم بقضاء كل حاجه هى لى و قط بفتح القاف و ضم الطاء المشدده على افصح اللغات: ظرف مبنى موضوع لاستغراق جميع ما مضى من الازمنه الماضيه فاذا قلت: ما فعلته قط كان معناه فى جميع ما مضى من الزمان. و قوله عليه السلام: الا منك استثناء مفرغ و الظرف مستقر متعلق بمحذوف حال من الخير و التقدير لم اصب خيرا فى حال من الاحوال الا حالكونه منك و الله اعلم. \par
005    48    (اللهم من تهيا و تعبا و اعدو استعد لو فاده الى مخلوق رجاء رفده و نوافله و طلب نيله و جائزته فاليك يا مولاى كانت اليوم تهيئتى و تعبئتى و اعدادى و استعدادى رجاء عفوك و رفدك و طلب نيلك و جائزتك \par اصل التهيئه: احداث هيئه للشى ء و هى الحاله الظاهره يقال هياته للامر فتهيا كانه احدث له حاله تليق بذلك الامر فاتصف بها و تهيا هيئه حسنه اذا صار اليها و تهيا فلان للسفر: جعل نفسه على حاله يقتضيها السفر. و تعبا للامر بمعنى تهيا. و اعددت الشى ء اعدادا: احضرته و جعلته بحيث يتناول بحسب الحاجه و منه قوله تعالى: و اعدوا لهم ما استطعتم من قوه و من رباط الخيل قال العلامه الطبرسى: الاعداد: اتخاذ الشى ء لغيره مما يحتاج اليه فى امره. و استعد للامر اى تاهب و اخذ له عدته. \par و الوفاده بالكسر و تفتح: اسم من وفد القوم عليه وفدا من باب وعدو و فودا اى قدموا و وردوا فهو و افد و هم وفدو وفود. و الرفد بالكسر: العطيه و المعونه اسم من رفده رفدا من باب ضرب اى اعطاه و اعانه. و النوافل: جمع نافله و هى الهبه و العطيه تفضلا و تبرعا من حيث لا يجب و منه نافله الصلوه . و طلب نيله بالنصب عطف على رجاء رفده اى و لاجل طلب نيله اى معروفه. و الجائزه: العطاء. \par
006    48    (و قد وقفت على حديث رواه الحافظ.. هو نص على مذهب الاماميه) \par اللهم فصل على محمد، و آل محمد، و لا تخيب اليوم ذلك من رجائى، يا من لا يحفيه سائل و لا ينقصه نائل، فانى لم آتك ثقه منى بعمل صالح قدمته، و لا شفاعه مخلوق رجوته \par
006    48    الا شفاعه محمد و اهل بيته عليه و عليهم سلامك). \par و احفيت فلانا فى السئوال الحفت فى الطلب منه و شددت فى المسئله حتى شق عليه و تاذى به. و فى القاموس: احفى زيدا: الح عليه و برح به فى الالحاح و المعنى لا يشق عليه و لا يبرح به سوال سائل. و النائل: العطاء اى لا ينقص ما عنده عطاء. و تنكير السائل و النائل لافاده الاستغراق اى كل سائل و كل نائل لان النكره فى سياق النفى تفيد الاستغراق. \par و قوله عليه السلام: الا شفاعه محمد (صلى الله عليه و آله و سلم) استثناء متصل و نصب شفاعه على الاستثناء و اهل بيت محمد صلى الله عليه و آله و سلم عندنا معشر الاماميه: على و فاطمه و الحسنان و يطلق تغليبا على باقى الائمه عليهم السلام و قال جمهور العامه: نسائه صلى الله عليه و آله و سلم من اهل بيته. و قد وقفت على حديث رواه الحافظ السيوطى الشافعى فى الجامع الصغير عن ابن عساكر عن واثله هو نص على مذهب الاماميه من ان نسائه صلى الله عليه و آله و سلم لسن من اهل بيته و هو: \par قوله صلى الله عليه و آله: اول من يلحقنى من اهلى انت يا فاطمه و اول من يلحقنى من ازواجى زينب و هى اطولكن كفا. \par
006    48    هذا نص الحديث و هو كما تراه صريح فى المطلوب و لم يستدل بهذا الحديث على ذلك احد قبل هذا فهو من خواص هذا الكتاب و الله يقول الحق و هو يهدى السبيل . \par
007    48    (و الله ما ينجو من الذنب الا من اقربه) \par (اتيتك مقرا بالجرم و الاسائه الى نفسى، اتيتك ارجو عظيم عفوك الذى عفوت به عن الخاطئين، ثم لم يمنعك طول عكوفهم على عظيم الجرم ان عدت عليهم بالرحمه و المغفره، \par اسات اليه اسائه: ضد احسنت. و لما كان الاقرار من موجبات العفو جعل عليه السلام اتيانه حال اقراره وسيله الى طلب العفو من ربه. \par عن ابى جعفر عليه السلام: قال: و الله ما ينجو من الذنب الا من اقر به. \par و عنه عليه السلام: لا و الله ما اراد الله من الناس الا خصلتين ان بقر و اله بالنعم فيزيدهم و بالذنوب فيغفرها لهم. و العكوف: الاقبال على الشى ء و ملازمته. وعد على برحمتك، اى تفضل على باحسانك و تعطف على بفضلك. اى تحنن و ترحم على بافضالك و مزيد خيرك و توسع على بمغفرتك اى كن واسعا لى بمغفرتك. \par
008    48    فيا من رحمته واسعه، و عفوه عظيم، يا عظيم يا عظيم، يا كريم يا كريم، صل على محمد و آل محمد، وعد على برحمتك و تعطف على بفضلك، و توسع على بمغفرتك) \par اسات اليه اسائه: ضد احسنت. و لما كان الاقرار من موجبات العفو جعل عليه السلام اتيانه حال اقراره وسيله الى طلب العفو من ربه. \par عن ابى جعفر عليه السلام: قال: و الله ما ينجو من الذنب الا من اقر به. \par و عنه عليه السلام: لا و الله ما اراد الله من الناس الا خصلتين ان بقر و اله بالنعم فيزيدهم و بالذنوب فيغفرها لهم. و العكوف: الاقبال على الشى ء و ملازمته. وعد على برحمتك، اى تفضل على باحسانك و تعطف على بفضلك. اى تحنن و ترحم على بافضالك و مزيد خيرك و توسع على بمغفرتك اى كن واسعا لى بمغفرتك. \par
009    48    (ما من عيد للمسلمين، اضحى و لا فطر الا و هو يجدد لال محمد) \par (عليهم السلام فيه حزن) \par (اللهم ان هذا المقام لخلفائك و اصفيائك و مواضع امنائك فى الدرجه الرفيعه التى اختصصتهم بها قد ابتزوها و انت المقدر لذلك لا يغالب امرك، و لا يجاوز المحتوم من تدبيرك كيف شئت و انى شئت، و لما انت اعلم به غير متهم على خلقك و لا ارادتك حتى صار صفوتك و خلفائك مغلوبين مقهورين مبتزين يرون حكمك مبدلا و كتابك منبوذا، و فرائضك محرفه عن جهات اشراعك، و سنن نبيك متروكه، \par المقام: فى الاصل اسم لموضع القيام ثم اتسعوا فيه فاستعملوه استعمال المكان و المجلس قال الله تعالى: خير مقاما و احسن نديا و المراد به هنا قيل: مقام صلوه الجمعه او العيد فيكون على معناه الاصلى من موضع القيام لا بمعنى المكان و المجلس و تكون الاشاره حسيه و يحتمل ان يكون المراد به مقام الامامه و الخلافه فيكون بمعنى المكان المعنوى و الاشاره اليه لتنزيله منزله المشاهد المحسوس بالحس البصرى و عليه فوجه التعرض بمضمون هذا الفصل من الدعاء فى هذا اليوم، \par ما رواه شيخ الطائفه فى التهذيب بسنده عن عبدالله بن دينار عن ابى جعفر عليه السلام قال قال: يا عبدالله ما من عيد للمسلمين اضحى و لا فطر الا و هو يجدد لال محمد فيه حزن، قلت و لم ذاك؟ قال: لانهم يرون حقهم فى يد غيرهم. و الخلفاء: جمع خليفه بمعنى السلطان الاعظم لانه يخلف غيره و ينوب منا به و هو فعيل بمعنى فاعل و الهاء للمبالغه و قيل: يجوز ان يكون بمعنى مفعول لان الله جعله خليفه. قال العلامه الطبرسى: الخليفه و الامام واحد الا ان بينهما فرقا: فالخليفه من استخلف فى الامر مكان من كان قبله فهو ماخوذ من انه خلف غيره و قام مقامه. \par و الامام: ماخوذ من التقدم فهو المتقدم فيما يقتضى وجوب الاقتداء به و فرض طاعته فيما تقدم. و الاصفياء: جمع صفى، فعيل بمعنى مفعول من اصطفاه بمعنى اختاره. و اصطفائه تعالى لهم يعود الى افاضه الكمال و الشرف عليهم. بحسب ما وهبت لهم العنايه الالهيه من القبول و الاستعداد، و المواضع: جمع موضع بكسر الضاد، و فتحها لغه بمعنى المكان مفعل من الوضع و هو القاء الشى ء. و الامناء: جمع امين فعيل بمعنى مفعول من امنته على الشى ء و ائتمنته: اذا وثقت به. و ائتمانه تعالى لهم يعود الى افاضه العنايه الالهيه عليهم قوه يقدرون بها على تبليغ احكامه و اجراء اوامره و نواهيه على حسب ما القى اليهم و افيض عليهم من جهته سبحانه من غير تبديل و زياده و نقصان اذ كان الامين هو الحافظ لما كلف بحفظه على ما هو عليه ليوديه الى مستحقه. \par و بزه ثوبه بزا من باب قتل: سلبه يقال: من عز بز اى من غلب سلب و ابتزه: استلبه قال فى القاموس: البز: اخذ الشى ء بجفاء و قهر كالابتزاز و غلبه غلبا من باب ضرب: قهره و الاسم الغلب بفتحتين و الغلبه ايضا. و ايثار صيغه المفاعله للمبالغه لما مرمن ان الفعل متى غولب فيه بولغ فيه. و الامر: اما بمعنى التقدم بالشى ء او بمعنى الشان من قول او فعل. و قيل: المراد به هنا: القدر النازل على وفق القضاء الالهى و هو تفصيل القضاء و منه قول اميرالمومنين عليه السلام: و لا يرد امرك. و هذا المعنى انسب بالمقام. و جاوزت الشى ء: تعديته. \par و المحتوم: اسم مفعول من حتمت الامر حتما من باب ضرب اى اوجبته و قضيت به جزما. و التدبير فى الامر: التفكر و النظر فى دبره اى فى عاقبته و ما يول اليه. و تدبيره تعالى قيل: يعود الى تصريفه لجميع الذوات و الصفات دائما تصريفا جزئيا و كليا على وفق حكمته و عنايته. و قيل: هو عباره عن تقديره و قيل: عن قضائه لاستحاله الفكر و النظر عليه سبحانه قوله عليه السلام: كيف شئت و انى شئت اى على اى حال شئت و فى اى وقت شئت فكيف لاستغراق الاحوال و انى لاستغراق الازمنه بمعنى متى قوله: غير متهم على خلقك و لا ارادتك اى غير مظنون بك ظلم او جهل فيهما يقال: اتهمته بكذا او اتهمته على كذا اى ظننت به و شككت فى امره. \par و الخلق اما بمعنى المخلوق و المراد به جميع الخلايق او بمعنى التقدير و القضاء و منه لا تبديل لخلق الله اى لما قدره و قضاه و لا، مزيده لتاكيد ما افادته غير من معنى النفى. قوله عليه السلام: حتى صار صفوتك و خلفائك مغلوبين مقهورين مبتزين، حتى هنا للغايه بمعنى الى اى الى ان صار صفوتك اى خالصتك و من اصطفيتهم من خلقك و حكى فى الصفوه التثليث و يقال هو صفوه الله و هم صفوه الله كما يقال هو خالصتى و هم خالصتى و مبتزين: جمع مبتز اسم مفعول من ابتزه كمضطر اسم مفعول من اضطره و الاصل فيهما مبتزز و مضطرر على مفتعل بفتح ما قبل الاخر فسكن اول المثلين و ادغم فى الثانى لتماثلهما و كونهما فى كلمه واحده. \par و النبذ: القاء الشى ء و طرحه لقله الاعتداد به. و فرايضه تعالى: ما فرضه و اوجب العمل به جمع فريضه فعيله بمعنى مفعوله و اشتقاقها من الفرض الذى هو التقدير لان \par
009    48    الفرائض مقدرات و ادخلت فيها الهاء للنقل من الوصفيه الى الاسميه. و تحريف الشى ء ازالته عما هو عليه كانه جعله على حرف اى طرف بعد ان كان مستقرا فى موضعه قال تعالى يحرفون الكلم عن مواضعه اى يزيلون كلام الله عن مواضعه التى وضعه الله تعالى فيها اما لفظا باهماله او تغيير وضعه، و اما معنى بحمله على غير المراد و صرفه عن المعنى الذى انزله الله تعالى فيه الى ما لا صحه له بالقاء الشبه الباطله و التاويلات الزائفه الملائمه لشهواتهم الباطله كما يفعله فى زماننا اهل البدعه. و الجهات: جمع جهه و هى المقصد و المراد بها هنا مقاصد الشرع. و الاشراع: جمع شرع و هو فى الاصل: مصدر شرعت له طريقا اى نهجت له ثم جعل اسما للطريق الواضح ثم استعير للطريقه الالهيه من الدين و هو المعنى المقصود هنا. و فى نسخه قديمه: عن جهات شرائعك، و هى احسن فان جمع الشرع على اشراع لم يسمع فى غير هذه الروايه. و السنن: جمع سنه و هى فى اللغه: الطريقه مرضيه او غير مرضيه و فى اصطلاح الشرع هى الطريقه المسلوكه فى الدين من غير افتراض و لا وجوب فالسنه: ما واظب النبى عليها مع الترك احيانا. \par (قوله عليه السلام صريح فى ان الخلافه و.. انما هو حقهم) \par (باختصاص منه تعالى) \par تنبيهات: \par الاول- قوله عليه السلام: قد ابتزوها، صريح فى ان الخلافه و الولايه و الملك انما هو حقهم باختصاص منه تعالى لهم و المنتحلون لها المتحلون بها من اعدائهم انما سلبوها و غصبوها منهم ظلما و عدوانا فلا يدخل فى عموم قوله تعالى: توتى الملك من تشاء و تنزع الملك ممن تشاء كما يدل على ذلك: \par ما رواه ثقه الاسلام فى الكافى بسنده عن عبد الاعلى مولى آل سام عن ابى عبدالله عليه السلام قال قلت له: قل اللهم مالك الملك توتى الملك من تشاء و تنزع الملك ممن تشاء اليس قد آتى الله بنى اميه الملك؟ قال: ليس حيث تذهب اليه ان الله تعالى آتانا \par
009    48    الملك و اخذته بنواميه بمنزله الرجل الذى يكون له الثوب فياخذه الاخر فليس هو للذى اخذه. \par الثانى- المراد بتقديره تعالى لذلك اما تعيينه له بصفاته و حدوده و كيفياته و زمانه و مكانه و سائر ما يدخل فى خصوصياته بحيث لا ينقص و لا يزيد كما قال تعالى: قد جعل الله لكل شى ء قدرا او كتابته له فى اللوح المحفوظ، او تفصيله الواقع على وفق قضائه على تفسير القضاء بالعلم الاجمالى مما كان و ما هو كائن و القدر بتفصيله الواقع على وفقه فكل ما وقع فى الوجود فهو بقضائه و قدره و ليس المراد خلقه تعالى و ايجاده له حتى يكون ابتزازهم و تغلبهم عن تقديره تعالى لذلك بحيث لا يكون فى وسعهم خلافه كما تزعمه المجبره كيف؟ و لو كان كذلك لنا فى معنى الابتزار و القهر و الغلبه التى لعنهم عليهم السلام على فعله و لناقض الكلام بعضه بعضا بل لم يتوجه عليهم فى ذلك كله لوم و لاذم. و معنى تعلق ارادته و مشيته بالمعاصى ان لا يمنع منها بالجبر و القهر لمنافاته غرض التكليف فلا يتوهم معنى الجبر من قوله عليه السلام: و لا يجاوز المحتوم من تدبيرك كيف شئت و انى شئت و لا من قوله عليه السلام: غير متهم على خلقك و لا ارادتك، هكذا ينبغى ان يفهم هذا المقام فان ظاهره مزله الاقدام و الله ولى التوفيق. \par الثالث- تبديل المبتزين مواضع امناء الله سبحانه لحكمه تعالى و نبذهم كتابه و تحريفهم فرائضه عن جهات شرائعه و تركهم سنن نبيه صلى الله عليه و آله و سلم اظهر من ان يخفى و من اطلع على احوالهم و آثارهم و احكامهم و تتبع المنقول عنهم عرف من مجمل ذلك و مفصله مالا يشك و لا يرتاب معه فى كفرهم و نفاقهم و عنادهم و شقاقهم لعنهم الله تعالى و لنكتف من مجمل ذلك هنا بما شهدوا به على انفسهم و رووه فى صحاحهم و هو ما رواه الحميدى فى الجمع بين الصحيحين فى مسند ابى الدرداء فى الحديث الاول من صحيح البخارى قالت ام الدرداء: دخل على ابوالدرداء و هو مغضب فقلت: ما اغضبك؟ فقال و الله ما اعرف من امر محمد شيئا الا انهم يصلون جميعا. و روى ايضا فى الحديث الاول من صحيح البخارى من مسند انس بن مالك عن الزهرى قال دخلت على انس بن مالك بدمشق \par
009    48    و هو يبكى فقلت ما يبكيك؟ فقال: لا اعرف شيئا مما ادركت الا هذه الصلوه و هذه الصلوه قد ضيعت. \par و فى حديث آخر: ما اعرف شيئا مما كان على عهد رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قيل فالصلوه قال: اليس صنعتم ما صنعتم فيها؟ \par فهذه شهاده من ابى الدرداء و انس بن مالك و هما من اعيان الصحابه بانه ما بقى من شريعه محمد صلى الله عليه و آله و سلم فى ذلك الزمان القريب من عهده صلى الله عليه و آله و سلم الا الاجتماع فى الصلوه ثم يقول انس قد ضيعوا الصلوه. فخذها مجمله تغنيك عن التفصيل و الله يقول الحق و هو يهدى السبيل. \par
010    48    اللهم العن اعدائهم من الاولين و الاخرين و من رضى بفعالهم و اشياعهم و اتباعهم) \par (الراضى بفعل قوم كالداخل فيه معهم و على كل داخل فى باطل اثمان) \par قوله عليه السلام: اللهم العن اعدائهم من الاولين و آلاخرين، اللعن لغه: الطرد و الابعاد قال الجوهرى: اللعن: الطرد و الابعاد من الخير، و اللعنه الاسم و الجمع لعان و لعنات قال الزمخشرى فى الاساس: لعن فلانا اهله: طردوه و ابعدوه و هو لعين و قد لعن الله ابليس: طرده من الجنه و ابعده من جوار الملائكه. \par و قال الراغب: اللعن: طرد و ابعاد على وجه السخط و ذلك من الله تعالى فى الاخره عقوبه و فى الدنيا: انقطاع عن قبول فيضه و توفيقه، و من الانسان دعاء على غيره. و الاعداء: جمع عدو و هو خلاف الولى و الصديق. و العدو يكون للواحد و الاثنين و الجمع و المذكر و المونث بلفظ واحد و قد يثنى و يجمع و يونث و بالوجهين ورد التنزيل فمن الاول: فانهم عدو لى و من الثانى: اذ كنتم اعداء فالف بين قلوبكم و المراد بالاولين: السابقون بالعداوه و البادئون بها و بالاخرين: الذين يلونهم الى يوم الدين. قوله عليه السلام: و من رضى بفعالهم، يقال: رضيت الشى ء و رضيت به: اذا اخترته و احببته و لم تكرهه. و الفعال بالفتح مصدر فعل يقال فعل فعالا مثل ذهب ذهابا و بالكسر: جمع فعل كشعب و اشعاب و بالوجهين وردت الروايه فى الدعاء. \par و عن اميرالمومنين عليه السلام: الراضى بفعل قوم كالداخل فيه معهم و على كل داخل \par
010    48    فى باطل اثمان: اثم العمل به و اثم الرضا به. و الاشياع: جمع شيعه و قيل جمع شيع و هو جمع شيعه كسدره و سدر فهو جمع جمع و شيعه الرجل: اوليائه و انصاره من شايعه على الامر اى تابعه عليه. و الاتباع: جمع تبع بفتحتين كسبب و اسباب و هو اسم يكون واحدا و جماعه يقال: المصلى تبع لامامه و الناس تبع له فاذا كان واحدا كان مصدرا بمعنى ذو تبع و اذا كان جماعه كان اسم جمع لتابع كخادم و خدم و حارث و حرث و اصله من تبع اثره تبعا من باب تعب: اذا قفا اثره و مشى خلفه ثم استعمل فاشيا فى المعانى و منه: فمن تبع هداى فلا خوف عليهم و لا هم يحزنون \par (البحث فى اللعن و انه قد يكون مستحبا، و قد يكون واجبا) \par تنبيهات: \par الاول- دل تصريحه عليه السلام باللعن لاعداء خلفاء الله و اصفيائه على مشروعيه اللعن على من يستحقه بل على استحبابه و ترتب الثواب عليه اذ لو لا ذلك لما صرح به فى هذا اليوم الشريف و جعله من جمله الدعاء الذى يتقرب به الى الله سبحانه و هو مذهبنا معشر الاماميه خلافا لبعض الحشويه القائلين بكراهيته بل حرمته. \par قال بعض المحققين من اصحابنا رضوان الله عليهم ان اللعن قد يكون عباده بالنسبه الى مستحقيه كالصلوه فانها عباده بالنسبه الى مستحقيها و كما يترتب الثواب على القسم الثانى كذا يترتب على القسم الاول اذا وقع فى محله ابتغاء لوجه الله، يدل على ذلك ان الله جل اسمه لعن فى كتابه العزيز فى عده آيات و امر باللعن فى بعضها كقوله تعالى: فلعنه الله على الكافرين لعنهم الله فى الدنيا و الاخره اولئك الذين لعنهم الله و من يلعن الله فلن تجد له نصيرا اولئك عليهم لعنه الله و الملائكه و الناس اجمعين اولئك يلعنهم الله و يلعنهم اللاعنون الذين يتاتى منهم اللعن و يعتد بلعنهم من الملائكه و صالحى الثقلين و لا خفاء فى ان المراد بقوله سبحانه: و الملائكه و الناس اجمعين و بقوله: و يلعنهم اللاعنون: امر الملائكه و الناس و اللاعنين بلعن من لعنهم كقوله: و \par
010    48    المطلقات يتربصن بانفسهن ثلثه قروء اذ لا معنى لكون ذلك اخبارا منه سبحانه اذ لا فائده فيه حينئذ و لانه لو كان خبرا لم يكن مطابقا للواقع اذ ليس الحال فى الواقع كذلك و عدم المطابقه فى خبره جل شانه محال و قد تكرر ذكر اللعن فى كلامه تعالى على وجه افادانه من احب العبادات اليه و كفى به شرفا انه سبحانه جعله وسيله لاثبات دعوى النبوه و حجه على الجاهدين لها فى مباهله نصارى نجر ان حيث قال سبحانه (ثم نبتهل فنجعل لعنه الله على الكاذبين) و لذلك انقطعوا و لجاوا الى الصلح و بذل الجزيه و لم يجدوا الى ترداد القول سبيلا و كذا جعل اللعان بين الزوجين مسقطا للحد عنها و موجبا لنفى الولد عن الملا عن بحيث لا ينسب اليه ابدا و ربما اوجب الحد على المراه اذا نكلت من غير شهود و لا بينه و هذا دليل واضح على اعتنائه سبحانه بشان اللعن حيث رتب عليه مثل هذه الاحكام و قد روى عن النبى (ص) انه لعن جماعه من مرتكبى المعاصى كقوله لعن الله من لعن و الديه و لعن الله من ذبح لغير الله من آوى محدثا و لعن الله من غير منار الارض و قوله صلى الله عليه و آله و سلم لعن الله آكل الربوا و موكله و كاتبه و مانع الصدقه و قوله (ص) لعن الله الخمر و شاربها و ساقيها و بايعها و مبتاعها و عاصرها و معتصرها و حاملها و المحمول اليه و آكل ثمنها الى غير ذلك مما تضمنته كتب الحديث من الطريقين و قد لعن اميرالمومنين عليه السلام جماعه و روى انه كان يقنت فى الصلاه المفروضه بلعن معاويه و عمرو بن العاص و ابى موسى و ابى الاعور الاسلمى لعنهم الله مع انه صلوات الله عليه كان احلم الناس من ذنب و احملهم لجنايه و اعظم قدرا من ان تخرج نفسه الشريفه زله بشر فلولا انه كان يرى لعنهم من اقرب القربات لما كان يتخير محله فى الصلوات المفروضات و كل ذلك مما يفيد علما يقينا بكون اللعن من شعب الدين و شعائره و ما تمسك به بعض الحشويه من ان النبى صلى الله عليه و آله و سلم قال: لا تكونوا لعانين و المومن لا يكون لعانا و ان اميرالمومنين عليه السلام نهى عن لعن اهل الشام فالمراد ان صح ذلك النهى من جعل السب خلقا لهم بسبب المبالغه فيه و الافراط فى ارتكابه بحيث يلعن من يستحق و من لا يستحق لا النهى عن لعن المستحقين كما يزعمه هولاء المفترون و لو اراد ذلك لقال لا تكونوا لاعنين فان بينهما فرقا يعلمه من احاط بدقايق لسان العرب. \par و نقل ابن الجوزى من خط القاضى ابى الحسين محمد بن يزيد ان قوله عليه السلام : \par
010    48    المومن لا يكون لعانا، محمول على من لا يستحق و اما نهى اميرالمومنين عليه السلام عن لعن اهل الشام فانه (ع) كان يرجو اسلامهم و رجوعهم اليه كما هو شان الرئيس المشفق على رعيته و لذلك قال: و لكن قولوا: اللهم اصلح ذات بيننا و هذا قريب من قوله تعالى فى قصه فرعون: فقولا له قولا لينا. \par الثانى- قد يكون اللعن واجبا و جزء للايمان اذا اقتصر المكلف عليه قاصدا به البرائه. \par و بيان ذلك: ان الله سبحانه كما اوجب موالاه اوليائه و مودتهم اوجب معاداه اعدائه و البرائه منهم و لو كانوا اقرب الناس و الصقهم نسبا قال تعالى: لا تجد قوما يومنون بالله و اليوم الاخر يوادون من حاد الله و رسوله و لو كانوا آبائهم او ابنائهم او عشيرتهم \par و المحاده: المعاداه و المخالفه و هذه الايه ناطقه بوجوب معاداه اعداء الله و ان مخالف ذلك لا يمكن ان يكون مومنا و يزيد ذلك ايضاحا ان المشركين لم يكتف الشارع فى اسلامهم و اعتقادهم الالهيه لله سبحانه و نطقهم بها حتى نفوها عن كل ما سواه و كلمه الشهاده ناطقه بذلك و ان نحو اليهودى اذا اسلم يطالب مع التلفظ بكلمتى الشهادتين بان يبرء من كل دين يخالف دين الاسلام و لو كان من العيسويه القائلين بان محمدا رسول الله الى العرب خاصه ما لم يقر بعموم رسالته نعلم من ذلك ان البرائه من اعداء الله جزء الايمان و ان الله سائل عنها يوم القيمه لا محاله و لا ريب ان البرائه تحصل بكل مادل على المعاداه و المجانبه و القطيعه و اللعن و ان كان مما يدل على المجانبه و البرائه التزاما الا انه لا يدل عليها صريحا لقول اميرالمومنين عليه السلام: فاما السب فسبونى فانه لى زكوه و لكم نجاه و اما البرائه فلا تبروا منى فانى ولدت على الفطره و سبقت الى الايمان و الهجره فاذا اقتصر المكلف على اللعن و قصد به البرائه اجزاه و فى هذه الحاله يكون واجبا و جزء من الايمان و مثابا عليه و ان اتى به مع البرائه كان اولى فيكون مستحبا استحبابا موكدا اقتداء بالايات القرآنيه فى لعن اعداء الله تعالى. \par الثالث- قال بعض المحققين من اصحابنا المتاخرين كل فعل او قول اقتضى نزول العقوبه بالمكلف من فسق او كفر فهو مقتض لجواز اللعن لان اللعن من الله تعالى هو الطرد و الابعاد من الرحمه و انزال العقوبه فالفسق و الكفر يقتضيانه و يدل عليه قوله: و \par
010    48    الخامسه ان لعنه الله عليه ان كان من الكاذبين رتب اللعن على الكذب و هو انما يقتضى الفسق و كذا قوله تعالى: و الخامسه ان غضب الله عليها ان كان من الصادقين رتب الغضب على صدقه فى كونها زنت و الزنا ليس بكفر و قوله تعالى: الا لعنه الله على الظالمين اى كل ظالم لان الجمع المعرف للعموم و الفاسق ظالم لنفسه كما برشد اليه قوله تعالى فمنهم ظالم لنفسه حيث جعله سبحانه قسيما للمقتصد و السابق بالخيرات. \par و قد روى ان النبى صلى الله عليه و آله قال: لعن الله الكاذب و لو كان مازحا و لعن جمعا من ذوى المعاصى. \par فان قيل: فيجوز اللعن على كل كاذب؟. \par قلنا: لا ريب ان الكبائر مجوزه للعن لما تلوناه و لان الكبيره مقتضيه لاستحقاق الذم و العقاب فى الدنيا و الاخره و هو معنى اللعن و اما الصغائر فانها تقع مكفره لقوله تعالى: الذين يجتنبون كبائر الاثم و الفواحش الا اللمم فقد فسر بصغائر الذنوب فلهذا لا ينقص ايمان فاعلها و لا يرد شهادته و لا تسقط عدالته، نعم لواصر عليها الحقت بالكبائر و صار اللعن بها سائغا انتهى كلامه فليتامل. \par
011    48    (التقويه من الله: تقويه امر عبده من داخل بالبصيره و من خارج..) (اللهم صل على محمد و آل محمد، انك حميد مجيد، كصلواتك و بركاتك و تحياتك على اصفيائك ابراهيم و آل ابراهيم، و عجل الفرج و الروح و النصره و التمكين و التاييد لهم). \par جمله: انك حميد مجيد، مستانفه على وجه التعليل لسوال الصلوه على محمد و آل محمد اى صل عليهم لانك حميد فاعل ما يوجب الحمد او محمود فى كل افعالك او الحامد عباده على الطاعات. مجيد اى كثير الخير و الاحسان الى عبادك او ذو الكرم الكامل او المبتدى بالعطيه قبل الاستحقاق او الواسع القدره و النعمه فلا يليق بك منع الطالب \par
011    48    عن مطلوبه و هو اقتباس من قوله تعالى: رحمه الله و بركاته عليكم اهل البيت انه حميد مجيد و صلواته تعالى: رحماته و خيراته الناميه المتكاثره و تحياته: سلامه و انواع بره. و الفرج بفتحين: انكشاف الغم. و الروح بالفتح: الراحه. و النصره بالضم: اسم من نصره الله على عدوه نصرا اى اعانه و قواه عليه. و التمكين: مصدر مكنت من الشى ء تمكينا: جعلت له عليه سلطانا و قدره فتمكن و استمكن منه اى قدر عليه و منه قوله تعالى: و لقد مكناكم فى الارض اى اقدرناكم على التصرف فيها. و التاييد: التقويه و هى من الله تعالى تقويه امر عبده من داخل بالبصيره و من خارج بقوه البطش. \par
012    48    (معنى قول ابراهيم و اسماعيل عليهماالسلام: ربنا و اجعلنا مسلمين لك) \par (اللهم و اجعلنى من اهل التوحيد و الايمان بك، و التصديق برسولك و الائمه الذين حتمت طاعتهم ممن يجرى ذلك به و على يديه، آمين رب العالمين) \par التوحيد لغه: مصدر وحدته: اذا جعلته واحدا. و عرفا: التصديق بان الله تعالى واحد لا شريك له. و الايمان هنا بمعنى اذعان النفس للحق على سبيل التصديق. و صدق به تصديقا: اعترف بصدقه. و الائمه: جمع امام و هو الرئيس المقتدى به و الخليفه و حتم عليه الامر حتما من باب ضرب: اوجب جزما اى اوجبت طاعتهم على كل احد. و الغرض من سوال جعله من اهل التوحيد و الايمان و التصديق الزياده و الثبات على ذلك من الاخلاص و الاذعان و الا كان تحصيلا للحاصل فهو كقول ابراهيم و اسمعيل عليهماالسلام: ربنا و اجعلنا مسلمين لك. \par قال العلامه الطبرسى: اى قالا ربنا و اجعلنا مسلمين لك فى مستقبل عمرنا كما جعلتنا مسلمين فى ماضى عمرنا بان توفقنا و تفعل بنا الالطاف التى تدعونا الى الثبات على الاسلام. و قال الزمخشرى: المعنى زدنا اخلاصا و اذعانا لك. انتهى، و قوله عليه السلام: ممن يجرى ذلك به و على يديه، مجرور من بدل بعض من مجرور الاولى فى قوله من اهل التوحيد و ذلك اشاره الى التوحيد و ما عطف عليه فمن للتبعيض كالاولى و يحتمل كونها للبيان لان اهل التوحيد منهم من يجرى ذلك به و على يديه و منهم من و فقه الله لهدايه \par
012    48    خلقه و جعله سببا لارشاد عباده و اجرى على يديه دعوتهم الى سبيل الحق و منهم من لا يكون بهذه المثابه كسائر الامه فمن و مخفوضها فى ذلك فى موضع نصب على الحال و صاحبها اهل التوحيد و آمين: اسم فعل بمعنى استجب. و العالمين: جمع عالم. \par
013    48    (اللهم ليس يرد غضبك الا حلمك، و لا يرد سخطك الا عفوك، و لا يجير من عقابك الا رحمتك و لا ينجينى منك الا التضرع اليك و بين يديك، فصل على محمد و آل محمد، وهب لنا يا الهى من لدنك فرجا بالقدره التى بها تحيى اموات العباد، و بها تنشر ميت البلاد، \par الغضب فى الانسان: ثوران النفس و حركه قوتها الانتقاميه عن تصور الموذى لا راده مقاومته، و اما غضبه تعالى فيعود الى علمه بمخالفه العبد اوامره و عدم طاعته له. و قيل هو عباره عن اراده انتقامه. و السخط: شده الغضب. و سخطه تعالى عباره عن خذلانه من عصاه و اعراضه عنه و انزال العقوبه به. و تضرع اليه تضرعا: اظهر الضراعه و هى الذل و الضعف. و هب لنا من لدنك فرجا اى اعطنا من محض قدرتك من غير سبب معتاد. و الاحياء: اعطاء الحيوه و هى صفه تقتضى الحس و الحركه الاراديه و تفتقر الى البدن و الروح. و الاموات جمع ميت كاقوال جمع قيل و هو عادم الحيوه. و العباد: جمع عبد و المراد به الانسان حرا كان اورقا يذهب الى انه مربوب لباريه عز و جل، و نشر الميت نشورا من باب قعد: حيى و عاش بعد الموت و نشره الله نشرا: احياه. يتعدى و لا يتعدى و يتعدى بالهمزه ايضا فيقال: انشره الله انشارا. \par قال تعالى: ثم اذا شاء انشره و ميت البلاد: الخالى عن النبات و الثمار بالكليه العادم للقوه الناميه و احيائه تهييج القوى الناميه فيه و احداث نضارته بانواع النباتات و هو مستعار من الاحياء الحقيقى الذى هو اعطاء القوه الحساسه كما ان موته مستعار من \par الموت الحقيقى الذى هو عدم الحيوه فى البدن. و البلاد: جمع بلده و فيه تلميح الى قوله تعالى: و الذى نزل من السماء ماء بقدر فانشرنا به بلده ميتا كذلك تخرجون \par
014    48    (شبه (ع) العافيه بالعسل فى اللذه على طريق الاستعاره) \par و لا تهلكنى يا الهى غما حتى تستجيب لى، و تعرفنى الاجابه فى دعائى و اذقنى طعم العافيه الى منتهى اجلى، و لا تشمت بى عدوى، و لا تمكنه من عنقى، و لا تسلطه على) \par قوله عليه السلام: و لا تهلكنى يا الهى غما، اى لا تمتنى من الهلاك بمعنى الموت و منه: ان امرو هلك ليس له ولد او بمعنى لا تعذبنى فان الهلاك كثيرا ما يستعمل بمعنى العذاب و منه: و ان يهلكون الا انفسهم و ما يشعرون و الاول اظهر. \par و نصب غما: اما على المصدريه اى اهلاك غم فهو مصدر مبين لنوع عامله او على الحال من مفعول الاهلاك على تاويله بالوصف اى مغموما. و حتى، فى قوله حتى تستجيب لى بمعنى الى، و المضارع بعدها منصوب بان مضمره و هى و الفعل فى تاويل مصدر مخفوض بحتى اى الى استجابتك لى و المعنى: امهلنى و لا تعاجلنى بالهلاك غما الى ان تستجيب لى دعائى. و حذف المفعول للعلم به. و عرفه الامر تعريفا: اعلمه اياه و بينه له. و الذوق وجود الطعم بالفم. شبه العافيه بالعسل فى اللذه على طريق الاستعاره بالكنايه و اثبت لها الطعم تخييلا و رشح الاستعاره بالاذاقه. و اشمت الله به العدو: انزل به مصيبه فرح لها عدوه يقال شمت به يشمت من باب علم شماته اى فرح بمصيبه نزلت به. و مكنته من الشى ء تمكينا: اقدرته عليه. و سلطته على الشى ء تسليطا: حكمته فيه قهرا. \par
015    48    (اسناد الظلم الى الحكم و العجله الى النقمه من باب المجاز العقلى) \par (اللهم ان رفعتنى فمن ذا الذى يضعنى، و ان وضعتنى فمن ذا الذى يرفعنى و ان اكرمتنى فمن ذا الذى يهيننى، و ان اهنتنى فمن ذا الذى يكرمنى، و ان عذبتنى فمن ذا الذى يرحمنى، و ان اهلكتنى فمن ذا الذى يعرض لك فى عبدك او يسالك عن امره، و قد علمت انه ليس فى حكمك ظلم، و لا فى نقمتك عجله، و انما يعجل من يخاف الفوت، و انما يحتاج الى الظلم الضعيف، و قد تعاليت يا الهى عن ذلك علوا كبيرا). \par رفعت الشى ء: اعليته عن مقره و اصله فى الاجسام ثم استعير فى المنزله و الرتبه فقيل: رفعه: اذا شرف منزلته و اعلى رتبته و منه: و رفعنا لك ذكرك و يقابله الوضع بمعنى الحط و هو انزال الشى من علو. و اكرمته اكراما: عظمته و اهنته اهانه: اذللته و منه: و من يهن الله فما له من مكرم و العذاب: الايجاع الشديد و هو اسم من عذبه تعذيبا. و الرحمه: رقه تقتضى الاحسان الى المرحوم و اذا وصف بها البارى تعالى فليس يراد بها الا مجرد الاحسان دون الرقه. و عرض له فى الامر عرضا من باب قعد: تعرض له فمنعه باعتراضه ان يبلغ مراده لانه يقال: سرت فعرض لى فى الطريق عارض من جبل و نحوه اى مانع يمنع من المضى و اعتراض له: بمعناه. و المراد بالسئوال فى قوله عليه السلام: او يسئلك عن امره: السئوال على طريق المناقشه و الاعتراض و منه قوله تعالى: لا يسئل عما يفعل اى ليس لاحد ان يناقشه و يسئله عما يفعل. و من، فى جميع الفقرات للاستفهام الانكارى. \par قوله عليه السلام: و قد علمت انه ليس فى حكمك ظلم و لا فى نقمتك عجله، الواو ابتدائيه و الجمله مستانفه استينافا نحويا و الضمير فى انه للشان. و النقمه ككلمه: الانتقام و اسناد الظلم الى الحكم و العجله الى النقمه من باب المجاز العقلى لمشابهتهما الفاعل فى الملابسه. و انما، لقصر الصفه على الموصوف اى لا يعجل الا من يخاف الفوت و لا يحتاج الى الظلم الا الضعيف. \par اما الاول فظاهر، و اما الثانى فلان الظلم قبيح عقلا و شرعا فلا يرتكبه الاضعيف العقل جاهل بقبحه، و الله سبحانه لا يخاف فوتا لانه بالمرصاد و لا يحتاج الى الظلم لانه عالم بقبح القبايح مع غناه عنها فيستحيل عليه ان يفعل القبيح و يرتكب الظلم. \par
016    48    (ابتلاء الله تعالى لعباده تاره يكون بالمسار ليشكروا..) \par (و تاره بالمضار ليصبروا) \par (اللهم صل على محمد و آل محمد، و لا تجعلنى للبلاء غرضا، و لا لنقمتك نصبا، و مهلنى، و نفسنى، و اقلنى عثرتى، و لا تبتلينى ببلاء على اثر بلاء، \par
016    48    فقد ترى ضعفى و قله حيلتى و تضرعى اليك). \par البلاء هنا بمعنى المحنه و الاصابه بالمكروه. و الغرض: الهدف الذى يرمى اليه. و النصب بالسكون: العلم المنصوب. و معنى الدعاء: لا تجعلنى للبلاء هدفا و مرمى فلا ازال ارمى به و اصاب فلا انفك عنه كالهدف الذى لا ينفك عن اصابه السهام و لا تنصبنى لنقمتك علما فيسرع الى و تقصدنى من كل وجه كما يقصد العلم المنصوب من كل جهه. و مهلته تمهيلا و امهلته امهالا: انظرته و اخرت طلبه و رفقت به و لم اعاجله. و نفس له فى الامر: وسع و فسح من النفس بالتحريك بمعنى السعه و الفسحه فى الامر يقال انت فى نفس من امرك اى سعه و فسحه. و عثر الرجل يعثر عثرا من باب قتل و عثارا بالكسر: اذا سقط على شى ء و العثره: المره و يقال للزله عثره لانها سقوط فى الاثم و اقال الله عثرته: اذا رفعه من سقوطه و معناه تجاوز عن زلته. و بلاه الله يبلوه بلاء و ابتلاه يبتليه ابتلاء: امتحنه قال الراغب: اذا قيل بلا فلانا كذا و ابتلاه فهو يتضمن امرين. \par احدهما- تعرف حاله و الوقوف على ما يجهل من امره. \par و الثانى- ظهور جودته و ردائته و ربما قصد الامر ان و ربما يقصد به احدهما فاذا قيل بلاه الله بكذا و ابتلاه فليس المراد الا ظهور جودته و ردائته دون التعرف لحاله و الوقوف على ما يجهل من مراده اذ كان الله تعالى علام الغيوب و على هذا قوله تعالى: و اذا بتلى ابراهيم ربه انتهى. \par ثم ابتلاء الله تعالى لعباده تاره يكون بالمسار ليشكروا و تاره بالمضار ليصبروا فصارت المنحه و المحنه كلاهما بلاء فالمحنه مقتضيه للصبر و المنحه مقتضيه للشكر غير ان اطلاق البلاء فيما يدفع اليه الانسان من شده و مكروه اظهر معنى و اكثر استعمالا كما وقع فى عباره الدعاء اى لا تبتلينى لشده بعد شده و الاثر بالكسر و السكون و بفتحتين: الطريق المستدل به على من تقدم. و اصله من اثر الشى و هو حصول ما يدل على وجوده. و الضعف بفتح الضاد فى لغه تميم و بضمها فى لغه قريش: خلاف القوه و الصحه فالمضموم مصدر ضعف مثل قرب قربا و المفتوح مصدر ضعف ضعفا من باب قتل قتلا و منهم من يجعل المفتوح فى \par
016    48    الراى و المضموم فى البدن. و الحيله: الحذق فى تدبير الامور و هو تقليب الفكر حتى يهتدى الى المقصود. و قله الحيله عباره عن عدمها فانهم كثيرا ما يعبرون عن العدم بالقله فيقال قليل الخير اى لا يكاد يفعله و فلان قلما يفعل كذا اى لا يفعله و التضرع التذلل و تعديته بالى لتضمينه معنى الرغبه او الابتهال و الله اعلم. \par
017    48    (اعوذبك اللهم اليوم من غضبك فصل على محمد و آله و اعذنى \par عاذبه عوذا من باب قال: التجا اليه و قيل اعتصم به و قيل تحصن به و الكل متقارب، و الباء للالصاق اى الصق التجائى بك او اعتصامى او تحصنى بك. و من، فى قوله من غضبك لابتداء الغايه قال الرضى: تعرف من الابتدائيه بان تحسن فى مقابلتها الى او ما يفيد افادتها نحو قولك: اعوذ بالله من الشيطان الرجيم لان معنى اعوذ به التجا اليه فالباء هاهنا افادت معنى الانتهاء. و الفاء من قوله فصل لترتيب ما قبلها على ما بعدها فان العوذ به تعالى من سوء يستوجب اعاذته تعالى منه. \par
018    48    و استجير بك اليوم من سخطك فصل على محمد و آله و اجرنى \par و استجاره: طلب منه ان يحفظه فاجاره. \par
019    48    و اسئلك امنا من عذابك فصل على محمد و آله و آمنى \par و الامن: طمانينه النفس و زوال الخوف. \par
020    48    و استهديك فصل على محمد و آله و اهدنى \par و الاستهداء: طلب الهدايه و المطلوب اما زيادتها كما فى قوله تعالى: و الذين اهتدوا زادهم هدى و اما الثبات عليها كما روى عن اميرالمومنين عليه السلام فى تفسير: اهدنا الصراط المستقيم اى ثبتنا \par
021    48    و استنصرك فصل على محمد و آله و انصرنى، \par و الاستنصار: طلب النصر و هو الاعانه على العدو. \par
022    48    و استرحمك، فصل على محمد و آله، و ارحمنى، \par و الاسترحام: طلب الرحمه. \par
023    48    و استكفيك، فصل على محمد و آله و اكفنى \par و الاستكفاء طلب الكفايه و هى ما فيه سد الخله و بلوغ المراد فى الامر و قيل هى حصول الاستغناء عن الشى و منه: و كفى الله المومنين القتال اى اغناهم عن القتال. \par
024    48    و استرزقك فصل على محمد و آله و ارزقنى \par و الاسترزاق: طلب الرزق و هو العطاء الجارى. \par
025    48    و استعينك فصل على محمد و آله و اعنى \par و الاستعانه: طلب المعونه. و ترك متعلقها للعموم اى و استعينك على كل امر يستعان عليه. \par
026    48    و استغفرك لما سلف من ذنوبى، فصل على محمد و آله و اغفرلى \par و الاستغفار: طلب المغفره و انما قيده بقوله عليه السلام لما سلف من ذنوبى اى لما تقدم منها لسواله العصمه بعد ذلك و تصميمه على عدم العود الى شى ء من الذنوب. \par
027    48    (اختلف عباراتهم فى تعريف العصمه.. فقيل.. و قيل..) \par و استعصمك فصل على محمد و آله و اعصمنى فانى لن اعود لشى ء كرهته منى ان شئت ذلك). \par و الاستعصام: طلب العصمه و هى لغه: المنع. و عصمه الله للعبد منعه له عن المعصيه. \par و اختلف عباراتهم فى تعريفها عرفا فقيل: هى ملكه اجتناب المعاصى مع التمكن منها. و قيل: فيض الهى يقوى به العبد على تجنب الشر. و قيل: ملكه تمنع الفجور و يحصل بها العلم بمثالب المعاصى و مناقب الطاعات. \par
028    48    (التفضل قسمان: قسم مترتب على العمل. و قسم لا يترتب على العمل) \par (يا رب يا رب، يا حنان يا منان، يا ذاالجلال و الاكرام، صل على محمد و آله، و استجب لى جميع ما سالتك و طلبت اليك، و رغبت فيه اليك، و ارده و قدره و اقضه و امضه، و خرلى فيما تقضى منه، و بارك لى فى ذلك، و تفضل على به، و اسعدنى بما تعطينى منه، و زدنى من فضلك وسعه ما عندك فانك واسع كريم، و صل ذلك بخير الاخره و نعيمها، يا ارحم الراحمين) \par الحنان: الكثير الرحمه لعباده العطوف عليهم من حن اليه بمعنى تعطف عليه. و المنان: الكثير المن اى العطاء. و الاستجابه بمعنى الاجابه و قيل: الاجابه عامه و الاستجابه خاصه باعطاء المسئول. قوله عليه السلام: وارده، و قدره، و اقضه، و امضه، هذه الافعال الاربعه مترتبه فى المعنى ترتبها فى اللفظ فان الاراده قبل التقدير و هو بعده و التقدير قبل القضاء و هو بعده و القضاء قبل الامضاء و هو بعده فكل ثان مترتب على ما قبله متسبب عنه. و نظير ذلك: ان الصانع منا الشى ء لابد ان يتصور ذلك الشى ء اولا و ان \par
028    48    يتعلق مشيته و ميله الى صنعه ثانيا و ان يتاكد العزم منه عليه ثالثا، و ان يقدر طوله و عرضه و حدوده و صفاته رابعا، و ان يشتغل بصنعه و ايجاده خامسا و ان يمضى صنعه سادسا حتى يجى ء على وفق ما قدره، الا ان هذه الامور فى صنع الخلق لا تحصل الابحيله و همه و فكر و شوق و نحوها بخلاف صنع الخالق فانه لا يحتاج الى شى ء من ذلك لتنزه جنابه عنه. و خار الله له فى الامر: جعل له فيه الخير اى اجعل لى الخير. و بارك لى فى ذلك: اى اثبت خيرك فيه بحيث لا يزول من البركه و هى ثبوت الخير الالهى فى الشى ء، او اجعل لى فيه الزياده و النماء من البركه بمعنى زياده الخير الالهى فى الشى ء و بكل من المعنيين فسروا البركه. و تفضل على به، اى اجعل ذلك محض تفضل لامن جنس الاجر و الجزاء و ان كان هو ايضا تفضلا لما تقرر من ان التفضل قسمان: \par قسم مترتب على العمل ترتب الشبع على الاكل يسمى اجرا و جزاء. \par و قسم لا يترتب على العمل فمنه ما هو تتميم للاجر كما او كيفا كما وعده من الاضعاف و غير ذلك. \par و منه ما هو محض التفضل حقيقه و اسما كالعفو عن اصحاب الكبائر و تبديل السيئات بالحسنات و غير ذلك. و السعاده: معاونه الامور الالهيه للانسان على نيل الخير. \par و لما كان الفضل الالهى غير متناه وسعه ما عنده تعالى من الخيرات لا يوقف على حد لم يقتصر عليه السلام ما ساله الزياده عليه فقال و زدنى من فضلك وسعه ما عندك. و الواسع فى وصفه تعالى بمعنى الذى وسع غناه كل فقير و رحمته كل شى ء فلا يضيق عليه ما يتفضل به من الزياده. و الكريم: الجواد الذى لا ينفد عطائه و وصلت الشى ء بالشى ء: جعلته متصلا به لا انقطاع بينهما. و خير الاخره: الجنه. \par
001    49    الدعاء التاسع و الاربعون: من ادعيه الصحيفه السجاديه: و هو دعائه عليه السلام فى دفاع كيد الاعداء \par \par
001    49    بسم الله الرحمن الرحيم \par
001    49    (معنى اللهو، و اجمع آيه فى كتاب الله للخير و الشر) \par قال صلوات الله و سلامه عليه: \par (الهى هديتنى فلهوت، و وعظت فقسوت، و ابليت الجميل فعصيت، ثم عرفت ما اصدرت اذ عرفتنيه، فاستغفرت فاقلت، فعدت فسترت، فلك الهى الحمد) \par الهدايه: الدلاله بلطف على ما يوصل الى المطلوب و المراد بها هنا: الدلاله على الحق الموجب للفوز بالنجاه. و اللهو: اشتغال الانسان عما يعنيه و يهمه بما لا يعنيه اى دللتنى على الحق بارسال رسولك و انزال آياتك و عرفتنى سبيل رضوانك فاشتغلت عن ذلك بما لا يهمنى امره و لا يضرنى تركه. و كانه عليه السلام اراد بذلك الاشتغال بالمباحات عن الطاعات حال الاستمتاع بها. قال الراغب: يعبر باللهو عن كل ما به استمتاع كما قال تعالى: لواردنا ان نتخذ لهوا لا تخذناه من لدنا و الوعظ: زجر مقترن بتخويف و المراد بوعظه تعالى: ما تضمنه كلامه المجيد من الامر بالخير و النهى عن الشر كقوله تعالى: ان الله يامر بالعدل و الاحسان و ايتاء ذى القربى و ينهى عن الفحشاء و المنكر و البغى يعظكم لعلكم تذكرون قال ابن مسعود: هذه الايه اجمع آيه فى كتاب الله للخير و الشر. \par و القساوه عباره عن الغلظ و الجفاء و الصلابه كما فى الحجر ثم استعيرت لنبوه القلب عن التاثر بالمواعظ. و ابليت الجميل اى اعطيت و انعمت بالجميل من ابلاه خيرا اذا اعطاه اياه و منه قوله تعالى: و ليبلى المومنين منه بلاء حسنا قال المفسرون: اى \par
001    49    ليعطيهم من عنده تعالى عطاء حسنا غير مشوب بالمكاره و الشدائد و اصل البلاء فى كلام العرب: الاختيار و الامتحان و هو قد يكون بالخير لامتحان الشكر و قد يكون بالشر لامتحان الصبر كما قال تعالى: و نبلوكم بالشر و الخير فتنه غير ان الاكثر فى الشر ان يقال: بلوته ابلوه بلاء و فى الخير: ابليته ابلاء و بلاء كما وقع فى الايه و الدعاء. و الجميل: الحسن من جمل الشى ء يجمل جماله فهو جميل مثل صبح صباحه فهو صبيح: اذا حسن. و العصيان: الخروج عن الطاعه. و الاصدار: خلاف الايراد يقال: اوردت الابل: اذا اتيت بها الماء للسقى و اصدرتها: اذا صرفتها عن الماء بعدريها. اقاله الله: سامحه و رفع عنه العذاب. \par
002    49    تقحمت اوديه الهلاك، و حللت شعاب تلف، تعرضت فيها لسطواتك و بحلولها عقوباتك، \par تقحمت اوديه الهلاك اى رميت بنفسى فى اوديه الهلاك. و الاوديه: جمع واد و هو كل متفرج بين جبال و اكام يكون منفذا للسيل، و حللت بالبلد حلولا من باب قعد: اذا نزلت به. و الشعاب: جمع شعب بالكسر: الطريق فى الجبل و مسيل الماء. و تعرضت للشى ء. تصديت له و استقبلته. وسطا عليه و به سطوا و سطوه: قهره و اذله. \par
003    49    (و سيلتى اليك التوحيد و.. انى لم اشرك بك شيئا) \par و وسيلتى اليك التوحيد، و ذريعتى انى لم اشرك بك شيئا، و لم اتخذ معك الها). \par و الوسيله: ما يتوسل به الى الشى ء و الذريعه بمعناها. \par (اليك مفر المسى ء و مفزع المضيع لحظ نفسه) \par (و قد فررت اليك بنفسى، و اليك مفر المسى ء، و مفزع المضيع لحظ نفسه الملتجى ء، \par فر من عدوه يفر من باب ضرب فرارا: هرب. و المفر: مصدر ميمى بمعنى الفرار. و فزع اليه فزعا كفرح فرحا: التجا اليه. و المفزع هنا مصدر ميمى ايضا بمعنى الفزع. و اضاع الشى ء اضاعه وضيعه تضييعا: اهمله حتى افتقد و ذهب و عدم. و الحظ: النصيب. \par
004    49    فكم من عدو انتضى على سيف عداوته، و شحذلى ظبه مديته و ارهف لى شباحده، و داف لى قواتل سمومه، و سدد نحوى صوائب سهامه، و لم تنم عنى عين حراسته، و اضمر ان يسومنى المكروه، و يجر عنى زعاق مرارته، \par نضوت السيف من غمده و انتضيته اى جردته. و شحذت الحديده اشحذها من باب منع و الذال معجمه: احددتها. و الظبه بالظاء المعجمه و تخفيف الباء الموحده حد السيف و السكين و نحو هما. \par و المديه مثلثه الميم: السكين العريض او العظيم. و ارهفت السيف ارهافا: رققته. و شباه السنان و نحوه: طرفه المحدد و جمعها شبا و شبوات. و حد كل شى ء: حدته و من الانسان باسه. قال فى الاساس: بفلان حد و حده اى باس و داف زيد الزعفران او الدواء دوفا من باب قال: خلطه بالماء ليبتل فهو مدوف. و السموم: جمع سم بالفتح و هو القاتل المعروف. و سدد الرامى السهم الى الهدف تسديدا: وجهه اليه. و الصوائب جمع صائب من صاب السهم صوبا من باب قال لغه فى اصاب اصابه اى وصل الغرض. و الحراسه بالكسر: فعل الحارس. و اضمرت الشى ء اضمارا: عزمت عليه بضميرى و قلبى. و سمته كذا اى ابتغيته له و منه يسومونكم سوء العذاب اى يبتغونه لكم. \par و الجرعه بالضم من الماء كاللقمه من الطعام و هو ما يجرع مره واحده و صيغه التفعيل هنا للتكثير. و الزعاق بضم الزاء و آخره قاف: الماء المر الغليظ لا يطاق شربه و طعام زعاق ايضا كثير الملح. \par
005    49    فنظرت- يا الهى- الى ضعفى عن احتمال الفوادح، و عجزى عن الانتصار \par
005    49    ممن قصدنى بمحاربته، و وحدتى فى كثير عدد من ناوانى، و ارصدلى بالبلاء فيما لم اعمل فيه فكرى، \par و الفوادح: جمع فادح او فادحه من فدحه الامر فدحا من باب منع: اذا غلبه و بهظه و فى القاموس: فوادح الدهر: خطوبه. و الفادحه: النازله. و العجز: القصور عن فعل الشى ء و هو ضد القدره. \par و انتصر من عدوه: انتقم منه. و ناداه مناداه و نداءا من باب قاتل: عاداه. و ارصاد الشى ء: اعداده قال الزمخشرى فى الفايق: تقول رصدته: اذا قعدت له على طريقه تترقبه و ارصدت له العقوبه: اذا اعددتها له. و شد الازر: عباره عن احكام القوه. و الازر: القوه الشديده. \par (يوصف المغتاظ و النادم بعض الانامل و البنان و الابهام لان..) \par (ثم فللت لى حده، و صيرته من بعد جمع عديد و حده، و اعليت كعبى عليه، و جعلت ما سدده مردودا عليه فرددته لم يشف غيظه و لم يسكن غليله قد عض على شواه و ادبر موليا قد اخلفت سراياه) \par فل الله حده يفله فلا من باب قتل: ثلمه و كسره. و صيرته اى جعلته. و الجمع: الجماعه و يجمع على جموع مثل فلس و فلوس. و العديد: الكثير و قد يستعملونه فى قله الشى ء مقابله لما لا يحصى كثره و منه قوله تعالى: و شروه بثمن بخس دراهم معدوده اى قليله. و وحده على القول بانه منصوب انتصاب الظرف و الاصل على وحده حذف الجار و نصب وحده على الظرف هو المفعول الثانى لصيرت و الاصل صيرته كائنا وحده كما تقول صيرت زيدا عندك. \par قال الرضى و على فى على وحده بمعنى مع اى مع انفراده لامع غيره. و اما على القول بانه لازم النصب على الحاليه و هو قول سيبوبه فالمفعول الثانى لصيرت محذوف لدلاله الحال عليه و التقدير: صيرته منفردا حالكونه و حده فتكون حالا موكده لصاحبها مثل جميعا فى قوله تعالى: لامن من فى الارض كلهم جميعا قوله عليه السلام: و اعليت كعبى عليه، كنايه عن اعلائه و تشريفه عليه و اظفاره به قال صاحب المحكم: رجل عالى الكعب يوصف بالظفر و الشرف و سدده اى وجهه نحوى من سددت السهم الى الصيد تسديدا: اذ وجهته اليه و رددته عليه اى رجعته عليه و رددته اى صرفته و شفى غيظه اى ازاله من شفى الله المريض يشفيه من باب رمى شفاء اى ابراه فان الغيظ كالداء فاذا زال فكانه برء. و الغليل بالغين المعجمه حراره العطش و يطلق على الحقد ايضا و كل من المعنيين محتمل هنا. \par و السكون: ثبوت الشى ء و استقراره بعد تحرك و العض الشد و الامساك بالاسنان يقال عضه و عض عليه و قد يقال عض به عضا من باب تعب فى الاكثر. و الشوى على وزان نوى يطلق على الاطراف من اليدين و الرجلين. و قحف الراس ما كان غير مقبل و المراد به هنا اطراف اليدين و هى الانامل لان الانسان اذا اشتد غيظه و عجز عن الانتقام عض انامله. \par قال النيسابورى: يوصف المغتاظ و النادم بعض الانامل و البنان و الابهام لان هذا الفعل كثيرا ما تصدر عنهما فجعل كنايه عن الغضب و الندم و ان لم يكن هناك عض انتهى. و منه قوله تعالى: عضوا عليكم الا نامل من الغيظ و ادبراد بارا: ولى دبره و هو خلاف الاقبال و ولى عن الشى ء توليه: اعرض عنه و تركه يقال ادبر موليا و ولى مدبرا بمعنى اى انقلب راجعا و اخلف اخلافا يقال لمعان محتمله هنا: \par احدها- اخلف الرجل وعده: اذا قال شيئا و لم يفعله فى الاستقبال فالاخلاف فى المستقبل كالكذب فى الماضى و الاسم الخلف بالضم. \par الثانى- اخلف زيد ظنى فيه: اذا ظننت به خيرا فلم يصح ظنك فيه. \par الثالث- اخلفت النجوم اى لم تمطر قال الجوهرى: كان اهل الجاهليه يقولون اخلفت النجوم: اذا امحلت و لم يكن فيها مطر. \par الرابع- اخلف الشجر اى لم يثمر. و السرايا: جمع سريه كعطيه و عطايا و هى قطعه من الجيش. \par
006    49    فابتد اتنى بنصرك، و شددت ازرى بقوتك). \par
007    49    (العرب تضيف الشى ء الى نفسه اذا اختلف اللفظان كقولك حق اليقين) \par (و كم من باغ بغانى بمكائده، و نصب لى شرك مصائده، و وكل بى تفقد رعايته، و اضبا الى اضباء السبع لطريدته انتظارا لانتهاز الفرصه لفريسته و هو يظهر لى بشاشه الملق، و ينظرنى على شده الحنق، \par بغى على الناس بغيا: ظلم و اعتدى فهو باغ. و المكائد: جمع مكيده. و نصبت الشى ء نصبا من باب ضرب: وضعته وضعا ثابتا. و الشرك محركه: حبائل الصائد واحدتها شركه كقصب و قصبه. و المصائد: اما جمع مصيده اسم مصدر بمعنى الصيد كمكيده و مكايد او جمع مصيد او مصيده بكسر الميم و فتح الياء فيهما و هما آله الصيد فيكون اضافه الشرك اليها من باب اضافه الشى ء الى مرادفه لان العرب تضيف الشى ء الى نفسه اذا اختلف اللفظان كقولك حق اليقين، و لدار الاخره. و وكلت فلانا بكذا توكيلا: وليته امره يقال و كلته بالبيع فتوكل به ثم تجوز فيه فاستعمل فى المعانى و قيل: و كل به همه: اذا صرفه اليه و جعله موقوفا عليه. و تفقدت الشى ء: تعرفته و طلبته عند فقده و غيبته. \par و الرعايه: اسم من راعيته: اذا راقبته و نظرت اليه ماذا يفعل. و ضبا يضبا من باب منع مهموز اللام ضباء و ضبوا: لصق بالارض يستتر بها ليختل. و السبع بفتح السين و ضم الباء و تسكن: كل ذى ناب يعدو به و يفترس كالاسد و الذئب و الفهد و النمر. و الطريده: فعيله بمعنى مفعوله من طردت الصيد طردا من باب قتل اذا آثرته و اخرجته من مكانه و الاسم: الطرد بفتحتين قال الراغب: يسمى ما يثار من الصيد طريده. و انتظار الامر: توقع حصوله. و انهض الفرصه: نهض اليها مبادرا و اغتنمها من نهز نهزا من باب نفع اذا نهض لتناول الشى ء و الفرصه بالضم: الحاله التى يتمكن فيها من الشى ء المطلوب. \par و الفريسه فعيله بمعنى مفعوله من فرس السبع الشاه فرسا من باب ضرب: دق عنقها و كسرها و منه النهى عن الفرس فى الذبيحه و هو كسر رقبتها قبل ان تبرد. و فريسه الاسد: ما فرسه من حيوان لكن ليس المراد بفريسته فى عباره الدعاء: ما قد فرسه بل ما سيفرسه تسميه له بما يول اليه كتسميه العنب خمرا فى قوله تعالى: قال احدهما انى ارانى اعصر خمرا اى عنبا يول الى الخمريه. و البشاشه: طلاقه الوجه و اقبال الرجل على اخيه و الضحك اليه. و الملق محركه: الود و اللطف الشديد و قيل هو اظهار الموده و اللطف باللسان دون القلب. و الحنق بالحاء المهمله و النون المفتوحتين: الغيظ او شدته. \par
008    49    فلما رايت يا الهى تباركت و تعاليت دغل سريرته، و قبح ما انطوى عليه، اركسته لام راسه فى زبيته، و رددته فى مهوى حفرته فانقمع بعد استطالته ذليلا فى ربق حبالته التى كان يقدر ان يرانى فيها. و قد كاد ان يحل بى لو لا رحمتك ما حل بساحته). \par و الدغل بالتحريك: الفساد و الريبه. و سريره الانسان: ما اسره و اضمره من خير و شر و هى خلاف العلانيه. \par و انطوى فلان على الشر اى كتمه و ركسته ركسا من باب قتل و اركسته اركاسا: \par
008    49    قلبته على راسه و اللام من قوله عليه السلام: لام راسه بمعنى على اى على راسه نحو: و تله للجبين و يخرون للاذقان و دعانا لجنبه و ام الراس: الدماغ و هو مخ الراس. و الزبيه بالضم: حفره تحفر فى موضع عال يصادفيها الاسد و نحوه و الجمع زبى كمديه و مدى. و رددته اى رجعته. \par و المهوى: اسم لموضع الهوى. و الحفره بالضم: الحفيره و هى ما يحفر من الارض و جمعها حفر كغرفه و غرف. و قمع خصمه قمعا من باب نفع: قهره و اذله فانقمع. و الاستطاله: الترفع و العلو و هى خلاف الذل يقال: طال عليه و تطاول و استطال: اذا علا و ترفع و الربق بالكسر و السكون: حبل يجعل فيه عده عرى الواحده من العرى ربقه بالكسر و تفتح و جمعها ربق ككسره و كسر و بها رويت عباره الدعاء ايضا و التقدير من الانسان: التفكر و التدبير فى الامر بحسب نظر عقله اى كان يفكر و يدبر ان يرانى فى ربق حبالته. \par
009    49    (الفرق بين الشرق و الشجى) \par (و كم من حاسد قد شرق بى بغصته، و شجى منى بغيظه، و سلقنى بحد لسانه، و وحرنى بقرف عيوبه، و جعل عرضى غرضا لمراميه، و قلدنى خلالا لم تزل فيه، و وحزنى بكيده، و قصدنى بمكيدته، \par شرق زيد بريقه و بالماء شرقا من باب تعب غص به و الغصه بالضم: ما نشب فى الحلق و اعترض فلم يجر فيه ماء كان او طعاما او غيرهما. و شجى الرجل بالعظم و نحوه شجى من باب تعب: غص به: و الفرق بين الشرق و الشجى ان الشرق يكون بالريق و الماء و نحوهما من كل مايع و الشجى يكون بالعظم و اللقمه و نحوهما من كل جامد و الغصص يعمهما فيقال: غص بريقه و غص بالطعام. و سلقه بلسانه سلقا من باب قتل: خاطبه بما يكره. \par و حد اللسان: حدته و الوحر: الوغر و هو امتلاء الصدر غيظا يقال و حر صدره على و حرا و وغر و غرا من باب تعب فيهما بمعنى امتلا غيظا فهو و حر الصدر و القرف: التهمه. و عرض الرجل بالكسر: جانبه الذى يصونه من نفسه، و حسبه و شرفه، و يحامى عنه ان ينتقص و يسلب، و يطلق على النفس. و الغرض محركه: الهدف و المرامى: جمع مرماه بكسر الميم و هو السهم سمى بذلك لانه آله للرمى و يقال للسهم الصغير الذى يتعلم به المرمى مرماه ايضا. و قلدته القلاده تقليدا: جعلتها فى عنقه فتقلدها. و الخلال: جمع خله بالفتح و هى الخصله. و قوله عليه السلام: لم تزل فيه اى استمرت تلك الخلال فيه و لم تنفصل عنه لان ما زال لاستمرار خبرها لفاعلها. و وحزنى بكيده اى طعننى بخدعه و مكر و قصدنى بمكيدته اى طلبنى و امنى. \par
010    49    فناديتك يا الهى مستغيثا بك، واثقا بسرعه اجابتك، عالما انه من يضطهد من اوى الى ظل كنفك، و لا يفزع من لجا الى معقل انتصارك فحصتنى من باسه بقدرتك) \par و وثقت به اثق بكسر هما ثقه و وثوقا: اعتمدت عليه فانا واثق. و الاضطهاد: افتعال من الضهد بمعنى القهر. واوى اليه ياوى من باب ضرب اويا على فعول بالضم: انضم و التجا اليه و منه: اذا وى الفتيه الى الكهف و الظل هنا بمعنى العز و المنعه مستعار من اظل المعروف. و الكنف بفتحتين: الجانب اى الى عز جانبك و مناعته. و فزع فزعا من باب تعب: خاف. و المعقل على وزن مسجد: الحصن و الملجا. و حصنته تحصينا: منعته من ان يقدر عليه. و الباس: الشده و القوه. \par
011    49    (سحائب مكروه، و سحائب نعم، و جداول رحمه) \par (و كم من سحائب مكروه جليتها عنى، و سحائب نعم امطرتها على، و جداول رحمه نشرتها و عافيه البستها و اعين احداث طمستها و غواشى كربات كشفتها). \par السحائب جمع سحابه و هى الغيم. و المكروه: كل ما شق على الانسان حمله. و جليتها اى كشفتها من الجلاء على وزن كتاب بمعنى الكشف و امطر الله السماء امطارا: ارسلها. و الجداول: جمع جدول كجعفر و هو النهر و قيده اكثرهم بالصغير. و نشرتها اى بسطتها من النشر: خلاف الطى او احييتها من نشر الميت و هو احيائه لانه يقال مات النهر اذا انقطع مائه و البسه الله العافيه: جعله ملتبسا بها و الاعين جمع عين بمعنى الباصره \par
011    49    و الاحداث: جمع حدث بفتحتين و هو الحادث الدهر و نوائبه التى تحدث اى تقع. و الطمس: المحو. و الغواشى: جمع غاشيه فاعله من غشيه يغشاه من باب تعب غشيا اى ستره و غطاه. و الكربات: جمع كربه بالضم اسم من كربه الامر كربا من باب قتل اى شق عليه و غمه فهو مكروب اى مغموم. و الكشف: ازاله الغطاء و نحوه عن الشى ء \par
012    49    و كم من ظن حسن حققت، و عدم جبرت، و صرعه انعشت، و مسكنه حولت \par الظن الحسن هنا عباره عن الرجاء و الامل فى رحمته و كرمه تعالى. و حققت ظنه احقه حقا من باب فعلت: ما كان يظنه و حققته تحقيقا بالتشديد للمبالغه. و العدم بفتحتين و بالضم و السكون: الفقر. و جبر الله فقره جبرا من باب قتل: سده، و قال ابوعمرو: الجبر: ان تغنى الرجل من فقر او تصلح عظمه من كسر. و الصرعه بالفتح: المره من الصرع و هو الطرح بالارض و بالكسر: حاله المصروع و هيئته. و نعشه نعشا و انعشه انعاشا: اقامه و رفعه من سقطته و المراد بالصرعه هنا: الورطه و الشده و بالانعاش: التدارك و التخليص منها على الاستعاره. \par و المسكنه: حاله المسكين و هو الفقير و يطلق على الذليل المقهور و ان كان غنيا و منه قوله تعالى: و ضربت عليهم الذله و المسكنه و حولنا الشى ء تحويلا: غيرته و نقلته من حال الى حال اى و كم من مسكنه غيرتها و نقلتها الى الغنى او الى العز. و مفعول كل من حققت، و جبرت، و انعشت، و حولت، ضمير عائد الى ما قبله حذف للعلم به. \par
013    49    كل ذلك انعاما و تطولا منك، و فى جميعه انهما كا منى على معاصيك لم تمنعك اسائتى عن اتمام احسانك، و لا حجزنى ذلك عن ارتكاب مساخطك، لا تسال عما تفعل \par و قوله عليه السلام: و كل ذلك اى كل ما ذكر من ضروب احسانه تعالى و هو مبتدا محذوف الخبر و خبره فعل ناصب لقوله انعاما و التقدير: و كل ذلك انعمت به انعاما. و التطول: الافضال و انهمك فى الامر انهماكا: جد فيه و لج فهو منهمك. \par و حجزت بين الشيئين حجزا بالزاى من باب قتل: فصلت بينما و منعت اتصالهما. و المساخط: جمع مسخطه و هى مصدر بمعنى السخط جاء على مفعله بفتح الميم و العين كالمحمده بمعنى الحمد و المنفعه بمعنى النفع و المعدله بمعنى العدل. \par
014    49    (الفرق بين الاباء و الامتناع و معنى الحرمات) \par و لقد سالت فاعطيت، و لم تسئل فابتدات، او استميح فضلك فما اكديت، ابيت يا مولاى الا احسانا و امتنانا و تطولا و انعاما، و ابيت الا تقحما لحرماتك، و تعديا لحدودك، و غفله عن وعيدك، فلك الحمد الهى من مقتدر لا يغلب، و ذى اناه لا تعجل) \par و استمحته استماحه: سالته العطاء. اكديت الرجل عن الشى ء: رددته عنه و اكدى الرجل: اذا قل خيره و قوله تعالى: و اعطى قليلا و اكدى اى قطع القليل و امسك عن العطيه. و الاباء: شده الامتناع فكل اباء امتناع و ليس كل امتناع اباء. \par و تقحم الرجل تقحما و اقتحمه اقتحاما: دخل فيه بلا رويه و لا تامل. و الحرمات بضتمين جمع حرمه بالضم و هى ما حرمه الله تعالى من ترك الواجبات و فعل المحرمات و الاناه: اسم من تانى فى الامر اى تمكث و لم يعجل. \par
015    49    هذا مقام من اعترف بسبوغ النعم، و قابلها بالتقصير، و شهد على نفسه بالتضييع، \par سبغت النعمه سبوغا من باب قعد: فاضت و اتسعت. و قابلت فعله بكذا مقابله جازيته به. و شهد على نفسه اى اقر. و تضييع الشى ء و اضاعته: اهماله و عدم حفظه حتى يهلك و المراد به هنا عدم القيام و الحفظ لما يجب لله تعالى من فرض او سنه. \par
016    49    اللهم فانى اتقرب اليك بالمحمديه الرفيعه، و العلويه البيضاء، و اتوجه اليك بهما ان تعيذنى من شر كذا و كذا، فان ذلك لا يضيق عليك فى وجدك، و لا يتكادك فى قدرتك، و انت على كل شى ء قدير، \par و تقرب الى الله: طلب منه القرب. \par
016    49    و المحمديه: المنسوبه الى محمد صلى الله عليه و آله و سلم و هى صفه لمحذوف اى المله او المنزله المحمديه. و الرفيعه: المتصفه بالرفعه و العلو و الشرف. و العلويه: المنسوبه الى على صلوات الله عليه اى الولايه او الدرجه العلويه. \par و البيضاء اى الفاضله الكريمه و توجه الى الله بكذا: قصده متوسلا اليه به. و كذا و كذا: كنايتان عما يطلب الاعاذه من شره. و ضاق عليه الامر ضيقا من باب سار: شق عليه و عجز عن القيام به و الاسم الضيق بالكسر. و الوجد بالضم: الغنى كالجده بالكسر. و تكاده الامر مهموز العين: صعب عليه و شق و منه عقبه كودا اى شاقه. \par
017    49    (فهب لى يا الهى من رحمتك.. ما اتخذه سلما اعرج به..) \par فهب لى- يا الهى- من رحمتك و دوام توفيقك ما اتخذه سلما اعرج به الى رضوانك، و آمن به من عقابك، يا ارحم الراحمين). \par و سلم كسكر: ما يتوصل به الى الامكنه العاليه سمى به تفالا بالسلامه ثم جعل اسما لكل ما يتوصل به الى شى ء رفيع. \par
001    50    الدعاء الخمسون: من ادعيه الصحيفه السجاديه: و هو دعائه عليه السلام فى الرهبه \par \par
001    50    بسم الله الرحمن الرحيم \par
001    50    قال صلوات الله و سلامه عليه: \par اللهم انك خلقتنى سويا، و ربيتنى صغيرا، و رزقتنى مكفيا، \par السوى: فعيل بمعنى مفعول من سواه تسويه اى عدله فاستوى اى اعتدل و التربيه انشاء الشى ء حالا فحالا الى حد التمام يقال: ربا الصغير يربو من باب علا: اذا نشاو يعدى بالتضعيف فيقال: ربيته تربيه فتربى قال تعالى: و قل رب ارحمهما كما ربيانى صغيرا \par
002    50    (يا عبادى الذين اسرفوا على انفسهم لا تقنطوا من رحمه الله) \par اللهم انى وجدت فيما انزلت من كتابك، و بشرت به عبادك ان قلت: يا عبادى الذين اسرفوا على انفسهم لا تقنطوا من رحمه الله ان الله يغفر الذنوب جميعا، و قد تقدم منى ما قد علمت و ما انت اعلم به منى، فيا سواتاه مما احصاه على كتابك، \par و وجدت الشى ء اجده من باب وعد وجدانا و وجودا: ادركنه اما باحدى الحواس الخمس او بالعقل. و العباد: قيل عام و قيل خاص بالمومنين على ما هو عرف القرآن الكريم فى اضافه العباد لتخصيصه بالمومنين. \par و الاسراف: الافراط و مجاوزه الحد فى كل فعل يفعله الانسان. و السرف بفتحتين اسم منه و القنوط: الياس و السواه بالفتح: ما يغم الانسان و يسوئه و لذلك كنى بها عن الفرج و الفضيحه و كل فعل او قول يستحيى منه اذا ظهر. \par
003    50    فلو لا المواقف التى اومل من عفوك الذى شمل كل شى ء لا لقيت بيدى \par و المواقف: جمع موقف و شملنا الله \par
003    50    بعفوه شملا من باب تعب عمنا و شملنا شمولا من باب قعد لغه. قوله عليه السلام: لا لقيت بيدى اللام جواب لولا و القيت الشى ء القاء: طرحته، و المراد باليد: النفس من باب اطلاق الجزء على الكل. \par قال بعضهم: الالقاء باليد عباره عن الاستسلام للوقوع فى الهلكه، و قيل: معنى القيت بيدى: اهلكت نفسى لان طرح الشى ء و عدم الاعتداد به يفضى الى هلاكه، و على كل تقدير فالمراد بقوله عليه السلام: لا لقيت بيدى لايست من رحمتك و عفوك اذ كان الياس من رحمته تعالى هو الهلاك الاكبر. \par (و لو ان احدا استطاع الهرب من ربه لكنت انا احق بالهرب منك، و انت لا تخفى عليك خافيه فى الارض و لا فى السماء الا اتيت بها و كفى بك جازيا، و كفى بك حسيبا، \par الهرب بفتحتين: الفرار. قوله عليه السلام: الا اتيت بها اى احضرتها يوم القيمه. قوله عليه السلام: و كفى بك جازيا و كفى بك حسيبا، الباء فى الموضعين زائده و مجرورها فاعل كفى و المعنى كفيت جازيا و كفيت حسيبا و نصب جازيا و حسيبا على الحال. \par
004    50    (و ان تعف عنى فقد يما شملنى عفوك و..) \par اللهم انك طالبى ان انا هربت، و مدركى ان انا فررت، فها انا اذا بين يديك خاضع ذليل راغم، ان تعذبنى فانى لذلك اهل، و هو يا رب منك عدل، و ان تعف عنى فقد يما شملنى عفوك و البستنى عافيتك). \par قوله عليه السلام: اللهم انك طالبى ان انا هربت، الطلب: الفحص عن وجود الشى ء عينا كان او معنى. و ادركت الشى ء ادراكا: طلبته فلحقته. وفر فرا من باب ضرب و فرارا بالكسر هرب و شمله الامر شملا: من باب قتل: عمه و احاط به. \par
005    50    (.. هذا صوت رحمته، فكيف صوت غضبه) \par (فاسئلك اللهم بالمخزون من اسمائك، و بما وارته الحجب من بهائك، الا رحمت هذه النفس الجزوعه، و هذه الرمه الهلوعه، التى لا تستطيع حر شمسك، فكيف تستطيع حر نارك و التى لا تستطيع صوت رعدك، فكيف تستطيع غضبك؟) \par
005    50    المخزون: المصون المحفوظ من خزنته: اذا وضعته فى المخزن صونا له عن ان تناله يد او يتسلط عليه احد، و المراد بالمخزون من اسمائه تعالى: ما استاثر بعلمه و حجبه عن خلقه فلا يعلمه الا هو. و اريت الشى ء مواراه: اذا سترته و توارى: استتر. و الحجب: جمع حجاب ككتب و كتاب و هو الستر من حجبه حجبا من باب قتل اى منعه لانه يمنع المشاهده. و البهاء: الحسن و الجمال. الجزوعه: المبالغه فى الجزع المكثره منه. \par و الرمه بالكسر: العظام الباليه و اراد بها جسده الشريف و التعبير عنه بها اما من باب تسميه الشى ء بما يول اليه مثل: ارانى اعصر خمرا او من باب الاستعاره بجامع الضعف و لعل هذا اولى. و الهلوعه: المبالغه فى الهلع يقال: هلع هلعا من باب تعب: اذا جزع اشد الجزع. \par فان قلت: نص علماء العربيه على ان فعولا اذا كان بمعنى فاعل لا تلحقه تاء التانيث بل يستوى فيه المذكر و المونث كرجل صبور و شكور بمعنى صابر و شاكر و امراه صبور و شكور بمعنى صابره و شاكره فكيف قال: النفس الجزوعه و الرمه الهلوعه و هى بمعنى الجازعه و الهالعه؟ \par قلت: ليس التاء فيهما للتانيث بل هى للمبالغه فى الوصف حتى يوصف بهما المذكر و قصد زياده المبالغه يقال رجل جزوعه و هلوعه كما قالوا رجل ملول و ملوله و لو كانت للتانيت لم تلحق وصف المذكر. و قوله: و التى لا تستطيع صوت رعدك، اى سماع صوت رعدك فكيف تستطيع سماع صوت غضبك فحذف المضاف لدلاله المضاف اليه عليه. \par روى ان بعض المترفين سمع قصفه رعد هائله فلم يتمالك ان انكب على وجهه خوفا و فزعا فقال له بعض الحاضرين: هذا صوت رحمته فكيف صوت غضبه. \par و فى معنى هذا الفصل من الدعاء قول اميرالمومنين عليه السلام فى خطبه له: يجزع احدكم من الشوكه تصيبه و العثره تدميه و الرمضاء تحرقه فكيف اذا كان فى طابقين من نار ضجيع حجر و قرين شيطان. نعوذ بالله من ذلك. \par
006    50    (لو ان عذابى مما يزيد فى ملكك لسالتك الصبر عليه و..) \par (فارحمنى اللهم فانى امرو حقير، و خطرى يسير، و ليس عذابى مما يزيد فى ملكك مثقال ذره، و لو ان عذابى مما يزيد فى ملكك لسالتك الصبر عليه، و احببت ان يكون ذلك لك، لكن سلطانك اللهم اعظم، و ملكك ادوم من ان تزيد فيه طاعه المطيعين، او تنقص منه معصيه المذنبين، \par
007    50    فارحمنى يا ارحم الراحمين، و تجاوز عنى يا ذا الجلال و الاكرام، وتب على، انك انت التواب الرحيم). \par
001    51    الدعاء الحادى و الخمسون: من ادعيه الصحيفه السجاديه: و هو دعائه عليه السلام فى التضرع و الاستكانه \par \par
001    51    بسم الله الرحمن الرحيم \par
001    51    (.. فقد اصطنعت عندى ما يعجز عنه شكرى) \par قال صلوات الله و سلامه عليه: \par (الهى احمدك و انت للحمد اهل على حسن صنيعك الى، و سبوغ نعمائك على، و جزيل عطائك عندى، و على ما فضلتنى به من رحمتك و اسبغت على من نعمتك، فقد اصطنعت عندى ما يعجز عنه شكرى). \par على حسن صنيعك، متعلق باحمدك. و الصنيع و الصنيعه: ما اصطنع من خير و معروف يقال صنع الله اليه خيرا اى فعله به. و سبوغ النعماء: سعتها و فيضها. و الجزيل: الكثير و على ما فضلتنى من نعمتك، عطف على حسن صنيعك، و اعاده الجار للتاكيد و اشعارا بتغاير الحمدين كانه استانف حمدا آخر. و قوله: و اسبغت على، عطف على فضلتنى اى و على ما اسبغت و افضت على من نعمتك. قوله عليه السلام: فقد اصطنعت عندى ما يعجز عنه شكرى، اى صنعت و ايثار صيغه الافتعال للمبالغه. \par و الفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها لكن لا على انه شى ء مغائر له فى الحقيقه واقع عقيبه او حاصل بسببه بل على ان الثانى هو عين الاول حقيقه و انما الترتيب بحسب التغاير الاعتبارى. و قد، لتحقيق ذلك المعنى فان من اصطنعته عنده مما يعجز عنه شكره هو عين ما حمده عليه من حسن صنيعه و سبوغ نعمائه و جزيل عطائه و رحمته التى فضله بها و نعمته التى اسبغها عليه لكنه لما كان مغائرا له فى المفهوم و اعظم منه حالا حيث عبر عنه بما يعجز عن شكره رتب عليه بالفاء ترتيب اللازم على الملزوم تفخيما لامره و تعظيما لشانه و المعنى: لما حسن صنيعك الى و سبغت نعمتك على و جزل عطائك عندى و فضلتنى \par
001    51    برحمتك و اسبغت على نعمتك فقد اصطنعت عندى ما يعجز عنه شكرى. \par
002    51    (معنى القضاء لغه و اصطلاحا) \par (و لو لا احسانك الى و سبوغ نعمائك على ما بلغت احراز حظى، و لا اصلاح نفسى و لكنك ابتداتنى بالاحسان، و رزقتنى فى امورى كلها الكفايه و صرفت عنى جهد البلاء و منعت منى محذور القضاء) \par يقال: احرز فلان نصيبه: اذا حصله و ضمه الى نفسه و الحظ: النصيب و منه انه لذو حظ عظيم اى نصيب وافر من المال. و اصلحت الشى ء اصلاحا: ازلت ما فيه من فساد بعد وجوده لكن المراد من اصلاح نفسه هنا: انشائه على صفه الصلاح لا ازاله ما فيه من فساد بعد وجوده فهو من باب «سبحان من صغر جسم البعوضه و كبر جسم الفيل» و ليس هنا نقل من كبر الى صغر و لا من صغر الى كبر و انما المراد الانشاء على تلك الصفه و ابتداتنى بالاحسان اى احسنت الى ابتداء من نفسك قبل ان اسئلك. و الكفايه ما حصل به سد الفقر و الحاجه و بلوغ المراد: و صرف الله عنه المكروه صرفا من باب ضرب رده و دفعه عنه. و الجهد: المشقه و البلاء: الاصابه بالمكروه و قيل: الجهد: اقصى المشقه و غايتها. و المحذور: المخوف الذى يحترز منه. و القضاء لغه: الحكم و اصطلاحا: حكم الله تعالى فى اعيان الموجودات على ما هى عليه من الاحوال الجاريه فى الازل الى الابد و اضافه المحذور اليه من اضافه الصفه الى الموصوف اى القضاء المحذور و المعنى انه تعالى لم يقض عليه بما يحذره و يكرهه بل قضى عليه بما حسن موقعه عنده و الله اعلم. \par
003    51    (الا ضطرار على ضربين: اضطرار بسبب خارج و اضطرار بسبب داخل) \par (الهى فكم من بلاء جاهد قد صرفت عنى، و كم من نعمه سابغه اقررت بها عينى، و كم من صنيعه كريمه لك عندى \par الجاهد: اسم فاعل من جهده الامر، اذا بلغ منه المشقه او بلغ منه الطاقه. و قرت العين تقر من باب ضرب قره بالضم و قرورا: سرت. و الصنيعه: ما صنع من معروف و التاء فيها للنقل من الوصفيه الى الاسميه. و الكريمه: الشريفه. \par
004    51    انت الذى اجبت عند الاضطرار دعوتى، و اقلت عند العثار زلتى، و اخذت لى من الاعداء بظلامتى. \par قال الراغب: الاضطرار فى التعارف: حمل الانسان على ما يضره و يكرهه و ذلك على ضربين: \par احدهما- اضطرار بسبب خارج كمن يضرب او يهدد حتى ينقاد و يواخذ قهرا فيحمل على ذلك كما قال تعالى: ثم اضطره الى عذاب النار. \par الثانى- بسبب داخل و ذلك: اما بقهر قوه له لا يناله بدفعه هلاك كمن غلب عليه شهوه خمر او قمار، و اما بقهر قوه يناله بدفعه الهلاك كمن اشتد به الجوع فاضطر الى اكل ميته و على هذا قوله تعالى: فمن اضطر غير باغ و لا عاد و قوله تعالى: ام من يجيب المضطر اذا دعاه عام فى كل ذلك انتهى. و هو فى الدعاء عام ايضا كما فى الايه بل هو تلميح اليها. و اقال الله عثرته اقاله: رفعه من سقوطه ثم تجوزبه عن الغفران و التجاوز عن الذنب. و العثار بالكسر: مصدر عثر الرجل فى مشيه من باب قتل و ضرب اى سقط و هو هنا مستعار للسقوط فى الاثم. \par و الزله بالفتح: اسم من زلت قدمه زللا من باب تعب: اذا زلقت، و قيل للذنب من غير قصد: زله تشبيها بها. و الضلامه بالضم: ما يطلبه المظلوم عند الظالم، و الباء مزيده للتاكيد اى اخذت من الاعداء ظلامتى. \par
005    51    (الوجدان على ضربين لانه اما بالحس الظاهرى.. او بالحس الباطنى..) \par (الهى ما وجدتك بخيلا حين سالتك، و لا منقبضا حين اردتك، بل وجدتك لدعائى سامعا، و لمطالبى معطيا و وجدت نعماك على سابغه فى كل شان من شانى و كل زمان من زمانى، فانت عندى محمود، و صنيعك لدى مبرور، \par وجدت الشى ء من باب وعد وجدانا بالكسر و وجودا: الفيته و ادركته اما بالحس الظاهرى كوجدان المبصرات و المسموعات و الطعوم و الروايح و الملموسات، او بالحس الباطنى كوجدان الشبع و الجوع و الالم، او بالعقل كمعرفه الله و سائر المعارف و هو المراد هنا. و البخيل فعيل بمعنى فاعل من بخل بخلا من باب قرب اى منع ما عنده من لا يحق منعه كالسائل و الفقير و ان لم يسال و الانقباض: ضد الانبساط يقال وجدت فلانا منقبضا: اذا لم يكن مسرورا و لا طيب النفس. و الاراده هنا بمعنى القصد و الطلب اى حين قصدتك و طلبتك. \par و الشان: الحال و الامر قال الراغب: و لا يقال الا فيما يعظم من الاحوال و الامور و صنيعك اى ما صنعته الى من خير عندى مبرور اى مشكور لم يخالطه كفر له و لا غمط و لا احتقار كانه احسن اليه بشكره و اخلائه عن ذلك. \par
006    51    تحمدك نفسى و لسانى و عقلى، حمدا يبلغ الوفاء و حقيقه الشكر، حمدا يكون مبلغ رضاك عنى، فنجنى من سخطك. \par و حقيقه الشكر: خالصه و محضه و قيل كماله. و مبلغ الشى ء: منتهاه و منه: ذلك مبلغهم من العلم. و السخط: الغضب الشديد لاراده العقوبه. \par
007    51    (الفرق بين العفو و المغفره، و سر تقديم سوال العفو على المغفره) \par (يا كهفى حين تعيينى المذاهب، و يا مقيلى عثرتى، فلولا سترك عورتى لكنت من المفضوحين، و يا مويدى بالنصر، فلو لا نصرك اياى لكنت من المغلوبين، و يا من وضعت له الملوك نير المذله على اعناقها، فهم من سطواته خائفون، و يا اهل التقوى، و يا من له الاسماء الحسنى، اسئلك ان تعفو عنى، و تغفر لى، و لست بريئا فاعتذر، و لا بذى قوه فانتصر، و لا مفر لى فافر) \par الكهف: الغار المتسع فى الجبل و انت كهفى اى ملجاى على الاستعاره و اعياه الامر اعياءا: اعجزه و لم يهتد لوجهه. و المذاهب: جمع مذهب: اما اسم مكان بمعنى الطريق و المسلك او مصدر ميمى بمعنى الذهاب و القصد من قولهم: ذهب مذهب فلان اى قصد قصده و المعنى يا ملجاى الذى اعتصم به اذا اعجزتنى الطرق فلم ادراى طريق اسلكه منها يكون بى نجاتى و اذا اعجزتنى المقاصد فلم اهتد الى قصد اقصده لا نجوبه مما وقعت فيه من البلاء و دفعت اليه من الشده. و قيل معناه: يا ملجاى حين تعيينى مسالكى الى الخلق و تردداتى اليهم. \par و اقاله العثره: مجاز عن المسامحه بالذنب و الصفح عن الزله. قوله عليه السلام: و يا \par
007    51    من وضعت له الملوك نير المذله على اعناقها: النير بكسر النون و سكون الياء المثناه من تحت و الراء المهمله: الخشبه التى توضع معترضه فى عنق الثورين حال الحرث و يجمع على نيران، و الكلام على التمثيل: شبه الهيئه المنتزعه من اخبات الملوك و ذلهم له تعالى كارهين و مضطرين بما ينتزع من حال الثيران اذا وضعت فى اعناقها النيران و الفاء من قوله عليه السلام: فهم من سطواته خائفون لترتيب مضمون ما بعدها على ما قبلها اى هم بسبب اضطرارهم الى المذله و الخضوع له من سطواته خائفون. \par و اهل التقوى اى حقيق بان يتقى عقابه و يومن به و يطاع كما قال سبحانه: هو اهل التقوى و اهل المغفره و الحسنى تانيث الاحسن اى الاسماء و اشرفها و معنى حسن الاسماء حسن معانيها و مفهوماتها لانها اسماء داله على معانى الكمال و نعوت الجلال. قوله عليه السلام: اسئلك ان تعفو عنى و تغفرلى جمع بين سوال العفو و المغفره للفرق بينهما فان العفو: اسقاط العقاب و المغفره ان يستر عليه بعد ذلك جرمه صونا له عن عذاب التخجيل و الفضيحه فان الخلاص من عذاب النار انما يطيب اذا حصل عقيبه الخلاص من عذاب الفضيحه فالاول هو العذاب الجسمانى و الثانى هو العذاب الروحانى و هو اعظم و اشد من الاول و بذلك يظهر سر تقديم سوال العفو على المغفره فانه من باب الترقى من الاضعف الى الاشد. \par و الفاء من قوله: فلست بريئا، للتعليل و من قوله فاعتذر للسببيه و الفعل بعدها منصوب بان مضمره وجوبا بسبقها بنفى محض كقوله تعالى: لا يقضى عليهم فيموتوا و لا، مزيده لتاكيد ما افادته ليس من معنى النفى و الباء مزيده للتاكيد ايضا دخلت على المعطوف على الخبر الصالح للباء و هو خبر ليس و الغرض: المبالغه فى نفى القوه، و المفر بفتح الفاء: مصدر ميمى بمعنى الفرار كقوله تعالى: يقول الانسان يومئذ اين المفر. \par
008    51    (لفظ الاحاطه: حقيقه فى الاجسام.. و استعمل فى الذنب) \par (و الخطيئه لمعنيين..) \par (و استقيلك عثراتى، و اتنصل اليك من ذنوبى التى قد او بقتنى، \par
008    51    و احاطت بى فاهلكتنى، منها فررت اليك ربى تائبا فتب على، متعوذا فاعذنى، مستجيرا فلا تخذلنى، سائلا فلا تحرمنى، معتصما فلا تسلمنى، داعيا فلا تردنى خائبا) \par استقال: سال الاقاله؟ و تنصل من ذنبه: خرج منه باعتذار او توبه او طلب عفو. و اوبقه ايباقا: اتلفه و اهلكه. و لفظ الاحاطه: حقيقه فى الاجسام احاطه السور بالبلد و الظرف بالمظروف و استعمل فى الذنب و الخطيئه و هما عرض كما قال تعالى: و احاطت به خطيئته لمعنيين: احدهما- ان الكبيره تستر الطاعات كما ان المحيط يستر المحاط به و الثانى- ان الكبيره تحيط بالطاعات و تستولى عليها احاطه العدو بالانسان بحيث لا يتمكن من الخلاص عنه فمعنى احاطت بى: سترت طاعاتى و سدت على طرق النجاه. و متعوذا اى معتصما بك و خذله خذلا من باب قتل: ترك نصرته و اعانته و الاسم: الخذلان بالكسر. و حرمت زيدا كذا حرمانا بالكسر: منعته اياه و احرمته بالالف لغه فيه. و اسلمه للهلكه اسلاما: لم يمنعه منها كانه اوصله اليها و مكنها منه من قولهم: اسلمت الشى ء الى فلان: اذا اوصلته اليه و مكنته منه. و رددته ردا: صرفته اى فلا تصرفنى خائبا و الخيبه: فوت المطلوب و عدم الظفر به. \par
009    51    (الفرق بين المسكين و الفقير، و معنى المضطر) \par (دعوتك يا رب مسكينا، مستكينا، مشفقا، خائفا، و جلا، فقيرا، مضطرا اليك، \par المسكين: بكسر الميم و فتحها لغه بنى اسد مشتق من السكون لسكونه الى الناس و قيل هو اسوء حالا من الفقير و قيل بل الفقير اسوء حالا منه و قيل هما سواء، و يطلق المسكين على الذليل المقهور و ان كان غنيا و منه قوله تعالى: ضربت عليهم الذله و المسكنه و المستكين: اسم فاعل من استكان بمعنى ذل و خضع. و اشفق من كذا اشفاقا: حذر منه فهو مشفق: و الخائف: المتوقع للمكروه. و الوجل: اسم فاعل من و جل و جلا من باب تعب اى خاف و قيل استشعر الخوف. و الفقير: فعيل بمعنى فاعل من فقر يفقر من باب تعب فقرا: اذا فقد ما يحتاج اليه. و المضطر: اسم مفعول من اضطره اليه اى احوجه و الجاه اليه و ليس له منه بد. \par
010    51    اشكو اليك يا الهى ضعف نفسى عن المسارعه فيما و عدته اوليائك، و المجانبه عما حذرته اعدائك، و كثره همومى و وسوسه نفسى) \par و الضعف بالفتح فى لغه تميم و بالضم فى لغه قريش: خلاف القوه و منهم من بجعل المفتوح فى الراى و المضموم فى الجسد. و سارع الى الامر مسارعه: بادر اليه. و المجانبه بالخفض عطف على المسارعه اى و عن المجانبه و معناها: البعد عن الشى ء. و الهموم: جمع هم و هو الحزن الذى يذيب الانسان من هممت الشحم هما اذا اذبته. \par
011    51    (.. فلا ادعو سواك، و لا ارجو غيرك) \par (الهى لم تفضحنى بسريرتى و لم تهلكنى بجريرتى، ادعوك فتجيبنى و ان كنت بطيئا حين تدعونى، و اسئلك كل ما شئت من حوائجى، و حيث ما كنت وضعت عندك سرى، فلا ادعو سواك، و لا ارجو غيرك). \par السريره: فعيله بمعنى مفعوله و هى ما يسره الانسان و يضمره فى نفسه و الجريره الذنب و هى ايضا فعيله بمعنى مفعوله لان الانسان يجرها الى نفسه و المعنى ما عذبتنى عليها و لا اخذتنى بسببها. \par
012    51    (اصل لبيك: الب البابين لك اى اقيم لخدمتك و..) \par (لبيك لبيك، تسمع من شكا اليك، و تلقى من توكل عليك، و تخلص من اعتصم بك، و تفرج عمن لاذبك، \par اصل لبيك: الب البابين لك اى اقيم لخدمتك و امتثال امرك و لا ابرح عن مكانى كالمقيم فى موضع من الب بالمكان اى اقام به و التثنيه للتكريم كما فى قوله تعالى: ثم ارجع البصر كرتين اى رجعا كثيرا مكررا و المعنى البابا كثيرا متتاليا فحذف الفعل و اقيم المصدر مقامه بعد حذف زوائده ورده الى الثلاثى ثم حذف حرف الجر من المفعول \par و اضيف المصدر اليه و حذفت النون للاضافه. و شكى امره الى الله شكوا من باب قتل: اظهره و بثه. و لقيه يلقاه من باب تعب لقاء بالكسر مع المد و القصر و لقيا بالضم و التشديد و الاصل على فعول: استقبله و واجهه و المعنى تلقا من توكل عليك بالعنايه و تستقبله و تواجهه سرورا بتوكله عليك كما يستقبل الانسان من يوافيه و يقصده اذا كان محبا له معتنيا بشانه و خلص الشى ء من التلف خلوصا و خلاصا من باب قعد: سلم و نجا و خلصته تخليصا: سلمته و نجيته. و اعتصم بالله اعتصاما: امتنع به و تمسك، و فرج الله عنك: كشف ما بك من غم و الاسم الفرج بفتحتين. و لاذبه يلوذ لو اذا بالكسر و حكى التثليث: التجا اليه \par
013    51    الهى فلا تحرمنى خير الاخره و الاولى لقله شكرى، و اغفرلى ما تعلم من ذنوبى، \par
014    51    ان تعذب فانا الظالم المفرط المضيع الاثم المقصر المضجع المغفل حظ نفسى، و ان تغفر فانت ارحم الراحمين. \par و فرط فى الامر تفريطا: قصر فيه و توانى حتى فات. و ضيع الشى تضييعا: اهمله و لم يتفقده حتى تلف و هلك و المراد تضييعه و اهماله ما يجب عليه القيام به. و ضجع فى الامر تضجيعا بمعنى قصر. و اغفلت الشى ء اغفالا: تركته اهمالا من غير نسيان و الحظ: النصيب. \par
001    52    الدعاء الثانى و الخمسون: من ادعيه الصحيفه السجاديه: و هو دعائه عليه السلام فى الالحاح على الله تعالى \par \par
001    52    بسم الله الرحمن الرحيم \par
001    52    (كيف يستطيع ان يهرب منك من لا حيوه له الا برزقك) \par (يا الله الذى لا يخفى عليه شى ء فى الارض و لا فى السماء، و كيف يخفى عليك - يا الهى- ما انت خلقته، و كيف لا تحصى ما انت صنعته، او كيف يغيب عنك ما انت تدبره، او كيف يستطيع ان يهرب منك من لا حيوه له الا برزقك، او كيف ينجو منك من لا مذهب له فى غير ملكك). \par قوله عليه السلام: و كيف يخفى، جمله مستانفه و الواو للابتداء و كيف منصوب بيخفى و هو استفهام انكارى بمعنى انكار الوقوع لا بمعنى انكار الواقع و قد بولغ فيه حيث وجه الانكار الى كيفيه الخفاء دون نفس الخفاء ايذانا بانه مما لا سبيل له الى التحقق و الوقوع اصلا لان ما يدخل تحت الوجود لابد ان يكون على حال من الاحوال فاذا لم يكن لشى ء حال اصلا لم يكن له حظ من الوجود اصلا على الطريق البرهانى. و كلمه ما، شامله للعقلاء تغليبا. و احصاء الشى ء: تحصيله بالعدد و اذا اسند الى الله تعالى فالمراد به علمه و احاطته بالاشياء. و صنعت الشى ء صنعا من باب منع و الاسم الصنع بالضم اى فعلته فعلا محكما، قال الراغب: الصنع: اجاده الفعل فكل صنع فعل و ليس كل فعل صنعا. و دبرت الامر تدبيرا: فعلته عن فكر و رويه كانك نظرت و فكرت فى دبره اى عاقبته و آخرته. و تدبيره تعالى يعود الى تصريفه لجميع الذوات و الصفات دائما تصريفا كليا و جزئيا على مقتضى حكمته و عنايته سبحانه و تعالى و هذه الفقرات الثلاث مضمونها الاستدلال على عدم خفاء شى ء عليه تعالى و احاطه علمه بكل شى ء. قوله عليه السلام: و كيف يستطيع ان \par
001    52    يهرب منك من لا حياه له الا برزقك، اى كيف يتمكن و يطيق الفرار منك ان طلبته من حياته موقوفه على رزقك و هو استدلال على غلبته تعالى على كل شى ء و ذلك من وجهين: \par احدهما- ان وجود كل حى متوقف على رزقه تعالى كما قال تعالى: امن هذا الذى يرزقكم ان امسك رزقه فمحال ان يستطيع الهرب منه و اين يهرب منه و الارازق له سواه. \par و الثانى- انه لو هرب منه لامسك عنه رزقه فهوى لوقته فى مطموره العدم و مهوى الفناء فكيف يمكنه الفرار. قوله عليه السلام: او كيف ينجو منك من لا مذهب له فى غير ملكك، نجامن الهلاك و نحوه ينجو نجاه: خلص و الاسم النجاء بالفتح و المد و قد يقصر اى كيف يخلص منك ان اردت امرا من لا مسلك له و لا طريق ينجو منه فى غير مملكتك و هو استدلال على استيلائه تعالى على كل شى ء و ذلك انما يتصور الخلاص منه اذا امكن له طريق يخلص منه ليس هو فى حوزته تعالى و لا فى تصرفه ليتاتى له الخلاص من جهه فاذا لم يكن هناك مذهب و لا مسلك الا و هو فى ملكه تعالى استحالت النجاه منه قطعا. \par
002    52    (من لا يعبد الله و لا يطيعه فلا وزن له عندالله و لا قدر له عنده) \par (سبحانك اخشى خلقك لك اعلمهم بك، و اخضعهم لك اعملهم بطاعتك و اهونهم عليك من انت ترزقه و هو يعبد غيرك). \par سبحانك اى تنزيها لك عمالا يليق بشانك من الامور التى من جملتها ان يخفى عليك او يهرب منك او ينجو منك و هو اعتراض موكد لما قبله و تمهيد لما بعده و هو قوله: اخشى خلقك لك اعلمهم بك الى آخره فان فى تمجيده بهذه الاوصاف كمال تنزيهه عن صفات المخلوقين. قوله عليه السلام: و اخضعهم لك اعملهم بطاعتك، اى و اشدهم خضوعا و حنشوعا و تذللا لك اكثرهم عملا بطاعتك و ذلك من وجوه: \par احدهما- انه كلما كثر عمله بطاعته تعالى ازداد منه قربه و زلفى فازدادت معرفته به تعالى و كلما ازدادت معرفته به ازدادت عظمته سبحانه فى نفسه اذ كان يقدر فى سلوكه عظمه الله بقدر عرفانه فكلما عبر منزلا من منازل المعرفه علم عظمه خالقه فكمل عقد \par
002    52    يقينه بذلك و علم نقصان ذاته فكمل خضوعه و صدق خشوعه و هذا فى الحقيقه يرجع الى معنى الفقره الاولى. \par الثانى- ان كثره العمل بطاعته تعالى تستدعى تحليته بحسن النيه و خلوص التوبه و ذلك يستدعى شده الخضوع و التذلل له تعالى ليكون عمله ابعد عن الرياء و ادخل فى الاخلاص. \par الثالث- ان المداومه على طاعته و الجد فى طلب مرضاته عز و جل انما يكون عن مزيد رغبه و رهبه و كلما ازدادت الرغبه و الرهبه اشتد الخضوع و الخشوع للمرغوب اليه و المرهوب منه و هى مقدمه جليه و لذلك قال تعالى فى وصف انبيائه: «انهم كانوا يسارعون فى الخيرات و يدعوننا رغبا و رهبا و كانوا لنا خاشعين» قوله عليه السلام: و اهونهم عليك من انت ترزقه و هو يعبد غيرك اى اكثرهم هوانا عليك من انت ترزقه لا غيرك و الحال انه يعبد سواك و ذلك ان ما خلق له الانسان انما هو طاعته تعالى و عبادته كما قال سبحانه: و ما خلقت الجن و الانس الا ليعبدون فاذا عبد غيره و هو ياكل خيره كان اهون عليه تعالى حتى من البهائم فانها صارفه لقواها فيما خلقت له و لذلك قال تعالى: قل ما يعبا بكم ربى لو لا دعائكم اى اى اعتداد يعتدبكم و اى وزن و قدر لكم عنده لو لا عبادتكم له و طاعتكم اياه و ايمانكم به؟ قال العلامه الطبرسى و فى هذا دلاله على ان من لا يعبد الله و لا يطيعه فلا وزن له عندالله و لا قدر له عنده. \par
003    52    (مدار مضمون هذه الفقرات على بيان كمال قدرته تعالى و...) \par (سبحانك لا ينقص سلطانك من اشرك بك و كذب رسلك، و ليس يستطيع من كره قضائك ان يرد امرك، و لا يمتنع منك من كذب بقدرتك و لا يفوتك من عبد غيرك و لا يعمر فى الدنيا من كره لقائك). \par اى انزهك تنزيها عما لا يليق بعظمه شانك من الامور التى من جملتها ان يوثر فى نقصان ملكك اشراك من لم يوحدك و تكذيب من لم يصدق رسلك و هو تنزيه له تعالى \par
003    52    عن احوال ملوك الدنيا اذ كان كمال سلطان احدهم بزياده جنوده و كثره مطيعه و قله المخالف و العاصى له و نقصان ملكه بعكس ذلك و هو سبب تسلط اعدائه عليه و طمعهم فيه، و اما سلطانه تعالى فلما كان لذاته غالبا و كمال قدرته مستوليا و هو مالك الملك يوتى الملك من يشاء و ينزع الملك ممن يشاء لم يتصور خروج العاصى بعصيانه عن كمال سلطانه حتى يوثر فى نقصانه و كذلك لم يكن لطاعه الطائع تاثير فى زياده ملكه و المراد بالامر هنا: القدر النازل على وفق القضاء الالهى. و معنى رده: دفعه و منعه و امتنع منه امتناعا: قوى على منع نفسه منه و اعتز و تاتى عما يراد منه. و كذب به تكذيبا: اعتقد كونه كذبا فالباء صله للتكذيب و مجرورها واقع موقع المفعول. و الفرق بين كذبه و كذب به كالفرق بين صدقه و صدق به فى ان المعدى بنفسه منهما يستعمل فى الاعيان و المعدى بالباء يستعمل فى المعانى غالبا قال تعالى: كل كذب الرسل فحق وعيد و قال: بل كذبوا بالحق لما جائهم و قدرته تعالى عباره عن نفى العجز عنه وفاته فوتا من باب قال: بعد عنه بحيث تعذر عليه ادراكه. و التعمير: اطاله العمر و هو مده حيوه الانسان فى الدنيا. و لقائه تعالى: قيل: عباره عن المصير اليه، و قيل هو عباره عن الموت و مدار مضمون هذه الفقرات الاربع على بيان كمال قدرته تعالى و استيلاء سلطانه و نفاذ امره و حكمه اذ كان ما قضاه و قدره لابد من وقوعه سواء كان مكروها للعبد او محبوبا له و ما اراد ايقاعه بعبده اوقعه به قهرا عليه بحيث لا يمكنه دفعه عنه و لا امتناعه منه و مصير كل اليه فلا يفوته من عبد غيره و كل من عليها فان فلا يبقى فى الدنيا من كره المصير اليه تعالى. \par
004    52    سبحانك ما اعظم شانك، و اقهر سلطانك، و اشد قوتك، و انفذ امرك \par هذا تنزيه و تقديس لله تعالى عن احكام الاوهام على صفاته بشبهيه مدركاتها و تعجب فى معرض التمجيد من عظم شانه و قهر سلطانه و شده قوته و نفاذ امره عز و جل. \par
005    52    (معنى: ذوق الموت... و فيه دليل على ان النفس باقيه بعد فراق البدن) \par سبحانك قضيت على جميع خلقك الموت، من وحدك و من كفر بك، و كل ذائق الموت، و كل صائر اليك، فتباركت و تعاليت لا اله الا انت وحدك لا شريك لك، \par و قوله سبحانك قضيت على جميع خلقك الموت، تنزيه آخر لساحه كبريائه عن ادراك العقول و الاوهام كنه قدرته التى من آثارها قضاوه على جميع خلقه الموت من غير فرق بين الموحد له و الكافر به حسبما اقتضته مشيئته المبنيه على الحكمه البالغه، و معنى قضيت على جميع خلقك الموت: حكمت به وعداه بنفسه لتضمينه معنى اوجبت. و معنى ذوق الموت: وجدان مرارته و كربه و فيه دليل على ان النفس باقيه بعد فراق البدن لان الذائق لابد ان يكون باقيا حال حصول الذوق. و معنى مصير الكل اليه تعالى: رجوعهم بالبعث و الحشر اليه تعالى للثواب او العقاب. و سمى البعث و الحشر مصيرا و رجوعا اليه تعالى لانه رجوع الى حيث لا يكون احد يتولى الحكم فيه غير الله سبحانه. \par
006    52    آمنت بك، و صدقت رسلك، و قبلت كتابك، و كفرت بكل معبود \par
006    52    غيرك، و برئت ممن عبد سواك). \par
007    52    (معنى الاسراف على النفس.. و المراد بالاهلاك هنا) \par (اللهم انى اصبح و امسى مستقلا لعملى، معترفا بذنبى، مقرا بخطاياى، انا باسرافى على نفسى ذليل، عملى اهلكنى، و هو اى اردانى، و شهواتى حرمتنى) \par الاصباح: الدخول فى الصباح و هو مجى ء ضياء النهار. و الامساء نقيضه و هو الدخول فى السماء و هى مجى ء ظلام الليل و ايثار صيغه الاستقبال للدلاله على التجدد و الاستمرار. و تخصيص هذين الوقتين بالذكر لان كلا منهما وقت انتقال من حال الى اخرى مخالفه لها، و استقللت الشى ء: رايته قليلا. و الاعتراف: الاقرار. و الاسراف على النفس: الافراط فى الخيانه عليها بالاسراف فى المعاصى. و ذليل اى منقاد من ذلت الدابه: اذا انقادت بعد تصعب و شماس او حقير ضعيف من ذل بمعنى هان و ضعف. و جمله قوله عليه السلام: عملى اهلكنى، استيناف وقع جوابا عن سوال مقدر كانه قيل كيف صار اسرافك على نفسك سببا لذلك؟ فقال: عملى اهلكنى الى آخره. و المراد بالاهلاك هنا: الايقاع فيما يوجب العذاب و هو الهلاك الاكبر. و الهوى: ميل النفس الى الشهوات الدنيويه. و الارداء: الهلاك. و الشهوات: جمع شهوه و المراد بها هنا استجابه النفس لما فيه \par
007    52    لذتها البدنيه دون الشهوه التى جعلها الله فى الانسان لتنبعث بها النفس لنيل ما يظن ان فيه صلاح البدن كشهوه الطعام عند الجوع فان هذه غير مذمومه بل محموده و تسمى الشهوه الصادقه و انما المذمومه الشهوه بالمعنى الاول و تسمى الشهوه الكاذبه. و حرمت زيدا كذا من باب ضرب: منعته اياه. \par
008    52    (المراد بطول الامل و غفله البدن و سكون العروق و...) \par (فاسئلك يا مولاى سئوال من نفسه لاهيه لطول امله و بدنه غافل لسكون عروقه، و قلبه مفتون بكثره النعم عليه، و فكره قليل لما هو صائر اليه \par المولى: المالك و الناصر و الرب و السيد و المنعم. و نفسه لاهيه اى ساهيه مشتغله بما لا يعنيها عما يهمها و يعنيها. و طول الامل عباره عن توقع الامور المحبوبه الدنيويه دائما و ظاهر ان ذلك داع للهو النفس و باعث عليه اذ كان موجبا لدوام ملاحظتها و هو مستلزم لاشتغال النفس بها و اعراضها عن ملاحظه احوال الاخره و غفله البدن عباره عن عدم كده و جهده فى العباده و ميله الى الراحه و الفراغ و سكون العروق قيل المراد به عدم اضطرابها من مرض باعث على عدم الغفله و قيل كنايه عما هو فيه من صحه الجسد و سلامته من الافات الباعثه على الراحه فانه لا يكون الا عند اعتدال حركه الشرائين الذى تجرى معه افعال البدن على المجرى الطبيعى و هى الحاله المعبر بها عن صحه البدن. و قلبه مفتون بكثره النعم اى مستمال مستهتر بها من قولهم فتن المال الناس من باب ضرب فتونا: استمالهم. و الفتنه فى اللغه: الاستهتار بالشى ء و الاعجاب به و الغلو فيه و منه: هو مفتون بطلب الدنيا و الرجل مفتون بابنه و شعره. و الفكر فى الشى ء: ترديد النظر بالقلب و التدبير فيه. و صائر اليه اى راجع و المراد بما هو صائر اليه ما ينتهى اليه من احوال الاخره التى يجب على الانسان ان يفكر فيها و يسعى فى كسب محبوبها و التوقى من مكروهها. \par
009    52    سوال من غلب عليه الامل و فتنه الهوى و استمكنت منه الدنيا و اظله الاجل سوال من استكبر ذنوبه و اعترف بخطيئته سوال من لا رب له غيرك و لاولى له دونك فلا منقذ له منك و لا ملجا له منك الا اليك). \par و غلب عليه كذا اى استولى عليه و المراد بالامل: التوقع لما لا ينبغى من الامور الدنيويه الفانيه. و فتنه الهوى اى اضله \par
009    52    او اوقعه فى شده و بليه. و استمكنت من الشى ء استمكانا: تسلطت عليه و قدرت على التصرف فيه كيف شئت. و المراد بالدنيا: حظوظ النفس فى هذه النشاه الفانيه التى يفسرها قوله تعالى انما الحيوه الدنيا لعب و لهو و زينه و تفاخر بينكم و تكاثر فى الاموال و الاولاد و اظله الشى ء: غشيه اودنا منه حتى كانه القى عليه ظله و هو عباره عن قرب وصوله و دنو حصوله. و الاجل: وقت الشى ء الذى يحل فيه و المراد به هنا وقت الموت و يعبر به عن الموت ايضا و به فسر قوله تعالى. و بلغنا اجلنا الذى اجلت لنا و استكثر ذنوبه: رآها كثيره. و اعترف بخطيئته: اقر بها بقلبه و لسانه. و لا رب له غيرك اى لا مالك له. و غيرك بالرفع صفه لرب على الموضع و يجوز نصبه على اللفظ و ان لم ترد به روايه. و الولى فعيل بمعنى فاعل من وليه: اذا قام به و منه: الله ولى الذين آمنوا و يطلق على الناصر ايضا. و دونك اى سواك. و الانقاذ: التخليص من ورطه. و الملجا: ما يلجا اليه اى يعتصم. \par
010    52    (الحق فى الاصل.. ثم خص.. باحد معنيين.. و الفرق) \par (بين التغير و الاستحاله) \par (الهى اسئلك بحقك الواجب على جميع خلقك، و باسمك العظيم الذى امرت رسولك ان يسبحك به، و بجلال وجهك الكريم، الذى لا يبلى و لا يتغير و لا يحول و لا يفنى، ان تصلى على محمد و آل محمد و ان تغنينى عن كل شى ء بعبادتك، و ان تسلى نفسى عن الدنيا بمخافتك، و ان تثنينى بالكثير من كرامتك برحمتك). \par الحق فى الاصل: مصدر حق الشى ء من بابى ضرب و قتل: اذا ثبت و لزم ثم خص فى الاستعمال حال الاضافه باحد معنيين: \par احدهما- ما اختص بالمضاف اليه و ثبت له من غير مشاركه لغيره فيه. فيقال: هذا حق زيد اى مختص به ثابت له لا شركه لغيره فيه. \par و الثانى- ما ثبت و وجب له و ان شاركه فيه غيره كما يقال: حق زيد ان يعظم اى واجب تعظيمه و ان شاركه غيره فى وجوب التعظيم. و المراد هنا: ما ثبت و لزم له تعالى \par
010    52    من غير ان يشاركه فيه غيره. و قوله عليه السلام: و باسمك العظيم الى آخره، اشاره الى قوله تعالى فسبح باسم ربك العظيم و هو صريح فى ان العظيم فى الايه صفه للاسم دون الرب. و قال المفسرون يجوز كونه صفه للاسم او صفه للرب و دل ايضا على انه اسم خاص لا اى اسم من اسمائه الحسنى على ان كل اسمائه سبحانه عظيم و معنى تسبيحه تعالى باسمه العظيم تنزيهه عما لا يليق بشانه بذكر اسمه العظيم لدلالته على تقدسه تعالى عن الاوصاف و النقائص الامكانيه و تنزهه عن العلايق الجسمانيه و العوايق الظلمانيه و تعظيمه بحسن الثناء عليه و الكمال الذى لا يشاركه غيره فيه. و الجلال: العظمه و الكبرياء. و الوجه عباره عن الذات كما قال تعالى: كل شى ء هالك الا وجهه و قال: و يبقى وجه ربك ذو الجلال و الاكرام و بلى الثوب يبلى من باب تعب بلى بالكسر و القصر: خلق. و تغير الشى ء: زال عما كان عليه. و حال الشى ء يحول حولا: استحال و انتقل عن طبعه و وضعه. \par و قد يفرق بين التغير و الاستحاله بان التغير يكون فى كيفيات الشى ء و الاستحاله يكون فى حقيقته و جوهره. و اغناه الله بكذا: كفاه به عن غيره فلم يحتج الى شى ء سواه فمعنى ان تغنينى عن كل شى ء بعبادتك: ان تكفينى بالاشتغال بعبادتك عن الاشتغال بشى ء من الاشياء فانه اذا شغله بطاعته و عبادته كفاه امور دنياه و آخرته كما ورد عن صاحب الدعاء عليه السلام: \par اذا عبدت الله لا تشرك به شيئا باخلاص جعل لك على نفسه ان يكفيك امر الدنيا و الاخره. و يحتمل ان يكون معنى ان تغنينى عن كل شى ء: ان تصرفنى و تصدنى عنه بالتوفيق لعبادتك و به فسر قوله تعالى: لكل امرى ء منهم يومئذ شان يغنيه قالوا: اى يصرفه و يصده عن قرابته. و سلت نفسه عن الشى ء سلوا من باب قعد: زالت عنها محبته قال ابوزيد: السلو: طيب نفس الالف عن الفه و يعدى بالتضعيف فيقال: سلا عنه تسليه اى اذهب محبته عن قلبه اى و ان تزيل و تذهب عن نفسى محبه الدنيا بالقاء خوفك \par
010    52    فى قلبى و ذلك ان الخوف اذا سكن القلب احرق الشهوه و طرد عنه الغفله فسلا عن الدنيا و زخرفها و لذلك. \par قال الصادق عليه السلام: ان حب الشرف و الذكر لا يكونان فى قلب الخائف الراهب و ثنيت الرجل بقضاء حاجته اى صرفته و رجعته به واصله من ثنى العود و هو عطفه قال الزمخشرى فى الاساس: و من المجاز ثنيت فلانا على وجهه: اذا رجعته الى حيث جاء. \par
011    52    (معنى الفرار الى الله، و الايمان به تعالى) \par (فاليك افر، و منك اخاف، و بك استغيث: و اياك ارجو، و لك ادعو، و اليك الجا، و بك اثق، و اياك استعين، و بك، او من، و عليك اتوكل، و على جودك و كرمك اتكل). \par الفرار الى الله: الالتجاء اليه و الاقبال عليه و الاعراض عما سواه و منه قوله تعالى: ففروا الى الله انى لكم منه نذير مبين و استغثت بالله: طلبت منه الغوث و هو النصره، و رجاء الله سبحانه عباره عن توقع احسانه و رحمته و مغفرته. و الايمان بالله: التصديق بالوهيته و الاعتراف بوحدانيته. و التوكل عليه: الاعتماد عليه. \par
001    53    الدعاء الثالث و الخمسون: من ادعيه الصحيفه السجاديه: و هو دعائه (ع) فى التذلل لله عز و جل \par \par
001    53    بسم الله الرحمن الرحيم \par
001    53    قال صلوات الله عليه: \par رب افحمتنى ذنوبى، و انقطعت مقالتى، فلا حجه لى، فلا الاسير ببليتى، المرتهن بعملى، و المتردد فى خطيئتى، المتحير عن قصدى، المنقطع بى، \par فحم الصبى يفحم بفتحتين فحوما: بكى حتى انقطع نفسه و صوته و منه افحمت الخصم: اسكته بالحجه و اسناد الافحام الى الذنوب مجاز عقلى للملابسه السببيه اذ كانت سببا للفحوم اى اسكتنى ذنوبى لكثرتها و عظمها فلا اطيق ان اتكلم بحجه او عذر و الحجه: الكلام المستقيم المبين للمحجه و هى جاده الطريق و لذلك سمى الدليل و البرهان حجه و قد يسمى العذر حجه. و المرتهن: اسم مفعول من رهنته المتاع بالدين اى حبسته عنده به فارتهنه منى اى اخذه منى رهنا فالمتاع مرهون و مرتهن. المتردد: اسم فاعل من قولهم تردد فى الطريق: اذا جاء و ذهب فيه مره بعد اخرى او من تردد فى امره: اذا تحير فيه و منه المردد و المتردد للرجل الحائر البائر و هو الذى لم يتجه لشى ء و تحير فى الامر: لم يدر وجه الصواب فيه. و القصد: مصدر بمعنى الفاعل يقال سبيل قصد اى مستقيم و منه قوله تعالى: و على الله قصد السبيل اى حق عليه بيان الطريق المستقيم الموصل الى الحق. و قطع بفلان فهو مقطوع و انقطع به فهو منقطع به بالبناء للمفعول فيهما: اذا كان ابن سبيل فحصل له سبب عاقه عن السفردون مقصده و مرامه الذى سافر اليه ثم اطلق على كل من حيل بينه و بين ما يومله على الاستعاره او التشبيه لانه قطع به دون ماموله. \par
002    53    (الوعد يكون فى الخير و الشر يقال...) \par قد اوقفت نفسى موقف الاذلاء المذنبين، موقف الاشقياء المتجرين عليك، المستخفين بوعدك. \par و وقفت نفسى اى جعلتها واقفه. و الموقف: مصدر ميمى بمعنى الوقوف و يحتمل كونه اسم مكان و تجرا عليه بالهمزه، اقدم و اسرع فى الهجوم عليه من غير هيبه و لا توقف و الاسم الجراه بالضم كغرفه. و استخف به استهان به. و الوعد يكون فى الخير و الشر يقال و عدته بنفع و ضر و من الوعد بالشر: يستعجلونك بالعذاب و لن يخلف الله وعده و مما يتضمن الامرين قوله تعالى: الا ان وعد الله حق و لكن اكثر الناس لا يعلمون فانه وعد بالقيمه و جزاء العباد ان خيرا فخير و ان شرا فشر. \par
003    53    سبحانك اى جرئه اجترات عليك، و اى تغرير غررت بنفسى؟ \par قوله عليه السلام: سبحانك اى جراه اجترات عليك: تعجب من شده تهوره فى الذنوب و تنزيها لساحه قدسه تعالى عما لا يليق بها من ارتكاب مخالفه امره و نهيه جل شانه و اى جراه استفهام تعظيم و تهويل و هو صفه لمصدر محذوف، و العامل فيه اجترات اى اجترات عليك اجتراء اى جرئه كقوله تعالى: اى منقلب ينقلبون اى ينقلبون انقلابا اى منقلب و مثله و اى تغرير غررت بنفسى و تقديم المفعول فى ذلك واجب للزوم الاستفهام و غرر بنفسه تغريرا: حملها على الغرر و هو الخطر اى خاطر بها و فى القاموس: غرر بنفسه تغريرا و تغرره: عرضها للهلكه و الاسم الغرر و الله اعلم. \par
004    53    (شبه صوره وقوعه فى المعاصى بصوره من سقط على وجهه) \par (مولاى ارحم كبوتى لحر وجهى، و زله قدمى، و عد بحلمك على جهلى، و باحسانك على اسائتى، فانا المقر بذنبى، المعترف بخطيئتى، و هذه يدى و ناصيتى، استكين بالقود من نفسى). \par كبا لوجهه كبوا: سقط على وجهه و اللام بمعنى على نحو: و يخرون للاذقان و تله للجبين و حر الوجه: صفحته و مارق من بشرته. و الكلام من باب \par
004    53    التمثيل شبه صوره و قوعه فى المعاصى بصوره من سقط على صفحه وجهه. و مثله قوله: زله قدمى، فان زله القدم هو استرسالها و خوضها فى مكان زلق فشبه صوره استر سالها فى ارتكاب الخطيئه بصوره من زلت قدمه. قوله عليه السلام: وعد بحلمك على جهلى، يقال: عاد الله علينا بمعروفه بمعنى جاد به علينا اى جد بحلمك على جهلى و باحسانك على اسائتى، و استكين اى اذل و اخضع و الباء للملابسه اى استكين ملتبسا بالقود و هو القصاص و قتل القاتل بدل القتيل و عباره الدعاء تمثيل لصوره استسلامه للعذاب و العقاب بما جناه بصوره استسلام القاتل للقتل بمن قتله و انما جاء بالجمله منفصله عما قبلها لكمال الاتصال به لانها بيان لمضمون قوله: و هذه يدى و ناصيتى من الاستسلام و الانقياد. و الله اعلم. \par (.. لم ير نفسه عليه السلام الا واحدا من عامه الناس) \par (دون ما خص به هو و امثاله) \par (ارحم شيبتى، و نفاد ايامى، و اقتراب اجلى و ضعفى و مسكنتى و قله حيلتى، \par الشيب و الشيبه: ابيضاض الشعر و المشيب: الدخول فى حد الشيب و قد يستعمل بمعنى الشيب ايضا. و نفد الشى ء ينفد من باب تعب نفادا بالدال المهمله: فنى و انقطع و المراد بنفاد الايام: مشارفتها للنفاد كما يدل عليه قوله: و اقتراب اجلى و ايثار صيغه الافتعال فى القرب للايذان بالمبالغه فيه و تاكيده. و الاجل: يطلق على مده العمر و الوقت الذى ينقرض فيه و هو المراد هنا. و الضعف بفتح الضاد و ضمها: خلاف القوه و منهم من يجعل الفتح فى الراى و الضم فى البدن. و المراد به هنا ضعف الهرم كما قال تعالى: ثم جعل من بعد قوه ضعفا و شيبه و المسكنه: الفاقه و الحاجه. و المراد: فاقته و حاجته الى رحمته تعالى. و الحيله: اسم من الاحتيال كالخيره اسم من الاختيار. \par
005    53    مولاى و ارحمنى اذا انقطع من الدنيا اثرى، و امحى من المخلوقين ذكرى، و كنت من المنسيين كمن قد نسى، \par و انقطاع الاثر عباره عن فناء الشى ء و ذهابه و عدمه يقال: انقطع الشى ء: اذا ذهب و عدم و الاثر: حصول ما يدل على وجود الشى ء و يطلق الاثر على الاجل بمعنى مده العمر و منه: \par حديث: من سره ان يبسط الله فى رزقه و ينسا فى اثره فليصل رحمه. اى يوخره فى اجله. و الامحاء: انفعال من المحو ادغمت النون فى الميم و المحو: ازاله الاثر يقال: محوته فامحى اى ذهب اثره و زال. و ذكر الشى ء: حضوره فى النفس و هو تاره يكون بالقلب و تاره باللسان. و نسيان الشى ء: عدم حضوره فى البال. \par
006    53    مولاى و ارحمنى عند تغير صورتى و حالى اذا بلى جسمى و تفرقت اعضائى، و تقطعت اوصالى يا غفلتى عما يراد بى). \par قوله عليه السلام: عند تغير صورتى و حالى، و صوره الشى ء: هيئته الحاصله عند ايقاع التاليف بين اجزائه و تطلق على الوجه خاصه. و حال الشى ء: هيئته الحاصله عند ايقاع التاليف بين اجزائه و تطلق على الوجه خاصه. و حال الشى ء: صفته و كيفيته التى يكون عليها. و بلى الميت يبلى من باب تعب بلاء: فنت الارض جسمه. و الاعضاء: جمع عضو و تفرق الاعضاء: انفصال بعضها من بعض. و الاوصال. المفاصل. \par فان قلت: مضمون هذا الفصل من الدعاء ينافى ما روى ان الارض لا يبلى لهم عليهم السلام جسدا و انهم لا يبقون فيها اكثر من ثلاثه ايام. \par قلت: لما كان غرضه عليه السلام من هذا الدعاء: التذلل و الخضوع لم ير نفسه الا واحدا من عامه الناس فكان ملحوظه ما يشمل الخلق دون ما خص به هو و امثاله على ان ملحوظه هذا هو ديدنه فى سائر ادعيته كما يشهد به الاستقراء و الله اعلم. قوله عليه السلام: يا غفلتى عما يراد بى، منادى متوجع منه نحويا اسفى و يا حسرتى و يسمى مندوبا به و متفجعا منه اى يا غفلتى احضرى حتى يتعجب من فضاعتك. و الغفله: سهو يعترى الانسان من عدم التحفظ و التيقظ و قد يستعمل فى ترك الشى ء اهمالا و اعراضا و منه قوله تعالى: و هم فى غفله معرضون. \par
007    53    (معنى الحشر لغه و شرعا، و المراد بجواره تعالى..) \par (و ارحمنى فى حشرى و نشرى، و اجعل فى ذلك اليوم مع اوليائك \par
007    53    موقفى، و فى احبائك مصدرى، و فى جوارك مسكنى، يا رب العالمين). \par الحشر لغه: اخراج الجماعه عن مقرهم و ازعاجهم و سوقهم الى الحرب و نحوها ثم خص فى عرف الشرع عند الاطلاق باخراج الموتى عن قبورهم و سوقهم الى الموقف للحساب و الجزاء. و قد يطلق الحشر و يراد به جمع اجزاء بدن الميت و تاليفها مثل ما كانت و اعاده روحه المدبره اليه كما كان و يسمى حشر الاجساد و اراده هذا المعنى هنا ظاهره حسنه. و نشر الميت نشورا من باب قعد: عاش و نشره الله نشرا يتعدى و لا يتعدى و يتعدى بالهمزه ايضا فيقال انشره الله و المعنى: و ارحمنى فى يوم حشرى و نشرى. و الموقف مصدر ميمى اى وقوفنى. و المصدر: الصدور عن الموقف الى دار الجزاء و هو الصدور الذى بينه الله تعالى بقوله: يومئذ يصدر الناس اشتاتا اى يصدرون عن الموقف متفرقين ذات اليمين الى الجنه و ذات الشمال الى النار نعوذ بالله منها و المراد بجواره تعالى حضرته المقدسه التى ليست بمكان و لا زمان بل هى قرب معنوى و عنديه روحانيه و هى المشار اليها بقوله تعالى: فى مقعد صدق عند مليك مقتدر و يعبر عنها بالجنه النورانيه الروحانيه. \par
001    54    الدعاء الرابع و الخمسون: من ادعيه الصحيفه السجاديه: و هو دعائه عليه السلام فى استكشاف الهموم \par \par
001    54    بسم الله الرحمن الرحيم \par (الهم الذى يجب التخلى عنه، و الهم الذى يجب التحلى به) \par الاستكشاف: طلب الكشف و اصله فى الايمان يقال كشف الغطاء و نحوه كشفا من باب ضرب اى رفعه ثم استعمل فى المعانى فقيل كشف الله غمه اى ازاله. و الهموم: جمع هم و هو الحزن قيل اشتقاقه من هممت الشحم: اذا اذبته سمى به الحزن لانه يذيب الانسان. \par و اعلم ان الهم قسمان: \par قسم يختص بالدنيا و علائق احوالها. \par و قسم يختص بالاخره. اما الذى يختص بالدنيا فهو الذى يجب التخلى عنه و الرغبه الى الله تعالى فى كشفه و ازالته اذ كان اعظم شاغل للعبد و قاطع به عن سلوك سبيل الحق و قصده بل اشد مهلك جاذب له عن الترقى فى مدارج القرب الى الحضيض. \par و اما الذى يختص بالاخره فهو الذى يجب التحلى به و حمل النفس عليه و عدم الانفكاك عنه اذ كان اعظم اخذ بزمام النفس الى سلوك سبيل الهدى و اشد جاذب الى الوصول الى ساحل عزه ذى الجلال و مطالعه انوار كبريائه كما اشار الى ذلك اميرالمومنين صلوات الله و سلامه عليه فى خطبه له حيث قال: \par ان من احب عباد الله اليه عبدا اعانه على نفسه فاستشعر الحزن و تجلبب الخوف فزهر مصباح الهدى فى قلبه.- الى ان قال- قد خلع سرابيل الشهوات و تخلى عن الهموم الا هما واحدا انفرد به فخرج من صفه العمى و مشاركه اهل الهوى. فقوله عليه السلام: قد تخلى من الهموم يريد به هموم الدنيا و علايقها و قوله: الا هما واحدا يريد به هم الاخره \par
001    54    و لذلك رتب عليه الخروج من صفه العمى و مشاركه اهل الهوى. \par و فى الصحيح عن ابى عبدالله عليه السلام: من اصبح و امسى و الدنيا اكبر همه جعل الله الفقر بين عينيه و شتت امره و لم ينل من الدنيا الا ما قسم له و من اصبح و امسى و الاخره اكبر همه جعل الله الغنى فى قلبه و جمع له امره. \par اذا عرفت ذلك ظهر ان المراد بالهموم الذى كان عليه السلام يستكشفها بهذا الدعاء الهموم الدنيويه التى قلما تخلو منها النفوس البشريه. \par
001    54    (اختلاف العبارات باختلاف الاعتبارات) \par (يا فارج الهم، و كاشف الغم، يا رحمن الدنيا و الاخره و رحيمهما، صل على محمد و آل محمد، و افرج همى، و اكشف غمى، \par فرج الله الهم فرجا من باب ضرب و فرجه بالتشديد لغتان صحيحتان بمعنى كشفه و الثانيه اكثر فى الاستعمال و الاسم: الفرج بفتحتين. و الهم و الغم قيل: كلاهما بمعنى الحزن و قيل: الغم: الكرب و هو الحزن الشديد فيكون اخص من الهم و قيل: الهم: ما يقدر الانسان على ازالته كالافلاس و الغم ما لا يقدر على ازالته كموت الولد. و الرحمن و الرحيم صفتان مبنيتان للمبالغه من رحم كالغضبان من غضب و العليم من علم و اضافه كل منهما الى الدنيا و الاخره بمعنى فى كاضافه مالك الى اليوم فى مالك يوم الدين و المعنى يا بالغا من الرحمه غايتها فى الدنيا و الاخره كما ان معنى مالك يوم الدين مالك امور العالمين كلها فى يوم الدين. \par فان قلت: قد ورد فى بعض الادعيه يا رحمن الدنيا و الاخره و فى بعضها يا رحمن الدنيا و الاخره و رحيم الدنيا و ورد فى هذا الدعاء يا رحمن الدنيا و الاخره و رحيمهما فما وجه الاختلاف فى هذه العبارات؟ \par قلت: اختلاف العبارات باختلاف الاعتبارات فعند اعتبار: الرحمن ابلغ من الرحيم لدلاله زياده المبانى على زياده المعانى و اعتبار الابلغيه فيه باعتبار الكميه نظرا الى كثره افراد المرحومين عبر برحمن الدنيا و رحيم الاخره لشمول رحمه الدنيا للمومن و الكافر و اختصاص رحمته الاخره بالمومن و عند اعتبار الا بلغيه باعتبار الكيفيه و هى جلاله الرحمه و وقتها بالنسبه الى مجموع كل من الرحمتين عبر برحمن الدنيا، و الاخره و رحيم الدنيا لجلاله رحمه الاخره باسرها بخلاف رحمه الدنيا، و باعتبار نسبه بعض افراد كل من رحمه الدنيا و الاخره الى بعض عبر برحمن الدنيا و الاخره و رحيمهما لان بعضا من كل منهما اجل من البعض و بعضا من كل منهما ادق و الله اعلم. \par
002    54    يا واحد يا احد يا صمد يا من لم يلد و لم يولد و لم يكن له كفوا احد، اعصمنى و طهرنى، و اذهب ببليتى. \par و الصمد: فعل بمعنى مفعول من صمد اليه اى قصده فمعناه: السيد المصمود اليه فى الحوائج المستغنى بذاته و كل ما عداه محتاج اليه فى جميع جهاته. \par (و اقرا آيه الكرسى و المعوذتين و قل هو الله احد) قول الامام عليه السلام عند املائه. الدعاء و قل: اللهم انى اسئلك سوال من اشتدت فاقته- الى آخره. \par
003    54    (انى اسئلك.. سوال من لا يجد لفاقته مغيثا، و لا..) \par (اللهم انى اسئلك سوال من اشتدت فاقته، و ضعفت قوته، و كثرت ذنوبه، سوال من لا يجد لفاقته مغيثا و لا لضعفه مقويا، و لا لذنبه غافرا غيرك، يا ذالجلال و الاكرام). \par الاشتداد: افتعال من شد الشى ء يشد من باب ضرب اى قوى فهو شديد و الاسم الشده بالكسر. و الفاقه: الحاجه و القوه تطلق على كمال القدره و على شده بالكسر و الذنوب: جمع ذنب. \par (لليقين مراتب و هى علم اليقين و عين اليقين و حق اليقين) \par اسئلك عملا تحب به من عمل به، و يقينا تنفع به من استيقن به حق اليقين فى نفاذ امرك، \par العمل: كل فعل يكون عن قصد فهو اخص من الفعل و يطلق على الصالح و السيى ء و اليقين لغه: العلم الذى لا شك معه و اصطلاحا: اعتقاد الشى ء بانه كذا مع اعتقاد انه لا يمكن الا كذا مطابق الواقع غير ممكن الزوال. و القيد الاول جنس يشمل الظن ايضا و الثانى يخرجه و الثالث يخرج الجهل و الرابع يخرج اعتقاد المقلد للمصيب. \par و عند اهل الحقيقه: رويه العيان بقوه الايمان لا بالحجه و البرهان و قيل: مشاهده الغيوب بصفاء القلوب و ملاحظه الاسرار بمحافظه الافكار. و قيل: الاستعانه بالله فى كل حال و الرجوع الى الله فى كل امر، و النظر الى الله فى كل شى ء. \par و لما كان لليقين مراتب و هى علم اليقين و عين اليقين و حق اليقين، قيد عليه السلام اليقين المسئول، بقوله: من استيقن به حق اليقين و هو اعلى المراتب. و ايثار التعبير باستيقن للمبالغه قال صاحب الكشاف: الاستيقان: ابلغ من الايقان، و نفاذ الامر: جريانه و وقوعه. و انما قيد عليه السلام اليقين المسئول بقوله: تنفع به من استيقن به و لم- يطلقه لان من اليقين ما لا ينفع الله به صاحبه الا ترى الى قوله تعالى: فلما جائتهم آياتنا مبصره قالوا هذا سحر مبين و جحدوا بها و استيقنتها انفسهم ظلما و علوا اى علمتها انفسهم علما يقينا و لو نفعهم الله باستيقانهم لها لم يجحدوا بها و انما خصصه بكونه فى نفاذ امره تعالى لاستلزام ذلك كمال القدره بتمام قدرته تعالى \par
004    54    اللهم صل على محمد و آل محمد، و اقبض على الصدق نفسى، و اقطع من الدنيا حاجتى، و اجعل فيما عندك رغبتى شوقا الى لقائك، و هب لى صدق التوكل عليك) \par و كمال سلطانه فيفوض اليه امره قوله عليه السلام: و اقبض على الصدق نفسى، قبضه الله قبضا من باب ضرب: اماته و الصدق لغه: مطابقه الحكم للواقع و قد يطلق على الثبات و الاستقامه فى دين الله نيه و قولا و عملا و به فسر اكثر المفسرين قوله تعالى: يا ايها الذين آمنوا اتقوا الله و كونوا مع الصادقين قالوا: الصادقون هم الذين صدقوا فى دين الله و فيما عاهدوا عليه من الطاعه نيه و قولا و عملا. قوله عليه السلام: و اقطع من الدنيا حاجتى القطع: فصل الشى ء و ابانته عما اتصل به سواء كان مدركا بالبصر كالاجسام او مدركا بالبصيره كالاشياء المعقوله و منه عباره الدعاء. و الحاجه: الفقر الى الشى ء مع محبته و المعنى اقطع من الدنيا فقرى مع محبتى لها و الرغبه فى الشى ء: كثره ارادته. و ما عنده تعالى: كنايه عن الثواب الاخروى. و لقائه تعالى عباره عن المصير اليه و القدوم عليه و تقديم الظرف للحصر \par
004    54    اى فيما عندك لا فى غيره. و انما كان الجعل المذكور عله الشوق الى اللقاء لان من رغب فى شى ء عند احد اشتاق الى لقائه و احب الوصول اليه ليحصل له ما رغب فيه و غرضه التوصل بذلك الى حب لقاء الله تعالى و عدم الكراهه له ليكون ممن احب الله لقائه و لم يكرهه على ما ورد: \par فى الحديث: من احب لقاء الله احب الله لقائه و من كره لقاء الله كره الله لقائه. و لذلك ورد فى دفع المنافاه بين هذا الحديث و بين حديث: ما ترددت فى شى ء انا فاعله كترددى فى قبض روح عبدى المومن يكره الموت و اكره اسائته. او وقت حب لقاء الله محمول على وقت الاحتضار كما روى انه: \par قيل للنبى صلى الله عليه و آله و سلم عند سماع حديث اللقاء منه: يا رسول الله انا لنكره الموت فقال ليس ذلك و لكن المومن اذا حضره الموت بشر برضوان الله و كرامته فليس شى ء احب اليه مما امامه فاحب لقاء الله و احب الله لقائه و ان الكافر اذا حضر بشر بعذاب الله فليس شى ء اكره اليه مما امامه كره لقاء الله فكره الله لقائه. فظهر ان الرغبه فيما عندالله موجبه للشوق الى لقائه تعالى. قوله عليه السلام: وهب لى صدق التوكل عليك، صدق التوكل هو صدق الانقطاع الى الله تعالى و صدق الانقطاع الى الله هو ان لا يكون للعبد حاجه الى غير الله سبحانه. \par
005    54    (لما سئل عليه السلام خير ما كتب فى الازل.. اخذ فى السوال لتوفيقه..) \par (اسئلك من خير كتاب قد خلا و اعوذبك من شر كتاب قد خلا، اسئلك خوف العابدين لك، و عباده الخاشعين لك، و يقين المتوكلين عليك، و توكل المومنين عليك). \par كتبه كتبا من باب قتل و كتابا: خطه فالكتاب فى الاصل مصدر ثم الطلق على المكتوب اطلاق المصدر على اسم المفعول و عبر به عن الحكم لانه مما يكتب و هو المراد هنا، و خلا الشى ء يخلو خلا: مضى و سبق و منه قوله تعالى: و ان من امه الاخلا فيها نذير اى اسئلك من خير حكم قد مضى و اعوذبك من شر حكم قد مضى اى سبق اثباته فى اللوح المحفوظ كما قال: لو لا كتاب من الله سبق لمسكم فيها اخذتم عذاب عظيم \par
005    54    و لما سال عليه السلام خير ما كتب فى الازل و استعاذ من شره اخذ فى السوال لتوفيقه للاعمال الصالحه فقال: اسئلك خوف العابدين لك- الى آخره- \par
006    54    (سواله عليه السلام جعل رغبته و رهبته مثل رغبته) \par (اوليائه تعالى و رهبتهم لوجوه) \par (اللم اجعل رغبتى فى مسئلتى مثل رغبه اوليائك فى مسائلهم، و رهبتى مثل رهبه اوليائك، و استعملنى فى مرضاتك عملا لا اترك معه شيئا من دينك مخافه احد من خلقك، \par الاولياء: جمع ولى فعيل بمعنى فاعل و هو من يتولى عباده الله و يوالى و يتابع طاعته من غير تخلل معصيه و كلا الوصفين شرط فى الولايه. و قيل بمعنى مفعول و هو الذى يتولى الله امره و حفظه كما قال تعالى: و هو يتولى الصالحين. \par و سواله عليه السلام: جعل رغبته و رهبته مثل رغبه اوليائه تعالى و رهبتهم لوجوه: \par احدها- انهم اكثر الناس رغبه فى الله و اشدهم رهبه منه لان من صفا نفسه عن الكدورات الجسمانيه و خلا من العوايق الظلمانيه، و اتصل بعالم القدس و شاهد جمال الحق و جلاله بعين البصيره كان اشد الناس رغبه فيه و رهبه منه. \par الثانى- ان رغبتهم و رهبتهم ليست كرغبه سائر الناس و رهبتهم فان اعظم رغبتهم فى شهود الحق و رهبتهم من حجا به و سائر الناس رغبتهم فى الثواب و رهبتهم من العقاب. \par الثالث- ان رغبتهم و رهبتهم يستلزمان دوام الجد فى العمل و الاعراض من غرور الامل لان مبدا هما كما عرفت تصور عظمه الخالق و جماله و جلاله و بحسب ذلك التصور يكون قوه الخوف و الرجاء و بحسبهما يكون استفراغ الوسع فى العباده و بذل الجهد فى الطاعه و الله اعلم. و مخافه احد، بالنصب مفعول لاجله اى لاجل مخافتى احدا من خلقك و غرضه عليه السلام: افاضه يقين على نفسه الشريفه لا يخشى و لا يخاف معه الا الله فلا يترك شيئا من امور الدين خوفا من سطوه بشر او اذيه مخلوق فان من كان موقنا بان النفع و الضرر \par
006    54    بيدالله تعالى لم يلتفت الى احد سواه و هذا اليقين من رسوخ الايمان بالله تعالى كما روى: \par عن اميرالمومنين عليه السلام انه قال: لا يجد عبد طعم الايمان حتى يعلم ان ما اصابه لم يكن ليخطئه و ان ما اخطاه لم يكن ليصيبه و ان الضار و النافع هو الله. \par
007    54    اللهم هذه حاجتى فاعظم فيها رغبتى، و اظهر فيها عذرى، و لقنى فيها حجتى، و عاف فيها جسدى). \par و العذر هنا بمعنى دفع اللوم اسم من عذره عذرا من باب ضرب اى ترك لومه على ما صنع، و لقنى فيها حجتى اى فهمنى ما احتج به فى طلبها و الهمنى ما اعتذر به عن الاقدام على سوالها. و التلقين من الله تعالى عباره عن الالهام و منه لقنى حجتى يوم القاك. و قوله عليه السلام: و عاف فيها جسدى اى لا تبلنى فى جسدى ببلاء تمتحننى به هل انا اهل لما سالت ام لا و الله اعلم بمقاصد اوليائه. \par
008    54    (لا يقو لن احدكم: اللهم انى اعوذبك من الفتنه لانه..) \par (اللهم من اصبح له ثقه او رجاء غيرك، فقد اصبحت و انت ثقتى و رجائى فى الامور كلها، فاقض لى بخيرها عاقبه، و نجنى من مضلات الفتن برحمتك يا ارحم الراحمين \par من: شرطيه و التحقيق ان جواب الشرط محذوف و ليس هو قوله عليه السلام فقد اصبحت لان الجواب مسبب عن الشرط و اصباحه عليه السلام واثقا بالله تعالى و راجيا له ليس مسببا عن اصباح غيره واثقا بغير الله و راجيا له بل هو متحقق ثابت سواء اصبح غيره كذلك ام لا و انما الاصل: من اصبح له ثقه او رجاء غيرك فلست مثله فقد اصبحت و انت ثقتى و رجائى فالفاء من قوله فقد اصبحت سببيه لا رابطه للجواب و نظير ذلك قوله تعالى: من كان يرجو لقاء الله فان اجل لله لات الاصل فيه من كان يرجو لقاء الله فليبادر العمل فان اجل الله لات، لان اجل الله لات سواء او جد الرجاء ام لم يوجد فلا يكون مسببا عنه لتكون جمله فان اجل الله لات هو الجواب. و اطلاق الثقه و الرجاء على الموثوق به و المرجو من باب اطلاق المصدر على المفعول مبالغه كالخلق بمعنى المخلوق و القول بمعنى المقول. و القضاء هنا بمعنى الحكم او الحتم و الايجاب. و خير: افعل تفضيل اسقطت كل العرب الفه لكثره الاستعمال الابنى عامر فانهم يقولون هذا اخير من ذلك. و الفتن: جمع فتنه بمعنى البلاء و الامتحان و لما كان من الفتنه ما هو خير و ما هو شر كما قال سبحانه: و نبلوكم بالشر و الخير فتنه سال عليه السلام النجاه من مضلات الفتن. \par كما قال اميرالمومنين عليه السلام: لا يقولن احدكم اللهم انى اعوذبك من الفتنه لانه ليس احد الا و هو مشتمل على فتنه و لكن فليستعذ من مضلات الفتن فان الله سبحانه يقول: و اعلموا انما اموالكم و اولادكم فتنه قال بعض الشارحين لكلامه عليه السلام: الفتنه اعم من الفتنه المستعاذ منها لصدقها على المال و البنين باعتبار ابتلاء الله تعالى و اختباره لهم بهما و هما غير مستعاذ منهما اذا راعى العبد فيهما امر الله و لزم طاعته، و اما الفتنه المستعاذ منها فهى التى يستلزم الوقوع فيها الضلال عن سبيل الله كالخروج فى المال عن واجب العدل و صرفه فى امداد الشهوات و اتباع الهوى انتهى. \par
009    54    (و صلى الله على سيدنا محمد رسول الله المصطفى و على آله الطاهرين). \par و ختم الدعاء عليه السلام: باستعطافه برحمته تعالى و ندائه باتصافه بنهايه الرحمه ثم بالصلوه على رسوله الذى ارسله رحمه للعالمين و آله الطاهرين صلوات الله عليهم اجمعين، مبالغه فى اقتضاء الاجابه و ايغالا فى تحريك سلسله الاستجابه و لا ريب فى حصول الاجابه و القبول كيف لا؟ و الداعى اشرف سائل و المدعوا كرم مسئول و الله ولى العصمه و التوفيق و الهادى فى القول و العمل الى سواء الطريق. \par ثم الشرح المسمى برياض السالكين فى شرح صحيفه سيد العابدين و قدوه الزاهدين صلوات الله و سلامه عليه و على آبائه و ابنائه الطاهرين ابدا الابدين و ذلك (فى) راد الضحى من يوم السبت لتسع بقين من شوال المبارك سنه ست و مائه و الف و لله الحمد. \par انتهى الجزء الثالث- من تلخيص الرياض- و بتمامه تم الكتاب و قد وقع الفراغ فى اليوم الاحد عشر من شهر شوال المبارك من شهود السنه الثمانيه و الثمانين بعد الثلاثمائه و الالف من الهجره النبويه على هاجرها آلاف الثناء و التحيه و صلى الله على سيدنا محمد و آله الطاهرين و الحمد لله رب العالمين و السلام علينا و على عباد الله الصالحين. \par

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخرین مطالب

نسخه جالینوس حکیم
حرص در روايات‏
سبب هلاكت خلق‏
كلام علامه مجلسى رحمه الله در انديشه‏ علامه ...
عمل صالح چیست
آثار معرفت نفس
مراحل مختلف شكل‏گيرى انسان در رحم مادر دوران ماه ...
روپوش قبر مطهر امام حسين(ع)، در اصفهان دوخته ...
اسرار طواف‏
دستور العملى از مرحوم بهارى رحمه الله‏

بیشترین بازدید این مجموعه

آثار معرفت نفس
عمل صالح چیست
محبت به شقى ترین مردم
شكر ، بالاترين عبادت
از راه نماز به بهترين حقيقت رسيد
راه اندازی بخش تخصصی عرفان اهل بیت(ع) در کتابخانه ...
قدردانی استاد انصاریان از خادمین سیدالشهدا علیه ...
سبب هلاكت خلق‏
حرص در روايات‏
زهد يا رهبانيت‏

 
نظرات کاربر

پر بازدید ترین مطالب سال
پر بازدید ترین مطالب ماه
پر بازدید ترین مطالب روز



گزارش خطا  

^