عربي
Sunday 24th of November 2024
0
نفر 0

أهل البيت^ والعبودية

أهل البيت^ والعبودية

أهل البيت^ والعبودية

بلغ أهل البيت^ مقام العبودية لله عز وجل لا يبلغ شأوهم في هذا أحد لأن معرفتهم بالله عز وجل هي الأجل والأعظم والأكثر من سائر الناس أجمعين، وقد بلغوا مقام التسليم لله تبارك وتعالى.

فهم لا يخطون خطوة واحدة إلا لله وفي سبيل الله وامتثالاً لأمر الله عز وجل وحياتهم وأعمالهم وأقوالهم وسيرتهم تدور في فلك الخالق البارئ المصور سبحانه وتعالى.

قيامهم وقعودهم سكوتهم وحديثهم وحتى زواجهم وتعاملهم وكسبهم وتجارتهم وحربهم وصلحهم سفرهم وحضرهم لباسهم ونظرتهم قولهم وصحوهم بكاؤهم وابتسامتهم وكل أعمالهم: إن كل ذلك ينطلق من نية خالصة وصفاء قلب وإيمان عميق، وهي بذلك جزء لا ينفك من مسيرتهم العبادية وهي انعكاس تام لعبوديتهم الخالصة لله عز وجل.

أهل البيت^ وهم يعبدون الله ويطيعونه ويسلّمون له سبحانه تسليماً أنما يفعلون ذلك لأن الله أهل للعبادة، فهم لا يعبدون الله طمعاً في الجنة أو خوفاً من النار، إنما ينطلقون في عبادتهم من خلال معرفة بالله سبحانه وعرفاناً لنعمائه وتسليماً لأمره ووفاء له تبارك وتعالى.

ولهذا فقد بلغوا الأوج في العبادة، ومن يطلع على مناجاتهم ودعواتهم لا يجد فيها إلا الإخلاص والتسليم والشعور بالتقصير لأنهم يقارنون عبادتهم بعبادة رسول الله التي لا يبلغها أحد من العالمين.

وقد بلغت عبادتهم أعلى المراتب لأنها لا تأتي خوفاً ولا طمعاً وإنما لإدراك ووعي تام بأن الله سبحانه يجب أن يعبد وأن الإنسان الكامل يجب أن يكون عبداً لله عز وجل.

يقول الإمام علي أمير المؤمنين×: >إلهي ما عبدتك طمعاً في جنتك ولا خوفاً من نارك، ولكن وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتك<([16]).

وعنه× أيضاً قال: >إنّ قوماً عبدوا الله رغبة فتلك عبادة التجار، وإنّ قوماً عبدوا الله رهبةً فتلك عبادة العبيد، وإن قوماً عبدوا الله شكراً فتلك عبادة الأحرار<([17]).

وأقسم بالله لو أن الله عز وجل قال لأهل البيت^: سأمحو عن الوجود الجنة والجحيم فلا عقاب ولا ثواب فإن ذلك لن يؤثر قيد شعرة على عبادة أهل البيت وتسليمهم.

وبلغ الإمام علي أمير المؤمنين× الذروة التي لا يبلغها أحد حتى أولاده وذريته واعترفوا بذلك مراراً.

وأهل البيت^ من الأئمة الأطهار بلغوا الذرى في عبادتهم وإن كانت لا تضاهي عبادة الرسول’ ووصيه علي× ولكن عبادتهم كانت المثل الأعلى للجميع، وبهذه العبادة الفريدة بلغوا ما بلغوا من القرب الإلهي، فكانت لهم الولاية والإمامة وبلغوا المقام المحمود ومقام الشفاعة، وأصبحت طاعتهم على الناس من أوجب الواجبات.

مفهوم العبادة

العبادة لله عز وجل هي أن تكون حركات الإنسان وسكناته وحياته ومماته لله سبحانه وتعالى، فكل خطوة يخطوها يجب أن تكون استجابة لإرادة الله ومشيئته خالصة لله دون سواه:

{قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ}([18]).

وللمرحوم الشهيد مطهري في موضوع العبادة والعبودية إشارات مفيدة للغاية، حيث تنطوي على المعارف الإلهية الحقة وللقارئ الكريم بعض ما ذكر مع شرح وتوضيح.

روي عن الإمام الصادق× قوله: >العبودية جوهره كنهها الربوبية<([19]).

إن بإمكان الإنسان أن يخطو في طريق الكمال وأن يبلغ درجات رفيعة في هذا المضمار، وقد يصل الإنسان إذا نجح في طي هذا الطريق أن يعبر حدود الخيال وبالرغم من كون الإنسان مخلوقاً فقيراً محتاجاً، ولا يملك شيئاً بذاته.

إلا أنه ومن خلال عبوديته لله عز وجل وإخلاصه في العبودية أن يبلغ درجة تمكنه من تسخير العالم.

مراحل بلوغ العبودية الكاملة

ومن أجل بلوغ مرحلة الولاية وتسخير العالم وبعبارة أخرى بلوغ درجة الكمال والقدرة التي تحصل من خلال العبودية لله والإخلاص والعبادة الحقّة فإنه يتوجب اجتياز وطي مراحل ومنازل عديدة:

المرحلة الأولى

ضبط النفس وتطويعها من خلال الارتفاع بالعبادة والعبودية بنية خالصة نقية كما يريدها الله عزّ وجلّ.

{وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا}([20]).

{إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً}([21]).

{إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ}([22]).

{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}([23]).

{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ}([24]).

وفي هذه المرحلة من العبودية تنفتح الشخصية الإنسانية على آفاق من المعرفة بحيث تكون الرغبات والميول النفسانية للإنسان طوع إرادته فتظهر بذلك أولى ملامح العبودية وهي الولاية على النفس الإمارة والسيطرة عليها.

المرحلة الثانية

وفيها تكون للإنسان ولاية على أفكاره المشتتة المبعثرة، وبعبارة أولى تكون له القدرة على التحكم والسيطرة بقوته التخيلية.

إن من أعجب العجائب في القوى الإنسانية قوّته التخيلية وبسبب هذه القوة ينتقل ذهن الإنسان في كل لحظة ويقفز من موضوع إلى موضوع آخر أو بما يمكن التعبير عنه بتداعي المعاني وتسلسل الخواطر.

هذه القوة ليست تحت طوعنا وإرادتنا، بل نحن أسرى هذه القوّة المدهشة، ولذا كلما حاولنا أن نركز على موضوع معين إذا بنا نقفز إلى موضوع آخر، وإذا نحن أسرى هذه القوّة التخيلية التي تحلّق بنا هنا وهناك، ولعلنا ندرك كيف نحاول أن نستحضر وقوفنا في الصلاة، فكلما حاولنا من أن نركز على ما نقوله أثناء الصلاة من كلمات ومعاني وأن يكون لنا حضور قلبي إذا بنا نعجز عن ذلك ونكلّ.

وهناك حديث لسيدنا ونبينا عليه أفضل الصلاة والسلام يقول فيه:

>مثل القلب مثل الريشة في الفلاة تعلقت في أصل شجرة يقلبها الريح ظهراً لبطن<([25]).

وتصور مشهد الريشة في مهب الريح وهي معلقة في أصل الشجرة كيف تقلبها الريح بهذه الجهة.

وقال النبي الكريم قلب ابن آدم

 

ريشة في فلاة في مهب الرياح

تعصف بها الريح مرّة صوب اليمين

 

وأخرى تتجه بها نحو الشمال

وفي حديث آخر قال النبي:

قلب ابن آدم كالمياه تفور في القدر الكبيرة

مرة تراه هنا وأخرى هناك

هناك في تقلب كالمياه وهي تفور

>قلب ابن آدم أشدّ انقلاباً من القدر إذا اجتمعت غليا<([26]).

فهل الإنسان خاضع لهذه القوة التخيلية وهل أن هذه القوة الغامضة التي تشبه عصفوراً يقفز من هذه الغصن إلى ذاك هي التي تتحكم بكياننا؟ أم أن سيطرتها علينا نابعة من ضعفنا وسذاجتنا بينما الذين بلغوا درجات الكمال وأهل الولاية قادرون على تسخير هذه القوة العتيدة وتطويقها؟.

لا ريب أن القسم الثاني من هذا التساؤل هو الصحيح ذلك أن من واجبات الإنسان أن يتحكم برغباته ويقهر قوّة الخيال لديه ويسيطر عليها وإلاّ فأن هذه القوة الشيطانية إذا ما تحكمت بالنفس الإنسانية،فانها ستذهب بها بعيداً عن طريق التكامل والصراط المستقيم وسوف تستغل جميع القوى النفسانية أبشع استغلال وتبدد كل هذه القوى بعيداً عن بناء الشخصية الإنسانية الرفيعة.

الروح العوبة بيد الخيال تقذفها هنا وهناك.

إن السالكين في طريق العبودية يبلغون في المرحلة الثانية مقام الولاية والربوبية على القوة التخيلية فتصبح في طوعهم، وأثر ذلك فإن الروح والضمير ينهجان بنحو التسامي وتجذبهم الفطرة نحو الله، وحينئذ تكون الطريق مفتوحة بعد التحكم بالقوة التخيلية وبعادها عن قطع الطريق إلى الله.

يقول الشاعر مولوي وهو يصوغ حديث النبي’:

>تنام عيناي ولا ينام قلبي<([27]).

وقال النبي’: >عيناي لا تنام

 

لا ينام القلب عن رب الأنام

عينك متيقظة وقلبك نائم

 

عيني نائمة وقلبي متيقظ قائم

جليسك لست أنا إنما ظلي

 

أبعد من الأفكار أنا

إن من الممكن كسب المعركة مع قوّة الخيال لأنه:

{لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها}([28]).

وعلى الإنسان أن يتجه إلى الله على أساس قابلياته في العبادة، إن المرتاضين ينتهجون طرقاً أخرى وأقصى جهدهم هو الإنزواء بعيداً عن الحياة واتخاذ موقف سلبي تجاه نشاط الإنسان في الدنيا، يعني إهمال الحياة وتعذيب الذات عن طريق معاقبة الجسم من خلال التجويع والتشديد عليه والقيام بحركات هي في الحقيقة نوع من التعذيب الذاتي، ومع كل ذلك فإنهم يحققون تقدماً طفيفاً على الصعيد الروحي.

إلا أن الإسلام حدد مساراً عبادياً يحقق أقصى النتائج من دون اللجوء إلى ما يقوم به المرتاضون.

إن استحضار القلب والوقوف أمام الرب والاستغراق في هذا المشهد بشكل وجداني سوف يوفر الظروف المساعدة للتركيز الذهني والصفاء النفسي.

يقول ابن سينا: >العبادة عند العارف رياضة ما لهممه وقوى نفسه المتوهمة والمتخيلة ليجرّها بالتعويد عن جناب الغرور إلى جناب الحق فتصير مسالمة للسرّ الباطن حينما يتجلّى الحق لا تنازعه فيخلص إلى الشروق الباطن<([29]).

وابن سينا في هذا النص يعتبر القوى المتوهمة والخيال و قوى تجرّ الإنسان في طريق الغرور بعيداً عن الحق. والرياضة هنا هي تقوية الإرادة والهمّة لكبح جماح الخيال والوهم وتطويعها من خلال التعويد الذي هو تمارين مستمرة ورياضة روحية إلى حدّ استسلام قوّة الخيال وبالتالي حدوث حالة سلام داخل النفس بانتهاء حالة النزاع، وهنا يكون القلب مستعداً لتلقي الإشراق.

المرحلة الثالثة

وفي هذه المرحلة تصل الروح في قدرتها وقوّتها وولايتها مرحلة تكون مستغنية في كثير من الشؤون البدنية في وقت يكون فيه البدن محتاجاً للروح مئة بالمئة.

الروح والبدن محتاجان لبعضهما البعض، فحياة البدن بالروح والروح صورة وحافظة للبدن، وإن سلب العلاقة التدبيرية للروح بالبدن تستلزم خراب وفساد البدن.

ومن جهة أخرى فإن الروح تحتاج البدن لأداء العديد من النشاطات فالروح تستخدم البدن في نشاطها.

أي أن الروح لا يمكنها أن تقوم بنشاطها وفعالياتها من دون الأدوات البدنية.

واستغناء الروح عن البدن في بعض نشاطاتها قد يحصل أحياناً في لحظات، وقد يتكرر ذلك وربما يصبح دائمياً، وهذه الحالة يطلق عليها >خلع البدن<.

والسهروردي فيلسوف الإشراق، يقول: أنه لا يعترف بحكمة من لا يستطيع القيام بـ >خلع البدن<، أما ميرداماد فيذهب إلى أبعد من ذلك فيقول: أنه لا يعترف بحكمة من لا يصبح >خلع البدن< لديه ملكة، بحيث يمكنه القيام بذلك متى شاء.

ويرى بعض الباحثين أن خلع البدن لا يدل على مرتبة متقدمة من الكمال؛ لأن بعض من لم يعبر >عالم المثال<. ولم يضع قدميه في مرحلة الغيب المعقول، يمكنه أن يقوم بذلك ويبلغ مرحلة> خلع البدن<.

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

الخوف من سوء العاقبة
النفس ومراحلها السبعة:
حديث من العرفاء:
أهل البيت^ والعبودية-2
وَالْحُبُّ فَرْعُ الْمَعْرِفَةِ
أهل البيت النور المطلق
التوسل بأهل البيت -2
10. علل اختفاء النعم
11.استكمال البركة
مراحل عبادة العارفين:

 
user comment